رد على تساءلات د. وفاء سلطان ومقاله { هل يصلح الدهر … ماأفسده ألإسلام } ؟ 3

سرسبيندار السندي

ردي على مقال الدكتورة وفاء سلطان ( هل يصلح الدهر … ما أفسده ألإسلام ) الجزء الثالث والأخير ، مع خالص شكري وإمتناني لك ياسيدتي المتألقة دائما ؟

 قلت ( النقطة التي أريد الوصول اليها هي أن الانسان مجهز بقدرة على التمييز بين الخطأ والصواب ، ومهما اضطربت ملكاته العقلية يفترض أن يتمتع ولو بالحد الادنىمن تلك القدرة هذه القدرة حمته من الاندثار وساعدته على استمرار البقاء ) ؟

 الجواب : السؤال هنا من أين أتى هذا ألإنسان بهذا ألإفتراض ليميز بين الخطأ والصواب ، أليس هذا ألإفتراض الذي تفترضينه يسمى بمفهوم ألعامة ولا أقول الدين الضمير ، فالمجتمعات التي تموت فيها الضمائر يكون قد سبقها فساد ألقيم والأخلاق فيها والعكس صحيح ، وهذا ألأفتراض ( الضمير ) هو ما أودعه الخالق في خلقيته العاقلة منذ ألأزل لإستمرار بقائها من خلال تعاونها مع بضعها طائعة أو مكرهة أحيانا ؟

 قلت (التربية هي التي تساهم في تحديد آفاق الفكر ، عندما تحرر الانسان وخصوصا في مراحل عمره الأولى من بعض القيود التي تفرضها التربية تكون قد ساهمت فيإتساع افقه ؟

 الجواب : كلام سليم وعلمي ، ولكن إذا إستمر تحرر ألإنسان من كل قيوده (الضوابط ) مع إستمرار نموه فقد تقوده تلك الحرية إلى إنزلاقات لاتحمد عقباها { كالجرائم بأنواعها } وهذا مايحدث للكثير من شباب اليوم خاصة في الغرب بسبب سوء إستغلالهم لتلك الحرية ، وهذا مايقره علم الإجتماع والجريمة ؟

 قلت : الدين، أيّ دين ، من أكثر المصادر التربوية قمعا للانسان لأنه ألغى مبدأالاحتمالات وقفل العقل داخل علبة سردين ، أتى بما أطلق عليه “حقائق الهية” ورفض التشكيكبصحتها أو مجرد السؤال عن احتمالات اخرى تبدو اكثر منطقيّة ؟

 الجواب : أستطيع القول أن من يضعون كل ألأديان في سلة واحدة ليسو بمنصفين ، وأستطيع القول وبكل ثقة أن مثل هذا ألأمر لايوجد في المسيحية ، وإن كان بعض ما قلته في اليهودية فتلك كانت فترة رضاعة البشر للإيمان بدليل تعامل ألله معهم مباشرة ، ورغم ذالك ليست الصورة بتلك السوداوية التي تتصورينها حتى فيها ، فالعلة في البشر وليست في الكتب بديل توبيخات أنبياء العهد القديم لشعبهم ومنهم نبي ألله هوشع في 6:4 { هلك شعبي من عدم المعرفة } وهذا القول قد قيل قبل أكثر من 730عام قبل الميلاد كماقال { شعب لايعقل يهلك } أما شريعته العين بالعين والسن بالسن التي كانت سائدة وقتها لم يكن يطبقها الشخص المعتدى عليه نفسه أو ذويه بل كان يتم ذالك من خلال قضاة وحكام ، بدليل أن ألله فرض عليهم 6 مدن سميت بمدن اللجوء 3 في الضفة الغربية الحالية و 3 في الضفة الشرقية ، كان يلتجئ إليها من إرتكب جريمة أو إثما ليتجنب بطش ذوي المعتدى عليه بالخطأ أو بالعمد ؟

 أما في المسيحية ( العهد الجديد ) فخير دليل أقوال السيد المسيح حيث قال { فتشو الكتب التي تضنون أن لكم فيها حياة فهى تخبر عني }و{ إمتحنو كل روح } أي لم يقل لهم أسلم تسلم أو أن تدفعو الجزية وأنتم صاغرون ، حتى شعب العهد القديم لم يكن يؤمن بتلك السهولة التي قد يتصورها البعض فلقد كان كثير الشك والتذمر رغم كل تلك المعجزات والأيات ، حتى نبي ألله موسى إمتحن ألله عندما ظهر له في العليقة المشتعلى فقال له { من أنت حتى أقول لشعبي } وكذالك طلب منه علامة تدعم كلمته وعهده معه عندما طلب ألله منه الذهاب لفرعون ؟

 قلت ( درجة الابداع لدى أي شعب تقيس درجة تحرره من كابوس الأديانفالأديان تحكم إتباعها بالتخويف ، والإسلام يملك من هذا السلاح حصة الاسد ، لا يمكن أن يبدعانسان تحت وطأة الخوف ، وكلّما اشتدت تلك الوطأة كلما قلّ ابداعه ؟

 الجواب : كلامك صحيح جدا ، ولكن هل تعلمين ياسيدتي الفاضلة كم مرة قال السيد المسيح لأتباعه لاتخافو في أناجيل رسله ألأربعة { 366 } مرة قالها بعدد أيام السنة ، فلولا تحرر حواريه وأتباعه من عقدة الخوف لما إستطاعو أن يفتنو المسكونة كلها مبشرين بإسمه وهم عزل من كل شئ عدا من سيف الكلمة ، ولما إستشهدو بالألاف فرحين وخلدو ، فهل بعد ألأن تستطيعين أن تتهمي المسيحية بتخويف أبنائها ، فلو نزع أتباع المسيح الحقيقيين الرحمة والمحبة من قلوبهم ونفوسهم لفتكو بأعدائهم في لحظات كما يفعل اليوم غيورهم ؟

 أما بالنسبة للإسلام فتلك حقيقة مرة كالعقلم ولايستطيع نكرانها المسلم المنصف ، فهو لم يمتلك حصة ألأسد فقط في إرهاب الناس بل إمتلك حصة كل الحيوانات والبشرية كلها ؟

 وفعلا عندما يتحرر ألإنسان من خوفه ومن كوابيسه ينطلق كالشلال الهادر مزيحا من أمامه كل المعوقات ، فالخوف ليس وراثة بقدر ماهو صفة يكتسبها ألإنسان من محيطه من خلا ألأخروين عن طريق الدين أولا ثم التربية ؟

 قلت (معظم الاديان إن لم يكن كلّها، تتوعد أتباعها بالعقاب في الآخرة إن هم تجاوزوا تعاليمها وقيمها في الحياة الدنيا ؟

 الجواب : إذا كانت نواميس البشر الوضعية تفرض العقوبات ياسيدتي ، فما بالك بنواميس ألله ، هل تريدين من نواميس ألله أن تكرم المجرمين واللصوص والقتلة ، وهم يعرفون مسبقا أثمان جرائمهم ؟

 قلت ( ألاسلام يتوعد أتباعه في الآخرة ويعاقبهم في الدنيا بالقتل ، ويبقى الخوف من القتل أشد وابشع اشكال الخوف واكثرها قدرة على قتل موهبة الابداع ؟

 الجواب : ألإسلام في قناعتي ليس مشكلة لأن لكل مشكلة حل ، بل قناعتي أنه لعنة حلت على البشرية مسلميها قبل غيرهم ، فالإله الذي يناقض نفسه في ليلة وضحايا يستحيل أن يكون إله { لو شاء ربك لأمن من في ألأرض كلهم جميعا.أفأنت تكره الناس حتى يكونو مؤمنين } يونس : 99 ؟

 ، ثم يناقض قوله فيقول { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَايَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون } التوبة 29) ؟

 والإله الذي يرضي شهوات نبيه بأيات منزلات كثيرة ، ويحرمها على أتباعه يستحيل أن يكون إله ؟

 نعم الخوف من القتل أشد وأبشع أنواع الخوف وتلك حقيقة ، وهذا الخوف ليس من حق بشر أن يزعه في أخيه مهما كانت التبريرات خاصةضد أشخاص مسالمين أبرياء ، لاناقة لهم بدين محمد أو بعير بدين عيسى وموسى وباقي ألأنبياء ؟

 قلت (عندما يتحرر الانسان من خوفه ستزداد خياراته وسيجد في قاموسه ملايينالمسميات للطخة الدائرية …. ألخ ؟

 الجواب : كلامك هذا في الصميم أيضا ولايختلف عليه عاقلان ، فدوائر بركة الماء الراكدة تتمدد إلى مالانهاية عندما تضربينها بحجر حتى تختفي ؟

 قلت (يمتلك الانسان مطلق الحرية في أن يؤمن بالله أو لا يؤمن ، ولكن عندما يؤمن يجب أن يكون مسؤولا عن تحديد هوية وطبيعة ذلك الـ “الله” ؟

 الجواب : كان ألأجدر بك أن تقولي ( يجب ) أن يمتلك ألإنسان مطلق الحرية في أن يؤمن بألله أو لايؤمن ، لأن في ألإسلام ليس هنالك خيار (من بدل دينه فاقتلوه) وهذا حديث صحيح ، وبشهادة ألأيات أيضا { مَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } أل عمران 58 ، والمائدة : 86 يقول نفس هذا ألإله {…. وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } إذن أي أية نصدق ، وفي غيرها يقول { إلهنا وإلهكم واحد } والسؤال كيف يكون إله محمد وإله ألأخرين واحد وفي نفس الوقت يأمر محمد بقتلهم أو دفع الجزية وهم صاغرون ؟

 نعم فعندما يؤمن إنسان ما بدين عليه ألإيمان بأوصاف إله ذالك الدين ، لأن ذالك الدينمن يحدد ويوصف إلهه ، وهنا ليست المسألة شخصية بقدر ماهى مسألة إيمانية تنبع من جوهر ذالك الدين ؟

 قلت (يؤمن الانسان بالله تسليما ، ولكن يحدد هويته وطبيعته عقليّا ، فالعقللا يستطيع أن ينفي أو ثبت وجود الله ، لكنّه حكما يستطيع أن يقبل أو يرفضمعالم هويته وطبيعته ، ليست الخطورة في أن لا نؤمن ، ولكن الخطورة في طبيعة ما نؤمن به ، أفضل من استطاع شرح تلك الفكرة كان العالم الفيزيائي صاحب جائزة نوبل

 Laureate Steven

 عندما قال ( نستطيع أن نجد اناسا صالحين وآخرين شريرين بين المتدينين وغير المتدينين ، ولكن يحتاج الرجل الصالح الى دين كي يستطيع أن يمارس الشر؟

 الجواب : العالم هذا حر في مايقوله ومايعتقده ، وهذه الحرية أتته من إيمان مجتمعه في حقه في الحياة وفي قول مايعتقده مادام لا يسبب به ضررا لمجتمعه ، وما دام لأخيه عقل يميز بين الصالح والطالح في كلامه ، ولكن هل أنت حرة في قول ماتشائين في مجتمع إسلامي ومنذ 1433 ولليوم ، الجواب بالتأكيد كلا وبدليل واقع اليوم والتاريخ ، كيف ونحن في القرن21 ؟

 أما قوله بأن الرجل الصالح يحتاج إلى دين لكي يستطيع أن يمارس شره ، فهذا ليس صحيحا بالنسبة للمسيحية بدليل { لو أن ألإنسان المسيحي الحقيقي لو تعمق في دينه لصار قديسا } بعكس ألإنسان المسلم { لو تعمق حقا في دينه لصار إرهابيا } بشهادة الواقع والتاريخ أيضا ؟

 قلت ( لماذا يستطيع الدين أن يدفع الناس الطيّبين الى القيام بأعمال شريرة ؟

 الجواب : المفروض أن تقولي كيف يعقل لدين أن يدفع الناس الطيبين للقيام بأعمال شريرة وتحددي الدين المقصود ، لأنه لايعقل أن تلقي تهمة عامة على دين يقول معلمه { إفعلو بالناس … ماتحبون أن يفعلوه بكم ، وأحبو أعدائكم ، وأحسنو لمبغضيكم ، وصلو من أجل الذين يظطهدونكم } وحتى الشرائع اليهودية التي كانت توصي العين بالعين والسن بالسن كانت تقول أيضا { بأنه إن جاع عدوك فأطعمه ، وإن عطش فإسقه } و{ إن تاه ثوره أو حماره فإلى حقله أو بيته أرشده } فهل في ألإسلام مثل هذا الفكر السامي وهو قبل ألإسلام بأكثر من 2300 عام ؟

 قلت 🙁 لأنه وحده يستطيع أن يخبّئ الشيطان تحت عباءة الله ، فهو الذيخلق الله وهو الذي خلق الشيطان وهو وحده الذي يستطيع أن يخلط بينهما، أبشع الشرور التيإرتكبت بحق البشرية كانت تلك التي ارتكبها الدين ؟

 الجواب : هذا أيضا ليس صحيحا بالمطلق ، فهناك المئات من الحروب التي حدثت عبر التاريخ لاعلاقة لها بالدين بقدر علاقتها بالسلب والنهب والغنائم والتوسع لإنشاء إمبراطوريات ، وأقربها إلى واقعنا غزوات المغول والتتار ، والإسلام بالحقيقة لم يأتي بدين ، بل جعل من دين صنعه مطية لتبرير تلك الغزوات والحروب ، فلو كانت غاية محمد الدين حقا لما خير الناس بين الجزية والله ؟

 على ما أعتقده أنك تقصدين الدين في سؤالك ، وهذا ليس صحيحا لافي اليهودية ولا في المسيحية بدليل أن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لم يأمرو أتباعهم بنشر دينهم بالسيف والحروب ، كما عرى أخطاء كل أنبيائه وبالتفصيل ، كما أدان سلوكهم وأخطائهم لأنهم بشر غير معصومين وكما قال الكتاب { الكل قد زاغو وفسدو … وأعوزهم مجد ألله }والدين الوحيد ألذي أخفى الشيطان في طياته هو ألإسلام ، بدليل سورة الجان ، وأيات قرأنه وسلوك نبيه وأتباعه ورغم ذالك قال عنه إلهه { إنك لعلى خلق عظيم } النبي الذي قال عنه المسلمين أنه أشرف خلق ألله وحتى أشرف من الملائكة وسيد المرسلين وخاتم النبيين ، والمصيبة أن هذا النبي الذي كان يوزع الجنة على أصحابه مجانا أيام غزواته لم يكن يعرف نفسه مصيره ، بدليل الحديث عن أبي هريرة (رض) قال : قال رسول ألله (ص) { أنه لنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِهِ ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ، قال: ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمته } 338 رواه مسلم ، وبدليل القرأن { وإن منكم إلا واردها . كان على ربك حتماً مقضيا . ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فبها جثيا ) مريم : 71 ـ 72

 ******

 قلت ( ليست الخطورة في أن لا نؤمن بالله ، فالانسان الذي يملك عقلا لا يحتاج الى الايمان بالله كي يكون مستقيما شريفا مسالما ومنتجا ، ولكن الخطورة تكمن عندمانؤمن بالله ولا نضع هذا الله على طاولة المشرحة أو تحت عدسة المجهر ؟

 الجواب : الخطورة الوحيدة في عدم إيمان شخص ما بألله ، تكمن بمفاجأته بوجود ألله بعد موته ، وفي إعتقادي ألإنسان العاقل من لايقامر

بأبديته ، أما إيمان شخص ما يدعي العقل بإله دون تشريحه فالخطورة أكثر بالتأكيد من عدم إيمانه ، لأنه قد يكون يتبع شيطان وليس إله حنان ، والسؤال هنا كيف سنعرفهم ، بكل بساطة من أقوله وأفعاله وسلوك أتباعه ؟

 قلت (لم اسمع في حياتي بأن مجزرة قد حدثت في تاريخ البشرية على ايدي اناس يدافعون عن ايمانهم بعدم ايمانهم بوجود الله. لكنّ اكثر المجازر في العالموافظعها ارتكبت على ايدي من يؤمن بالله ويدّعي بأنه يدافع عن هذا الله ؟

 الجواب : ألم تسمعي بالذين قتلهم الشيوعيون في ألإتحاد السوفيي من المسيحيين وكم الكنائس التي هدموها وفجروها ، ألم تسمعي بالذين قتلهم الشيوعيين في الصين وفي كمبوديا( الخمير الحمر) وفي فيتنام والكوريتين لالسبب إلا لأنهم كانو يؤمنون بألهتهم ، ولم يشاءو ألإيمان بالشيوعية وبأفكارها، ومنهم من كانو يعبدون ألله ، فهل كانت حرب هتلر دفاعا عن ألله أو الكنيسة ، أم كانت دفاعها عن أفكاره المجنونه ، ألم يجعل من ألمانيا دمية في لباس ماركس ؟

 نعم كانت هناك حروب بشعة إرتكبت باسم ألله ولازالت ترتكب ، ولقد قالها السيد المسيح قبل أكثر من ألفي عام لأتباعه في يوحنا 16 { ستأتي ساعة سيظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم لله قربانا } لذا فمن يدافعون عن ألله بالحروب والغزوات ليسو بأكثر من دجالين ومنافقين فالإله الذي يدافع عنه بشر تبا له ويستحيل أن يكون إله ، بل هو تصنيع عسكري كما يقول العراقيين ؟

 قلت( لقد انتقصت الأديان جميعها من كمالية الله، ولكن وصل انتقاص الاسلاملتلك الكمالية حدا انقلبت عنده المفاهيم وخرجت الحياة عن خط سيرها الطبيعي ، فاختلط الخطأبالصواب وغدا الرجل المسلم عاجزا عن التمييز بينهما ، هذا من جهة ومن جهة اخرى لم يتدخل دين من الأديان في تفاصيل حياة الفرد كما تدخل الاسلام ، ولذلك ترك ذلكالتدخل أثرا سلبيا في حياة المسلم أكبر من الأثر السلبي الذي الذي خلفته الأديان الأخرى في حياة اتباعها؟

 أية محاولة لدراسة الحالة التي وصل اليها المسلمون ، وأية محاولة لإخراجهم من تلكالحالة ستفشل ما لم تؤخذ تلك الحقائق بعين الاعتبار ، لقد جرّد الاسلام الرجل المسلم من بديهته ؟

 الجواب    تساءلات بحاجة للتفاسير ، فالدين الذي يجعل من السفاح والمجرم بطلا ومن الصعاليك واللصوص شطارا ، ومن السلب والنهب وسيلة عيش مسألة بحاجة لإعادة النظر من أتباعه ؟

 ، قلت ( … وهي قدرته في ابسط اشكالها على التمييز بين الخطأ والصواب. عندما يفقد الانسان عقله يصاب بـ “الاعتلال العقلي”. ولكن عندما يفقد قدرته على التمييز بين الخطأ والصواب يصاب بـ “الاعتلال الانساني”. فالانسان المصاب بالاعتلال العقلي يبقى انسانا، والمصاب بالاعتال الانساني يخسر انسانيته. لقد نزل الاسلام بأتباعه دون مستوى الاعتلال العقلي فجرّدهم من انسانيتهم، بتجريدهم من القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب ؟

 الجواب    كلامك في الصميم وليس بحاجة لسين أو جيم ؟

 قلت ( إنتقص الاسلام من كمالية الله إلى الحدّ الذي خلط عنده بين مفهوم الله ومفهوم الشيطان. خلط بين مفهومين في الاصل متناقضين ؟

 الجواب    بالحقيقة لم ينتقص ألإسلام من كمالية ألله فقط بل شوه صورة ألله وصفاته وهى بالحقيقة غاية الشيطان الذي تجلى في شخص محمد في غار حراء ، بدليل أيات سورة الجن الذين أسلمو على يد محمد ، والكلام طويل في هذا ؟

 قلت ( المرأة التي قتلت اولادها الخمسة ارتكبت خطأ لا لأنها لا تميّز بين الخطأ والصواب، ولكن اضطرابا علقيا دفعها لأن تتركب الخطأ وهي تعرف أنه خطأ ؟

  الحالة عند المسلم الذي يقبل الاسلام دون أن يطرح أي سؤال حول تعاليمه تختلف تماما، فهو سقط دون مستوى المختل عقليا، صار يخلط بين المفاهيم وفقد قدرته على التمييز بين المفاهيم المتناقضة ؟   يرتكب الجريمة ويسميها جهادا في سبيل الله، يقترف الشرّ ويسمّيه خيرا، وهنا تكمن الخطورة لم يسقط من كمالية الله وحسب بل خلط بينه وبين الشيطان ؟  

الجواب   بالحقيقة هو لم يخلط بين ألله والشيطان ، بل هو الشيطان بعينه الذي يحركه بدليل النتائج المرة والمخزية والتي لايعقلها عقل إنسان عاقل ؟  

 قلت ( يقف المرء حائرا امام درجة الانحطاط التي تدحرجت اليها جميع المجتمعات الاسلامية، وأحتار أمام حيرته فأتساءل: كيف يغوص أمرئ في مستنقع التعاليم الاسلامية ولا يعرف السبب الكامن وراء ذلك الانحطاط ؟   كيف نطالب رجلا يؤمن بالحديث النبوي الذي يقول: ” أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” بأن يبني مجتمعا عادلا يحكمه القانون والاخلاق ، هذا الرجل وبايمانه، بضرورة نصرة اخيه ظالما أومظلوما، فقد قدرته على التمييز بين الحق والباطل . فصلة الدم أو الدين لا تبرر الباطل ولا تلغي الحق والأمثلة على ذالك كثيرة من يغوص في مستنقع التعاليم ألإسلامية ؟   الجواب   سؤالك وسؤالي لكل ذي عقل وضمير ، هل يعقل أن يكون هذا القول وحي موحى لأشرف خلق ألله ، والذي كل يوم المسلمين البسطاء والمساكين يطلبون له الشفاعة والمنزلة والفضيلة ؟  

قلت ( لقد تساءلت مرارا: كيف يقرأ رجل مسلم قصة زواج نبيّه من عائشة ولا يقشعرّ بدنه ، وكيف يستطيع أن يتصوّر طفلة في التاسعة من عمرها تجلس في حضن رجل بعمر جدّها ولا يتقزز ؟  اذا كانت العادات والتقاليد تجيز له في ذلك الزمن فعلته تلك ، ألم يكن الله يدري بأنها لا تصلح لكل زمان ومكان ؟   الجواب   اليوم هنالك ملايين المسلمين بفضل شلالات المعرفه يعيدون حساباتهم من هذا النبي وهذا الدين ، خاصة بعد سقوط هلة وقدسية ألإثنين ؟  

 قلت ( كيف يقرأ امرئ مسلم الآية التي تقول: “فلمّا قضى زيد منها وطرا زوجناكها”، ولا يتساءل: ما هو ذلك الوطر؟ هل يحق للرجل عندما يشبع وطره من زوجته ان يتخلى عنها لرجل آخر ، هل هي فردة حذاء؟ أين حقها في تقرير مصيرها من عملية اللبس والخلع تلك؟ أيّ امرأة على سطح الأرض تقبل بهذا الهراء وليست معتلة انسانيا ؟   كيف تقرأ المرأة المسلمة الآية التي تقول: “نساؤكم حرث لكم فآتوا حرثكم أنى شئتم”، ولا تصرخ بأعلى صوتها: وأين مشيئتي؟ أنا ارفض أن أكون مجرد أرض يشقّني الرجل بمحراثه متى ومن حيث شاء؟   لماذا لا يرفض الرجل المسلم أن يشبّه بشفرة المحراث، ويجرّد من كل مشاعر انسانية عندما يقترن برفيقة عمره في أكثر اللحظات خصوصيّة؟ عار عليه إن لم يفعل!  هذا الاقتران يسمونه في كلّ لغات العالم “ممارسة الحبّ”، إلاّ في لغة الاسلام فيسمى ” حراثة الارض”!   من يؤمن بهذا الحديث لا تختلط عنده المفاهيم وحسب، بل تتشوه وتنقلب رأسا على عقب ، يصبح الحق في عرفه باطلا والباطل حقّا! من يؤمن بهذا الهراء ويدّعي بأن الاسلام اكرم المرأة، إنّما هو يسمي اغتصاب الحقوق اكراما، ويسرق الحق ثم يدعي أنّه منحه ؟  

 الجواب   نشكر ألله لأننا عشنا ورأينا بأم العين سقوط الصنم ألأكبر الذي أبقاه محمد ليعينه في غزواته وفي تحقيق شهواته ، وهو إنليل إله القمر وأمه الشمس والذلان لازال شعارهما فوق كل مآذن وقباب المسلمين دون أن يدرو ، هل تساءل مسلم عاقل ماعلاقة الهلال والنجمة فوق مآذنهم وقباب جوامعهم بالإسلام ؟  

قلت ( هل يبقى لدى الانسان ذرة عقل واخلاق، عندما يقرأ الحديث الذي يتبجّح بأن الله سيأخذ يوم القيامة الذنوب عن ظهر المسلم ليضعها على ظهر اليهودي والمسيحي، ولا يشكّ بعدالة ذلك “الله”؟ كيف لرجل عاقل ان يقرأ ذلك الحديث ولا يتساءل: أيخلق الله اليهود والمسيحيين ليحمّلهم ذنوب المسلمين ، كيف ستردع تلك التعاليم المسلم عن ارتكاب الذنوب طالما هو يؤمن بأن هناك من يعاقب عنه؟ يقترف المسلم الذنب ويعاقب عليه اليهودي والمسيحي، أليس هذا ظلما ويسمى عدالة، أليس هذا تشويها لمفهوم الظلم والعدالة ، أين هي قدرة المسلم على التمييز بين الخطأ والصواب في أكثر اشكالهما وضوحا؟   هذا الاعتلال الانساني هو السبب المباشر الذي يكمن وراء اعتلال تلك المجتمعات اخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعلى كافة اصعدة الحياة؟   الجواب   لقد تساءلت وأجبتي ، وخير دليل على صدق القول واقعنا ومافي التاريخ ؟  

 قلت (.. والمشكلة تفاقمت في الربع الاخير من القرن الماضي وبداية هذا القرن ، لأنها تجاوزت حدود البلاد الاسلامية وراحت تهدد العالم باسره ، ذلك العالم الذي حولته التكنولوجيا الحديثة الى قرية صغيرة ، ويبقى السؤال: من المعنيّ بعلاج ذلك الاعتلال الانساني الذي ابتلى به الرجل المسلم وراح يهدد العالم بأكمله ؟   الجواب   أنتي وأنا وكل الخيرين الحريصين على إنقاذ مايمكن إنقاذه منهم قبل فوات ألأوان ، وقبل أن يوجد هتلر جديد يمسحهم من وجه ألإرض ويجعل قتلهم عمل شعبي كما يقول العراقيين ، فالعالم لن يصبر على جرائمهم وغوغائهم إلى مالانهاية ، وهم أعجز من أن ينقذو أنفسهم وحتى بعرانهم ؟  

قلت ( هل بقي من المسلمين من يقدر على التمييز بين الخطأ والصواب ، وهل فيهم من يتجرأ على المخاطرة بحياته في سبيل انقاذ قريتنا الكونية الجميلة والجديرة بالتضحية ؟   الجواب   بكل ثقة ويقين نعم ، بدليل وجودك أنت على الساحة وأمثالك كثيرون ، وبدليل المواقع التي تعري حقيقة هؤلاء التجار تجار التقية والدم والدين ، وخير من يكشفهم شيوخهم ؟  

 قلت ( يحلو للبعض منهم أن يطلقوا على أنفسهم ( المعتدلين ) فعندما يلبس الشيطان عباءة الله وعلى مدى اربعة عشر قرنا من الزمن ، يتزامن المرض وتضيع الحقيقة مع مرور الزمن ، لم يعد ( الاعتدال ) ينفع مع هذا الاستفحال الخطير في تشويه المفاهيم ، نحتاج الى من يتقن “فن الكيّ” كي يحرق ما تشوّه، ويساهم في تنشئة عقول جديدة وسليمة ، ويبقى السؤال من يستطيع أن يعيد للرجل المسلم قدرته على التمييز بين الخطأ والصواب ؟  من يستطيع أن يقنعه بأن اللطخة الدائرية في تعاليمه ليست مجرّد نقطة ، بل هي وصمة عارٍ، فهل الدهر كفيل بحرق ما أفسده الاسلام … ليتني أكون أداة بيد الدهر ؟   الجواب   بكل ثقة أستطيع أن أقول بأن من يطلقون على أنفسهم ( بالمعتدلين ) فهم بالحقيقة ليسو سوى مساكين يائسين مفلسين من الدين ، حتى أنهم لايفرقون بين اليسار واليمين ، أو هم منافقين وخطورتهم لاتقل عن خطورة العقارب والثعابين ؟  

وأخيرا: تقبلي مودتي ومحبتي والسلام مسك الختام ؟   كما أرجو قبول إعتذاري لتأخر الجزء الثالث من ردي على المقال ، لأن أولاد الحرام لم يتركو لأولاد الحلال حاجة ؟ 

  سرسبيندار السندي   مواطن يعيش على رحيق الحقيقة والحرية  سرسبيندار السندي

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

فاتيكان 2 أصلح الأديان التّوحيديّة: بالانتقال من الحاكميّة الإلهيّة إلى الحاكميّة البشريّة

العفيف الأخضر  

موقع الأوان

بعد قرن من انعقاد مجمع فاتيكان،1 بدعوة من البابا بيوس 9 في 1869 – 70 لتأكيد عصمة البابا، انعقد فاتيكان2، (1962 ـ 65) لا ليعلن موت العصمة، وموت النرجسيّة الدينيّة وموت الحقيقة المطلقة الملازمة لهما، بل أيضا ليدشن إعادة تأسيس الدّيانة الكاثوليكيّة، وعبرها إعادة تأسيس المسيحيّة كلّها، وتاليا إعادة تأسيس اليهوديّة والإسلام أيضا بالانتقال من باراديجم حاكميّة العقل الإلهي، الذي ساد طوال القرون الوسطى، إلى باراديجم حاكميّة العقل البشري الذي دشّن نفسه مع ظهور الفلسفة الإنسانيّة وفلسفة الأنوار.

كلمة السرّ التي استخدمها البابا جان 23 هي الاجيورنمانتو،[1] أي مع “الحريّة والعلمانيّة والديمقراطيّة”، كما صاغ أوردجان هذا الأجيورنمانتو الخاص بالإسلام، عندما اقترح ذلك على الإخوان المسلمين والنّهضة، خلال زيارتيه لمصر و تونس في 2011. وللأسف، وكما كان متوقّعا من قادة أقصى اليمين الإسلامي، رفضاها!

شارك 2540 مسؤول ديني، فضلا عن 40 ملاحظا ممثلين لجميع الكنائس غير الكاثوليكية، في المجمع الفاتيكاني الثاني.

في دورة المجمع الأولى، التي دامت أكثر من شهرين، تواجه اتّجاهان ـ اتّجاه واتّجاه مضاد كما في جميع الأحداث التّاريخيّة الكبرى ـ محافظ ومجدّد. انتصر هذا الأخير في الدّورة المجمعيّة الثانية(1965).

غداة انتهاء فاتيكان 2، أعلن زعيم المحافظين الفرنسي مون سنيور لوفيفر، تأسيس كنيسة منشقة: “كنيسة التراث” هي اليوم برسم التفكّك وعودة غالبيتها إلى الفاتيكان.

الخلاصات التي توصل إليها فاتيكان 2 نالت استحسان ممثلي الديانة الأرثوذكسية والكنيسة الانجليكانيّة والدّيانة اليهودية. تجلى ذلك في برقيات التهاني التي تلقاها البابا بولس 6 من كبير رباني إسرائيل وبابا الكنيسة الأرثودوكسية الروسية ورئيس الكنيسة الأنجليكانية. لكن يبدو أن شيخ الأزهر كان في عداد الغائبين!

يتّضح من قرارات المجمع أن غالبيّة المطارنة الذين تناقشوا طوال 4 سنوات قد تشبعت بقيم الفلسفة الإنسانية وفلسفة الأنوار، التي جسدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، فأعادوا تأسيس دينهم على هداها إلى درجة أن أحد الكرادلة وصف فاتيكان 2 بأنّه “ثورة 89 [في الكنيسة]”. ومعروف أن هيجل قال عن 89 بأنّها “ثورة الفلسفة” أي فلسفة الأنوار العقلانيّة. ومعروف أيضا أن الفاتيكان حارب هذه الثورة ثم عاداها إلى تاريخ انعقاد فاتيكان 2.

الحلم ليس ممنوعا، فدعني أحلم بمؤتمر إسلامي عالمي يعقده فضيلة شيخ الأزهر، د. أحمد الطيب، لينجز في الإسلام ما أنجزه فاتيكان 2 في المسيحيّة، وليجسّد اقتراح أوردجان: “ضرورة مصالحة الإسلام مع الحريّة والعلمانيّة والديمقراطيّة”. وأتمنّى أن يشكّل منذ الآن لجنة من الأخصائيين، من جميع الطوائف الإسلاميّة، لدراسة وثائق فاتيكان 2 (2000 صفحة) للاستعانة بها في مؤتمره المأمول، وأن يدعو إليه ممثلي اليهودية والمسيحيّة في أرض الإسلام كمشاركين وممثلي اليهوديّة والمسيحيّة في العالم كملاحظين، تجديدا وإعادة تأسيس في الوقت نفسه لحوار الأديان في بغداد وقرطبة الزّاهرتين. فالإسلام اليوم محتاج هو أيضا إلى إعادة تأسيس تاريخيّة تخلّصه من معجمه وسلوكه الأحفوريين. يستطيع عندئذ، بإعادة التأسيس هذه، أن يضع نهاية لحربه مع نفسه، الحرب السنيّة ـ الشيعيّة نموذجا، وحربه مع العالم، الإرهاب الإسلامي العالمي نموذجا، وليضع أيضا نهاية لحربه الدّامية مع الحداثة: مع مؤسّساتها وعلومها وقيمها التي ما فتئ يكفّرها بالأصائل والبكور، ويستمطر اللّعنات على دعاتها المسلمين ويحرض على اغتيالهم بفتاوى التكفير، التي غدت اليوم علامة تجاريّة مسجلة للإسلام من دون جميع الدّيانات التوحيديّة والوثنيّة!

ما هي أهمّ الخلاصات التي انتهى إليها مجمع فاتيكان 2؟

جدّد الدّين الكاثوليكي كلّه، من الشّعائر إلى العقائد مرورا بالمبادئ الأساسيّة نفسها التي قامت عليها الكنيسة طوال تاريخها. في خطاب اختتام المجمع صرّح البابا بولس 6: “دين الله الذي تجسّد إنسانا[2] التقى اليوم مع دين الإنسان الذي تجسّد إلاها”،[3] عبر الاعتراف له بحقوقه الطبيعيّة التي صادرها منه رجال الدّين على مرّ العصور.

تأليه الإنسان في الحداثة يعني الانتقال من ثيو سانتريزم[4] إلى الانثربو سانتريزم.[5]

وهذا اعتراف ولا أصرّح باعتراف الفاتيكان2 بقيم الحداثة: عبر تبنّي الفلسفة الإنسانيّة، التي ألّهت الإنسان وجعلته خالقا لأفعاله وأفكاره وقيمه ومؤسّساته التي كانت تنسب إلى الله، وبالفلسفة العقلانيّة التي اعترفت بسيادة العقل على النّقل وبالفكر النّقدي الذي تجسد محكمة عقلانيّة يدعو جميع الادّعاءات الدّينية والدنيويّة إلى المثول أمامها لتبرير شرعيّتها العقلانيّة.

تطبيقا لذلك، صالح المجمع الفاتيكاني الثّاني كنيسة بطرس نهائيّا، في السّيناريو المتفائل، مع الحداثة. قرن بولس 6، ككل رجل دين نزيه يمارس ما يقول ويقول ما يمارس، القول بالفعل: فهو الذي دفع في1967 الكنيسة الكاثوليكيّة الإسبانيّة إلى إنهاء معارضتها لعلمانيّة الدولة؛ بالمثل أوصى في 1973 الكنيسة الكاثوليكيّة الكولومبيّة بقبول علمانية الدولة؛ والحال أن جميع أسلافه كفروا العلمانية حتى أن الفاتيكان كفر جميع النواب الفرنسيين الكاثوليك الذين صوّتوا في البرلمان على قانون 1905 العلماني وطردهم من حظيرة المسيحيّة!

تأكيدا لابتعاد الكنيسة عن التعصّب الدّيني الذي لازمها طوال تاريخها، ومازال، وا حسرتاه، ملازما للإسلام إلى اليوم، أعلن فاتيكان 2 أنّ: “الخلاص الرّوحي مضمون لجميع البشريّة” من آمن منهم بالله ومن لم يؤمن. تماما كما فعل كبار متصوّفة الإسلام مثل الحلاج وابن عربي.

ماذا بقي من فاتيكان 2 بعد ربع قرن؟

كلّ شيء: التخلّى عن النرجسيّة الدينيّة إلى حوار الأديان، لذلك اعترف ولازال أن العهد الجديد لم ينسخ العهد القديم، كما كان يقول الفاتيكان قبل 1962؛ هذا الاعتراف يتّفق مع حقائق تاريخ الأديان المقارن القائل بأن المسيحيّة امتداد لليهوديّة والإسلام امتداد لهما وهن جميعا امتداد للدّيانات الوثنيّة الميّتة وخاصة المصريّة والبابليّة؛ والنخب الكاثوليكيّة النقديّة التي تدرس تاريخ المسيحيّة ورموزها بعلوم الأديان، وتعلن دون عقد أنّ مسيح الإيمان ليس مسيح التّاريخ.

هذا ما يطمح مشروعي الإصلاحي إلى الوصول إليه في الإسلام الذي مازال دينا عتيقا وعنيفا ومغلقا على نرجسيته التي تكفر علوم الأديان وحقوق الإنسان والمؤسّسات العلمانيّة والديمقراطيّة التي جسّدتها. ومازال الإسلام السّلفي يعلن أنّ اليهوديّة والمسيحيّة ديانتان نسخهما الإسلام “الدّين الحقّ” الوحيد، فأصبحتا مجرّد شريعتين نسختهما الشّريعة الإسلاميّة. المغزى لا دين على وجه الأرض إلا “الدّين الحقّ” ولتذهب ديانات 6 مليارات بشر إلى مزبلة التاريخ!

عمق الإصلاح الفاتيكاني، أي إعادة التّأسيس، تشهد به” كنيسة التراث” المنشقة؛ فبماذا اتهم مون سنيور لوففر فاتيكان2؟ بالتخلي عن امتلاك الحقيقة، التي حاربت بها الكنيسة العلم والعلماء طوال قرون، أي جميع “حقائق” سفر التكوين، من خلق العالم إلى خلق آدم وحواء مرورا بطوفان نوح وغيرها من “الحقائق”؛ تصالحت مع الحداثة والديمقراطية والعلمانية والجمهورية. وهكذا فروما فاتيكان 2 هي في نظر الكنيسة التراثيّة: “روما الجديدة والحديثة التي قطعت مع روما الخالدة، سيدة الحكمة والحقيقة”!

لخّص مون سنيور دوماليريس، النّاطق باسم الكنيسة المنشقة، “جرائم” فاتيكان 2 : مصالحة الحداثة على حساب التراث، والجمهوريّة الديمقراطيّة على حساب الملكيّة المطلقة، والدولة العلمانيّة على حساب الدولة الكاثوليكيّة، وحقوق الإنسان على حساب حقوق الله، والعقل البشري على حساب العقل الإلهي. أو بعبارته هو: “انتقلت الكنيسة الحداثيّة إلى عبادة الإنسان الذي تجسّد إلاها على حساب عبادة الله الذي تجسد إنسانا” كما قال مستشهدا بخطاب البابا بطرس 6 في ختام المجمع الفاتيكاني الثاني في 8 ديسمبر 1965 ،مضيفا” وهكذا صالحت روما الحداثية عقيدة الإيمان مع الأخطاء الليبراليّة”.

تأكيدا لاتهاماته لفاتيكان 2 بالتّصالح مع قيم الحداثة يستشهد النّاطق باسم الكنيسة التراثية: “بأنّ البابا الحالي اعترف، عندما كان كردينال في 1985 لأحد رجال الدين، بأنّ : “مشكلة سنوات 1960 كانت امتلاك الكنيسة لأفضل القيم التي نضجت خلال القرنين الماضيين. رغم أنّ هذه القيم ولدت خارج الكنيسة فبإمكانها أن تجد مكانها، بعد تطهيرها وتصحيحها، في رؤوية الكنيسة للعالم” كما قال.

يشير البابا الحالي إلى القرنين 18 و19. الأوّل هو قرن ميلاد فلسفة الأنوار، الذي انتصرت فيه قوّة الحجّة على قوة النص، والفكر النقدي على التّصديق الدّيني السّاذج؛ وبكلمة انتصر فيه العقل على النّقل. والثّاني هو قرن ميلاد الفلسفة الوضعيّة، الذي انتصرت فيه الحقيقة العلميّة التجريبيّة على الأحكام المسبقة[6] الميتافيزيقيّة. وباختصار انتصر فيه العلم على الميتافيزيقا. وفي كليهما، انتصر الإنسان الحديث الواثق من نفسه وعقله على إنسان القرون الوسطى المنهار واللاعقلاني الذي لا يخطو خطوة إلا وهو متوكأ على فكرة تراثيّة أو نصّ ديني: على فتوى غالباً غبيّة. مثلاً قادة أقصى اليمين الإسلامي، المقيمين في “دار الحرب”، التي لا تجوز الإقامة فيها لأكثر من 3 أيّام لأنّ صلاة الجمعة لا يجوز أن تقام فيها، إذ أن ركن خطبة الجمعة هو الدّعوة إلى الإمام القائم (=الخليفة)، يطلبون لتبرئة ضميرهم فتاوى من أمثال القرضاوي تبيح لهم الإقامة فيها مدّة أطول! في كتاب مدرسي سعودي، استشهدت به كالعادة مراراً، نقرأ: “إذا أقمت في دار الكفر للتعلم أو التطبب أو التّجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم “!تنفيذاً لوصيّة شيخ الإسلام، ابن تيمية!

يختتم مون سنيور دومايريس لائحة اتّهامه قائلاً: “ما فعله المجمع الفاتيكاني الثاني هو مصالحة مستحيلة. ما هي المصالحة الممكنة بين النور والظلام، بين الخير كله والشر كله. التجلّي الرّمزي لهذه المصالحة هو تبني “الحريّة الدينيّة” كبديل لحقيقة المسيح وحكمه (…). وضع المجمع الفاتيكاني الشّخص، وضميره وحريته كبديل لعبادة الله الذي تجسد إنسانا. دين الفاتيكان الحداثي هو دين جديد لا علاقة له بالدين الكاثوليكي. ومع هذا الدّين الجديد لا نريد أي حل وسط، “كما قال. شأن المصابين بالتطرف الديني أو الدنيوي! النرجسية لا ترضى بأنصاف الحلول، مطلوبها إحدى الحسنيين: الانتصار أو الانكسار!

يتضح مما تقدم أن فاتيكان 2 قدم مرجعيّة صالحة لتوحيد جميع الأديان حول قيم الحداثة وأساسيات حقوق الإنسان: الانتقال من الحاكميّة الإلهيّة إلى حاكميّة العقل البشري، التي تتعالى على الخصوصيات الثقافيّة دون أن تنفيها. فقط تحصر دور حاكميّة العقل البشري في ضبط وقع هذه الخصوصيات على الذهنيات حتّى لا تتصادم مع مواثيق حقوق الإنسان غير القابلة للتفاوض. لماذا؟ لأنّ تنقيص حقّ واحد منها يجعل الإنسان أقل إنسانيّة.

تقدم الطب النفسي وعلوم الأعصاب سيساعد على علاج الإضرابات النفسيّة مثل اضطرابات الوسواس القهري، الذي هو مصدر الشعائر الدينية المتكررة يومياً كالاغتسال والوضوء والصلاة، وربّما على شفاء التعصّب والهذيان الدينيين، وقلق الموت والرّغبة الذهانيّة في الخلود بعد الموت التي هي باعث أساسي على التدين.

شفاء العصاب والذهان بالأدوية سيقلص التدين العصابي والذّهاني المنتشر اليوم، خاصة في أرض الإسلام، على نطاق واسع بين المؤمنين المواظبين على أداء الفروض الدينيّة، وخاصّة، بين الرّاغبين منهم في فرضها على غيرهم.

بالمثل، انتشار دين حقوق الإنسان العلماني والعالمي قد يضع حدّا للعنف الدّيني، بداية من العقوبات البدنيّة الشرعية وانتهاء بعادة همجيّة تعود إلى الدّيانات الميتة، مثل الدّيانة المصرية، كختان الإناث والذكور الذي اقتبسته اليهوديّة منها. وهكذا تنضبط الدّيانات جميعا بضوابط مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق المكملة له، كمنع التّمييز ضدّ المرأة وحماية حقوق الأقليات وحقوق الطفل، فتنحصر في حدود الخاص والفردي والمعقول.

وهذا ما سيجعل الفظاعات الدينيّة كالرّجم بالزنا مجرد ذكرى سيئة؛ أما ممارساتها غير العنيفة كالصوم والحج فقد تصبح مجرد فلكلور يتسلّى به السّياح.

الهوامش:

[1] تكييف الدّين مع حقائق العالم الذي يعيش فيه.

[2] في العصور الوسطى

[3] في الحداثة

[4] مركزيّة اللاهوت

[5] مركزيّة النّاسوت

[6] السابقة عن التجربة

Posted in فكر حر | Leave a comment

دي عصابة بتحكم مصر

Posted in فكر حر, كاريكاتور | Leave a comment

حوار مع القرضاوي 13: العلمانية مبدأ مستورد !

 عبد القادر أنيس

يستهل القرضاوي هذا الفصل المقتضب بقوله: “والعلمانية من ناحية أخرى، ضد أصالتنا وسيادتنا، لأنها مبدأ مستورد من خارج أرضنا، ومن قوم غير قومنا، لهم تاريخ غير تاريخنا، ومفاهيم غير مفاهيمنا، وقيم غير قيمنا، وعقائد غير عقيدتنا، وقوانين غير شريعتنا، وأوضاع غير أوضاعنا”. قبل مناقشة القرضاوي في هذه المواقف بودي أن أقدم، من أجل ضبط المفاهيم كمعيار ضروري لأي حوار، تعريفا للعلمانية يحظى، اليوم، بالموافقة الواسعة، في البلدان التي تبنت العلمانية خاصة فرنسا التي كانت سباقة في هذا المجال والتي تعتبر علمانيتها متشددة مناضلة مقارنة بغيرها ومع ذلك نقرأ: “العلمانية في فرنسا هي مبدأ يفصل بين السلطة السياسية وبين التنظيمات الدينية –على الدولة أن تبقى على الحياد- كما يضمن هذا المبدأ حرية العبادة (وعلى التظاهرات الدينية احترام النظام العام)؛ وبالتالي يؤكد هذا المبدأ على حرية الاعتقاد ولا يضع أي رأي فوق غيره من الآراء (دين، إلحاد، لاأدرية، أو فكر حر)، محققا بذلك المساواة الجمهورية”. ” علمنة المجتمع، لا تقتضي من الجمهورية أن تحارب الأديان، بل الوقوف ضد تأثيرها على ممارسة السلطة السياسية والإدارية، وبالتالي، حصر الأفكار الروحية والفلسفية ضمن مجال الاعتقاد الفردي وحرية الرأي”. 

Laïcité en France

فهل هذه العلمانية تهدد الأصالة التي يتحدث عنها القرضاوي حتى يجعل بيننا وبين بشر مثلنا سبقونا إلى الأخذ ب بهذه الرؤية، حدودا مفزعة يستحيل تجاوزها والتواصل الإنساني المثمر مع أهلها؟ ثم هل هناك أصالة في تاريخ أي أمة بقيت جامدة لم يطرأ عليها أي تغيير، ولم تتأثر ولم تؤثر ولم تحتك ولم تأخذ ولم تعط؟ بل هل هناك أصل ثابت لأية أمة بقي على مر الأزمان في منأى عن أي تغيير أو تلاقح؟ عندنا ترفع القوى المحافظة والتقليدية شعارات تحولت إلى طابوهات تسميها ثوابت الأمة التي لا يُسْمَح بالمساس بنقدها أو التشكيك في دورها المزعوم في حفظ مقومات الأمة من خطر الذوبان في غيرها. يحصرها الإسلاميون في الإسلام فقط، ويحصرها القوميون عندنا في الإسلام واللغة العربية والوحدة الوطنية وحتى تاريخ ثورة التحرير. وبما أن الإسلاميين يحصرون الأصالة في الدين الإسلامي، فنحن نتساءل: هل بقي هذا الدين هو هو في منأى عن التأثر برياح التغيير القادمة من جميع الجهات؟ رجال الدين عموما ينفون أن يكون دينهم قد تعرض لأي تغيير أو تعديل ولهذا عارضوا قديما ومازالوا يعارضون كل جديد بحجة أنه يهدد أصالتنا. لكن التجربة بينت أن هذا الجديد الذي ظلوا يوصدون في وجهه كل الأبواب والنوافذ سرعان ما كان يتسلل إلى ديارنا من حيث لا نحتسب. ماذا يفعل رجال الدين حيال هذا الأمر الواقع؟ نراهم يخرجون من تخندقهم وراء أصالتهم وثوابتهم ثم يلتفون على هذا الجديد في حالة فشلهم في طرده أو وقفه، ويبحثون له في مخزونهم التراثي عن مقابل ثم يؤصّلونه ويعيدون إخراجه في ثوب يوهم الناس أنه من صميم أصالتهم ثم يعودون إلى التخندق وراءه، وفي أحسن الأحوال يقبلون هذا الجديد بوصفه حكمة طولب المؤمن بالبحث عنها ولو بالصين ولكن بعد أن يلحقوا به تشوهات قبيحة كما رأينا ذلك في ممارساتنا الديمقراطية والعلمانية وفي مناهجنا التربوية ومذاهبنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى في ملبسنا ومركبنا. تكفي نظرة واحدة لأي شارع عربي ليرى الرائي تعايش أنماط من السلوك واللباس والمواقف والأحكام تنتمي إلى عصور متباعدة جدا. هذا نموذج لهذا التشويه الذي يتسبب فيه رجال الدين، مثل القرضاوي الذي قال هنا عن الديمقراطية: “وما قيل: إنه مبدأ مستورد، فالاستيراد في ذاته ليس محظورا، إنما المحظور أن تستورد ما يضرك ولا ينفعك، وأن تستورد بضاعة عندك مثلها أو خير منها، ونحن نستورد من الديمقراطية: آلياتها وضماناتها، ولا نأخذ كل فلسفتها التي تغلو في تضخيم الفرد على حساب الجماعة، وتبالغ في تقرير الحرية ولو على حساب القِيَم والأخلاق، وتعطي الأكثرية الحق في تغيير كل شيء، حتى الديمقراطية ذاتها!!”. فهل فلسفة الديمقراطية، كما قال، تقوم على ” تضخيم الفرد على حساب الجماعة، وتبالغ في تقرير الحرية ولو على حساب القِيَم والأخلاق، وتعطي الأكثرية الحق في تغيير كل شيء، حتى الديمقراطية ذاتها!!”؟ وحدها القوى الفاشية، بما فيها إسلاميونا، استغلت تسامح وغفلة الديمقراطيين والعلمانيين بنية القضاء عليها وعليهم بعد الفوز في الانتخابات. ديمقراطية القرضاوي المشوهة هي على مقاس دولة غريبة لا تنتمي إلا إلى عالمنا الإسلامي البائس كونها حكرا على ساكنيها من المسلمين فقط. أليس هذا ما يقوله القرضاوي بعظمة لسانه؟ “نحن نريد ديمقراطية المجتمع المسلم، والأمة المسلمة، بحيث تراعي هذه الديمقراطية عقائد هذا المجتمع وقِيمه وأسسه الدِّينية والثقافية والأخلاقية، فهي من الثوابت التي لا تقبل التطور ولا التغيير بالتصويت عليها”.

القرضاوي: الدولة الاسلامية تتوافق في جوهرها مع الديمقراطية

مثل هذه المهازل لم تتوقف أبدا في تاريخنا المعاصر منذ بداية احتكاكنا بالحضارة الغربية، وكل مرة كان الأصوليون يعارضون التجديد باسم الأصالة: عارضوا باسم الأصالة الأخذ بالنظم السياسية الحديثة بحجة أن عندنا أنظمتنا الأصيلة: الشورى والحسبة والولاية والخلافة والأسرة السعيدة، ثم سطوا على مبادئ هذه النظم الحديثة ونسبوها لموروثهم الديني ثم هاهم ينادون اليوم بالديمقراطية مثلا ولكن في جانبها الانتخابي فقط، دون سائر الحريات التي لا تقوم للديمقراطية قائمة بدونها مثل حرية التعبير والاعتقاد والإعلام والمواطنة التامة والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات. عارضوا باسم الأصالة دخول وسائل الإعلام الحديثة بحجة أنها ذريعة للفساد ابتداء من الجريدة والسينما والمذياع والتلفزة ثم استحسنوها واستغلوها وهاهم اليوم يعرضون ويروجون فيها كل مخزونهم الديني. كل هذه الإبداعات البشرية الوافدة بَدَّعوها وعارضوها باسم الأصالة وهاهم اليوم يتعاملون مع بدائلها المشوهة مثل الديمقراطية الإسلامية والجمهورية الإسلامية والعلوم الإسلامية وحتى الطب الإسلامي ، وكأنها من صميم أصالتهم حتى صارت هذه الديمقراطية الانتخابوية “من روح الإسلام” حسب تعبير القرضاوي نفسه. وللحق يجب أن نقول أيضا إن أنظمة الاستبداد عندنا استمرأت ذلك واستحسنته وتبنته ووفرت للإسلاميين وسائل الترويج لها وحتى الديمقراطيين تعاملوا معهم بتسامح ساذج أو غفلة لا تغتفر. وهو ما سهل، ميدانيا، قيام هذا التحالف المكشوف بين الأصولية والحكم القائم وأعاق مهمة تجاوزه وأفشل كل مشاريع الخروج من هذا الانسداد الحضاري الذي طال أمده. أما القول بأن العلمانية خطر على سيادة الأمة فهو قول لا سند له. ولعلني لا أخطئ إذا قلت بأن العلمانية في تركيا ساهمت إلى حد كبير في جعل تركيا أفضل بلدان الشرق رغم النقائص التي ترتبت عن الأخذ بنوع من الديمقراطية المحدودة عمل أتاتورك ثم تلاميذه على تأخير توسيعها لتمارسها جميع الأطياف السياسية والثقافية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار كرديف للعلمانية لا تستقيم بدونه ولعل هذا أيضا ما سهل عودة المكبوت الديني في شكل الحركة الإسلامية التركية في غياب عقلية علمانية حقيقية في التعليم والتربية وتكوين المواطن. أما في الهند التي تبنت نظاما ديمقراطيا علمانيا منذ استقلالها فإن مجرد التفكير في التخلي عن العلمانية سوف يعني الزج بالبلاد في حروب أهلية بين الأديان والطوائف والملل والنحل الكثيرة جدا ولو طالبت كل نحلة وملة بالاعتراف لها بحق التشريع وحق العيش حسب ما تمليه عليها شرائعها فلن تعرف البلاد استقرارا أبدا ولا وحدة. ثم هل كون أي مبدأ أو فكرة أو مذهب أو منهج قد نشأ وترعرع حتى نضج عند غيرنا مبررا كافيا لرفضه ورفض الاستفادة من إيجابياته خاصة إذا كانت له إيجابيات أثبتت الخبرة والتجربة والتطبيق أنها مفيدة لحياة الناس مثلما هو الشأن مع العلمانية والديمقراطية؟ كذلك يقدم القرضاوي حججا أخرى لرفض العلمانية بقوله عن الأوربيين: “إنهم احتاجوا إلى العلمانية لظروف خاصة بهم، ونحن لا حاجة لنا إلى العلمانية، لأنها كانت حلا لمشكلهم مع كنيستهم، وهي عندنا تكون مشكلة في ذاتها”. ويقول: “والعلمانية لا تصادم عقيدتهم، ولا شريعتهم، ولا تعارض أحكاما إلهية مفروضة عليهم من ربهم، ولكنها عندنا تصادم العقيدة، التي من مقتضياتها النزول على حكم الله ورسوله، وتعارض الشريعة، التي أنزلها الله منظمة لحياة الناس، بوضع الأصول الضابطة لها، والأحكام الهادية لمسيرتها”. الراجح أن القرضاوي يجهل تماما كون العلمانية في أوربا برزت وانتصرت كنظرة جديدة في الحياة والسياسة والاقتصاد والعلم والفكر وحتى في الاعتقاد لم يعرفها الناس هناك إلا في العصر الحديث. فلم تكن أوربا علمانية منذ الأبد. لم تستقر العلمانية في السياسية الأوربية وفي حياة الناس هناك بسهولة. لم تقبل الكنيسة هذه العلمانية عن طيب خاطر وبدون مقاومة شرسة تواصلت عشرات السنين وتسببت في حروب دامية. هل يمكن أن يجهل القرضاوي أن الكنيسة المسيحية وقفت بالمرصاد لكل خطوة نحو العلمانية: في العلوم وفي الآداب والفنون والفلسفة وفي السياسة والاجتماع، في حياة الأسرة، في تحرر النساء والرجال من القيود التي فرضتها كل أنواع الميز العنصري والديني والمذهبي والطائفي. جرى هذا رغم زعم القرضاوي بأن “العلمانية لا تصادم عقيدتهم، ولا شريعتهم، ولا تعارض أحكاما إلهية مفروضة عليهم من ربهم”. يحاول أعداء العلمانية مثل القرضاوي وغيره أن يوهموا الناس أن المسيحية لا تشريع فيها ولم تكن لها علاقة بالسياسة والدولة وبالتحكم بشؤون الناس وحرياتهم ومعاملاتهم. يقول المفكر جورج طرابيشي بهذا الصدد: “أنا أذهب إلى أكثر من ذلك فأقول: إن الجملة الإنجيلية ليست هي التي صنعت العلمانية الأوروبية (يقصد “أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله” والتي استغلها القرضاوي في محاججاته لرفض العلمانية)، بل العلمانية الأوروبية الحديثة هي التي اكتشفت أهمية هذه الجملة في الإنجيل، والدليل أن المسيحية بقيت على مدى خمسة عشر قرنا تجمع بين الدين والدولة، وتكاد تؤله الإمبراطور البيزنطي، وتخلط الدين بالسياسية، ولم تفرق بينهما، ولم تكتشف هذه الجملة الإنجيلية إلا بفضل العلمانية، فعندما جاء أهل الحداثة في أوروبا وحتى يقنعوا المؤمنين المسيحيين بأن العلمانية لا تتعارض مع الدين أعطوا أهمية كبيرة لهذه الجملة التي أهملت طوال خمسة عشر قرنا من تاريخ المسيحية، وأنا أقول الشيء نفسه في الإسلام فليس حديث “تأبير النخل” هو الذي سيصنع العلمانية، وإنما عندما يحدث وعي علماني سنكتشف أهمية الجملة الموجودة في الحديث وغيرها.” (يقصد حديث “أنتم أدرى بشؤون دنياكم”).

إسلام اون لاين

 القرضاوي لا يرى هذا الرأي عندما ينعت العلمانية بأنها: “عندنا تصادم العقيدة، التي من مقتضياتها النزول على حكم الله ورسوله، وتعارض الشريعة، التي أنزلها الله منظمة لحياة الناس، بوضع الأصول الضابطة لها، والأحكام الهادية لمسيرتها”. وكم أشعر بالاشمئزاز من هكذا كلام! ذلك أن الدارس لتاريخ المجتمعات الإسلامية لن يجد فيها ما يبرهن على أن هذه الشريعة “التي أنزلها الله منظمة لحياة الناس، بوضع الأصول الضابطة لها، والأحكام الهادية لمسيرتها”، حسب زعم القرضاوي، قد نظمت حياة الناس أو وضعت لهم الأصول الضابطة والأحكام الهادية لمسيرتهم. تاريخنا لا يختلف عن تاريخ الأمم الأخرى التي لم تَدَّعِ أن عندها هكذا شريعة سامية، إن لم يكن أسوأ في فترات كثيرة مقارنة بشعوب يعتبرها الإسلام وثنية كافرة أو محرٍّفة للشرائع التي أنعم الله بها عليها! بل إن هذه الشريعة لم يكن لها سهم معتبر فيما نعمت به مجتمعاتنا من فترات ازدهار كما لم تَحُلْ دون انحطاطنا. وشخصيا لا أحتاج لمساءلة التاريخ للتحقق من هذا الفشل الذريع، فحسْبي جولة في أسواقنا وشوارعنا وإدارتنا لأتأكد من مدى فشل هذه الشريعة في تربية الناس وتنظيمهم وهدايتهم، وهم منخرطون في الرشوة والمحسوبية والاعتداء المتبادل والتقصير في كل الواجبات. يتم هذا رغم أنهم يلتقون في صفوف كالبنيان المرصوص في المساجد عدة مرات في اليوم تحت إشراف وكلاء هذه العقيدة ووابلهم لا يتوقف من الخطب والمواعظ. هذا ديدن العلاقات والمعاملات التي تميز أتباع المذهب الواحد، السنة مثلا، أما العلاقات بين المسلمين المنتمين لمذاهب مختلفة فهي أسوأ من علاقتهم بمن يعتبرونهم كفارا. أما أهم حجة يقدمها القرضاوي للدعوة إلى رفض العلمانية فنلمسها في قوله: “والعلمانية عندهم، لم تمح سلطة الدين ورجاله، وإنما فصلت بين السلطتين: الروحية والزمنية، وتركت لكل منهما مجالها ونفوذها وحرية تحركها، وقد بقيت هناك سلطة الكنيسة، تمارس نشاطها بما تملك من مال ورجال وسلطان”. فما الضرر في أن تقوم عندنا علمانية كهذه، لا تمحو سلطة الدين ورجاله، وإنما تفصل بين السلطتين: الروحية والزمنية، وتترك لكل منهما مجالها ونفوذها وحرية تحركها وتقوم عندنا مؤسسات دينية تهتم بالشأن الديني؟ هذا إذا صدقنا القرضاوي عندما يقول في الأخير: “أما نحن، فليس لنا سلطة دينية مستقلة مقتدرة، فالعلمانية ـ عندنا ـ تعني تصفية الوجود الإسلامي، بحيث لا يبقى له قدرة ولا سلطان ولا حرية، ما لم يكن خادما للسلطة السياسية القائمة”. بينما الواقع غير ذلك. فعندنا مؤسسات دينية في كل بلد وهي ذات قوة ونفوذ ولا فرق بينها وبين المؤسسة الكنسية بل هي اليوم أكثر هيمنة على حياة الناس. وحتى في العهود التي ضعفت أو انهارت فيها الدول المركزية أو حتى في عهود الاستعمار وُجِدت مؤسسات دينية تكفلت بتأطير الجانب الروحي للناس مثل الجوامع الكبرى والزوايا الطرقية وأولياء الله الصالحين ! أما بعد الاستقلال فقد تكفلت الحكومات بالإشراف على الشؤون الدينية في منافسة مع المؤسسات التقليدية أو بالتحالف معها، فكيف يقول القرضاوي: “أما نحن، فليس لنا سلطة دينية مستقلة مقتدرة، فالعلمانية ـ عندنا ـ تعني تصفية الوجود الإسلامي، بحيث لا يبقى له قدرة ولا سلطان ولا حرية، ما لم يكن خادما للسلطة السياسية القائمة”. الراجح أن الوجود الإسلامي الذي يريده القرضاوي ويتستر عليه هو الدولة الدينية اتلي يشرف عليها رجال الدين مثل القرضاوي، دولة على طراز الخلافة الإسلامية القروسطية أو، في أحسن الأحوال، القبول باستمرار هيمنة هذه الدول القومية المعاصرة والمتحالفة مع رجال الدين من أجل تركيع الشعوب وتخديرها حتى لا تتنور وتفطن وتطالب بحريتها وحقها في المواطنة الكاملة بما تعنيه من مشاركة في تقرير مصيرها وجعل الحكومات تعبيرا عن إرادتها وليس العكس. إذا كان الدين حاجة روحية ذاتية لدى المؤمن، فما حاجة هذا المؤمن إلى سلطة وإلى قدرة لكي يمارس تَديُّنَه. من المفروض أن تكون قدرة هذا الدين مستمدة من قدرة المؤمنين به ورغبتهم وليس من سلطة يستمدها الدين من تحالف شيوخه مع سلطات الدولة المستبدة. لكن هذه النظرة تستمد مسوغاتها من وصاية خانقة يمارسها رجال الدين على الناس بوصفهم وكلاء الله في الأرض على شعوب قاصرة وليس من مصلحة القصر أن يبلغوا سن الرشد ، حسب تعبير الكواكبي. في الأخير هل يمكن نقل التكنولوجيا الغربية وكل مظاهر التقدم والأداء الناجح في الإدارة والمدرسة والمصنع والبحث العلمي، مجردة من روحها، أي من ثقافتها العلمانية التي أوجدتها؟ هل يمكن إدارة المجتمع الحديث بنفس الطرق العتيقة مهما زعموا لها من قداسة كما كانت تدار بها حياة الناس في المجتمعات ما قبل الحديثة؟   عبدالقادر أنيس فيسبوك 

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

حوار مع القرضاوي 12: هل العلمانية مضادة ومناقضة لمصلحة الوطن ومصلحة الأمة؟

عبد القادر أنيس

يستهل القرضاوي هذا الفصل بمجموعة من المسلمات سبق أن تطرقت إليها بالنقد والتفنيد في الحلقات السابقة:

عبدالقادر أنيس

يقول عن هذه المسلمات: “وإذا كانت العلمانية دعوة مضادة ومناقضة للدين، ودعوة مضادة ومناقضة للدستور، وهي مضادة ومناقضة لإرادة الشعب، فهي كذلك دعوة مضادة ومناقضة لمصلحة الوطن، ومصلحة الأمة”. (ص 86-89).

 الإسلام والعلمانية وجها لوجه، للدكتور يوسف القرضاوي

ويقول: “فلو كنا لا نقيس الأمور إلا بمقياس المنفعة وحدها، كما هو مذهب “البراجماتيين” لكانت منفعة الوطن، ومصلحته العليا والعامة والدائمة توجب علينا أن نرفض “العلمانية” ونتبنى “الإسلامية”. ويقول: “وذلك أن الأوطان إنما تنهض وترتقي وتنتج، بمقدار ما تملك من طاقات مادية، ومن طاقات بشرية، ولا قيمة للإمكانات، والطاقات المادية والاقتصادية، وغيرها، ما لم تكن هناك طاقات بشرية قادرة على تسخيرها، والاستفادة منها، واعية بذلك مريدة له”. وهذا أغرب ما قرأت للشيخ القرضاوي. هل يعقل أن يتجاهل الشيخ كل هذه الإنجازات العظيمة التي تحققت وتتحقق في مجتمعات تسودها العلمانية. هل تحقق كل ذلك بدون “طاقات بشرية قادرة على تسخيرها والاستفادة منها (وهي) واعية بذلك مريدة له؟ وهل كان من الممكن تحقيق ذلك لو كانت العلمانية ” دعوة مضادة ومناقضة للدين، ودعوة مضادة ومناقضة للدستور، وهي مضادة ومناقضة لإرادة الشعب، فهي كذلك دعوة مضادة ومناقضة لمصلحة الوطن، ومصلحة الأمة”؟ حسب زعم الشيخ. ويقول: “والشعوب ـ دائما ـ في حاجة إلى حوافز وأهداف ومحركات معنوية، تفجر طاقاتها المكنونة، وتستخرج قدراتها المذخورة، وتستثير مواهبها المبدعة، وتغرس في أنفسها حب التفوق والإتقان، وتدفعها إلى بذل النفس والمال والوقت والراحة في سبيل ما تؤمن به، وفي سبيل الحفاظ على مقوماتها وخصائصها الذاتية، التي تميزها عن غيرها، وبعبارة أخرى: في حاجة إلى “رسالة” تعبئ قواها، وتجمع شتاتها، وتحيي مواتها، وتنشئها خلقا جديدا”. ويقول: “وإذا أخذنا الشعب المصري مثلا لذلك، فما الذي يحركه، ويفجر طاقاته الدفينة، ويدفعه بقوة إلى الأمام؟ ويهون عليه بذل الأنفس والنفائس من أجل أهدافه؟” “إن قراءة التاريخ، واستقراء الواقع، يؤكدان لنا: أن هذا المحرك المفجر هو الإيمان، هو الإسلام”. انتهى. وعليه فما الذي يحرك الشعوب غير المسلمة من اليابان إلى أمريكا مرورا بأوربا؟ وهي كما نعرف ونشاهد شعوب أفضل من الشعوب المسلمة من حيث الأداء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي وحتى الأخلاقي الذي يعتقد الإسلاميون أنه حكر على دينهم فقط؟ ما المحرك الذي “فجر طاقاتها المكنونة، واستخرج قدراتها المذخورة، واستثار مواهبها المبدعة، وغرس في أنفسها حب التفوق والإتقان، ودفعها إلى بذل النفس والمال والوقت والراحة في سبيل ما تؤمن به”، حسب تعبير القرضاوي، بينما ظلت طاقات الشعوب المسلمة معطلة الطاقات والقدرات والمواهب؟ الراجح أن تلك الشعوب غير المسلمة لم تنجز ما أنجزته، فقط، في “سبيل الحفاظ على مقوماتها وخصائصها الذاتية، التي تميزها عن غيرها” كما زعم القرضاوي. لعل العكس هو ما حصل. فتلك الشعوب لم تحرر “طاقاتها وقدراتها ومواهبها” إلا بعد أن خففت من أثقال “مقوماتها وخصائصها” البالية وتفتحت على غيرها وجعلت الحكمة ضالتها طلبتها حيث وجدتها !. هذه الحقائق والأمثلة الحية التي تكاد تفقأ العيون لا يراها القرضاوي، أو يتعمد التعامي عنها لأنها لا تخدم غرض التمويه والتخدير تجاه الشعوب المسلمة، لهذا نراه وبكل سذاجة يلجأ إلى سرد أمثلة من التاريخ المصري القديم والحديث، مع تشويه حقائقه أيضا. نقرأ له: “يقص علينا القرآن في عدد من سوره “الأعراف، طه، الشعراء” قصة طائفة من أبناء مصر، غُرِّر بهم حينا من الدهر، فساروا في ركاب الطغيان المتألّه، طغيان فرعون، فاقدين لهويتهم، لا هدف لهم إلا المال أو الزلفى إلى الطاغوت، فلما أنار الله بصائرهم بالإيمان استحالوا إلى قوة هائلة، ترفض المال والجاه، وتستهين بالجبروت والطغيان، وتتحدى ـ مع ضعفها المادي ـ أقوى الأقوياء.” ونقرأ له أيضا: “أولئك هم سحرة فرعون من أبناء مصر، الذين ضُلّلوا من فرعون ومَلَئِه، حتى أذن الله لهم أن يتحرروا من الوهم والضلال، حين ألقى موسى عصاه، فلقفت كل ما ألقى السحرة من عصىّ وحبال (فوقع الحق، وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك، وانقلبوا صاغرين، وألقى السحرة ساجدين، قالوا: آمنا برب العالمين، رب موسى وفرعون، قال فرعون: آمنتم به قبل أن آذن لكم) وهدد فرعون وتوعد هؤلاء المؤمنين الجدد بالتقتيل والتصليب، فلم يبالوا به، وقالوا وهم في رسوخ الجبال (إنا إلى ربنا منقلبون، وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا، ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين) (سورة الأعراف:125،126)”. انتهى. هكذا لم ير القرضاوي من التاريخ المصري القديم إلا الخرافات التي حكاها القرآن نقلا عن التورات وغيرها من حكايات العهد القديم، ولا نجد لها دليلا ماديا في التاريخ الفرعوني الذي كان أهله من أشد الناس حرصا على تسجيل الوقائع بما فيها تلك التي ارتبطت بالحياة اليومية العادية، ومع ذلك لا نجد أي أثر لأحداث عظيمة مثل تلك التي يرويها التاريخ الديني العبراني وينقلها عنه الإسلام. هل يعقل مثلا أن يتجاهل المؤرخون المصريون تسجيل أحداث هامة مثل تلك التي ارتبطت بموسى ويوسف وبمصير الدولة بأسرها مثل غرق الفرعون الإله وجيشه بعد أن انشق البحر وأمطرت السماء رمادا وقملا وجرادا وضفادع …؟ ثم ماذا كان يحرك المصريين القدماء عندما بنوا الأهرامات من أجل أن يدفن فيها الفرعون الإله وهو في طريقه إلى العالم الآخر ليشفع لشعبه؟ ألم تلعب الديانة المصرية الوثنية الكافرة، في نظر الإسلام، دورا محركا أيضا كما لعبت ديانات أخرى في جميع أنحاء الأرض من اليابان إلى حضارات الأنكا بأمريكا؟ إذا كان أمكن، في الماضي البعيد والقريب، تحريك الشعوب لبناء الحضارات، مهما كانت الأفكار والمعتقدات المحفزة، فما المانع اليوم لتحريك الشعوب، وقد حدث فعلا، بأفكار ومذاهب وأديولوجيات وضعية آمنت بها الشعوب، عن وعي أو عن جهل، وعبرت عن استعداد خارق للتضحية من أجل تجسيدها. لماذا يعتقد القرضاوي أن الإسلام وحده يمكن أن يكون محفزا لشعوبنا؟ هل كونها مسلمة يجعلها مغلقة الأبواب والنوافذ أمام الرياح القادمة من الشرق والغرب؟ ثم يعود القرضاوي إلى التاريخ المصري القريب ليشوهه بعد أن شوّه تاريخها القديم، مع قدر كبير من السذاجة، هذه المرة أيضا، يقول: “وعندنا مثل قريب واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ـ كما يقولون ـ يعبر أبلغ التعبير عن “أثر الدين” في تعبئة شعبنا، وتحريكه وبعثه في أي حركة يخوضها. هذا المثل هو معركة العاشر من رمضان ـ وهذا هو اسمها الذي يجب أن تذكر به دائما لا السادس من أكتوبر، كما قالوا بعد ـ إنها معركة هبت فيها رياح الإيمان، ونفحات رمضان، وقام فيها الإيمان الديني، بدور هائل شهد به المقاتلون أنفسهم، قادة وجنودا ولمسه كل مراقب لسير المعركة، من مصري أو عربي أو أجنبي”. “ولسنا من السذاجة أو الجهالة، بحيث ننسى دور التخطيط والتدريب والإعداد لهذه المعركة، ولكن ما كان هذا يغني لو فرغت القلوب من الإيمان، وقطعت صلتها برب السماء، كما كان عليه الحال في يونيو (حزيران) سنة 1967م.” انتهى. قبل أن أواصل مع الشيخ القرضاوي، أتوقف عند “العاشر من رمضان”. حيث يحرص رجال الدين على فرض استخدام هذا التقويم الهجري رغم ميوعته ومطاطيته. نتساءل مثلا: من يعرف منا الآن في أي فصل وقعت حرب العاشر من رمضان لولا التاريخ الميلادي؟ أليس من المضحك أن يقع شهرا ربيع الأول والثاني في عز الصيف والخريف والشتاء؟ ويقع جمادى في لهيب الصيف؟ لماذا الاحتفاظ بهذا التقويم الغائم رغم عدم صلاحيته حتى لتعيين بداية رمضان والأعياد الدينية، لا لشيء إلا لأنه ارتبط بهجرة محمد من مكة إلى يثرب ليعود إليها غازيا ويقضي على بؤرة حضارية كان يمكن أن تلعب دورا هاما في تاريخ العرب لولا غدر التاريخ؟ يقول القرضاوي: “إن شعار “الله أكبر” حين دوت صيحاته في الآفاق، لمس أوتار القلوب، وأوقد جذوة الحماس في الصدور، وحرك كوامن النفوس، وأيقظ معاني البطولة المستكنة بين الضلوع، ووصل الحاضر بالماضي البعيد، فتذكر أبناء مصر المؤمنة، أيام قطز، وصلاح الدين، وتذكروا قبل ذلك غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وسرايا أصحابه، ومعارك الإسلام الحاسمة في التاريخ”. “وهناك كان العبور، واقتحام خط “بارليف”، والانتصار على القوة، التي قيل يوما: إنها لا تقهر، كما قيل قديما عن التتار: إذا قيل لك: إنهم انهزموا فلا تصدق!”. والسؤال الذي نوجهه له هو: “إذا كان شعار “الله أكبر” هو الذي مكن الجيش المصري من اجتياز خط بارليف”، فلماذا لم يَحُلْ هذا الشعار دون تمكن الجيش الإسرائيلي من اختراق الدفاعات المصرية وعبور قناة السويس والوصول إلى الكيلومتر 101 في الطريق نحو القاهرة، وفرض التفاوض مع المصريين فيه أي على الأراضي المصرية وليس على الأراضي الإسرائيلية؟ ونواصل مع الحوافز الخرافية التي اعتقد القرضاوي أنها كانت في صلب الانتصار العسكري المصري في بداية الحرب، يقول: “لقد أقسم كثير من الضباط والجنود أنهم كانوا يرون مخلوقات بثياب بيض، تقاتل إلى جوارهم، وسواء كان هذا حقيقة أم خيالا، كما يقول الماديون، فعلى كل حال لا يشك أحد في قيمة الروح المعنوية عند من يحارب، وهو يعتقد أن الملائكة تحارب معه، وتنصره على عدو الله وعدوه!” خرافات الملائكة التي تحارب في صف المسلمين كثيرا ما لجأ إليها رجال الدين عندما تكون المواجهة بين من يعتقدون أنهم مسلمون حقيقيون وبين الكفار ابتداء من غزوة بدر إلى غاية حرب غزة مرورا بأفغانستان أيام الاحتلال السوفييتي لها. حتى حكوا لنا أن ثعبانا قتل 400 جندي روسي وأن طائرا أسقط طائرة وأن حفنة من الرمل كانت كافية لتفجير دبابة. ثم يقول القرضاوي عن الثورة الإيرانية: “ومهما يختلف المراقبون والمحللون في شأن الثورة الإيرانية، ومدى صوابها، أو خطئها في مواقفها، ومدى قربها من الإسلام أو بعدها، فإن الذي لا يختلف فيه اثنان: أنها استطاعت أن تعبئ قوى الشعب الإيراني تعبئة، لا نظير لها في التاريخ القريب، ولا في الواقع الحاضر. لقد جعلت من الشعب كله جيشا وراءها، يساندها في معاركها الداخلية والخارجية، وأشعلت إيمانه وحماسه، حتى لم يعد يبالي بالضوائق الاقتصادية، ولا بالحصار الخارجي، طلبا للجنة، وسعيا إلى “الشهادة” التي نالها إمامهم الحسين “رضي الله عنه”! “أجل، لقد جعلت الشباب الغض، يركض إلى الموت ركضا عن حرص وحب، وأبوه يبارك خطاه، وأمه تدعو له بإحدى الحسنيين، فإذا جاء نبأ شهادته، انطلقت الزغاريد في بيته، كأنه خبر زفافه إلى عروس، وليس نبأ مقتله في المعركة!” “ولقد نجحت الثورة نجاحا منقطع النظير في إخراج المرأة من عزلتها وأميتها الدينية والسياسية، ومن اهتماماتها التافهة بالزينة و”المودة” إلى الاهتمام بالقضايا المصيرية للدين والوطن”. القرضاوي وأمثاله من شيوخ السنة لا يتوقفون عن شن حرب دينية ضد الشيعة إلى حد التكفير، فكيف يصدق القرضاوي أن مذهبا مارقا عن صحيح الدين يتمكن من تجنيد الناس بهذه الصفة؟ لماذا لا يستنتج مثلا أن تعبئة الناس يمكن أن تتم بشتى الطرق سواء استندت إلى ديانات وثنية أو (سماوية) أو إلى أفكار وطنية وقومية وحتى عنصرية وشوفينية مثلما كان الحال في ألمانيا النازية وإيطالية الفاشية؟ هل نسي القرضاوي أن جمال عبد الناصر كان يحظى بشعبية لا نظير لها تجاوزت الحدود المصرية رغم أنه كان، حسب القرضاوي يرأس دولة “فرغت (فيها) القلوب من الإيمان، وقطعت صلتها برب السماء”. أما صاحبه الشيخ متولي شعراوي فقد صلى ركعتين شكرا لله على هزيمة مصر في حرب 1967. القرضاوي يجهل أو يتجاهل كل هذه الحقائق مادام هذا الجهل أو التجاهل يخدم المخططات الأصولية. ولهذا يقول: “على أن المثل الأروع الذي لا يقبل الجحود ولا الشك، هو ما يصنعه الإسلام اليوم على أرض أفغانستان الصامدة، وما يلقنه المجاهدون البسطاء من دروس للقوة العظمى الثانية في العالم “الاتحاد السوفييتي” لقد هزم إيمان الأفغان دبابات الروس وصواريخهم، وكذلك يصنع الإسلام دائما”. كان ذلك في الثمانينات. أما أهم الحقائق التي تعمد الشيخ تشويهها أو التستر عليها، فهي أن أولئك المجاهدين الذين حاربت الملائكة إلى جانبهم كانوا عبارة عن بيادق في لوحة الشطرنج الدولية بين المعسكرين المتصارعين يومئذ، ولولا الأسلحة الأمريكية الفعالة والأموال السعودية المدرارة ولولا الجسر الباكستاني لما حققوا شيئا يذكر. ثم يقول الشيخ: “وقد يقول بعض العلمانيين: إننا لا نمانع في استخدام الدين لشحذ الهمم، وبعث العزائم، وتعبئة الطاقات لدى الشعب لمواجهة التحديات، في معارك التحرير والتقدم والبناء”. “ونقول لهؤلاء: أولا: إن الدين أشرف وأرفع قدرا من أن يتخذ مطية تركب، أو أداة تستخدم لغرض موقوت، ثم يلقى به ـ بعد ذلك ـ في سلة المهملات، إن الدين هو جوهر الوجود، وسر الخلود، وروح الحياة، وهو غاية تقصد لذاتها، وليس مطية تركب. ثانيا: إن الدين لا يؤدي رسالته في البعث والإحياء والتعبئة، إلا إذا كان هدفا لا وسيلة، وكان دما يجري في عروق الحياة كلها، لا شيئا على هامش الحياة. إنما يؤثر الدين في الشعوب، ويغير من حياتها وسلوكها، إذا كانت كلمته هي العليا في التشريع والتوجيه والتعليم والتثقيف، بحيث يصبغ الحياة بصبغته، فينطلق الناس تحت لوائه، عاملين مخلصين، وفي الخيرات مسارعين ومسابقين. وثالثا: إن الشعوب بحاستها الفطرية، لا تستجيب لمن يجندها باسم الدين، إلا إذا لمست فيه الولاء لدين الله، وأحست بحرارة الإخلاص له، والحرص على تطبيق شرائعه، وتعظيم شعائره، والدخول فيه كافة كما أمر الله. وإلا أعرضت عنه، وكشفت خداعه ونفاقه، وقالت في قوة وجلاء: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟) (سورة البقرة:85). وهو كلام لا يستقيم أبدا حتى في مواقف وتصرفات أمثال القرضاوي والغزالي وغيرهم ممن سخروا دينهم وأعمارهم لخدمة أولياء نعتمهم من ملوك وحكام الاستبداد العربي. خير دليل المثال الذي أوردناه له عن موقفه المتملق للأنظمة الملكية العربية:

حوار مع القرضاوي 11: هل العلمانية ضد إرادة الشعب؟

يتبع   عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

هل البنوك الربوية اكثر تقوى من الديانات السماوية؟

طلال عبدالله الخوري    23\11\2012    حصريا مفكر حر

هذه المقالة  هي مقالة توعية في علم الاقتصاد, وحسابات ( الربا)أو معدل الفائدة بالبنوك كما هي بالواقع, وليس لها أي علاقة بالثيولوجي والغيبيات.

   الديانات السماوية الثلاث وحسب الاقدمية هي, اليهودية, المسيحية والاسلامية, نشأت بمنطقة جغرافية متقاربة, وأخذت عن بعضها البعض الكثير من التعاليم, ما يهمنا في هذه المقالة  هو تعليمة واحدة أجمعت عليها الديانات السماوية الثلاث وهي تحريم الربا, لما لهذه الوصية من اهمية في الجانب الاقتصادي لحياة الناس, وبالتالي كل جوانب الحياة الاخرى والتي هي عادة مرآة للجانب الاقتصادي لحياة الإنسان. 

   بالحقيقة, بما أن شعوب الديانتين اليهودية والمسيحية قد تبنتا العلمانية بتعاملاتهم, وقوانينهم ودساتيرهم, فأن هذه المقالة تهم بالأخص الانسان المسلم المتدين البسيط, لكي لا يتم استغلاله بأسم الدين, ولكي لا تتم سرقة امواله و شقاء عمره من قبل رجال الدين الدجالين والجشعين, والذين يشرفون على ما يسمى بالبنوك الاسلامية والتي هي ربوية اكثر من البنوك الربوية في الغرب, وهذا ما سنثبته في هذه المقالة.

    سأبدأ المقالة بطرفة كان يتندر بها السوريون في بداية الثمانينات, حيث قفز سعر صرف الدولا مقابل العملة السورية من 4 ليرات سورية للدولار الواحد عام 1970 الى 50 ليرة للدولار الواحد عام 1980, والذي يعني وبحساب بسيط بأن حافظ الأسد قد سرق 92 ليرة من كل مئة ليرة سورية من مدخرات السوريين ومداخيلهم, فقط لا غير؟

   الطرفة تقول:

اجتمع حافظ الاسد بأعضاء القيادة للحزب, لكي يشرح لهم نتائج زيارته للإتحاد السوفياتي, فقال لهم: لقد منحوني هناك شهادة دكتوراة بالكيمياء مع مرتبة الشرف لأنني قمت بتفاعل كيميائي لم يسبقني اليه احد؟  

 فذهل أعضاء القيادة, وسألوه: وما هو ابداعكم الجديد بالكيمياء؟

فأجاب حافظ الأسد: لقد حولت الليرة السورية الى خراء…!؟

    ولكي لا يحول شيوخ الدجل من الأخوان المسلمين مدخرات المؤمنين, في البنوك الاسلامية, الى خراء, كما فعل الدجال حافظ الأسد مع الشعب السوري, سنقوم بهذه المقالة بدراسة  اقتصادية لكل ما يهم المواطن حول موضوع الفائدة, او كما جائت تسميتها بالكتب المقدسة الربا, وسنرى لماذا يدجل الشيوخ بحث المؤمنين البسطاء على وضع مدخراتهم بالبنوك الاسلامية الشرعية؟

 حسب الشرع فأن معدل الفائدة للمودعين بالمصارف الإسلامية يجب ان تكون منخفضة ومساوية للصفر! اذا سنطلق على معدل الفائدة هذا ب “معدل الفائدة الألهية” وهو يساوي للصفر.

ولكن عندما تم تشريع معدل الفائدة الإلهية هذا, كان التعامل بالدينار الذهبي والفضي, وكانت نسبة الغلاء او التضخم, مساوية للصفر, وكان سعر الادوات والكساء والطعام والشراب والسكن ووسيلة النقل من الاحصنة…. الخ, كانت ثابتة, والغلاء يقترب من الصفر خلال مدة زمنية تقترب من معدل عمر الإنسان, أي ما يقارب 70 عاماُ.

أما في هذه الأيام, فلم نعد نستخدم العملة الذهبية والفضية, وإنما نستخدم العملة الورقية, والمصنوعة من الخشب والطلاء, ونتيجة لهذا: اصبح هناك تضخم مالي يطرأ على العملات الورقية, يؤدي هذا التضخم الى خفض قيمة العملة الورقية, وبالتالي يؤدي الى غلاء الاسعار, لذلك دخل الى علم الاقتصاد مصطلحات جديدة نطلق عليها: معدل الفائدة الاسمية, ومعدل الفائدة الفعلية, وذلك لكي نميز بين معدل الفائدة الاسمية والتي يعلنها المصرف للمواطن الذي يودع امواله بالمصرف, ومعدل الفائدة الفعلية والتي هي الفائدة الفعلية والتي فعلا دخلت الى محفظة المواطن المودع؟

معدل الفائدة الاسمية في الاقتصاد  :

 nominal interest rate

  هو معدل الفائدة قبل حساب التعديل الناشئ عن التضخم, والذي يعني الغلاء، وهو يختلف عن معدل الفائدة الحقيقي  

real interest rate

  الفرق بين معدل الفائدة الاسمي والحقيقي:

   يحتوي معدل الفائدة الاسمية على معدل الفائدة الحقيقي ونسبة التضخم (الغلاء). وفي حالة الايداع تكون الفائدة الحقيقية هي الفائدة التي يحصل عليها المواطن الذي اودع نقوده بالمصرف . فإذا حصل المواطن المودع على فائدة قدرها 5% عن مدخراته, وكان معدل التضخم (الغلاء) 8 % تكون بذلك الفائدة الحقيقية هي عبارة عن خسارة 3% من مدخراته, أي بكلام اخر فان هذا المصرف قد اعطى نسبة فائدة أقل من معدل الفائدة الالهية؟؟

ومن هنا اتى عنوان المقالة هل البنوك الربوية اكثر تقوى من الديانات السماوية؟ حيث ان معدل الفائدة الحقيقية فيها اقل من معدل الفائدة الالهية والمساوي للصفر؟

من هنا نرى بأنه عندما شرعت (السماء) معدل الفائدة الالهي المساوي للصفر, كان في ذلك الوقت معدل الفائدة الاسمية يساوي معدل الفائدة الفعلية ومساوي للصفر.

اما الآن, فلكي تكون معدل الفائدة الفعلية مساوية للصفر, كما هي في الحالة الالهية, فيجب ان يكون معدل الفائدة مساوي لمعدل التضخم المالي, وهذه من بديهيات علم الاقتصاد الذي يحاول شيوخ الدجل والنهب اخفاؤه عن المؤمنين.

راجعوا مقالنا:الاقتصاد التنافسي :المطلب للثورات العربية

اي بأختصار فان البنوك الاسلامية تسرق من المودعين نسبة مساوية للتضخم المالي, اما البنوك الربوية فتسرق نسبة اقل من نسبة التضخم من المودعين فيها.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

وفاء سلطان لماذا وكيف تكتب؟

 وفاء سلطان

    كان رجل حكيم يتمشى يوما على أحد الشواطئ، فرأى شابا يافعا يقوم بالتقاط الأسماك الصغيرة التي تجرفها الأمواج فوق الرمال، ويعيدها بسرعة البرق إلى الماء كي لا تجف تحت أشعة الشمس الحارقة وتموت.   اقترب الحكيم من الشاب وربت على كتفه، ثم قال: يا بني، لماذا تضيّع وقتك الثمين في هذه المهمة المستحيلة، فهناك ملايين الأسماك التي تموت كل يوم، ولن تستطيع أن تنقذها كلها؟!   لم يأبه الشاب لنصيحة الحكيم، فالتقط سمكة صغيرة أخرى ثم رماها في الماء، وهو يقول: على الأقل سأنقذ حياة تلك السمكة!   ………………………..   كتبت في حلقة سابقة من هذه السلسلة: “جئت إلى هذا العالم لأغيره نحو الأفضل”، فجاءت بعض الردود لتستهتر بقدرتي واتهمتني بالغرور.   آلمني الأمر…!   تألمت، لا لأنهم يشكون بقدرتي على أن أفعل ذلك، بل لأنهم لا يؤمنون بقدراتهم.   لا أحتاج إلى صك اعتراف من أحد، بل يحتاج كل منا إلى أن يمنح نفسه صك اعتراف بقدراته، ولم أبخل يوما على نفسي!   من يؤمن بأنه يستطيع هو يستطيع، ومن يؤمن بأنه لا يستطيع هو ـ باختصار ـ لا يستطيع!   الحدث ـ أي حدث ـ يقع مرتين، المرّة الأولى في مخيلتك والمرّة الثانية على أرض الواقع.   ومادمت لا ترى نفسك مؤهلا لأن تغير العالم نحو الأفضل لن تستطيع، أما أنا فاؤمن، ولذلك استطعت ومازلت أستطيع!   لقد رأيت نفسي على منبر الجزيرة قبل أن يحدث ذلك بعشرات السنين، ولقد قلت ما قلته بيني وبين نفسي قبل ذلك بكثير.   كتبت لي معلمة اللغة العربية السيدة عبلة النوري، وكنت يومها في الأول إعدادي:   “يعجبني فيك حضور البديهة وحسن العمل، لديك موهبة فنميها بالقراءة حتى تثمر. إن الدرب طويلة ولكن ثمرة الصبّار بحلاوتها تظهر من بين الأشواك”   ظل قولها هذا محفورا في ثنايا دماغي، وظلت حكمتها ترافقني في مسيرتي الحياتية.   لقد اكتشفت بأن الطريق أقصر مما ظنت معلمتي، فالحياة برمتها أقصر مما نتصور، واكتشفت أيضا بأن الطريق لم يكن موجودا وكان عليّ أن أصنعه.   في قصة “أليس في بلاد العجائب” تسأل أليس القطة: دليني على الطريق؟   فترد القطة: إلى أين أنت ذاهبة؟   تقول أليس: لا أعرف!   فتردّ القطة: إذن لا يهم، بإمكانك أن تسلكي أي طريق!   نعم الجهة التي تقصدها هي التي تحدد الطريق، وعدد الجهات هو بعدد الناس.   مادمت لا تملك مؤشرا في ذهنك يدلك على الجهة التي تريد أن تقصدها لن تستطيع أن تصنع طريقا خاصا بك.   لقد صنعت ذلك الطريق لأنني عرفت منذ البداية أية جهة أردت أن أقصد.   …………………..   يسألني صديقي “عائد” من الجزائر:   “هل تستطيعين يا وفاء أن تشرحي لي كيف يعيش شخص وأخوه في بيت واحد، ثم يكبرا ليقود كل منهما حياة مغايرة تماما لحياة الآخر؟”   وجوابي: نعم، أحدهما التقى بمعلم همس في اذنه عبارة ما، فحفرت تلك العبارة في ثنايا دماغه، كما حفرت عبارة معلمتي السيدة نوري في دماغي، وساعدته تلك العبارة لاحقا ليكون من كان، بينما أخوه لم يسمع تلك العبارة، أو ربما سمع عبارة مغايرة في مفهومها تماما للعبارة التي سمعها أخوه، فالتصقت هي الأخرى في ثنايا دماغه وألزمته أن يأخذ منحا مغايرا تماما للمنحى الذي اتخذه الأول.   نعم، كل حرف وكل حدث نسمعه في حياتنا يترك بصماته، ولكن لسبب أو لآخر بعض العبارات أو بعض الأحداث تكون في تأثيرها حدّية كالطلقة.   قرأت مرّة مذكرات لاعبة بينغ بونغ صينية جاءت إلى أمريكا لتشارك في إحدى المسابقات العالمية لتلك الرياضة، تقول فيها:   “ترعرت في بيت لا يعرف التشجيع، وإنما يفرض علينا الأمور بطريقة عسكريّة فظة، وهذا جزء من الثقافة الصينية. لا أستطيع أن أتذكر نفسي إلا لاعبة، بل أشعر وكأن أمي ولدتني على طاولة بينغ بونغ. وصلت إلى أمريكا بعد أن زوّدني والديّ بخيار واحد وهو أن أفوز، وكاد الخوف من عدم الفوز يدّمرني.   قبل اللحظة الحاسمة لدخولي المباراة شعرت بقرب أجلي وخارت قواي، وإذ برجل أمريكي يخرج عليّ من حيث لا أدري فيقترب مني ويربت على كتفي، ثمّ يهمس بلطف في اذني:

You can do it

، بامكانك أن تفوزي!   تتابع اللاعبة: شيء غريب حدث في تلك اللحظة، شعرت للمرّة الأولى بأن قوة إيجابية تسري في جسدي كالتيار الكهربائي، وشعرت معها برغبة جامحة للمنافسة!   دخلت المباراة وفزت بالمنصب الأول!   لم يكن فوزي الأول، لكنني شعرت بحلاوة الفوز أكثر من أية مرّة مضت!”   ………….   السيدة عبلة النوري والرجل الأمريكي لا يتذكرا ماذا فعلا وماذا قالا، ولا يعرفان عمق الأثر الذي تركته عباراتهما، ولكن هذا هو الواقع: كلمة تدمّر وأخرى تصنع المعجزات!   لكي أكون منصفة، ليست عبارة السيدة نوري هي الوحيدة التي تركت أثرها في حياتي، لكنها كانت الأعمق وظل جذرها يمتص ماء التربة التي عشت فيها ويرويني به.   من خلال عبارة السيدة نوري تولدت لديّ قناعة بأن القراءة تنمي الموهبة، وبأن الثمرة ستنضج لاحقا، صارت تلك القناعة تستقطب كل ما يكرّسها وتلفظ ما يخالفها!   تعالوا نقرأ ما قاله يوما الرسام الشهير بيكاسو:  

When I was a child, my mother said to me, “If you   become a soldier, you ll be a general. If you become   a monk you ll end up as the pope.” Instead I   became a painter and wound up as Picasso.

   “عندما كنت طفلا قالت لي أمي: إذا أصبحت جنديا سترتقي مع الأيام لتصبح جنرالا، وإذا أصبحت رجل دين سترتقي مع الأيام لتصبح البابا، ولكنني أصبحت رساما وارتقيت مع الأيام فأصبحت بيكاسو”   لقد أعطته أمه الحرية في أن يكون من يريد أن يكون، لكنها زرعت لديه قناعة بضرورة أن يكون أفضل من يريد أن يكون.   نعم، فالكلمة تصنع من الرجال عظاما وتصنع منهم الفاشلين أيضا.   ……………   في أغلب الأحيان، يرفض الإنسان أن يعترف بقدرات غيره على إنجاز مالا يستطيع هو أن ينجزه، لأن الأمر يؤلمه ويكرس له عجزه!   لا تستطيع أن ترى فشلك بوضوح إلا من خلال نجاح الآخرين، ولذلك ترفض ـ بلا جدوى ـ أن تعترف بذلك النجاح كي لا تشعر بفشلك!   تلك حقائق تنطبق على كل شعب وموجودة في كل ثقافة.   ولكن في ثقافة تقتل الذات وتكرس الإحباط، كالثقافة الإسلامية، تندر حالات الإبداع ولا يتمّ الإعتراف بها من قبل الجموع إلا عندما تفرض نفسها بالقوة مع الزمن!   في تلك الثقافة، لا تعترف الجموع بأية حالة إبداعية إلا بعد مرور أجيال، لماذا؟!   لأن الجموع المحبطة ترفض أن تهلل لتلك الحالة كي لا تعترف بفشلها أمام نجاح المبدع.   وجود حالة إبداعية يذكر الفاشل بفشله، ولذلك يحاول بكل قواه أن يحاربها، وفي أفضل الأحوال يكتفي بأن يتجاهلها.   عندما يندثر الجيل يموت المحبطون ويظل المبدع حيا، يظل حيا في إبداعه.   الأجيال الجديدة ترى الإبداع، ورغم إحباطها تعترف به، لأن المبدع ليس موجودا كي يروا في نجاحه مرآة تعكس فشلهم وفي وجوده خطرا يهدد وجودهم.   أضرب مثلا لتلك الحالة الشاعر المبدع نزار قباني:   مازلت أذكر تماما الحرب التي شنها الفاشلون من الشعراء على نزار.   أما اليوم، وبعد موته، فقلة قليلة تلك التي لا تعترف بابداعه!   أذكر يوما راح مدرس اللغة العربية يصب جام غضبه على نزار، ومن جملة ما قاله لنا نحن الطلاب: نزار لوطي، ولوطيته تفقده مصداقيته!   بصقنا يومها على نزار، ولكن هل يوجد اليوم طالب في العالم العربي لا يغني بنشوة عارمة:   قولي…..انفعلي…..انفجري   لا تقفي مثل المسمار….!   إنّي لا اؤمن في حب لا يحمل نزق الثور؟؟؟؟؟   ……………..   الجيل الحالي ـ كجيل مبرمج ومقولب ـ لا يستطيع أن يقرأ من خلال إحباطه كلماتي ولا يستطيع أن يرى من خلال فشله نجاحي.   أما الجيل القادم فسيؤمن ـ ليس فقط ـ بأنني قدرت على أن أفعل ذلك، بل سيكون هو نفسه البرهان على ما فعلت، إذ لا ينتابني أدنى شك بأنني أساهم اليوم في خلق جيل عربي أفضل.

تقول المذيعة الأمريكية المعروفة عالميا أوبرا وينفري:

I was once afraid of people saying, who does she think she is? Now I have the courage to stand and say, this is who I am.

“كنت سابقا أخاف من الناس الذين يقولون: من تعتقد هذه المرأة بأنها هي؟   أما اليوم، فأمتلك الشجاعة الكافية لأن أقف في وجوههم وأقول: هذه المرأة هي أنا”   لقد خافت السيدة وينفري يوما من أن تعترف بانجازاتها، لكنني لم أشعر بهذا الخوف ولن أشعر يوما، فأنا منذ البداية ـ ولم أزل ـ أعترف بانجازاتي وأعتز بها.   …………………..       منذ طفولتي أيقنت بأنني شخص مميز عن الآخرين، وميزاتي لا تجعلني بالضرورة أفضل منهم، لكنها تبرر الغاية من وجدي، فلولا ذلك الوجود لأختلف الكون.   في الوقت نفسه أيقنت بأن كل من الآخرين مميز عني، وميزاته أيضا تبرر الغاية من وجوده، فلولا وجود كل منهم لأختلف الكون.   لذلك لم أقلد يوما أحدا، ولا أعتقد بأن أحدا يستطيع أن يقلدني!   إيماني بفرديتي لم يدفعني لأنكر على الآخرين فرديتهم، ولذلك لا يستطيع أحد أن يسمي تمسكي بتلك الفردية غرورا، بل على العكس تماما ساعدني على أن أعترف وأحترم فردية الآخرين.   الفردية لا تعني بالضرورة التفوق، لكنك لا تستطيع أن تتفوق مالم تكن فريدا.   Andre Gide، فيلسوف فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر وحائز على جائزة نوبل، دارت معظم كتاباته حول حق الإنسان في أن يكون ذاته وفي أن يعتز بفرديته، قال مرة: أن يكرهك الناس عندما تكون ذاتك خير لك من أن يحبوك عندما تلعب دورا ليس دورك.   تعالوا نقرأ معا هذا المقطع من كتاباته أيضا:  

What another would have   done as well as you, do not   do it. What another would   have said as well as you,   do not say it; what another   would have written as well,   do not write it.   Be faithful to that which exists nowhere but in yourself–and   thus make yourself   indispensable.

كل شيء قد يفعله الآخرون كما تفعله لاتفعله…   كل شيء قد يقوله الآخرون كما تقوله لا تقله…   كل شيء قد يكتبه الآخرون كما تكتبه لا تكتبه…   كن مخلصا لذاتك التي لا توجد إلا في أعماقك، وبذلك تجعل من نفسك كائنا مهما وفريدا من نوعه…

    ………….   يكتب إليّ الكثيرون من المسلمين: ألم تقرأي شهادة المستشرق فلان وفلان وفلان بأن محمدا كان قائدا فذا؟!!   وأجيب: لست بحاجة أن أقرأ أقوالهم لكي أعترف بان محمدا كان قائدا فذا، فالبرهان فيكم!   باستطاعة القائد أن يصعد بك إلى المريخ وباستطاعته أن يقودك إلى حتفك!   ولذلك، يولد الإنسان المسلم ميتا ويقضي حياته داخل حدود قبره!   كما قادتني عبارة السيدة نوري إلى ما أنا عليه اليوم، قادت سيرة محمد ـ بما فيها غزواته وزيجاته ـ ملايين المسلمين إلى ما هم عليه اليوم.   ولذلك، هم لا يؤمنون بقدراتي وأنا لا أكترث بعدم إيمانهم!   ليست العظمة في أن تكون قائدا، بل العظمة تكمن في طبيعة المكان الذي تصل بأتباعك إليه!   محمد كان قائدا، والمسلمون اليوم يقفون تماما حيث قادهم!   فشل محمد، كاسوأة لأتباعه، في خلق إنسان متوازن روحانيا وماديا.   …….   الإنسان كيان مستقل يتجسد في “الأنا” عنده، وهو في الوقت نفسه روح تتجسد في العلاقة التي تربط “أناه” بالكون المحيط به.   قتل الإسلام الأنا ولم يرتق بالروح، فخرج المسلم إلى الحياة مخلوقا هشّا محبطا غير قادر على أن يفرض وجوده، وغير قادر على أن يكون جزءا من الوجود.   يتهمونني بالغرور عندما أتحدث عن قدرتي على تغيير الكون نحو الأفضل، وموقفهم من قراري يعكس عدم إيمانهم بقدرتهم على فعل ذلك.   عندما قلت “سأغير هذا العالم إلى الأفضل” لم أخترع شيئا جديدا، فكل منا ـ في الحقيقة ـ يأتي إلى هذا الكون ليغيّره نحو الأفضل.   تلك المهمة ـ باختصار ـ هي الغاية من الحياة!

وكما اؤمن بقدرتي على فعل ذلك اؤمن بقدرات الغير، لكن الظروف التربوية والثقافية تجرد بعض الناس من تلك القدرات، وهذا هو حال المسلمين!   كل الإنجازات التي يحققها الإنسان في حياته هي نتيجة حتمية لإشباع الأنا والروح عنده معا.   يستمد قدرته من إشباع كل جانب ومن التوازن بين الجانبين!   …………………   هناك فرق بين الغرور وبين أن يحدد الإنسان مهمة نبيلة ويستخدم قدراته لإنجازها.   هو يستمد قدرته على تحديد المهمة وإنجازها من “أناه” المشبعة ومن “روحه” المشبعة ومن التوازن بين الأنا والروح لديه!   على العكس تماما، يغترّ الإنسان عندما يملك إحساسا دفينا بأنه ناقص، ناقص في إشباعه لأناه وناقص في إشباعه لروحه، فيتبجح بقدرات لا يملكها وينفش ريشه أمام نجاح وهمي لم يحققه.   هو يغتر ليغطي إحساسه بالفشل، وليس عندما يتباهي بنجاح حقيقي!   إشباع الأنا ليس أنانية، ولكنك تصبح أنانيا عندما تفشل في ذلك الإشباع أو أن تبالغ فيه على حساب الروح!   الشبع حالة طبيعية نصل إليها عندما نأكل، ولكن الجوع كالإفراط في الطعام كلهما يؤذيان!   لا يستطيع إنسان على سطح الأرض أن يحب غيره مالم يحب نفسه أولا.   حب النفس هو الخطوة الأولى الـتي تؤهلك لأن تكون قادرا على حب الآخرين.   كيف تكره نفسك وتستطيع أن تبرر حبك لغيرك؟!!   والعكس هو صحيح، كيف تكون في حالة وئام وسلام مع نفسك وتكون قادرا على أن تكره غيرك؟!!   قبل أن تقلع الطائرة تزودك المضيفة بالتعليمات التي يجب إتباعها في حالات الخطر، وتشرح لك كيف تستخدم قناع الأوكسجين وكيف تساعد أطفالك على استخدامه.   في كل مرة تؤكد لك على ضرورة أن تلبس القناع قبل أن تلبسه لطفلك، لأنك لا تستطيع أن تنقذ غيرك مالم تنقذ نفسك أولا!   كانت جدتي تقص علينا حكايات من نسج خيالها وخيال غيرها عن طوفان نوح، وأذكر تماما ما كانت تقوله عن الأمهات وكيف تعاملن مع أطفالهن أثناء الطوفان.   على حد خيال جدتي، كانت الأم ترفع طفلها فوق مستوى الماء، ولكن عندما يصل الماء إلى انفها وتعرف بأنها غارقة لا محالة كانت تلقي طفلها تحت قدميها وترتفع فوق جثته في محاولة يائسة لإنقاذ نفسها.   لا يهمني من القصة مصداقيتها التاريخية، بل يهمني عمق مغزاها!   نعم، إنها الطبيعة البشرية: لا تستطيع أن تنقذ أحدا مالم تنقذ نفسك أولا!   الإنسان الوحيد الذي تقضي معه كل ثانية من حياتك هو أنت، ولا تستطيع أن تنجز عملا نبيلا مالم يؤمن هذا الـ “أنت” بقدراتك!   …………………   من أنت؟   أنت كائن فريد، فريد من نوعك، فمهما تشابهت مع غيرك هناك ما يميزك عن ذلك الغير.   في “الأنا” تكمن فرديتك!   يقول فرويد:  

Where id was, there ego shall be

، أين توجد الذات لا بد وأن توجد الأنا.   ولتحقيق الذات يجب أن تشبع الأنا، أن تشبعها بطريقة معتدلة لا تزيد ولا تنقص عن حاجتها!   الأنا هي التي تفصلك عن الكون، هي التي تحدد كينونتك وتؤكد استقلاليتك؟   أما الروح ـ وبمعزل عن مفهومها الديني لأنني لا أعترف به إطلاقا ـ فهي الرباط الذي يشدك إلى الكون فتنصهر فيه وتفقد تلك الإستقلالية.   أنت كيان مستقل وفريد من نوعه، ولكنك في الوقت نفسه ـ شئت أم أبيت ـ جزء من الكون ومنصهر فيه!   لا تستطيع أن تحقق مهمتك النبيلة، ألا وهي تغيير العالم نحو الأفضل، إلا عندما تشعر بفرديتك وتقبل في الوقت نفسه أن تنسجم مع الكون المحيط بك والذي أنت جزء منه.   هذا التوازن بين الفردية والذوبان في الكون، بين أن تكون “الأنا” وبين أن تكون “الروح” هو سر النجاح.   والنجاح هنا لا يعني أي نجاح!   النجاح هو أن تنجح على الصعدين، على الصعيد الفردي فتشبع “أناك”، وعلى الصعيد الكوني فتشبع روحك!   عندها ـ وعندها فقط ـ تصبح قادرا على أن تحب نفسك وتحب في الوقت نفسه غيرك!   عندها ـ وعندها فقط ـ تشعر بتوازن بين عالمك الداخلي والعالم الخارجي الذي تنتمي إليه، وتعيش حالة من الإنسجام بين العالمين.   هذه الحالة اسميها السعادة، وهكذا أعرّف السعادة.   السعادة هي حالة تعيشها وليس مجرد إحساس ينتابك، هي حالة من الإنسجام والتوازن بين قوة تشدك لأن تكون ذاتك وقوة أخرى تشدك لأن تكون جزءا من كونك، تماما كتلك التي تصل إليها كفتا الميزان عندما تحمل كل منهما نفس الثقل!   قد تكون حزينا لكنك في الوقت نفسه تعيش تلك الحالة، فالحزن ـ ليس بالضرورة ـ عكس السعادة!   الحزن هو إحساس مجرد إحساس عابر، والسعادة هي وضع تستطيع أن تعيشه في كل ثانية من حياتك بغض النظر عن منغصات تلك الثانية.   قد يموت عزيز لك فتحزن بعمق، لكنك تظل سعيدا مادمت محتفظا بالتوازن بين “الأنا” عندك وبين روحك.   قد تربح اليانصيب فتشعر بفرح غامر، لكنه فرح مؤقت قد يزول مع غياب الشمس مادمت لا تشعر بذلك التوازن!

الشقاء ـ وليس الحزن ـ هو الحالة المغايرة للسعادة، وهي حالة دائمة من الحزن والإحساس بالإحباط تهيمن عليك حتى في ذروة فرحك.

تلك الحالة مردها إلى فقدان التوازن بين الـ “أنا” وبين الروح عندك!  

Clare Booth Luce

، من أشهر نساء أمريكا في القرن العشرين.

تعرفت على زوجها وهي في ذروة نجاحها ككاتبة سيناريو مسرحي، فمارس عليها هيمنته وأقنعها بضرورة الإنخراط في العمل السياسي.   لقد طبقت شهرتها الآفاق كسياسية، فاُنتخبت مرتين كعضوة في الكونغرس الأمريكي واشتغلت حقبة من حياتها كسفيرة أمريكا في ايطاليا.

في مقابلة لها، قالت: لو قدر لي أن أكتب مذكراتي لنشرتها تحت عنوان “مذكرات فاشلة”.   وتابعت تقول: لقد ولدت لأكون كاتبة مسرح، لكنني وبسهولة تخليت عن ذاتي، ولا أعرف إن كنت قادرة على أن أسترجع تلك الذات. لقد صفق العالم لي، لكنني لا أستطيع أن أصفق لنفسي، فأيَ نجاح هذا؟!!”   ……………   إنني أعيش تلك الحالة من التوازن، ولذلك اؤمن بقدراتي على تغيير العالم نحو الأفضل!   لقد أشبعت “الأنا” عندي وانتهى ذلك الإشباع عند حدود الروح، وكذلك اشبعت الروح وانتهى إشباعي لها عند حدود “الأنا”!   لم أسمح لواحدة أن تتخطى حدود الأخرى، وظل التوازن بين الكفتين قائما.   أنا وفاء سلطان، أنا لست أمل ولا سهى ولا فاطمة، ووفاء سلطان هي الـ “أنا” عندي، هي فرديتي التي أعتز بها.   لكنني في الوقت نفسه أنا أم وزوجة وصديقة وطبيبة وكاتبة، وكل دور من هذه الأدوار يصهرني في الكون الذي أعيش فيه فيسمو بروحي.   أنا الأم التي يربطها بالكون أولادها، وأنا الزوجة التي يربطها بالكون زوجها، وأنا الصديقة التي يربطها بالكون أصدقاؤها، وأنا الطبيبة التي يربطها بالكون مرضاها، وأنا الكاتبة التي يربطها بالكون قراؤها.   لم أسمح يوما لوفاء سلطان أن تطغى على الأم أو الزوجة أو الصديقة أو الطبيبة أو الكاتبة فيني، ولكنني في الوقت نفسه لم أسمح لأي من تلك الأدوار أن يلغي وفاء سلطان، أي “الأنا” عندي!   قد يلعب غيري تلك الأدوار وينجح، لكنه يفشل في أن يكون “الأنا” عنده فلا يحقق حالة التوازن الذي وصلتها.   وقد يفرط أحد في إشباع “أناه” فيفشل في أن يلعب أي من تلك الأدوار، ولا يحقق بالتالي حالة التوازن تلك.   التربية الإسلامية تحطم “الأنا” عند المرأة حتى تخمد، وتنفخ “الأنا” عند الرجل حتى ينفجر، وفي الوقت نفسه لا تسمو بالروح لدى أي من الطرفين!   لا تسمو بالروح لأنها تتبنى ثقافة “إبادة الآخر”، والروح لا تحلق إلا على جناح ذلك الآخر!   في معظم الأحيان، وفي ظل تلك الثقافة، تلعب الأم دور المازوشية فتحرق نفسها في سبيل أطفالها، ويلعب الأب دور السادي الذي يحاول أن يشبع “أناه” المضخمة أصلا وتشريعا على حساب أولاده.   يكبر الأولاد ويتزوجون، فتذهب سكرة الوالدين وتأتيهما الفكرة، ويشعر كل منهما بضرورة إشباع الجانب الذي أهمله.   في تلك المرحلة تنقلب الأم إلى كائن ساديّ، فتبدأ باستخدام مازوشيتها كمبرر لتمارس طغيانها، وينزوي الأب متخليا عن أنانيته في محاولة يائسة لإستعادة ثقة أولاده به على أمل أن ينعش روحه.

هذا السيناريو يتكرر دائما وأبدا في مجتمعاتنا الإسلامية، فينعكس على حياة الأبناء ويساهم في تحطيم علاقات زوجية وتدمير بيوت بكاملها.   ولما كان المجتمع ـ أي مجتمع ـ هو مجموع عائلاته، ترى المجتمع الإسلامي برمته ليس أفضل حالا من أسوأ عائلة فيه.   …………………………….       الأديان عموما ـ وخصوصا تلك التي تسمى سماوية ـ تسلخ الإنسان عن كونه اللامتناهي، وتزج به في علاقة جدا محدودة وحديّة تربطه بشيء وتفصله عن أشياء.   ولذلك ـ عكس ما ترمي إليه ـ تفرغ في معظم الأحيان الإنسان روحانيا!   يبدو الكون وكأنه حلبة رقص، كل نغم فيه ينسجم مع إيقاع الآخر، أما ذلك المخلوق المقولب عقائديا فيرقص على نغم يُعزف داخل رأسه، ويسمعه هو دون غيره، لذلك تأتي إيقاعاته نشاذا تسيء إلى فنية اللوحة وجمال العرض!   راودتني تلك الفكرة أثناء فترة الإستراحة، بعد حضوري للجزء الأول من باليه سيفونية “بحيرة البجع” لتشيكوفسكي، وهي تعرض من قبل فرقة روسية على أحد مسارح هوليوود، وتعتبر واحدة من أعظم الباليه الكلاسيكية في تاريخ البشرية.   أثناء العرض انسجمت مع الإيقاع حتى صرت أحس بأنني جزء منه، توحدت في كل حركة بطريقة انسيابية ساحرة.

تجمدت في مكاني خوفا من أن أحرك يدي بطريقة نشاذية تسيء إلى فنية اللوحة.   لم أعد أشعر بالزمان والمكان فانفصلت عن “أناي” وصرت جزءا منصهرا مع الكل.   تخيلت وأنا أشرب بعض المرطبات في انتظار الجزء الثاني لو أن راقصة شرقية قد اقتحمت العرض بدون سابق تخطيط، وراحت تهز بطنها ومؤخرتها على أنغام موسيقى “ركبنا عل الحصان” وهي تعزف داخل رأسها، تخيلت كم ستكون نشاذا، وكم ستسيء إلى إنسجامية العرض!   هكذا تماما أشعر عندما أصغي إلى رجل دين مسلم في إحدى الفضائيات الإسلامية وهو ينفث سمومه، ويعلم أطفالا صغارا كيف يجب أن نتعامل مع غير المسلمين من اليهود والنصارى!       Joseph Campbell، عالم ميثولوجيا أمريكي، كاتب ومحاضر، قال:

The goal of life is to make your heartbeat match the beat of the universe, to match your nature with nature.   .

“الغاية من الحياة أن تجعل ضربات قلبك منسجمة مع إيقاعات الكون، أي أن توافق بين طبيعتك وبين الطبيعة”   عندما ينكر الدين حق الآخر في الوجود يفقد روحانيته ويتحول إلى دوغما إرهابية، لأن الروح هي العلاقة التي تربط الإنسان بكونه، وما هذا الآخر إلا جزء من ذلك الكون.   إما أن يقبل الإنسان الكون برمته، بما فيه من يختلف معه في أهوائه وعقيدته، وإلاّ سيبقى كائنا وهميا يتمحور حول نفسه كالشرنقة التي تموت قبل أن تتحول إلى فراشة.   لا أتصور، من خلال تجاربي وعلومي، بأن انسانا يقرأ الآية (واقتلوهم حيث وجدتموهم) ويؤمن بألوهيتها ـ بغض النظر عن الظروف التاريخية التي كتبت فيها ـ ويظل قادرا على أن يتوحد في كونه ويسمو بروحه.

لا تستطيع أن تقتل وتظل جزءا متوحدا في كونك، فعندما تقتل شخصا إنما تقتل جزءا من هذا الكون الذي يفترض أن تتوحد فيه كليا.   لم يقض الإسلام على العلاقة الروحية التي تربط المسلم بغيره وحسب، بل صار هو الـ “الأنا” عنده.   صار محمد هو “الأنا” عند كل مسلم.   خسر المسلم عندها “أناه” الحقيقة واحتفظ بـ “أناه” المزيفة، ولذلك ظل هشا وظل محبطا، وفقد إيمانه بقدراته على تحسين عالمه نحو الأفضل.   عندما ترى سنيّا يقطع رأس رهينته وهو يصيح: بأبي وأمي أفديك يا رسول الله، وعندما ترى شيعيا يضرب نفسه بالسكين حتى ينزف دما، وهو يصيح: بأبي وأمي أفديك ياحسين يا حفيد رسول الله، عندما ترى ذلك السيناريو تتعرف على مخلوق تهشمت روحه وتحطمت “أناه”!   عندما سئل رجل دين سني في كاليفورنيا عن رأيه بمقابلتي بالجزيرة، ردّ:   وفاء سلطان علوية، والعلويون مارقون على الدين!   هذا الرجل ليس سوى مخلوق فقد روحانيته وانفصل عن كونه، هو يعيش كالحلزون الميت داخل قوقعته.   هذا الرجل فقد قدرته على أن يرى في الكون جماله، ناهيك عن أن يكون نفسه جزءا من ذلك الجمال.   هو لا يقبلني ـ بغض النظر عن آرائي ـ لمجرد كوني علوية، وهو أمر يدرك حق الإدراك بأنه لم يكن خياري!   طالما لا يقبلني لأنني علوية، لا يستطيع أن يقبل غيري، حتى ولو كان ذلك الغير جاره السني!   لن يقبله لمجرد أن يختلف معه حول لون قميصه، وطالما يرفضني ويرفضه لن يستطيع يوما أن يقبل نفسه.   عندما تكون قادرا على أن تنبذ إنسانا آخرا لأمر لم يقترفه، لا يمكن أن ترى الجمال في نفسك.   كيف يستطيع ذلك الرجل أن ينظر في عيني طفل، متجاوزا إنتمائه الطائفي، ويرى عظمة الخالق فيه؟!!   كيف يستطيع أن يسمع زقزقة عصفور، وينصت إلى صوت الإله فيه؟!!   كيف يستطيع أن يراقب فراشة ترفّ حوله ويشعر بدينامكية الكون في رفتها؟!!   لقد سربله الحقد حتى أفقده روحانيته وأفقده معها كينوتنه!   لو سئل هذا الرجل: من هو الله، كيف يستطيع أن يتصوره؟!!!   كونفوشيوس قال يوما: كل شيء وله جماله، ولكن لا يستطيع كل إنسان أن يرى الجمال؟   فهل يستطيع ذلك الرجل أن يرى الجمال في أي من مواطنه؟!!  

Henry David Thoreau

، أحد فلاسفة أمريكا في القرن الثامن عشر يقول:  

You cannot perceive beauty but with a serene mind.

   “لا تستطيع أن ترى الجمال مالم تملك عقلا صافيا ونقيا”   أين الصفاء في ذهن رجل لا يستطيع أن يرى غيره إلا بمنظاره الطائفي، ومن خلال عدسته الضبابية؟

ليس في عقل ذلك الرجل إلا برميل قمامة لم يتم تفريغه منذ أربعة عشر قرنا من الزمن، فهل يستطيع أن يقرأ كلماتي يوما متجاوزا أوساخ ذلك البرميل؟!

    لو قال “أنا ضد وفاء سلطان لأنها قالت كذا وكذا” لأختلف الأمر، ولكن أن يعتبرني مارقة لمجرد أنني لم أولد سنيّة، فإنه الحقد الذي يسلخ الإنسان عن كونه، ويجرد “الأنا” من روحها!   يؤسفني أن يولد ذلك الشيخ ويعيش دهرا ثم يموت قبل أن يحيا!!   يؤسفني أن يموت قبل أن يحقق الغاية من حياته، وهي تحسين عالمنا نحو الأفضل!   يؤسفني أن يموت ولا يترك وراءه أثرا طيبا يخلّد ذكراه!   يؤسفني أن يموت قبل أن يسمو بروحانيته، وقبل أن يساهم ولو في إنقاذ حياة سمكة واحدة!   الرجل الذي يقزم عظمة هذا الكون ليجعل منه “سنيّا” صرفا، هو ـ باختصار ـ رجل لم يحس يوما بجمال ذلك الكون، ولذلك يؤلمني أن يولد ويموت قبل أن يستمتع بذلك الجمال.   وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

شيوخنا وقساوسهم

وفاء سلطان

القس الإنجيلي ريك وارين واحد من أشهر رجال الدين المعاصرين في أمريكا. عام 1980 أسس كنيسة

Saddleback

  في مدينة سييل بيتش في ولاية كاليفورنيا، وهي تبعد 65 ميلا جنوب شرق لوس أنجلوس.   ألف عام 2006 كتابا بعنوان The Purpose Driven Life

   يجيب فيه على سؤال: لماذا أنا خلقت؟   من عام 2002 وحتى عام 2006 بيع من الكتاب أكثر من ثلاثين مليون نسخة، وهو واحد من أعلى معدلات بيع الكتب في العالم، ويعود معظم ريع الكتاب لدعم المشاريع الخيرية لكنيسته.

حوالي خمس وعشرين ألف شخص يتردد على كنيسته كل اسبوع.   الغاية من تطرقي لهذا الموضوع هو النبأ الذي قرأته البارحة، والذي يتناول هذا القس.   في الكلمة التي ألقاها في نهاية العام الماضي أعلن أن 10% من رواد الكنيسة قد فقدوا أعمالهم في ذلك العام، نظرا للإنهيارات الإقتصادية في أمريكا وفي العالم كله، وأعلن بأن الكنيسة لم تتلق التبرعات الكافية لإعانة تلك العوائل، وهو يسعى الآن لجمع على الأقل مبلغ 900.000 دولارا في السنة الجديدة لسد النقص في ميزانية الكنيسة.   بعد إعلانه هذا وخلال 24 ساعة تم جمع 2,4 مليون دولار.   لم يكن النبأ وحده الغاية من تعليقي على ذلك الأمر، لكن ـ وبالصدفة ـ تزامن النبأ مع مقابلة أجراها معي صحفي فرنسي

Antoine Flandrin

  لكي ينشرها في المجلة الفرنسية

le Courrier de l’Atlas.

من ضمن الأسئلة التي سألني إياها كان السؤال التالي:

   3-You write that the nature of Islam is violent and despotic. What do you have to say about charity and hospitality, which are a great deal in Islam?   وكان جوابي:   How is charity evident in the Muslim world? If charity would have been truly applied we would have not seen the level of poverty imposed on the population in that part of the world. The majority of Muslims are living under poverty line, while their leaders rank as the richest in the world. In Saudi Arabia – one of the wealthiest countries there are hundreds of thousands who live in very poor daily life condition.   You may know the extent of wasteful lifestyle the Saudi royalty sustains. Have you heard about the Saudi King’s trip to Spain in July 2008 to open the inter-faith conference? The cost of that trip was extravagant beyond any imagination. That cost would have been enough to save millions of Muslim children from starvation. The idea of Islamic charity is nothing but a by-product of the Islamic propaganda machine, either to promote Islam or to boast about the goodness of some Islamic political parties like Hamas or Hezbollah.

The advantage is that nothing in our era of advanced technology can be hidden. If there is Islamic charity there must be statistics to prove it. In America, we can easily find out how many millions of dollars are donated every year to charity. We have heard, for example, about Bill gate, Warren buffet, Oprah Winfrey, and Dr. Phil charitable works, but do we hear about Islamic charity unless they are to support Jihadists?

I had lived in an Islamic country for thirty years of my life, and I had felt the humiliating way wealthy Muslims donate at times to the poor. Their giving comes across as a boost to their superiority, rather than improving the quality of life for the poor. In Syrian cities you will find many young beggars asking for money to buy bread. The Christian community in Syria is amounts to about 15% of the population. I challenge you to find a Christian beggar in the streets. Not every Christian in Syria is well-off, but Christian Charities help preventing Christians from becoming beggars.   Since the pre-Islamic time, the Arabs, in general, have been known for their hospitability especially in the Golf countries. To explain this phenomenon we should go back to the desert environment. It’s well known in anthropology that those populations who reside in rough landscapes like the desert or the arctic; where their survival is threatened by the harsh climate and they are in constant need to search for food and shelter, tend to acquire a more hospitable personality attribute. They are generous to people who get lost and offer them food and shelter to assure that they would find someone to do the same for them if they too get lost one day.

In Arabic poetry in the pre-Islamic era (Al Jahilyya) you will find how poets boast about Arab hospitality. When Arabs demonstrate their generosity they expect you to reciprocate. I have heard it million times “we were so generous to him when he came to visit, but when we visited him he was so stingy”. This is in a fact a primitive way to deal with the survival issue and the more modernized the Islamic world gets the less hospitable they become.

   باختصار، وللذين لا يجيدون الإنكليزية انصب سؤاله حول الأعمال الخيرية في الإسلام مدعيّا أنها جزء هام من تعاليمه، فما تعليقي على ذلك؟   وكان جوابي باختصار: إن الدين هو سلوك المتدينين به، أين تلك الأعمال ولماذا لم نر آثارها على أرض الواقع؟   حكام المسلمين هم أغنى أغنياء العالم، ومواطنيهم يعانون من أبشع أشكال الفقر. وتساءلت: هل تعرف مستوى الرفاهية الذي تعيش به العائلة المالكة في السعودية؟ هل تعرف بأن مئات الآلاف من السعوديين يعيشون تحت خط الفقر؟   لا شيء في عصرنا هذا يستطيع أن يُخفى، فإمكاننا أن نعرف بسهولة مقدار التبرعات التي تتلقاها الجمعيات الخيرية في أمريكا، وبإمكاننا أن نعرف مقدار الأموال التي يتبرع بها أغنياء أمريكا بكبسة زر، ومن أمثالهم بيل غييت ووارين بافيت والدكتور فيل، فأين هي الأموال التي يتكرم بها أغنياء المسلمين على فقرائهم؟ وأين هي المشاريع التي تم بناؤها بناء على تلك التبرعات؟   ألم تقرأ عن رحلة ملك السعودية إلى اسبانيا في تموز عام 2008 لحضور مؤتمر “حوار الأديان”؟ هل قرأت عن الملايين التي صرفت على تنقلاته وحقائبه وحراسته و…..؟!   ……   وبعيدا عن المقابلة!   قص عليّ صديق لبناني مسيحي عقب عودته من زيارته إلى لبنان وفي سياق حديثنا الذي تناول نفس الموضوع قصة، فقال:   كنت أقف في محطة في منطقة لا يسكنها إلا المسيحيين، فرأيت طفلا يقطّع أوصال القلب، يقف على مفترق طرق ويمد يده للمارة طالبا بعض النقود.   كنت على ثقة من أنه ليس مسيحيا، لأنني أعرف بأن الأعمال الخيرية في الكنائس لا تترك محتاجا يتسوّل وخصوصا الأطفال. تقدمت منه وسألته عن اسمه، فردّ: محمد!   قلت: أين تعيش؟   فأشار إلى حيّ اسلامي، وتابع يقول: أبي يأتي بي كل صباح إلى هنا، ثم يعود في المساء ليأخذني ويضربني إذا لم أحصل على المبلغ الذي يحدده.   تابع صديقي: اشتريت له سندويشة وزجاجة ماء وقطعة حلوى وانتظرت حتى تأكدت من أنه أكلها، ثم تركته دون أن أعيطه فلسا من شدة غيظي من والده.   ……………..   ويبقى السؤال: هل نستطيع أن نعثر على شحاذ مسيحي واحد في أي بلد اسلامي؟   أين مشاريع شيوخ الإسلام؟ وأين الآثار الإيجابية للأعمال الخيرية التي يقوم بها هؤلاء الشيوخ؟ هل سمع أحد بها؟

هل سمعتم وعظة لرجل دين سعودي يحض بها الناس على التبرع لإطعام ومساعدة الذين خسروا أعمالهم؟   ماهي النسبة المئوية من عظاتهم والتي تتناول الحض على التبرعات، مقارنة بالنسبة المئوية من عظاتهم التي تتناول الحض على القتال؟   هل قرأتم كتابا لشيخ سعودي تبرع بريعه لجمعية خيرية؟   هل لدى أي شيخ سعودي إحصائية عن عدد الجياع في الأمة الإسلامية؟   ليخبرني، مشكورا، من يعرف الإجابة على هذه الأسئلة….!     وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | 1 Comment

ثقافة المقاومة بين اليساري والإسلامي

محمد الحرز

 أيام المد القومي والشيوعي في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم كان المثقف العربي في دفاعه عن القضية الفلسطينية لا يحمل من الثقافة التي ينظر من خلالها إلى هذه القضية سوى الثقافة القومية والشيوعية، فهي التي تأسست في ظلها الأحزاب اليسارية التي أخذت على عاتقها الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني ومحاربة إسرائيل. وهناك أسماء عديدة جاهدت وضحت في سبيل هذه القضية العادلة لا يكفي المقال هنا لحصر أسمائها أو تضحياتها. بعد التحولات المفصلية التي طالت النظام العالمي بعد سقوط جدار برلين، وصعود الإسلام السياسي إلى واجهة الأحداث في العالم العربي، بدأ المثقف اليساري ينحسر دوره شيئاً فشيئاً مقارنة بصعود نجم المثقف الإسلامي، وكأنه قد تلاشت مرحلة تاريخية من المنطقة والعالم العربي بكل ثقافتها ورؤاها وتصوراتها وأحلامها، وجاءت مرحلة أخرى مغايرة لسابقتها في التوجه الثقافي والأهداف الاستراتيجية والغايات والطموح، إنها مرحلة يمثل فيها الإخوان المسلمون قطب الرحى بعدما تغلغلوا كتنظيم في أغلب العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وبدأت أفكارهم تجد لها صدى عند عامة الناس، بحيث كان تأثيرها كبيراً منذ الستينيات. ثم جاء صعودهم إلى سدة الحكم في تونس ومصر بمثابة تتويج لمسيرة طويلة من التنظيم والعمل الحزبي المثابر، إضافة إلى عوامل سياسية أخرى تتصل بالخيار الاستراتيجي السياسي الأمريكي والغربي في دعم الإسلام السياسي في نسخته «الإخوانية» والرغبة في وصوله للسلطة، ومن ثم التعامل معه على هذا الأساس. المثقف اليساري في المرحلة الأولى كان يدافع عن القضية الفلسطينية، وعن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعن العدالة الاجتماعية من منطلقات قومية متجاوزة في أغلب الأحيان الأديان والطوائف لصالح قوة الدولة، إذ مفردات النضال عنده كانت تزخر بمصطلحات ماركسية لينينية بالدرجة الأولى. هذا الأنموذج من المثقفين وقتئذ كانت ثقافته تتغذى على ثقافة الحزب بما يمثله من سلطة بيروقراطية ضاغطة على شخصيته. لكن مقاومته لم تصنف على أساس مذهبي أو طائفي أو ديني، بل كان التصنيف الحزبي في الثقافة السياسية العالمية هو الغالب على ما عداه من تصنيفات. بينما أنموذج المثقف الإسلامي في المرحلة التالية كانت منطلقاته في الدفاع عن القضية الفلسطينية ترتكز بشكل أساسي على مفهوم الأمة باعتباره التصور العام الذي تستظل به جميع التيارات الإسلامية على مختلف توجهاتها ومشاربها. لذلك مصطلح الجهاد بكل حمولاته التاريخية والتباساته الدلالية كان حاضراً بقوة في الأدبيات النضالية عند الأحزاب الإسلامية كحماس والجهاد وحزب الله والقاعدة. وهنا أتوقف قليلاً عند دلالات مثل هذا الحضور وأثره على ثقافة المقاومة كما تصنعها مثل هذه الأحزاب، لأنها في ظني تفسر كثيراً من التصرفات التي تتغلف تارة بالسياسة والمصالح وتارة بالجهاد ضد الطاغوت والشيطان، وهي في كلتا الحالتين تعبر من العمق على مأزق الثقافة المقاومة. إحياء فكرة الجهاد حق مشروع لكل مقاومة تستدعي موروثها كي ترتكز عليه في جهادها ضد المحتل. إلى هنا لا خلاف. الخلاف يبدأ عندما لا ننتبه إلى أن استخدام الفكرة ثم توظيفها لا ينهض بمعزل عن سياقه التاريخي، وهذا يعني فيما يعنيه، أن فكرة الجهاد لا تأتي مجردة من التاريخ، ثم تلتصق بثقافة المقاومة دون أن يرتبط ذلك كله، بالنتائج، الأهداف التي تأسس عليها الجهاد في التاريخ الإسلامي، والأحداث التي صاحبته والقيم التي ارتبطت به. إنها بالتالي منظومة من القيم وليس الجهاد سوى خرزة واحدة لا تنفرط من العقد. نقول هذا الكلام لنؤكد على حقيقة مفادها: أنه بقدر ما حقق الجهاد للعرب والمسلمين في الماضي المجد، وساهم أيضا في صنع حضارتهم وتفوقهم، فإنه في نفس الوقت أدخلهم في علاقة التباس مع باقي الشعوب والدول التي طالها سيف الجهاد من عصر الدولة الأموية إلى عصر الدولة العثمانية. أحياناً يكون الصراع داخلياً طائفياً، وفي أحيان أخرى يكون العدو خارجياً حيث سرعان ما تستدعى أحكام الجزية المصاحبة في النظر إلى هذا العدو عدا عن النظرة التبخيسية التي ترافق عادة مثل هذه الحروب ضد أي عدو خارجي مهما كان انتماؤه. هذه الثقافة النصية لا تعترف بالوقائع والأحداث، بل ما يقوله النص هو الذي يعاد إنتاجه في عقول المقاومين. وما أعنيه هنا بالوقائع والأحداث هي مجمل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تحديداً تلك التي تقوم بين الناس وهم في صراعهم الطائفي إذا كان العدو داخلياً، أو بين مجتمع وآخر وهم في حروبهم وعداواتهم القائمة. انطلاقاً من هذا الوضع أجد أن أنموذج المثقف الإسلامي المقاوم ربما يحقق انتصاراته على صعيد مقاومة العدو الإسرائيلي. لكنه في نفس الوقت لا يصنع ثقافة تنتمي إلى المستقبل، بل هو يعيد إنتاج الماضي بكل أبعاده السلبية. هو يعيد في كثير من سلوكياته ثقافة الاستبداد بينما نحن بحاجة إلى الديمقراطية. لا يوجد بالتالي قرار استراتيجي حر للمقاومة، وبمعزل عن المشروعات السياسية المرتبطة بالمنطقة، وكما نعلم القرار الاستراتيجي مدعوم بمنظومة متكاملة بدءاً من القوة العسكرية، ومروراً بالمؤسسات الحديثة في المجتمع والاقتصاد والحياة السياسية. لا أريد هنا أن أظهر بمظهر المتشائم ودماء غزة لم تنشف من العدوان الإسرائيلي. لكن ما يختبئ خلف ستار الأحداث هو ما ينبغي التركيز عليه والكشف عن أبجدياته. فكلا الأنموذجين خسر مواقعه في النضال، الأول لم يحرر فلسطين، وسقط بسقوط الاتحاد السوفييتي، الثاني بمجرد ما تسلم السلطة والحكم خسر جزءاً كبيراً منه، والباقي على حبل الجرار كما أظن. والحل ما هو؟ هل هناك درب آخر يمكن للمثقف المناضل أن يسلكه ضد الاستبداد من جهة وضد الاحتلال من جهة أخرى، ولا يكون طائفياً ولا حزبياً مغلقاً؟ هذا سؤال مشروع وملح في نفس الوقت. فالبحث عن أنموذج كهذا للمثقف لا يستعصي على الباحث، هناك كثير منهم. لكنهم لا يجدون داعمين لهم يرفعون من خلالهم أصواتهم وآراءهم غير الاستقطابية وغير المحسوبة على هذا التيار أو ذاك. مشروعهم إنتاج ثقافة المستقبل المعتمدة بالدرجة الأولى على الحرية والديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات وإظهار روح التراث والتمسك به كهوية للجميع. تفاصيل وسمات هذا الأنموذج نراه في العقول التي أخذت بأسباب الفلسفة من جانب وبالقيم الدينية التنويرية من جانب آخر.

نقلاً عن “الشرق” السعودية

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

نفذّتك وما نفذّتك ( ردًّا على تصريح السيّد جاكي الحاج حول توحيد الأعياد)

        قرأت تصريح السيّد جاكي الحاج سكرتير المجلس الملّي الارثوذكسي في عبلين حول مطالبة المؤمنين توحيد الأعياد المسيحيّة..فلم أفهم شيئًا. فالحاج الفاضل يقول: بعد الاتصال مع الكهنة والبطرياركية الارثوذكسيّة قررنا أن يتمّ ” توحيد”  الأعياد!!! ، وعليه فسيكون التوحيد في الميلاد اجتماعيًا واحتفاليًا وليس رسميًا..ففي 12- 25 ستكون صلاة لا دخل لها بالعيد !!!!!!!!! وفي 7 -1 فستكون صلاة الميلاد الرسمية.   ولم أعرف أأضحك أم أبكي ، فأنا لم أفهم شيئًا ، وكيف أفهم والجواب بل القرار مُغلّف بالنكتة والتملُّص.  رحم الله جدتي فقد كانت تقول في مثل هذه الحالات:” نفذّتك وما نفذّتك”. فجواب الحاج يقول نُعيِّد ولا نُعيّد ، وكأنه يقول افرحوا وتهلّلوا يا ارثوذكس فقد اضحى عيدكم عيدين وكانوني شواء..يا نيّالكم .  والسؤال المطروح هو : ماذا سيصلّي الكاهن يوم الثلاثاء 12- 25 إن لم يكن صلاة العيد؟! أتراه يمزح ؟! ألم يفكّر احبابنا في المجلس الملّي الارثوذكسي الا في مراضاة البشر بل المطران والبطريارك اليوناني ، ناسين ومتناسين رغبة الربّ يسوع الذي يدعونا يوميُا الى الوحدة لأنّنا جسده..أينسون أنّنا نصلّي يوميًا دستور الايمان : ” وبكنيسة واحدة مقدّسة رسوليّة” فكيف نُصلّيها ثمّ نقول : البطريارك يرفض..فليرفض..فنحن المؤمنون من حقّنا ان نقول له : لا..ومليون لا.. سبق وقلنا ان البطريارك الارثوذكسي والذي يُملي علينا ارادته يعيّد أهله وأقرباؤه في اليونان وقبرص مع الغربيين انصياعًا لأوامر السّوق الأوروبيّة المشتركة…أينصاعون للسوق المشتركة ولا ننصاع نحن لملك الملوك؟! مهما علا كعب القدّيس فلان او النبيّ علان فهو يبقى لا شيئ أمام المسيح الربّ ..كفى تمويهًا ، كفى محاباة ، الشعب يريد وحدة حقيقيّة ، وحدة الكنيسة التي هي جسد الربّ.. لقد احسنوا صنعًا اخوتنا الكاثوليك وكاهنهم الفاضل حين عيّدوا معنا عيد الفصح  الفائت ووضعونا بل وضعوا مجلسنا الملّي الارثوذكسيّ في امتحان …وها نحن نفشل في الامتحان .. كنّا نقول : الكاثوليك لن يعيّدوا معنا الفصح لو عيّدنا معهم الميلاد وها هم سبقونا ..فمن الحانث بالوعد والعهد وارادة الربّ، علمًا ان التواريخ ليست مقدّسة ..بل المقدّس هو الرب ووحدة جسده .   كفى يا سادة…مللنا من التشرذم والشوارع الالتفافيّة ، نريد اوتوستراد يضمّنا في احتفال مهيب كلٌ في كنيسته ولكن في يوم واحد تفرح به وله السماء.   إنّني ادعو المجلس الملّي كمواطن بسيط في عبلّين في اعادة النَّظر في قراره ، فالإنجيل واحد والربّ واحد..  وها أنا أعلنها مُجلجلة سأعيّد أنا وأهل بيتي الميلاد المجيد اجتماعيًا واحتفاليًا ورسميًا ودينيُا في الخامس والعشرين من كانون الأوّل ولن احتفل في السابع من كانون الثاني أبدًا..وكذا الأمر مع رأس السنة الذي يعيّده الهندوس والملحدون ايضًا في حين يريدنا البطريارك ان نعيّده في الرابع عشر من كانون الثاني؟!!!!!! كم ارجو ان يتفهّم الاخوة الأفاضل في مجلسنا الملّي حدّة رسالتي والتي اعتبرها غضبًا مقدّسا دفاعًا عن الرب الذي لا يحتاج الى دفاع..      زهير دعيم (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment