علي الكاش
4. نظرة واقعية إلى العصور الذهبية الفارسية المزعومة:
لم تذكر بلاد فارس عند الرواة العرب كإقليم مما يعني قلة شأنها، فقد ذكر ابن الجوزي ومن سبقوه ” أقاليم الأَرْض سَبْعَة فالإقليم الأول الْهِنْد وَالثَّانِي إقليم الْحجاز وَالثَّالِث إقليم مصر وَالرَّابِع إقليم بابل وَالْخَامِس إقليم الرّوم وَالشَّام وَالسَّادِس بِلَاد التّرْك وَالسَّابِع بِلَاد الصين”. (المدهش/64). لكننا سنحاول ان نوجز تأريخها.
أ. العصر الذهبي الأول:
يعتبر العصر الذهبي للحضارة الفارسية ـ حسب زعمهم ـ هي الفترة الممتدة بين (309 ـ 379) أي حوالي سبعين سنة فقط، وهي التي توفي فيها الملك هرمز الثاني، وبدأت المعارك بينهم وبين العرب، ووصل العرب إلى مدينة فارس وهي عاصمة الملوك الساسانيين، وكانت الفوضى قد عمت الدولة حيث قتل النبلاء إبن هرمز الثاني، وسبلوا عيون ابنه الثاني، وسجنوا ابنه الثالث، وتوج الملك شابور الثاني وهو في رحم أمه بوضع التاج على بطنها في حالة شاذة تاريخيا!
ثم تمكن الملك الصغير من إنهاء الفوضى وتوحيد البلاد وبناء جيش قوي، وساد الأمن في حدود الإمبراطورية الجنوبية. وتمكن شابور من توسيع رقعته بعد استعادة ما فقدته دولته في حروبها مع العرب والرومان من أراضي. وفي عهده المستقر نسبيا، لم تكن هناك حضارة علمية وأدبية بل يمكن تشخيص مظاهر التعامل الإيجابي مع اليهود، والاضطهاد القاسي للنصارى، والتنكيل بالإمبراطورية الرومانية المنافسة لفارس. تتلخص نهضتهم المزعومة في عصرهم الذهبي كما يسمونه بإكمال نصوص كتابهم المقدس (الفيستا). الحقيقة لا توجد غير الحملات العسكرية والانتصارات والتوسع الجغرافي في هذا العصر الذهبي، ولو قارناه بالعصر الذهبي لبغداد في عهد هارون الرشيد لأدركنا الفرق الشاسع بين العصرين الذهبيين.
ب. العصر الذهبي الثاني
يمتد للفترة ما بين 498 ـ622 بدأ مع حكم الملك قباذ الثاني الذي قاد حملة كبيرة ضد الإمبراطورية الرومانية وأحتل مناطق تابعة لها ثم احتل ديار بكر الحالية واسترد جورجيا ثم وسع الإمبراطورية، وكل الذي فعله هو تطوير نظام الضرائب للإنفاق على جيشه الضخم وتوسعاته، ولا توجد مظاهر تدل على أن العصر كان ذهبيا في مجال العلوم والفنون والآداب.
ثم تلت هذه الفترة عصر الانحلال والسقوط للفترة من 622 ـ 651. وفي الوقت الذي يدعي فيه مؤرخو الفرس بأنه كان لديهم نهضة عمرانية وموسيقية وأدبية تحديدا، فإنه لا توجد شواهد تبين تميزها عن غيرها من البلدان. الغناء والموسيقى والعمران موجود في كل البلدان وعند الأقوام البدائية أيضا، ولا يمكن اعتبارها مؤشرا حضاريا ما لم تتميز بمعالم عمرانية وعلمية واضحة كالجنائن المعلقة والأهرامات علاوة على النهضة الأدبية والفنية واتساع وفود الدارسين من طلاب العلم. الحقيقة أن هناك مبالغات كبيرة حول الانتصارات والتوسعات الفارسية لم تثبت صحتها في مؤلفات المؤرخين من غير الفرس، سيما الرومان والعرب.
بل إن أقدم المؤرخين اليونان هيرودوتس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ذكر في ملحمته التأريخية بأن كلمة ( بارسيوس) أي فارسي تعني (قاطع الطريق) أو المنفلت اخلاقيا. لذلك لا تجد كتاب فارسي قبل الفتح الإسلامي في الطب والصيدلة والفلك والفلسفة والهندسة والحساب، والآداب التي يتبجحون بها ولا تزيد عن كتاب واحد. يذكر د. ويسن بأن” الآداب البهلوية المتوفرة عندنا لا يزيد حجمها عن التوراة، وأنها في الغالب تتعلق في نصوص دينية أو فقهية فقط”. أما علوم العرب خلال تلك الفترة التي نصفها نحن مع الأسف بالجاهلية والتي تقابل العصر الذهبي للفرس فيحدثنا عنها المؤرخ الآلوسي.
كان العرب يؤرخون بالنجوم قديماً، ومِنه صار الكُتَّاب يقولون : نَجَمتُ على فلانٍ كذا حتى يؤديه في نجوم. وكانت العرب تؤرخ بكل عام يكون فيه أمرٌ مشهورٌ متعارَف. وكان للعرب عِلمٌ بالأجرام العلوية ، واشتغال بالرصد ، ومعرفةٌ بحركات الكواكب، وكانوا يقسمون الأنواء وأيامها. وكان لهم أقوالٌ مأثورة عند طلوع كل نوء، ومِن ذلك قولهم : إذا طَلَع العقرب جَمَس المذنب، وقرب الأشيب ومات الجِندب، ولَم يصِرَّ الأخطب، وكانوا يقسمون السنة إلى أجزاء ، ولهم فيها تسميات مختلفة.
مِن علومهم: عِلم القيافة، وهو على قسمين : قيافة الأثر : وهو عِلمٌ باحثٌ عن تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر، وقيافة بَشَر : وهو الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصَين على المشارَكة والاتحاد بينهما في النسب والولادة في سائر أحوالهما وأخلاقهما، وأشهر مَن عُرِف به : بنو مُدلِج ، وبنو لِهب.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- ** ما علاقة حبوب الكبتاغون … بانتصارات نعيم قاسم وحزبه **بقلم سرسبيندار السندي
- ** فوز عون وسلام … صفعة أخرى لمحور المتعة والكبتاغون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل جحيم كاليفورنيا … عقاب رباني وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- ** ما علاقة حبوب الكبتاغون … بانتصارات نعيم قاسم وحزبه **
أحدث التعليقات
- تنثن on الايمان المسيحي وصناعة النبؤات من العهد القديم!
- Hdsh b on الايمان المسيحي وصناعة النبؤات من العهد القديم!
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح