في مطلع عام 2006، أثار السيناتور الجمهوري جون ماكين من ولاية أريزونا والسيناتور المستقل جو ليبرمان من ولاية كونيكتيكت، ضجة كبيرة في واشنطن حينما ذكرا أن الولايات المتحدة قد تضطر في النهاية إلى الاختيار بين السماح لإيران بأن تصبح دولة نووية، والقيام بعمل عسكري لإيقافها. وفي كل عام تقريبا منذ ذلك الحين، تكون نبوءة أحدهم للعام الجديد هي أن ذلك الاختيار المحتوم قد بدأ يطل برأسه أخيرا أمام الرئيس الأميركي. وطوال 7 أعوام لم يحدث ذلك، ولكن هل يكون عام 2013 مختلفا؟
إن الحكمة التقليدية التي سمعتها من الدبلوماسيين في واشنطن هذا الشهر تقول إنه في الغالب لن يكون كذلك، حيث يؤكدون أن العام المقبل في أغلب الظن سوف يبدو كسابقه: مفاوضات تسير قدما بخطى عرجاء دون نتيجة حاسمة، وإحراز إيران تقدما تدريجيا في تخصيب اليورانيوم، مع الحرص على عدم اتخاذ خطوات من شأنها استثارة أي هجوم أميركي أو إسرائيلي.
ولكن هناك حجة قوية ينبغي طرحها تؤكد أن العام المقبل سوف يشهد أخيرا إلقاء حجر في المياه الإيرانية الراكدة، وذلك بحدوث مواجهة عسكرية، أو ظهور قنبلة نووية إيرانية، أو إبرام صفقة دبلوماسية من نوع ما. ومن اللافت للنظر أن أحد من يقدمون ذلك الطرح هو مستشار الرئيس أوباما أثناء فترة ولايته الأولى في ما يتعلق بالشأن الإيراني، دينيس روس، الذي تعامل مع الشرق الأوسط في 5 إدارات أميركية مختلفة.
ويسلم روس، الذي غادر البيت الأبيض في نهاية عام 2011، بأن المتكهنين بنشوب أزمة مع إيران لديهم سجل طويل من الإخفاق، وتتلخص أسبابه في القول بأن العام المقبل سوف يكون مختلفا في 3 أسباب هي: اقتراب إيران من الوصول إلى قدرة «الانطلاق»، وعزم أوباما المعلن على منعها، وبطء تكون مناخ اقتصادي وسياسي في إيران يمكن أن يدفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى تغيير المسار.
ولكن ما «قدرة الانطلاق»؟ كما يوضح روس، فقد عرفها أوباما نفسه في المناظرة الرئاسية الثالثة التي تمت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين قال الرئيس إنها «تعني أننا لن نكون قادرين على التدخل في الوقت المناسب لإيقاف برنامجهم النووي». وبعبارة أخرى، فإن إيران سيكون لديها ما يكفي من البنية التحتية ومخزون اليورانيوم متوسط التخصيب كي تتمكن من تصنيع قنبلة نووية في غضون بضعة أسابيع، أي قبل أن تتمكن وكالات الاستخبارات الغربية أو المفتشون الدوليون من اكتشاف ذلك. وحذر أوباما: «إن عقارب الساعة تتحرك».
ويؤكد روس أن تلك العبارة كانت مقصودة، حيث إنها تعكس خطا أحمر تم رسمه بعناية. وفي العام الأول له في منصبه، ترأس أوباما مداولات داخلية حول ما إذا كان من الممكن القبول بامتلاك إيران قنبلة نووية واحتوائه، وقرر في النهاية أنه يجب منع ذلك، عن طريق العمل العسكري إذا لزم الأمر. وقبل اجتماع عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شهر مارس (آذار) الماضي، أعلن أوباما صراحة أنه «من غير المقبول أن تمتلك إيران سلاحا نوويا». ويضيف روس أن سلسلة أخرى من الحوارات العامة والخاصة مع نتنياهو هذا الخريف دفعت بأوباما إلى تعريف «قدرة الانطلاق»، وهي خطوة ربما تكون قد ساهمت في قرار إسرائيل بتأجيل الشروع في عمل عسكري بمفردها.
وقد لمح نتنياهو إلى أن إسرائيل ترى الآن أن منتصف عام 2013 هو التوقيت الذي يمكن لإيران أن تصل فيه إلى ما يكفي من اليورانيوم متوسط التخصيب لتجاوز خط «الانطلاق». وعلى حد تعبير روس: «بنهاية عام 2013، إذا لم يتغير أي شيء، فإنك لن تعرف ما إذا كانوا سيتحركون سريعا جدا ويضعوننا أمام أمر واقع».
ومن الصعب تخيل أوباما وهو يشرح للأمة أنه من الضروري شن حرب شرق أوسطية أخرى لأن مخزون اليورانيوم الإيراني، الذي ظل يتراكم ببطء على مدار سنوات، قد أصبح أكبر من اللازم بمقدار بضعة كيلو غرامات. بيد أن ذلك ليس هو السيناريو الذي يتصوره روس؛ إذ يقول إن أوباما على الأرجح سوف يطرح أولا على خامنئي عرضا أخيرا يسمح لإيران بتطبيق برنامج مدني للطاقة النووية في حدود ضيقة، ويضيف روس: «سوف يكون ذلك إثباتا واضحا على أنه يبذل أكثر مما في وسعه».
وقد ظل روس منذ فترة ينادي بضرورة أن يضع أوباما عرضا شاملا كهذا على الطاولة، وهو يرى أن المحادثات الحالية، التي تعرض على إيران تخفيفا بسيطا في العقوبات مقابل إيقاف التخصيب عالي المستوى وشحن معظم مخزونها خارج البلاد، لن تفلح، مبينا: «هناك مشكلة هيكلية، فالتصور الإيراني هو أن ما يطلب منهم هو التنازل عن ماسة في مقابل قطعة من الحلوى».
ولكن هل يقبل خامنئي يوما بصفقة كبيرة؟ يرى روس، الذي كان يحث أوباما على تجربة ذلك الرهان في فترة ولايته الأولى، أن هناك بعض المؤشرات على أن القيادة والإعلام الحكومي في إيران يخلقان مناخا يمكن فيه أن يتخذ المرشد الأعلى قرارا مثل هذا، والأسباب التي تدفعه إلى ذلك تنقسم إلى شقين: الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإيراني جراء العقوبات، ووجود قناعة بأنه من دون صفقة سوف يحدث هجوم أميركي.
ويقول روس إن الإيرانيين في الوقت الراهن «ليسوا مقتنعين بأننا جاهزون لاستعمال القوة، وبالتالي في هذه اللحظة، ما زلت أقدر فرص نجاح العمل الدبلوماسي بما يقل عن 50 في المائة، وإذا لم تفلح الدبلوماسية بنهاية عام 2013، فإن فرص استعمال القوة تصبح أكبر بكثير».
أولا .. سعدنا لنجاتكم وسلامتكم . من الاعتداء الغاشم .
ثانيا : لم يعد لمصر الآن من حصن وسند سوي القضاء والقضاة ..
فقيادات المعارضة السياسية متفرقون ولن يتحدوا ! – راجع حديث دكتور مصطفي الفقي . مع برنامج القاهرة اليوم – عمرو أديب ورفاقه
– مصر ستدخل في نفق مظلم يعيدها للعصور الوسطي .. ربما لعشرات السنوات ..
أهل الكهف والجهل . يدفعون مخخطهم . للامساك بكل الخيوط . وللقضاء علي أية معارضة . ولم يبق الآن سوي القضاء والقضاة
لو كانت لدي مصر قيادات معارضة سياسية حقيقية . لاستثمرت صحوة الشعب للاطاحة بحكم وحكومة الاخوان والسلفيين .. ولكن قادة المعارضة لا أمل فيهم ولا خير . وهم يمارسون الاعلام بأكثر مما يمارسون السياسية .
الخلاصة والحل في رأينا :
قبل أن يتدخل العسكر . وتعود الجماهير للهتاف : ” يسقط حكم العسكر “
يجب علي القضاة ضمير مصر . الاسراع بتشكيل حكومة انقاذ وطني . وتسمية رئيس للجمهورية – لمرحلة انتقالية مدتها 4 سنوات – واعادة العمل بدستور 1954 . لحين استقرار أوضاع البلاد.
توجيه نداء لكافة الأحزاب , والنقابات والمحافظات . وجميع الوزارات والهيئات والبنوك . وجميع أجهزة الدولة . بما فيها الجيش والشرطة وجهاز الأمن . بالاعتراف بالحكومة الجديدة وسحب اعترافها بحكومة التزوير والبلطجة والارهاب .
ونداء لهيئة الأمم المتحدة . ولدول العالم , ولسفارات وقنصليات مصر في الخارج . للاعتراف بالحكومة المصرية الجديدة التي شكلها قضاة مصر . و عدم الاعتراف , أو التعامل مع الحكومة الارهاب والارهابيين .
والمحافظات التي يقوم المواطنون فيها بمحاصرة مبني المحافظة لاجبار المحافظ الاخواني علي الاستقالة والرحيل . عليكم بالاسراع باعلان تعيين محافظ بديل , وارساله ليتسلم عمله علي الفور . ويدخل مبني المحافظة محمولا علي أعناق المواطنين أبناء الشعب .
أدراكوا مصر. يا قضاة مصر. من قبل الحريق الشامل . واالغرق في بحر دماء حرب أهلية . بدأت بوادرها من الآن
أواصل في هذه المقالة 17 هذا الحوار الافتراضي مع د. القرضاوي في كتابه ((الإسلام والعلمانية، وجها لوجه)). الكتاب في الرابط:
http://www.scribd.com/doc/28242163
يقول د. القرضاوي في مستهل هذا الفصل ص 103-105 تحت عنوان ((العلمانية والأخلاق)) (الإسلامية): ((ربما يبدو لأول وهلة أن العلمانية لا اعتراض لها على الجانب الأخلاقي في الإسلام، بل لعلها ترحب به، وتدعو إليه، باعتبار أن الأخلاق هي قوام المجتمعات، وعماد النهضات، وأن الإنسان الذي هو محور التقدم، وصانع التنمية، ومنشئ الحضارة، إنما تبنيه الأخلاق والفضائل الإنسانية الرفيعة، ولم ينل بيت شعر قاله شاعر في عصرنا، ما ناله بيت شوقي الشهير:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو، ذهبت أخلاقهم ذهبوا!
هذا ما لا خلاف عليه ـ على وجه العموم ـ بين الإسلام والعلمانية)). انتهى
رأيي أن قول الشيخ د. القرضاوي بأن هذا ((ما لا خلاف عليه)) قول مجانب للصواب من ناحيتين ولو جاء على وجه العموم، مع أنه يستدرك مباشرة فيقول: ((عند التأمل والتحقيق، نجد بينهما خلافا أكيدا في موضعين)) سأتعرض لهما فيما بعد.
أما قوله ((هذا ما لا خلاف عليه)) ولو جاء على وجه العموم، كما قال، فهو قول لا يحظى بالإجماع حتى بين الإسلاميين الذين لا يعترف أغلبهم بأن في الغرب العلماني قيما وأخلاقا وفضائل. وهو ثانيا قول لا يوافقه عليه العلمانيون أيضا لأنهم يعتبرون أخلاقهم العلمانية أفضل وأرقى وأكثر إنسانية من أخلاق الأديان والكثير منها على النقيض من أخلاق الأديان.
الحقيقة أن أخلاق الأديان المستمدة، حسب اعتقاد أهلها، من مصادر (سماوية) لم تحقق ما حققته أخلاق العلمانيين الوضعية. يكفينا الرجوع إلى المواثيق الدولة وعلى رأسها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للتحقق من ذلك.
أن يكون في الإسلام أخلاق تفاضل الأخلاق التي أنتجتها المجتمعات العلمانية بل وتسمو عليها، فهذا يمكن أن ندرجه في خانة الزهو الفارغ والنرجسية المرضية التي جعلت الكثير من المسلمين نصدق القول المنسوب إلى محمد عبده عندما زار أوربا: ((لقد وجدت هناك إسلاما ولم أجد مسلمين، وعندما عدت إلى الشرق وجدت مسلمين ولم أجد إسلاما)). ولعل هذا القول هو ما جعل العرب والمسلمين الذين يصدقون هذه المزاعم، خلافا لباقي المعمورة، يحاولون الالتفاف على مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بالمرأة والعامل والطفل والأسير وغيرهم عبر استصدار الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان، وجامعة الدول العربية الإطار العربي للطفولة، وإعلان القاهرة لنشر وتعليم حقوق الإنسان، وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام. وهي محاولات للالتفاف على المواثيق الدولية، رغم التحفظات التي لا تخلو منها كل القوانين العربية ذات الصلة على مواثيق الأمم المتحدة.
http://www.dctcrs.org/moa.htm
أقدم هنا المواد الأربع الأولى لميثاق حقوق الإنسان (مع تعليقي بين قوسين):
المادة 1 : يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وُهِبُوا العقلَ والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء.
(مثل هذا الكلام لا نجده في الأديان. في الإسلام نصًّا وواقعا كان الناس ومازالوا يولدون مختلفين في الدرجات عملا بمنطق الآية ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا). نلاحظ ذلك في المأزق الذي واجهته مختلف المحاولات لبناء مجتمعات تُحْتَرم فيها حقوق الإنيان. بينما يعني أن القبول بهذا التشريع (الإلهي) اعتبار هذا التمييز نهاية التاريخ لأن أي تشكيك في صدقه كتشريع صالح لكل زمان ومكان وفي وعدالته المطلقة هو تشكيك في وجود قائله أصلا. بينما لا ترى المواثيق الوضعية ذلك، فحتى الفقر صار ينظر إليه بوصفه ظلما اجتماعيا يجب التخلص منه وقد قطعت الكثير من المجتمعات البشرية أشواطا كبيرة نحو هذا الهدف. أما الرق فصار يعتبر جريمة ضد الإنسانية. فمن يستحق المحاكمة: أهو المشرع أم المنفذ؟
لقد كان أبناء العبيد والإماء يولدون عبيدا يمكن بيعهم وشراؤهم وتسخيرهم في العمل والجنس بكل حرية من طرف مالكيهم وكان التشريع الإسلامي لا يسوي بينهم وبين الأحرار، كما كان المهزومون في الحروب يتعرضون للاسترقاق، بينما مواثيق الحرب والسلم الحالية تكفل للأسرى حقوقا متفقا عليه ومنصوصا عليها في المواثيق الأممية. لقد نظرت الأديان للسود مثلا نظرة دونية بوصفهم مغضوبا عليهم وتساهلت مع استعبادهم طوال قرون، وجاء تحرير العبيد بعد هزيمة قوى الماضي الإقطاعية وحلفائها في المؤسسات الدينية تأثرا بفكر الأنوار العلماني في أوربا وليس بالفكر الديني).
المادة 2: لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.
)بينما قنن الإسلام وغيره من الأديان لكل أنواع التمييز ضد المرأة وضد المختلف دينا وما زالت آثار هذا التمييز في مواثيق ودساتير الدول الإسلامية حتى اليوم وقد سبق لي مناقشة ذلك في الكثير من مقالاتي وبالأخص:
المادة 3: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه.
(وهذا أيضا حق لم يكن معترفا به عندما كانت الأديان تهيمن على حياة الناس والدول وتأمرهم فيطيعون ويشنون الغزوات على الغير بوصفهم أعداء الله وكفارا ومارقين ومشركين ووثنيين).
المادة 4: لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما.
(كل الأديان، خاصة الإسلام، تصالحت مع العبودية، وقننتها أو سكتت عن ممارستها، والسكوت علامة الرضا. ولم يبدأ التحرير الحقيقي للإنسان من العبودية إلا مع ظهور الدولة الحديثة ذات الخلفية الأنوارية).
ويبدو أن الشيخ د. القرضاوي لم يقتنع بقوله بـ ((أن العلمانية لا اعتراض لها على الجانب الأخلاقي في الإسلام )) فيستدرك ويقول:
(( ولكن عند التأمل والتحقيق، نجد بينهما خلافا أكيدا في موضعين:
أولا: في مجال العلاقة بين الجنسين، حيث تتميز الأخلاق الإسلامية هنا، عن أخلاقيات الحضارة الغربية، التي يتبع سننها العلمانيون، شبرا بشبر، وذراعا بذراع.. فالإسلام ـ وإن كان لا يصادر هذه الغريزة ولا يعطلها، أو يعتبرها في ذاتها قذارة ورجسا ـ يصر على تصريفها في نطاق الزواج المشروع، الذي به يجد كل من الزوجين السكينة والمودة والرحمة، وبهذا تتكون الأسرة، التي هي نواة المجتمع الراقي.. ويحرم الإسلام أي اتصال جنسي، خارج هذه الدائرة، ويعتبره من الزنى أو الشذوذ، الذي يجلب سخط الله تعالى، ويشيع الانحلال والفساد في المجتمع، (ولا تقربوا الزنى، إنه كان فاحشة، وساء سبيلا) (سورة الإسراء:32).
((كما يحرم الإسلام كل الوسائل، التي تيسر وقوع الفاحشة، أو تغري بها، أو تجرِّئ عليها، ولهذا يربي المؤمنين والمؤمنات على العفاف، والإحصان، وغض البصر، كما يوجب على المسلمة التزام الحشمة، والوقار في الزي والكلام والمشي والحركة (فلا تخضعن بالقول، فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا) (سورة الأحزاب:32) (ولا يبدين زينتهن، إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (سورة النور:31).
كما حرم الإسلام خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، وحرم عليها السفر وحدها بغير زوج، ولا محرم، وخصوصا مع عدم الأمن.)) انتهى.
هنا يبلغ التحايل والخداع والعمل على طمس نصوص الدين وحقائق التاريخ ذروتها عند الشيخ. لنعد القراءة: ((فالإسلام ـ وإن كان لا يصادر هذه الغريزة …. يصر على تصريفها في نطاق الزواج المشروع، الذي به يجد كل من الزوجين السكينة والمودة والرحمة، وبهذا تتكون الأسرة، التي هي نواة المجتمع الراقي.. ويحرم الإسلام أي اتصال جنسي، خارج هذه الدائرة، ويعتبره من الزنى أو الشذوذ، الذي يجلب سخط الله تعالى، ويشيع الانحلال والفساد في المجتمع، (ولا تقربوا الزنى، إنه كان فاحشة، وساء سبيلا).))
مثل هذا الكلام لا يستقيم بتاتا مع حقيقة الإسلام نصوصا وممارسة تاريخية وسياسة حكم. الإسلام سمح بالممارسة الجنسية خارج ((نطاق الزواج المشروع، الذي به يجد كل من الزوجين السكينة والمودة والرحمة))، عندما أباح امتلاك الجواري وتسخيرهن للمتعة الجنسية بلا قيد. بل سمح باغتصاب نساء المهزومين في الحروب، بلا زواج وبالتالي دون أن يؤدي ذلك إلى تكوين أسر حقيقية ولا حتى فرض الاعتراف ببنوة وحرية الأبناء الذين يولدون نتيجة هذه الممارسة الجنسية الوحشية. فهل يجوز أن نطلق على هذه العلاقة أوصافا جميلة مثل (السكينة والمودة والرحمة، نواة المجتمع الراقي، الخ). ثم كيف يعقل أن يقول الشيخ ((ويحرم الإسلام أي اتصال جنسي، خارج هذه الدائرة، ويعتبره من الزنى أو الشذوذ، الذي يجلب سخط الله تعالى، ويشيع الانحلال والفساد في المجتمع))
هل من الأمانة العلمية أن يمارس الدكتور هذا التعتيم على تاريخ بأسره. في أي خانة نصنف الاستمتاع القسري بما ملكت أيمانهم؟ أليس هو فعلا اغتصابا وهو أيضا زنا كونه ليس زواجا حتى بالمفهوم الشرعي للزواج في الإسلام الذي يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط مثل حضور الولي ورضا الزوجة والمهر وغير ذلك وهي كلها غير متوفرة في هذا النوع من العلاقات أو بالأحرى من الاعتداءات. فلماذا يقول د. القرضاوي ((يحرم الإسلام أي اتصال جنسي، خارج هذه الدائرة))؟
أما أن يقول: ((كما يحرم الإسلام كل الوسائل، التي تيسّر وقوع الفاحشة، أو تغري بها، أو تُجَرِّئ عليها، ولهذا يربي المؤمنين والمؤمنات على العفاف، والإحصان، وغض البصر، كما يوجب على المسلمة التزام الحشمة، والوقار في الزي والكلام والمشي والحركة)). فهذا عين التعتيم على الحقيقة كما عاشها المسلمون في واقعهم ومارسوها تطبيقا لنصوص دينهم، بما فيها أولئك الذين وصفهم نبيهم بالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم. فبما أن ممارسة الجنس على سبايا الحروب والغزوات وما ملكت أيمان المسلمين بالشراء والهدي، لا يقع ضمن شروط الزواج الشرعي فلماذا لم يحرمه الإسلام بينما د. القرضاوي يقول ((كما يحرم الإسلام كل الوسائل، التي تيسر وقوع الفاحشة)).
أليس اغتصاب السبايا فاحشة بل جريمة منكرة؟ ولماذا لم يربِّ الإسلام ((المؤمنين (الرجال) على العفاف، والإحصان، وغض البصر))؟ بل قال لهم ((إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فهم غير ملومين)). أما ما يطالب به د. القرضاوي من ضرورة ((التزام الحشمة، والوقار في الزي والكلام والمشي والحركة))، فهو كلام كان موجها للحرائر من نساء المسلمين، أما الجواري والإماء وغيرهن من السبايا فكن يعاملن معاملة البهائم. فأعظم خليفة عند السنة (عمر بن الخطاب) كان ينهال بدِرَّته على الجواري المتحجبات عندما فرض الحجاب على الحرائر فذلك (أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، أما غير المحجبات فلا بأس من إيذائهن والتحرش بهن وحتى إرغامهن على الدعارة، والله غفور رحيم. . يكفي قراءة شرح الآية ((ولا تُكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يُكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) (النور 33(.
هنا أوجه، من يريد الاستزادة في هذا الموضوع، لقراءة سلسلة المقالات التي كتبها السيد أحمد سردار:
إن منطوق الآية السابقة ومضمونها لا تأويل له إلا كون الإسلام قد تساهل حد التواطؤ مع الأسياد ضد عبيدهم وجواريهم. ولم يأمر بتحريرهم بينما أمر صراحة بتحريم ما دون ذلك شأنا مثل الخمر والميسر ولحم الخنزير والربا …الخ
مع كل هذه الحقائق التي تستر عليها، يكتب الشيخ القرضاوي: ((هذه الأحكام والتوجيهات الإسلامية، لا ترحب بها العلمانية المستغربة، ولا ترى أن تقيد المجتمع، الذي تحكمه، بقيودها، وأن تدع الحبل على الغارب للجنسين، ليتصرفا كما يحلو لهما، بناء على أن ذلك يدخل في نطاق الحرية الشخصية)).
المخجل هنا أن يمارس رجال الدين مثل القرضاوي انتقائية مفضوحة مع دينه ومع واقع الحياة الغربية أيضا حسب ما يخدم إيديولوجيته المعادية للحداثة، والحرب خدعة في عرفهم حتى عندما يتعلق الأمر بتجارب اجتماعية وسياسية واقتصادية أثبتت جدراتها مثل فصل الدين عن الدولة ومثل المواطنة والديمقراطية وغيرها.
لا بأس أن يتصرف الرجل المسلم كما يحلو له زواجا بأربع وهجرا وضربا وتطليقا واستمتاعا بما ملكت يمينه بلا قيد، أما عندما تحررت المجتمعات الغربية وصار للنساء هناك ما للرجال من حريات على أجسادهن بما يرضيهن فهو علمانية مستغربة تدع الحبل على الغرب للجنسين. ألا يعتبر هذا تمييزا عنصريا بغيضا ولو في السلبيات؟
ثم يقول الشيخ: ((والإسلاميون لا ذنب لهم، إلا أنهم يحلون ما أحل الله، ويحرمون ما حرم الله، ويوجبون ما أوجب الله، ويقررون ما شرع الله، وهل يسع مسلما صحيح الإسلام، إلا هذا الموقف؟!))
وأنا أتحدى الشيخ وكل شيخ أن يذهب مع هذا الموقف الذي لا ذنب لهم فيه إلى نهايته، فيطالب بتحليل كل ما كان يحلله نبيه من الغنائم بما في ذلك تحليل ملك اليمين وتحليل الغزو ضد الكفار ومعاملة الأسرى كعبيد. أتحداهم رغم أنهم لا يملون من تكرار لازمتهم المخادعة بأنهم لا يخشون في الله لومة لائم. ومع ذلك نجدهم يخجلون من تلك الحقائق. لاحظوا نماذج من هؤلاء الإسلاميين:
وأخيرا يكتب الشيخ القرضاوي كلاما معقولا في حق العلمانيين: ((والموضع الثاني: أنهم لا يحبون أن يربطوا الأخلاق بالدين، وإنما يريدون أن يقيموها على أساس فلسفي أو عملي، بعيدا عن الدين، وترغيبه وترهيبه. “فالأخلاق الدينية” عندهم في موضع الاتهام، أما “الأخلاق المدنية” فهي أقوم قيلا، وأهدى سبيلا)).
والشيخ محق هنا ومن أراد معرفة المزيد من أخلاق العلمانيين الوضعية فليطلع على مواثيق الأمم المتحدة:
http://www.dctcrs.org/moa.htm
وخاصة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إعلان بشأن العنصرية والتحيز العنصري. بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشـخاص، وبخاصة النسـاء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة….. إعلان القضاء علي التمييز ضد المرأة. إعلان حقوق الطفل. الإعلان الخاص بحقوق المعوقين. القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
…. وغيرها كثير، بالإضافة إلى هذا فقد تجلت أخلاق العلمانيين في منظومات قانونية غزيرة شملت مختلف مناحي الحياة مثل تلك التي تنظم الأحوال المدنية وتنظم المرور وتنظم التعامل مع البيئة بمفهومها الذي يتسع إلى مختلف الأوساط الطبيعية من نباتية وحيوانية، وهي كلها مبتكرات بشرية لا قداسة لها بحيث لا يتوقف الإنسان عن تطويرها وتعديلها وتحسينها حسب المستجدات والضرورات ويسهر عليها علماء وخبراء واختصاصيون لا عصمة لهم.
جلس كاهن هندوسي على ضفة نهر وراح يتأمل في الجمال المحيط به ويتمتم صلواته. لمح عقربا وقد وقع في الماء وأخذ يتخبط محاولا أن ينقذ نفسه من الغرق.
قرر الكاهن أن ينقذه، مدّ له يده فلسعه العقرب.
سحب الكاهن يده صارخا من شدّة الألم، ولكن لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه فلسعه العقرب.
سحب يده مرة أخرى صارخا من شدة الألم وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة.
على مقربة منه كان يجلس رجل آخر ويراقب ما يحدث، فصرخ بالكاهن: أيها الغبي، لم تتعظ من المرة الأولى ولا من المرة الثانية، وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة!
لم يأبه الكاهن لتوبيخ الرجل وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ العقرب، ثم مشى باتجاه ذلك الرجل وربت على كتفه قائلا:
“يا بني، من طبع العقرب أن يلسع ومن طبعي أن أحب، فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟!”
منذ عام 1993 وأنا أسترجع تلك القصة بشكل شبه يومي، وهذا ما حفزني على أن أتابع مسيرتي الكتابية رغم كل آلامها ورغم اللسعات التي نلتها من بعض القرّاء وبعض الكتاب على حد سواء.
في كل مرّة يلسعني عقرب أطرح على نفسي هذا السؤال: من طبعه أن يلسع ومن طبعي أن أحب، فلماذا أسمح لطبعه أن تتغلب على طبعي؟!!
حدث ذلك في يوم من أيام تلك السنة، وكنت تحت ضغط نفسي هائل، ضغط سببته بعض الردود البذيئة على مقالاتي في إحدى الصحف الصادرة هنا باللغة العربية.
جلست في مكتب أنتظر دوري كي أوقع بعض الوثائق، تناولت مجلة ملقاة على الطاولة في غرفة الإنتظار وفتحت على صفحة ما بدون تعيين، فقرأت قصة الكاهن والعقرب.
إيماني بالقوة العليا الخفية يتمحور حول نقطة هامة، وهي: لا شيء يحدث عبثا!
بناء على ذلك الإيمان رأيت في تلك القصة، التي قرأتها في زمن عصيب من حياتي حين كنت حديثة العهد في أمريكا وحديثة العهد في الكتابة، رأيت فيها رسالة كونية تأمرني بأن أستمر في الدفاع عن سلامة طبيعتي أمام لسعاتهم.
استمريت، ولست نادمة!
لقد تورّمت يداي من كثرة اللسع، ولكن كبر قلبي من كثرة الحب!
………………….
لست من هواة الأديان ولا من أتباعها، لكنني في الوقت نفسه اؤمن بأننا لم نأتِ إلى هذا الكون عبثا.
ليس للحياة قيمة مالم يضع الإنسان نصب عينيه غاية نبيلة، ويكرّس وقته وجهده للوصول إلى تلك الغاية.
كل إنسان يُولد ليؤدي مهمة ما، مهمة لم يؤدِها أحد قبله ولن يؤديها أحد بعده، ومن نعم الطبيعة أنها تزوّده بالمؤهلات اللازمة لتأدية تلك المهمة!
تقول السيدة الهولندية المسيحية
Currie Ten Boom
التي دخلت التاريخ من خلال إنقاذها للكثيرين من اليهود في زمن الهولوكوست:
“عندما يرسلنا الله عبر طريق محفوف بالمشقات يرسل معنا حذاء قويا”
نعم، لا تحمّلنا الطبيعة مهمة إلاّ وتزوّدنا بما يلزمنا لإنجاز تلك المهمة!
كلّ إنسان فينا يملك المؤهلات اللازمة لأن يغير العالم نحو الأفضل، ولكن نختلف عن بعضنا بمدى استخدامنا لتلك المؤهلات.
جاءت وفاء سلطان لتغيّر العالم نحو الأفضل، تلك هي قناعتي وسألتزم بتلك القناعة ما حييت!
كلما لسعني عقرب كلما ترسّخ إيماني بتلك القناعة وازداد اصراري على الإلتزام بها.
ليست مهمتي أن أقدم لقارئي فكرة جديدة وحسب، بل أن أقلع أولا من عقله فكرة قديمة ساهمت وما زالت تساهم في الإنتقاص من إنسانيته.
مهمتي تتطلب أن أهدم الإعوجاج ثم أبني المستقيم.
اسلوبي في الكتابة هو معولي الذي أهدم به، وأفكاري هي أحجار البناء التي أحتاج إليها كي أبني.
لا أستطيع أن اولّف أشرعتي بناء على ذوق الآخرين، وإن فعلت لن أتمكن من تأدية مهمتي!
يقول رجل الأعمال الأمريكي
Charles Schwab،
وهو واحد من أنجح وأغنى الرجال في تاريخ أمريكا:
A man who trims himself to suit everybody will soon whittle himself away.
“الرجل الذي يقلم نفسه ليرضي الآخرين، سوف يتلاشى في القريب العاجل”
ولذلك بقيت نفسي وحافظت على حجمي، لأنني لم أقبل أن أقلّم نفسي بناء على ذوق الآخرين.
لقد وُلدت، كما ولِد غيري، مزودة بالقدرة على أن اولف أشرعتي، لا كما تشتهي الرياح بل كما تتطلب جهة الهدف الذي أسعى إليه.
كل ما يميّز وفاء سلطان هو هديّة الكون لها كي يساعدها على أن تكون ذاتها وتحقق مهمتها.
ليست مشكلتي في أكون ذاتي، بين بشر قولبوا على أن يكونوا نبيهم!
عندما تفشل في أن تكون ذاتك وفي أن تحقق غايتك لماذا تمنعني من أن أكون ذاتي وأحقق غايتي؟!
ليس لهم اسلوب يميزهم، فلماذا يحتجّون على ما يميّزني؟!
من يستخدم مؤهلاته الكونية ليثبت هويته يكون قد حقق غايته، ولقد فعلت!
كل إنسان هو في ذاته معجزة، ولن يحقق معجزته من يعيش في جبّة غيره!
……………………………….
يحاولون أن ينالوا مني أملا في أن يترفعوا على أكتافي، ولكن لا أحد يستطيع أن يتعملق على حساب الآخر، مالم يكن هذا الآخر منبطحا!
لم يُخلق الإنسان لكي ينبطح، ولكن الجبناء لا يعرفون لماذا خلقوا، أما أنا فأعرف!
كل إنسان يولد وفي داخله قوة تستطيع أن تحلق به إلى حيث يشاء، ولكي يستخدم تلك القوة يجب أن يكون نفسه!
يطالبونني بأن أكون مؤدبة في حربي ضد الشر ولو فعلت لكنت أكبر منافقة، فالأدب لمجرد أن يقبلك الآخرين ـ على حد تعبير المفكر الأمريكي
Ambrose Bierce
الذي أينعت ثماره في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشرـ هو أكثر أنواع النفاق قبولا!
Politeness is the most acceptable hypocrisy.
كل إنسان أتى إلى هذه الحياة هو فريد من نوعه، ولكن ليس من السهل أن يثبت فرديته ويدافع عن حقه في أن يكون فريدا.
عندما يفعل ذلك يحقق ذاته ويصل إلى ذروة نجاحه!
رجل الدين اليهودي
Zusya
والمشهور بحكمته، قال مرّة:
“يوم القيامة لن يسألني الله لماذا لم أكن موسى، لماذا لم أكن سليمان، لماذا لم أكن داوود، ولكنه سيسألني: لماذا لم أكن زوسيا؟”
كتبت لي ريما، وهي شابة في مقتبل العمر، تسألني:
كيف أستطيع أن أكون وفاء سلطان؟!!
كتبت لها: “لا تحاولي لأنك ستفشلين، ولنفس السبب لا أحاول أن أكون ريما. كوني نفسك، وأعدك بأنك لو فعلت ذلك ستكونين أهم من وفاء سلطان، فكل إنسان هو أهم من الآخر عندما يكون نفسه، لأنه جاء إلى الكون ليحقق مهمة لم يحققها أحد قبله ولن يحققها أحد بعده”
الحياة مسرحية ولكل دوره، لا أحد يستطيع أن يلعب دور الآخر!
يقول الفيلسوف الأمريكي، وكاتبي المفضل،
Ralph Waldo Emerson:
All the mistakes I make arise from forsaking my own station and trying to see the object from another person s point of view.
“كل الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي نبعت من رغبتي في التخلي عن ذاتي، ومحاولاتي لأرى الأمور من خلال منظار غيري”
…………………………..
لا تهمني سمعتي، وإن كنت أعتز بها، بقدر ما تهمني حقيقتي!
سمعتي يصنعها غيري ولا أستطيع أن اُسيطر على أكاذيب ذلك الغير. أما حقيقتي فأصنعها أنا، وهي دائما وأبدا ملك إرادتي وتحت سيطرتي.
أنا لم ـ ولن أطلب ـ يوما اذنا من أحد كي يسمح لي بأن أكون نفسي!
كثيرون من البشر عبر التاريخ كانوا يحملون أفكارا رائعة، لكنهم ماتوا ودُفنت معهم أفكارهم، لأنهم فشلوا في استنباط لغة فريدة من نوعها، لغة تخصهم دون سواهم، إذ لا يدخل التاريخ إلا ماهو فريد من نوعه!
لغتي هي بصمات أصابعي، ولا يستطيع أحد أن يحتجّ على بصماتي!
فالفكرة مهما كانت جديدة من نوعها، لا تكتسب فرديتها بالمطلق مالم تلبس ثوبا لغويا جديدا!
يقول الشاعر الاسترالي المعروف
Karl Kraus:
My language is the common prostitute that I turn into a virgin.
لغتي هي العاهرة المعروفة، ولكنني أحولها في كتاباتي إلى عذراء!
وفعلا لا أستطيع أن أنتقي كلمات خارج نطاق القاموس العربي المنتهك مِن قبل مَنْ هب ودب، ولكنني دوما ألبسها ثوبا جديدا، ثوبا مطرزا ببصماتي، فتكسبها تلك البصمات فرديتها وبالتالي تساهم في خلودها!
لم يستطع إنسان أن يعبر عمّا أحاول أن أشرحه هنا كما استطاع الشاعر نزار قباني.
في إحدى مقابلاته، سألوه عن سرّ اسلوبه ولغته “الإباحية”، فقال:
“لي لغتي الخاصة، لو وقعت ورقة مني في اوتوبيس بالقاهرة وعثر عليها أحد الركاب سيعدها فورا لي، حتى ولو لم تحمل اسمي، لأنه سيدرك بأنها لغة نزار”
وهكذا، لكلّ بصماته وفرديّتنا تكمن في بصماتنا!
أما الذين يقطعون أصابعهم إرضاء لغيرهم، فيأتون إلى تلك الدنيا ويغادرون دون أن ينجزوا مهماتهم ودون أن يخلدوا فرديّتهم!
أليس لنفس السبب أصرّ الكاهن الهندوسي أن ينقذ العقرب غير آبه بلسعاته؟!!
………………………
وصلني هذا الصباح رابط بعنوان “السحاقية نجلاء إمام تترك الإسلام وتتنصر”.
ذكرني هذا الإفلاس الأخلاقي بحدث وقع عقب إحدى مقابلاتي على قناة الجزيرة.
بالصدفة وفي اليوم التالي لمقابلتي الأخيرة، كان هناك مؤتمر ضمّ رجال الدين الإسلامي مع رجال الدين المسيحي في إحدى مقاطعات كاليفورنيا.
أثناء الإجتماع أثار أحد الحضور موضوع ظهوري على الجزيرة، وطلب من رئيس الوفد الإسلامي أن يعلق عليه، فرد بالحرف الواحد:
وفاء سلطان علوية، والإسلام براء من العلويين!
تعالى التصفيق في القاعة والتهبت أكفّ المسلمين، لأن الجواب بالنسبة لهم كان وافيا وكافيا لدغدغة عواطفهم دون الحاجة إلى أي منطق!
تساءل رجل الدين المسيحي الذي نقل لي النبأ: ” هل تتصورين يا وفاء مدى الإحباط الذي شعرت به عندما تفوه بتلك العبارة، ونحن مدعوون للتحاور من أجل نشر التسامح بين الأديان؟!
السيدة نجلاء إمام امرأة مثقفة واعية جريئة، تعرف قيمة حريتها وكيف تمارس تلك الحرية وهي تعيش داخل قفص الوحش!
في حديث هاتفي قالت لي: يقولون عني بأنني وفاء سلطان مصر!
عندما تركت نجلاء إمام الإسلام، بحث رجال الدين الإسلامي عن صفة تصل في مستوى قذارتها إلى صفة “علوية” كي يلصقوها بنجلاء ويسلبوها مصداقيتها أمام قطيع أغنامهم.
تغاضوا عن كونها “سنية”، فالسني مستقيم وصادق حتى ولو بلع البحر وأقسم بأنه لم يذق في حياته طعم الملح!
هو مستقيم وصادق وسيدخل الجنة مادام ينطق بالشهادة حتى ولو سرق ولو زنى!
العلوي، في أعرافهم وأخلاقهم، ليس مسلما وبالتالي لا يمكن أن يكون صادقا ومستقيما، لا أعرف لماذا؟
لا أشتري علويتي بقرش أكله الصدأ، لكنني لم أسمع في حياتي ومن خلال انتمائي للطائفة العلوية بأن رجلا علويا قد تبارك ببول علي أو عرقه أو أظافره، ناهيك عن بول محمد وعرقه وأظافره!
لم أسمع بأن رجلا علويا قد رضع من امرأة ليبرر خلوته بها، ولم أسمع بأن رجلا علويا قد طلق امرأته لفظيا وبالثلاث!
لم أسمع بأن رجلا علويا قد أفتى بزواج الرجل من ابنته أو اخته بالزنى.
لم أسمع بأن رجلا علويا قد فجر نفسه أمام رهط من الأبرياء أملا في أن يندس في حضن حورياته!
لم أسمع بأن رجلا علويا يدعو غيره إلى دينه، ناهيك عن تكفير ذلك الغير!
في المجتمع العلوي وخاصة الريفي البعيد عن تأثير الثقافة السنية لا يوجد عازل يفصل المرأة عن الرجل.
المرأة هي شريكة الرجل في حياته منذ طفولته وحتى احتضاره، الأمر الذي يساهم في تهذيب الغرائز والشهوات الحيوانية لدى الطرفين.
لم أسمع بأن رجلا علويا في حياته لجأ إلى زواج المتعة أو المسيار أو ماشابه ذلك من اغتصاب وهتك أعراض مشرّع باسم الله!
العلوي لا يؤمن بالسيرة المحمدية التي يؤمن بها السنة، وهو بذلك قد تجنب نصف التخريب العقلي الذي سببه الإسلام للمؤمنين بتلك السيرة.
يؤمن العلوي بأن محمد كغيره من الأنبياء عاش حياة تقشف وروحانية وبعيدة عن الملذات الجنسية، وكذلك علي!
إيمانهم هذا لم يساعد على تجميل تلك السيرة، ولكنه على الأقل خفف من حدّة تخريبها العقلي لهم.
هم يؤمنون بالقرآن لكنهم يرفضون تفاسير السنة له، وبذلك خففوا أيضا من حدّة التخريب العقلي الذي أحدثته تلك التفاسير!
يفسرونه بطريقة غامضة وغارقة في الرمزية والخرافات!
ليس لتلك الخرفات سند تاريخي أو علمي أو منطقي، ولكن أيّ دين منزّه عن الخرافة؟!!
الخرفات ليست منطقية ولكنها ليست سيئة بالمطلق، ولرموزها معاني ودلالات خفية وجميلة، من منا يستطيع أن ينكر ما قدمته الميثيولوجيا الإغرقية للبشرية من قيم أخلاقية عبر التاريخ الإنساني؟!!
لا أستطيع أن أجد تفسيرا لموقف العلويين من السيرة المحمدية وتفاسير القرآن إلا الخوف!
يبدو أنهم كانوا مسيحيين أو يهود، ولكن خافوا على رقابهم من سيف الإسلام فقبلوه مكرهين.
ولكي يخففوا من حدّة القباحة التي رأوها فيه اعتمدوا تفاسير أكثر قبولا وأقل تخريبا!
لم يدوّنوا تعاليمهم وتاريخهم خوفا من بطش السنة، ولكنهم تناقلوه شفهيّا.
في تلك التعاليم الكثير من تعاليم المسيحية واليهودية، وأعيادهم خليط من الديانات الثلاثة.
هذا إن دل على شيء إنما يدل على اكتسابهم لهوية الإسلام بالقوة، كذبوا على أنفسهم ومع الزمن صدق أبناؤهم كذبة آبائهم والتزموا بها، كما حدث تماما للمسيحيين واليهود الذين أسلموا!
إيمانهم بالإسلام على طريقتهم لم يشفع لهم عند السنة، فذاقوا عبر تاريخهم من العذاب ما لم تذقه طائفة أخرى!
ما أريد أن أصل إليه هنا هو أن طريقة إيمانهم بالإسلام وتفسيرهم له خففت كثيرا من حدّة التخريب العقلي الذي أحدثه الإسلام لدى أتباعه الآخرين بما فيهم السنة والشيعة!
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ممارسة الشعائر الدينية عند العلويين تقتصر عموما على رجال الدين، أما الإنسان العادي فهو حرّ وعدم التزامه بها لا يدعو لتكفيره!
الأمر الذي حرر ذلك الإنسان من التزامات تتعارض مع سعيه لإكتساب المعرفة والعلم، ولذلك نرى نسبة الحاصلين على الشهادات الجامعية لدى الطائفة العلوية أعلى بكثير من نسبتها لدى الطوائف الأخرى وخصوصا بين النساء!
لكن ليست الصورة لدى تلك الطائفة العلوية جميلة وورديّة كما يمكن أن يتخيلها القارئ من خلال ماأوردته سابقا!
لا تستطيع أقلية في العالم أن تعزل نفسها عن تأثير الأكثرية، وخصوصا عندما تمارس تلك الأكثرية سياسية الإرهاب والتهديد.
لذلك لم تستطع الثقافة العلوية أن تحافظ على نقاوتها بمعزل عن تأثير ثقافة المجمتمع السنية والمفروضة بالقوة، ويتفاقم ذلك التأثير لدى العائلات العلوية التي تعيش في المدن الكبرى بين الأكثرية الساحقة!
يحاولون أن يشتموني بوصفهم لي بالعلوية المارقة!
من يفترض أن يكون المارق على الدين؟!
رجل يؤمن بأن نبيه فاخذ طفلة في السادسة من عمرها وهو فوق الخمسين أم رجل يؤمن بأن محمد عاش حياة شفافة روحانية للغاية، وهي في رمتها لغز لا يعرفه البشر؟!!
ربمّا لطش العلويون تلك الفكرة من المسيحيّة، فراحوا يتخيلون محمد على شاكلة المسيح كي يخففوا من قباحة ماجاء في سيرته!
لا شك أن مصداقية السنة عندما يتعلق الأمر بحقيقة الإسلام أعلى بكثير من مصداقية العلويين، الذين حاولوا كما قلت أن يجمّلوا الإسلام ويخففوا من تأثيره المخرب!
الإسلام الحقيقي هو ما يؤمن به السنة، أما إسلام العلويين المجمّل فلا يوجد إلاّ في مخيالاتهم!
بفعلهم هذا، نجحوا في حماية أنفسهم من تأثيره السيء إلى حدّ ما، لكنهم لم ينجحوا في حماية أنفسهم من بطش الآخرين!
عاش العلويون، كما عاش الدروز واليزيدين والسريان والأمازيغ والأقباط وكل الأقليات الأخرى، في ظل الأكثرية السنية مهمشين مظلومين، ولم يخفف تمسكلهم بالإسلام من حدّة ذلك التهميش والظلم قيد شعرة!
لذلك أنا اليوم لدى رجال الدين السنة مارقة لأنني علويّة، ولدى العلويين مارقة لأني خرجت عنهم!
لكن شتان ما بين الموقفين، فالعلويون لا يقتلون المارقين ولا يتقمصون دور الله في حساب البشر!
أما لدى شيوخ الماركسيّة فمارقة لأنني ملحدة ومتنصّرة في آن واحد!
يهمني أن أبقى حيّة في ضمائر الناس الذين عشقوا كتاباتي ولغتي وآمنوا بقضيتي!
عندما أكون أنا وأمتي على طرفي نقيض، إنني أمتلك الحق في أن أغيرها بنفس المقدار الذي تمتلك فيه الحق أن تغيرني، والأبقى للأقوى!
لا أعتقد بأن أمة على باطل أقوى من امرأة على حق!
لا أعتقد بأن أمة قوتها في إرهابها ستنتصر على امرأة قوتها في إقناعها!
فما بالك عندما يقتنع الملايين من تلك الأمة سرّا وعلانية بما تكتبه تلك المرأة؟!
ولكي أصبّ المزيد من الملح في جروحهم، اؤكد بأن الغالبية الساحقة من تلك الملايين قد أتت من الطائفة السنية!
ليست الساحقة وحسب، بل أنها الأكثر وضوحا في مواقفها الإيجابية من كتاباتي!
……………………..
تعلمت من خلال تربيتي العلويّة بأن الرجل مسؤول عن ضبط غرائزه بنفس مقدار مسؤولية المرأة عن حماية نفسها!
تعلمت بأن حجاب المرأة هو عقلها، وعندما يهترئ ذلك الحجاب يهترأ معه شرفها حتى ولو تبرقعت بالحديد!
لا أنكر بأن ثقافة بيتي تأثرت كثيرا بثقافة الشارع والمدرسة وبثقافة المجتمع السنية والمفروضة بالقوة على الجميع، لكنني لم أعاني يوما من أزمة هوية داخل حدود بيتي!
لقد كنت أدرك بأنني أنثى، وتعلمت في سن مبكرة أن أحترم هويتي بل وأعتز بها.
مات أبي وأنا في العاشرة من عمري، كنت لديه الطفلة الموهوبة، بل كنت في مفهومه هدية ثمينة منّ الله بها عليه!
كان أبي من أكبر تجار الأقماح في الساحل السوري، وكان متجره في مركز السوق العام للمدينة التي ولدت وعشت فيها.
أذكر حادثة لن أنساها في حياتي، وقفت يوما على باب متجره، نظر إلي وفتح ذراعيه فركضت باتجاهه، ضمني على صدره ثم قبلني وقال: ماذا تريدني؟
همست في اذنه: ليرة واحدة!
صاح بدهشة مازحا: ليرة بشحمها ولحمها؟!
أومأت بالإيجاب.
ـ لماذا؟!!
ـ لأشتري بها كتابا!
ـ أي كتاب؟
ـ كيف تكتب موضوعا إنشائيا؟!!
ـ وهل تعرفين أن تقرأي كتابا كهذا؟
أومأت بالإيجاب.
لم أكن يومها قد تجاوزت الثالث الإبتدائي، ولم يصدق والدي أنني أقدر على قراءة كتاب كهذا.
ـ سأعطيك المبلغ، مقابل شرط واحد!
ـ ماهو؟
ـ أن تعودي إليّ بالكتاب وتقرأي عليّ صفحة منه.
أومأت بالإيجاب.
كان الموضوع الأول “صف نزهة قمت بها وعائلتك إلى بستان قريب”.
رحت أقرأ حتى وصلت إلى عبارة: والفراشات المو….مو…زا…زا…ررر…
كاشة… المزركشة قد أبدعت يد الخالق في رسم ثوبها القشيب!
ضحك أبي وضمني إلى صدره وهو يقول لأحد زبائنه: يشعرون بالحزن عليّ لأنني أبٌ لثمانية بنات، والله هذه البنت أفضل من مائة صبي!
مات أبي إثر حادث سيارة، ولم أكن يومها أتجاوز عامي العاشر، تلقفني أخي من أبي وهو بعمر أمي وكنت تقريبا بعمر ابنته، فأغدق علي بعطفه وحنانه.
في حضانته استبدلت القناعة التي غرسها والدي في وعي وفي حيّز اللاوعي عندي بأنني أساوي مائة رجل بقناعة أخرى ساهم أخي في غرسها، وهي أنني أساوي رجال أمة بكاملها!
مع الزمن صارت تلك القناعة وفاء سلطان، فالإنسان ناتج قناعاته!
من منطلق ديني، لا أشتري العلوية ولا غيرها من الأديان بقرش أكله الصدأ، ولكنني أقولها ملئ فمي: أنا مدينة للثقافة العلوية بالكثير من حريتي وقوة شخصيتي!
وللذين يحاولون أن يشتموني بها أقول: أنتم تشرفونني بتلك الشتيمة!
رغم الخرافات التي تنطوي عليها العلوية والتي لا يمكن أن يقبلها عقل كأي دين آخر، أنا مدينة للثقافة العلوية لأنها حررتني نسبيّا من قناعة قزمت معظم النساء المسلمات في الطوائف الأخرى، وهي أن المرأة عورة!
بدليل أنها لم تطالبني يوما ـ ولم تطالب أية امرأة علوية أخرى ـ بالتبرقع لكي تخفي تلك العورة!
المرأة في معظم البيوت العلوية هي السلطة المطلقة ولها اليد العليا!
……………….
لم يجد رجال الدين السنة في قاموسهم صفة تقابل في قذارتها صفة “علوية” إلا “سحاقية”، فظنوا أنهم إن ألصقوها بنجلاء إمام يسلبونها مصداقيتها.
أغلقت سماعة الهاتف، وصدى صوت نجلاء الجهوري يتردد في أرجاء عالمي: أريد أن أحيا وفقا لقناعاتي!
لا تستطيع امرأة مسلمة أن تحيا وفقا لقناعاتها ولا تستطيع أن تمارس هويتها مالم تتجاوز حدود تعاليمها!
المرأة في الإسلام لا تساوي أكثر من فلس في محفظة الرجل، والمرأة التي تتسع لها محفظة الرجل لا يمكن أن تعيش قناعاتها!
بوركت نجلاء وبوركت كلّ امرأة تسمو بنفسها فوق هويتها الإسلاميّة، فهي عندما تفعل ذلك ترتقي بنفسها من مستوى حرث يطأه الرجل متى ومن أين شاء إلى مستوى إنسان يحترم عقله وعواطفه!
………
كلما ازداد استيعاب الإنسان للحقائق كلما خمدت عواطفه السلبية تجاهها.
هؤلاء الرعاع الذين لا يجدون طريقة يردّون بها عليّ سوى شتمي بأنني علويّة أو بأنني متنصرة ملحدة أو بأنني عاهرة بعت نفسي لرجال اليهود، هؤلاء الرعاع هم خبثاء، ويعرفون كيف يعزفون على الوتر الحساس الذي يهيّج عواطف الناس السلبية!
عندما نعتني أحد شيوخ الماركسية من على صفحات الحوار المتمدن بأنني ملحدة متنصرة دون أدنى رادع من ضمير أو وازع من أخلاق، كانت غايته أن يلعب بعواطف القارئ المسلم، ويزرع حاجزا بين عقله وبين الحقائق الواردة في كتاباتي!
حالما يدرك القارئ المهوس بإسلامه أنني ملحدة متنصرة، أو علويّة مارقة يهيج كوحش بلا ضوابط، وتقف عواطفه السلبية المتقدة هائلا بينه وبين فهم ما أقول.
وطبعا لن يكون أقلّ هيجانا أمام وصف السيدة نجلاء إمام بالسحاقية!
ماذا تتوقعون من أمّة يتحول كتابها ورجال دينها إلى عقارب لا تعرف سوى أن تلسع وتنفث سمومها؟!
………………..
لم يستطع الإسلام أن يتحكم بسلوكيات أتباعه إلا من خلال تحريض عواطفهم، ولذلك لم يهذب تلك العواطف وأبقى عليها في شكلها البدائي.
لا يمكن أن يتم تهذيب أي نوع من أنواع العواطف إلا عن طريق تدخل العقل، فالعقل هو الذي يتحكم بالعاطفة ويهذبها.
وفاء سلطان، عند شيوخ السنة علوية مارقة، وعند شيوخ الماركسية هي إما ملحدة وإما متنصرة، وعند الذين يكتبون لي من وراء الكواليس ـ وهم ينتمون إلى أحد النوعين السابقين أو هم ضحاياهم من القراء ـ هي مجرد عاهرة باعت نفسها لرجال اليهود!
التسميات ـ وإن تعددت ـ فهي نفسها طالما تضرب على نفس الوتر، الوتر الذي يهيّج عواطف المسلم ويخدّر في الوقت نفسه عقله، وهي نفسها طالما تصب في نفس المنحنى وتخدم نفس الغاية!
كلما أدرك الإنسان الحقائق كلما خفت ردة فعله العاطفي لها.
من منا لم يسمع يوما بأن الغربيين أناس مجرّدون من العواطف؟!
هذا اتهام باطل لا يمت إلى الحقيقة بصلة، ولكن الإنسان المسلم لا يقيم للعواطف وزنا إلاّ في حالة هيجانها.
الإنسان الغربي إنسان عاطفي ولكنه عاقل، وعقله يساعده على ضبط وتهذيب عواطفه في أكثر المواقف تحريضا لها.
كلنا نعرف بأن آلام المخاض عند المرأة هي من أقسى أنواع الألم وأكثرها تحريضا للمشاعر!
بحكم عملي كطبيبة راقبت نساء عربيات ونساء أمريكيات وهن في حالة مخاض.
طبعا لا يقل مستوى الألم عند الأمريكات عنه عند النساء العربيات، ولكن طريقة التعبير عن الألم تختلف جذريا.
كي تفهم ما أقول ليس عليك إلا أن تمر أمام أية غرفة ولادة في أي مستشفى في أي بلد عربي وتصغي إلى زعيق المرأة وهي في حالة مخاض.
بينما المرأة الأمريكية تقرأ آلامها من خلال تعابير وجهها وجسدها، ومن النادر أن تسمع زعيقها!
غياب ذلك الزعيق لا ينفي وجود الألم ولا ينفي إحساس المرأة الأمريكية بذلك الألم، ولكنه يعكس قدرتها على التعامل مع ذلك الألم بعقلانية.
في أمريكا هناك دروس تعطى للمرأة الحامل ولزوجها قبل الولادة بأشهر، يطلع الزوجان من خلال تلك الدروس على المراحل التي ستمر بها المرأة أثناء المخاض.
لذلك ـ كما أشرت سابقاـ بأنه كلما ازداد استيعاب الإنسان للحقائق كلما خمدت مشاعره السلبية تجاهها.
الألم أثناء المخاض حقيقة تستوعبها المرأة الأمريكية قبل أن تعيشها، الأمر الذي يخفف من حدة وتواتر زعيقها!
لو استطاع القارئ المسلم أن يستوعب ما أكتب لخمدت حدة زعيقه، أو ربما سيختفي كليا!
لكن شتمي من قبل بعض العقارب بأني علوية أو متنصرة أو ملحدة أو عاهرة يقف حائلا بين القارئ وبين استعابه لما أكتب!
كلّ مخلوق ( أرفض أن أقول إنسان كي لا اُسيء استخدام الكلمة) اقترب من علويتي أو من خلفيتي أيا كانت ـ ولو قيد شعرة ـ في محاولة للطعن بمصداقيتي هو مطعون في أخلاقه وفي وجدانه وفي ضميره!
حقده الطائفي الأعمى سلبه قدرته على تقيمي من خلال أفكاري وشخصيتي، وليس من خلال إنتمائي الديني.
لم تكن علويتي خياري، بل يُفترض أن تكون خيار الإله الذي يؤمنون بوجوده، فلماذا يحمّلونني مسؤولية قراره ولماذا يعاقبونني على قرار اتخذه غيري؟
في ربيع عام 1958، وفي مقابلة أجرتها مجلة
The Paris Review
مع المفكر الأمريكي
Ernest Hemingway
، أجاب على سؤال بخصوص مؤهلات الكاتب الجيد بقوله:
The most essential gift for a good writer is a built-in, shockproof shit detector. This is the writer s radar and all great writers have had it.
أهم المؤهلات بالنسبة للكاتب الجيد هي قدرته على أن يبني داخله جهازا مضادا للصدمات وكاشفا للبراز…!
وتابع يقول: هذا الجهاز يُفترض أن يكون رادار الكاتب، وكل كاتب جيد يملكه!
ويبقى السؤال: كم رجل دين اسلامي وكم كاتب عربي يملكون رادارا كي يكشفوا عن البراز في مواعظهم وفي كتاباتهم؟!
لذلك، وفي معظم الأحيان، لا نملك نحن ضحايا تلك القاذورات إلاّ أن نسد أنوفنا!
………………………………..
كنت أستمع مؤخرا إلى داعية اسلامي (خبير في العلوم الجنسية والنفسية!!) يناقش العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة.
راح يتساءل أمام قطيع من الحضور ساخرا من الغرب: هل بإمكانكم أن تتصورا أنه في الغرب عندما يمارس الزوج الجنس مع زوجته بالقوة وضد رغبتها يُعتبر الأمر جريمة اغتصاب ويحاسب عليها؟!!
لم يترك الهوس الديني لدى ذلك المعتوه خلية واحدة سليمة في دماغه، وإلاّ لأدرك بأن الرجل الذي يمارس الجنس مع زوجته دون إرادتها إنما ينتهك عواطفها وجسدها وبالتالي ينتهك حرمتها، وفي البلاد التي تحترم تلك الحرمة يعاقب القانون عقابا شديدا من ينتهكها!
لا يستطيع رجل أن ينتهك عواطف امرأة إلاّ عندما يكون مجردا من العواطف!
حسب القناعة الدينية لذلك المخلوق المجرد من كل عاطفة، المرأة ليست سوى حقل يحرثه الرجل متى ومن أين شاء، ولا علاقة لمشيئتها من قريب أو من بعيد بالأمر!
العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة علاقة روحانية قبل أن تكون جسدية تتلاقى من خلالها روحان لتنصهران!
عندما تثار المرأة عاطفيا، تؤدي تلك الإثارة إلى تغييرات فيزيولوجية في جسدها تسهّل عليها التوحد مع زوجها، تماما كما يحدث مع الرجل.
عندما لا يثار الرجل عاطفيا لا يستطيع إطلاقا أن يمارس الجنس، وفي الوقت نفسه عندما لا تثار المرأة عاطفيا لا تستطيع إطلاقا أن تمارس الجنس.
إجبارها على ممارسته دون رغبتها وقبل أن تثار هو انتهاك لعواطفها، واغتصاب لحرمتها الجسدية والعقلية!
هل يحق لرجل أن يدخل بيتا ضد مشيئة أهله، فكيف يحق لرجل أن يعبث بحرمة جسد دون مشيئة صاحبته؟!
أثناء العملية الجنسية يمرّ الإنسان بمراحل فيزيولوجية أربعة، وهي نفسها عند الذكر والأنثى:
المرحلة الأولى: الإثارة
Excitement
يتحضر الجسد خلالها للنشاط الجنسي وذلك عن طريق تقلص العضلات وازدياد ضربات القلب. يتدفق الدم نتيجة ذلك التقلص إلى العضو الذكري ويسبب انتصابه، ويتدفق إلى جدران المهبل عند المرأة ويتسبب في تزيته وتوسع جوفه كما ويسبب في تضخم البظر.
المرحلة الثانية
Plateau
يزداد التنفس ويصبح أكثر عمقا، ويستمر تقلص العضلات. تنتفخ الغدد الموجودة في رأس القضيب، وتتضخم الخصيتان. أما عند المرأة فينكمش المهبل الخارجي وينكمش البظر أيضا.
المرحلة الثالثة:
Orgasm
النشوة:
الضغط العصبي العضلي الذي تعاظم في المراحل السابقة يتلاشى خلال عدة ثوان. في المرأة يبدأ المهبل سلسلة منتظمة من التقلصات، وكذلك عند الرجل يتقلص القضيب بطريقة منتظمة تساعد على قذف المني والحيوانات المنوية.
المرحلة الرابعة:
Resolution
، أي الإسترخاء
وفيها يعود كل شيء إلى وضعه الطبيعي الذي كان عليه من قبل وبشكل تدريجي. عند الرجل يعود القضيب إلى حجمه الطبيعي وعن المرأة يعود المهبل والأعضاء التناسلية الأخرى إلى وضعها الأولي.
بعد الإسترخاء يمرّ الرجل بفترة تدعى
Refractory Period
، أي فترة السكون وتأخذ من دقائق إلى ساعات وخلالها لا يستطيع الرجل أن يمر بأي من المراحل الأخرى، أي لا يستطيع أن يمارس الجنس ثانية.
بينما لا تمر المرأة بتلك الفترة وهي جاهزة لأن تثار وتمارس الجنس في أية لحظة بعد مرحلة الاسترخاء.
……………………..
في ظل القوانين الغربية، عندما لا يراعي الرجل رغبة زوجته أثناء الجماع فيجبرها عليه، يعتبر مغتصبا ويُعاقب على جريمته.
توصل الغرب إلى تلك القوانين الإنسانية التي تحمي المرأة بعد وصولهم واستيعابهم لتلك الحقائق العلمية.
أليس الخالق أدرى بخلقه؟!
لو كان الخالق هو الذي كتب القرآن لأدرك بأن مشيئة المرأة يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار من أجل أن تمرّ العملية الجنسية بالمراحل الطبيعية لها!
طالما تملك المرأة القدرة على أن تشتهي جنسيا والقدرة على أن تتفاعل فيزيولوجيا مع تلك الشهوة، هل يعقل بأن الخالق يسمح للرجل بانتهاكها؟!!
الغاية من ذكري للمثال السابق هو أن أطرح سؤالا: ما علاقة علويتي بتلك الحقائق، بل ما علاقتي إلحادي ونصرانيتي، وكيف يستشف المسلم المهووس بقدرة نبيه الجنسية بأنني بعت نفسي لرجال اليهود من خلال ما ذكرت؟!
ما ذكرته سابقا من حقائق كنت قد ذكرته مرارا وتكرارا في كتابات سابقة، وليس لعلويتي أو إلحادي أو تنصري أو إلى آخر ما يقذفني به هؤلاء الرعاع من شتائم علاقة بموقفي من الإسلام!
إنه موقف مبني جملة وتفصيلا على قناعاتي العلمية، وليس على خلفيتي الدينية.
عندما سئل رجل الدين السني عن مقابلتي في الجزيرة، لم يستطع ذلك الأرعن أن يلقي بعلويتي خارج حدود تفكيره، فلقد تقولب على أن يرى في الآخر تهديدا لبرمجته، وإلاّ لاستطاع أن يستوعب ما قلته في تلك المقابلة.
لقد استخدم علويتي كمبرر ليتهرب من مواجهة ما قلته، فهو يعرف في قرارة نفسه بأنه عاجز عن مواجهة تلك الحقائق!
مادمت طبيبة، هل يتطلب الأمر أن أكون علوية أو نصرانية أو ملحدة أو إلى غير ذلك كي أمتلك القدرة العلميّة لدحض الشرعية الأخلاقية للآية السابقة؟!!
هل علويتي تقف وراء إيضاحي لتلك الحقائق أم قناعاتي العلميّة بها؟!!
لقد أبدع الدكتور كامل النجّار في شرح قناعاته العلمية وفضح الإسلام بناء على تلك القناعات، فلماذا لم يتناول أحد كونه سنيّا؟!!
لقد اتهموه بأنه قبطي متخفي، كي يستروا على سنيّته، ففضح اتهاماتهم مفتخرا بقبطيته لو قدر له أن يكون!
مجدي علاّم صحفي ايطالي مصري سنيّ، ترك الإسلام وانتقده جهرا، ثم ـ وما زاد الطين بلة ـ تنصّر بل وتعمّد على أيدي بابا الفاتيكان.
تظاهر رجال الدين السنة بأنهم لم يسمعوا بالنبأ، علما بأنه أقام الدينا يومها ولم يقعدها.
السيدة نوني درويش أشهر من نار على علم، هي ابنة ضابط مصري سني كبير، ومواقفها المعادية للإسلام في أمريكا جريئة وواضحة.
لكن ـ وحيال سنيتها ـ يطمر رجال الدين السنة رؤوسهم في الرمال ويطلقون مؤخراتهم في الهواء بدون ذرة خجل!
الشاب مصعب ابن الشيخ حسن يوسف أحد أهم قادة حماس الإسلاميين، ترك الإسلام واعتنق المسيحية وألف كتابا بعنوان
“The Son of Hamas”
يفضح به حماس وقيادتها الإسلامية وسينشر في آذارـ مارس القادم.
لكن أحدا من شيوخ السنة لم يسمع بمصعب!
الحبل على الجرار، وفي النهاية لا أعتقد بأن الإسلام سيسقط إلا على أيدي السنة!
فهم أكثر من عانوا من جبروته وطغيانه، وكلما ازداد الظلم ازداد احتمال أن يتمرّد المظلوم!
الدين بالنسبة للعلويين لا يتعدى كونه مجرد إحساس بالإنتماء وممارسة لطقوس اجتماعية أكثر مما هي دينية.
لذلك، ليس لديهم من المعاناة ما يدفعهم لترك الإسلام أو حتى لإنتقاده، فهم مقارنة بالسنة والشيعة في مأمن من كوارثه الفكريّة!
لذلك لم أترك الإسلام إنطلاقا من تجاربي كعلوية وإنما إنطلاقا من أمانتي العلمية كطبيبة.
لم أتركه وحسب بل قررت أن أحاربه، ليس رحمة بالعلويين فهم لا يحتاجون لرحمتي، بل رحمة بوطن يعزّ علي أن أراه ينحدر إلى الهاوية!
…………………
بين الحين والآخر يكتب إليّ قارئ، ومعظم قرائي ـ أقولها بفخر ـ من السنة: لا أمتلك شجاعتك، فانتقاد الإسلام خطير جدا!
فأردّ: بل هو خطير لأنك لا تمتلك شجاعتي!
لم يستفحل الإسلام لأنه خطير وحسب، بل لأن أتباعه جبناء أيضا.
يقول الدكتور الأمريكي المختص في علم النفس
Jim Loehr
، في كتابه
Rewrite your destiny
، أي “أعد كتابة قدرك”:
“كان عليّ يوما أن ألقي محاضرة على مجموعة من الحضور كي أحفزهم على تغيير واقعهم، فقلت لهم:
في مدينة اورلاندو يوجد بنايتان ارتفاع كل منهما 175 طابقا والمسافة التي تفصل بينهما 36 قدما. إذا قبلت أن تمشي على حبل مربوط بين سطحيّ البنايتان سندفع لك 5 ملايين دولارا فمن يريد ذلك؟
يتابع الكاتب: رأيت اصبعا واحدا يرتفع ويهبط بتردد.
فعدت لأقول: سنرفع المبلغ إلى 10 ملايين دولارا، فمن يقبل بهذا العرض؟! رأيت بضعة أصابع ترتفع ولكن أيضا بتردد.
سألت: لنفرض أنك على سطح إحداهما وطفلك على سطح الأخرى، ويجب على أحد منكما أن يعبر على الحبل من بناية إلى الأخرى، هل تريد أن تكون من يعبر؟!
رأيت جميع الأيادي ترتفع بلا استثناء!”
يلخّص الفيلسوف الألماني فريدريك نيشته تلك الحقيقة، بقوله: إذا وجد الرجل ما يعيش من أجله سيتحمل كلّ شيء!
He who has a why to live can bear with almost anyhow
لقد وجدت ما أعيش من أجله، وها أنا أمشي على شعرة فوق حقل من الألغام، لأنقذ وطنا يعزّ عليّ أن يموت مسموما من لسع العقارب، وأنا الطبيبة المؤهلة لإبطال مفعول السموم!
من طبع تلك العقارب أن تلسع ومن طبعي أن أحب، فلماذا تتوقعون أن أسمح لطبعها أن يتغلب على طبعي؟
لقد نفثت سمومها على مدى أربعة عشر قرنا، وحان الزمن كي أبطل مفعول تلك السموم وأنشر حبّي!
لقد تورّمت يداي من كثرة اللسع، ولكن كبر قلبي من كثرة الحبّ!
كتب صديقى الأستاذ على الرز مقالاً بديعاً فى صحيفة الراى الكويتية تحت عنوان «زلة وزير أم رغبة نظام؟» وهو مقال يلخص المأساة التى يقع فيها كل خروج عن المرسوم سياسياً.
التهم جاهزة دائماً. أى تطاول بالنقد يحولك لمعارض، والمعارضة خيانة، والخيانة تبعية لإسرائيل أو للغرب أو لإيران أو لجميعها معاً، حتى التعرض لأى مسؤول صغر أو كبر يُفسَّر بالعمالة للخارج. ليس أمامك سوى أن تسكت، فرأيك سيكلفك الكثير.
وقصة التخوين قديمة. فكرة ابتدعتها الحكومات العربية. رغم أن قيامنا بتفصيل العملاء الحقيقيين سيجعل من موجه التهمة أكبر عميل للمستعمر ولـ«الموساد» والـ«سى آى إيه» ولأى نظام استخباراتى.
الحكومات ترتبط بالخارج ارتباطاً وثيقاً لضمان عروشها، لكنها تنظر لأى ارتباط بين ناشط من الداخل وجمعية حقوقية خارجية أو أى مؤتمر دولى يحكى عن قصة الإنسان وحقوقه على أنه عمالة وخيانة.
وكان الأستاذ على الرز يتحسر، عبر مقاله، على حال مصر التى ثارت على الديكتاتورية ليأتى نظام يتهم كل معارض بالعمالة باسم الدين هذه المرة. كأن شيئاً لم يتغير ولم يكن.
إرث التخوين يمتد بلا نهاية كأنه دخل فى جينات الأجيال العربية، بدليل أنه تحول، فى بعض المناطق، من تهمة توجهها الحكومة إلى تهمة يتراشقها أفراد الشعب بين بعضهم. صار الشعب يمارس مهمة التخوين ضد أفراده الذين يفكرون بشكل مختلف. الشعب حارس للنظام ضد نفسه، ظناً منه أنه يحمى الوطن فى عملية خلط فادح بين مفهوم النظام ومفهوم الوطن.
والحكومة تبلغ ذروة سعادتها وهى ترى فئات شعبية تتقاتل فيما بينها لأجل استقرار النظام، تشاهد بأم عينها ألفاظ التخوين يتبادلها الأفراد وتقف صامتة، لا يصدر عنها بيان واحد يحكى عن وحدة الشعب وضرورة تكتله منتشية لمشهد أذرعها الداخلية ومتبعة سياسة مزرية أثبتت تهالكها، عنوانها(فرق تسد).
من الخائن فى هذه الحالة: المعارضة؟ أم النظام الذى أراد أن يقمع المعارضة عبر التخوين؟ أم فئات الجهل التى صدقت النظام بلا وعى؟
اليوم لن تتسيد إن فرقت، فثورة الربيع قلبت السحر على الساحر، ومشهد الوحدة الشعبية فى البلدان العربية أثناء قيام الثورات يثبت أن الشعب مع نفسه أولاً وأخيراً، وكل محاولات الفرقة باءت بالفشل وقتها رغم عودتها إلى الواجهة اليوم بفعل ديكتاتوريات جديدة نتمنى ألا يطول عهدها.
والمفارقة السخيفة هى أن البلدان التى تحرّم الثورات باسم الدين، وتمنع حكوماتها أى تظاهرة باسم الدين وطاعة الكبير، تدعم الثائرين فى مناطق عربية أخرى تحت شعار حرية الإنسان وحقوقه، وهذه البلدان نفسها تتهم مواطنيها المعارضين أو الناقدين بالعمالة والخيانة فى الوقت الذى تساند فيه معارضى بلدان عربية أخرى (حكوماتهم تتهمهم بدورها بالعمالة والخيانة). ولا تجد البلدان الأولى بداً من التعاون الحثيث مع الغرب لخدمة ثورات فى مناطق عربية مختلفة فى الوقت الذى ترشق فيه مواطنيها بوابل العمالة لأمريكا وإسرائيل إذا حدث وصرح أحدهم تصريحاً خارج نطاق النسق السياسى السائد.
ليس أمامنا سوى أن نعيد النظر فى مصطلح (السمعة) الذى جرى تحريف معناه، فلم تعد السمعة المتدنية خاصة بمرتكبى الجرائم والمتسببين فى الأذى، بل تلويث السمعة هو نصيب من تدخل فيما لا يعنيه، فانتقد السياسى أو انتقد التقاليد.
فارضخ، وأطع الجهل، أو استمر فى الخروج عن المنصوص سياسياً غير عابئ بتخوين أو اتهام. كله فى النهاية من صنيعك واختيارك. المهم أننا جميعاً نعلم أن الخيانة اليوم هى ميزة الشرفاء.
فارس يواكيم متعدد الأوطان: لبناني من أهل مصر يعيش في ألمانيا. ومتعدد الآداب: كاتب مسرحي وإذاعي وناقد فني. وبارع في كل الحالات. كتابه الأخير «حكايات الأغاني» (دار «رياض الريس» للنشر) متعة في زمن حزين. رحلة بحث مضنية في جنائن القصيدة المغناة، وحكاية كل قصيدة ولماذا غنيت وماذا عدل فيها وماذا حذف منها وما هي القصائد التي تقرأ فصحى وعامية معا؛ (يا ورد مين يشتريك).
بذل المؤلف جهدا مشهودا في عالم لم يعد له وجود إلا في الذكريات والحنين وأرشيف الإذاعات. عمالقة في الغناء اختاروا القصائد من عمالقة في الشعر، ومعا أقاموا ذلك العصر الذي كان عصر أحمد شوقي ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعلي محمود طه والهادي آدم وأسمهان ورياض السنباطي والأخوين رحباني وفيروز وكوكبة من معادن الذهب.
الذين يفضلون نانسي عجرم، التي بلغ عدد معجبيها على الـ«فيس بوك» أربعة ملايين شخص، لن يبلغوا شيئا في «أطلال» إبراهيم ناجي، أو مناجاة أحمد رامي. ذلك زمن غنت فيه أم كلثوم «وفيتُ وفي بعض الوفاء مذلة / لغانية في الحي شيمتها الغدر»، فمن يغني اليوم شعر أبي فراس الحمداني؟ أو هل ينصرف عشرون شاعرا إلى ترجمة رباعيات عمر الخيام، بينهم طبعا أحمد رامي وإبراهيم العريض وجميل صدقي الزهاوي؟ مَن كان يعدل في شعر الخيام؟ الشاعرة أم كلثوم لن تغني الخمريات، لكنها تشذ عن ذلك مرة واحدة عندما غنت «هذه ليلتي» لجورج جرداق. كان عبد الوهاب قد طار ولعا بالقصيدة، فحملها إليها قائلا: يحق للشاعر ما لا يحق لسواه.
من أجل صوت محمد عبد الوهاب راح أمير الشعراء أحمد شوقي يكتب بالعامية المصرية: «بلبل حيران»، «أحب اشوفك كل يوم»، «الليل بدموعي جاني». لكن عبد الوهاب لحن أيضا ثلاثين قصيدة فصيحة لشوقي، منها «سلام من صبا بردى أرق / ودمع لا يكفكف يا دمشق»، وكأنها كتبت لهذه الأيام. أكثر الشعراء غناء كان أحمد رامي ونزار قباني والأخطل الصغير. وذهب الأخوان رحباني إلى الشعر القديم، كما كتبا قصائد عمودية لفيروز، إضافة إلى ما كتباه من شعر عامي. لكنهما أخذا من سعيد عقل أكثر من سواه، فقد كان بالنسبة إليهما «مستشارا» كما كان أحمد رامي لأم كلثوم.
لكل قصيدة قصة. ولكل لحن قصة مع القصيدة. وقصة مع مغنيها وملحنها. وكل ذلك في عالم هانئ كانت الأغنية فيه هي الحوار بين العاشقين، وكان هناك متسع من الوقت لدى الجميع؛ للشاعر العاشق والملحن العاشق والسامع الذي «استخفه الطرب». كيف تضع «النهر الخالد» على الـ«فيس بوك»؟
لاشك أبنائى وإخوتى المسلمون فى أن العنوان صادم ً لكم ، لكن علينا بهدوء وقبل إصدار الأحكام أن نعلم أولاً أن 90% من الشريعة الإسلامية هى من وضع فقهاء ومشايخ بشر مثلُنا ، ماتوا منذ حوالى 1300 سنة ، وقد وضعوا رؤيتهم وتفسيراتهم وإستنباطهم وقياسهم وإجتهادهم طبقاً لظروف عصرهم، ومعطيات وأدوات زمانهم الشحيحة الفقيرة العنيفة والبسيطة ، فى حين أن أقل من 10 % من الشريعة فقط تقوم على أدلة قطعية ، أما الباقى فقد وضعه ألاف الفقهاء والمشايخ بفكرهم البشرى المحدود بزمانهم ، فجائت أرائهم متناقضة ومختلفة أشد الإختلاف لقصور الأدوات البحثية فى زمانهم ، ومقارنتاً بزماننا من ناحية الإمكانيات البحثية والرؤية الجمعية بفضل التكنولجيا الحديثة ، فقد أتيحت لنا أدوات لم ينعم بها هؤلاءالأوائل ، مثل البحث عن طريق الإنترنت وإمكانية التعرف على رأى كل الباحثين فى كل أسقاع الدنيا لمسألة معينة فى دقائق معدودة ،فى حين كان هذا يستلزم من فقهائنا ومشايخنا الأوائل عشرات السنين ، كى ينتقل ببغلته أو حمارة من دولة إلى أخرى، ليسمع رأى غيره أو يسمع ممن أتو بعده ، ايضا نحن الأن نستطيع أن نحمل مئات الكتب على شريحة ميمورى صغيرة توضع فى الجيب ، فى حين كان أسلافنا لايملكون الكتب بل بعض المخطوطات ، والكتاب الواحد يملكه كل مواطنى الدولة ،لأن الكتاب يُكتب باليد ويوضع منه نسخة أو نسختين على الأكثر، إذ وفرت الدولة الإسلامية وقتها الإمكانيات لذلك ، مما جعلنا نرصد كل الفقه وكل كتب التراث بيسر فتطضح الصورة أمامنا كاملة ، علاوة على أن زمن أسلافنا كان يتسم بالعنف وإعمال السيف ، بخلاف زماننا الذى يقوم على سيادة القانون والعقاب بالسجن الذى لم يعرفه أسلافنا، وماكان مباحاً فى وقتهم قد يكون مجرماً وبشدة فى وقتنا ، فكان أسلافنا يقدمون أحكام القطع والجلد والرجم فى أحكامهم ، لأنه لا توجد لديهم سجون أو حكومة منتخبة من الشعب ، فهو نظام لم تعرفه أدبياتهم لتنظم الثواب والعقاب فى الدنيا التى أقرها لنا الرسول (ع) حينما قال فى حديث أنس الذى رواه مسلم وغيره أنتم أعلم بأمور دنياكم ونص الحديث الذى رواه مسلم عن أنس (ض)أن رسول (ص)مر بقوم يلَقِحون النخل فقال لهم الرسول: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا أى” تمرا رديئا” فمر بهم الرسول ثانية فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت لنا كذا ففعلنا كذا.. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم.)) كما ذكره ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه وغيرهم بروايات مختلفة ، ويفهم من هذا الحديث أن أمور الدنيا يسأل عنها المتخصصين بإقرار النبى ، حتى عندما مرض النبى لجأ لأهل التخصص طبيب نجران المسيحى ،ورغم ذلك مازال هناك من معطوبى العقل مشوشى الفكر، الذين يرغبون فى توقف الزمن عند القرن السابع، فلا يحلق لحيته معتبراً أنها سنة لحديث عبد الله إبن عمر (إطلقوا اللحى وحفوا الشارب ) وهو حديث غير صحيح، ولا يدرك أن النظافة من الإيمان، وأن عبدة الأصنام جميعاً وابى لهب كانوا بلحى مثلهم فى ذلك مثل المسلمين الأوائل ، لعدم وجود أدوات الحلاقة والنظافة الحديثة، ولأن البشرية قد إرتقت بالفكر البشرى والنظرة لكرامة الإنسان وحريته رجل كان أو إمرأة ، فجائت نصوص البيان العالمى لحقوق الإنسان الصادر فى 10 ديسمبر 1948 لتؤكد على كرامة الإنسان وحريته والمساواة بين الجميع ، وترفض ماشرٌعه هولاء الفقهاء والمشايخ فى باب السبايا والعبيد والإماء ، كما حَرمت أحكام الردة وقتل المخالف للعقيدة التى شرعها هؤلاء بفكر دموى مريض إجرامى النزعة والمأرب ، ايضا حَرم البيان زواج الأطفال أو تزويج البنت دون رضاها والتى أسس وشرع له هؤلاء الأوائل عاقبهم الله ايضا جعل البيان المساواة بين الرجل والمرأة ركن أساسى فى القوانين والدساتير، رافضين الفقه الذكورى لهؤلاء الأسلاف الذى يبيح للرجل ضرب زوجته ، وأن يمنعها عن إرضاع طفلها من زوج سابق، وأن يمنعها من زيارة أهلها ، ايضا رفض البيان شريعة هؤلاء الأسلاف التى تميز بين الناس على أساس الدين، حيث رفضت شريعتهم التى تقول بأن المسلم لا يُقتل بغير المسلم، أى أن المسلم يُقتل إذا قَتل مسلم لكن لو قَتل غير المسلم فلا يُقتل . ايضا رفض البيان ماشرٌعه هؤلاء من إستحلال لعرض ومال الغير بدعوى أنه غير مسلم، والقائمة طويلة لا يكفى المكان لذكرها . المهم أن يعرف أبنائى وإخوتى المسلمون ، الحقيقة المخفية لشريعة بشرية، يستخدمها تجار الدين المتأسلمين ، للنصب على البسطاء للوصول لأغراضهم من السلطة ، وتطبيق فكرهم الدموى الإجرامى — فأحذروهم حتى لا تخسروا الدنيا والآخرة .. الشيخ د مصطفى راشد أستاذ الشريعة الإسلامية ورئيس جمعية الضمير العالمى لحقوق الإنسان
في رسالته السنوية أمام المشرعين الروس، تحدث الرئيس فلاديمير بوتين عن برنامجه الاستراتيجي في ظل الأوضاع المقلقة والتناقضات الكبرى التي يشهدها هذا العصر. وقال إن بلاده، مثل سائر بلدان العالم، تواجه مرحلة انعطاف خطيرة داخل فلك دولي جديد تكثر فيه المتغيرات والهزات السياسية الشاملة.
وبعدما رسم بوتين ملامح المرحلة المقبلة، شدد على ضرورة تحديث المؤسسة العسكرية التي وصفها بأنها ضمانة أمن روسيا وعنوان استقلالها. وفي تعليقه على مطالب المعارضة أكد أن روسيا في عهده لن تتخلى عن الديموقراطية. ولكنه اشترط أن تكون ديموقراطية غير مستوردة من الخارج، وإنما مرتكزة على تقاليد الشعب والقوانين المطبقة.
وقرأ زعماء المعارضة في هذا الخطاب سلسلة مشاريع عسكرية ضخمة يصعب على الخزينة تحملها. كل هذا من أجل بناء ترسانة عسكرية ضخمة يمكن أن تحقق هدفين: الأول، إقامة نظام قمعي يحيي مبادئ مؤسسة الاستخبارات (كا جي بي) التي خدمها بوتين في برلين طوال فترة الحرب الباردة. الثاني، تشكيل حلف إقليمي قوي في الفضاء السوفياتي السابق، بهدف منع الغرب من اختراق دول الجوار وتطويق روسيا.
قادة المعارضة الروسية اعترضوا على مشاريع التسلح لاقتناعهم بأن المنافسة على خطة «حرب النجوم»، التي أطلقها الرئيس الأميركي رونالد ريغان، كانت بمثابة مطب اقتصادي دمر منظومة الاتحاد السوفياتي. وهم يلوحون بالإضرابات والاضطرابات في حال قرر بوتين تحدي دول الحلف الأطلسي وإرهاق البلاد ببرامج التسلح وحرمان المواطنين من فرص التنمية والازدهار.
المخاوف التي تعلنها المعارضة الروسية ضد سياسة بوتين الداخلية ليست أقل من مخاوفها حيال سياسته الخارجية في الشرق الأوسط. ذلك أن احتضانه لموقف النظام السوري في المحافل الدولية ومجلس الأمن يمكن أن ينعكس في شكل سلبي على مستقبل العلاقات مع دول المنطقة. لهذا كان الرهان على اجتماع بوتين ورجب طيب أردوغان، لعل الزعيمين، الروسي والتركي، يتمكنان من المساهمة في حل المعضلة السورية.
ومع أن المعلومات التي تسربت عن ذلك اللقاء كانت شحيحة إلا أن مصادر موثوقة، في موسكو وأنقرة، أعلنت عن بعض الإيجابيات والسلبيات بما يمكن اختصاره بالآتي:
أولاً، أعرب بوتين عن استيائه من تثبيت منصات صاروخية على الأراضي التركية، مذكراً بأن أزمة كوبا عام 1962 كانت بسبب نشر صواريخ على الحدود التركية المحاذية لروسيا. وأنكر اردوغان أن تكون نوعية الصواريخ هجومية، وقال إن الحلف الأطلسي وضعها على سبيل الاحتياط، أي في حال قرر النظام السوري استعمال أسلحته الكيماوية ضد تركيا أو ضد معارضيه. وفي نهاية اللقاء وعد أردوغان بسحب الصواريخ عقب انتهاء الأزمة السورية.
ثانياً، اتفق الرئيسان على زيادة التبادل التجاري والسياحي بحيث تحقق العائدات للبلدين كمية تصل إلى مئة بليون دولار، أي بنسبة ضعفي كمية التبادل لهذه السنة. كذلك وعد أردوغان بزيادة واردات بلاده من روسيا في مجال الطاقة، مقابل الحصول على تسهيلات لوجيستية في مضيق الدردنيل.
ثالثاً، بالنسبة إلى الأمور السياسية المتعلقة بدور روسيا في سورية، ظهر الخلاف واضحاً بين الزعيمين. ولم ينكر بوتين المكاسب الاستراتيجية التي وفّرتها لأسطوله تسهيلات الدولة السورية. واعترف بأنه لا يريد التخلي عنها لأسباب عسكرية، كونها أمنت له موقعاً جغرافياً متقدماً على البحر الأبيض المتوسط. وهذا ما يجعله شريكاً مع الولايات المتحدة في إيجاد تسوية مقبولة للقضية الفلسطينية أولاً… ولمستقبل سورية ثانياً.
رابعاً، لم يخفِ بوتين حذره من احتمال منح حزب «الإخوان المسلمين» دوراً مركزياً في النظام البديل لنظام البعث العلماني. خصوصاً بعد ظهور مجاهدين من القوقاز تطوعوا للقتال إلى جانب «الجيش السوري الحر.» وقال بوتين لأردوغان إن وجود التنظيم الإسلامي على رأس الحكم سيجدد القتال ضد قواته في الشيشان. وأكد في الوقت ذاته أن الصين تشاركه في هذه المخاوف لأن امتداد الإسلام السياسي إلى دول البلقان وآسيا يشكّل خطراً على استقرار دولتين كبيرتين.
المعارضة الروسية تدّعي أن موقف بوتين حيال أزمة سورية نابع من منفعة تجارية بحتة. ووفق تفسيرها، فهي ترى أن إطالة أمد الحرب الأهلية السورية تعود بالفائدة الاقتصادية على روسيا. ذلك أن الدول المستوردة للطاقة باتت تخشى من تورط دول مجلس التعاون الخليجي في الحرب القريبة من حدودها. وهذا ما دفع بعض الدول الآسيوية، مثل اليابان والهند وتايلند، إلى توقيع عقود مع موسكو بزيادة كميات إيراداتها النفطية. ورفض بوتين هذا التفسير، واتهم المعارضة بتضليل الرأي العام وحرف الحقيقة.
الطرف الآخر المعني بقضية الشرق الأوسط منذ أكثر من ستين سنة أبعدته مجزرة نيوتاون عن الاهتمام بالمسألة السورية، الأمر الذي وفَر للرئيس بوتين فرصة إضافية لاستغلال عزلة الرئيس بشار الأسد. علماً أن أوباما كان يسعى في مطلع ولايته الثانية إلى منع بنيامين نتانياهو من الإقدام على مغامرة حربية ضد إيران عقب فوزه بالانتخابات المقبلة (21 كانون الثاني – يناير– المقبل).
الصحف الإسرائيلية فسرت قرار رئيس الوزراء بإعلان تحالفه مع زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، بأنه قرار متهور وخطير. وتوقعت أن ينتهي بفصل السياسة الخارجية لدولة اليهود عن سياسة راعيتها وداعمتها الولايات المتحدة. وهذا ما فعله مناحيم بيغن قبل أن تتخذ حكومته عام 1981 قرارها بموعد ضرب المفاعل النووي العراقي. ذلك أنها جمدت تعاونها مع واشنطن، ورفضت إبلاغ الرئيس ريغان بساعة الصفر (الساعة 3 بعد ظهر 7 حزيران (يونيو) 1981). وقد نشرت إدارة الرئيس ريغان في حينه بياناً للرأي العام، قالت فيه إنها علمت بالأمر بعدما شكت الحكومة الأردنية من أن سرباً من الطائرات الحربية الإسرائيلية قد اخترق أجواءها.
يقول نتانياهو إن حربه مع ايران هي حرب وجود ضد نظام يُفاخر بأنه سيمحو دولة اليهود من الوجود. وعليه قرر مع حليفه ليبرمان استفتاء الشعب في انتخابات مبكرة على أمل استقطاب قاعدة شعبية واسعة تؤيدهما في عملية ضرب المفاعل النووي الإيراني. خصوصاً أن نتانياهو يصنف دوره بين أدوار المؤسسين من أمثال ديفيد بن غوريون ومناحيم بيغن. وهو دائماً يردد هذه العبارة: إذا كان المؤرخون يعتبرون بن غوريون… المؤسس. فأنا مستعد لأن أقنعهم بأنني المخلص. أي مخلص الدولة التي تهددها إيران بقنبلة الفناء.
الصحف الأميركية تشير إلى احتمالات حدوث خلاف آخر بين أوباما ونتانياهو، يتعلق بمستقبل الدولة الفلسطينية. ففي حين يرى الرئيس الأميركي أن نشر المستوطنات حول القدس الشرقية يعرقل مساعي التسوية مع الرئيس محمود عباس فإن نتانياهو يعتبر نفسه في حل من شروط استئناف العملية السلمية. وهو يتمنى لو أن أبو مازن تحالف مع خالد مشعل في غزة، لكان قاسمه شرعية النصر السياسي الذي أحرزته «حماس» في معاركها الأخيرة. أي شرعية الاعتراف بسلطة «حماس» في قطاع غزة. وكانت الوزيرة الأميركية هيلاري كلينتون قد فاوضت على إنهاء وقف العنف بدعم من الرئيس المصري محمد مرسي.
وعندما أعلنت إسرائيل عن وقف عملية «عمود السحاب»، جاء خالد مشعل من قطر إلى غزة ليشارك إسماعيل هنية فرحة الاحتفال بالنصر. وبعد أن قبَّل الأرض عند معبر رفح أعلن أن طريق المقاومة هي أقصر الطرق لاسترداد ما سلبته إسرائيل من حقوق وأرض.
وترجمت منظمات الأمن الإسرائيلية، «الموساد» و «الشاباك» و «أمان»، كلام مشعل بأنه دعوة لتفجير انتفاضة ثالثة داخل الضفة الغربية. وقد عزز هذا التصور اكتشاف بعض الخلايا الناشطة في منطقتي نابلس والخليل. كذلك ضبط الجيش الإسرائيلي، خلال هذا الشهر، عناصر من المجاهدين تخطط لانتفاضة ثالثة بقصد إرباك حكومة نتانياهو ومنعها من إجراء انتخابات هادئة وسليمة.
والمعروف أن ظروفاً مشابهة حدثت في مثل هذا الشهر من عام 1986، هي التي أطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وربما وجد أبو مازن أن الفرصة مواتية لتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدين عمليات الاستيطان الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة والعمل على وقفها. كما هدد أيضاً باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية بعدما وافقت لجنة التخطيط على بناء 2610 وحدات سكنية في حي «جيفعات هامتوس».
وترى السلطة الفلسطينية أن مشروع البناء في هذه المنطقة المحتلة هو جزء من مشروع أوسع أقرته حكومة نتانياهو. أي المشروع الذي يتألف من 9600 وحدة استيطانية، ويفصل وسط الضفة الغربية عن جنوبها بطريقة تمنع التواصل في دولة فلسطين.
مرة أخرى كررت «حماس» رفضها كل مشاريع التوطين، وأعلنت أن أهدافها لا تتحقق إلا باستئناف عمليات الكفاح المسلح. وذكّرت بالكلام الذي نقله نتانياهو عن صديقه آرييل شارون، بأن إسرائيل أخطأت يوم ساعدت الأردن على التخلص من منظمة التحرير عام 1970. وبما أن رئيس الوزراء يُعتبر من مؤسسي جمعية «الأردن هو فلسطين»، فإن المحاولة التي أقدم عليها عام 1997 لقتل خالد مشعل بواسطة السم، لم تكن أكثر من شرارة لإحراق مشروع الدولتين. وهو حالياً يؤكد موقفه الداعم لمشروع «الأردن هو فلسطين». وليست سياسة تكثيف المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من تثبيت عملي لتلك السياسة.
وعليه، ترى «حماس» أن رئيس السلطة الفلسطينية يضيع وقته في الجمعية العامة ومجلس الأمن، لأن إسرائيل لا تفهم إلا بلغة البندقية لا بلغة غصن الزيتون. وهذه هي العبرة الوحيدة التي أخذها معه ياسر عرفات إلى القبر!
في الخامس والعشرين من هذا الشهر تحتفل الطوائف المسيحية بميلاد يسوع بن مريم، في مغارة متواضعة في ركن من أركان سورية القديمة التي كانت ترزح تحت الاحتلال الروماني، في ضلعها الجنوبي، في فلسطين، وبالتحديد في بيت لحم. وليس المسيحيون وحدهم من يجب ان يحتفل بهذا المولد، بل على المسلمين أيضا ان يقوموا بذلك، لأن القرآن الكريم، ذكر السيد المسيح وبشارته وميلاده، وذلك عندما ذكر عيسى بن مريم، وقدمه وكرمه، هو ووالدته واصطفاها على جميع النساء..
ولد السيد المسيح مخلصا للبشرية وليس لفئة معينة من هذه البشرية، كما تنتظر حتى الآن الديانة اليهودية مخلصا لها فقط، لانهم يعتبرون أنفسهم بأنهم شعب الله المختار. هم ينتظرون وسيبقون ينتظرون حتى يوم القيامة لانهم لم يروا في المسيح مخلصا للبشرية.
تأتي ذكرى ميلاد المخلص يسوع هذا العام، وسورية التي شهدت ميلاده، تعيش لعامها الثاني وهي تحت القمع والإرهاب، وشعبها مشرد ولاجئ وشهيد، وشلال الدم يصبغ هذه الأرض الذي قدستها كل الديانات. ميلاد ثاني والشعب السوري يدفع ثمنا غاليا لثورته من أجل حريته وكرامته، ضد نظام باغ عاث في الارض فسادا ودمارا، حيث غير أخلاق الناس نحو الأسوأ، لينطبق على الوضع السوري قول السيد المسيح “إذا فسد الملح فبماذا يُملح،” فالاخلاق هي ملح الأرض وبفسادها يفقد الناس نكهة الملح هذه.
في ميلاد سورية الثاني والدامي، فأن السيد المسيح يبكي دما في كل بيت مسيحي لديه مغارة، يبكي شعبه السوري سواء في ارض بلاد الشام او في أرض فلسطين التي شهدت هذا الميلاد منذ اكثر من الفي عام.
كيف لا يبكي المسيح في مذوده المتواضع وهو يرى شعبه السوري يقصف بلا رحمة ببراميل الديناميت والبارود، ويزداد القتل بشكل يومي، ومن لم يستشهد، فهو يتحسر على من إستشهد، او إنه يتشرد سواء داخل سورية او خارجها ليذوق الذل والهوان في مخيمات لا تليق بالانسان في القرن الواحد والعشرين.
كيف لا يدمع المسيح بن مريم وهو يرى شعبه السوري، يقتل ببرودة وهو واقف امام الافران، من أجل الحصول على ربطة خبز له ولأطفاله. فسورية التي سميت عبر التاريخ باهراءات الشرق، يجوع شعبها بشكل لا يقبله ضمير او أخلاق، وهو محروم ليس فقط من كسرة الخبز بل من كل مستلزمات الحياة.
كيف لا ينتفض المخلص في مغارته، وهو يرى السلطة الدينية المسيحية، يقف بعضها مع نظام القتلة من أجل أمن كاذب، ناسين او متناسين تأكيد المسيح على الوقوف مع الحق ضد الباطل، وهم مع الآسف يقفون مع الباطل ضد الحق. فأنا اتخيل الطفل يسوع يصرخ في وجههم قائلا “بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغارة للصوص.”
اليوم، ومع مولد المخلص، على كل البشر ان يتذكروا كل المعذبين في الأرض، ويتذكروا أخوتهم في سورية بكاملها من شمالها الى جنوبها، ومن شرقها الى غربها، حيث هم محرومون من الخبز والقوت والكساء والدفء والكهرباء، وأهم من كل ذلك حرمانهم من كرامتهم التي داسها القتلة القابعون في قمة قاسيون.
بالطبع التذكر يبقى ناقصا ان تذكرنا فقط أهلنا ونسينا الآخرين، لأي فئة او ديانة إنتموا. علينا التذكر كلنا، بأن السيد المسيح جاء لخلاص كل البشرية، وليس فئة واحدة، من هنا علينا ان نعمل كما طلب منا السيد المسيح في إنجيله، حيث يحض الناس على العطاء بدون سؤال فيقول لمريديه:” لاني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبا فآويتموني، عريانا فكسيتموني، مريضا فزرتموني، محبوسا فاتيتم الي،” فيجيبه الابرار حينئذ قائلين “يا رب متى رأيناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك و متى رايناك غريبا فآويناك او عريانا فكسوناك و متى رأيناك مريضا او محبوسا فأتينا اليك،” فيجيبهم بقوله “الحق أقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم.”
في عيد ميلاد السيد المسيح، إمسحوا دمعته الدامية على شعبه في سورية، من خلال مسحكم دمعة طفل فقد أهله، او أم ثكلى باستشهاد أحد ابنائها، او أرملة فقدت زوجها. ضمدوا جراحه عندما تضمدوا جراح أحد ضحايا القصف العدواني. أسقوا وأطعموا وأكسوا وآووا كل المحتاجين حتى يتذكركم السيد المسيح في ملكوته ويوم قيامته. إعملوا بما يقوله السيد المسيح عندما يعظنا قائلا ” لا تكنزوا ذهبا وفضة بل أعمالاً في السماوات،” وأهم هذه الاعمال الوقوف مع الحق ضد الباطل. تجاوزوا كل الخوف فمن يخاف ينهزم كما تقول مسرحية جبال الصوان للرحابنة، ولو خاف المسيحيون الاوائل لذهب سدى نزول المخلص الى الارض لتخليص البشرية من العبودية وتحرير الانسان وإعادة الكرامة اليه.
تنتفي مسيحيتكم ان لم تنفذوا كل كلام الانجيل، وكما يقول الرب يسوع ” ليس كل من يقول يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السموات.” نعم، اعملوا وهو الذي يرى أعمالكم. ذكرى ميلاد المسيح يجب ان تحرركم من كل مخاوفكم لتساندوا الشعب السوري المضطهد وهو شعب السيد المسيح. ففي مثل هذا اليوم ولد للبشرية مخلص في ارض سورية المقدسة
مضحك جدا إلى حد البكاء تقرير الامم المتحدة الاخير الذي اكتشف ـ يا للهول ـ ان الحرب الاهلية في سورية تقوم على نفس طائفي من الجانبين، والمبكي جدا ان سورية ومثلها العراق والاردن وباقي دول الهلال الخصيب، كانت قد تشربت حتى النخاع مبادئ القومية العربية التي بشر بها اليمني ساطع الحصري، والقومية السورية التي نادى بها اللبناني انطون سعادة، لقد قاد قادة البعث الزائفون في العراق وسورية شعوبهم للكفر الشديد بالمبادئ القومية والعروبية التي توحد الاوطان وتركوا بلدانهم بالتبعية عرضة للانشطار والتقسيم كون افعالهم كانت متناقضة تماما مع الشعارات الوحدوية التي كانوا يرفعونها.
***
في العام 1920، احتفلت سورية قلب العروبة النابض بتنصيب «السعودي» بتعريف هذه الايام، فيصل ابن الشريف حسين ملكا عليها، وفيما بعد نصب السعودي ذاته ملكا على العراق وأخوه ملكا على الاردن كدلالة على ايمان شعوبهم العميق بمبادئ العروبة والوحدة قبل ان ينادي بها ويكفّر الناس بها الثوريون امثال عبدالناصر وقادة البعث في العراق وسورية وطاغية ليبيا والديكتاتوريات العسكرية التي تدثرت كذبا برداء القومية العربية في اليمن والسودان وموريتانيا وفلسطين وغيرهم حتى ضعف وتمزق ذلك الرداء شر ممزق.
***
في سورية أثناء الاستعمار الفرنسي تقدم يوسف العظمة لمحاربة جيش الجنرال هنري غورو، فقتل وكان جيشه يضم كل طوائف وقوميات الشعب السوري، وما ان اعلن غورو استقلال لبنان الكبير ومشروعه لحماية مسيحيي الشرق حتى اعلن الزعيم السوري الكبير فارس خوري انه والمسيحيين سيعلنون اسلامهم لسحب الذرائع من الاستعمار الفرنسي الجاثم على صدورهم والذي ترحمت عليه شعوبنا بعد ان جربت طعم الاستعمار العربي للاوطان العربية الذي هو اكثر قتلا وقمعا وتدميرا ونهبا لخيرات الاوطان ممن ادعى محاربته.
***
واعلنت فرنسا في تلك الحقبة اعطاء الاستقلال لأربع دول في سورية هي دويلات دمشق وحلب وجبل العلويين وجبل الدروز، فأعلن الزعيم الحلبي ابراهيم هنانو الثورة على مشروع تلك الدويلات وشاركه الثورة الدمشقي د.عبدالرحمن الشهبندر، كما اعلن الزعيم العلوي الكبير صالح العلي الثورة في جبل العلويين ضد مشروع التقسيم، وفي عام 1925 اعلن الزعيم الدرزي سلطان الاطرش الثورة الكبرى في سورية والتي هزم خلالها الجيش الفرنسي في اكثر من موقعة مثل معارك الكفر ومسيفرة ورساس والسويداء، وأعلن شقيقه زيد الاطرش تحرير الجولان ومجدل شمس وراشيا وحاصبيا، ويالها من معارك تحرر ـ لا تسلم ـ الارض، تجلت بها الشجاعة والشهامة والفداء بأجل وأجمل صورها، وليس كحال حروب الثوريات العسكرية العربية اللاحقة التي كانت تنتهي دائما بالهزائم المتكررة!
***
آخر محطة: احتاجت شعوبنا العربية لنصف قرن لتكتشف زيف وكذب وخداع الانظمة التي اتت بها ثورات وانقلابات الخمسينيات والستينيات والتي مثلت دور الاستعمار القومي العربي، نخشى ان تحتاج شعوبنا العربية لنصف قرن آخر لتكتشف زيف وكذب وخداع الحركات المؤدلجة التي وصلت للحكم هذه الايام كنتيجة لثورات الربيع العربي القائم والتي يدعي بعضها التدثر برداء الاسلام، والاسلام براء من افعالهم.