حرامي صغير اسمه أبو عويد

محمد الرديني

لا اروع من كلام أولاد الملحة حين يفضحون المسؤولين ، لانه يحمل الصدق كله والحقيقة كلها.
وهذا الرجل واحد دمنهم .. ثيابه لالون لها لحيته كثة لم يمسسها موس الحلاقة منذ زمن بعيد، ومازال يحتفظ بلكنته المحببة تضيف إلى بشرة وجهه الأسمر حرارة الصدق فيما يقول .
هذا الرجل خرج علينا وهو يتحدث عبر إحدى القنوات الفضائية وصوته يملؤه الاحتجاج على أبو عويد تاجر “المونة” في الحي الذي يسكنه.
وهذا هو النص الحرفي لكلامه وقبل ان نقراه نريد منكم هلهولة للسيد أبو إسراء أعلى معسول تنفيذي بالدولة.
يقول:
“يأبه ليش ما تتراجع عن قرارك(يقصد قرار إلغاء البطاقة التموينية) .. هسه عدنا أبو عويد تاجر “المونة” في الحي مالتنا ، من سمع بالقرار رأسا ضم الزيت والطحين والتمن لمن سألناه كال ضميته للحسين ، طبعا جذاب، لان الحسين ما يأكل 14تريلة تمن .. الزيت صار ب 50 ألف دينار وكيس الطحين ب100 ألف دينار والتمن يحلفون بيه.
أنهى هذا الرجل صيحته بصرخة جاءت من اعماقه لتقلب كل الكراسي على وجوه القوم في المنطقة الخضراء.
صرخ:
بويه، أكلوا نص وانطو الشعب نص.
وكاتب السطور يكلك: عمي رحت فدوى لك انت وعيالك لاتزعل حالك ترى جماعة أبو عويد مادايمين ولا كراسيهم بيها صمغ، بس شوية اصبر راح تشوف السلطة وكلابها وين يصفى بيهم الدهر.
ودعتك الله عمي
فاصل زيتي: هذا هو الرابط وشروط المشاهدة إلا يراه أصحاب ضغط الدم العالي خوفا من السكتة القلبية.

فاصل محو أمية مكرر:قالت النائبة عن القائمة العراقية الحرة عالية نصيف .
ان اغلب أعضاء البرلمان حاصلين على شهادات بكالوريوس من خارج البلاد وانه سيتم مفاتحة القنصليات والملحقات الثقافية الخارجية من اجل الاطلاع على تلك الشهادات ومن ثم التأكد من وزارة التعليم العالي اذا ماكانت تلك الشهادة معتمدة في البلاد موضحة ان لجنة النزاهة تقوم حاليا بالعمل مع اللجان الاخرى في تحقيق بشهادات اعضاء البرلمان كما ان هناك
أصنافا مختلفة من اعضاء البرلمان منهم من لا يحمل شهادة اصلا ومنهم من يحمل شهادة الابتدائية ويددعي بان لديه شهادة بكالويوس فضلا عن وجود اعضاء يحملون شهادة اهلية غير معترف بها.
بشرفكم أكو أحلى من هذه النكتة؟  تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

أيها الحكام.. العاقل من اتعظ بغيره والأحمق من اتعظ بنفسه!

الشرق القطرية

فيصل القاسم

رغم أن الرئيس السوري بشار الأسد كان قد قال بصراحة في خطابه الأول في مجلس الشعب السوري بعد اندلاع الانتفاضة في بلاده ضد نظام حكمه بأسابيع قليلة إنه سيقلب حركة دومينو الثورات في الاتجاه المعاكس، إلا أن الثورات لم ولن تتوقف. لقد أراد الأسد أن يوجه رسالة تطمين ربما إلى بقية الأنظمة العربية المهددة بانتفاضات شعبية بأنه سيضع حداً لحركة الربيع العربي، بحيث سيتوقف قطار الثورات بعد مروره بتونس ومصر وليبيا في سوريا، وبالتالي لن يعرج على أي بلد عربي آخر. تهديد الأسد هذا مر مرور الكرام، مع العلم أنه كان أبرز ما جاء في خطابه الأول ضد حركة الاحتجاج في سوريا. لكن لاشك أن البعض استقبله في بقية الدول العربية بسعادة غامرة، خاصة أولئك المتوجسين من انتقال نار الثورات إلى ربوعهم.

ومما يدل على أن الكثيرين شعروا بالغبطة لتصريح الأسد أعلاه أن هناك بلداناً عربية راحت من وراء الستار تدعم النظام السوري بكل ما يلزم لعكس حركة الدومينو التي وعد بها. وقد جاء على لسان الرئيس السوري في مقابلته الأخيرة مع تلفزيون روسيا اليوم أن هناك العديد من الأنظمة العربية “تدعمنا سراً. ولاشك أن في تصريح الأسد بعض الصحة، فرغم أن معظم الحكومات العربية تساير حركة الشارع المؤيدة للثورة السورية في بلادها، إلا أنها من تحت الطاولة تدعم النظام السوري في حربه ضد الانتفاضة الشعبية في سوريا عسكرياً ومالياً. وقد ذكرت بعض التقارير أن بعض الدول العربية ترسل التعزيزات والمستلزمات المدنية دعماً لحملة النظام السوري على الثائرين السوريين.

لقد وجد الكثير من الأنظمة العربية بعد اندلاع الربيع العربي ونجاح الثورات في بعض البلدان نفسه بين نارين، فويله لو أنه دعم النظام السوري علناً، مما قد يؤجج الشارع المحلي ضده، وويله لو أنه لم يدعم النظام السوري، فنجاح الثورة السورية بنفس السرعة التي نجحت فيها بقية الثورات قد يشجع الكثيرين على أن يحذوا حذو الذين انتصرت ثوراتهم. باختصار شديد، فقد وجد الكثير من الأنظمة نفسه في وضع لا يحسد عليه. لكن مما زاد الطين بلة أنه لا أحد يتعلم من أخطاء الآخر، مع العلم أن تلك الأخطاء واضحة للعيان وليست قديمة، بل يرددها الإعلام ليل نهار. وعلى رأس تلك الأخطاء أنه لا أحد يريد أن يتعظ لا من تجربة زين العابدين بن علي في تونس، ولا حسني مبارك في مصر، ولا معمر القذافي في ليبيا، ولا بشار الأسد في سوريا. ولو لاحظنا أن كل زعيم عربي تبدأ بشائر الثورة في بلاده يبدأ باجترار نفس التعبيرات والعبارات والأسطوانة التي اجترها سابقوه، ولم تنفعهم أبداً. لا أحد يريد أن يتعلم على ما يبدو. الجميع يعتقدون أن وضعهم يختلف عن الذين سقطوا، مع العلم أننا كلنا في الهم عرب.

ظننا أن القذافي مثلاً كان استثناء عندما بدأ يستورد المرتزقة والبلطجية من إفريقيا لقمع الثورة في بلاده، فدارت الأيام لنكتشف أنه القاعدة وليس الاستثناء، بدليل أن البعض يدفع الملايين الآن لاستقدام مرتزقة مختصين في قمع الاحتجاجات والمظاهرات في بلاده ضد أبناء شعبه المتحركين. وكلنا سمع في وسائل الإعلام كيف يشتكي المعارضون في بعض الدول من وجود قوات مكافحة شغب مستوردة من بلدان أخرى تقوم بقمعهم والتصدي لمظاهراتهم. والأمثلة كثيرة ولا داعي لذكرها.

لا أدري لماذا يعاني الكثير من أنظمتنا من داء المكابرة؟ فبدل من أن يلجأوا إلى الإصلاح الحقيقي عندما تصرخ الشعوب، تأخذهم العزة بالإثم، ويركبون رؤوسهم، فيزيدون الطين بلة. لا أدري لماذا لا يتعلمون من التجربة السورية التي أدت إلى حرق البلاد والعباد بسبب تعنت قيادتها التي آثرت التصدي للشعب وتدمير الدولة بدل النزول عند رغبات الناس. هل يعقل أن تلجأ بعض الحكومات مثلاً إلى رفع الأسعار ومعاكسة الشارع الملتهب أصلاً بدل تطييب خاطره والنزول عند طلباته البسيطة؟ هل هذا هو الوقت المناسب لرفع الأسعار بهذه الطريقة الجنونية الغشيمة؟ ليس من الخطأ التراجع عن بعض القرارات الخاطئة أبداً، بل إنه رأس الحكمة. لكن لا أحد يريد أن يتعلم من أخطاء ممن سبقوه وركبوا رؤوسهم. ألا يعلم المتعنتون أن كل الشعوب العربية باتت على صفيح ساخن، وغدت مستعدة للنزول إلى الشوارع والصراخ بأعلى صوتها ليس فقط من أجل الإصلاح الحقيقي، بل أيضاً ربما لإسقاط بعض الأنظمة والدوس على كل المقدسات السياسية؟ عجيب فعلاً أمر المتعنتين والمكابرين.

هل يعقل أن يلجأ البعض إلى اللعب بالقوانين والدساتير لصالح الأنظمة الحاكمة في وقت تثور فيه الشعوب في أكثر من مكان لتعديل القوانين والدساتير لصالح المجتمعات لا القيادات؟ كل الملايين التي دفعها القذافي على المرتزقة لم تحمه من السقوط عندما قرر الشعب إسقاطه؟ وبالتالي، كل من يعتقد أن بإمكانه التصدي لحركة الشعب باستيراد بضعة ألوف من المرتزقة وقوات مكافحة الشعب من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية مخطئ تماماً، ومكابر، ولا يريد أن يتعلم، لا بل مصمم على السقوط في نفس الحفرة التي سقط فيها أسلافه، ولم يخرجوا منها؟

هل يعقل أن يقوم البعض بترهيب الشعوب بحرمانها من أبسط حقوقها الوطنية وزجها في السجون كضربة استباقية لأي حركات احتجاجية على نطاق واسع في بلد ما، أو لسحق الاحتجاجات المستمرة منذ شهور في بلد آخر وابتزاز الناشطين بأبسط حقوقهم الإنسانية؟

متى يدرك المكابرون والمتعنتون من الحكام أنه لا بشار الأسد ولا هم قادرون على عكس حركة الدومينو التي استبشروا بها خيراً عندما طرحها الرئيس السوري في خطابه الأول بعد الثورة؟ ألا يلاحظون أن الشعب السوري أمضى حتى الآن قرابة العامين في ثورته على الظلم والطغيان، ومازال يزداد تصلباً وعنفواناً ومطالبة بإسقاط النظام؟ هل استطاع الأسد عكس حركة دومينو الثورة في بلاده أو في بقية الدول كما توعد، أم إنه زادها اشتعالاً وتوهجاً؟ هل فعلاً أن بقية الشعوب العربية خافت من أن تتعرض لما تعرض له الشعب السوري الثائر من قمع وحشي فاشي ونازي، أم أنها لم تبال أبداً، وراحت تنزل إلى الشوارع، وتتحدى، وترفع صوتها في أماكن عدة؟ أليس حرياً بمن يحاولون قلب حركة الدومينو أن يعلموا بأن الحبل على الجرار؟

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

اعطونا مما اعطاكم الله

محمد الرديني

مابين عباس محمود العقاد وسلفادور دالي علاقة حميمة وخاصة جدا.
الأول خرج بكتاب مذهب ذوي العاهات والثاني رسم لوحات حملت نظريته في السريالية،وبرز بينهما نجيب محفوظ في روايته صانع العاهات لينظم إليهما في هذه العلاقة الخاصة.
لماذا هذه الثرثرة؟
بين الثلاثة كان المتسول هو زبدة المواضيع ولعل نجيب محفوظ كان أشطرهم في تقديم عصابات التسول في مصر وكيف يختارون الأجزاء التي يقطعونها من جسم المتسول لكي يستدر عطف الناس.
ولكن هؤلاء لم يرتقوا إلى ماصل اليه التسول بالعراق العظيم.
أنهم بالتأكيد لا يعرفون ان ميزانية العراق لهذا العام حوالي ١٢٠ مليار دولار امريكي(عين السود بيها عود) ولا يدرون أيضاً ان هناك أكثر من ربع مليون متسول منهم 100ألف في بغداد وحدها كما أنهم اصبحوا كلاسيكيين إزاء متسولي العوراق العظيم التي زرعوا فيها شركات تسول متخصصة وذات باع طويل في اللصوصية والضحك على بسطاء الناس(يعني شنو باع طويا).
وفي هذه المرحلة لابد من وجود شركات تنظم عمل ربع مليون متسول وإلا لأصبحت فوضى لا معنى لها.
بدأت هذه الشركات التي لايعرف عددها على وجه الدقة بتنظيم عملها بشراء كتب العقاد ومحفوظ في هذا المجال مع عدد لابأس به من لوحات دالي.
وشرعت هذه الشركات بتقسيم بغداد إلى مناطق تسولية حسب العمر والجنس وحددت عقوبات رادعة لكل متجاوز على أماكن الآخرين كما افتتحت فروع لها في كربلاء والنجف والكوفة وسامراء.
وقد عثر احد المشاغبين بعد جهود مضنية على خارطة مصورة للمناطق التي تم تحديدها لفئات متنوعة من الأعمار وكانت كالتالي.
1-في بغدا تم توزيع ال ١٠٠ ألف متسول بالشكل التالي:
2-يتواجد الشباب من إعمار ٣٠ -٤٠ سنة في مناطق محددة في الكاظمية وتتركز فئة الشباب الأولى عند بوابات مزار الكاظم والسوق المجاور له.
3-تلتحق النساء (٣٠-٥٠) سنة في فروع الشركات ذات المسؤولية المحدودة في الزوايا المحددة على الخريطة في المزارات المقدسة في كربلاء والنجف والكوفة بينما يتركز نشاط الأطفال دون العاشرة عند الإشارات الضوئية حاملين علب مناديل التنظيف وعدد من أنواع العلكة وهي في واقع الحال من اجل التغطية على نشاطهم الأصلي.
وبدأت عدد من الشركات تطوير نشاطها مؤخراً بتشكيل قوة من الشباب الجامعي العاطل عن العمل بقيادة نسوان دون الخمسين من العمر.
مهمة هذه القوة التي أطلق عليها قوة “الاقتحام الكبرى” اقتحام البيوت بعد ان تتظاهر المرأة بطلب الماء البارد أو كسرة خبز من الساكنين وحين يفتح لها الباب من قبل الزوجة أو غيرها يسرع أفراد هذه القوة باقتحام البيت وتفريغه من كل ماغلت قيمته وخف وزنه.
وكالعادة يلجأ بعض ضباط الشرطة مع أفرادهم إلى الحل الأسهل والعملي حسب رأيهم وهو إلقاء القبض على هؤلاء المتسولين ويحجزوهم لأيام في سجون مراكز الشرطة بتهمة تشويه معالم المدينة.
نكتة مو؟؟.
أرجوكم تذكروا هذا الرقم.
دولة ميزانيتها ١٢٠ مليار دولار وفيها ذيع مليون متسول…. أكرر ربع مليون متسول وعدد لا يحصى من عصابات اقتحام البيوت والعيادات الطبية.
فاصل تسولي: تشير دراسات لهذه الظاهرة الى ان نحو 95% من ممارسي التسول هم من الاطفال الذين تقودهم جماعات تعمل على استغلالهم.
عيني ياوزراء ويا تربويين .. أي مو طيحتوا حظ العراق العظيم.. أي شوية غيرة على الاولاد والبنات القاصرات. تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

حوار مع الإسلاميين 2

كامل النجار

في البدء أتقدم بالشكر لكل من قرأ المقال ولكل من علق عليه. وبما أن التعليقات فاقت الثلاثمائة وخمسين تعليقاً، فلا يمكنني الرد عليها جميعاً، ولذا سوف أركز على الإسلاميَيَن -أبوريان الدبعي وعصام. وأود أن أشكر السيدة/ الآنسة نرمين عياد على أسئلتها العديدة التي كشفت مستوى تفكير الإسلاميَيَن. السيدة نرمين – بعد مداخلاتها الأولى غير الموفقة عن الإعجاز العددي – أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن العقل إذا تخلص من سلاسل القيود الدينية يمكنه أن يحلق بعيداً في مجال حرية التفكير، كما يمكنه الوصول إلى إلى كشف الحقيقة رغم طبقات الصدأ العديدة التي خلفتها لنا قرون الرضوخ إلى الأساطير الصدئة. وأود هنا أن أهنيء السيدة نرمين على سعة إطلاعها في الإرث الإسلامي الأسطوري، وعلى إلمامها العميق بتناقضات القرون العديدة.
أما السيد أبوريان لم يخرج في تعليقاته عن نمط الشيوخ الذي تعودنا عليه، فهو مثلاً يقول لي: ((دكتور النجار أنت تقول بان الفيلسوف الإنكليزي بيرتراند رسل قد قال عندما سألوه نفس السؤال: (سأقول للإله إنك منحتني عقلاً أفكر به ولكنك لم تمنحني ما يكفي من الأدلة على وجودك، فلم يقتنع عقلي بك)وهذا هو ردك أنت ايضاً للأله حين ياتي لمسألتك ،هذا إن كان هنالك إله بحسب زعمك وزعم الفيلسوف ،لكن تعال لنكن جهلاء وأميين لبعض الوقت وليس فلاسفة ، لنفرض أن الأله رفض حجتك وقال لك أنا السيد اليوم وأنا الملك فسادخلك جهنم جزاء لمافعلت ،بصرف النظر عن كونه عادلا ً أو غير ذلك فالمسألة محسومة عنده بأنك للنارلامحالة كانت لديك حجة أولم تكن ، فبماذا سترد اوكيف ستتعامل مع الموقف ؟؟هل ستتغلب عليه بعقلك الذي أوصلك إلى هذا ؟وإن كنت لأظن أن عقلك ليس عقلا ً بل هوى ً وجحود،هوى ً يتلاعب بك)) انتهى
أولاً أنا لم أزعم بأني فيلسوف، ولكني أؤكد له أني لست أمياً مثل شيوخه، فإن أراد هو أن يزعم أنه فيلسوف، فهذا شأنه، أما قوله (لكن تعال لنكن جهلاء وأميين لبعض الوقت)، قول لا يعكس الحقيقة إذ يدل على أن السيد أبا ريان قد تمكن من العلم ويريد أن ينتحل شخصية الجاهل لبعض الوقت، بينما أسلوب ومحتوى حواره لا يعكس ذلك العلم. أما إلهه الذي سوف يقول لي بأني سوف أدخل النار بغض النظر عن حجتي لأن المسألة محسومة عنده، فإن هذا لا يدعو إلى الاستغراب لأن رب القرآن قد قال (ولو شيئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (السجدة 13). فهو قد قرر مسبقا أنه لا بد أن يملأ جهنم من الانس والجن. فهو الديكتاتور الذي تعلم منه صدام حسين والقذافي ومبارك. وإذا كان السيد ابوريان يعتبر عقلي ليس عقلاً بل هوًى، فهذا كذلك شأنه ولن أنزل بمستوى عقلي إلى مستوى عقله.
يقول السيد أبوريان في تعقيبه رقم 145 (كما أنني أريد أن أضيف نقطة هامة وهي التي أنت تركز عليها دايما ً وهي ، أن البعض لايعبد الله إلا خوفا ً من عقابه أو طمعا ً فيما عنده / وهناك من يعبده أفتراضا َ وأحتياطا ً ، كما أنه يوجد من يعبد الله حبا ً فيه كونه خالقه وموجده وأنه قد اختاره هو ورشحه من بين تلك الملايين من الحيوانات المنوية ليكون مشروع خلق وإنسان يظهر لعالم المادة والوجود ، وهولاء هم العباد الأحرار) انتهى. ربما لا يعلم السيد أبوريان أن الفرس يقذف أضعاف ما يقذفه الرجل من حيوانات منوية ولا يصل إلى بويضة الأنثى غير حيوان منوي واحد، فهل الحصان الناتج من هذا الاختيار هو حصان حر يعبد الله الذي يقول في القرآن (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون) (آل عمران). الله لا يختار الحيوان المنوي الذي يصل إلى البويضة. الحيوانات المنوية تتسابق نحو البويضة بسبب عملية كيماوية تُسمى chemotaxis والحيوان الأسرع والأقوي يصل إلى البويضة قبل الملايين الأخرى التي تموت. وهذا يدل على أن الخالق، إن وُجد، لم يُحسن الخلق ولا يقتصد فيما يخلق. ثم أننا الآن نمتلك آلاف البنوك لتخزين الحيوانات المنوية التي يتبرع بها الرجال، والطبيب يستطيع أن يفحص تلك الحيوانات ويختار ما يراه الأنسب ثم يزرعه في رحم المرأة، دون أي تدخل من الله أو ملائكته أو رسله. ثم من هم الذين يعبدون الله حباً فيه والقرآن يقول لنا في وصف المؤمنين:
والذين هم من عذاب ربهم مشفقون (المعارج 27)
إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا (الإنسان 10)
يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا (الإنسان 7)
إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا (الإنسان 10)
هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً ( الرعد 12). أما الكفار فيقول عنهم (إنا اعتدنا للكافرين سلاسلاً وأغلالاً وسعيرا) (الإنسان 4). فواضح أن الخوف من ذلك اليوم الرهيب هو سبب إيمان المؤمنين وليس حباً في الله.
يقول أبوريان في نفس التعليق (إن العقل حين خلقه الله أدرك أن له خالق لكن لم يستطع إدراكه بذاته الناقصة فشهد لله بالوحدانية والكمال). أي عقل يتحدث عنه أبوريان؟ آدم عندما خلقه الله حسب مفهوم القرآن، لم يكن له عقل، بل كان له دماغ فقط. العقل هو الفكر والتجارب التي نختزنها على مر السنين. وآدم لم يكن يعرف شيئاً ولذلك علّمه الله الأسماء. وحتى عقل آدم الضئيل في ذلك الوقت لم يشهد لله بالوحدانية بدليل أنه لم يستمع لما أمره به واستمع إلى ما قاله له إبليس وعصي ربه. العقل المعاصر المطلع لا يشهد لله بالوحدانية ولا يشهد حتى بوجوده. أنا أستطيع أن أؤكد لك أن عقلي لا يشهد لله بالوحدانية وكذلك لا يشهد له عقل استيفين هوكنز ولا عقل ريتشارد دوكنز ولا عقول كثير من قراء الحوار المتمدن.
يقول السيد أبوحيان في التعليق رقم 167 (دعنا من كل الأنبياء والرسل والكتب السماوية وغير السماوية ، ولنرحل أنا وأنت في رحلة فكرية بسيطة في عالم الإنسان وجسده المعقد وكذلك التركيب الدقيق لهذا الكون الواسع الذي لانعلم منه إلا قطرة من بحر بل من محيط ، ولنبحر أيضا ً في تلك اللا مرئيات والتي نعترف بها ونقر بوجودها رغم عدم رويتنا لها كالجاذبية والذبذبات والأكسجين ،وإن للأكسجين وحده لوقفة تستحق الأكبار كونه أتى من أجل كل كائن حي بل ربما غير الحي ، هذا التركيب وهذا النسق وهذا التوافق كتوافق الرجل والمراة والاتصال الذي ينتج عنه بقاء النوع ، هل كل هذا ليس له موجد أو خالق ؟؟؟سمه ماشئت إله ، رب ،خالق ، واجب الوجود ، علة العلل ، العقل الكلي ، الأول ،الآزل ، القديم ، ،المهم أنك تعترف في نهاية تفكيرك وبحثك بمكون لهذا التكوين وأنه لم ياتي هكذا صدفة رغم أن الصدفة ذاتها هي ذات لابد لها من مكون وموجد) انتهى.
أبوريان هنا يتحدث عن موضوع ناقشناه من قبل وقلنا إن الجاذبية والكهرباء رغم أننا لا نراهما لكنا متأكدون من وجودهما لأننا نستطيع أن نقيسهما، ونرى مفعولهما في تجاربنا ، بل نستطيع أن نصنّعهما في المختبر. ولكن هل نستطيع قياس أو مفعول الملائكة أو الجن أو الله؟ هناك فرق كبير بين اللامرئيات الحقيقية مثل الجاذبية والكهرباء وبين اللامرئيات الأسطورية مثل الخالق والجن. أما الصدفة فليست فليست ذات وليس لها خالق. الصدفة عملية حسابية نستطيع أن نحسب احتمالات حدوثها بتطبيق قانون حسابي. فمثلاً إذا عرفنا عدد الذين اشتروا تذاكر يانصيب في أسبوع معين، نستطيع أن نحسب احتمال فوز أي مشتري بالجائزة. وهذا القانون أو formula اخترعها المتخصصون في الرياضيات. فليس هناك أي خالق للصدفة
يستمر أبوريان فيقول في تعقيبه رقم 168 (ولما كانت العصور المتأخرة أستخدم الرب وسائل أخرى منها ،(المؤمنين المجاهدين في سبيله ،إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)،،وليس الإرعابيين الذين نراهم اليوم من أندسوا بين جند الله وأنتحلوا شخصياتهم) فأعطاهم الرب الفرصة للفوز برضاه عن طريق الجهاد والقصاص ممن ينكرون فضله وربوبيته وألوهيته ، وهي أيضا ً من وسائله ، لانك لونظرت إلى الجهاد وقتال الكفار والمعتدين لوجدته لم يصرح به في بداية الخلق البشري وكذلك في بداية البعثة النبوية لمحمد ، وبهذا أعطى الله المؤمنين الفرصة لينالوا رضاه والفوز بجنته وإحسانه على أن يكونوا يده التي تفتك بالخارجين عن سلطته ونظامه وقوانينه ،وبهذا أخذ القصاص الإلهي من الخارجين عن نظامه منحا ً آخر بعد أن كان مقتصرا ً على الوسائل المسخرة الطبيعية المسيرة وذلك بمشاركة المُخير الحر (الإنسان )في هذا الأمر فهو الخليفة للرب) انتهى.
أين هذا الإله الخرافي الذي استرجل على قوم لوط فخسف بهم الأرض، وعلى قوم ثمود وعاد وأهلكهم بالصيحة أو بالريح العاتية؟ لماذا أصبح الآن بعد أن انتشر العلم وعرفنا ضعفه، يشتري من المؤمنين أنفسهم ليقاتلوا في سبيله؟ أين ملائكته الذين كان يرسلهم في بدر وفي غيرها من المواقع لتهزم المشركين؟ هل انقرضت الملائكة ولم تعد قادرة على قتل الكفار؟ ثم أن هذا الإله يقول لنا إنه إذا أراد شيئاً فيقول له كن، فيكون، فلماذا لا يقول للكفار “موتوا” فيموتون، بدل أن يشتري من المؤمنين أنفسهم ليقتلوا الكفار؟ ثم لماذا يستأجر الله المؤمنين ليقتلوا الكافرين وهو كان قد قال لنا في قرآنه (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره) (فاطر 39). وهذا يعني أن الكافر عليه كفره وسوف يحاسبه الله يوم القيامة، فلماذا يستأجر المؤمنين ليقتلوه ثم يحاسبه في الآخرة، وكل ذلك لأنه لم يسجد لهذا الرب الديكتاتور الظالم. ثم أن كلمة “خليفة” في اللغة العربية تعني الشخص الذي يخلف الحاكم أو المالك بعد موته كما خلف أبوبكر محمد. فلماذا يجعلنا الله خلائف في الأرض وهي أرضه، هل مات هو أو اختفى حتى نخلفه. وإذا كان الله يقتل الخارجين عن سلطته بأيدي المؤمنين، لماذا لم يقتل إبليس الذي كان أول من خرج عن سلطته؟
ثم يدخلنا السيد أبوريان في سفسطة لا طائل من ورائها، فيقول عن آدم في تعليقه رقم 232 (إن الله أصطفى آدم…الخ ) والإصطفاء لايكون إلا من بين مجموعة ؟؟؟!!!نعم ستتعجب لهذا وستقول أن هذا القول لم يقل به أحد ، وأنا أقول لك بل قال به المسعودي وبعضا ً من الصحابة وقال به عبدالصبور شاهين وقال به الكثيرون من العقلاء ولكن لم يُسمع لقولهم لأنهم خالفوا أقوال المتقدمين من اصحاب الأديان التي لاتستند إلى دليل قوي من الكتاب أو من السنة أو العقل ، ومن هذه الفكرة يتضح لنا جليا ً أن آدم كان نبيا ً على قومه الذي كان منهم ،ومن هذا القول نخرج بفكرة جديدة من نتايجها أن البشر وسلالتهم لم تأتي من أخوين كما يروج علماء الجهل لهذا ،لأن الله أعظم من أن يجعل مبداء التناسل من أخوين ، ولكي تستوعب الفكرة كاملة عليك بقراءة نظرية أسمها (آذان الأنعام )وأما الجنة فهي جنة سخرها الله لآدم فيها كل مايريده هو وزوجه ومن معه على الأرض …. نعم ومن معه فقد كانوا مجموعة وليس زوجان فقط كما يقال والدلايل في هذا والشواهد كثيرة ، كقوله تعالى ، أهبطوا منها جميعا ً) انتهى
أولاً: الشخص الذي يحاور في موقع الحوار المتمدن عليه أن يعطينا المصادر التي أخذ عنها معلوماته، ويذكر لنا اسم الكتاب والصفحة وتاريخ طباعة الكتاب، ولا يكتفي بأن يقول لنا قد ذكره المسعودي أو عبد الصبور شاهين. وثانياً: القرآن الذي يدافع عنه أبوريان يقول (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين. قال يا إبليس ما منعك ألا تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال فاخرج منها إنك رجيم. ,ان عليك لعنتي إلى يوم الدين) (ص 71-78). فالآية هنا واضحة وضوح الشمس، وهي تتحدث عن شخص واحد خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه وأمر ملائكته أن تسجد له. ثم زادنا القرآن توكيداً، فقال (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى. فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى. إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى. فوسوس له الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) (طه 116-120). فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة، فهل هذه اللغة تعني أن آدم كان شعباً كاملاً وخاطبه ربه بصيغة المثنى؟ إذا كان الأمر كذلك فإن رب القرآن حتماً يعاني من ضعف في اللغة العربية، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن المتسفسكين من أمثال المسعودي وعبد الصبور شاهين عليهم أن يخرصوا قبل أن تفقد اللغة العربية معانيها.
ةقد زاد السيد أبوريان في امتهان عقولنا وعاملنا كما أننا باكستانيون أو هنود لا نفهم اللغة العربية، فقال في تعقيبه 233 (وقوله بدت لهما سوأتهما وسواتهما ليس مثنى بل جمع مثنى ، وقوله ،فأما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلاخوف عليهم ….الخ ) وهذه تفيد الجمع ، وأريد هنا أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن آدم كان أسم جنس وفرد معا ً وليس أسم فرد فقط كقولنا مثلا ً الخيل، فهي للواحد وللمجموعة) انتهى
أهل النحو في اللغة العربية يقولون إن هناك جمع مذكر سالم، وجمع مؤنث سالم، وجمع تكسير ولم أسمع قط بجمع مثنى. وكامة مثنى تعني اثنان، فكيف يكون للاثنين جمع؟ هل يعني السيد أبوريان أن الاثنين تجمع فتصبح أربعة؟ وعندما قال القرآن (فإما يأتينكم مني هدًى) كان رب القرآن يتحدث عن آدم وحواء وذريتهما بعد أن يتكاثروا.
أمتفي بهذا القدر في تعقيبي على السيد أبوريان، وسوف أعقّب في المقال القادم على ردود السيد عصام التي بلغت شأواً من التلاعب بالألفاظ لم يسبقه عليه أحد. كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

حوار مع الإسلاميين

كامل النجار

على مدى ستة أشهر أو يزيد، وصلتني عدة إيميلات من بعض القراء يسأل كلٌ منهم سؤالاً يحاول بواسطته إثبات وجود إله في السماء وأن هذا الإله أرسل محمداً لينقل إلى البشر متطلبات ذلك الإله. وقد أجبت على بعضهم إجابة مختصرة. وقبل حوالي أسبوعين وصلني إيميل من قاريء يُدعى محمد أهل جمع فيه كل الأسئلة السابقة، والتي تنتشر بكثرة في المواقع الإسلامية، وجعل عنوان الإيميل “أشياء لم ولن تخطر ببالك”. يقول محمد أهل:
(قرأت بالآونة الاخيرة مقالاتك , لا شك انك انسان ذكي وعالم .. ولكن أريد ان اخبرك بشيء لا اظن انه قد خطر على بالك ..سافترض جدلا ان رايك صحيح في امور العدل وان الاله ناقد نفسه في اشياء مثل لماذا لم يبين نفسه علانية ولماذا ارسل الرسل ولماذا خلق السماء والارض في 6 ايام مع انو قادر ان يفعلها في لحطة كما ورد في اية كن فيكون وهكذا .. لكن ماذا ان كان كلامك صحيح في ان هاذا يتنافى مع المثالية ولكن افرض ان هنالك فعلا اله وفعل كل هذا ! ولا تسالني لماذا طبعا , فعله لشيء في نفسه مثلا لا نعلمه .. وهو يريد ان يعاقب كل من لم يصدق رسله ومن لا يقدس كلامه الغير مثالي مثلا !!ماذا ستفعل حينها ؟؟؟) انتهى.
يتضح من هذا السؤال أن السائل يعرف أن هذا الإله المفترض يفعل أشياء لا يقرها العقل السليم ويقول أشياء تناقض بعضها، ويعذب الناس بدون مبرر مقبول، ومع ذلك يؤمن هذا السائل بهذا الإله خوفاً من العواقب إذا ثبت أن هذا الإله فعلاً موجود. فإئمانه هذا بدافع الخوف فقط وليس بالاقتناع بما يقول هذا الإله، ولذلك يسألني ماذا سوف أفعل إذا ثبت وجود هذا الإله. وأنا من جانبي لا أؤمن بهذا الإله وسوف أقول له يوم القيامة، كما قال الفيلسوف الإنكليزي بيرتراند رسل عندما سألوه نفس السؤال: (سأقول للإله إنك منحتني عقلاً أفكر به ولكنك لم تمنحني ما يكفي من الأدلة على وجودك، فلم يقتنع عقلي بك). فالعقل الحر لا يمكن أن يفكر تحت تأثير الخوف، أو كما قال الفيلسوف الهولندي باروخ سبنوزا: (ليس للحرية الفلسفية حدود، فاما ان نفكر بكل حرية، واما الا نفكر ابدا). أما كون هذا الإله يفعل أشياء غير منطقية لسبب يعرفه هو، دون أن يبين لنا السبب، فهذا المنطق يتعارض مع العدالة الطبيعية

natural justice

التي يعرفها الإنسان بغريزته. وكما تقول الحكمة الشعبية (إذا عُرف السبب بطل العجب). فلو أخبرنا هذا الإله بالأسباب التي جعلته يتخذ تلك القرارات غير المنطقية أو لماذا يعذب بعض المذنبين ويعفو عن بعض، لبطل تعجبنا من قراراته التي تبدو لنا متحيزة.
يستمر السيد محمد أهل فيقول ((تانيا عندي استفسار بموضوع الاعجاز العلمي في القرءان .. ( سالتها خمسين الف مرة ولم يجبني احد ) .. لو وجدت تفسيرا لما ساقول فعلا ستحدث دوامة عظيمة في نفسي ان اقتنعت بنقدك طبعا .. اولا/ اية ” مرج البحرين لا يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ” .. قرأت ردك على السائل بانه قانون فيزيائي معروف .. ولكن كيف علم محمد قبل 14 قرن بهذا القانون ! وهو من سكان الصحراء ! وهو كان أمياً ! اساسا كيف كتب كل هذا الكلام وهو امي ؟))
أولاً: الآية تقول (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان)، والآية فيها تناقض واضح إذ أن كلمة – مرج – تعني خلط، ومنها جاءت كلمة – المروج – وهي الحقول الواسعة الخضراء التي لا ترى بينها فواصل، فتبين وكأنها حقل واحد. فعندما يقول مرج البحرين يلتقيان، فهذا يعني أنهما يختلطان بدون فواصل. ثم يقول لنا: بينهما برزخ فلا يبغيان. فكيف يخلطهما حتى يصبحا كالمروج، ثم يكون بينهما برزخ أي حاجز؟ والقانون الفيزيائي الذي تحدثتُ عنه في مقال سابق، هو اختلاط الماء العذب من الأنهار مع ماء البحر المالح. في بداية مصب النهر يمكن أن تقرف ماءً عذباً من البحر، ولكن بعد حوالي مائتي متر من المصب فسوف يكون الاختلاط قد اكتمل، ولن تستطيع أن تجد ماءً عذباً في البحر عند تلك النقطة. وأفضل مثال لهذه العملية يمكنك أن تراه في صور نهر النيل في الخرطوم عندما يلتقي النيل الأزرق القادم من جبال الحبشة محملاً بكميات كبيرة من الطمي، ويلتقي بالنيل الأبيض القادم من بحيرة فكتوريا والمنساب عبر أراضي مسطحة لا تمده بالطمي، فيظهر لونه مختلفاً عن النيل الأزرق الآتي من الجبال محملاً بالطمي، وعندما يتلقيان يمكنك أن ترى الماء الأزرق يسير جنباً إلى جنب مع الماء الأبيض، ثم يختلط النهران ويصبح نهر النيل بلون واحد. فمحمد لم يكن بحاجة لفهم القانون الفيزيائي إذ أن الظاهرة واضحة للعيان وقد عرفها كل من عاش في مناطق مصبات الأنهار في البحار. كل ما في الأمر أم محمداً نقل لنا الصورة في كلام مسجوع.
ثم يستمر السيد محمد فيقول ((قال الله (وَالشَّمْسُ تَجْرِيْ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَاْ ذَلِكَ تَقْدِيْرٌ الْعَزِيْزِ الْعَلِيْمِ ) يس : 38
و قد أثبت العلم الحديث أن الشمس تسير بسرعة 43200 ميل في الساعة و بما أن المسافة بيننا و بين الشمس 92مليون ميل فإننا نراها ثابتة لا تتحرك و قد دهش بروفيسور أمريكي لدى سماعه تلك الآية القرآنية و قال إني لأجد صعوبة بالغة في تصور ذلك العلم القرآني الذي توصل إلى مثل هذه الحقائق العلمية التي لم نتمكن منها إلا منذ عهد قريب)) انتهى .
كلما حاول الإسلاميون إثبات الإعجاز العلمي للقرآن كلما أدخلوا أنفسهم وقرآنهم في مطبات هم في غنًى عنها. محمد كان يصف الظاهرة المرئية للناس منذ الأزل، وهي أن الشمس تبين لهم أنها تسير من الشرق إلى الغرب ثم تختفي حتى اليوم التالي، ولذلك قال لهم (والشمس تجري لمستقر لها) والمستقر هو مكان الراحة والاستجمام. وعندما سال المعاصرون محمداً عن المستقر قال لهم إنها تذهب وتسجد تحت العرش حتى يأذن لها ربها بالشروق في اليوم التالي. فمحمد لم يكن يعلم شيئاً عن دوران مجرة درب التبان وأن الشمس واحدة من مليارات النجوم التي تفوقها حجماً والتي تدور حول مركز المجرة، وإلا لما قال لنا إن الله خلق الأرض في يومين ودبر أقواتها في يومين ثم خلق السماء بكل نجومها وكواكبها وممجراتها في يومين فقط. إي مهندس هذا الذي يخلق كوكباً واحداً في أربعة أيام ثم يخلق بلايين النجوم والمجرات في يومين؟
ومن أساليب خداع الإعجازيين قولهم (ولقد أثبت العلم الحديث). شبه الجملة هذه لا تخدم أي غرض. العلم الحديث غير ثابت وكل نظرية لها مؤيدوها ومعارضوها، وكلٌ يقدم أدلته. وحتى يكون النقاش ذا فائدة، فعلى الإسلاميين أن يذكروا لنا اسم العالم ومكان نشر نظريته، والصفحة المذكورة بها، وتاريخ النشر، حتى نتمكن من مراجعة الموضوع بأنفسنا. أما قولهم – قد أثبت العلم الحديث – فهو أسوأ أنواع الخداع والكذب على الناس. ثم أن هذا البروفسور الأمريكي غير المعروف بالاسم، إذا كان قد اقتنع بهذا الحشو، لماذا لم يسلم ويعلن إسلامه للناس، أم أن البترودولار يتحدث باسمه؟
أما بخصوص جريان الشمس، فهى تتحرك مع جميع نجوم وكواكب مجرة درب التبان

Milky Way

حول مركز المجرة، وتسير الشمس بسرعة 220 كيلومتراً في الثانية، مما يجعل سرعتها 792000 كيلومتراً في الساعة، وليس 43200 – كما أثبت العلم الحديث- أو كما جاء في قول السائل. والشمس لا تستقر عندما تكمل دورتها حول مركز المجرة كل 250 مليون سنة. فالشمس لا مستقر لها بعكس ما يقول محمد. فلو كان القرآن من عند الله، لماذا لم يذكر لنا جريان الأرض حول نفسها أو حول الشمس ولو مرة واحدة بينما ذكر جريان القمر الذي يدور حول الأرض، وجريان الشمس الذي يستغرق ملايين السنين. فالواضح أن محمداً كان يصف الظواهر التي يراها الإنسان بالعين المجردة، أو أن ربه كان يجهل أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة وتدور حول الشمس في 365 يوماً.
ثم ينتقل السيد محمد أهل إلى موضوع آخر، فيقول ((قال الله ( وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقَاً حَرَجَاً كَأَنَّمَاْ يَصَّعَّدُ فِيْ السَّمَاْءِ ) الأنعام : 125. و الآن عندما تركب طائرة و تطير بك و تصعد في السماء بماذا تشعر؟ ألا تشعر بضيق في الصدر؟ فبرأيك من الذي أخبر محمداً صلى الله عليه و سلم بذلك قبل 1400 سنة؟ هل كان يملك مركبة فضائية خاصة به استطاع من خلالها أن يعرف هذه الظاهرة الفيزيائية؟ أم أنه وحي من الله تعالى؟؟؟)) انتهى.
لا أدري إذا كان السيد محمد قد سافر بالطائرة أم لا، ولكني عندما أسافر بها لا أشعر بأي ضيق في صدري لأن الهواء في الطائرة مضغوط لدرجة تجعله قريباً من ضغط الهواء عند سطح البحر. أما إذا صعدت إلى 30000 قدم بدون طائرة حديثة فسوف تموت في أقل من ثانية، ليس فقط لأن الأوكسجين معدوم على هذا الارتفاع، ولكن كذلك لأن درجة حرارة الطقس تهبط إلى ما تحت الصفر بعشرات الدرجات ويتجمد جسم الإنسان. وعندما جاء محمد بهذه الآية المذكورة أعلاه وسأله معاصروه عنها، شرحها لهم، ونقل من جاء بعدهم هذا الشرح. يقول ابن المبارك عن ابن جريج (ضيقاً حرجاً، رجلٌ بلا إله إلا الله حتى يستطيع أن يدخل قلبه الإئمان كأنما يُصعّد في السماء من شدة ذلك) نقلاً عن تفسير ابن كثير. ويقول النحاس: (معنى هذه الآية أن الكافر من ضيق صدره كأنما يريد أن يصعد إلى السماء وهو لا يقدر على ذلك، فكأنه يستدعي ذلك، وقيل المعنى كاد قلبه يصعد إلى السماء نبؤاً عن الإسلام). ففهم محمد والمعاصرين له لهذه الآية هو أن من لا يعتنق الإسلام يكون خلاصه يوم القيامة مستحيلاً كمن يريد أن يصعد إلى السماء. فليس هناك أي علاقة لهذه الآية بضغط الهواء أو قلة الأوكسجين عندما نرتفع في الفضاء.فضيق الصدر هنا ضيق معنوي فقط.

ويستمر السيد محمد فيقول (((قال الله ( وَ الْجِبَاْلَ أَوْتَاْدَاً ) النبأ : 7 و قال الله ( وَ أَلْقى فِيْ الأَرْضِ رَوَاْسِيَ أَنْ تَمِيْدَ بِكُمْ ( لقمان :10 بما أن قشرة الأرض و ما عليها من جبال و هضاب و صحاري تقوم فوق الأعماق السائلة و الرخوة المتحركة المعروفة باسم (طبقة السيما) فإن القشرة الأرضية و ما عليها ستميد و تتحرك باستمرار و سينجم عن حركتها تشققات و زلازل هائلة تدمر كل شيء .. و لكن شيئاً من هذا لم يحدث.. فما السبب ؟ لقد تبين منذ عهد قريب أن ثلثي أي جبل مغروس في أعماق الأرض و في (طبقة السيما) و ثلثه فقط بارز فوق سطح الأرض لذا فقد شبه الله تعالى الجبال بالأوتاد التي تمسك الخيمة بالأرض كما في الآية السابقة ، و قد أُلقِيَت هذه الآيات في مؤتمر الشباب الإسلامي الذي عقد في الرياض عام 1979 و قد ذهل البروفيسور الأمريكي (بالمر) و العالم الجيولوجي الياباني (سياردو) و قالا ليس من المعقول بشكل من الأشكال أن يكون هذا كلام بشر و خاصة أنه قيل قبل 1400 سنة لأننا لم نتوصل إلى هذه الحقائق العلمية إلا بعد دراسات مستفيضة مستعينين بتكنولوجيا القرن العشرين التي لم تكن موجودة في عصر ساد فيه الجهل و التخلف كافة أنحاء الأرض) كما حضر النقاش العالم فرانك بريس مستشار الرئيس الأمريكي (كارتر) و المتخصص في علوم الجيولوجيا و البحار و قال مندهشاً لا يمكن لمحمد أن يلم بهذه المعلومات و لا بد أن الذي لقنه إياها هو خالق هذا الكون ، العليم بأسراره و قوانينه و تصميماته) قال الله ( وَ تَرَى الْجِبَاْلَ تَحْسَبُهَاْ جَاْمِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاْبِ صُنْعَ اللهِ الَّذِيْ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) النمل : 88 كلنا يعلم أن الجبال ثابتات في مكانها ، و لكننا لو ارتفعنا عن الأرض بعيداً عن جاذبيتها و غلافها الجوي فإننا سنرى الأرض تدور بسرعة هائلة (100ميل في الساعة) و عندها سنرى الجبال و كأنها تسير سير السحاب أي أن حركتها ليست ذاتية بل مرتبطة بحركة الأرض تماماً كالسحاب الذي لا يتحرك بنفسه بل تدفعه الرياح ، و هذا دليل على حركة الأرض ،فمن أخبر محمداً صلى الله عليه و سلم بهذا ؟ أليس الله ؟؟ وايضا هذه توافق النظرية النسبية لآينشتااين ) !!انتهى
بالنسبة للسؤال الأول وهو أن الله جعل الجبال أوتاداً حتى لا تميد الأرض بنا، فالمعروف أن محمداً عاش في منطقة مكة الجبلية وتعجب، كما تعجب غيره من الناس من علو الجبال ومهمتها. وقد سأل الأعراب محمداً عن كيفية تكوين الجبال، فكان رده (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً) (طه 105). و نجد أن القرآن المكي ذكر كلمة “الجبال” 24 مرة، وكلمة “رواسي” تسع مرات، وكلمة ” جبل” ثلاث مرات، وكلمة “الجبل” مرتين”. وجميع هذه الآيات في سور مكية ماعدا آية واحدة في سورة مدنية وهي سورة الرعد. وهذا يُثبت أن القرآن من تأليف محمد لأنه عندما انتقل إلى المدينة التي تعوزها الجبال، لم يتحدث عن الجبال إلا في الآية الثالثة من سورة الرعد. وإذا كانت الجبال ثابتة وهي أوتاد لتمنع الأرض من الميد، فكيف يقول عنها (ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزة) (الكهف 47) وكذلك (يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا) (الطور 9-10). فإذاً الجبال ثابتة وسوف يسيّرها الله يوم القيامة، ومع ذلك يقول لنا (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب). وإذا كانت تمر مر السحاب، كيف تكون أوتاداً؟
أما تشبيه السيد محمد لقشرة الأرض التي تطفو على طبقة السيما التي تتحرك وبالتالي نتوقع أن تتشقق قشرة الأرض، فتشبيه غير دقيق. فإذا أخذنا بيضة الدجاجة فإن قشرتها بداخلها سوائل تتحرك كلما حركنا البيضة، والبيضة لا تتشقق إلا عندما يكتمل نمو الجنين بداخلها، والجنين نفسه يكسر ويشقق القشرة.، ووقتها لا يكون هناك أي سائل بالبيضة. أما الأرض فإن قشرتها تطفو فوق مادة منصهرة تحت ضغط عالٍ جداً بسبب التفاعلات الكيموفزيائية التي تحدث بها وينجم عنها أرتفاع شديد في درجة الحرارة وفي الضغط، وعندما يصل الضغط لدرجة معينة تتحرك أجزاء من طبقة الأرض وتنزلق تحت بعضها البعض عند مناطق معروفه اسمها

fault lines

تجري تحت القارات، كما حدث في اليابان منذ أسابيع. وقد استغربت عندما قال السيد محمد أهل (و سينجم عن حركتها تشققات و زلازل هائلة تدمر كل شيء .. و لكن شيئاً من هذا لم يحدث.. فما السبب ؟) ألا يتفرج السيد محمد على صور وأخبار الزلازل التي تحدث في اليابان وتركيا وإيران وإندونيسيا باستمرار؟
يقول السائل (لقد تبين منذ عهد قريب أن ثلثي أي جبل مغروس في أعماق الأرض و في (طبقة السيما) و ثلثه فقط بارز فوق سطح الأرض لذا فقد شبه الله تعالى الجبال بالأوتاد التي تمسك الخيمة بالأرض) انتهى. وهذا كذلك قولٌ مغلوط. الجزء المختفي من الجبل يعتمد طوله على سمك قشرة الأرض التي تختلف من منطقة إلى أخري، ففي قاع المحيطات قد يكون سمك القشرة 8 كيلومترات، بينما في اليابسة قد يصل إلى 40 كيلومتراً. فإذا أخذنا جبال الهملايا، وهي أعلى جبال في العالم إذ تبلغ قمة افرست 7962 متراً من سطح الأرض، يكون الجزء المخفي، وهو ثلثان، 15924 متراً، أي أن قاعدة الجبل تكون مستقرة على القشرة الأرضية على بعد عدة كيلومترات فوق المادة المنصهرة

the mantle

. ولو كان ثلثا الجبل تحت الأرض منغمسة في السيما، أي ال

mantle

، لذاب الجبل لأن درجة حرارة السيما قد تصل عدة آلاف درجة مئوية لأن ال

mantle

أو ما سميته السيما هو عبارة عن طبقة من الصخور الذائبة بمفعول الحرارة الشديدة.
والقرآن يقول إن الله ألقى في الأرض جبالاً (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) (النحل 15). والإلقاء يكون من الأعلى إلى الأسفل. ونفهم من هذا أن الله ألقى الجبال من السماء إلى الأرض يوم خلق الأرض قبل أربعة بلايين من السنين. ولكننا نعلم علم اليقين أن جبال الهملايا تكونت قبل 40-50 مليون سنة فقط، عندما اصطدمت قشرة الأرض الهندية

Indian tectonic plate

التي كانت تسير بسرعة 15 متراً في العام بقشرة الأرض الأسيويروبية ونتج عن الاصطدام ارتفاع قشرة الأرض من قاع المحيط لتكون جبال الهملايا، والدليل على ذلك أن تحليل الأرض في قمة الجبل أثبت أنه يتكون من حجر رملي من قاع المحيط

marine limestone

. وأغلب الجبال نتجت عن انفجار قشرة الأرض نتيجةً للضغط العالي. فالله لم يُلق على الأرض جبالاً وإنما خرجت الجبال من جوف الأرض.
أما كون الله أنزل الجبال لتكون كالأوتاد حتى لا تميد بنا الأرض، فقول رجل بدوي لا يعرف غير الخيام والأوتاد. محمد كان يعتقد، كما اعتقد بطليموس قبله، أن الأرض مسطحة ولذلك احتاجت أوتاداً لمنعها من أن تميد، أي تنقلب بنا كما ينقلب الطبق. فلو كان الأمر كذلك لماذا لم تنقلب الأرض من قبل أربعة بلايين من السنين عندما لم تكن جبال الهملايا موجودة؟ ونحن الآن نعرف أن الأرض كروية وبالتالي لن تميد حتى لو نسفنا جميع الجبال من سطح الأرض. فتشبيه الجبال بالأوتاد قد يكون مناسباً لشخص عاش في القرن السابع الميلادي، لكنه حتماً تشبيه بدوي بسيط لا يمت للحقيقة بصلة، ناهيك عن الإعجاز العلمي.
يقول السيد محمد (قد أُلقِيَت هذه الآيات – يقصد آية الجبال أوتادا – في مؤتمر الشباب الإسلامي الذي عقد في الرياض عام 1979 و قد ذهل البروفيسور الأمريكي (بالمر) و العالم الجيولوجي الياباني (سياردو) و قالا ليس من المعقول بشكل من الأشكال أن يكون هذا كلام بشر و خاصة أنه قيل قبل 1400 سنة لأننا لم نتوصل إلى هذه الحقائق العلمية إلا بعد دراسات مستفيضة مستعينين بتكنولوجيا القرن العشرين التي لم تكن موجودة في عصر ساد فيه الجهل و التخلف كافة أنحاء الأرض) كما حضر النقاش العالم (فرانك بريس) مستشار الرئيس الأمريكي (كارتر) و المتخصص في علوم الجيولوجيا و البحار و قال مندهشاً لا يمكن لمحمد أن يلم بهذه المعلومات و لا بد أن الذي لقنه إياها هو خالق هذا الكون ، العليم بأسراره و قوانينه و تصميماته) انتهى.
لقد ذكرت في مقال سابق في موقع الحوار المتمدن أن الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني، رئيس لجنة الإعجاز العلمي في القرآن، والتي تمولها مملكة الوهابية، قد دفع مبالغاً طائلةً من المال لبعض العلماء الأمريكيين الذين يعبدون الدولار، وأعطاهم آيات معينة مترجمة إلى اللغة الإنكليزية، وطلب منهم الذهاب إلى الرياض مع زوجاتهم وتكفل الزنداني بدفع تذاكر الدرجة الأولى على الطائرات، وبالغرف الفخمة في أحسن الفنادق، ليقولوا ما ذكره السيد محمد. وبعد مرور عشر سنوات تمكن صحفي أمريكي من التحدث إلى هؤلاء العلماء، وقد أجمع كلهم على أنهم خُدعوا ولم يكونوا يعرفون القصد من الزيارة. والدليل على ذلك أنه لم يسلم منهم ولا عالم واحد رغم الكلام المحفوظ الذي رددوه في قاعات الجامعات السعودية. فالعالم الذي يقتنع بمثل هذا الكلام لابد له أن يعلن إسلامه أو يكون منافقاً.
يقول السيد محمد (قال الله ( وَ تَرَى الْجِبَاْلَ تَحْسَبُهَاْ جَاْمِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاْبِ صُنْعَ اللهِ الَّذِيْ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) النمل : 88 كلنا يعلم أن الجبال ثابتات في مكانها ، و لكننا لو ارتفعنا عن الأرض بعيداً عن جاذبيتها و غلافها الجوي فإننا سنرى الأرض تدور بسرعة هائلة (100ميل في الساعة) و عندها سنرى الجبال و كأنها تسير سير السحاب أي أن حركتها ليست ذاتية بل مرتبطة بحركة الأرض تماماً كالسحاب الذي لا يتحرك بنفسه بل تدفعه الرياح ، و هذا دليل على حركة الأرض ،فمن أخبر محمداً صلى الله عليه و سلم بهذا ؟ أليس الله ؟؟ وايضا هذه توافق النظرية النسبية لآينشتااين ) !!انتهى
أولاً: القرآن جاء لعرب بدو أميين على لسان نبي أمي، فكيف يخاطبهم الله بهذا المنطق ويطلب منهم أن يتخيلوا أنهم ارتفعوا فوق جاذبية الأرض ونظروا إلى الجبال من ذلك العلو. وحتى لو صعدوا فعلياً ونظروا إلى الجبال فلن يروا غير نقاط سوداء على سطح كرة أرضية بحجم القمر أو أقل حجماً. وسوف لن يروا دوران الأرض لأن مراكبهم الفضائية تدور في غلاف الأرض وبسرعة دوران الأرض وبالتالي لا يرون دوران الأرض. ولو ارتفعوا فوق الغلاف الجوي فإنهم لن يروا الأرض إلا نقطة صغيرة سوداء وبالتالي لن يروا الجبال. فما هذا المنطق المعوج؟ أما محاولة استعمال هذه الآية لإثبات أن الأرض تدور أو تسير، فهي محاولة بائسة، بل أكثر بؤساً من الشيوخ الذين أتوا بها. القرآن ذكر جريان الشمس والقمر والأفلاك في كثير من الآيات، ولكنه لم يذكر دوران الأرض أو أنها تجري لمستقر لها، ولا مرة واحدة. هل كان هذا سهواً من الله أم جهل بما يحدث؟ وأعتقد أن إدخال النظرية النسبية لأنيشتاين في هذه المحاولة البائسة ما هو إلا إثبات على ضمور عقول شيوخ الإعجاز العلمي الذين يتشبثون بالأسماء العلمية المشهورة للإيحاء للقاريء أن الشيوخ يفهمون العلم الحديث، وماهم بفاهميه.
وأخيراً يقول السيد محمد أهل ((قال الله ( كُلَّمَاْ نَضَجَتْ جُلُوْدُهُمْ بَدَّلْنَاْهُمْ جُلُوْدَاً غَيْرَهَاْ لِيَذُوْقُواْ الْعَذَاْبَ ) النساء : 56 و قد أثبت العلم الحديث أن الجسيمات الحسية المختصة بالألم و الحرارة تكون موجودة في طبقة الجلد وحدها، و مع أن الجلد سيحترق مع ما تحته من العضلات و غيرها إلا أن القرآن لم يذكرها لأن الشعور بالألم تختص به طبقة الجلد وحدها. فمن أخبر محمداً بهذه المعلومة الطبية؟ أليس الله ؟؟)) انتهى
شيوخ الدين لا يستطيعون حتى نقل المعلومات الطبية الصحيحة إلى قرائهم الإسلاميين، فقولهم إن الجسميات الحسية المختصة بالألم لا توجد إلا في الجلد، قول خاطيء مائة بالمائة. هل شاهدت يا سيد محمد لاعب كرة انكسرت رجله في الميدان؟ هل رأيت الألم في وجه اللاعب الذي انكسر عظم رجله؟ هل رأيت أمرأةً في ساعات وضع جنينها والألم يعتصر أحشاءها؟ الجسيمات الحسية للألم موجودة في أشياء كثيرة أخرى غير الجلد، منها الغشاء الذي يلتف حول العظام

periosteum

، والغشاء الذي يحيط بالإمعاء في البطن

peritoneum

، والغشاء الذي يغلّف الأضلاع داخل الصدر

pleura

. وأعضاء كثيرة أخرى. الدماغ هو العضو الوحيد بالجسم الذي يخلو من هذه الجسيمات الحسية. فالذي أخبر محمد بمعلوماته كان رجلاً جاهلاً مثله. فالذي يحاول أن يستعمل العلم لإثبات الإعجاز العلمي للقرآن عليه أن يكون ملماً بالعلم أولاً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.  كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

اليهودية ، المسيحية ، والاسلام … دراسة مقارنة .. الجزء الثالث

صباح ابراهيم

محمد والاسلام

ظهر في القرن السابع الميلادي رجل من بني هاشم ومن قبيلة قريش العربية في مكة رجل يدعى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، كان محمد يتردد على غار حراء للتعبد في احد جبال مكة واحيانا بصحبة الاحناف الموحدين الذين يعبدون الله مثل زيد بن عمر بن نفيل و قس بن ساعدة وأمية بن أبي الصلت بخلاف اهل الجزيرة العربية الذين كانوا يعبدون الهة متعددة منها اللات والعزى ومناة وغيرها ويقيمون التماثيل والأوثان ليتقربوا بها الى الهتهم . جاء محمد يوما الى زوجته خديجة بنت خويلد النصرانية التي هي ابنة عم قس مكة النصراني ورقة بن نوفل قادما من غار حراء خائفا مرتعبا يرتجف قائلا زملوني دثروني ، فهدئت خديجة من روعه وطلبت له ان يقول لها مالذي حدث له .فقال لها لقد شعرت بكائن يغطني بقوة ولا ادري هل هو ملك ام شيطان او من الجن ، وقال لي : (اقرأ بسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق …… ) ، فقالت له ابشر يا ابن العم ، فما انت الا رسول ربك . وقد ايد كلامها ابن عمها القس ورقة بن نوفل مؤيدا من انه نبي هذه الامة وسيكون له شأن كبير فيها وانه جاء بناموس موسى.
وقال محمد لشعبه انه رسول الله اليهم مبشرا ونذيرا، وداعيا الى عبادة الله الواحد الاحد خالق السماء والارض ويدعوهم لترك عبادة الاصنام. قائلا لهم ان الله يوحي له بكلمات فيها هدى وبشرى للناس ليهديهم الى السراط المستقيم وليحل لهم ما حلل الله ويحرم عليهم ما حرمه .
وتوالت الايات على محمد عن طريق الملاك جبريل كما يدّعي دون شاهد او دليل على ذلك ، ولم يؤمن به الا نفر قليل. أما اهله وعشيرته الذين يعرفونه جيدا مثل عمه ابو طالب والعباس و أبو الحكم، وزوجته ام جميل وغيرهم فكذبوه ولم يصدقوه وقالوا عنه انه كذاب وشاعر ومجنون . وتوفي عمه ابو طالب ولم يؤمن به نبيا ولا رسولا من عند الله. واول من صدقه وآمن به بعد زوجته خديجة كان ابن عمه الفتى علي بن ابي طالب واستمرت الدعوة في مكة ثلاث عشرة سنة لم يفلح محمد خلالها في نشر دعوته السرية فيها واظهارها الى العلن لكثرة المكذبين لها، وزاد العداء له في مكة مما اضطر محمد الى الهرب والهجرة الى المدينة لوجود من يناصره فيها ويؤيده .
كان محمد يدعو الى ان يشهد الناس (ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله) ويدخلوا في دين الاسلام ليكافئهم الله ثوابا هو الخلود في جنات تجري من تحتها الانهار كأسلوب للترغيب، ويزوجهم فيها بحور عين باكرات لم يطمثهن انس ولا جان ، وياكلون من الفواكه والاعناب ولحم طير مما يشتهون ويشربون خمرا ولبنا من انهار فيها لذة للشاربين ، ويخدمهم غلمان كالؤلؤء المنثور، لايصدعون ولا ينزفون ! . ومن لا يؤمن ويشهد بوحدانية الله وبرسوله وباليوم الاخر، كان محمد ينذرهم بعقاب اليم وعذاب في نار جهنم وسعير ابدي كأسلوب للتهديد والوعيد.
جمعت ألايات التي جاء بها محمد في عهد الخليفة عثمان بن عفان بكتاب اسمه القرآن ، يتبعه المسلمون ويسترشدون به ويقدسونه.
لم يأت نبي الاسلام بمعجزة ملموسة او خارقة ليثبت لهم نبوته وانه مرسل من الله لقومه كبقية الانبياء الذين ظهروا قبله مؤيدين بمعجزات مادية على مرأى من كل الناس تشهد لهم ، وتقوي موقفهم امام قومهم وتثيت صحة نبوتهم ورسالتهم . ولكنه استخدم القوة والسيف في قتال من لم يؤمن به وبدعوته مستشهدا بذلك بأيات يقول انه استلمها من ربه وتدعوه ان يحرض المؤمنين على القتال ،( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق …) سورة التوبة آية 29 .
(يا ايها النبي حرض المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وان يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا) سورة الأنفال – آية 65 . فكان القتل والقتال هو اسلوب محمد للدخول في الاسلام من عصاه .
وكان محمد يبشر من يستشهد من اتباعه ويموت قتيلا في الغزوات والمعارك بالفوز بجنة عرضها السماء والارض . وقد اسس محمد جيشا كبيرا كان يغزو به القبائل القريبة والبعيدة ويغنم منها الاموال والماشية والنساء ويوزعها على اتباعه ويأخذ خمسها حصة له كما اوصاه ربه . ، خاض محمد نبي الاسلام معارك كبيرة بين اتباعه وبين ابناء قومه وعشيرته الذين لم يؤمنوا به وبرسالته وخسر في معركة احد وانتصر في معركة بدرعلى اهله وعشيرته من اهل قريش وكان بينهم عمه العباس وزوج ابنته ، وارسل سرايا عديدة للقتال والغزو والسبي ، كما غزا يهود بني قريضة وبني النضير وقتل من رجالهم وصبيانهم البالغين المئات بقطع رؤوسهم وغنمَ نسائهم ووزعهن على جنوده كسبايا وغنائم حرب . واتخذ نبي الاسلام زوجات يهوديات من اهل الكتاب هن صفية بنت حيي ابن الاخطب وجويرية بنت الحارث. كما اتخذ زوجات ومحضيات للاستمتاع الجنسي من ملكات اليمين منهن الفتاة المسيحية ماريا القبطية التي اهداها له المقوقس حاكم مصر والتي كان يعاشرها معاشرة الازواج حتى حملت وولدت ابنها ابراهيم .
وبعد ان اصبح لمحمد نبي الاسلام جيوشا قوية وقوة مالية وعسكرية كبيرة ارسل رسائل الى ملك الفرس والروم ليدعوهم الى الاسلام مهددا لهم بشعار : ” أسلِمْ تَسلَمْ “. وخاض الخلفاء من بعده حروبا كثيرة لنشر الاسلام في الدول المجاورة كالعراق وسوريا ومصر، ومن ثم توسعت الحروب والفتوحات شرقا الى بلاد فارس والصين ، وغربا حتى شمال افريقيا واسبانيا . فهل الله يوصي انبياءه بنشر الدين والعبادة بالسيف والحروب ، ولكن هناك آيات مناقضة تقول للمشركين : (لكم دينكم ولي دين) ، اذا فما ضرورة القتال ؟
مات محمد نبي الاسلام وهو بعمر الثالثة والستين وترك تسع زوجات . وخلفَه ابو بكر الصديق رفيقه القديم ابو زوجته عائشة خليفة للمسلمين ، حيث حدثت في زمن خلافته ردة كبيرة عن الاسلام بين قبائل اليمن والمؤلفة قلوبهم اي المرتزقة الذين يظهرون الاسلام كذبا للاستفادة من الرشاوي والاموال التي يقدمها لهم نبي الاسلام مقابل اعلان اسلامهم ، وامر ابو بكر بقتال من ارتد عن الاسلام ورافضي دفع الجزية بحروب الردة التي راح ضحيتها اكثر من ثلاثين الف رجل .
اذا ما درسنا الديانات الثلاث، سنجد ان الاسلام لم يأت بجديد فيما يخص العقائد الايمانية ، كالايمان بالله الواحد وباليوم الاخر والثواب والعقاب والايمان بالجنة والنار، والدعوة للصلاة والصيام والحج، كطرق للعبادة والتقرب من الله لطلب الغفران .فكل هذ كان معروفا سابقا قبل الاسلام عند اهل الكتاب من اليهود والمسيحيين وحتى الحج كان معروفا وممارسا قبل الاسلام ، بل ان الجديد الذي دعى اليه نبي الاسلام بدينه وشريعته هو الغاء التبني ، وتحليل تعدد الزوجات الى اربعة ، واباحة نكاح ملكات اليمين بدون تحديد للعدد ، واباحة زواج المتعة ، واباحة الكذب في ثلاث حالات ، والسماح بضرب المراءة وهجرها في المضجع ان لم تطع رغبات زوجها الجنسية واعتبارها ناشزة ، واعتبار المراءة ناقصة عقل ودين وانها تساوي نصف رجل في الشهادة والميراث. وأمر محمد ان تبقى المراءة في بيتها ولا تبارحه بعد الزواج الا الى القبر، اي لا يسمح لها مشاركة الرجل في العمل ولا ان تقوم بنشاط في المجتمع ،. وبذلك حكم بشل نصف المجتمع. وامرَ أن تغطي المراءة جسدها من الرأس حتى اخمص القدم ولا تظهر غير الوجه والكفين. وحلل محمد ان يكون له خُمس الغنائم والاسلاب في الغزوات ، وان يختار من النساء اجملهن حصة له كما فعل في اختيار صفية بنت حيي بن الاخطب بعد ان أمر بقتل زوجها واباها واخاها في غزوة بني قريضة . وحلل محمد بأن تهب اي امراءة مؤمنة له نفسها ليستنكحها خالصة له من دون المؤمنين . واباح زواج الفتاة الصغيرة من سن السادسة ومفاخذتها ان لم تستطع الايلاج لحين تمكنها من ذلك كما فعل في زواجه من عائشة في سن السادسة والدخول بها في سن التاسعة . كما اباح الطلاق وشرع لنكاح المحلل بعد الطلاق للمراءة قبل ان تعود لزوجها الاول فظلم المراءة بذلك ، وطلب ان تكون اعماله سنة لاتباعه يقتدون بها بسلبياتها وايجابيتها، وكان كل ذلك سببا لتخلف امة الاسلام عن ركب العالم المتحضر وشيوع الامية والجهل والزواج من القاصرات والصغيرات وانتشار الطلاق بين شعوبها وتراكم المشاكل الاجتماعية ، بينما نرى العكس تماما في دول الغرب التي تدين بالمسيحية او او البوذية او الهندوسية او اللادينية او الالحادية، فهي متقدمة صناعيا وثقافيا وعلميا ومنها يخرج افضل العلماء والعباقرة والمتخصصين في مختلف المجالات وهم من يحصدون جوائز نوبل في كل المجالات .  تواصل مع صباح ابراهيم فيسبوك

اليهودية ، المسيحية ، والاسلام … دراسة مقارنة

اليهودية ، المسيحية ، والاسلام … دراسة مقارنة – الجزء الثاني

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

كيف يقوّي «الإخوان» نفوذهم في سورية؟

Hassan Hassan

الجريدة الكويتية

تلقى العقيد حسين هرموش، واحد من أوائل الضباط السوريين الذين انشقوا عن النظام، اتصالاً من “الإخوان المسلمين” بعد فترة قصيرة من وصوله إلى مخيم اللاجئين في محافظة هاتاي التركية في يونيو 2011، وكان واحداً من مجموعة صغيرة من المنشقين الذين حملوا اسم “الضباط الأحرار”.
زاره أعضاء من جماعة “الإخوان” مرات عدة ووعدوه بتقديم الدعم اللوجستي والمالي والمادي مقابل “التعاون”.
فأجابهم العقيد هرموش: “أخبروني بما تريدونه وسأتخذ قراري بناءً على ذلك”. ثم قال لي الملازم باسم خالد الذي تحدث باسم “الضباط الأحرار” خلال إحدى المقابلات: “أرادوا منه أن ينفذ تعليماتهم وأن يدعمهم سياسياً”.
لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بين الفريقين، لكن بقي أعضاء جماعة “الإخوان” على تواصل مع العقيد هرموش. كما أنهم تواصلوا مع منشق آخر رفيع المستوى وقد وافق هذا الأخير على التعاون معهم.
أنشأ ذلك الضابط (وهو العقيد رياض الأسعد) كياناً جديداً باسم “الجيش السوري الحر”، لكن من دون إبلاغ “الضباط الأحرار”. ثم أوقف “الإخوان” فجأةً تواصلهم مع العقيد هرموش الذي اعتُقل على يد السلطات السورية في ظل ظروف غامضة في أغسطس 2011 قبل أن يختفي في تركيا.
تثبت هذه القصة أن “الإخوان المسلمين” (جماعة إسلامية لديها تمثيل محدود في المجتمع السوري نتيجة عقود من التطهير المنهجي على يد نظام البعث) نجحوا في زيادة نفوذهم وفرضه على قوى المعارضة الناشئة.
ينظر معظم السوريين إلى “الإخوان المسلمين” بعين الشك والريبة، ورغم مرور 20 شهراً على بدء أعمال العنف المشينة من جانب النظام المجرم، يفضل عدد كبير من السوريين حتى الآن بقاء النظام الراهن لأنهم يخشون “الإخوان” أكثر منه. لكن يقلل الناشطون من أهمية تلك المخاوف لأن “الإخوان” كانوا يتحركون أصلاً من وراء الكواليس، لكن أصبح رفض الجماعة ضم فئات متنوعة قد تتحدى نزعتها الاحتكارية أكثر وضوحاً خلال اجتماعات المعارضة في الدوحة.
كان “الإخوان” يرفضون مبادرة مدعومة من الولايات المتحدة لتشكيل كيان سياسي يمثل شرائح أوسع من الشعب، وهي الخطة التي يحتاج إليها السوريون بشدة لكبح هيمنة “الإخوان” على العملية السياسية.
لا شك أن “الإخوان” سيتمسكون بالنفوذ الذي كسبوه خلال الأشهر العشرين الماضية لأنهم يدركون حدود قوتهم الشعبية ويسعون إلى التعويض عن ذلك النقص من خلال تغيير مسار العملية السياسية، أقله خلال الانتفاضة والعملية الانتقالية المرتقبة. انتقد بعض المراقبين الخطة التي دعمتها الولايات المتحدة والتي كانت تشمل قوى سياسية وإقليمية متنوعة لم تكن ممثَّلة حتى الآن، وكان الكيان الجديد ليحل مكان المجلس الوطني السوري.
لكن الادعاء القائل إن التدخل الخارجي سيُضعف الشرعية الشعبية التي تحظى بها هذه الكيانات غير صحيح: أصبح الاحتكار السياسي الذي يفرضه “الإخوان” ممكناً أصلاً بسبب ذلك التدخل الخارجي من جهة (فقد تشكل المجلس في تركيا المرتبطة بجماعة “الإخوان”) وبسبب الاعتراف الدولي من جهة أخرى. يجب أن تكبح الدول المعنية ذلك الاحتكار.
احتاج المجلس الوطني السوري إلى أكثر من ستة أشهر كي ينشأ، وحصل ذلك عموماً نتيجة الخلافات السائدة حول دور “الإخوان” فيه. حين تشكّل المجلس أخيراً في أكتوبر 2011، حصل “الإخوان” على حصة تمثيلية أكبر من “إعلان دمشق” مثلاً (جماعة من المفكرين الإصلاحيين تشكلت في عام 2005)، وقد اعتُبرت تلك الخطوة إنجازاً كبيراً بالنسبة إلى “الإخوان”. وفق محمد علي، محلل سوري مقيم في اسطنبول، انضم بعض أعضاء “الإخوان” إلى المجلس الوطني السوري كأعضاء مستقلين لضمان سيطرة الجماعة على المجلس. لهذا السبب، لا يزال “الإخوان” الجزء الأساسي من المجلس مع أنهم خفّضوا نسبة تمثيلهم فيه من 25 إلى 20% بموجب بعض “الإصلاحات” الجديدة.
يصعب تقدير حجم شعبية “الإخوان”، لكن تقدم الأدلة التاريخية والمعطيات الاجتماعية المترسخة رؤية مفيدة في هذا المجال.
تضم المناطق القبلية والكردية أكثر من 30% من الشعب وهي موالية لقادتها المحليين وتميل بشكل متزايد إلى الإسلام السلفي. يشكل السكان غير السنّة 30% من الشعب السوري بينما تقتصر نسبة الأكراد على 9%.
بقيت تلك الفئات المؤلفة من الأقليات الإثنية والدينية، بالإضافة إلى القبائل (يشكلون جميعهم 70% على الأقل من الشعب)، خارج نطاق نفوذ “الإخوان” في الماضي وستبقى كذلك.
يُضاف إلى تلك الفئات قطاع الأعمال في حلب ودمشق، فهو يقيم تاريخياً روابط اجتماعية مع رجال الدين المعتدلين وتكمن مصلحته في نشوء نظام حكم علماني.
حين كان “الإخوان” جزءاً من السياسة الديمقراطية السورية خلال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، لم ترتفع نسبة تأييدهم فوق عتبة الستة في المئة (حتى عندما تحالفوا مع جماعات إسلامية أخرى).
في تلك الفترة، اعتُبرت جماعة “الإخوان” معتدلة وكانت تنشر أفكاراً عن الاشتراكية أكثر من الإسلام، لكن سرعان ما همّشت الأقليات حين دعت إلى تغيير الدستور وتوسيع الأحكام الإسلامية فيه وانخرطت في أعمال عنف طائفية. أخيراً، تعرضت الجماعة لحملة تطهير منهجية لأكثر من ثلاثة عقود على يد النظام البعثي.
على أي أساس إذن يسيطر “الإخوان” اليوم على المجالس السياسية والعسكرية؟
في سورية الديمقراطية، سيحصل “الإخوان” على حق الانخراط في معترك السياسة وحشد الدعم، لكن لا يمكن تبرير هيمنتهم الراهنة بحجة التمثيل الصحيح للشعب: إنه أحد الأسباب الرئيسة للانقسام والتردد بين القوى السياسية والاجتماعية السورية. يجب أن يعالج الناشطون والدول التي تملك النفوذ في سورية مشكلة هيمنة هذه الجماعة بشكل عاجل.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

هل العلمانية ضد الدين؟ حوار مع القرضاوي 9

عبد القادر أنيس

هذه الحلقة التاسعة حول كتاب القرضاوي: “الإسلام والعلمانية، وجها لوجه”
الإسلام والعلمانية، وجها لوجه
يستهل الشيخ هذا الفصل: “العلمانية ضد الدين ص 74-75. بقوله: “قلنا: إن “العلمانية” بالمعنى الذي بيناه، مرفوضة في أوطاننا عامة، وفي مصر خاصة، بأي معيار احتكمنا إليه، وأول هذه المعايير هو الدين”.
قبل مناقشة القرضاوي في هذه الفتوى وغيرها من فتاوى شيوخ الإسلام التي ساهمت في الزج ببلاد المسلمين في هذه المغامرة الرجعية ضد العالم بأسره وفوتت علينا فرصا لا حصر لها للخروج من هذا الانسداد البغيض، قبل هذا بودي أن يطلع القارئ على تعريف للعلمانية، كما يعيشها الناس في البلاد التي استقرت فيها واقتنع بها المواطنون، عند الفيلسوف الفرنسي كونت سبونفيل في قاموسه الفلسفي

(Dictionnaire philosophique, André Compte-Sponville) ص 332، مادة (laïcité):
“العلمانية ليست الإلحاد. هي ليست اللادينية. ولا هي دين إضافي. العلمانية لا تهتم بالله، بل بالمجتمع. هي ليست تصور عن العالم؛ هي تنظيم للمدينة أو الحاضرة

(la cité)

. هي ليست معتقدا؛ هي مبدأ، أو مجموعة من المبادئ: حيادية الدولة حيال أي دين وحيال أية ميتافيزيقا، استقلالها عن الكنيسة واستقلال الكنيسة عن الدولة، حرية الاعتقاد والعبادة، حرية النظر والنقد، غياب أي دين رسمي، أية فلسفة رسمية، وبالتالي، حق كل فرد ممارسة الدين الذي يختاره أو عدم ممارسة أي دين، وأخيرا، وهو لا يقل أهمية، سيادة الطابع غير الديني ولا الكهنوتي – ولا المناهض للكهنوت أيضا- للمدرسة العمومية. ويمكن إيجاز كل ذلك في ثلاثة كلمات: حيادية (الدولة والمدرسة)، استقلال (الدولة تجاه الكنيسة والعكس)، حرية (الاعتقاد والعبادة). بهذا المعنى يستطيع الأسقف لوستيجيه

(Lustiger)

أن يقول إنه علماني، وأنا أشهد على ذلك. هو لا يرغب أن تتولى الدولة الوصاية على الكنيسة ولا هذه الأخيرة الوصاية على الدولة. هو على حق ولو من وجهة نظره: إنه يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله” (متى 22، 21). وسيخطئ الملحدون لو تململوا من هذا الكلام. أما أن تتأخر الكنيسة، إلى هذا الحد، في الاعتراف بالعلمانية، فلن يجعل تحولها إلا مشهديا. لكن هذا الانتصار، بالنسبة للعلمانيين، ليس مع ذلك هزيمة للكنيسة: إنه انتصار مشترك للعقول الحرة والمتسامحة. العلمانية تمكننا من العيش سوية، رغم اختلافنا في الآراء والاعتقادات. لهذا فهي رائعة. لهذا فهي ضرورية. هي ليست نقيضا للدين. هي نقيض لا يلين للكهنوتية (التي تسعى لإخضاع الدولة للكنيسة) وللشمولية (التي تسعى لإخضاع الكنائس للدولة).
“نعرف أن إسرائيل، إيران أو الفاتيكان ليست دولا علمانية، لأنها ترفع شعار دين رسمي أو مفضل. لكن ألبانيا أنور خوجة لم تكن كذلك، وهي تنشر إلحاد الدولة. وهذا يدفعنا للقول أيضا ما يجب أن تكون عليه العلمانية: ليست أيديولوجيا دولة، بل هي رفض الدولة الخضوع لأية أيديولوجيا مهما كانت”.
“فماذا عن حقوق الإنسان؟ كما قد يتساءل أحدهم. وماذا عن الأخلاق؟ هنا أيضا ليس على الدولة أن تخضع لهما، بل عليها أن تخضع لقوانينها الخاصة ولدستورها الخاص. أو تخضع لحقوق الإنسان بشرط أن يكون الدستور قد نص عليها أو تَضَمَّنَها. لماذا على الدولة أن تقوم بهذا في ديمقراطياتنا؟ لأن الشعب السيد قرر ذلك، ولا حق لي أن ألومه على قراره. وهو ما يعني وضع الدولة في خدمة البشر، وليس بالأحرى، البشر في خدمتها. والسبب نفسه يمنع من تنصيب حقوق الإنسان دينا للدولة. ليس على الدولة أن تتحكم في العقول ولا في القلوب. ليس عليها أن تقول هذا هو الحق وهذا هو الخير، بل فقط أن تقول ما هو مسموح وما هو ممنوع. ليس للدولة دين. ليس للدولة أخلاق. ليس للدولة مذهب. أما المواطنون فمن حقهم أن يكون لهم ذلك، إذا رغبوا فيه. ولا يعني هذا، مع ذلك، أن على الدولة أن تقبل كل شيء ولا أن تقدر عليه. لكنها لا تمنع إلا الأفعال، لا الأفكار، إذا كانت هذه الأفعال تتعارض مع القانون. ففي دولة علمانية بحق، لا مكان لعقوبة الرأي. كل شخص يفكر فيما يريد، ويعتقد فيما يرغب. إنه يُسْأَل عن أفعاله وليس عن أفكاره. عما يفعل لا عما يعتقد. إن حقوق الإنسان في دولة علمانية، ليست إيديولوجيا، كما هي ليست دينا. ليست معتقدا، بل هي إرادة. ليست هي رأيا بل قانونا من حقنا أن نكون ضده. وليس من حقنا أن ندوس عليها”. انتهى.
هنا لابد أن أشير إلى أن فيلسوف القرن الواحد والعشرين في شخص كونت سبونفيل، يختلف إلى حد ما عن فيلسوف القرن الثامن عشر في شخص فولتير. كانت علمانية هذا الأخير عنيفة ومناهضة للكنيسة كون هذه الأخيرة كانت عنيفة ومناهضة للعلمانية والعلم والحرية. ولعلني لا أخطئ إذا قلت بأن محنتنا اليوم، في العالم الإسلامي، تتمثل في كوننا لم ننجز بعد مهمة فولتير ومعاصريه ولهذا فنحن أبعد من واقع العلمانية الذي يتحدث عنه فيلسوف القرن الواحد والعشرين. وهو ما يحتم علينا أن نكون أكثر قربا من فولتير منا إلى كونت سبونفيل حتى تتعمق العلمانية في ديارنا. وحتى يظهر عندنا قرضاوي من طراز آخر هو أقرب ما يكون من الأسقف الباريسي لوستيجي (توفي سنة 2007) وأبعد ما يكون عن قرضاوي الدوحة الذي ما زال حيا يرزق، يصول ويجول، يحيي ويميت، يأمر وينهى، يحل ويربط يعبئ ويجيش ويستعدي العامة والحكومات ضد الأحرار وضد كل التطلعات الشرعية من أجل مجتمعات الحرية والديمقراطية والعلمانية والمساواة والمواطنة الحقة.
وإلى ذلك اليوم علينا أن نكون فولتيريين تجاه قرضاوينا الذي ما زال يقول: “فإذا احتكمنا إلى الدين، أعني الدين الذي تؤمن به الأغلبية، وتنزل على حكمه ـ وهو الإسلام ـ نجده يرفض العلمانية رفضا حاسما، ذلك لأنها هي لا تقبل التعايش معه، كما أنزله الله، كما بينا ذلك من قبل”. وهذا بالضبط ما كان يقوله رجال الكهنوت في وجه فولتير.
إن الانتقال من قراءة ما ترجمناه للفيلسوف الفرنسي قبل قليل، إلى قراءة هذا الكلام للقرضاوي، يصيبنا بالصدمة، ولعلها صدمة تشبه إلى حد بعيد ما نشعر به عند عودتنا إلى مدننا البائسة الوسخة المغبرة قادمين إليها بعد زيارة إلى إحدى مدن الشمال الجميلة النظيفة السعيدة. متابعة هذا الحوار مشقة، لكن “مُكْرَهٌ أخوك لا بطل” .
على ذكر الأغلبية في كلام القرضاوي لا بد أن نشير إلى أن الفكر الإسلامي لا يعترف إلا بالأغلبية التي تعني الإجماع كما رأينا ذلك في المقال السابق. بينما الديمقراطية الحديثة تستمد قوتها من احترام حقوق الأقلية في البقاء في الساحة وتمكينها من أدوات التعبير المختلفة، بل يرى بعضهم أن لا ديمقراطية ممكنة بدون أقلية فاعلة. الأغلبية الطاغية في مفهوم القرضاوي لا وجود لها. وما كان بإمكان الديمقراطيات الحديثة البقاء إلا عبر احترام هذا المبدأ. لو عملت الديمقراطية الغربية بدكتاتورية الأغلبية المطلقة لانتهت كلها إلى فرض الإجماع القرضاوي على الجميع. وقد حدث ذلك بالفعل مع النازية والفاشية التي كانت تجر وراءها أغلبية الناس أي لو كان التفويض الذي تحصل عليه الأغلبية في الانتخابات يخولها فعل ما تشاء لبدأت بمنع التعددية الحزبية وتعدد الآراء والأفكار في المجتمع وإغلاق كل قنوات التعبير في وجه كل ممثلي الأقلية لينتهي الأمر إلى منظومة سياسية شمولية أحادية الحزب والفكر والسياسة والاقتصاد وغيره ذلك. وهذا ما يريده القرضاوي عندما يتلفظ بكلام في منتهى الخطورة ” فإذا احتكمنا إلى الدين، أعني الدين الذي تؤمن به الأغلبية، وتنزل على حكمه ـ وهو الإسلام ـ نجده يرفض العلمانية رفضا حاسما، ذلك لأنها هي لا تقبل التعايش معه، كما أنزله الله، كما بينا ذلك من قبل”.
وهذا ما كان يردده إسلاميو الجزائر عندما شبهوا انتخابهم بالبيعة، والبيعة في الإسلام مرة واحدة. ولهذا قالوا: إن هذه ستكون آخر انتخابات ديمقراطية. أما أن يفكروا في حق الأقلية التي يمكن أن تتحول إلى أغلبية في انتخابات حرة قادمة فهذا مستحيل، وهم في ذلك لا يختلفون عن القوميات والاشتراكيات البائدة التي اعتبرت نفسها موكلة عن الكادحين الذين يمثلون الأغلبية في مجتمعاتنا البائسة.
تزداد هذه النظرة سوءا في البلاد التي تعيش فيها أقليات دينية ومذهبية وطائفية وسياسية كمصر مثلا، بلد القرضاوي الأصلي. في هذا البلد، كما في غيره، ينص الدستور على أن الإسلام دين الدولة وهو مصدر التشريع فيها وفي الجزائر مثلا كان الدستور والميثاق الوطني سابقا ينص على أن الاشتراكية ونظام الحزب الواحد خيار لا رجعة فيه. والنتيجة البغيضة لهكذا سياسة قرضاوية لا بد أن تتجه وجهتان لا غير. الوجهة التي تفضي إلى فرض شريعة الإسلام على غير المسلمين وفرض مذهب الأغلبية على الجميع مع تغييب أي حق في المعارضة والاحتجاج والتوجه نحو الشعب.
الوجهة الثانية، تفضي إلى تقسيم الوطن الواحد إلى جزر طائفية يفرض على المواطنين فيها، بالقهر، الخضوع إلى طوائفهم أبوا أم كرهوا، خاصة في الأحوال الشخصية، ويصبح أي تواصل إنساني حميم بين المواطنين المختلفين دينيا وطائفيا من قبيل المستحيل، في الحب والزواج والمعاملات التجارية والانتماء الحزبي والنقابي وغير ذلك مادام قانون الأغلبية هو المطبق على الجميع. هذا هو مآل رفض العلمانية في مجتمع القرضاوي.
يؤكد القرضاوي هذا الكلام فيقول: “فهي قد تقبله عقيدة في ضمير الفرد، ولكنها لا تقبل هذه العقيدة أساسا للولاء والانتماء، ولا ترى أن من موجبات العقيدة الالتزام بحكم الله ورسوله”.
فأي ولاء وأي انتماء يقصده القرضاوي غير الولاء والانتماء للوطن والإنسانية؟ طبعا هو يقصد الولاء الإسلامي والانتماء الإسلامي، وهو يقول في مكان آخر الولاء “للجنسية الإسلامية” وهو في النهاية ما يدفع الناس للولاء الطائفي.
ويقول: “وهي قد تقبله عبادة ونسكا، لكن على أن تكون شأنا موكولا إلى الأفراد، لا على أن ترعاه الدولة، وتحاسب عليه، وتقدم الناس، أو تؤخرهم على أساس الالتزام بذلك أو عدمه. وهي قد تقبله أخلاقا وآدابا، ولكن فيما لا يمس التيار العام، المقلد للغرب، فالأصل لدى العلمانيين أن يبقى الطابع الغربي سائدا غالبا، على عاداتنا وتقاليدنا في المأكل، والملبس، والزينة، والمسكن، والعلاقة بين الرجال والنساء، ونحوها ضاربين عرض الحائط بما قيد الله به الفرد المسلم والمجتمع المسلم من أحكام الحلال والحرام”.
إن أهم ما يمكن أن نفهمه من هذا القول هو أن القرضاوي لا يؤمن بتاتا بحق الناس في حرية اختيار مأكلهم وملبسهم وزينتهم ومسكنهم والعلاقة بين الرجال والنساء. هي رؤية فاشية للحياة تتجاوز بكثير الرؤية الاستبدادية والدكتاتورية السياسية التي مارستها الأنظمة الاستبدادية العربية باسم القومية والاشتراكية وغير ذلك (باستثناء الأنظمة الإسلامية طبعا) لأن الأولى رغم استبدادها السياسي كانت تترك مساحات واسعة للحريات الفردية “في المأكل، والملبس، والزينة، والمسكن، والعلاقة بين الرجال والنساء، ونحوها” حسب تعبير القرضاوي. أما الثانية فلا. ولعل هذا ما حدا ببعض المثقفين العلمانيين إلى الوقوف إلى جانب حكومات الاستبداد ضد الفاشية الإسلامية كأهون الشرين.
ونقرأ له أيضا: “أما الشيء الذي تقف العلمانية ضده بكل صراحة وقوة، فهو “الشريعة” التي تنظم بأحكامها الحياة الإسلامية، وتضع لها الضوابط الهادية، والعاصمة من التخبط والانحراف، سواء في ذلك ما يتعلق بشئون الأسرة “الأحوال الشخصية” أو المجتمع، أو الدولة في علاقاتها الداخلية أو الخارجية، السلمية أو الحربية، وهو ما عنى به الفقه الإسلامي بشتى مدارسه، ومختلف مذاهبه، وخلف لنا فيه ثروة تشريعية طائلة، تغنينا عن استيراد القوانين من غيرنا، وهي قوانين لم تنبت في أرضنا، ولم تنبع من عقائدنا وقيمنا وأعرافنا، وهي بالتالي تظل غريبة عنا، مرتبطة في أذهاننا وقلوبنا بالاستعمار الدخيل، الذي فرضها علينا دون إرادة ولا اختيار منا”.
وهو محق في قوله بأن العلمانية تقف ضد تطبيق الشريعة. لأن الشريعة هي، عكس ما يدعيه، غير قابلة للتطبيق أصلا. فلا أحكامها قادرة على تنظيم حياة الناس رغم قرون من الهيمنة والتطبيق، ولا فيها من “الضوابط الهادية، والعاصمة من التخبط والانحراف، سواء في ذلك ما يتعلق بشئون الأسرة “الأحوال الشخصية” أو المجتمع، أو الدولة في علاقاتها الداخلية أو الخارجية، السلمية أو الحربية”، ولو كان هذا الكلام صحيحا لانعكس على أوضاع البلاد التي احتكمت إلى الشريعة ماضيا وحاضرا، ولا “الفقه الإسلامي بشتى مدارسه، ومختلف مذاهبه” اعتنى بذلك، ولا “خلف لنا فيه ثروة تشريعية طائلة، تغنينا عن استيراد القوانين من غيرنا” بل أنا أجزم أن حظ الفقه الإسلامي من “العلم السياسي”، يكاد يقترب من الصفر لأنه زهد فيه بسبب كون النصوص الإسلامية المؤسسة (الكتاب والسنة) أهملته تماما نظرا لمنشئها البدوي القائم على الإجماع حول إله واحد ونبي واحد ودين واحد وكتاب واحد ومصير واحد، وهو ذات المنشأ الذي تمكن من القضاء على تلك التجربة المكية (اللبرالية) نسبيا والتي فشل في مواجهتها سلميا في مكة فعبأ من أجل القضاء عليها قبائل الأعراب المعتادة على الغزو والسلب والسبي، ومن السخف أن يحتج الإسلاميون اليوم بـ”وأمرهم شورى بينهم” لمعارضة الديمقراطية الحديثة أو الالتفاف والسطو على منجزاتها وأسلمتها وإعادة إخراجها إسلامية أصيلة. أما الحديث عن الشورى في الإسلام فهو حديث خرافة ومهما بحثنا فلن نجد له لا رأسا ولا جسدا. كل ما في الأمر أن الحاكم أو الملك أو الخليفة كان يصل إلى منصبه بطرق مختلفة أغلبها التوريث أو العصبية القبلية أو الانقلاب ثم يجمع الناس لمبايعته شكليا ويباركه الفقهاء تحت شعار “ظلم غشوم خير من فتنة تدوم”، ثم يجمع هذا الحاكم، إذا شاء، أهل الحل والعقد ممن يضمن ولاءهم، على أن تبقى مشورتهم غير ملزمة له. فهل يشبه هذا ما يزعمه القرضاوي حول” الضوابط الهادية، والعاصمة من التخبط والانحراف، سواء في ذلك ما يتعلق بشئون الأسرة “الأحوال الشخصية” أو المجتمع، أو الدولة في علاقاتها الداخلية أو الخارجية، السلمية أو الحربية”؟
أما ما يهاجمه باعتباره “قوانين لم تنبت في أرضنا، ولم تنبع من عقائدنا وقيمنا وأعرافنا، وهي بالتالي تظل غريبة عنا، مرتبطة في أذهاننا وقلوبنا بالاستعمار الدخيل، الذي فرضها علينا دون إرادة ولا اختيار منا”، فهو من قبيل التهويل ودق طبول الحرب ضد خطر وهمي، فالقوانين التي وضعها لنا الاستعمار قبل الجلاء أو تلك التي استوحيناها من دساتيره ومواثيقه، سرعان ما قمنا بتشويهها وتحريفها بعد الجلاء لتتناسب مع رغبتنا في الجمع ضمن خلطة غريبة عجيبة تشبه كوكتيل مولوتوف، وأهم ما فيها أن الحسنة الغربية تمحوها السيئة الشرقية: إن معظم دساتيرنا تنص على تساوي المواطنين بدون تمييز في الدين والجنس مثلا (كما نصت الدساتير الغربية) ثم تنص على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر التشريع والمرأة ناقصة أهلية والمجتمع مقسم إلى طوائف تحتكم إلى تشريعاتها القروسطية في الأحوال الشخصية التي يتحدث عنها شيخنا.
وعندما يقول القرضاوي: “هذا هو حال القوانين الوضعية بالنسبة لنا، ولكن العلمانية تقبلها، وترفض شريعة الله، تتبنى الزنيم، وتنفي نسب الابن الأصيل”.
وهو كلام يقطر كذبا ووحشية وحقدا ولا يحتاج إلى تفنيد بقدر ما يحتاج إلى رفع دعاوى ضده وضد حكامنا إلى المحاكم الدولية بتهمة “الجريمة ضد الإنسانية” خاصة في قضية التبني وتعدد الزوجات التي تجعل هذه الفئات في مجتمعاتنا تعاني التمييز العنصري والحيف والظلم والعزل والتهميش والغبن من المهد إلى اللحد وكلها جرائم تقع تحت طائلة البند السابع في نظام روما بمحكمة الجنايات الدولية مثل “اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرفية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس” ومثل “الاعتداء على كرامة الشخص، وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة”. وإن الدفاع عن حق الرجل في أربع زوجات هو جريمة ضد كرامة المرأة، وإن معارضة رجال الدين للتبني من أجل التكفل الإنساني بأطفال أبرياء لا ذنب لهم سوى أن أنهم ولدوا خارج مؤسسة الزواج القروسطية التي تجاوزتها الأمم المتحضرة جريمة ضد الإنسانية يعاني منها ملايين الأطفال في العالم الإسلامي.
نختم هذا الحوار بقول القرضاوي: ” وبهذا تناصب العلمانية العداء للدين، أعني للإسلام، الذي أنزله الله نظاما شاملا للحياة، كما أن الإسلام يناصبها العداء أيضا، لأنها تنازعه سلطانه الشرعي في قيادة سفينة المجتمع، وتوجيه دفتها، وفقا لأمر الله ونهيه، والحكم بما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يحكم المجتمع بما أنزل الله، سقط ـ لا محالة ـ في حكم الجاهلية، وهو ما حذر الله منه رسوله والمؤمنين من بعده، حين قال: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك، فإن تولوا فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) (سورة المائدة:49،50)”.
وهو محق في قوله بأن العلمانية تناصب العداء للدين، مادام يزعم أن هذا الدين ” نظاما شاملا للحياة”، والعلمانية لا تعترف له بـ “سلطانه الشرعي في قيادة سفينة المجتمع، وتوجيه دفتها، وفقا لأمر الله ونهيه، والحكم بما أنزله على رسوله” لأنه فشل في هذه المهمة على مدى 14 قرنا من الزمان وعرقل كل الجهود الفكرية والفلسفية والعلمية للخروج من هذا الانحراف الذي ابتلي به العرب وعمموه على بقاع واسعة من العالم.
أدعو القارئ مرة أخرى إلى قراءة ما يلي للقرضاوي: “إن العلمانية بمعيار الدين دعوة مرفوضة، لأنها دعوة إلى حكم الجاهلية، أي إلى الحكم بما وضع الناس، لا بما أنزل الله. إنها دعوة تتعالم على الله جل جلاله! وتستدرك على شرعه وحكمه! كأنها تقول لله رب العالمين: نحن أعلم بما يصلح لنا منك، والقوانين ـ التي أدخلها الغرب إلى ديارنا في عهود استعماره ـ أهدى سبيلا من أحكام شريعتك!! فماذا عسى أن يوصف من وقف هذا الموقف من ربه وشرعه؟!!”
ولكني أرجو من كل ذي عقل أن يعود لقراءة قول الفيلسوف الفرنسي السابق حتى لا يبقى في حلقه هذا المذاق المر وحتى يمحو السيئة بالحسنة.
يتبع  عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

حوار مع القرضاوي 8

عبد القادر أنيس

مقال اليوم حول كتاب القرضاوي “الإسلام والعلمانية، وجها لوجه”
أتناول فيه، في هذه الحلقة الثامنة، فصل “المعيار الرباني: الوحي” ص 69-71.
قبل الخوض في قراءة وتفكيك هذا المعيار أحيل من له متسع من الوقت والصبر إلى نص المناظرة التي شارك فيها من جهة العلمانيين المغدور فرج فودة ومحمد أحمد خلف الله ومن جهة الإسلاميين محمد الغزالي ومأمون الهضيبي ومحمد عمارة، كما نشرها مركز الإعلام العربي ذو التوجهات الأصولية، حتى نأخذ فكرة عن أسلوب التحاور كما يمارسه الإسلاميون وهو موضوع هذه السلسلة من المقالات:
المناظرة التي شارك فيها من جهة العلمانيين المغدور فرج فودة ومحمد أحمد خلف الله ومن جهة الإسلاميين محمد الغزالي ومأمون الهضيبي ومحمد عمارة،
خلال المناظرات التي جرت بين الإسلاميين والعلمانيين في مصر، كان الإسلاميون يلجئون فيها إلى إذلال وترهيب محاوريهم أمام العامة قائلين: هل تؤمنون بالله ربا ومحمد نبيا وبالقرآن كتابا منزلا من عند لله؟
وكان العلمانيون مرغمين على الجواب بنعم، مما يضطرهم إلى بذل كنوز من الحيلة والذكاء والمنطق لتوجيه الحوار نحو ضرورة التمييز بين كلام الله وبين ما فهمه المسلمون من كلام الله، وكان ذلك عبارة عن تنازلات مضرة أملتها الضرورات ولم تعد مقبولة اليوم مع توفر شروط التعبير الصادق الحر عبر شبكة الإنترنت، شأن هذا الموقع. كان العلمانيون لا يركزون على النصوص التأسيسية للإسلام بقدر ما يركزون على الخلافات التي نشبت بين المسلمين بسبب اختلاف الفهم لدى مؤسسي الدولة الإسلامية بمن فيهم صحابة محمد حول مسائل تعبدية وسياسية خاصة وكان هذا مقتلهم ماداموا ينزهون الإسلام كنصوص. لهذا ظل العلمانيون يعانون من شوكة في الحلق، لأن الكثير مما يعتبره الإسلاميون معلوما من الدين مثلما جاء حول المرأة والرق وبعض المعارف الخاطئة هو من الوضوح بحيث يجد كل من صرح أنه يؤمن بالقرآن كتابا منزلا من عند الله نفسه في مكان ضيق لا يحسد عليه. بالإضافة إلى أن المحيط الإرهابي المعادي للعلمانية ما كان ليسمح بفضح الإسلام حول ما أباحه الإسلام مما صار حتى الإسلاميون يتسترون عليه رغم تبجحهم بمقولة “لا حياء في الدين” وهي أمور لا تصدقها العامة ولا يعرفها أشباه المتعلمين بعد أن حُقنوا بإسلام مصفى منقى مغربل رُوعِي في تقديمه للناس الغش والتدليس والكذب ليتناسب مع مطالب حقوق الإنسان والحرية والمساواة والعدل، مثل قول عمر بن الخطاب الذي حمّلوه ما لا يحتمل “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا” بينما كان هذا الخليفة يملك من العبيد والإماء والجواري العشرات.. بل إن بعض المتعلمين السذج لو قلت له إن الإسلام أباح الرق والسبي لهجم عليك بوصفك مفتريا على دينه وعلى إلهه الذي لا يمكن أن يقبل بهذا الظلم!
ونعود لمتابعة وتفكيك معايير القرضاوي حول هذاالمعيار الرباني الذي هو الوحي، يقول: “أول هذه المعايير ولا شك، هو المعيار الرباني، أعني الوحي الإلهي، الذي أمد الله به البشر، ليهديهم فيما تعجز العقول عن الوصول إليه، وليرجعوا إليه، إذا حارت أفكارهم، وتناقضت آراؤهم، وتفرقت بهم السبل، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله: “كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه” (سورة البقرة:213).. “والوحي الإلهي، يتمثل ـ الآن ـ في “الإسلام”، الذي ختم الله به رسالات السماء، وختم بكتابه “القرآن” كتب السماء”.
ومعنى “كان الناس أمة واحدة” أنهم كانوا على الهدى والاستقامة منذ آدم إلى نوح (حسب التفاسير) ثم اختلفوا فبعث الله النبيين لهدايتهم من جديد. وهو ما يعني أن البشرية كانت تعيش سلاما وعدلا ومحبة وإخاء في بدايتها قبل أن يدب الاختلاف بين الناس. وطبعا رجال الدين عموما لا يقبلون نظرية التطور التي تفترض أن الإنسان هو سليل حيوانات تطورت حتى انفصلت بفضل نموها الذكائي العقلي عن باقي الحيوانات الأخرى، وهو تاريخ ضارب في القدم لملايين من السنين، بينما تتراوح التقديرات التي قدمتها قصص الخلق في كتب العهد القديم إلى حوالي ستة آلاف سنة فقط. وليس بين أيدي المؤرخين أي دلائل على وجود مجتمعات بشرية راقية اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا خلفت حضارات ذات قيمة خارج عما نعرفه عن التاريخ البشرية المتيز غالبا بالتوحش والغزو والاحتلال والاستعباد.
وبما أن القرضاوي والإسلاميين عموما يحكمون مثلما حكم كتابهم القرآن على أن الكتب السماوية الأخرى قد تم تحريفها ولا يمكن اعتبارها حجة على الله ولا على أنبيائه مثلما نفهمه من قول القرضاوي، ولم يبق إلا القرآن ككتاب موثوق فيه، فلنا أن نتساءل: ماذا استفاد الناس من هذا “الوحي الإلهي، الذي أمد الله به البشر، ليهديهم فيما تعجز العقول عن الوصول إليه، وليرجعوا إليه، إذا حارت أفكارهم، وتناقضت آراؤهم، وتفرقت بهم السبل”؟ هل فعلا كان ظهور الإسلام نقلة نوعية تتفوق عما عرفه البشر قبله وبعده من نظم وسياسات وعلوم ومعاملات؟ الواقع قديما وحديثا يكذب هذا الادعاء. وعندما يوضع الإسلاميون المعاصرون أمام تحديات الواقع والعلم نراهم يلجئون إلى بهلوانيات عجيبة غريبة للتهرب من تحميل الإسلام المسؤولية، ملقين باللائمة تارة على المسلمين الذين لم يفهموا دينهم وتارة على اليهود وتارة على المنافقين من الداخل وتارة على الغزو الخارجي ومع ذلك فهم أعجز عن إقناع ذوي العقول لهذا يلجئون إلى العنف والتكفير وتهييج العامة حول المخاطر المحدقة بالإسلام من طرف أعدائه. أهم حجة يقدمونها في هذا الباب أن الإسلام بريء مما يتخبط فيه المسلمون الذين لم يفهموا دينهم حق الفهم وحتى إذا فهموا فقد مُنِعوا من تطبيقه في حياتهم العامة والخاصة.
وهم لا يملون من هذا التشدق المقيت مثل قول القرضاوي: “ومادمنا مسلمين، رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما، فمن البديهي أن نحتكم إلى الإسلام فيما نختلف فيه، وهو خليق أن يهدينا سواء السبيل”.
وهو قول غريب عجيب بكل المقاييس يدفعنا دفعا إلى التساؤل: هل الأزمة العامة التي تتخبط فيها بلاد الإسلام منذ قرون طويلة هي نتيجة أن الله منع عنها هدايته لأن الناس لم يعودوا مسلمين يرضون بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما، ولم يعودوا يحتكمون إلى الإسلام فيما اختلفوا فيه؟
مفكرو الإسلاميين يقعون هنا في مطبات عويصة، بعضهم كفروا المجتمعات الإسلامية واعتبروها تعيش جاهلية أعتى من الجاهلية التي سبقت الإسلام مثلما فعل سيد قطب وغيره من أهل التكفير والهجرة: كفروا المجتمعات وأجازوا فيها ما أجازه نبيهم من حرب وسبي وتقتيل وتفجير وهو حال جماعات الجهاد المقدس اليوم. الصدامات التي حدثت مع الحكومات والشعوب والفشل الذريع في الاستيلاء على السلطة بهذه الطريقة دفع الشيوخ إلى الميل مزيد من التحايل والخداع والانتقائية.
ثم ماذا يمكن أن نفهم من قول القرضاوي: “والاحتكام إلى الإسلام معناه الاحتكام إلى القرآن والسنة، كما قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء، فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا) (سورة النساء:59)؟
كان المسلمون الأوائل يحتكمون إلى الله (القرآن) وإلى الرسول (السنة) ومع ذلك اختلفوا. بل اختلفوا أكثر كلما أوغلوا في الاحتكام إلى هذين المصدرين اللذين يعجان بالتناقضات التي تمكن كل طرف من إيجاد ضالته فيهما وتكفير الخصوم. من الطريف ما يروى عن علي بن أبي طالب حينما أمر معاوية جيشه في حرب صفين برفع المصاحف كدعوة لتحكيم كتاب الله، فقال علي: “كلمة حق أريد بها باطل”. وما يروى عن علي أيضا حين أوصى ممثله في مفاوضة الخوارج الذين كانوا هم أيضا يطالبون بتحكيم كتاب الله، فقال علي: “لا تجادلهم بالقرآن، القرآن حمال أوجه”. وأخيرا لجأ إلى مجادلة خصومه بحد السيف وسالت الدماء مدرارا في معارك وفتن شارك فيها مبشرون بالجنة وقتلوا، بل شاركت فيها عائشة التي قال عنها زوجها محمد “خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء” ضد علي الذي قال عنه محمد “أنا مدينة العلم وعلي بابها”. فكيف نفهم أن تختلف من كانت فقيهة تعرف نصف الدين مع من كان بابا لمدينة العلم في هذا الدين، أي العلم بالإسلام طبعا؟ ألم يكن كل منهما على دراية كافية بتعاليم الإسلام؟ ألم كلاهما يحفظ آية ” فإن تنازعتم في شيء، فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر”؟ وكلاهما كان يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فما منع من عصمتهما إذن، يا مولانا؟ !!!
القرضاوي يقول شرحا لهذه الآية “وقد أجمع المسلمون على أن الرد إلى الله تعالى معناه: الرد إلى كتابه الكريم، والرد إلى الرسول معناه: الرد إلى سنته صلى الله عليه وسلم”. ما منع عائشة وعلي من الاحتكام إلى الله والرسول؟ هل هو الجهل بهما؟ حاشا. إذن ماذا؟
يجيب القرضاوي: “وإذا قيل: إن الناس يختلفون في فهم القرآن والسنة، على صور شتى، قلنا: إن “القطعيات” لا خلاف عليها، وهي التي أجمعت عليها الأمة، جيلا بعد جيل، ودل عليها محكم القرآن، وصحيح السنة”. أما “الظنيات” فيجب أن تفهم، في ضوء “القطعيات”، مهتدين بما وضعه علماء المسلمين من ضوابط للفهم، وتفسير النصوص، واستنباط الأحكام، ممثلا في علم “أصول الفقه” وعلم “أصول الحديث” وعلم “أصول التفسير”.
وهو جواب لا يقنع كل ذي عقل. فلنفكك إذن هذه الكلمات الكبيرة مصدر كل المغالطات: “القطعيات”، “أجمعت”، “الأمة”، “الظنيات”، “علماء الأمة”. هل فعلا هناك قطعيات لا تقبل المناقشة؟ لنأخذ الزكاة مثلا وهي من القطعيات التي لا خلاف في وجوبها ومع فلقد حارب أبو بكر قبائل أسلمت وكانت تؤدي الزكاة لمحمد وبعد موته امتنعت، فجهز لها جيوشا وفتك بها وعاملها خالد ابن الوليد معاملة الكفار تقتيلا وسبيا واستعبادا. بعد ذلك بسنين قليلة جاء عثمان وقرر ترك إخراج الزكاة للمسلمين يخرجونها حسب إرادتهم وتقواهم ولا يزال قانون عثمان ساري المفعول إلى أيامنا. فلماذا شنت تلك الحروب التي سميت حروب الردة على أقوام مسلمين لم يحدثنا مؤرخو الإسلام أنهم كفروا بالله ربا وبمحمد نبيا وبالقرآن كتابا منزلا؟ وما هو القطعي هنا؟ هل هو ما فهمه أبو بكر أم ما فهمه عثمان وكلاهما من المبشرين بالجنة؟
أما إذا خضنا في شؤون السياسة ونظم الحكم وهي الأهم بالنسبة لحياة المسلمين قديما وحديثا، فلا نجد فيها شيئا قطعيا حصل حوله إجماع المسلمين لأن الإسلام لم يقدم في هذا الباب أي ضوابط يمكن الاعتداد بها ولهذا ظل أسلوب الحكم استبداديا نزويا دائما دون أن يرى في ذلك فقهاء الإسلام مشكلة ولعل هذا ما أدى إلى تأخر الفكر التنظيري السياسي عند المسلمين.
وأما أن يدعي القرضاوي أن الأمة أجمعت فهذا من قبيل الضحك على الذقون. فأمة الإسلام انقسمت باكرا واستمر الانقسام إلى يومنا وكان هذا الأمر ساريا بين كل الأمم يومئذ وكل يدعي وصلا بليلى…. في البداية، كانت الفرق الإسلامية تعد على أصابع اليد الواحدة مثل الخوارج والشيعة وهي الفرق التي تبلورت فكريا إلى جبرية ومعتزلة ومرجئة ولا أدرية وأشعرية حسب موقعها من السلطة، ثم جمعها السيف إلى سنة وشيعة وخوارج، ثم فرقها فرق وكل فريق إلى مذاهب وفرق وطرق وحركات متصارعة متناحرة حد التكفير والاقتتال أحيانا. فأين الإجماع إذن؟
هذا في الماضي، أما حاضرا، فإن المطالبة بالإجماع في الأمم المتحضرة الديمقراطية مطلب مذموم مرادف للدكتاتورية والفاشية وقتل الرأي الآخر ولو كان أقلية قد تتحول إلى أغلبية في الانتخابات المقبلة. ولم يعد اليوم فيها مكان للقائد الملهم الأوحد المنزه عن الخطأ ولا للحزب الواحد ولا للفكر الواحد ولا لكل ما يمت إلى الإجماع بصلة حتى في النظر إلى قيم إنسانية نبيلة مثل الحرية والديمقراطية التي لا يتوقفون عن توسيعها وتعديل آلياتها بما يتلاءم مع مستجدات الحياة. فالسلطة توزعت إلى تشريعية وقضائية وتنفيذية للحيلولة دون العودة إلى الاستبداد الفردي. فهل من اللائق أن نتحدث اليوم عن الإجماع في الفكر والسياسة والعلم والرؤية إلى الحياة والكون وطبيعة البشر؟
ولم يعد مقبولا تسليم مصير الأمم إلى شريحة من الناس مهما بلغوا من العلم والحكمة خاصة إذا كان هؤلاء (العلماء) من رجال الدين الذين يستقون معارفهم من مصادر متكلسة يدعون أنهم الأقدر على فهمها وتقديمها للناس رغم كل الخيبات التي تسببوا فيها على مر العصور.
مع كل هذه البراهين التي قدمتها التجربة البشرية يقول: “وأحق ما يجب الرجوع فيه إلى الإسلام هو ما يتعلق بالإسلام ذاته، فإذا قال قائل: إن الإسلام مجرد دين، يعمل على تزكية الأنفس، وإقامة الشعائر، ولا علاقة له بالدولة وأصول الحكم، وشئون السياسة، والاقتصاد، كان الواجب في ذلك هو الرجوع إلى الإسلام ذاته، لنعرف من مصادره الأصلية: أهو مجرد عقيدة وعبادة، أم هو عقيدة وشريعة، وعبادة وقيادة، ودين ودولة، ومصحف وسيف”.
ويقول: “إنها قضية شمول الإسلام، أو عدم شموله، ولا يفتي فيها إلا الإسلام نفسه، قرآنه وسنة نبيه، وهدى الراشدين من خلفائه، وإجماع المجتهدين من أمته”.
ويقول: “فإذا قال بعض الناس: نعم للدين، ولا للدولة، أو نعم للعقيدة، ولا للشريعة، أو نعم للمصحف ولا للسيف، قلنا لهم: قولوا ما شئتم، وشاءت لكم أهواؤكم وثقافاتكم، ولكن لا تقولوا ذلك باسم الإسلام، الذي يقول كتابه، في بيان لا لبس فيه (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) (سورة النحل:98) ويقرر فقهاؤه بالإجماع: أن شريعته حاكمة على جميع أفعال المكلفين وتصرفاتهم الخاصة والعامة، ولا يشذ منها فعل واحد، دون أن تعطيه حكما من أحكامها الخمسة المعروفة”.
وطبعا من العبث الاستمرار في تبيان تهافت هذا الكلام الذي لا يدعمه حتى الإسلام نصا وواقعا. ويكفي للتدليل على هذه السخافات أن نشير إلى واقع الرق في حياة المسلمين والذي أباحه القرآن والسنة بوضوح لا مجال للتستر عليه. فهل يستطيع القرضاوي أن يطالب بتطبيق الشريعة في هذا الباب دون أن يفتح عليه سخط العالم بأسره رغم أنه حق شرعي للمسلم مثل حقه في تعدد الزوجات الذي اقترن دائما في القرآن بحقه في ملك اليمين وبحقوق للرجل كادت تؤلهه على المرأة مثلما ما جاء في حديث محمد “لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه؟”
ويختم هذا الفصل بقوله: “على أننا إذا احتكمنا إلى أي معيار من المعايير، التي أشرنا إليها لتقويم “العلمانية”، والحكم في شأنها، نجد أنها في أوطاننا كلها، مرفوضة شكلا وموضوعا، كما يقول رجال القانون، هي مرفوضة بمعيار الدين، ومرفوضة بكل المعايير الأخرى، ولا بأس أن نشير إلى ذلك في الصحائف التالية”.
وهو ما سنفعل نحن أيضا في المقالات اللاحقة دحضا وتكذيبا وكشفا للخداع والتحايل والانتقائية. عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

1+3=4

محمد الرديني

لاندري لماذا حمل قانون الارهاب الرقم 4 .. ولاندري كذلك لماذا ابتعدت كلمة القانون عنه ليحل محله مصطلح (مادة 4 ارهاب).
اصحاب الزيتوني في النظام السابق شجعوا الناس البسطاء منهم والمعقدين على كتابة التقارير الاستخباراتية ضد كل من يشتبه به معترضا على قرارات السلطة او يبدي كرهه لها بالكلام او بالفعل.
هذه التقارير تكتب يوميا لقاء مبالغ مغرية واذا لم يتم الدفع فكلمة الشكر كافية مع الاحتفاظ بحظوة عند ذيول السلطة.
وحصل ما حصل فالابن يكتب التقارير عن ابيه او امه او اخيه حتى يصل الى سابع جار، والمدير العام لايجد وقتا لأدارة مؤسسته لأنه مستغرق في كتابة التقارير عن جميع موظفيه حتى ولو كان احدهم اعلى مرتبة حزبية منه.
وراحت بسبب هذه التقارير الملفقة كلها ارواح ابرياء لم يحصلوا لا على دفء الحياة الدنيوية ولا على مكان في جنة المعممين.
وجاءت سلطة جديدة الى العراق واستبشر الناس ولكنهم صعقوا بنوعين من “الزلم”،الاول من نزع الزيتوني ليطلق لحيته او سكسوكته ويروح زائرا بايفاد من الدولة الى العتبات المقدسة ويصلي جماعة هناك.
اما النوع الثاني فيضم نفس كتّاب التقارير السابقين ولكن هذه المرة يستعملون مادة 4 ارهاب.
وبات من السهل جدا ان تتعارك امرأة مع جارتها لتتصل بعد ذلك بالجهات المختصة في مكافحة الارهاب وتقول لهم : اشك ان ام كاظم،وهذا اسم جارتها، ارهابية.
ويصدق الضابط المسعول عن مكافحة الارهاب فيأتي مع فوجه ليلقي القبض عليها والى ان تثبت أم كاظم انها لاتعرف من الارهاب سوى اسمه يكون جلدها راح الى “الدباغ”.
اما اذا كان طالبا بالمرحلة الثانوية فانه مستعد بكتابة او مهاتفة جماعة رقم 4 ارهاب عن أي مدرس يتسبب في رسوبه.
اما اذا رفض احد الآباء شابا تقدم لخطبة ابنته فسينام ليلته الثانية ب”القلق”، بضم القاف الاولى وتسكين القاف الثانية.
وما ان تنتهي عركة بعض الشباب مع بعضهم حتى تجد ان خمسة او ستة منهم حملهم “زيل” الى ابو غريب.
هل تعتقدون ان هذا الكلام فيه مبالغة؟ من يعتقد ذلك عليه ان يثبت بالبرهان القاطع مايقول.
كتب لي احد ازملاء امس تعليقا قال فيه : صدام حولنا الى عبيد وامعات وزادوا عليه اصحاب الايادى التى يدعون انها متوضئة (متوضأة) قانون 4 ارهاب وما ادراك ما 4ارهاب اى انك تنتهى كانسان بوشاية مخبر سرى او خلاف مع مسؤول او شلة هذا المسؤول او جاء بك قدرك البائس بسيارتك او كنت ماشيا امام الالهة الجدد من اصحاب الفخامة والسيادة والمعالى واعتبروك مهددا لمركباتهم وسياراتهم المظللة وابواقها التى تحذرك وتدعوك للابتعاد عن الاباطرة الجدد القادمين من بلدان اللجوء ومن حول اتجاه بوصلته من الزيتونى الى الذقون والسبحة والمحابس واصبح كلامهم بدل قال القائد قال الله وقال الرسول والله والرسول براء منهم (انتهى التعليق).
وبما اني حائزعلى شهادة “شمّام” في الدورة الاخيرة مع الكلاب البوليسية فقد شممت رائحة الصدق كل الصدق فيما قاله هذا الفتى.
ماهو المانع في أن يتحول كتّاب التقارير السابقين الى مادة رقم 4؟.
ليس هناك أي مانع ابدا فذيل الكلب لا”ينعدل” ابدا.  تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment