النمل الصغير الذي غزا وطنا غاليا على قلوب سكانه

wafasultan2015سألتكم أكثر من مرة كم شهر بقي لينتهي ديسمبر، ولم يجيبني أحد…
لقد قالوا الصديق عند الضيق، ولكن أين أنتم أيها الأصدقاء؟
*****
ضغوط اليوم لم تكن سهلة، لا لأنها بحد ذاتها صعبة، بل لأنها أثارت لدي ذكريات بعيدة ذات شجون مؤلمة!
كنت قد وعدت ابنتي فرح منذ اسبوعين أن أنقل جازي اليوم من البيت إلى عيادة طبيب الأسنان،
لأنها تحتاج إلى بعض العلاج.
العيادة قريبة من بيت فرح وقريبة من مكان عملها، وهي مصرّة على أن تتواجد مع طفلتها في العيادة، ولذلك أخذت لها موعدا خلال استراحة الظهيرة كي يتسنى لها أن تترك عملها وتلتحق بها!
كان بامكان فرح أن توفر عليّ ساعتين أحتاج لأنهي بهما عمل اسبوعين، وكان بامكانها أن تلتقط جازي من البيت وتعيدها إليه بعد انتهاء العلاج وقبل انتهاء مدة استراحة الظهيرة!
لكنها لم تفعل!
لماذا؟
لأنها خلال الدوام تقود سيارة حكومية وبالقانون لا يُسمح لها أن تركّب أحدا فيها…
…..
حملني الحدث إلى وطن مازال يعيش في عمق وجداني رغم محاولات كثيرة وشاقة لأقلعه من هناك…
أعادني إلى وطن سقط ضحية حرب عصابات، لا تعرف متى وكيف ستنتهي!
فرح تلتزم بالقانون كما هو أي أمريكي، فسيارة الدولة ليست ملكا لوالديها، بل هي وسيلة للقيام بعملها على أتم وجه!
….
في ذلك الوطن البعيد الحاضر الممزق والنازف كان هناك رجل يسمى عزّ الدين ناصر (لا أعزه الله ولا نصره)، وكان رئيسا لإتحاد نقابات العمال في سوريا.
قابلت السيدة زوجته مرتين، وأعادني حدث اليوم إلى هاتين المرتين!
المرة الأولى كنت في التاسعة من عمري على أبعد تقدير!
كان وعائلته يعيشون في حينا، وكانوا من فقراء ذلك الحي..
في طريقي يوما إلى المدرسة ضربت عاصفة مطرية شديدة جدا حينا، وكادت أن تبتلعني مع طفلين آخرين..
فركضنا نحتمي بشرفة بيت السيد عز الدين، ولم يمضِ دقائق حتى فتحت زوجته الباب وفي يدها عصا غليظة وهي تزمجر: يا أولاد….انقلعوا من هون!
……
المرة الثانية كانت بعد حوالي خمسة عشر عاما، وكانت في حفل عزاء..
كنت وأمي ندخل بيت المتوفي لنقدم تعازينا وإذا بتلك “الساحرة” تزمجر وتسب وتشتم السائق الذي أوصلها لسبب لم نعرفه…
طبعا كانت سيارة حكومية وكان السائق “خادما” عند زوجها…
هكذا هو مفهوم “المنصب والوظيفة” في ذلك الوطن منفعة واستعباد!
أعادتني زمجرتها إلى ذكرى العاصفة المطرية فانتابني احساس بضرورة الهرب من عصاها!
….
للأسف، هذا هو النمط المطلوب لقيادة البلد، امرأة تطرد أطفالا يحتمون بشرفتها، وتستعبد موظفا لمجرد أنه محكوم بسلطة زوجها!
مالم يكن هناك منظومة أخلاقية لا يمكن أن تسمي الماخور وطنا!
………..
قرأت مرّة عن قرية صغيرة في مكان ما من العالم…
بيوتها مصنوعة من الخشب…
قبل عشرين عاما من الكارثة التي شهدتها تلك القرية، عشعش نوع من النمل الصغير في خشب البيوت، فتجاهل السكان الأمر من منطلق
استهتارهم بالنمل!
ذات يوم، ضربت عاصفة خفيفة تلك القرية فهبطت البيوت فوق سكانها دفعة واحدة وراح ضحيتها الكثيرون منهم!
……
لم يكن السيد عز الدين ناصر وأمثاله إلا ذلك النمل الصغير الذي غزا وطنا غاليا على قلوب سكانه…
ولأننا استهترنا يومها بذلك النمل…
هبط الوطن دفعة واحدة ودفعنا الثمن غاليا!
……….
توجهت فرح إلى عملها مسرعة قبل أن تنتهي مدّة استراحتها…
وأوصلتُ جازي إلى البيت، ثم عدت إلى مكتبي لأنهي أكداسا من الوثائق والأوراق قبل أن تغرقني…
أجمل مافي الرحلة، سألني بنجي عند وصولي إلى بيتهم: ؟
Have you been a good gril
ـ هل كنت بنت عاقلة وكويسة ها السنة؟
عندما أجبته بالإيجاب، رد:
Then Santa will bring you a gift
ـ إذن ستصلك هدية من سانتا!
***************
أنا الآن بانتظار سانتا….
ما أجمل الإنتظار عندما نترقب وصول هدية!!!!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to النمل الصغير الذي غزا وطنا غاليا على قلوب سكانه

  1. Sama Batoul says:

    كل عام وأنت بخير أيتها الجميلة بروحك وبزوقك الجميل، في كل كتاباتك تتمتعين بجاذبية لقراءة ما تكتبين لا أظن أحد يتمتع بها…هدية سانتا هي محبة وتقدير
    جمهورك الذي يحترمك ويقدرك..دام قلمك الجميل أبدا
    وما إبنتك فرح سوى صورة عن أمها البطلة
    كل الإحترام والتقدير

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.