أيها الفخاري الأعظم

أيها الفخاري الأعظم, أنا عبارة عن جرة فخارية صنعتها بيديك وحافظت عليها من عبث العابثين, ولكن الأيامُ فعلت بجرتك

آثار دلمون

آثار دلمون

الفخارية الأعاجيب, والحساسية الزائدة التي رسمتها على ملامح جرتك جعلت مني إنسانا رقيقا أي شيء يؤثر به حتى نسمة الهواء تؤثر بجرتك الفخارية, أنا جرة مصنوعة من الفخار وليست مصنوعة من النحاس, أنا عبارة عن طين وصلصال أنا عبارة عن تراب, ولكن روحك النضالية الخالقة التي وضعتها في جرتك جعلت مني إنسانا آخر, أيها الفخاري الأعظم أرجو أن تكون رسالتي قد وصلت إليك, كل الأواني الفخارية التي صنعتها بيديك قد تحطمت وأنا على طريق الحطام أمشي وأسير بخطى ثابتة … أنا مخلوق ضعيفٌ جدا, أنا كالرمل بين يديك, تضيف إليه الماء, تضيف إليه الإسمنت, تضيف إليه الأكسجين لكي تخلقني, تتفنن في خلقي, ترسمني صورة بين عينيك ثم تجعل مني حقيقة كبرى, أنا كالرمل معجون بأناملك, أنا كالخزف بين يديك وكالزجاج بين يديك أي شيء يخدش حيائي فتمهل في صنعي وعجني وصبي في قوالب بشرية, أيها الفخاري الأعظم أنا كالريح بين يديك أتطاير هنا وهناك وتتطاير معي حبات التراب, أنا جرة كانت يوم صنعتها ترتجفُ بين يديك, كانت تهتز مع كل قطرة ماء وضعتها فيها, كان قلبي يومها يهتز بين أناملك, واليوم روحي ترنو إليك.. أنت صنعتني من الطين, جبلتني أول مرة وتعرف كم هو أنا حساس جدا أي شيء يجرح كبريائي العظيم, لا يوجد أروعُ منك في صناعة الفخار الفاخر, فمن الماء شفافية الطبيعة ومن النار وهجها,وبينهما المهارة والخبرة في صناعة الفخار الفاخر, أنت خلقتني على صورتك الجميلة, أنا كالألوان الزيتية بين يديك, كل يوم تخلطني مع ألوانك الزاهية والفاتحة والغامقة والمعتمة , تتفنن جدا في مزج الألوان في بعضها البعض, أيها الفخاري الأعظم أنا جئت برجليّ إليك, آتي إليك بكل أشكال الفساد التي عملتها , آتٍ إليك بكل الأعمال الفاسدة التي ارتكبتها في حياتي, آتٍ إليك وأنا طمعان بأن ترحم الفخار الذي سيتكسر بين يديك, أنا أيها الفخاري الأعظم عبارة عن شظايا زجاجية تتساقط تحت قدميك أنا عبارة عن إنسان معجون من الرمل بالماء ولا أحتمل كل هذه الضربات التي فوق رأسي, زرعوا أزاميلهم في رأسي وفي صدري وفي قلبي حتى قسمتني إلى نصفين, أنا أيها الفخاري الأعظم ما زلت أتأمل في خلقك ليل نهار, فكل تلك الأواني الفخارية صنعتها أنت بيديك, كلهم مثلي معجونين بالماء وبالرمل, أنا آتٍ إليك وعندي استعداد أن اصمد أكثر بين يديك مع أني أعرف أني عبارة عن جرة فخارية أي شيء يكسرها ويجعلها شظايا, أنا أيها الفخاري الأعظم احتملت ما لا يحتمله الفخار, احتملت ما لا يحتمله الفخار وصمدت على ما لا يستطيع الفخار أن يصمد أمامه, أنا أيها الفخاري الأعظم هنالك قوة تشدني وتجذبني إليك, أرجو منك أن تعيد صنعي من البداية وأن ترسم شكلي في قوالب جديدة وأن تمنحني الصبر الذي منحته لأيوب وأن تخفف من درجة حساسيتي لهذا الكون, أنا أيها الفخاري الأعظم أرشح عرقا ودموعا علما أن الفخار لا يرشح منه إلا الماء, فما أنا بالنسبة إليك؟ وكيف جعلتني أرشحُ بالدموع!لا بد أن المشاعر الجياشة التي وضعتها فيّ هي التي جعلتني أرشح بالدموع.

أيها الفخاري الأعظم, أنا تتلقفني الأقدام والأيدي وأي ركلة تكسر لي قلبي ووجهي ويدي, وظهري أصبح اليوم منحنيا جدا, أيها الفخاري الأعظم أنا بين الفخار وفي زحمة الناس الكل يركلني مرة بيديه ومرة برجليه, الجرار الفخارية تتصادم مع بعضها في أزمة الطريق وتتلاطم كما تتلاطم أمواج البحر مع بعضها, وأنا عبارة عن فخارة مكسورة القلب والجناح و تحتمل حرارة الأفران الملتهبة ولكن قلبي لا يحتمل كل تلك الأوجاع, مكتوبٌ عليّ أن أبقى فخارة بين الفخاريات الملتهبة والمشتعلة بنار هذا الكون السحيق,يدي مصنوعة من الخزف,وقلبي مصنوعٌ من الخزف وأي شيء يؤثر فيّ, أيها الفخاري الأعظم أنا مصنوعٌ من الفخار ولست من الحديد والنار أو من المعادن التي تحتمل كثرة الطرق والتعدين, لمسة من يديك وتدبُ بي الحياة, أي ضربة تكسر لي قلبي ولكن روحك التي وضعتها في الجرة تجعلني أحتمل المزيد من المصائب, لمسةٌ من عينيك ويعود لي بصري, أنا بدونك لا شيء ولا أساوي أي شيء, أيها الفخاري الأعظم لا أحد يضاهيك في صناعة الفخار وفي عجنه وفي تشكيله كيفما تشاء.

أيها الفخاري الأعظم, أنظر كيف فعلت أصابع يديك في قلبي وفي عقلي وفي جسمي كله, جعلتني إنسانا آخر وفخارة مختلفة عن كل أنواع الفخار الذي جبلته بيديك حين أضفت إلى طينك تفاحة من البحر الميت وشجرة ياسمين من بلاد الشام, أنظر كيف أصبحت مشاعري ملتهبة تهب وتشتعل مثل النار عند سماع كلماتك العظيمة, جعلتني أشعر بهذا الكون أكثر وجعلتني أحس بهذا الكون أكثر, أنظر أيها الفخاري الأعظم ماذا صنعت بقلمي حين أبدأ برسم الكلمات, ما الذي كتبته على جبيني بخط يدك؟وما الذي قدرته عليّ, أيها الفخاري الأعظم أنا مشتاق لأن تسكن روحك في روحي من جديد فعندي شعورٌ أنني قد انتهيت وبأن ساعة هدم وتكسير الفخار قد آن أوانها, كل فخارة من صنع يديك مصيرها أن تكسرها بيديك وأنا مصيري قد آن أوانه وحياتي كلها بدأت تتحطم, مشاعري أحرقتني وحساسيتي أضعفت الكثير من احتمالاتي على الصبر وعلى الألم, أيها الفخاري الأعظم أنا مصفوف بين يديك, أنا مفتون بسحرك الذي بدا على ملامح وجهي, أيها الفخاري الأعظم أنا عبارة عن جرة متكسرة, عبارة عن حطام متناثرٌ هنا وهناك.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.