رسالة إلى الحكماء من الشعب السوري

syrchildأوجه تلك الرسالة إلى الحكماء من الشعب السوري:
لم أشأ يوما أن أدلو بدلو في السياسة لأنني لا أرغب بالسباحة في مستنقعها الوخم، وخصوصا
عندما يتعلق الأمر بسياسات الدول العربية المحكومة من قبل عصابات لا تقل إرهابا عن الإرهاب الذي تزعم أنها تحاربه…
لكنني أجد نفسي اليوم، كسورية معنية بالكارثة التي تمزق وطني، وفي ظل تلك الظروف العصيبة التي يمرّ بها العالم، أجد نفسي ملزمة بقول ما أعرفه، وخصوصا أنني أدرك أهمية قلمي وحجم قرائي!
هناك عدة نقاط على الشعب السوري أن يأخذها بعين الإعتبار، وإلاّ ستأخذه الأحداث معها دون أن تترك له أثرا!
*ـ النقطة الأولى والأهم أن اسرائيل دولة قد أوجدها العالم لتبقى، وستبقى!
*ـ القيادة الحكيمة لأي شعب ترفض أن تواجه المخرز بالعين، وتعمل كل ما بجهدها لتفادي ذلك المخرز في حال عدم امتلاكها لدرع مضاد للمخارز!
من هذا المنطلق لا نستطيع تصنيف الحكومة السورية سوى عصابة عبثت بأرواح شعبها وبكل مقدارته وبحاضره ومستقبله، فعلى مدى عقود رعت الإرهاب الإسلامي سرّا وعلانية، باحتضان منظماته وبناء الجوامع والمدارس الوهابية، وتصدير الإرهابيين إلى العراق ودول أخرى في المنطقة واوروبا!
*ـ عندما يفشل شعب في تحقيق أمانيه بحياة كريمة وفقا لبرمجته الفكرية، عليه أن يعيد النظر بتلك البرمجة مهما بدا الأمر صعبا ومستحيلا، لأن العقلية التي أوقعته في مأزق لن تستطيع أن تنشله منه!
لقد تبرمج الشعب السوري، كغيره من شعوب المنطقة على نظرية المؤامرة، وعلى أن الغرب واسرائيل مسؤولان عن كل مصائبه، دون أن يتجرأ على توجيه اصبع الإتهام إلى المجرم الحقيقي الذي يتاجر بلقمته وكرامته، ألا وهو حكومته!
لذلك، لن يستطيع الخروج من كارثته مالم يعيد النظر في تلك البرمجة التي تكرّس مآساته وتعزز مواقف حكومته الإجرامية!
*ـ لا تستطيع أن تستمر في بناء الجوامع والمدارس الإسلامية والإعتماد على رجال الدين الإسلامي للخروج من المأزق، بينما تدعي أنك في الوقت نفسه تحارب الإرهاب الإسلامي.
فمن وجهة نظر العالم الغربي، لا يختلف أي جامع في سوريا من حيث خطورته عن أي ارهابي مسلم في أي بقعة من العالم، والشعب السوري معنيّ بتنظيف دولته وتطهير العقل الجمعي من براثن الإسلام، قبل أن يجبره العالم على أن يفعل ذلك، أو يدفع وجوده ثمنا لعناده!
*ـ على الشعب السوري أن يُدرك أن حكومته هي التي أوصلته إلى تلك المرحلة في تاريخه، وهو اليوم يدفع ثمن غباء وجرائم تلك الحكومة التي قررت أن تضحي بشعبها دون أن تعترف بأنها لا تملك درعا مضادا للمخرز، ناهيك عن مبرر لمواجهة ذلك المخرز!
*ـ هناك أصوات يسارية ماركسية تذر الرماد في العيون من خلال تشدقها بالإنسانية، وهي الأسرع إلى نهب المناصب عندما تُحان لها الفرصة.
تلك الأصوات وخلال تاريخها الطويل من الزعيق، لم تترك أثرا أكبر من الأثر الذي تتركه “فسوة” سمكة في محيط، سوى أنها اعتمدت على تحريض العواطف دون السعي للتعقل ورؤية الواقع كما هو، وليس كما تتشدق بأنها تراه!
* ـ لقد حان الوقت للشعب السوري أن يدرك أن قضيته أقدس من أية قضية أخرى زعمت قياداته بأنها تناضل من أجلها، ويجب أن تنصبّ جهوده اليوم على الخروج من براثن تلك الكذبة الأكبر في تاريخ المنطقة!
فإن كان للشعب الفلسطيني قضية عادلة فنحن لسنا ضدها، ومن حقه أن يناضل في سبيل قضيته، لكنها ـ باختصار ـ ليست قضيتنا، ولقد دفعنا أكثر مما دفع أي شعب عربي آخر في سبيلها، وحان الوقت لننفرد بقضيتنا من أجل مستقبل أفضل لنا ولأجيالنا القادمة!
*ـ بناءا على موقف العالم مما حصل في فرنسا الاسبوع الفائت، على الشعب السوري أن يُدرك أن العالم كله ـ يقوده الغرب وأمريكا ـ قد وضع نصب عينه أن لا يخرج من تلك الحرب إلا بسحق الإسلام السياسي سحقا وإلى الأبد، وذلك العالم لن يميّز بين اسلام تزعم الحكومة السورية بأنها تتبناه وبين اسلام من ارتكب مجزرة “باريس”، وسيكون العقاب واحدا!
*ـ الغرب ليس غبيّا، ويعي تماما خطورة التعاليم الإسلامية، ناهيك عن خطورة حمايتها سياسيا وتطبيقيا، وليس من المستغرب أن يكون هو الذي ساهم في صناعة “داعش” كي يثبت للمسلم العادي مامعنى أن يصبح الإسلام دولة وكيان!
*ـ سواء اتفقنا مع سياسات الغرب أم لم نتفق، لا أعتقد أن من الذكاء بمكان أن تلعب معهم بالنار، والأبقى في تلك الحرب ليس للأقوى وحسب، بل أيضا للحكيم الذي يعرف كيف يتفادى بطش الأقوى وكيف يكسب دعمه!
*ـ يتساءل السوريون اليوم ـ موالون ومعارضون ـ على صفحات الميديا الإجتماعية: هل هناك فرق بين قيمة الإنسان السوري وقيمة الإنسان الفرنسي، حتى يضج العالم أمام المجرزة الفرنسية التي حصدت دزينة من الأرواح، ويخرس أمام مئات الآلاف الذين قتلوا من السوريين؟؟
وهذا أبسط حق من حقوقه، علما بأنه وحده معنيّ بأن يجد الجواب!
بالتأكيد على الصعيد الإنساني لا يوجد أي فرق، ولكن على صعيد الواقع الفرق كبير جدا، تجسده الفروق بين حكومتي كل شعب!
عبر التاريخ الإنساني، ليست القيم الإنسانية هي التي تحكم، بل تحكم معطيات الواقع!
وبناءا على معطيات واقعنا اليوم، الحكومة السورية عصابة لا يهمها إلا الحفاظ على وضعها، ولم تعطِ انسانها أية قيمة كي يعترف العالم بقيمته، بينما الحكومة الفرنسية على غرار أية حكومة غربية أخرى، فهي غنيّة عن التعريف عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن مواطنها، وتقديس قيمته وحقه في الحياة!
لذلك، على الشعب السوري أن يُدرك أنه على أرض الواقع وليس في أذهان “الافلاطونيين المنافقين”، عليه أن يُدرك أن كل عنزة برجلها تناط، وهو مناط برجل حكومته حتى يملك القدرة على قطع تلك الرجل، وتحرير نفسه من مخالبها!
*ـ يجب على الشعب السوري أن يُدرك، أنه وطالما تلعب حكومته بالنار وتماطل سيدفع هو الثمن، ولذلك عليه أن يتجاوز عقله الجمعي، ويمسك بدفة القيادة محاولا أن يغير الجهة التي تسير وفقها قافلة البلد، في محاولة صادقة لإنقاذ ذلك البلد!
*ـ تطهير سوريا من كل أثر للتعاليم الإسلامية الإرهابية هي مسؤولية الشعب السوري، ولم تعد مسؤولية حكومته المنافقة!
*ـ الحرب التي تدور اليوم في سوريا ستنتقل إلى كافة بلدان المنطقة، ولن يسلم منها إلا البلد الذي تتقن قيادته فن الإنحياز للطرف الأقوى…
الغرب كطرف أقوى له شروطه، ويدرك تماما مدى مصداقية ذلك الإنحياز من كذبه!
الإنحياز ـ بالتأكيد ـ يتجسّد في قص جذور الإرهاب الإسلامي من عمق أعماقها، وتتطهير المرافق العامة ومنهاهج الدراسة ووسائل الإعلام من كل أثر للفكر الإسلامي السياسي المطالب بتكفير وإلغاء الآخر!
*ـ من خلال الخلفية الثقافية للشعب السوري والموغلة في القدم، أجده الأكثر تأهيلا للعب هذا الدور، من خلال فضح رذائل حكومته وردعها عن الإستمرار في تعريضه لحرب إبادة، ومن ثمّ اعادة إحياء حضاراته التي طمستها جحافل البدو الغازية من شبه الجزيرة العربية، وإظهار حسن نيته للتعايش مع الدولة اليهودية والإعتراف بوجودها طالما هي الأخرى تقبل التعايش مع الآخر وتعترف بوجود ذلك الآخر!
عزيزي السوري:
في الشهر الثامن من عام ٢٠٠٧ نشرت مقالة بعنوان “متى ينفجر ذلك الدمل” جاء فيها السطر التالي:
(لا حلّ يلوح في الأفق إلاّ عبر حروب أهلية ستأتي على الأخضر واليابس وتزهق أرواحا كثيرة وبريئة)
لم يكن قولي هذا حينها مجرد تنبأ، بل كان رؤية لمعطيات الواقع في ذلك العام، وما قولي اليوم سوى رؤية لمعطيات الواقع الراهن!
لقد قررت أن أنشر تلك الرسالة من منطلق حبّي لشعبي السوري وايمانا بقضيته، وأنا اُدرك أن الكثيرين من المنافقين والدجالين سينهالون علي بالشتائم والإتهامات، كما فعلوا يوم كتبت ذلك السطر، إذ لا يخلو شعب من وجودهم!
لكنني، وأنا وفاء سلطان، لم أخشَ يوما ولن أخشى أبدا لومة لائم، في أن أقول ما يمليه علي ضميري!
كل ما أحلم به، أن يجيد السوريون قراءة سطوري وما بينها، قبل أن يأتي يوما لا تجد فيه رسالتي في سوريا من يقرأها!
………………………. وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.