تعظيم سلام لمقام باشا اردوغان من خزمتجي بشار

erdoghan2بيمر الاسد بتلات مراحل عند كل منعطف تهديدي :
المرحلة الاولى هية مرحلة العنتريات الفارغة و ضرب الايد عالصدر ، و يا ويلو و يا ظلام ليلو اللي بيتجرّأ عالاعتداء على سوريا، و يللي بدّو يتحدى ، هيدي سوريا مين أدّا ، على شويّة أبو عصام ، و شوية بهلوانيات لمعتز ، على كم فتلة شوارب للعكيد بو حافظ..
بتجي المرحلة التانية اللي بتتمثّل بمرحلة الضياع في الخطاب ، و ذلك بعد ما يصير التدخل أمر واقع، فبيدخل حابل الاعلام بنابل التصريحات الرسمية ، و بيصير راس الواحد فينا ما عم يعرف مين اللي يصدّق، فتارةًً بيقولو انهون ما خبرونا قبل الضربة، و تارةً أخرى بيصّرحوا انو يبعتولنا غواب غواب غواب و يطمنونا ، و لو انو عتاب عتاب عتاب لا تحرمونا… و صليني يا عيني، صليني و النبي..
المرحلة التالتة و الاخيرة اللي بيمر فيها النظام بعد الاعتداء على السيادة، فهون الموضوع بيختلف عن المرحلتين السابقتين اللي بيكون فيهون موقف النظام موحّد تجاه الجهة المعتدية كائنة من تكون..
ففي المرحلة التالتة ، تختلف ردة فعل النظام من معتدي الى اخر بحسب لون الشعر و لون العيون و الدين في كثير من الاحوال :
اذا كان المعتدي اسرائيلي، ما بدها شطارة، احتفاظ بحق الرد و اختيار الزمان و المكان المناسبين و دءّي يا مزّيكا ..
و اذا كانت المعتدية اميركا، فهون النظام بيعترف بفارق القوة و بيشلح حالو بين هالرجلين بالخندق الواحد ، على امل يجي الاميركي في لحظة ما يلحمس على راسو اثناء استراحة المحارب من انتهاك السيادة السورية..
اما الشي اللي الكل ناطرو خلال ساعات هوة التدخل التركي، فبعد اتمام المرحلة الاولى بابراز العنتريات ، و التانية بالتشتت و الضياع، الجميع بانتظار المرحلة التالتة من ردود افعال النظام ، و اللي رح تكون عالاغلب و على لسان بشار الاسد :
تحية للجيش التركي العظيم، جيش السلاطين و الامجاد العثمانية ، و الذي بدأ الزحف لتحرير القدس الشريف مستخدماً الاراضي السورية..
تعظيم سلام لمقام باشا اردوغان من خزمتجي بشار..

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

أي عـيد ترى يا شـامنا عـيد

damascus2أي عـيد ترى يا شـامنا عـيد
و الدار تبكي راحلا و فقيد
اطفالنا بثياب الحـزن رافــلة
ونسائنا ثكلى و البوح تنهيد
رباه أما للضيق من فــرج
ضاقت بنا الدنيا هُم وتنكيد
اولادهم تلهو لا هُم يكدرهم
اباءهم سرقوا من العناقيد
حكام مهزلة صناع مشأمة
فرار ملحمة للعهر تجسيد
غدا ستولد بعد النصر دولتنا
العدل فيها فعل وتأكيد
ليصدح العيد فينا اناشيد

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

من يفرط بالسيادة لا يحق له أن يدعي أنه من حماتها

السيادة الوطنيةassadass
في عام 1991م طلبت من صديق الدكتور كمال صقال ان ارافقه بزيارته للدكتور معروف الدواليبي و كان يرحمه الله يتحاشى الاعلام والحديث اليه الا ان الدكتور كمال يرحمه الله ايضا قدمني اليه كشاب سوري يرغب بالتعرف اليك والاطمئنان على صحتك وكان يومها قد تعافى من مرض الم به .
لم التزم بتعليمات د. كمال بان لا افتح اي موضوع سياسي او ان اطيل المكوث ولن نكثت بالوعد وسألت الدكتور معروف مباشرة : دكتور معروف البارحة نشر احد الكتاب مقالا بجريدة الشرق الاوسط يتهمك فيه بأنك كنت تتواصل مع العراقيين وتستعديهم على سوريا وهذه تهمة تمس السيادة الوطنية
كان سؤالي استفزازيا وكنت اهدف منه الى استدراج الدكتور معروف الى حديث عن حقبة من تاريخ سوريا مازال يلفها الغموض و نجحت بذلك فلقد تحدث يومها الدكتور معروف لاكثر من ثلاثة ساعات حديثا ساعود يوما للكتابه عنه بالتفصيل ولكن مازالت اذكر كيف أنه أبتسم قائلا : من يفرط بالسيادة لا يحق له أن يدعي أنه من حماته ويتهم الاخرين بأنهم يفرطون بها ..
كلمات اذكرها اليوم وانا اسمع تنطع النظام و مؤيدوه عن حرمة السيادة الوطنية وكيف سيكون ردهم ساحقا ماحقا لو فكرة القوات التركية ان تدخل الاراضي السورية تحت اي ذريعه كانت وسيرد بقوة وسيعتبر النظام انه اعتداء خارجي …
ولنسأل النظام واتباعه :
الم تصدعون رؤوسنا على مدى اشهر وأنتم ترددون بأن داعش هم شذاذ افاق من الخليج و الشيشان والافغان و المغرب العربي … اليس وجودهم على الارض واقامتهم للخلافة في الرقة خرق للسيادة فلماذا لم نرى ردا منكم طيلة الاشهر المنصرمة ؟؟
اليست صواريخ التحالف و الغارات الجوية له بعمق الاراضي السورية خرقا للسيادة حتى لو ادعيتم انهم اعلموكم او ابلغوكم بالعلميات على الرغم من انكار التحالف لتلك الادعاءات ؟
اليس اختراق الطائرات الاسرائيلية للاجواء السورية وقصفها لعدة مواقع واسقاطها لطائرة سورية ضمن الاجواء السورية اليس هذا خرقا للسيادة
بقاء الجولان محتلا من قبل اسرائيل لقرابة نصف قرن اليس خرقا للسيادة ؟؟
ارتهان القرار الرسمي لروسيا وايران اليس خرقا للسياة
وجود المندوب السامي الايراني قاسم سليماني في سوريا و تحكمه بكل مفاصل الحكم والقرار اليس خرقا للسيادة
حالش و ابو الفضل العباس في دولة تدعي القوة والاستقلالية اليس خرقا للسيادة ؟؟
عندما لوحت الحكومة الامريكية في عام 2005 على احتمال اجتياح امريكا لسوريا خصوصا بعد احتلال العراق و جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري كانت المعارضة اسبق من النظام برفضها لاي تدخل عسكري اجنبي في سوريا
وعندما حشدت تركيا جيشها على حدودا كرسالة تحذيرية لحافظ الاسد الذي كان يدعم اوجلان في نزاعه مع تركيا …. كلن استنكرنا التصرف التركي على الرغم من استفزاز النظام غير المبرر في حينها لتركيا
هكذا نحن نفهم السيادة الوطنية الفهل فعلا يفهم النظام معنى السيادة الوطنية و يصونها
الان بعد ان استبيحت الارض والعرض فلم نعد نرى التدخل العسكري التركي للرد على داعش وتقليم اظافر النظام في المناطق المحررة خرقا للسيادة
من فرط بالسيادة الوطنية بالامس لايحق له أن يتهم الاخرين بأنهم يفرطون بها اليوم

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

كل عام و أنتم ببلد خالي من المنافقين

aidmobarkمن ذاكرة صلاة العيد في اللاذقية..
بيخلص الشيخ من صلاة العيد القصيرة ، و بيدعي المصلّين لرفع أيديهم للدعاء لرب العالمين..
تتعالى أصوات المبتهلين بكلمة ” امين ” عند كل دعاء، و تتسارع نبضات القلب من شدة الخشوع عند ذكر الله .. تُغمض الأعين و تستسلم الروح لخالقها في صفوف المؤمنين مع ارتفاع صوت الشيخ في الدعاء، يتفّوق القلب على العقل و تّذرف الدموع حباً لسيد الخلق عند ذكر اسمو، يدخل المصلّي ملكوت السماوات من أوسع ابوابها تاركاً مملكة الارض و شهواتها في ارقى صور التواصل مع الخالق ، بينسى همومو، بيتكابر على وجعو، بيتناسى فقرو و هوّة في حضرة صاحب الجلالة..
بينقطع الإرسال فجأة ، و بتتشّوش الإشارة، و بيختفي البث، و بيصحى المصلّي الخاشع ، و بيرجع الى وسخ الارض و قذاراتها لمّا بيسمع الشيخ عم يدعي:
اللهم احفظ رئيسنا..
كل عام و أنتم ببلد خالي من المنافقين..

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

الحكي الك يا جارة لتسمعي يا “كنة” الشعب يريد اسقاط المحافظ

10150643_924280017588916_4073519914159799468_nمن المعروف باهل حمص شغفهم بالنوادر والطرف اللاذعة, والتي عادة تعبر عن الواقع السوري بحذافيره باستخدام الضحك, وعندما كنا نخدم العسكرية الإلزامية كنا نتندر بطرفة عن ضابط سادي كان مولعا بإهانة المجندين لديه, فكان يسألهم بالدور من اي بلد انت فيقول له احدهم مثلا: انا من الشام فيقول له “طز من اهل الشام”, الثاني يقول له انا من حمص فيقول له ” طز من اهل حمص … من اهل حلب… الرقة… طرطوس”.. وهكذا… حتى جاء دور مجند محنك فأجابه انا من “القرداحة” فأجابه الضابط ” وشو يعني طز من اهل حمص”؟.. والطرفة هنا بأن هذا الضابط لم يتجرأ ان يقول طز من “القرداحة” مسقط رأس عائلة الاسد الاستبدادية..؟ وهذا بالضبط ما فعله اهل حمص بمظاهراتهم بعد مقتل اطفال المدارس بعكرمة, عندما خرجوا مطالبين باسقاط المحافظ؟ والكل يعرف بأن المحافظ هو عبارة عن “رجل كرسي” لا يقدم ولا يؤخر! وان البلد يحكمها ديكتاتور يتحكم بثلاثة عشر جهاز امني!وهي تحصي انفاس المواطنين وتكتمها بالارهاب والتنكيل والسجن والتعذيب والقتل؟

من الواضح بأن الشعب السوري وخاصة الاغلبية الصامتة منه قد ارسل رسالة الى النظام الحاكم واجهزته الامنية ” بأن بلغ السيل الزبى” واخرتكم وشيكة, وان الشعب يريد اسقاط المحافظ وكما يقول المثل السوري ” الحكي الك يا جارة لتسمعي يا كنة ” فالمقصود هنا الشعب يريد اسقاط عائلة الاسد الاجرامية؟

شاهد فيديو الشعب يريد اسقاط المحافظ

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

براهين تثبت وجود الله وتدحض نظرية التطور – ج 3

سبق وان نشرنا في الجزء 1 و 2 معلومات وبراهين تثبت وجود الله وتدحض نظرية التطور .my van gogh mulberry tree in Crayola

براهين تثبت وجود الله وتدحض نظرية التطور

براهين تثبت وجود الله وتدحض نظرية التطور – ج 2

ونختم المقال بالجزء 3

الفرق بين التطور والتغيير
لابد ان نميز بين التطور والتغيير ، اننا ننكر التطور للكائنات من نوع الى نوع آخر مختلف ، فليس الحوت كان اصله دبا كما ادعى داروين ، ولا الانسان كان مشتركا في سلف واحد مع القرود في غابر الزمن ، بل نؤيد ماهو منطقي وعقلاني ، نؤيد التغيير الدقيق

Microevolution

الذي يحدث داخل النوع الواحد لموائمة البيئة المحيطة .

نظرية التطور والحفريات

يتسائل اتباع ومؤيدوا نظرية التطور عن اسباب وجود اعضاء في جسم الانسان لا فائدة لها مثل الزائدة الدودية ، ويقولون انها من بقايا من حلقة تطور سابقة .
ونجيب اؤلئك السائلين ، هذا ما نعتقده الان ، ولكن قد يأتي وقت وابحاث جديدة تجيب عن هذا السؤال ، ونكتشف ان للزائدة الدودية فائدة لا نعرفها الان فالعلم يتقدم مع الزمن .
منذ وقت ليس ببعيد ، حدد العلماء في جسم الانسان حوالي 180 جزء لا فائدة منه ، بسبب عدم التوصل حينها لمعرفة فوائدها ومن ذلك اللوزتين وعضلات الاذن ، ولكن بمزيد من الابحاث والمعرفة اتضحت فائدة هذه الاجزاء ، وتقلصت قائمة العلماء للاجزاء التي كانوا يضنون انها بلا فائدة الى 6 أجزاء فقط على اكثر تقدير .
حتى لو افترضنا ان بعض الاجزاء او الاعضاء لا فائدة لها ، فإننا ننظر لها انها

( microevolution )

مايكرو افوليوشن اي تطور دقيق وليس ماكرو افوليوشن
(macroevolution)

اي تطور كبير اي انه تطور محدود في جسم الانسان ، وليس تغيير من نوع الى نوع آخر من الكائنات .
لكي تصح نظرية النشوء والارتقاء ، كان يجب ان تكشف لنا الحفريات عن كائنات تشبه الانسان بنسبة 90% مثلا ، واخرى تشبهه بنسبة 80% ، واخرى اقدم منها بنسبة 70% وهكذا . ولكن علم الحفريات يكذب هذه المزاعم . ولم يتم العثور على انسان نصف متطور او متطور جزئيا اي نصفه حيوان ونصفه انسان .
اصحاب نظرية التطور يعرفون هذا جيدا ولهذا فهم يستميتون في افتعال اكتشافات ويزيفونها باضافة اجزاء من جمجمة خنزير مثلا الى جمجة انسان ويقولون انه انسان اصله من اصل حيواني . وقد تم كشف الكثير من عمليات التزييف التي قام بها تطوريون ومن يعمل في المتاحف وعلماء الأنثروبولوجيا

Anthropology

. فقد بالغوا في اكتشافاتهم مثل انسان نبراسكا ، والقردة لوسي وانسان بيكين وغيره لكي يملؤا الثغرات الكبيرة في نظرية النشوء والارتقاء ولكن من دون جدوى .
ان تجميع عظام متناثرة ومتباعدة في موقع جغرافي واحد ليس بدليل على انها عظام لنفس الكائن ، فعظام حيوان واحد لا تنتقل لمسافات كبيرة لمئات الامتار اوعدة كيلومترات . ولكن هذا ما يحاول علماء التطور القيام به في محاولة يائسة للتدليل عليها واثبات صحتها .
كل العظام التي تم اكتشافها ، اما انها آدمية او انها كلها لقرود وفي بعض الاحيان احصنة او افيال او خنازير . لم يكتشفوا ولو مرة واحدة عظام لكائن واحد يجمع بين القرد والانسان . وهذا هو الشئ المخجل في عمليات التزوير التي يرتكبوها لأثبات صحة نظرية التطور .

كيف نقدر عمر الارض

يقول اصحاب التطور العلم اثبت ان عمر الارض ملايين السنين وذلك بالفحص بطريقة الكربون 14 . والرد على ذلك علميا نقول : ان الكربون 14 لم يصل الى مرحلة الاتزان بعد .
ان نسبة كربون 14 الى الكربون 12 التي بنى عليها العلماء تقديراتهم هي نسبة افتراضية ولا يوجد دليل على صحتها . وبناء على هذا اعاد العلماء الكثير من تقديراتهم السابقة .
فحم من روسيا وبنسلفانيا تم تقدير عمره باستعمال الكربون 14 على انه 300 مليون سنة ، واكتشفوا الان ان عمره الصحيح 1860 سنة فقط .
غاز طبيعي من الاباما قدر عمره بالكربون 14 ب 50 مليون سنة ، ، اكتشفوا الان ان عمره الصحيح هو يتراوح بين 30 الى 34 الف سنة .
هذان مثالان على يدلان ان تقدير العمر بطريقة الكربون 14 بعيدة عن الحقيقة العلمية .

الاختلاف بين اجناس البشر

يتسائل اتباع التطور كيف يفسر الخلقيون اختلاف اجناس البشر بين الابيض والاسود والاصفر والاحمر ؟ الجواب بسيط :
اثبتت الدراسات الحديثة للجينات لو استمر التناسل المستمر في مجموعة محددة فإن صفات محددة ستظهر بتركيز واستمرار في هذه المجموعة وهذا ما حدث مع اولاد نوح سام وحام ويافث وزوجاتهم بعد الطوفان ، الضروف والمناخ يلعبان دورا ضئيلا في هذا التغيير ، ولكن الصفات الوراثية تعتمدر اساسا على الجينات .
لو تخيلنا رجلا وامراءة واولادهما يعيشون في جزيرة نائية ، وبدأ الاحفاد يتزاوجون مع بعضهم البعض ، سنرى ان الجزيرة بعد مئتي عام او ثلاثمئة ممتلئة من شعب يتشابه كثيرا في الصفات الوراثية .
نحن مع العلم طبعا لأنه عطية من الله خالق الجنس البشري وتصميمه وابداعه . العلم يزيدنا ايمانا بالله لأنه يكشف لنا عظمة الخليقة .

Posted in فكر حر | Leave a comment

من ذكريات طفل عاش يتيما

abaselaqaadغدا هو أول أيام عيد الأضحى, وأهلي أخذوا كل الاستعدادات اللازمة, زوجتي صنعت الكعك من يومين وأنا غادرت آخر معاقلي وأتممت قراءة رواية(الشاهد) للروائي(جوش ماكدويل) ترجمة :منير فرج الله, وهذي ليس لها علاقة بالعيد ولكن لكي أخبركم بأنني فعلتُ شيئا,وأولادي منذ أسبوعين عدوا الأيام بانتظار العيد, واليوم على أحر من الجمر يعدون الساعات ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة لكي يطل العيد عليهم بصباحه الجميل, وعلى مسمعٍ مني حسبوا كم سيحصلون على النقود من أخوالهم وعماتهم وفكروا وخططوا كيف ينفقونها جميعا دون أن يشركوني بالتخطيط أو يشركوا أمهم وحجتهم في ذلك أن هذه النقود ليست مني أو من أمهم ولذلك هم أحرار بها ,وأنا طوال النهار صامتٌ حائرٌ لا أنبس ببنت شفة , حائرٌ جدا, ماذا أقول لأولادي في مثل ذاك اليوم؟ وكيف أستعدُ لآخذهم في أحضاني!!, في الوقت الذي يخطر على بالي أطفال سوريا والعراق وغزة, تخطر على بالي هدايا العيد, كيف أنظر إلى أولادي وهم يلعبون بينما أطفال سوريا يغرقون بالدماء إلى آذانهم, الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم وآبائهم, من سيأخذهم مثلا في أحضانه؟من سيشتري لهم الألعاب والهدايا؟ وحتى وإن توفرت الألعاب والهدايا فهل تلك الرقائق الإلكترونية والألعاب الالكترونية ستغنيهم عن أمهاتهم وآبائهم؟ أنا حائرٌ جدا وحزين على هؤلاء الأطفال, العيد ليس للكبار بل هو للصغار, في كل عيد أبدأ صباح ذلك اليوم بدمعة وبوقفة حزن شديدة لمدة ساعة وأنا أتلوى حزنا وألما وأرقا على الأطفال الأيتام, أنا عشت طفولتي وأنا يتيم وأعرف حقا ما هو شعور الأطفال الأيتام حين كان كل أولاد الجيران يهرعون إلى أحضان آبائهم بينما أنا كنت أذهبُ إلى قبر أبي في المقبرة التي تقع على طرف الوادي من قريتنا وأحتضن حجارة القبر وأمسك التراب وأقبله بفمي بعيون تدمع وبقلب كله حزن وألم وأسى وكنت أحزن أكثر حين يأتي أحد أقربائي ليعطيني بعض النقود لكي يجبر بخاطري, حتى الذين كانوا يعطوني النقود كنت أحزن بسببها أكثر مما أفرح لأنها كانت تشعرني بالنقص, وكنت أبكي أكثر حين يضمني واحدٌ منهم إلى حضنه لكي يعوضني عن حنان الأب, كنت أشعرُ بأنها حركة اصطناعية وأتألم كثيرا بسببها, أنا عشتُ يتيما وأعرف مرارة اليتم والحزن والألم, فلو احتضنني كل آباء العالم واعتبروني ابنهم الوحيد فلن يغنني ذلك عن أبي الحقيقي, المهم أنني لم افرح طوال الخمس سنوات الماضية ولا بأي عيد, وفي كل عيد وبالذات منذ ثلاث سنوات أدخل الحمام لأحلق ذقني وأغلق الباب على نفسي متظاهرا أنني مشغول بالحلاقة بينما أنا في الواقع مشغول بالبكاء وبالحزن وبالأسى, وأشتر الذاكرة وأخطفها من مكانٍ بعيد حين كنت أحتضن صور أبي وخصوصا تلك الصورة الكبيرة المعلقة على الحائط وكيف كنت أغطُ في حزن عميق بينما أولاد الجيران يغطون بالفرح وبالسرور,وبما أنني لا أحب أن يراني أحدٌ يبكي أدخل الحمام لأمارس هذه الرياضة العاطفية دون أن يراني أحد, فالحمام هو الوسيلة الوحيدة الآمنة للبكاء لأنه لا يستطيع أحد أن يدخلها معي , ففي غرفة النوم قد تقتحمها زوجتي عليّ في أي وقت أو أحد أولادي فيرون منظري العاطفي ويتألمون لآلامي أو كعادتهم ربما يتهمونني بالجنون , والمهم في الموضوع وأنا أحلق دموعي تنهمر من على خدودي, فأجر ماكينة الحلاقة بيدي اليمنى بينما أمسح بيدي اليسرى دموعي ربما تسألني زوجتي أن أفتح لها باب الحمام لتأخذ لها حاجة منه , بينما أنا أكون منشغلا بالبكاء أكثر من شغلي بالحلاقة أو بالاستحمام, فأعتذر لها وأقول: لم أنهي بعد عملي, ومن ثم أخرج من الحمام وعيوني مثل الجمر حمراء داكنة اللون مدعيا بأن الشامبو قد دخل إلى عيوني ولهذا السبب أصبحت عيوني حمراء, والكل يصدقني بهذه الأكذوبة و لا أحد من أهل بيتي يعرف بأنني كنت أبكي على أطفال سوريا والعراق وغزة, لا أحد يعلم حجم التعاسة التي أعيشها في صباح كل عيد من أعيادنا الإسلامية, أنا إنسان حساس جدا وعاطفي جدا وأي كلمة تبكيني, أنا أستجيب بسرعة للذاكرة وبما أنني أعرف مرارة اليتم فإنني ولهذا السبب أبكي في ليلة كل عيد.

وفي نفس الوقت أعرف بأنني مطالب في صباح كل عيد بأن أمسك أولادي جميعا وأقبلهم وأمد يدي إلى جيبي وأعطيهم بعض النقود لكي ينفقونها على شراء الألعاب والهدايا, وفي نفس الوقت أنا مطالب كإنسان شريف بأن افعل شيئا لأطفال سوريا والعراق وفلسطين, لماذا مكتوبٌ علينا أن نحزن في كل عيد؟ ولماذا مكتوبٌ عليّ أن أغلق باب الحمام في كل عيد لكي أبكي وأحزن وأتألم؟ أنا لا أدري شيئا عن كل تلك التناقضات وأحمل الطغاة والإرهابيين ومنظمات حقوق الإنسان مسئولية ما يحدث لي في كل عيد, أنا مُطالَبٌ في صبيحة العيد بأن أقدم لأطفال حارتنا ابتسامة مزيفة وأغنية عيد مزيفة وقطعة نقود حقيقية وليست مزيفة, ومطالبٌ بأن أقول لجيراني كلمة كل عام وأنتم بخير وأعرف بأن هذه الكلمة مزيفة, فهي لا تخرج من قلبي أبدا, لا يمكن أن أصدق بأن العالم الإسلامي سعيد بهذا العيد, لا يمكن بأن أبقى مستمرا في تزييف الكلمات وتزويرها, أنا لا أعرف يوما على طول أيام السنة إلا وفيه ذكرى من دماء وأشلاء وتفجيرات وعمليات انتحارية, أطفال ييتمون ورجال ينتحرون ونساء تعيش أرامل, وأرامل يهرعون إلى المقابر وأطفال مثلي يذهبون إلى المقابر في كل عيد لكي يقبلوا الأتربة والحجارة, ونحن نقف عاجزون عن فعل أي شيء لهم, فلو احتضناهم ولو قبلناهم ولو أعطيناهم النقود فهذا لن يخفف أبدا من مصابهم.

ربما أن طريقة تفكيري تختلف عن طريقة تفكير الناس العاديين, أنا أحمل بداخلي حزنا شديدا على هذا العالم وأبكي بصمت أكثر مما أبكي بكاء عاديا, فكل الأشياء التي ألمسها بأصابع يدي تؤلمني جدا, الصور, الذكريات, الابتسامات, كعك العيد, الألعاب, المراجيح, القهوة, كل شيء يؤلمني ولا شيء يسعدني فحين أشاهد الأطفال بصحبة آبائهم أحزن جدا وأتألم على مصير أولئك الأطفال وهم يقفون على حافة الطرق بانتظار أن يأتي ملاك من السماء لكي يلعبوا معه, بينما عقول الآباء والمجرمين تتخيل شيئا آخر, يتخيلون بأن الملائكة تقاتل معهم وتفجر نفسها في الأسواق المزدحمة بالناس, أطفال ينتظرون ملاكا طائرا يأتيهم صباح كل عيد بهدايا وألعاب, بينما رجالٌ أشرارٌ يَذبحون ويُذبحون, ولست أدري كيف ترتفعُ أصوات المساجد بجملة ألله أكبر, ولست أدري كيف تقبل بعض الأمهات أن تفرح في يوم العيد وأعداد الأطفال اليتامى تزداد في كل يوم وأطفال في الشوارع يمسكون بأيادي أمهاتهم وأطفال آخرون مثلي يذهبون إلى المقابر يبكون ويذرفون الدموع ويقبلون الحجارة ويروون الأتربة من ماء عيونهم.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

 عبد الإله البشير رئيس أركان أم سياسيّ؟

ميشيل كيلو: العربي الجديدsyriamap5

تربطني علاقة شخصية طيبة جداً برئيس الأركان الحالي للجيش السوري الحر، العميد عبد الإله البشير. وقد أمضيت ساعات طيبة مع الرجل الودود في زيارة إلى واشنطن، كنّا فيها عضوين في وفد الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة السورية. وكان الرئيس السابق للائتلاف، أحمد الجربا، قد اختار العقيد البشير لرئاسة الأركان، بعد أن “عزل” رئيس الأركان السابق، اللواء سليم إدريس، بقرار من المجلس العسكري الأعلى الذي رقّى البشير إلى رتبة عميد، لأنه رجل حرب مجرب، تؤهله نجاحاته المشهودة في الجولان لتولي المنصب الجديد، وقدّم تضحيات شخصية، لا يستهان بها، منها استشهاد أحد أنجاله في المعارك ضد النظام. وفي حواراتي مع العميد البشير، كنت ألح دوماً على قضيتين رئيستين هما:

– لا تدخل الأركان والجيش في متاهات السياسة، الائتلافية والحزبية والشخصية، وإلا خرجت مهشماً من صراعاتٍ لا شأن لك بها، سيكون عائدها على شخصك وعملك والجيش الحر كارثياً. أنت، يا أبا طلال، رجل عسكري، ملزم بترجمة خط الائتلاف السياسي عسكرياً، لكن التزامك بتنفيذ ما ترسمه قيادة سياسية لا يعني أنك صرت سياسياً، أو ذا صفة سياسية، وعليك الانخراط في تشابكاتٍ ليست من طبيعة عملك، سيخرج الجيش الحر خاسراً منها، لأنك إن أرضيتَ هذا أغضبت ذاك، وإن أغضبتَ هذا، ناصبك العداء أتباعه وأنصاره ومريدوه.

– لا يقتضي تمثيل مصالح الجيش الحر في الائتلاف وخارجه انحيازك إلى هذا ضد ذاك، أو مجاملة ومداراة أي شخص، بمن في ذلك أنا نفسي، وأي أحد آخر في الائتلاف، ما دامت وظيفتك إيجاد أفضل انعكاس إيجابي لسياسات الائتلاف على المعركة ضد النظام، أي على الجيش الحر والفصائل الأخرى، وهذا ليس من السياسة، ولا يتطلب منك أن تكون سياسياً. صحيح أن الائتلاف يفتقر إلى استراتيجية سياسية، وهذا يعقّد كثيراً الوجه الإيجابي من مهمتك، إلا أنه لا يلزمك بقراءة أوضاع الجيش بأعينه، إلا إذا كانت تتفق ومصالح الجيش وتخدم وحدته وقوته. ما عدا ذلك سيحرق أصابعك، ويلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه بالمقاومة، وسينقل خلافات السياسيين وانقساماتهم إلى المجال العسكري، حيث ترجح عوامل الفرقة على عوامل الوحدة، وتتسم أوضاعه بحساسية خاصة، عليك مراعاتها في كل كبيرة وصغيرة. ابق خارج السياسة وتجاذباتها، واخرج كل ما يسيء إلى الجيش الحر ودورك كرئيس أركان من علاقاتك وحساباتك.

– لم يقدم العميد أي شيء للجيش الحر، بشهادته هو وضباطه أمام الهيئة العامة للائتلاف، حيث أقر بلغةٍ لا لبس فيها أنه ليس هناك أركان، بدليل أنه لم يتلق خلال خمسة أشهر أمضاها في رئاسة هذه الأركان أي سلاح أو ذخائر أو أموال، ولم يقدم، بالتالي، أي شيء للأرض، وتساءل: كيف أكون رئيس أركان إن كان ليس مكتب. أما نائبه العقيد هيثم العفيسي فقال إن ضباط الأركان “شهود زور” على ما يجري، وليس لهم أي حضور، أو دور، في غرف العمليات التي تقود المعارك الجارية. في المقابل، اشتغل العميد بالسياسة على الطريقة التي تعلمها في جيش البعث، فانحاز إلى رئيس الائتلاف السابق، ونفذ أوامره ورغباته باعتباره “القيادة” بالمعنى الأسدي، أي جهة معصومة لا يأتيها الباطل، لا بد من الالتفاف حولها، والامتثال لأي شيء تأمر به من دون اعتراضٍ أو نقاش. لم يكن رئيس الائتلاف السابق ليقيل البشير، لو أنه اعترض على بعض قراراته التي أثارت خلافات شديدة وخطيرة في صفوف الجيش الحر، في المواقع التي كان على البشير توحيدها وحمايتها من أية تجاذبات وصراعات، يمكن أن تحدث فيها انقسامات أو استقطابات، أو أن تنمو فيها انحيازات لكتل سياسية متصارعة.

لم يفعل الرجل شيئاً غير العيش مع حال مخيفة، أنتجها الانخراط في مثل هذه التجاذبات وفي تغذيتها، على الرغم مما تركته من آثار كارثية على ما كان موجوداً من وحدة وتماسك في الدائرة الضيقة من الضباط والمقاتلين الذين درجنا على اعتبارهم قيادة الجيش الحر، وعلى قواعده التي كان اللواء إدريس يزودها، بين حين وآخر، بقليل من الذخيرة والسلاح والمال، وانقطع هذا كله ب “عزله”، ما ترك نتائج جد سلبية على الأرض تبدت، بين أسباب أخرى، في سلسلة هزائم متلاحقة، تعرّض لها هذا الجيش في كل مكان من سورية، في مقابل تقدم “داعش” وجبهة النصرة وتنظيمات إسلامية متنوعة من جهة، والنظام من جهة أخرى، وتحوله كجيش إلى جهةٍ ازدادت هامشيةً واعتماداً على غيرها من تنظيمات مسلّحة، وفقدت الكثير من مقاتليها وسلاحها.

– لم ير العميد هذا ولم يثر اهتمامه، وقصر دوره في تبرير سلبيته وقعوده عن فعل أي شيء، وانصرف إلى خطب ود رئيس الائتلاف وتلبية طلباته، وفي مقدمتها تعيين مجموعة جديدة من ممثلي الأركان موالية له، تضمن أصواتها إعادة انتخابه رئيساً للائتلاف بعد انقضاء فترة هادي البحرة، وكيله في المنصب، والذي ينفذ جميع تعليماته من دون نقاش. بذلك، جعل العميد من نفسه طرفاً في صراع سياسي عقيم، وجهة غير محايدة، وموضوعاً لل”مع” وال”ضد”، وناصبه كثيرون العداء، لأنه وضع توقيعه على قصاصة ورق غير رسمية، كتب رئيس الائتلاف السابق أسماء من يريد منه تسميتهم ممثلين للأركان في الائتلاف، وتجاهل معنى وخطورة استقالة جميع قادة الجبهات، ولم يلفت نظره أنهم لم يوجهوها إلى رجلٍ تركوا مناصبهم بسبب خلافهم معه، هو رئيس الائتلاف، بل وجهوها إلى “القوى الثورية”، وأرفقوها بكلمة تعبر عن ثقتهم بأن هذه القوى ستصحح مسار الثورة وتنقذها.

وأخيراً، وقف البشير إلى جانب هادي البحرة ضد أغلبية أعضاء المجلس العسكري الأعلى، حين قصد الريحانية، لطرد أعضاء في المجلس، رفضوا إقالة الحكومة، ففوجئ بأن المجلس أقال جميع ممثلي الأركان الخمسة عشر، وعندما اعترض على قرارهم، أبلغوه بأنه لا يحق له حضور اجتماعاتهم، وأنه ليس مرجعيتهم، وطلبوا منه مغادرة الاجتماع، فما كان من البشير إلا أن ناصر “القيادة”، أي هادي البحرة الذي وجد نفسه متهماً بمخالفة نظام الجيش الحر الداخلي، ومطروداً من اجتماع المجلس، فما كان منه إلا أن تعدّى من جديد على صلاحيات المجلس ونظام الجيش الحر الداخلي. ولكن، من نيويورك هذه المرّة، حيث أصدر قراراً ليس من صلاحياته بإقالة المجلس، أرسله إلى الائتلاف بالإيميل، فتخلى العميد عن زملائه في المجلس، وأصدر بياناً يؤيد فيه قرار البحرة الذي لم يدافع عن شرعيته، حتى أشد أنصاره حماسةً، في الائتلاف.

وضع عبد الإله البشير نفسه في مكان تتقاطع فيه تناقضات “الائتلاف” وصراعاته وانقساماته التي تترك نتائج بالغة السلبية على مركزه وشخصه، فإن بقي فيه اعتبر ممثل طرف سياسي، وليس رجل الوحدة العسكرية والوطنية المنشودة المطلوبة لجيشٍ، يعلن العالم عزمه على توحيده وتسليحه، لتكون قوته أساس أي حل سياسي سوري، وضامن انتقال سورية إلى الديمقراطية، وإن رحل عنه لن يتذكره أحد كرجل أحدث فارقاً في تنظيم وأداء جيش يقاتل من أجل حرية سورية وشعبها.

واليوم، لا يبقى أمام العميد غير أحد خيارين: التمسك بمواقفه الراهنة، وقبول المزيد من التدهور في أوضاع الجيش الحر، مع مزيد من تهميش دوره الشخصي أداة بيد أي أحد يرأس الائتلاف، وتعطيل ضباطه الذين بينهم كثيرون يشهد لهم بالشجاعة والقدرة، لكنهم مركونون جانباً، أو أن يهجر السياسة، ويدافع عن الجيش الحر ومصالحه التي لا تتطابق مع أي تكتل فيه، أو معه بمجموعه، ولا تتفق مع سياساته ومصالح “قادته”، فيصطدم بهؤلاء ويفقد منصبه، لكنه سيكسب، في المقابل، احترام جيشه ومواطنيه، وسيذكره شعب سورية بالخير.

لا أعرف ماذا سيختار العميد البشير. أتمنى أن يختار مصلحة جيشه واحترام مواطنيه، فهما أكثر أهمية من أي منصب، خصوصاً إن كان بشهادته هو نفسه “صورياً”، ولا خير فيه.

Posted in فكر حر | Leave a comment

الشبيح يلجأ إلى “سلطة” القضاء!

dimawanousديمة ونوس :المدن 

جريمة قتل تهزّ شوارع دمشق؟

منذ وقوعها قبل أسبوعين وحتى هذا اليوم، ما زالت تهزّها؟ دمشق التي تنطلق منها صواريخ وقذائف وطائرات محمّلة بالبراميل موجّهة إلى الريف الدمشقي؟ دمشق التي شهدت في الأشهر الماضية، سقوط قذائف في أحيائها المركزية التي تقطنها غالبية ثرية وموالية لنظام الأسد؟ هل ما زال هناك ما يهزّ العاصمة دمشق بعد أكثر من 200 ألف قتيل سوري وملايين المهجّرين؟ جريمة قتل مروّعة بحق شاب في السادسة عشرة من عمره، ما زالت أصداؤها تتردّد في صفحات التواصل الاجتماعي وفي جلسات الدمشقيين وتتسرّب إلى خارج الحدود فتُعاد صياغتها في أحاديث السوريين في بيروت.

وكأن الدمشقيين يعيشون في السويد، فوق أرض من الهدوء والسلام، يظلّلهم القانون إلى جانب أشجار وارفة، وسماء زرقاء صافية لا يعبث بركودها سوى سرب عصافير، وحديثاً، بعض الطائرات والصواريخ وسحب دخان لدنة تتصاعد بكثافة متحدية الجاذبية كأنها خارجة من فوهة بركان. الجريمة جريمة أينما وقعت وكيفما ارتكبت. والشاب الذي قتل، يتقد المستقبل في عينيه الطفوليتين. أمّه فقدت وحيدها، غابت روحها وشاهدنا صورها تتمدّد إلى جانبه على سرير المشفى، تشبك أصابعها بأصابعه الباردة، تقبّله ثم تضع يده على وجهها في حركة واهمة بأنه لم يرحل. أمّه مقهورة وما قيل عنها ولها في صفحات التواصل الاجتماعي غير إنساني. قيل ما معناه أن أمهات سوريات كثيرات فقدن أولادهن في معارك، مع النظام أو ضدّه. وأنها فقدت إبنها بعدما قُتل وهو بصحبة أصدقائه، يتعاطون المخدّرات، يسرفون في التعاطي، فيدفنون صديقهم حيّاً في حفرة بعمق مترين وعرض متر، ويغلفون رأسه بكيس نايلون فيموت بعد ثلاث ساعات. أمّه رأت يديه وأمسكتهما طويلاً وقبّلتهما وعانقت وجهها بهما. رأتهما مخدوشتين بعد محاولته المستميتة للخروج من قبره. شمّت رائحة التراب في يديه. لنتخيّل أنها لن تنعم بعد الآن برائحة المطر، الوسمي، أول قطرة تهطل بعد جفاف الصيف، فتتصاعد تلك الرائحة من مسامات الأرض كما يتصاعد الدخان في سماء دمشق.

المتّهمان الوحيدان في الجريمة، ينتميان إلى عائلتين مواليتين لنظام الأسد، وبعض أفرادها ينتمي إلى الشبيحة وقوى الدفاع الوطني. بعض أفرادها ارتكب جرائم صغيرة أو كبيرة بحق نشطاء ومتظاهرين بداية الثورة. عائلة الشاب المقتول، موالية أيضاً ولم تفوّت فرصة بعد الجريمة التي أودت بابنها لالتماس عدالة “السيد الرئيس بشار الأسد”. ولكل عائلة من تلك العائلات الثلاث (عائلتا القاتلين وعائلة المقتول)، علاقات وثيقة لها شكل هرمي، تبدأ بضباط أمن وتنتهي بالعائلة الحاكمة. عائلة المقتول تبذل كل علاقاتها في سبيل تجريم المتهمين ومعاقبتهما والثأر لدماء ابنها عبر “القضاء”. وعائلتا المتهمين بالقتل، تبذلان أيضاً ما في وسعهما لتبرئة ابنيهما. أحد المتهمين بالقتل، هرّبه والده إلى تركيا خوفاً من “الاعتقال”. هل باتت تلك العائلات الدمشقية أو الساحلية المقرّبة والموالية، تخشى السجن والاعتقال؟

عائلة المقتول وعائلة المتّهم بالقتل (نيابة عن نفسه وعن المتّهم الآخر الفارّ)، أنشأتا صفحتين في “فايسبوك” للدفاع عن قضيتهما، في اعتراف غير واعٍ بمنجزات الثورة السورية. استعراض القضايا الخاصة لتحويلها إلى قضايا شأن عام، واحد من تلك الإنجازات. المتابع لتلك الصفحتين (المتابع الحيادي وغير المعني مباشرة)، سيصاب بنوع من الفصام وسيلهث للحاق بمستجدات القضية وبالتعليقات الحديثة التي يحرص أهل المعنيين على إبرازها كل لحظة من النهار والليل، وكأن الكون يقف عند هذه القضية، المعقدة على ما يبدو. كل طرف من الأطراف، يسانده فرع مخابرات وأحد المقرّبين من العائلة الحاكمة. كل طرف يشدّ القضية إلى مصلحته. كل طرف يروي القصة بطريقته. ولا وجود حتى الآن لطرف ثالث قضائي “عادل” و”نزيه”، يروي الجريمة كما حصلت، وليس كما يراد لها أن تحصل. المتابع الحيادي وغير المعني مباشرة والمتواضع في أمور التحقيق في الجرائم واقتفاء أثر المجرم، سيقرأ الروايات العديدة المحاكة حول القضية، وسيكتشف بلا أدنى عناء، حقيقة ما حدث. فكيف بالمخابرات السورية وأجهزتها المدرّبة لعقود والقضاء السوري العادل أو غير العادل؟ هل يعقل أن تعجز كل تلك المؤسسات عن كشف أسرار الجريمة؟

ثم يغطس المتابع في قضية العصر وهي صفة “شهيد”. إذ أطلق أهل المقتول على إبنهم البالغ من العمر 16 عاماً، لقب الشهيد. في حين انشغلت عائلتا المتهمين بالقتل، بـ”صواب” إطلاق هذه الصفة على المقتول في جريمة قتل أو في جرعة مخدرات زائدة كما أشيع في ما بعد، إما للتغطية على الجريمة أو للتخفيف من وطأتها أو لتشويه سمعة عائلة المقتول الدمشقية الشيعية العريقة البعيدة كل البعد من مفردات سوقية مثل الحشيش أو المخدرات! ثم ماذا؟ ثم يكتب الموالون لعائلتي المتهمين بالقتل ما معناه أن الشهيد ليس شهيد الجرعة الزائدة، بل “عنصر الجيش العربي السوري وقوى الدفاع الوطني الذي يحمي حدودنا”. وبالتالي، هم يسقطون صفة الشهيد عن الشاب المقتول كما يسقطونها عن أكثر من مئة ألف سوري قضوا تحت القصف وفي مجازر ارتكبها النظام وفي الكيماوي وتحت التعذيب. في تلك اللحظة، تضيق سوريا وتضيق، ويخيّل لنا أنها لا تضمّ سوى عائلة المقتول والموالين لها وعائلتي المتهمين بالقتل والموالين لهما، و”الجيش العربي السوري وقوى الدفاع الوطني”، و”السيد الرئيس بشار الأسد” وعائلته وبعض أجهزة المخابرات. تضيق سوريا على ناسها وأهلها ومناطقها فتصبح جغرافيتها ممتدة فقط بين أحياء أبو رمانة والمالكي ومشروع دمّر.

أهم ما في القضية هو أن عائلتي المتهمين بالقتل (بغض النظر عما إذا ارتكبا الجريمة أم لم يرتكباها)، تطالبان الآن بتحويل قضية ابنيهما إلى القضاء! تطالبان بإخلاء سبيل الشاب المحتجز لدى فرع أمني وتحويله إلى القضاء. وممّ يشكو فرع المخابرات؟ هل بات فرع المخابرات فجأة مكاناً غير مستحب ولا يتمتع بالنزاهة! المتهم (نيابة عن نفسه وعن الآخر الفارّ) اعترف بجريمته وقال في التحقيق إنه خطط مسبقاً مع صديقه الفارّ و”اللاجئ” إلى الأراضي التركية لقتل صديقهم الثالث الذي يصغرهم بسنوات ثلاث، وإنهما حفرا الحفرة مسبقاً ودفناه حياً. فيقول أحد أفراد عائلة المتهم، تلك العائلة المعروفة بممارساتها التشبيحية التي ارتكبت بداية الثورة جرائم صغيرة وكبيرة بحق المتظاهرين والتي ينتمي بعض أفرادها لقوى الدفاع الوطني، كتبت في صفحتها: “لكل من يقول إن (…) اعترف، الاعتراف عند الأجهزة الأمنية لا يؤخذ بعين الاعتبار في المحكمة. لأنه، عند الأمن، تعرفون جيداً أن أي شخص قد يعترف بأنه السبب في ثقب الأوزون أو في إعصار كاترينا، أو أنه السبب في خروج البرازيل من كأس العالم أو حتى ممكن يعترف أنه السبب في انقراض الديناصورات”. لماذا هذا الاتهام الصارخ بحق أجهزة الأمن التي آمنتم بها لسنوات وعملتم معها وما زلتم تلجأون إليها؟ هل باتت تلك الأجهزة، الآن فقط، أقبية للتعذيب ولاستجرار الاعترافات تحت سلطة الضرب والتعذيب والعنف والدماء؟

إذاً، هل بات شبيحة النظام يعترفون بأن ثورة ما اندلعت في سوريا قبل ثلاثة أعوام ونيف؟

هل باتوا يؤمنون بأن من اعترف في فرع “المخابرات الجوية” بانتمائه إلى “عصابات إرهابية” هو بريء من هذا الاتهام؟

هل صدقوا أن أطفال درعا اقتلعت أظفارهم تحت التعذيب أيضاً وأن عاطف نجيب المسؤول عن أحداث درعا ما زال حرّاً طليقاً حتى يومنا هذا؟

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

كيف حل “حافظ الأسد” أزمته مع “رفعت” على حساب الاقتصاد السوري؟

assfamilyسامر كعكرلي: أورينت نت

في نُظم الاستبداد لا يمكن لأي تشريع أو قانون أن يصدُر إلا إذا كان يصب في مصلحة المُستبد، وفي مصلحة استمرار استبداده، وهكذا هي قوانين وتشريعات سوريا في ظل حكم حافظ الأسد ومن بعده وريثه بشار الأسد، وفي ضوء هذه الحقيقة يجب أن يتساءل المتابع ما هي مصلحة النظام عندما أصدر المرسوم التشريعي رقم /10/ لعام 1986، والذي سمح بموجبه للدولة بمشاركة القطاع الخاص لإقامة مشاريع زراعية مشتركة مع العلم بأن شركات القطاع المشترك لم تكن من ابتداع البعث فقد أجازت المادة الخامسة من القانون رقم /99/ الصادر عام 1960 مساهمة الدولة في شركات التنمية الإقتصادية، إلا أن فترة التأميم البعثي ما بين عامي 1964 و1967 أصدرت حكومات البعث قرارات تأميم بحق حوالي 90 % من تلك الشركات.

صراع حافظ الأسد ورفعت!
بدايةً لنلقي الضوء على الواقع الإقتصادي في الفترة التي رافقت إصدار المرسوم وهي فترة الثمانينات من القرن الماضي، فقد كانت سوريا في هذه الفترة تمر بأسوء كارثة اقتصادية مرت عليها، وذلك لعدة أسباب، منها سوء إدارة الدولة، والرشوة والفساد التي انتشرا في مفاصلها، وسوء التخطيط، وعدم الاستثمار الأمثل لموارد الدولة أو استثمارها بطريقة اللصوصية لصالح الأسرة الحاكمة، ويضاف لذلك الحصار الإقتصادي المطبق على سوريا في تلك الفترة، ولكن وفي رأي إن السبب الحقيقي لتلك الأزمة الإقتصادية والذي يتغاضى عنه كثير من الدارسين الإقتصاديين السوريين هو نزاع الأخوين حافظ ورفعت الأسد اللذان اختلفا على تقاسم التركة بعيد مرض حافظ الأسد، وقد جاء حل هذه الأزمة على حساب الإقتصاد السوري المنهك بسبب سياسة الإفقار التي مارسها حافظ الأسد على السوريين، فقد تجلى حل أزمة الأخوين بسرقة ذهب سوريا واحتياطيها من العملة الصعبة من قبل رفعت الأسد ثمناً لموافقته على الخروج من سوريا وتركها لأخيه!

وقد نشرت (اليونايتيد برس) الأمريكية، تقريراً مفاده بأن الاقتصاد السوري في حالة حرجة وخطرة تهدد الاستقرار السياسي فيها، هذا على المستوى الإقتصادي العام، أما على المستوى الزراعي فقد كانت هذه الفترة حرجة جداً بالنسبة لنظام الحكم، وذلك بسبب الإنخفاض الرهيب بمخزون سوريا من القمح,الذي يعتبر لقمة الشعب والذي في حال فقدانه سيهب في وجه الطغيان، وقد وصل الأمر إلى أن مخزون سوريا من القمح والطحين لا يكفي سوى لعدة أيام ، الأمر الذي استدعى تدخلاً حكومياً طارئاً تجلى بنقطتين الأولى موافقة اللجنة الإقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء على اقتراح وزير الإقتصاد حينها والمتضمن خلط القمح بالشعير بنسبة 20%، والثانية بتحويل أحد السفن المحملة بالقمح والمتوجهة لأحد البلدان المتواجدة في البحر الأبيض المتوسط إلى الموانئ السورية وذلك بواسطة أحد السماسرة السوريين. وفي هذا الصدد لا أعتقد أن وزير الإقتصاد السوري كان ليتجرأ على هذا الإقتراح دون ضوء أخضر من حافظ الأسد شخصياً، حيث لا يتم تداول القمح في سوريا إلا عبر مكتب خاص في القصر الجمهوري وتابع لحافظ الأسد بشكل مباشر.

الركوب على أكتاف القطاع الخاص!
وفي ظل هذه الظروف رأى النظام بأنه على الدولة مشاركة القطاع الخاص السوري في عملية التنمية الزراعية فتم إصدار المرسوم التشريعي رقم /10/ لعام 1986مع العلم بأن القطاع الخاص الزراعي كان يستحوذ على أكثر من 97% من الناتج المحلي الزراعي حيث بلغ الناتج المحلي الناتج عن قطاع الزراعة الخاص في عام 1985 /109323/ مليون ليرة سورية، بينما بلغ الناتج المحلي الناتج عن قطاع الزراعة العام لنفس العام /3186/ مليون ليرة سورية. ومن المبررات التي سيقت في مرسوم الإحداث أن الدولة في هذا المرسوم تهدف الى:

– تجسيد وتطبيق مبدأ التعددية الإقتصادية وزج طاقات القطاع الخاص في عملية التنمية.
– زيادة مساحة الأراضي الزراعية عن طريق استصلاح الأراضي القابلة للزراعة.
– زيادة المساحة المروية، وذلك بإنشاء مشاريع الري الحديث المتطور.
– إقامة المشاريع الزراعية وذلك بإدخال تقانات وطرق الزراعة الحديثة.
– إيجاد فرص عمل جديدة.

هذه المبررات هي المبررات المعلنة لذر الرماد في العيون، ولكن في حقيقة الأمر، أراد حافظ الأسد أن يشارك القطاع الخاص الموالي له في تثبيت حكمه، بعد زلزال فقدان الطحين، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى امتصاص المدخرات المالية للأسر السورية التي تضع الليرة فوق الليرة لتؤمن مستقبلها ومستقبل أولادها في بلد تم إغلاقه عن عمد في وجه الإستثمارات والبنوك ، مما أجبر الناس على توفير أموالهم ومدخراتهم في منازلهم أو عن طريق تكديس المصاغ الذهبي.ولتحقيق هذه المآرب أوعز حافظ الأسد لبعض رجال الأعمال الموالين لحكمه من أمثال صائب نحاس أن يبدؤوا بتأسيس شركات زراعية مشتركة ، تكون فيها حصة الدولة ممثلة بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لا تقل عن 25 % من رأسمال تلك الشركات، كما أوعز لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بأن تشارك تلك الشركات مشاركة عينية من خلال أراضي أملاك الدولة التي تديرها هذه الوزارة مع احتساب سعر هذه المساهمة بشكل رمزي لتسهيل اقامة هذه الشركات. هذا بالإضافة لما احتواه المرسوم التشريعي للشركات التي قد تُحدث بموجبه من إغراءات مثل الاستثناء من أحكام وقف وحصر الاستيراد، ومن أحكام أنظمة القطع والاستيراد المباشر من بلد المنشأ، وإعفاءات جميع مستورداتها من كافة الضرائب والرسوم المالية والبلدية والجمركية، وإعفاء أسهم الشركة وأموالها وأرباحها من كافة الضرائب والرسوم مهما كان نوعها وطبيعتها خلال السبع سنوات الأولى.

وبدون مراعاة أبسط الأسس العلمية لإنشاء الشركات من حيث تقديم دراسات الجدوى الفنية والإقتصادية والدراسات الهيدرولوجية والتسويقية صدرت قرارات رئيس مجلس الوزراء بتأسيس سبعة شركات هي نماء – غدق – البركة – الشام – القلمون – السنابل – الربيع. تعثرت شركتان هما الربيع والسنابل فحُلت الأولى ودُمجت الثانية مع شركة بركة.

وجاء طرح أسهم تلك الشركات ببصيص أمل لكثير من الأسر البسيطة التي تبحث عن استثمار لأموالها المخزنة على شكل مصاغ ذهبي لحمايتها من غدر الزمان، ولاعتقاد تلك الأسر بأن الشركات الشريكة مع الدولة لا يمكن أن تخسر وهي فرصة ملائمة لاستثمار الأموال بها لأنها تحت رعاية الدولة الشريك الأساسي بها، ،وبدأت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بتخصيص تلك الشركات بأراضي أملاك الدولة، لقاء مساهمتها بنسبة 25% كما نص مرسوم الإحداث ،وبلغت المساحة المخصصة لتلك الشركات /71909.4/ دونم أي ما نسبته /0.11%/ من مجمل أراضي سوريا القابلة للزراعة، وتم حساب سعر المتر المربع الواحد لتلك الشركات حوالي / 285/ قرشاً سورياً.

القطاع الخاص يحاول… ولكن!
وحاولت الشركات جاهدة العمل ضمن ظروف اقتصاد منهار ولكن يؤخذ على تلك الشركات أنها لم تحاول العمل وفق تقنيات العصر الحديث ولا أقصد هنا مكننة العمل الزراعي، أو استخدام الري الحديث لأن هذه الأساليب يمكن لأي مزارع سوري أن يستخدمها ، بل أقصد بتقنية العصر الحديث إدخال أنماط جديدة من الزراعات حيث كان من المفروض على هذه الشركات– لا سيما شركة نماء التي أسستها نقابة المهندسين الزراعيين ومساهميها من المهندسين الزراعيين التي أجبرتهم النقابة على شراء أسهم عند الانتساب لها – أن تدخل مجالات زراعية جديدة لا يتمكن الفلاح البسيط من تجربتها أو الدخول بها، فلم نرى على سبيل المثال تلك الشركات تقوم بتجريب ادخال أصناف جديدة أو تبني أفكار جديدة ذات قيمة اقتصادية فجُل عمل تلك الشركات كان مشابهاً لما كان يقوم به المزارع السوري منذ سبعة ألاف سنة حيث اكتفت تلك الشركات ببذر بذار القمح و انتظار ما تجود به السماء لتحصد محصولها، وحتى نكون منصفين كان هناك بعض المحاولات لتطوير عمل تلك الشركات حيث قامت شركة الشام بإقامة بيت زجاجي بتكلفة وصلت لحوالي مليون دولار أمريكي خصص لزراعة الأنسجة، وحاولت شركة بركة إقامة مشروع لإنتاج بذور الخضراوات الهجينة، ولم تنجح بذلك كما دخلت شركة غدق في مجال الصناعات الغذائية عندما أقامت مجمع للصناعات الغذائية الذي وللأمانة كان إنتاجه من النوعية الجيدة إلا أنه ومع ذلك تسببت خساراته التي بلغت عام 2008 /368/ مليون ليرة في تراجع عمل الشركة.

إلا أن تلك التجارب التي قامت الشركات بها والتي كان من الممكن في حال نجاحها أن تضعها في قائمة الشركات الناجحة لم تلق الرعاية الكافية من حكومات البعث المتتالية وذلك بسبب أن مبررات إحداثها من أزمة في القمح و انهيار اقتصادي وشيك قد زالت، ولذلك لم تعد هذه الشركات تشكل أهمية للنظام فأدارت حكوماته ظهرها وتركتها تصارع وحدها لأجل بقائها، ومن مبدأ عدم مبالاة هذا النظام بمصير مواطنيه البسطاء الذي باعوا مدخراتهم ليساهموا في تلك الشركات، بدأت حكوماته تضع إما -عن قصد أو سوء إدارة- العقبات أمام تلك الشركات، فعلى سبيل المثال وخلافاً لمرسوم الإحداث لم يسمح لتلك الشركات بتصدير إنتاجها من الخراف المنتجة حصراً في مشاريعها وإنما أجبرت على بيع إنتاجها محلياً بأسعار تقل كثيراً عن الأسعار الخارجية، مما فوت عليها تأمين القطع الأجنبي لتأمين مستلزمات الإنتاج.

كما تم تعطيل تزويد تلك الشركات بالطاقة الكهربائية وجرى تقنين حفر الآبار لها، ولم تشق الطرق الزراعية اللازمة للوصول إلى أراضي الشركات، وبذلك بدأت تلك الشركات بالتراجع والخسارة ولم يعد بإمكانها توزيع أرباح على المساهمين اللذين وضعوا ثقتهم بها، وبالرغم من الطلبات المتكررة لتلك الشركات لمساعدتها للتغلب على واقعها إلا أن تلك الطلبات اصطدمت بروتين حكومي قاتل فتم تشكيل اللجان التي انبثق عنها لجان أخرى وانبثق عن تلك اللجان لجان أخرى وهكذا دون تقديم الحلول العملية لها، فأصبحت تلك الشركات فريسة لإعلام مسيس من قبل مؤسسات نظام تشبيح مثل الإتحاد العام للفلاحين واتحاد الغرف الزراعية لتنال ما تناله من تهجم واتهامات بالتقاعس.
هذا ما يمكن تسميته انتهازية المستبدين ولو أدت تلك الانتهازية لضرر في مصلحة المواطنين أو في اقتصاد الوطن الذين من المفروض عليهم وبحسب الدستور الذي هم وضعوه أن يكون حامي مصالحهم.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment