مهلا مهلا ياصاحبي

مهلا مهلا ياصاحبي

فاكل التكة ليست كأكل الكباب

قل كلمتك إن كانت حق

دون تلعين أو تهديد أو سباب

فقط أناشدك بألله إن كنت عراقيا

أين مليارات العراق المسروقة

والنفوط وحق أهل ألأغتراب

وأين الفقير والمعدم

من حقه في العيش

أو من أكل التكة والكباب 

بكل محبة أقول لك

لاتذكر غيرك بجرائم التاريخ

فالكل في الهوى سوى بالعتاب

لأن اليوم الكل باللبن متفتح

إن لم يكن بالبارود والتيزاب

فكم من راية بإسم من يعبد

سال الدم تحتها شلالات

أطفال ونساء وشيب وشباب

فلاتقل لي ياصاحبي

أن من في قم يعبدون ألله

وتذكر فقط من جاء بالخميني

من خلف ألأبواب

وبعدها صنفنا بالجهال إن شئت

فأنت ستبقى أخي مادمت عراقيا

ولست ممن تسلقو ألأسوار

وغدرو بإسم الدين ورب ألأرباب

وأخيرا

سلام لك مني ألف ألف سلام

رغم كل جوارحي والهباب

فقط من أجل عيون العراق

ومن فيه

من أحبة وخلان وأصحاب

***سرسبيندار السندي

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

متى ستحتفل المرأة العربية بعيدها

لا زالت الكثير من النساء ولحد يومنا هذا لا يعرفن بأن هناك يوما اصبح رمزا وتكريما لهن ولدورهن النضالي ولبطولاتهن وانتصارهن على القيود , بالوقت الذي لا زالت فيه النساء العربيات تتوجع من تلك القيود ومن حكم الرجال الذين تخلفوا عن باقي المجتمعات لقرون , حيث لا زالت فيه المرأة تصرخ ولا من مغيث لها , وتئن من سيطرة الرجل وقمعه ليعزز هو عقدة الرجولة التي اصبحت كابوسا له , فيجعل منها دمية يقودها ويحركها كيفما يشاء من خلال قمعها ومحاولات اذلالها كونه يحمل العقل وحكمة التدبير كما توهم .

يحتفل عالميا بهذا اليوم نساءا ورجالا بالإنجازات التي حققتها النساء سياسيا واجتماعيا بمساعدة اخيها الرجل , ونحن لا نزال نرضخ لتعاليم الكراهية ونشجع رذيلة الأفكار من ان المرأة خلقت لأشباع شهوة الرجل ولتحقيق متطلباته , ومن هنا بدأت المشاكل تحيط بنا من كل الأتجاهات ومن ضمنها مشكلة التحرش الجنسي التي لم تسلم منها اي انثى سواء باللفظ الكلامي او بالفعل .

فهي من المواضيع الحساسة التي تحاول مجتمعاتنا ان تركنها بعيداً خوفاً من الفضيحة التي ستلحق بهم , ولكننا نرى بأن هذه الظاهرة بدأت تتفاقم وتنتشر بكثرة في اوساط مجتمعنا , وكيف لا تنتشر وتزداد في ظل مجتمعات تضع اللوم الأول والأخير على المرأة وهي الضحية لهم , بل ويحملوها فساد وتخلف وحيوانية الرجال

هذه الظاهرة اخذت تتخطى مرحلة الاعتراف بها بل وتفاقمت ووصلت الى الأغتصابات , الامر الذي يستدعي التطرق لها وبشكل مكثف ودائم , والعمل الجاد لوقف تلك الانتهاكات التي تتعرض لها النساء.

— مجتمعاتنا تعاني من الكبت من جميع الجهات وللجنسين ايضا , ومما بات واضحا بأنه أي الكبت يؤدي الى ظواهر غير طبيعية والسبب يكمن في انه اسلوب غير طبيعي ودخيل على الأنسان سواء رجلا كان او امرأة , فينتج منه ظواهر غير طبيعية لا حصر لها .

فما نسمعه اليوم من حوادث وحالات تحرش فاقت الارقام القياسية عن ما كانت عليه في الماضي وتقشعر لها الأبدان هي اكبر دليل بأن هناك خطأً كبيرا بتنا نتشبث به , حيث كلما ازدادت اساليب الكبت كلما تفاقمت امور المجتمع , وكلما تفاقمت الأمور تفاقم الخوف والتوتر والأنحدار نحو الهاوية , والطامة الكبرى والتي تزيد طيننا بلل هو التكتيم عن هذه الحوادث خصوصا اذا تعدى فعل المتحرشين الى الإنتهاكات الجسدية خوفا من تشويه صورة مجتمعاتنا والخوف الذي يعتري صاحبة الشأن ايضا من المجتمع والمحيطين بها الذين سيضعون اللوم عليها بالدرجة الاساس , وخوف اهل المتحرش بها من الفضيحة , أي الخوف والخجل من واقعنا المرير الذي نشأنا عليه وتعودناه , فنحن شعوب تعودت عدم الكشف عن عيوبها والتستر عليها بسبب الخوف

— هذه الأساليب مؤكد ناتجة ومرتبطة ارتباط وثيق بالتربية التي ترعب الفتيات وتجعلها راضخة لهذه التعاليم دون قناعة منها مما يتسبب في عدم وعيها وانغلاقها على الحياة , أمام تشجع الذكورعلى ان يكونوا اشخاص معتدين ومتحرشين ليثبت البعض ذكوريتهم والبعض ينفس عن مكنونات نفسه والكبت الذي يعانيه , فيتعلم الصبي الأعتداء على الفتيات وعدم احترامه لحريتهن الشخصية في ما ترتديه متحججا بلباسها احيانا وبتصرفاتها احيانا اخرى .

— ما يفاقم هذه الظواهر ويطمس شعوبنا في التغلغل في قاع التخلف هي السلطات التي تكون لها المصلحة الكبرى في طمس هوية المرأة لتهميش دورها السياسي وشل قدراتها وبذلك تستمر هيمنتهم وبقائهم في السلطة .

— المرأة لديها توجسات طويلة الأمد وكابوسا يجثم على صدرها اسمه الرجل المتحرش متخوفة منه دوما , تلقّن منذ صغرها من قبل الأهل والمجتمع بالأبتعاد عن جنس الذكور مما يزيد تفاقم الأزمة ويزيد الكبت للجنسين , وان كانت سيدة لا يقل خوفها من الرجال في الأختلاط بهم , بدأ الخوف يتسع ليصل الى هاجس المحارم , فلن تسلم المرأة من الاب ولا الأخ ولا الخال او العم ووصل الحال الى التحرش بالأطفال ذكورا واناثا , الدور كبير جدا وصعب في توعية مجتمع كاملا حيث يبدأ من التعليم كأساس للطفل في مدارس تخلط الذكور بالأناث مع هيئات تدريسية نزيهة قادرة على ان تربي هؤلاء الأطفال تربية جنسية سليمة ومبسطة وتدريجية , نحن شعوب نتخوف ونتحرج ونخجل من رؤية وجوهنا الحقيقة نهتم بالشكل الخارجي للمجتمع ونهمل حقيقته التي بدأت تفوح برائحته النتنة , ونبتعد دوما من هذه المواضيع التي تعتبر اساسا لكل منا

— العلاقة وثيقة بين ثقافة المجتمع المتدنية وما يلحق بابنائه من كبت للمرأة والذي سيلحق انفلات للرجل.

— هناك علاقة وثيقة جدا بين الكبت الجنسي والتحرش الجنسي وللسبب ذاته نرجع ازدياد ظاهرة الحجاب ومن ثم ونتيجة لهذه الظاهرة تتزايد نسبة التحرشات وتتوضح معالمها اكثر من السابق في مجتمعاتنا العربية برغم عاداتنا المتزمتة وبرغم الرفض لهذه الظاهرة وبرغم التشدق بالأعراض والأعراف والشرف , لكننا نلاحظ غرق مجتمعاتنا بحلقة مفرغة , فالخلل كبير في بنيتنا الأجتماعية والاسرية والتعليمية والمؤسف له بأن هذا الانحدار قابل للزيادة ما لم نضع له حلا سريعا يتضمن قانونا قويا يردع به المعتدين كحل اولي لوقف حالة مرضية تنتشر كالسرطان تنخر في مجتمعنا , ومن ثم يبدأ التعليم الصحيح لبناء الأجيال وتغيير تدريجي في ازالة ما تجمع من مفاهيم خاطئة لدى الشباب نتجت عنها ظواهر خطيرة من خلال توعيتهم .

— الأوضاع التي نمر بها اليوم والتي تدعو الرجال الى هذا العمل من خلال تحصينهم ضد اي عقاب قانوني ودون اعلان هذه الحالات والأهتمام بها , ومن خلال فسح المجال للرجل خفية وتشجيعه على عمله هذا أمام تحفظ النساء على الفعل القائم ضدها خوفا من الحرج وخجلا له الثر البالغ في استمرار تلك الممارسات.

— هناك الكثير الكثير من ما يجب عمله في مرحلتنا من خلال التركيز على قضايا المرأة وزيادة الوعي الشعبي لنسائنا بحقوقهن وقضاياهن , والتركيز على منظمات المرأة والعمل الجاد في الوصول لشرائح عديدة من النساء لتوعيتهن وابتكار وسائل عديدة لهذا الشأن , فلا زالت الكثير من نسائنا لا تعي حتى بيومها هذا ولا تعلم كيف صار العالم يحتفل به , وان علمت فلن تعلم بتفاصيله , فعلى الرجال والنساء مسؤولية كبيرة جدا وعمل شاق في هذا المضمار لأجل رفعة مجتمعاتنا .فؤادة العراقية (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

كيف يساعد المجتمع الدولي الشعب السوري

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

قصة و حكمة من زياد الصوفي ..77

القصة:

شبيح اللاذقية فواز الأسد عم المجرم بشار

من كل القصص اللي كتبتها، بعتقد كل مين قراها اكتشف طرف من الجنون عند فواز الأسد بالاضافة للسادية و إلاجرام و جنون العظمة..

الجاهل اللي بيقرر يصير محامي بليلة مافيها ضو قمر..

و القبيح اللي معتقد حالو دونجوان عصرو..

و المهرب اللي اعتقد حالو رجل أعمال..

كل هالشي، و اليوم رح أكشكفلكون عن جانب جديد من حياتو..

الجانب اللي معتقد حالو فيه أنو خفيف الدم..

الله يرحم الأيام اللي كان فيها الشبيح يحسب ألف حساب قبل ما يدخل عالصليبة..

بعد مجزرة حماة، انفرض واقع جديد على سوريا بشكل عام و على اللادقية بشكل خاص..

الصليبة متل كل الحارات الأصلية باللادقية، لما ما قدرو يتوقعو ردات فعل أهاليها أيام ثورة التمانينات، شاف النظام بعد ما باد اللي بادو، و بعد ما اعتقل و قتل اللي فيه النصيب، شاف أنو لازم يضبط هالحارات على إيقاعو..

زرع العواينية من أهل الحارات نفسهون بكل محل، وزع الحشيش و المخدرات ليضل مسيطر على ضعاف النفوس و الأخلاق..

قصة اليوم من هالحارة بنص التسعينات..

كوكتيل الصوفي نقطة علام بنص الصليبة، محل صغير ما بيعمول إلا الكوكتيل و الرز بحليب.. شهرتو وصلت لآخر الدنيا بسبب و بدون سبب..

الدنيا رمضان و العالم خلصت صلاة التراويح لما بتوقف سيارة ميرسيدس بدون نمرة على باب محل حسن صوفي، و بينزلو تلات شباب ملتمين من السيارة و بيدخلو عالمحل بين كل العالم باسحلتهون و بيهددوه لحسن إذا ما بيعطيهون غلة اليوم رح يقوصوه و ينهولو حياتو..

كل الموجودين بالمحل، ارتعبو لما شافو شوفة بالعادة ما بيشوفوها إلا بأفلام سينما الكندي..

بيفتح الدرج حسن و بيشيل كل غلة اليوم و كانت حوالي 35 ألف ليرة و بيعطيها لهالحثالات و بيطلعو من الصليبة تحت عيون أهلها لا من شاف و لا مين دري..

أمرك لالله يا حسن..

حسبي الله و نعم الوكيل فيهون..

الله يصطفل فيهون..

كل أهل الحارة عم يواسوه لحسن..و هالمسكين حط أيدو على خدو و راح بالصفنة ما عارف لمين بدو يشتكي.. فالشكوة بدولة الأسد لغير الله مذلة..

ساعة بعد هالحادثة..

بتوقف BMW بيضا على باب المحل، و بينزل فواز الأسد منها..

ولك حسن أعملي ابريق كوكتيل موز و حليب و فريز و كترلي العسلات..

أمرك معلم و الحزن على وجهو لحسن..

ولك حسن شو قصتك؟ و على شو ضارب هالخلقة الل بتخري؟؟

ما رح أشغلك بالك يا معلم بقصصي، بعرف هموم الوطن كلها شايلها عكتافك..

ولك قلي قلي شبااااااك؟؟؟ ضارب وش متل القط اللي قاتلو صاحبو..

بيروح حسن بيحكيلو القصة كلها لفواز من وقت اللي دخلو الشبيحة لعندو لوقت اللي سحبو سلاحهون لوقت اللي هددوه لوقت اللي آخدو منو المصاري..

هلق هودي حكايتك كلاااا و قاعد ضاربلي بوز..قلي مين هالحواوين لحتى اجعل الله ما خلقن..

والله ما بعرفون يا معلم كانو ملتمين و ما مبين من وجوهون شي…

و بنص هالنقاش بيوقف فواز بأرضو و بيضحك ضحكة متل الفدادين بنص المحل، كل الناس اللي برا سمعوها..

ما عملتا فيك يا حسن يا جحش.. لعمى إذا شفت أجحش منك.. و لك خود خود هودي مصاريك، كنت ما العب و أمزح معك..

و ضحكتو بعدها معباية الصليبة : لما كنت قلك يا حسن هنت و غيرك من الكرارة، أنو ابيصير شي باللادقية إلا و أنا إلي أيد فيه، حتى اتصدقني..

بيعطيه المصاري و بيطلع ضحكان هوة و فدادينو من المحل..

لما بيتطلع حسن عالمصاري، بيشوفهون 25 ألف بدل 35 ألف.. بس بأي دولة بالعالم بيقولو الرمد أحسن من العمى، بس بدولة الأسد، العمى أحسن من كلمة الله يرحمو..

يرحم أمواتكون جميعا..

الحكمة:

عيلة غليظة من السقف للأساس.. ولك حتى مزحكون متل الضرب عالراس..زياد الصوفي – مفكر حر؟

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

نادين البدير: نجاة… لا تموتي

الراي

 نجاة… لا تموتي. ففي أيامي حكايا لم تروَ بعد.

ورواية قصصتها عليك ولم أكملها، فأنا لم أعرف النهاية بعد.

ونزوات حب ستضحكك كثيراً. استيقظي، أين تذهبين؟

لا أذكر المرة الأولى التي رأيتك فيها. لكن يمكنني تذكر صور غير مفهومة الألوان. كنت مثل أمي، لا أذكر متى عرفتها. جميل هذا الشعور حين لا نتذكر متى قابلنا إنساناً. فلا نملك أن نحكم عليه في لقائنا الأول. بل نراه مثالياً وكاملاً. وبسذاجة نظن أنه سيبقى خالدا في حياتنا، طالما أنه جاء إليها قبلنا واستقبلنا فيها وحضننا وحمانا وربت علينا. لكنه فجأة يتركنا ويذهب. يتركنا وحيدين. وانتهى.

أي عدل هذا؟

كنت أعشق شعرك وكلما رأيتك تسلقت على كرسي من وراء ظهرك لأسرحه، تمنيت أن أحظى على خصلات كخصلاتك. ناعمة وطويلة وتنسدل على فساتين سوداء ارتديتها كثيراً بعدما قرر القدر أن تعيشي أرملة.

هل أفتش بين ملابسي عن فستان أسود اليوم؟ ما أبشع هذا النهار.

أحاول تقليدك، أحاول أن أكون امرأة مثلك، لا تقطب حاجبيها، تبتسم كأنها على موعد يومي مع السعادة، كطفلة مخدوعة بالحياة. حتى في أحلك أيامها سخرت من أيامها ومن مصائبها وفي ما بعد من… مرضها. من القلة التي نجت من فتنة حلت على رؤوسنا. أصحاب خالتي مسيحيون ومسلمون ولم تحكم على شخص وفق دينه أبداً.

لماذا تذهبين الآن؟ قهوتنا لم تنتهِ. منك تعلمت أن أشربها كل صباح، منك تعلمت أن أمضي بدايات النهار وأنا أبتسم وأرفض أي منغصات.

لماذا أروي تفاصيلك؟ أريد أن أعود من الماضي. لو أن أحداً يعود من الموت فيخبرنا ما رأى. وهل اشتاق إلينا أم أن حياته الجديدة أنسته ماضينا؟ قولي لي:

هل ستنشغلين بنا أم ستجذبك حياة أكثر تشويقاً؟

أجيبيني: لما لا تقاومين؟ مررت بانتكاسات عديدة ولم تنكسري، فلما لا تقاومين؟

اشتقت لك. واشتقت لتنورتك المستقيمة الضيقة وكعبك المتوسط وشعرك المتموج الألوان. كل أشيائك باقية، مرايتك، دولاب ملابسك، ماكينة الخياطة، مصحفك، كل شيء لا يموت… عدا الإنسان صانع كل شيء، ثمنه زهيد… وفاتورته رخيصة.

وتبقى منحوتاته ولوحاته وكتبه، تبقى خالدة آلاف السنين. وسلحفاة يصل عمرها لأكثر من مئتي عام. وعمر صاحبنا لا يتجاوز عشرات السنين. ربما ثمن الوعي تكلفته العمر. هكذا تكون العدالة.

نجاة. مرحت في كل شارع، لعبت مع كل أطفال الحي والأحياء المجاورة، منهم من هو حي ومنهم من مات قبلها بكثير. يسأل عن شقاوتك كل شارع. يسأل عنك الأصحاب والأقرباء وكل الأطفال يسألون أين أنت؟

ليس مثلك من عشقت الحياة وعشقت السفر. وحين صرت في الخمسين اخترت نيويورك، لا أعلم لم يحب الناس هذه المدينة الصاخبة؟ المهم أنك ابتعدت. ابتعدت مسافة قارات ومحيطات. قالوا انك أغمضت عينيك هناك.

واليوم يبدأ العام 2013. ولست معنا. حزين هذا العام. الآن آمنت بأرقام الحظ وأرقام الشؤم.

أحاول أن أبتسم لكني تعبت من البكاء. عموماً إن كنت عنيدة وتصرين على الموت.

فأريد أن أهمس إليك قبل أن يدفنوك وأقول أني أحببتك جداً وسأشتاق إليك جداً جدا. وأينما تكونين: كل عام وأنت بخير.

كاتبة وإعلامية سعودية

nadinealbdear@gmail.comنادين البدير – مفكر حر؟‎

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

“المحظورة”.. إلي متي؟

عندما قام بعض طلبة الإخوان في الأزهر بعرضهم الرياضي رأيت في هذا مخالفة للأصول المتبعة لإظهار الاحتجاج، وحذرت الإخوان من مثل هذا الأسلوب قائلاً: «لا تلعبوا بالنار» (المصري اليوم ٢٠/١٢/٢٠٠٦).

ولكن يبدو أن الحكومة انتهزت الفرصة لكي تهيل علي الإخوان الاتهامات من كل نوع، ولأن التضخم في الحدث، الذي وإن كان خطأ، فإن الذين قاموا به اعتذروا بأن ما دفعهم إليه هو إصرار إدارتهم علي تصرفات تحكمية غير عادلة.

لقد كان من الممكن أن تطوي الحادث، أما أن تثير الحكومة الموضوع وتعيد وتزيد في الحديث عن «الجماعة المحظورة»، فإنها كلما تقول «المحظورة» تدفع الناس ليضحكوا عليها ويصب هذا في مصلحة الإخوان. 

ومن حظرها؟

فقد حل «الإخوان المسلمين» في ٨ ديسمبر سنة ١٩٤٨م رئيس وزارة عنيد ضيق الأفق، قدر ما هو نزيه من الناحية المالية، وهو رئيس حزب من أحزاب الأقليات، وقد تمردت علي الوفد، وفي ١٥ مايو سنة ١٩٤٨م أعلنت مصر الأحكام العرفية لدخولها الحرب ضد إسرائيل، وبدلاً من أن يتعاون النقراشي مع «الإخوان» التي جاء يومها في الدفاع عن فلسطين ومؤازرة الجيش المصري، فإنه بادر بحلها بأمر عسكري ونقل المتطوعين في فلسطين من ساحة القتال إلي معسكر الاعتقال دون أن يعرض الحل علي مجلس نواب أو مجلس شعب ضارباً عرض الحائط بكل نصائح الوطنيين.

ولما أعلنت الانتخابات، سقطت هذه الوزارة سقوطاً شنيعاً، وجاء الوفد فرفع الأحكام العرفية وعادت إلي الجماعة شرعيتها.

لقد عبأت الحكومة كُتَّابها وصُحَّافها للتنديد بالإخوان وشنت هجمة مسعورة علي طلبة الإخوان، وعلي دار التوزيع الإسلامية، وكل يوم تبدأ حملة اعتقالات مما يؤذن بأننا علي أبواب أيام سوداء.

إذا كان الإخوان، كما قلنا لا يتعلمون شيئاً، ولا ينسون شيئاً، فيبدو أن الحكومة تشاركهم في هذا تماماً، وكان جديراً بها أن تذكر أياماً سوداء لم يكن للحكومة هَمٌّ إلا القبض علي الإخوان وتعذيبهم، وشغلت بهذا عن مراقبة إسرائيل التي دهمتهم وأوقعت بهم هزيمة ١٩٦٧م المخزية.

وقبل أن يقوم عبدالناصر بحركته أخبر الإخوان وطلب موافقة المرشد ومؤازرة الإخوان وتم له هذا، وفي صباح ٢٣ يوليو كان شباب الإخوان يقفون علي طريق السويس الذي كان يمكن أن تأتي منه قوات بريطانية، كما كانوا يحرسون السفارات والكنائس خشية حدوث أي مساس بها.

ولم يكن عبدالناصر غريباً علي الإخوان فقد تولي تدريب المتطوعين الإخوان لحرب فلسطين، وحقق معه رئيس الوزارة إبراهيم عبدالهادي ونجا بأعجوبة، كما بايع هو وخالد محيي الدين وصلاح خليفة وآخرون مندوب المرشد علي الطاعة في المنشط والمكره، كما روي ذلك خالد محيي الدين في كتابه «الآن أتكلم» ص٤٥.

وقام ربيع قصير أعقبه صراع علي السلطة نتيجة لانفراد مجلس قيادة الثورة باتخاذ القرارات بصورة فردية دون مشورة من حلفائه، ولما طلب الإخوان إشراكهم، أو مناقشة الأمر قالوا إنهم يريدون فرض وصاية علي الثورة، كأن الشوري والديمقراطية وصاية.. وكما انتهز النقراشي إعلان الأحكام العرفية وتوقف الدستور ليحل الإخوان، فإن مجلس القيادة تعلل بحادث غامض لم تعرف حقائقه، هو محاولة اغتيال عبدالناصر، فحل الإخوان وزج بهم في السجون ومارس معهم أبشع صور التعذيب.

مجلس القيادة هذا، المكون من ١١ ضابطاً صغيراً ليس لهم أي خبرة بالسياسة، أعطي قراراته الصفة السيادية!! بحيث لا يجوز الطعن فيها، وكأنه معصوم من الخطأ.

الإخوان إذن لم يحلُّهم مجلس نيابي، ولم تعرض قضيتهم علي الشعب، وإنما حلها طغاة الحكومة في ظروف استثنائية.. ومع هذا الحظر من أيام عبدالناصر، والتعذيب الذي تشيب لهوله الولدان فإن الهيئة بقيت لم ينفض الشعب عنها، بل انضم إليها وزادت قوة ومات الذين حلوها والعار يجللهم.

وفي آخر انتخابات، ورغم التزوير في الجولة الأخيرة، التي ضحت الحكومة فيها بسمعتها أمام دول العالم، والتي حالت أن تجري الانتخابات في ست دوائر (حتي الآن)، لاحتمال فوز الإخوان فيها، وفاز الإخوان بـ٨٨ مقعداً، ولولا التزوير الذي شهد به القضاء.. لنالوا أكثر من مائة.

الشعب المصري لا ينقصه الذكاء، وقد رأي في حكاية «المحظورة» نكتة، بل رأي فيها لطمة للحكومة، ودليلاً عملياً بارزاً علي مخالفتها للواقع. 

وإلي متي ستستمر الهيئة محظورة؟ 

هل تتصور الحكومة أنها يمكن أن تقضي عليها؟

أقول، وأنا من الناقدين للإخوان: هذا مستحيل.

لأن الإخوان يقومون علي أساس الإيمان بفكرتهم عن الإسلام، وهي رغم تخلفها بمعيار الواجب فإنها أفضل من علي الساحة، ولم يحدث منذ أن ظهر الإسلام حتي الآن أن – تُقهر – هيئة تقوم علي إيمان إسلامي.

لقد حاول هذا عبدالناصر ففشل، بل إن «لعنة الإخوان» هي التي أودت به في النهاية.

لقد قبل فاروق أن يترك العرش «نزولاً علي إرادة الشعب».

فلماذا لا تنزل الحكومة علي إرادة الشعب الذي منح الصفة الشرعية للإخوان المسلمين وتمسك بها ودفعها دفعاً إلي مجلس الشعب؟!

لو كنت أنا في محل الحكومة لبادرت في أول شيء بإعطاء الإخوان شرعيتهم نزولاً علي إرادة الشعب، وفي الوقت نفسه لنري كيف سيمارسون وجودهم الشرعي.

إذا أحسنوا فلمصلحة الوطن.

وإذا أساءوا فسيجنون علي أنفسهم، وسيريحون الحكومة من حربهم، لأن أخطاءهم هي التي ستجني عليهم.

وعندئذ ستكسب الحكومة الحسنيين.

ستكسب أنها أعطت الجماعة حقها المشروع ونزلت علي حكم الديمقراطية وأن الهيئة – وليس الحكومة – هي التي جنت علي نفسها.

إذن المشكلة محلولة، بما يرضي كل الأطراف.

وإذا رفضت الحكومة، فهذا دليل علي أنها ليست ضد الإخوان، ولكن ضد الشعب، وضد الديمقراطية.

وإذا أرادت أن تبطش بالإخوان كما فعل عبدالناصر، فستحل عليها لعنة الإخوان التي حلت علي عبدالناصر، وكانت أكبر سبب في خذلانه.

وما أتعس الحاكم الذي يحكم بأسنة الرماح، ويعيش في حماية الأمن المركزي! 

من ينجيه من الله؟

أين يذهب من دعوات الآباء، والأمهات، والزوجات، والأبناء، التي ترتفع في الفجر لاعنة وداعية علي الحكومة؟!

كل دعاء هو في حقيقته صيحة: «الظلم مرتعه وخيم».

وهذا هو حكم التاريخ.

أقول للحكومة لمصلحة الوطن، وحتي لا تتكرر المآسي القديمة، ونهدر الوقت الثمين، وندور في حلقة مفرغة أعطوا الإخوان الشرعية التي هي حق لهم، والعودة إلي الحق فضيلةجمال البنا – مفكر حر

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

أوباما متمسك بلاءاته الثلاث في الأزمة السورية

الحياة اللندنية

أزال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعضَ الغموض عن سياسة إدارة أوباما الثانية نحو سورية أثناء جولته الأوروبية هذا الأسبوع واجتماعاته الثنائية بنظرائه الأوروبيين وبوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف. بموازاة ذلك، وفي عاصمة كازاخستان آلما آتا، أوضحت إدارة أوباما أمرها أيضاً في شأن ايران أثناء جولة المحادثات المعنية بالملف النووي الإيراني بين ايران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا. حصيلة الأمر باختصار شديد، أن أوباما وطّد في إدارته الثانية سياسةَ الحوار تحت أي ظرف كان، أسفر عن نتيجة مرجوّة أو لم يسفر، وأنه اتخذ قرار إيلاء مهامّ قيادة الملف السوري إلى كل من موسكو وطهران، كل على طريقته. توقيت وضوح توجهات الإدارة الثانية أتى قبيل وصول جون كيري إلى تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وقطر. في تلك المحطات، لن يسمع كيري الإطراء على السياسة الأميركية المتدحرجة إلى الوراء، والتي يراها البعض شهادة أخرى على «سمعة الخيانة» التي رافقت مراراً علاقة مختلف الإدارات الأميركية بـ «الأصدقاء». سيستمع إلى التأفف والامتعاض، والتحذير من عواقب وخيمة لما يترتب على مصادقة إدارة أوباما على دور إيراني في مصير سورية بالذات، بعدما أسمعه رئيس حكومة العراق نوري المالكي من بعيد أن تسليح المعارضة السورية وتمكينها سيتحوّل إلى «حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق»، فأجواء منطقة الشرق الأوسط مفعمة بضجيج دق طبول الحرب المدمرة بين السنّة والشيعة، وهي حروب بالنيابة عن ايران ودول في مجلس التعاون الخليجي ساحاتها شرق أوسطية بامتياز، انطلاقاً من سورية. وما في أذهان قيادات المنطقة وشعوبها سؤال أساسي يطارد الإدارة الأوبامية الثانية مهما حاولت الظهور بمظهر المهرول بعيداً من المنطقة، والسؤال هو: ما هي الاستراتيجية الأميركية البعيدة المدى نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ وهل الإدارة الحالية حقاً بريئة من صنع الحروب المذهبية بين السنّة والشيعة، أم أنها في واقع الأمر ضليعة في صنع هذه الحروب؟

هذه الأسئلة لن تطارد فقط إدارة أوباما عبر الوزير الجديد جون كيري، وإنما أيضاً قيادات مجلس التعاون الخليجي -ومصر وتركيا بنسبة أقل-، إذ عليها الآن مراجعة نفسها بجدية بعد أن أوضحت إدارة أوباما نفسها وأزالت الغموض، فلا داعي للاختباء وراء الإصبع أو دفن الرؤوس في الرمال، سيما أن المرحلة الآتية يمكن أن تتحول إلى جحيم للجميع إذا لم توضع سياسات جديدة تأخذ في الحسبان ما أوضحته إدارة أوباما الثانية في مطلع عهدها.

وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، لخّص ما أسفرت عنه محادثات كازاخستان، عندما قال إن «الأمور وصلت إلى منعطف، وأعتقد أن اجتماع آلما آتا سيكون علامة فارقة» في العلاقات بين طهران والدول الست. صالحي كان في الواقع يتحدث عن العلاقة مع الولايات المتحدة، فهي الأهم والركيزة في الاستراتيجية الإيرانية النووية والإقليمية والثنائية على السواء.

صالحي قال إن المرونة التي أبدتها الدول الست -والكلام ضمناً عن الولايات المتحدة- «تدل على توجه لتغيير استراتيجيتها إزاء ايران، ما قد يشكل منعطفاً مهماً في مسار التفاوض».

ظاهرياً، تعلَّق ما انصبت عليه محادثات آلما آتا بالملف النووي الإيراني، أما واقعياً، فشكّلت تلك الجولة من المحادثات انطلاقة العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية في الإدارة الأوبامية الثانية.

نووياً، تراجعت الدول الست عما كانت طالبت به طهران، وقدمت إليها المزيد من الترغيب بقدر أقل من التهديد، عبر عرض الاكتفاء بـ «تقليص» مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة و «تخفيض» العقوبات المفروضة على ايران، مقابل «تجميد» تخصيب إيران اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. صالحي وصف تلك المقترحات بأنها «الأكثر واقعية ومنطقية»، مؤكداً على «حق» ايران بتخصيب اليورانيوم بأي نسبة كانت، 5 في المئة أو عشرين في المئة، ووصف المحادثات بأنها كانت «إيجابية، وأتاحت السير على الطريق الصحيح»، وقال إن «العملية بدأت» و «أنا متفائل جداً في شأن النتيجة، التي ستكون في مصلحة الجانبين».

ما فعلته السياسة الإيرانية الحذقة، هو أنها أقدمت على «احتواء مضاد» في مطلع عهد إدارة أوباما الثانية، عبر لغة التفاؤل والتجاوب مع المرونة، التي عبر عنها وزير الخارجية الإيراني في أول لقاء مع الدول الست في عهد الإدارة الثانية، فطهران تعرف تماماً ماذا تريد من واشنطن، وتدرك تماماً ما لا تريده واشنطن من ايران في زمن أوباما، فلقد حصلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على هدايا قيّمة جداً من الرئيس السابق جورج دبليو بوش، عبر حربيه في أفغانستان والعراق، اللتين كانتا خدمة مجانية لإيران، وهي لا تزال عازمة على الاستفادة من رفض الرئيس باراك أوباما الانسياق الى مواجهة مع إيران، إما مباشرة في عقر دارها، أو حينما تشن حربها في سورية بصورة مباشرة وتنتهك قرارات مجلس الأمن من دون أن يجرؤ أحد على محاسبتها أو معاقبتها.

منذ البداية أوضحت طهران لإدارة أوباما الأولى، أن ما تريده يرتكز إلى ثلاث أولويات: أولاً، علاقة ثنائية مباشرة مع الولايات المتحدة قوامها الاعتراف بشرعية الثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية وعدم التدخل في شؤونها بأي شكل من أشكال المساعدة للمعارضة الإيرانية أو حركات الإصلاح. ثانياً، أن تدرك واشنطن أن إيران لن تتخلى عن «حق» تخصيب اليورانيوم بالنسبة التي تلائمها، لأن إيران -قيادة وشعباً- لن تتراجع عن جهودها وطموحاتها النووية، التي تصفها بأنها سلمية، بينما يراها الغرب طموحات عسكرية نووية. ثالثاً، إقرار واشنطن بدور الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإقليمي، إنْ في العراق أو في سورية ولبنان، فطهران لن تقلص هذا الدور، وما أرادته من واشنطن هو أخذها هذا الدور في الحسبان والإقرار والاعتراف به عندما ترسم سياساتها الاستراتيجية نحو المنطقة.

جون كيري قدَّم دفعة أولى إلى طهران على صعيد العلاقة الثنائية، عندما قال الأربعاء الماضي إنّ في إيران حكومة «مُنتخَبة»، وهذا ما كان قاله وزير الدفاع الجديد تشاك هاغل، المعروف بمواقفه المعارضة للضغوط على طهران أثناء جلسات استجوابه قبل تصديق مجلس الشيوخ على ترشيحه. هاغل قال حينذاك، آخر الشهر الماضي، إن في إيران «حكومة مُنتخبة وشرعية، وافقنا معها أو لم نوافق». كيري قال بعد شهر تماماً وهو في فرنسا بجانب نظيره لوران فابيوس، إن «إيران بلد لديه حكومة مُنتخبة، وهو عضو في الأمم المتحدة»، وأضاف: «ومن المهم لنا أن نتعاطى مع الدول بطريقة تخدم مصالحنا في العالم».

هذه الشهادات الصادرة من كيري وهاغل، هي تماماً ما سعت طهران لاستصداره عن الإدارة الثانية، فهي مواقف جذرية، وتلغي عملياً ما كان صدر عن واشنطن في الإدارة الأولى أو قبلها، من تشكيك بنزاهة الانتخابات في ايران عام 2009، ومن تهم الى الحكومة الحالية بتزييف نتيجة الانتخابات.

إذاً، تبدو واشنطن هذه الأيام وكأنها في صدد تلبية مطلب أول لطهران ويهم القيادة الإيرانية على أعلى مستوياتها، وتبدو أيضاً في صدد تلبية مطلب آخر يخص الملف النووي، كما بيّنت المحادثات في كازاخستان، وتبدو كذلك في صدد تلبية مطلب ثالث، في سورية بالذات وعبر العراق.

ففي العراق، بات واضحاً أن إدارة أوباما لا تمانع نفوذاً إيرانياً واسعاً وعميقاً، وذلك بعد انسحاب الولايات المتحدة منه محمّلة بأثقال الكلفة الباهظة لحرب حققت لإيران الإنجازات الإقليمية وليس للولايات المتحدة. إدارة أوباما تفضل غض النظر عن المخاطر التي تحدق اليوم بالعراق، والتي وصفها نوري المالكي بأنها قد تتحول «حرباً طائفية» بين السنّة والشيعة، وهذه الحرب -كما هدد- هي رهن بما ستنقلب إليه المعادلات العسكرية على الساحة السورية، في الحرب الضروس الدائرة بين القوات النظامية المدعومة مباشرة من ايران وحلفائها وبين قوات المعارضة السورية، ومنها من تُصنَّف بأنها من «القاعدة» ومن «جبهة النصرة» وغيرها. بكلام آخر، تهدد الحروب الطائفية والأهلية والتقسيمية بتغليف أي منطقة يكون لإيران نفوذ فيها، انطلاقاً من أن القيادة الإيرانية تعتبر نفسها القائمة على حقوق الشيعة أينما كان، وهي الحروب ذاتها التي يخوضها الجهاديون السُنَّة أينما خُصِّبت لهم التربة لشن حروبهم الطائفية بأي ثمن كان.

إدارة أوباما الثانية تبدو وكأنها إما ترى في الحروب الطائفية بين المسلمين إنهاكاً متبادلاً للآخر لا علاقة للمصالح الأميركية الكبرى به، أو أنها تهرب إلى الأمام، خشية تحميلها مسؤولية ما ستسفر عنه سياساتها في سورية بالذات. وفي هذه المرحلة، ما زال أوباما متمسكاً بلاءاته الثلاث: لا للتدخل العسكري الأميركي مباشرة أو بشكل غير مباشر، ولا للدعم العسكري للمعارضة السورية مباشرة أو بشكل غير مباشر، ولا للحل والحسم العسكري في سورية. اللا الرابعة، أي لا لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، تتأرجح على أوتار العلاقة مع روسيا، فلقد قررت إدارة أوباما الثانية أن تصبح مهمتها تقديم الدعم للدور الروسي القائد في سورية، من خلال الضغط على المعارضة السورية للتحاور والتفاوض مع استمرارية الأسد في العملية السياسية الانتقالية ومن خلال رفض السماح بتسليحها، فلقد حجَّم جون كيري نوعية المساعدة للمعارضة وقلّصها الى طبية وغذائية مقابل خضوعها لإصراره على حضور مؤتمر روما لـ «أصدقاء سورية».

روسيا تعهدت بالضغط على الحكومة السورية مقابل الضغوط الأميركية على المعارضة، ولكنها قالت سابقاً إنها حاولت مراراً الضغط على الأسد ولم يكن في وسعها التأثير عليه، ولمحت في الماضي تكراراً إلى أن الفاعل الحقيقي لدى النظام في دمشق هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية وليست هي، بالرغم من إمداداتها العسكرية للنظام وحمايتها له ديبلوماسياً وسياسياً.

مَن الصادق؟ وأين الضمانات؟ فلقد تفاءل العالم بنقلة نوعية في التفاهم الأميركي-الروسي في جنيف قبل 9 أشهر تماماً، عندما تم الاتفاق على عملية انتقالية من الحكم الحالي إلى حكم جديد في دمشق. اليوم، يُقال إنه بعد تحييد «عقدة الأسد»، وذلك عبر الكف الأميركي عن مطالبته بالتنحي والرحيل، وبعد إبعاد الحل العسكري، عبر حجب المساعدات العسكرية للمعارضة، بدأ السباق بين بطء الوتيرة الديبلوماسية وبين وعود التسريع في تفعيل وعود جنيف بعد تغيير شروط العملية السياسية الانتقالية… كل هذا فيما الكارثة الإنسانية تتفاقم، والتطرف ينمو، والحروب الطائفية تنذر بيوم أسود رهيب.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الحلم الأوروبي الأميركي

خافيير سولانا: الجريدة الكويتية

اليوم، هناك ثلاث دول أوروبية من بين أضخم سبعة اقتصادات على مستوى العالم. وبعد عشرة أعوام من الآن، سيقل هذا العدد إلى اثنتين فقط. وبحلول عام 2030، فلن تظل على القائمة سوى ألمانيا، ثم بحلول عام 2050، لن تظل على القائمة أي دولة أوروبية. بل وبحلول ذلك الوقت ستكون الولايات المتحدة الممثل الوحيد للغرب بين الدول السبع الكبار.

وهذا يعني أن الدول الأوروبية أصغر حجماً من أن تنافس كل منها بمفردها في عالم القرن الحادي والعشرين. والأمر بهذه البساطة. فوفقاً لتقارير البنك الدولي سيزيد عدد سكان العالم مليارين إضافيين بحلول عام 2030، وأغلبهم آسيويون، وينتمون إلى الطبقة المتوسطة. وستكون الضغوط المفروضة على موارد الكوكب، والسلع الأساسية، والمياه، والغذاء بالغة الضخامة، الأمر الذي يجعل إعادة التوازن إلى العالم ضرورة حتمية. وفي عالم يتسم بالترابط المتبادل والتغيير المستمر، فإن أوروبا ستدرك أن الاتحاد قوة.

وما لم يعمل الأوروبيون من أجل تحقيق هدف التكامل، فإنهم قد يجدون أنفسهم وقد تجاوزتهم الدول الناشئة من حيث التطور التكنولوجي، وخلق فرص العمل، وتكاليف الإنتاج، والموهبة، والإبداع.

إن الاتحاد الأوروبي لايزال المكان الذي تضمن فيه المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية نوعية حياة أفضل. وبهذا المعنى فإن المطالبة بصوت أوروبي في العالم واضحة -تحدث رئيس البرازيل السابق لويز ايناسيو لولا دا سيلفا عن الاتحاد الأوروبي بوصفه «تراثاً دولياً فريداً»- لأنه يضمن القيم التي تمثل الإنسانية في أفضل صورها.

وتتجسد هذه القيم جزئياً في نظام الرفاهية الاجتماعية الأوروبي، الذي يشكل عنصراً بالغ الأهمية في تكوين الهوية الجمعية الأوروبية ومصدراً أساسياً للفخر في آن. صحيح أنه من ناحية التفاوت الاقتصادي لا يتجاوز الفارق في نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي اثنين إلى واحد بين أكثر الولايات الأميركية ثراءً وأكثرها فقراً (باستثناء مقاطعة كولومبيا)، في حين تبلغ النسبة في الاتحاد الأوروبي 6.5 إلى واحد. ولكن من حيث الظروف داخل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فإن الأمور مختلفة تماماً.

ويبلغ متوسط «معامل جيني» (حيث يعني الصفر المساواة المطلقة ويعني الرقم واحد التفاوت المطلق) في أوروبا 0.30، في حين يبلغ في الولايات المتحدة 0.45. وفي الصين يبلغ المعامل 0.47. وهذا يعني أن المجتمع الأميركي متفاوت للغاية (والمجتمع الصيني أيضاَ بدرجة أعلى قليلاً). أما في أوروبا فالعكس هو الصحيح. فالمجتمعات الأوروبية أكثر عدالة، في حين لايزال التقارب فيما بينها بعيداً (وهذه حقاً المهمة الكبرى التي تواجهها أوروبا).

وليس من الصعب من هذا المنظور أن نفهم السبب وراء الجاذبية التي تتمتع بها أوروبا دولياً. ولنتأمل هنا التجربة الفكرية التالية (شكل مختلف من «حجاب الجهل» استحضره الفيلسوف جون راولز في إطار جهوده الرامية إلى تصميم مجتمع عادل): إذا وضعنا في الحسبان مستوى ونوعية الحماية الاجتماعية، والتعليم العام، والرعاية الصحية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن دون التعرف مسبقاً على موقفك الاجتماعي في أي من المجتمعين، ففي أي منهم كنت تود أن تولد؟

ولكن إذا كانت أوروبا تريد الحفاظ على مؤسسات تقاسم الازدهار، فيتعين عليها أن تعمل على توليد النمو الاقتصادي من أجل تغطية تكاليفها. وهذا يعني زيادة الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية، وعلى نفس القدر من الأهمية، التأكيد على مكانة أوروبا في العالم.

إن الأوروبيين لديهم الآن من الأسباب ما يجعلهم يتمسكون بالأمل في سعيهم إلى تحقيق هذه الأهداف، أو اتفاقية تجارة حرة عبر أطلسية. وقبل وقت ليس ببعيد، كانت أوروبا في ثمانينيات القرن العشرين توصف (من قِبَل المحافظين الأميركيين بشكل خاص) بمصطلح «التيبس الأوروبي». وكانت العقود التي أعقبت أزمة النفط عام 1979 تتسم بارتفاع مستوى البطالة، والشلل المالي، وتجمد مفاوضات الانضمام بالنسبة إلى إسبانيا والبرتغال. وكانت الاقتصادات الأوروبية راكدة، في حين كان الاقتصاد في الولايات المتحدة واليابان آخذاً في النمو.

في ذلك الوقت، لم تكن السوق الأوروبية المشتركة قد تحولت بعد إلى سوق موحدة. وآنذاك، حدث تقارب تاريخي في المصالح الوطنية والمواقف الإيديولوجية (من اشتراكية فرانسوا ميتران إلى محافظة مارغريت تاتشر إلى ديمقراطية هيلموت كول الاجتماعية). وبقدر عظيم من التبصر، استنتج زعماء أوروبا أن افتقار اقتصادات بلدانهم إلى التكامل هو الذي منع أوروبا من النمو بنفس قوة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة واليابان.

وكان الحل يتلخص في إنشاء سوق أكبر كثيراً؛ سوق موحد. ثم توجت هذه الجهود بالقانون الأوروبي الموحد في عام 1986، الذي أرسى أساس الدورة الحميدة المتمثلة في النمو القوي وانخفاض معدلات البطالة في تسعينيات القرن العشرين.

واليوم أصبحت اتفاقية شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي مطروحة على الطاولة أخيراً، وهي تَعِد بتعزيز النمو في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على السواء. وفي عام 2012، بلغ مجموع صادرات الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي نحو 206 مليارات يورو (272 مليار دولار)، في حين بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة نحو 300 مليار يورو. وتعتمد 30 مليون وظيفة في أوروبا (نحو 10 في المئة من إجمالي قوة العمل) على التجارة الخارجية. والكميات ضخمة، وهو ما يشير إلى أن اتفاقية شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي قد تخلف تأثيراً لا يقل عن تأثير السوق الموحدة في أوروبا.

بيد أن تحقيق إمكانات اتفاقية شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي يتطلب إتمام مشروع التكامل الأوروبي. وهي عملية طويلة وبطيئة، ولكنها الوسيلة الوحيدة للحفاظ على أهمية أوروبا باعتبارها لاعباً دولياً، لديها ما تقدمه للعالم. والواقع أن هذه العملية -في عقدها السابع الآن- هي التي مكنت الأوروبيين من التمتع بأعلى مستويات المعيشة على مستوى العالم.

* كان وزيراً لخارجية إسبانيا، والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، والممثل الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي. ويشغل حالياً منصب رئيس مركز إيساد للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية، وهو زميل متميز لدى معهد بروكينغز.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

حرب الكاميرون وإثيوبيا

رسلان ولودميلا : من شعر بوشكين

ثمة حرب دائرة بين إثيوبيا والكاميرون. ليست قبلية، ولا طبعا حدودية كباقي الأفارقة، ولا رياضية.. فأهل الكاميرون لكرة القدم والإثيوبيون لسباق المائة متر، وما فوق. لن تصدق ما هو سبب الحرب: ألكسندر بوشكين، شكسبير روسيا، وسرفانتس اللغة الروسية.

ما العلاقة بين «معلم» الأدباء الروس، ودولة في القرن الأفريقي وأخرى في غرب أفريقيا؟ أعمق مما قد يخطر لك. كلتاهما تدعي أصوله. وطالما فاخر بوشكين بدمائه الأفريقية الحارة، لكنه لم يحدد تماما من أين جاء جدّ جدّه، الذي تبناه القيصر وجعله جنرالا في الجيش لشدة ذكائه. لكن الخبراء الروس اتفقوا في تلك المرحلة على أن الرجل ولد في إثيوبيا. وأفرح ذلك الإثيوبيين أيما فرح واعتزاز، ولو أن المسألة تتعلق فقط بجد الجد.

لكن بما أن بوشكين أسطورة لا يكف الروس عن البحث في جذورها، فقد توصل صف جديد من العلماء إلى أن بوشكين، الجد، ولد في لوغون – برني، الواقعة اليوم في بلاد تدعى الكاميرون. يا ساتر!.. دارت رحى الحرب ومثل كل حروب أفريقيا – أعدك – لن تتوقف. ولأن أكاديميا أفريقيا يدعى ديندونيه غتافكو أيد وجهة نظر الكاميرونيين، فقد هاجمته زمرة من الشبان الإثيوبيين في شارع موسكو وحاولوا خنقه.

عندما يصل مستكشف إلى قطب متجمد ما، أو غابة ما، يسارع إلى رفع علم بلاده تأكيدا للملكية. هكذا فعل الإثيوبيون والكاميرونيون. ارتفعت تماثيل بوشكين في عواصم البلدين، وتحت كل واحد منها لوحة تؤكد أن جد جد الشاعر ذهب إلى روسيا من هنا.

كم من أبناء البلدين قرأ الشاعر الروائي الناشر ومؤلف الأوبريتات، الذي قتل عن 37 عاما في مبارزة من أجل شرف امرأته؟ التخمين ليس صعبا. لكن من السهل استثمار الاسم في تجارة أخرى، كما فعل الروس. فلم يبق شيء إلا ووُضع اسم بوشكين عليه: سجائر، قناديل، أحذية، ساعات، سكريات، أقلام، دفاتر، محابر، سكاكين، مزهريات، فناجين، مراوح هوائية، عطور، وألعاب تسلية من نوع «مبارزة بوشكين».

أحبه الشيوعيون، وأحبه المحافظون، وأقيم له أجمل متحف في بطرسبرغ. وحاول كل فريق أن يدعي نسبه الفكري أو السلالي. وحاول جنابك أن تقرأه، سوف تعرف لماذا. لأنه كان شاعرا رائعا أو ساحرا في الشعر.

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

رسالة خامنئي إلى مرسي: وجهة الإسلام: دولة المرشدين أم دولة المواطنين؟

الشرق الاوسط

قبل أسبوعين، أوردت وكالات الأنباء أن المرشد علي خامنئي أرسل وسبعة عشر من مستشاريه رسالة إلى الرئيس المصري محمد مرسي، حيا فيها الثورة المصرية، ودعاه إلى السير على نهج الإمام الخميني والثورة الإسلامية وولاية الفقيه. وتابع: «إن نهج الإمام جعل من إيران عزا للإسلام، وأقوى دولة في العالم»!

وقد سبقت رسالة خامنئي عشرات الزيارات من مسؤولين إيرانيين إلى مصر بعد وصول الدكتور مرسي للرئاسة. وكانت زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد لمصر بمناسبة انعقاد القمة الإسلامية بالقاهرة، آخر تلك الزيارات. وهي زيارة آلمت أحداثها المحافظين الإيرانيين، ليس لأن أحمدي نجاد ما عاد يمثلهم بعد الانقسام عليه؛ بل لأنه في زيارته لشيخ الأزهر سمع كلاما قاسيا عن التدخل الإيراني في الشؤون العربية والخليجية على الخصوص، والمشاركة في قتل الشعب السوري – وهذا فضلا عن شكاوى من حملات التشييع، ومن ظلم أهل السنة في إيران!

لذا، جاءت رسالة خامنئي بمثابة رد على ما نال أحمدي نجاد (وإيران) من إيلام. وتنبيه إلى طليعية الثورة الإسلامية وإيران، مقارنة بما يحدث في مصر وبلدان الثورات العربية. وهكذا، فقد أراد خامنئي مبادلة الجرح بالجرح: فإيران هي التي تستحق التقليد والسير على خطاها فقط؛ بل الأحرى تقليد إسلامها أيضا، من خلال «اقتباس» ولاية الفقيه بالذات! ولا نعلم إن كان مرسي قد رد عليه بعرض لمفهوم «الإخوان» المسلمين للخلافة والعالمية الإسلامية. لكن عددا من قياديي «الإخوان»، مثل عصام العريان ومحمود غزلان، تبرأوا من التقليد ومن ولاية الفقيه!

في العقدين الأخيرين، كان الأمر سهلا على إيران: تدخل على العرب والمسلمين الآخرين من باب حماية الإسلام ومرجعية مرشد الثورة في ذلك، وتتمدد في بلدان الجمهوريات الخالدة مستتبعة الجماعات الشيعية، ومحتضنة الإخوان المقاتلين وغير المقاتلين، بينما هي ترفع راية فلسطين، وتتحدى الأميركيين والإسرائيليين. ورغم أنها ما ارتاحت اقتصاديا ولا سياسيا منذ قيام الثورة، فإن صورتها عن نفسها أمام شعبها وأمام العالم، أنها هي الإسلام ذاته؛ ولذا فإنها في سياساتها تجاه الجوار، وتجاه الإقليم والعالم، تسلك مسلك دولة التمهيد (لظهور المهدي)، ومن ضمن المهدوية والخلاصية يأتي النووي، وتأتي تلك البشارات شبه اليومية، بإنجازاتها في سائر أنواع الأسلحة، وهي السياسات التي عرفها كل أقطاب وأبطال الحرب الباردة، استدامة للجبروت وإرغاماته، ودونما تفرقة ملحوظة بين الداخل والخارج، أو دونما تردد في إخضاع الداخل من خلال عرض الأسلحة من جهة، وإرغامه على الطاعة والتسليم تحت وهج «الانتصارات» الخارجية!

ويملك «الإخوان» نفس الدعوى، ونفس العقلية. فالدعوى أنهم ولاة أمر الشريعة، ويريدون استعادة الخلافة، وإنْ بصيغة مخفقة. لكنهم جاءوا إلى السلطة في سياقات أخرى، وفي زمن آخر. ولذا، فقد نظروا منذ البداية إلى منْ ينصحهم علنا بإقامة حكم الإسلام، وولاية الشريعة – أنه إنما يريد إحراجهم. فهم ورغم خروجهم إلى العلانية، لن يكشفوا عن كامل مشروعهم إلا بعد «التمكين» الذي لم يتحقق بعد. ولديهم مشكلة أخرى، هي أنهم لا يستطيعون ادعاء السواد في عالم الإسلام السني (مثلما تزعم إيران تزعُّم العالم الشيعي)، وذلك لأن لديهم إلى يمينهم السلفيين، ولديهم في الجوار السعودية بلاد الحرمين. إنما التحدي الأوضح في العلنيات أنهم جاءوا على أثر ثورة الحرية أعلى مطالبها الحرية، والشبان الثوار لا يريدون الخروج إلى قيم وأنظمة شمولية أخرى. وهذه الإرغامات تفرض عليهم التظاهر بالانكفاء للداخل، لأن هذا هو المزاج الشعبي. ثم إن العين بصيرة واليد قصيرة، رغم الطموحات والمبالغات بشأن دولية «الإخوان» وعالميتهم. فالإسلام السني لا يقبل زعامة أوحدية باسم الدين، وسواء أكانت لحزب أو فرقة أو مدرسة عقدية أو فقهية. وقد حاولت عشرات الدويلات التحول إلى إمبراطوريات من خلال الربط بين أوحدية السلطة وأوحدية المذهب، أو الفرقة، دون جدوى. وفي الأزمنة المعاصرة، ورغم سواد القطبيين في أوساطهم، اضطر «الإخوان» إلى القول ظاهرا بالدولة المدنية، أي دولة المواطنة والمواطنين، سواء آمنوا بها أم لم يؤمنوا، وهو ما لم يضطر إليه الفقيه الإيراني أو أنه أصم أذنيه عن ذلك، كما حدث عدة مرات، آخرها انتخابات الرئاسة في عام 2009.

إن المهم أنه بعد عام على المحاولات للتقرب إلى إخوان مصر في السلطة؛ فإن الإيرانيين أظهروا للمرة الأولى تذمرا عندما تحدى شيخ الأزهر دعاواهم الاستيلائية باسم الدين والمذهب؛ فردوا على المصرين بالدعوة لاعتناق ولاية الفقيه، التي لا يخجلون بها، بل الأحرى أنهم يعتزون بنموذجهم السلطوي، ويدعون الآخرين لاعتناقه أو تقليده، باعتباره النموذج الإسلامي الأصلح في السيادة والحكم!

ويسمي الإيرانيون زعيمهم مرشدا، وكذلك الإخوان المصريون. وينفرد المرشد الإيراني بجمع الدين والدنيا تحت قبضته. ولا شك في أن الإخوان المصريين لا يزالون يحكمون بوصفهم حزبا له زعامته الدينية المرشدة. لكنهم لا يملكون المرجعية الدينية، باعتبار أن الحكم (في منظومتهم العقدية) هو للشريعة، كما أن المرجعية المشرفة على تطبيق الشريعة هي للأزهر كما نص على ذلك الدستور. فقصارى جهدهم منصب على الوصول للسلطة والتشبث بها؛ بينما تملك الإمامة الخمينية أهدافا نشورية وخلاصية، ليس لدى «الإخوان» شيء من مهدياتها وعصمتها!

ماذا يحدث الآن، وإلى أين تتجه الأمور؟ لقد أقام الإيرانيون ثاني دولة دينية في الشرق الأوسط بعد إسرائيل. وعلى وقع بشارات المهدوية والقوة، تمددوا داخل العالمين العربي والإسلامي. ودائما تحت عناوين تحررية وإسلامية. وبذلك، فإنهم يعتقدون أنهم يستطيعون طرح نظامهم بديلا، باعتبار أن هناك دولة كبرى تنصره وتدعو له. وفي هذا الصدد، فإن هذا النهج ليس نهج الحق فقط؛ بل هو النهج الصحيح بدليل «الانتصارات» التي حققها والتي يدعون «الإخوان» أيضا للاعتبار بها!

لكنْ، لا مستند للنجاحات الإيرانية غير «المواجهة» مع أميركا وإسرائيل، وإنشاء محور «الممانعة» في قلب البلاد العربية. والمحور حافل بالمشاكل الآن، وإيران ذات المشروع الخلاصي مقبلة على الدفاع عن محورها بالقتل والتقسيم في سوريا والعراق والبحرين واليمن ولبنان. وهكذا، فقد سقط مشروعها الخارجي (الذي تدعو «الإخوان» للانضمام إليه!)، وصار عليها الخشية على «دولة التمهيد» ذاتها!

ما كانت رسالة خامنئي إلى «الإخوان» رسالة ود وتحالف، بل هي رسالة تأزيم وتحد ودعوة للدخول إلى المأزق. فولاية الفقيه لا حظوظ لها في العالم العربي. وهي تمضي من الديني إلى المذهبي. و«الإخوان» ضائعون بين المشروع الأصلي وضرورات البقاء في السلطة، وفي كلا الأمرين لا لقاء مع خامنئي.

سمعت أردوغان يقول: لقد أصغينا لفترة لدعوات الحاكمية والمرشدين. ثم أصغينا لفترة لدعوات الإمبراطورية. ونحن نرى الآن أنه لا يبقى شيء غير الازدهار الاقتصادي ودولة المواطنين.

 
Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment