عبد القادر أنيس
بعد قراءتي لهذا الميثاق توصلت إلى قناعة راسخة وهي أنه لو استبدلنا كلمة الميثاق في العنوان الآنف الذكر بكلمة النفاق لجاز لنا ذلك تماما: (النفاق العربي لحقوق الإنسان).
صار هذا الميثاق ساري المفعول ابتداء من 15 مارس 2008 بعد أن صادقت عليه سبع دول عربية هي: الأردن ولبنان والبحرين وسورية وفلسطين وليبيا ودولة الإمارات العربية. وشخصيا لست أدري لماذا تأخرت الدولة العربية الأخرى عن المصادقة عليه؟ هل لأنه لا يعبر عن رؤيتها السامية لحقوق الإنسان العربي؟ أم لأنه متقدم جدا على قوانينها المحلية وقد يضعها في حرج كبير؟
قبل ذلك مر هذا الميثاق بمرحلة مخاض طويلة وعسيرة يصح فيها قول القائل: تمخض الجبل فولد فأرا. لكن المولود جاء مشوها يحمل في صلبه كل أسباب عواره.
أقرته القمة العربية المنعقدة في تونس يوم 23 مايو 2004.
واجه إقرار هذا الميثاق العربي لحقوق الإنسان اعتراضات وتحفظات وتحايلات رمت إلى تجريده من أية صفة محرجة أو إلزامية، (حتى تم إبرامه بصيغته الجديدة في العام 2004، بعد تعديلات جوهرية أدخلها خبراء عرب وعدد من مؤسسات المجتمع المدني على الصيغة الأولى التي أقرت في 12 سبتمبر 1994 بعد رحلة طويلة ومضنية دامت نحو 23 عاماً، حين تقرر وضع ميثاق عربي لحقوق الانسان في العام 1971 بتكليف من جامعة الدول العربية( كما كتب السيد عبد الحسين شعبان.
http://www.babil-nl.org/b15x024ash.htm
وأضاف: (وتعود فكرة الميثاق إلى أن اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التي تم تشكيلها في 3 سبتمبر 1968 اختصت بحقوق الانسان الفلسطيني، ولاسيما بعد العام 1967، كانت قد اقترحت عام 1969 وضع ميثاق عربي لحقوق الانسان، واستمرت تلك الرحلة الشائكة لتنجز مشروعاً لم تتم المصادقة عليه ولم يدخل حيّز النفاذ إضافة الى تحفظات العديد من البلدان عليه، رغم أنها صيغة لا ترتقي إلى معايير الحد الأدنى للشرعة الدولي)) انتهى.
نلاحظ هنا أن أوربا خلال هذه الفترة قد أنجزت وحدة مدهشة في مختلف الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتشريعية رغم اختلاف الأعراق والأديان واللغات وتمكنت من إصدار عشرات المواثيق الملزمة ومئات المجلدات من القوانين التنظيمية في شتى المجالات.
احتوى الميثاق على 53 مادة، بينما احتوى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان على 30 مادة فقط. أليس العرب ظاهرة كلامية؟
هيا نقرأ هذا النفاق العربي لحقوق الإنسان.
أهم ملاحظة أحب التنويه إليها هي أنه رغم الكم الهائل من العبارات الرنانة الطنانة حول حقوق الإنسان فقد جرى الالتفاف عليها بإخضاعها لتحفظات تضع القوانين المحلية للدول العربية فوقها وهو ما يقنعنا أن هذا الجهد هو مضيعة للوقت لولا أنه محاولة عربية مثل غيرها من المحاولات الكثيرة الخبيثة للالتفاف على حريات الناس وسعي ساذج مكشوف لاستغفال الآخرين من أجل التملص من الالتزامات بالمواثيق الدولية المحرجة.
الميثاق العربي لحقوق الإنسان
النسخة الأحدث
اعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشرة التي استضافتها تونس
23 مايو/أيار 2004
http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a003-2.html
جاء في الديباجة: (انطلاقاً من إيمان الأمة العربية بكرامة الإنسان الذي أعزه الله منذ بدء الخليقة وبأن الوطن العربي مهد الديانات وموطن الحضارات ذات القيم الإنسانية السامية التي أكدت حقه في حياة كريمة على أسس من الحرية والعدل والمساواة). الله أكبر… أليست لغتنا العربية معجزة حقا؟
لاحظوا سادتي القراء، ما أسرع ما يدخلنا هذا الميثاق في صلب النفاق بهذا الكلام الطنان الرنان الذي لا يحسنه إلا العرب. ثم يتواصل النفاق”:
(وتحقيقا للمبادئ الخالدة للدين الإسلامي الحنيف والديانات السماوية الأخرى في الأخوة والمساواة والتسامح بين البشر. واعتزازاً منها بما أرسته عبر تاريخها الطويل من قيم ومبادئ إنسانية كان لها الدور الكبير في نشر مراكز العمل بين الشرق والغرب ما جعلها مقصداً لأهل الأرض والباحثين عن المعرفة والحكمة)) ما شاء الله !!!.
يتواصل النفاق: ((وإيماناً منها بوحدة الوطن العربي مناضلاً دون حريته، مدافعاً عن حق الأمم في تقرير مصيرها والمحافظة على ثرواتها وتنميتها، وإيمانا بسيادة القانون ودوره في حماية حقوق الإنسان في مفهومها الشامل والمتكامل، وإيماناً بأن تمتع الإنسان بالحرية والعدالة وتكافؤ الفرص هو معيار أصالة أي مجتمع. ورفضاً لأشكال العنصرية والصهيونية كافة التي تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان وتهديداً للسلم والأمن العالميين، وإقراراً بالارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والسلم والأمن العالميين، وتأكيداً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين للأمم المتحدة بشأن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومع الأخذ في الاعتبار إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام…)) انتهى
طبعا بوسع من يريد الاطلاع على هذا النفاق أن يعود إلى المصدر في الرابط المذكور أعلاه. أما أنا فسوف أكتفي بالإشارة إلى المواضع الكثيرة التي جرى فيها التحايل والالتفاف على مبادئ حقوق الإنسان التي استوحاها محررو الميثاق من المواثيق الدولية قبل تشويهها وإفراغها من محتواها الأصيل. ولعل سبب التشويه بل سبب إصدار هكذا ميثاق مرده إلى سعي الحكومات العربية إلى التحفظ على الالتزام بالمواثيق الدولية في هذا الشأن ليس إلا.
ورغم أن المادة الأولى قد احتوت من النوايا الحسنة الشيء الكثير من قبيل:
((يهدف هذا الميثاق في إطار الهوية الوطنية للدول العربية والشعور بالانتماء الحضاري المشترك إلى تحقيق الغايات الآتية:
1- وضع حقوق الإنسان في الدول العربية ضمن الاهتمامات الوطنية الأساسية التي تجعل من حقوق الإنسان مثلاً سامية وأساسية توجه إرادة الإنسان في الدول العربية وتمكنه من الارتقاء نحو الأفضل وفقاً لما ترتضيه القيم الإنسانية النبيلة.
2- تنشئة الإنسان في الدول العربية على الاعتزاز بهويته وعلى الوفاء لوطنه أرضا وتاريخا ومصالح مشتركة مع التشبع بثقافة التآخي البشري والتسامح والانفتاح على الآخر وفقا لما تقتضيه المبادئ والقيم الإنسانية وتلك المعلنة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
3- إعداد الأجيال في الدول العربية لحياة حرة مسئولة في مجتمع مدني متضامن وقائم على التلازم بين الوعي بالحقوق والالتزام بالواجبات وتسوده قيم المساواة والتسامح والاعتدال.
4- ترسيخ المبدأ القاضي بأن جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة)). انتهى
إلا أن وضع هذا الميثاق (في إطار الهوية الوطنية… ) وفي إطار (تنشئة الإنسان في الدول العربية على الاعتزاز بهويته…)) قد وجه أول ضربة قاصمة له نظرا لما نعرفه عن قضايا الهويات القاتلة عندنا وما سببته من انسداد حضاري وتمييز عنصري وغبن عانى منه الجميع خاصة الأقلية اللغوية والدينية والعرقية والمذهبية والطائفية.
في المادة الثانية جاء: (( للشعوب كافة الحق في تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها ومواردها ولها الحق في أن تقرر بحرية اختيار نمط نظامها السياسي وأن تواصل بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.)) انتهى.
النفاق هنا يزكم الأنوف. فبالإضافة إلى أن الشعوب العربية هي أبعد الشعوب تمتعا بحق تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها ومواردها بالنظر إلى أن أغلب الأنظمة العربية تمارس تعتيما كليا على مواردها المالية وميزانياتها ويتصرف الحكام فيها كما يحلو لهم، فلم يكف هذا فأضافت المادة: ((الحق في أن تقرر الشعوب بحرية اختيار نمط نظامها السياسي..)) وهو ما يعني للأعمى والبصير أن لكل حاكم عربي الحق في الحفاظ على نظامه السياسي الاستبدادي باسم الأصالة والخصوصية، وكأن هناك أنظمة سياسية راشدة لا حصر لها يمكن المفاضلة بينها بينما الواقع العالمي يفصح لنا عن نظامين فقط: ديمقراطي أو استبدادي.
وفي المادة الثالثة جاء: ((3- الرجل والمرأة متساويان في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات في ظل التمييز الايجابي الذي أقرته الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية الأخرى والتشريعات والمواثيق النافذة لصالح المرأة)). انتهى
ما هو هذا التمييز الإيجابي بين الرجل والمرأة الذي أقرته الشريعة الإسلامية لصالح المرأة؟ هل هو تعدد الزوجات؟ هل هو ملك اليمين؟ هو حق الرجل في الطلاق دون المرأة؟ هل القوامة التي منحت للرجل إلى الأبد وحقها في تأديبها وضربها؟ هل هو أهلية المرأة المنقوصة باسم الإسلام إلى الأبد؟ هل هو الوضعية الهمجية التي فرضها الإسلام على النساء على مدى القرون؟
في المادة السابعة ورد: ((1- لا يجوز الحكم بالإعدام على أشخاص دون الثمانية عشر عاماً ما لم تنص التشريعات النافذة وقت ارتكاب الجريمة على خلاف ذلك. ))
عبارة التشريعات النافذة والقانون الداخلي والمحلي سوف يلجأ إليها هذا الميثاق عدة مرات لتغليب القوانين المحلية على هذا الميثاق وهو ما سوف يفرغه من محتواه إلى الأبد.
المواد من 8 إلى 23 مستوحاة من التشريعات الغربية الحديثة ولا أصالة لها في حضارتنا عكس ما زعمه محررو الميثاق.
المادة 24 جاء فيها: لكل مواطن الحق في:
1- حرية الممارسة السياسية.
2- المشاركة في إدارة الشئون العامة إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية.
3- ترشيح نفسه أو اختيار من يمثله بطريقة حرة ونزيهة وعلى قدم المساواة بين جميع المواطنين بحيث تضمن التعبير الحر عن إرادة المواطن.
4- أن تتاح له على قدم المساواة مع الجميع فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده على أساس تكافؤ الفرص.
5- حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين والانضمام إليها.
6- حرية الاجتماع وحرية التجمع بصورة سلمية.
وهي مبادئ سامية حقا ولكنها منعدمة تماما في أغلب الدولة العربية، ومع ذلك يأبى الميثاق إلا أن يجرد المواطن من الحلم بها عندما يورد : ((7- لا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأي قيود غير القيود المفروضة طبقاً للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان لصيانة الأمن الوطني أو النظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم)). وهنا وبشطارة لغوية وفهلوة بارعة يفتح الباب على مصراعيه للتأويلات وللإخضاع للقوانين المحلية ليحرم المواطن العربي نهائيا من المبادئ الستة السابقة. ماذا يعني ((لا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأي قيود غير القيود المفروضة طبقاً للقانون)) وأي قانون هذا الذي يخضع له هذا الميثاق، بينما المواثيق الدولية لها الأولوية على القوانين المحلية التي يتوجب عليها التكيف معها لا العكس وتحت ذريعة ((القيود المفروضة طبقاً للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان لصيانة الأمن الوطني أو النظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم)) يمكن الالتفاف على كل هذه المبادئ النبيلة.
المادة 25: ((لا يجوز حرمان الأشخاص المنتمين إلى الأقليات من التمتع بثقافاتها واستخدام لغتها وممارسة تعاليم دينها وينظم القانون التمتع بهذه الحقوق)). هل توجد دولة عربية واحدة تحترم هذا الكلام؟ ومع ذلك يغرز الخنجر في الجرح عندما تنص المادة على أنه ((ينظم القانون التمتع بهذه الحقوق))، وطبعا القانون المقصود هو القانون المحلي المعمول به في الدول العربية المتخلفة.
المادة 27: ((2- لا يجوز نفي أي شخص من بلده أو منعه من العودة إليه)). طبعا ما عدا أمينتو حيدر الصحراوية !!!!!.
المادة 30: ((1- لكل شخص الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين ولا يجوز فرض أية قيود عليها إلا بما ينص عليه التشريع النافذ)). فما فائدة هذا الكلام مادام التشريع النافذ المعمول به محليا هو المرجع؟
((2- لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده أو ممارسة شعائره الدينية بمفرده أو مع غيره إلا للقيود التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية في مجتمع متسامح يحترم الحريات وحقوق الإنسان لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.)) هنا أيضا تلاعب مقيت ومضحك بمبدأ نبيل يتم الالتفاف عليه بشطارة لغوية لا يحسنها إلا العرب.
المادة 33: ((1- الأسرة هي الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع. والزواج بين الرجل والمرأة أساس تكوينها وللرجل والمرأة ابتداء من بلوغ سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة وفق شروط وأركان الزواج، ولا ينعقد الزواج إلا برضا الطرفين رضاً كاملاً لا إكراه فيه وينظم التشريع النافذ حقوق وواجبات الرجل والمرأة عند انعقاد الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله.)) انتهى
مرة أخرى يأتي التشريع النافذ ليغتصب هذا المبدأ ويفرغه من محتواه.
المادة 35: ((1- لكل شخص الحق في حرية تكوين الجمعيات أو النقابات المهنية والانضمام إليها وحرية ممارسة العمل النقابي من أجل حماية مصالحه.
2- لا يجوز فرض أي من القيود على ممارسة هذه الحقوق والحريات إلا تلك التي ينص عليها التشريع النافذ وتشكل تدابير ضرورية لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
3- تكفل كل دولة طرف الحق في الإضراب في الحدود التي ينص عليها التشريع النافذ.)) انتهى
مرة أخرى يتدخل التشريع النافذ لينتزع باليسرى ما قدمته اليمنى.
المادة 43: ((لا يجوز تفسير هذا الميثاق أو تأويله على نحو ينتقص من الحقوق والحريات التي تحميها القوانين الداخلية للدول الأطراف أو القوانين المنصوص عليها في المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها أو أقرتها بما فيها حقوق المرأة والطفل والأشخاص المنتمين إلى الأقليات)).
ماذا نفهم من ((لا يجوز تفسير هذا الميثاق أو تأويله على نحو ينتقص من الحقوق والحريات التي تحميها القوانين الداخلية للدول الأطراف))؟ هل محررو هذا الميثاق مقتنعون حقا أن ميثاقهم أسوأ من القوانين الداخلية للدول العربية؟ لماذا إذن أصدروا هذا الميثاق البائس؟
المادة 44: ((تتعهد الدول الأطراف بأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا الميثاق ما يكون ضرورياً لأعمال الحقوق المنصوص عليها من تدابير تشريعية أو غير تشريعية)).
ماذا نفهم من هذا الكلام الغامض الذي ورد في ميثاق استغرق تحريره 23 سنة؟
المادة 53 ((1- يجوز لأي دولة -عند توقيع هذا الميثاق أو عند إيداع وثائق التصديق عليه أو الانضمام إليه – أن تتحفظ على أي مادة في الميثاق على ألا يتعارض هذا التحفظ مع هدف الميثاق وغرضه الأساسي)). انتهى
هل هذا كلام يصدر عن عاقل؟ لماذا إبداء التحفظ إذا كان يشترط عدم التعارض مع هدف الميثاق وغرضه؟
تتبع قراءة في ((إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام)). عبدالقادر أنيس فيسبوك