حول صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان

هذه هي المقالة العشرون من حواري الافتراضي مع الدكتور يوسف القرضاوي من خلال كتابه ((الإسلام والعلمانية، وجها لوجه)). الكتاب في الرابط:

http://www.scribd.com/doc/28242163

نقرأ للدكتور القرضاوي في هذا الفصل تحت عنوان ((صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان)) ص 133: ((إن الأصل في أوامر الله وأحكامه هو الثبات والبقاء، حتى ينسخها الله ذاته بشرع آخر، إذ لا يملك بشر سلطة فوق سلطة الله، حتى يلغي أحكامه. ولا شرع لله بعد محمد صلى الله عليه وسلم. إن شريعة الإسلام عامة خالدة، هذا من القطعيات الضرورية، ولكن الدكتور ـ بذكائه ودهائه ـ (يقصد محاوره الدكتور فؤاد زكريا) كثيرا ما يدفعنا إلى توضيح الواضحات، والتدليل على الضروريات! فلنعد إلى مناقشة ما اتكأ عليه من شبهات، يستدل بها على دعواه العريضة)).

وتحت عنوان جانبي ((استدلالات منقوضة)) يقول د. القرضاوي:

اعتمد د. زكريا في رفضه لصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، على أمرين أثبتناهما، بعبارته بحروفها، حتى لا نتجنى عليه:

خلاصة الأمر الأول: أن الإنسان جوهره التغير، فلا تصلح له شريعة جوهرها الثبات.

وهنا أقول للكاتب: لقد أخطأت في القضيتين كلتيهما، فلا الإنسان جوهره التغير، ولا الشريعة جوهرها الثبات)). انتهى.

يقول الدكتور القرضاوي هذا الكلام ولم يجف حبر ما كتب قبله بأسطر معدودات: (إن الأصل في أوامر الله وأحكامه هو الثبات والبقاء، حتى ينسخها الله ذاته بشرع آخر، إذ لا يملك بشر سلطة فوق سلطة الله، حتى يلغي أحكامه. ولا شرع لله بعد محمد صلى الله عليه وسلم). !!!!!!!

وتحت عنوان جانبي: “حقيقتان كبيرتان”. كتب: “”وقبل أن أبين خطأ الكاتب في دَعْوَيَيْه، أريد أن ألفت النظر هنا إلى حقيقتين كبيرتين:

((الأولى: أن منطق الإيمان يرفض رفضا كليا مناقشة ما أثاره الدكتور من دعاوى. فالمسلم الذي رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما، لا يتصور منه أن يناقش مبدأ صلاحية الأحكام، التي شرعها له ربه وخالقه، لهدايته وتوجيهه إلى التي هي أقوم، لأن معنى هذا أن المخلوق يتعالم على الخالق، وأن العبد يستدرك على ربه، وأنه أعرف بنفسه، وبالكون، وبالحياة من حوله، من صانع الكون، وواهب الحياة، وبارئ الإنسان)).

هذا الكلام يعبر تعبيرا واضحا عن موقف رجال الدين عموما والإسلاميين خاصة من أي رأي آخر مختلف وتكفير صاحبه والدعوة إلى قمعه وترهيبه واغتياله. وأنا هنا أدعو العلمانيين التوفيقيين أن يتأملوا هذا الكلام للقرضاوي وهم الذين لا يتوقفون عن نصحنا بضرورة تجنب مهاجمة الأديان والاقتصار على مهاجمة رجالها بحجة أنهم محرفون لصحيح الدين؟ وأنا أرى أنه لا يجدي أي نقد لا يتحاشى نقد نصوص الدين ذاتها وأن نسبة العيب إلى رجال الدين وليس للدين إنما يزيد في حدة غيبوبة وتبعية الناس لهذه الأديان ولرجالها بعد أن شهد (العلمانيون) أن العيب ليس في الدين بل في فهمه؟ بل حتى الدكتور فؤاد زكريا لم ينج من الوقوع في هذا المطب كما تضمنه نقدي له في المقال السابق رغم أن له في ذلك أسبابا ومآرب يمكن أن نتفهمها.

يقول القرضاوي: ((فالمسلم لا يناقش ـ بحال ـ مبدأ صلاحية الشريعة، أو النصوص الإلهية للتطبيق والعمل في كل زمان ومكان، لأن هذا يعني مراجعته للإسلام ذاته، أهو من عند الله أم لا؟ وهذا أمر قد فرغ منه كل من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، أيقن بها قلبه، ونطق بها لسانه. إنما يناقش المسلم في بعض الأحكام والجزئيات، هل هي من عند الله أم لا؟ هل صحت نسبتها إلى الله، بأن جاءت في محكم كتابه، أو ثبتت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؟)).

نلاحظ أن المناقشة عند القرضاوي محصورة في المسلم فقط ((الذي رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما). كذلك كان الغزالي يلوم السياسيين الجزائريين عندما يخاطبون الناس بـ (أيها المواطنون) واقترح استخدام (أيها المؤمنون، أيها المسلمون.. يا أيها الذين آمنوا) !!!. يقولون هذا الكلام رغم أن مطلب تطبيق الشريعة يهم جميع المواطنين مهما اختلفت مذاهبهم وأفكارهم ومعتقداتهم لأن نتائجها يتحملها الجميع. ثم بعد ذلك يؤكد أن شريعته تتسع لإدارة شؤون الدولة في كل مكان وزمان وهو ما يعني أنه يقصد الدولة الإسلامية فقط، غير أننا نعرف أن لا مكان في دولته الإسلامية إلا لمواطنين مسلمين درجة أولى أما غيرهم فأشباه مواطنين من درجات متدنية لا مواطنة لهم بالمفهوم العصري، وعليهم أن يقبلوا صاغرين بشريعة هذه الدولة الإسلامية القروسطية التي يجب أن تطبق على الجميع خاصة ما تعلق منها بأهم مسألة وهي السلطة وإدارة شؤون الناس فيها وكيف يجب أن يشارك الجميع في تقرير حاضرها ومستقبلها. دولته إذن دينية بامتياز، رغم أنه وغيره من الإسلاميين ينفون كونهم يدعون إلى دولة دينية ثيوقراطية. ليس من حق غير المسلم، بل حتى المسلم العلماني والمسلم من غير المنتمي للمذهب الغالب، وهو عند القرضاوي المذهب السني، أن يكون له رأي مختلف حول مصير بلاده من حيث التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأن يناقش بحرية، مثلما فعل فؤاد زكريا بحسن نية، مدى أهلية الشريعة وقدرتها على إدارة شؤون الناس. دولة القرضاوي في النهاية وفي أقصى درجة من تسامحها كما هي دولنا الحالية هي دولة ملية تقسم المواطنين إلى طوائف تحت هيمنة الطائفة السنية الغالبية حسب ما يمليه قانون الغاب الديني.

ولهذا لا يتوقف الشيخ في طول هذا الحوار وعرضه عن التهديد والوعيد مثل قوله هنا: (( وقد أجمع العلماء على أن من أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، ولم يكن حديث عهد بالإسلام، ولا ناشئا ببادية أو ببلد بعيد عن دار الإسلام، فإنه يكفر بذلك، ويمرق من الدين، وعلى الإمام أن يطلب منه التوبة والإقلاع عن ضلاله، وإلا طبقت عليه أحكام المرتدين)).

ونحن نعرف النتيجة النهائية لهذا الكلام من خلال الاغتيالات التي تعرض لها المثقفون العلمانيون، بل حتى رجال دين يختلفون مع القرضاوي وزبانيته، حتى وصل الأمر في نهاية هذه الصحوة المجنونة إلى تكفير كل الناس الذين لا ينتمون إلى جماعاتهم. بلادي عانت من هذا التطبيق الأهوج للشريعة حين خاض الإسلاميون حربا شرسة ضد الجميع، كما عرفت هجرة عشرات الألوف من الكفاءات نحو الغرب في التسعينات هربا من بعبع شريعة القرضاوي، وهو نزيف لم يتوقف في مختلف البلاد العربية، مثل هجرة المسيحيين واليهود وكل من استطاع إلى ذلك سبيلا.

ومع هذا يخاطب القرضاوي محاوره بتعال وصلف: ((ولهذا كان الأصل ألا أشتغل بالرد على دعاوى الدكتور ف. زكريا، بالتشكيك في المسلمات القطعية عند المسلم، ولكني تنازلت عن موقعي الأصلي، واشتغلت بالرد “تبرعا” كما يقول علماء البحث والمناظرة في تراثنا، ومن باب “إرخاء العنان للخصم” كما في قوله تعالى (قل: إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) (سورة الزخرف:81) وقوله (وإنا أو إياكم لعلى هدى، أو في ضلال مبين) (سورة سبأ:24).)). انتهى.

إن الزعم بإرخاء العنان للخصم ليس تسامحا أو رحابة صدر أو ميلا للحوار المتمدن، بل هو استدراج نحو حوار ظنه العلمانيون مفتوحا وصادقا ونزيها ومتسامحا، بينما كان تلاميذ القرضاوي يشحذون الخناجر ويخططون لاغتيال محاوريهم الذين تحلوا بقدر محترم من الشجاعة الأدبية فعبروا عن آرائهم بصدق.

هل نحتاج مع هذا الكلام إلى دليل آخر على خطر تطبيق الشريعة على حريات الناس العامة والخاصة وعلى السلم الاجتماعي في مجتمعاتنا المتعددة المذاهب والطوائف والملل بالإضافة إلى ما نطمح إليه من حريات لا حدود لها إلا حدود العقل السليم والذوق الرفيق والحس المدني المرهف؟

وتحت عنوان: ((الإنسان بين الثبات والتغير))، يقول: (( بعد هذا البيان الواجب، أعود متبرعا للرد على مقولة محامي العلمانية: “أن الإنسان متغير، والشريعة ثابتة” وهو ما قلت: إنه أخطأ الصواب فيه في القضيتين معا.

أما الإنسان فليس صحيحا أن جوهره التغير، ويؤسفني أن يصدر هذا من أستاذ فلسفة! ولكن بالرغم من هذا التغير الهائل، الذي حدث في دنيا الإنسان، هل تغيرت ماهيته؟ هل تبدلت حقيقته؟ هل استحال جوهر إنسان العصر الذري عن جوهر إنسان العصر الحجري؟ هل يختلف إنسان أواخر القرن العشرين الميلادي عن إنسان ما قبل التاريخ؟ أسأل عن جوهر الإنسان، لا عما يأكله الإنسان، أو عما يلبسه الإنسان، أو عما يسكنه الإنسان، أو عما يركبه الإنسان، أو عما يستخدمه الإنسان، أو عما يعرفه الإنسان من الكون من حوله، أو عما يقدر عليه من تسخير طاقاته لمنفعته. لقد تغير ـ بالفعل ـ أكبر التغير مأكل الإنسان، وملبسه، ومسكنه، ومركبه، وآلاته، وسلاحه، كما تغيرت معرفته للطبيعة، وإمكاناته لتسخيرها، ولكن الواقع أن الإنسان في جوهره وحقيقته بقي هو الإنسان، منذ عهد أبي البشر آدم إلى اليوم، لم تتبدل فطرته، ولم تتغير دوافعه الأصلية، ولم تبطل حاجاته الأساسية، التي كانت مكفولة له في الجنة، وأصبح عليه بعد هبوطه منها أن يسعى لإشباعها، وهي التي أشار إليها القرآن في قصة آدم: (أن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) (سورة طه:119).

وبما أن الإنسان، في اعتقاده، لم يتغير ولن يتغير، فهو يقول: ((إن إنسان القرن العشرين أو الحادي والعشرين، أو ما بعد ذلك، لا يستغنى عن هداية الله المتمثلة في وصاياه وأحكامه، التي تضبط سيره، وتحفظ عليه خصائصه، وتحميه من نفسه وأهوائها)). انتهى

طبعا، وبغض النظر عن تهافت نظرية الخلق الدينية (آدم) أمام نظرية النشوء والارتقاء الداروينية (القرد) والتي ليس ههنا مجال للإفاضة فيها، فإن مزاعم القرضاوي بأن الإنسان لا يتغير في جوهره و((لا يستغنى عن هداية الله المتمثلة في وصاياه وأحكامه، التي تضبط سيره، وتحفظ عليه خصائصه، وتحميه من نفسه وأهوائها)) لا تستقيم أبدا، وما استقامت عبر تاريخ هذا الإنسان.

هل معنى كلام الشيخ هذا أن إنسان اليابان والصين والهند (بوصفه لم يكرمه الله بدين سماوي، ولم ينتم إلى خير أمة أخرجت للناس أو إلى شعب الله المختار) لا يستحق أن يوصف بالإنسان وهو يعيش منذ قرون مستغنيا عن هداية الله المتمثلة في وصاياه وأحكامه، التي تضبط سيره، وتحفظ عليه خصائصه، وتحميه من نفسه وأهوائها”. فكيف عاشت تلك الشعوب كل هذه المدد الزمنية محافظة على خصائصها مهدية بلا هداية ربانية؟

إذا كان الناس في تلك البلاد المترامية الأطراف، المتعددة الأديان والأجناس، قد خلقوا أديانا وتعاليم وفلسفات حياة “ضبطت سيرهم، وحفظت عليهم خصائصهم، وحمتهم من أنفسهم وأهوائهم” شأنهم شأن غيرهم، فكيف لا يستطيع بشر اليوم وهم الأكثر خبرة وتجربة وعلما ومعرفة أن يخلقوا قوانين ومواثيق وأخلاقا قادرة على “ضبط سيرهم، وحفظ خصائصهم، وحمايتهم من أنفسهم وأهوائهم”؟ إلا إذا احتقرنا تلك الأديان الوثنية واعتبرنا معتنقيها دون مستوى البشر مجردين من أية خصائص وقيم تميزهم عن غيرهم، يعيشون في تيه وضياع دائمين، وهذا منتهى الكذب والعنصرية، وهذا ما ينطق به الإسلاميون دائما.

لكن القرضاوي يقول بأن الإنسان، في جوهره، هو الإنسان مهما تباعدت الأزمان والأوطان. ومن كلامه هذا فإنسان الصين واليابان والهند هو إنسان بأتم معنى الكلمة، عاش وبنى وشيد وعمر واخترع دون أن يحتاج إلى هداية الإسلام.

ومع ذلك فحديث القرضاوي عن إنسان جوهره الثبات حديث خرافة. فما هو هذا الجوهر الذي يأبى التغير؟ الإنسان في جوهره الطبيعي، إذا صح الوصف، هو حسب نتائج العلوم الحديثة عبارة عن كتلة من الغرائز والاستعدادات الخام مؤهلة لأي تشكيل، وهي نفسها عرفت تطورا على مدى الحقب الطويلة التي تقدر بمئات الآلاف من السنين، وحتى اليوم، لو تركنا أي فرد معزولا عن محيطه البشري الذي يشرف على تنشئته الاجتماعية والدينية والثقافية فسوف يعود إلى حياة بهيمية لعصر ما قبل اكتشاف النار: لن يرث في جيناته لا لغة، لا معرفة، لا خبرة، ولا حتى قدرة على النطق بحروف متمايزة لأن الحبال الصوتية تتخلق وتتهذب بالتدريب والمحاكاة، ولهذا يصعب تعلم الحروف على الصم البكم مقارنة بسليمي السمع. الإنسان إذن كائن ثقافي والثقافة مكتسبات متغيرة باستمرار وبالتالي فالإنسان كائن متغير باستمرار. أما إنسان القرضاوي المطلق فلا وجود له إلا في صورة بدائية بهيمية، تكذب تكذيبا قاطعا حديث ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) على أساس أن الإسلام وحده هو دين الفطرة، بمعنى أن الإنسان يولد على فطرة الإسلام. القرضاوي يقدم لنا هذا الزعم وكأنه حقيقة مسلم بها حتى هو نفسه يكاد يتخلى عنها عندما قال بعد عشرين سنة إجابة عن سؤال:

لنبدأ بالعامل الأول لتغير الفتوى، وهو تغير المكان، ما المقصود بهذا؟

يجيب: “للأسف بعض إخواننا من العلماء المعاصرين يقول إن الفتوى لا تتغير بتغير المكان، وأن الذي انفرد بهذا هو الإمام ابن القيم، وأنا أخالفهم في هذا، وأرى أن التغير المكاني هو من التغيرات الحقيقية للإنسان، فالإنسان في البادية غير الإنسان في الحضر، والإنسان في البلاد الباردة غير الإنسان في البلاد الحارة، والإنسان في الإسكيمو أو عند القطب الشمالي له أحكام تتعلق به، فمثلاً حينما نقول: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، فإنه في القطب الشمالي لا يوجد «صعيد»، فهو لديه ثلج، وفي هذه الحالة صعيده هو الشيء المناسب لمكانه.

كذلك لا يوجد عنده أبقار، والكلاب هي التي تجر الأشياء، إذن فاقتناء الكلاب في هذه الحالة جائز وليس فيه حرج، كذلك هناك بلاد الشمس تغيب عنها ستة أشهر، وتطلع ستة أشهر، وهذه البلاد لها أحكامها الخاصة في الصلاة والصيام.

والعلماء من قديم انتبهوا لذلك، فمثلاً راعوا أن البدوي له أحكام خاصة، حتى قالوا لا يصح أن يؤم البدوي الحضري إلا إذا خرج من بداوته وتفقه، وذلك أن الرسول نهى عن عودة الشخص بعد الهجرة إلى البادية وجاء في الحديث: «من بدا جفا»، يعني أصبح عنده جفوة، وإلى ذلك أشار القرآن (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ)). انتهى

 http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=7200&parent_id=16&template_id=211&version=1

 وهذا هو ما أراد قوله الدكتور فؤاد زكريا بالضبط. فهل يقبل الشيخ تعميم هذا الحكم التطوري إسلاميا على المرأة بعد أن صارت عالمة ورائدة فضاء ومهندسة وطبيبة ومحامية وأستاذة ونقابية وبرلمانية مختلفة تماما عن تلك المرأة الأمية الغافلة بسبب ما فرض عليها من حصار وتجهيل وظلامية حتى اعتبرها الإسلام ناقصة عقل ودين وناقصة أهلية وكرامة؟ هل يقبل وقف حكم الإسلام القطعي المهين على امرأتنا المعاصرة التي صار بمقدور عقلها أن يستوعب مجلدات من العلوم الطبية والقانونية والآداب والفنون والتقنيات، بينما يمكنها أن تكون شاهدة في قضايا بسيطة من الحياة اليومية مازالت إداراتنا تحرص عليه ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء ان تضلَّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى))؟ فكيف يمكن التعامل مع نصوص دينية يعتبرها القرضاوي من القطعيات والثوابت التي لا يمكن المساس بها في هذا العصر؟

هل تفتقد جماهير النساء عندنا إلى الفطرة الإسلامية عندما ترفض شريعة تعدد الزوجات والقوامة والحجر والشك في أهليتهن والتمييز العنصري ضدهن باسم هذه الشريعة ولو رفضا مواربا؟ هل يمكن أن نعتبر هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان بينما يرفضها نصف مجتمعاتنا على الأقل؟ هل من العدل أن نفرض هذه الشريعة أو على الأقل الكثير من نصوصها القطعية على النساء وعلى من لا يريد أن يخضع لها كما بينت ذلك في مقالي السابق؟

كيف نجيب القرضاوي وهو يقول: ((يتجلى هذا الثبات في “المصادر الأصلية النصية القطعية للتشريع” من كتاب الله، وسنة رسوله، فالقرآن هو الأصل والدستور، والسنة هي الشرح النظري، والبيان العملي للقرآن، وكلاهما مصدر إلهي معصوم، ولا يسع مسلما أن يعرض عنه (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (سورة النور:54) (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله، ليحكم بينهم، أن يقولوا سمعنا وأطعنا) (سورة النور:51).

وفي المحرمات اليقينية، من السحر، وقتل النفس، والزنا، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والتولي يوم الزحف، والغصب، والسرقة، والغيبة، والنميمة، وغيرها مما يثبت بقطعي القرآن والسنة.

ومن أمهات الفضائل، من الصدق، والأمانة، والعفة، والصبر، والوفاء بالعهد، والحياء، وغيرها من مكارم الأخلاق، التي اعتبرها القرآن والسنة من شعب الإيمان. وفي شرائع الإسلام القطعية، في شئون الزواج، والطلاق، والميراث، والحدود، والقصاص، ونحوها من نظم الإسلام، التي ثبت بنصوص قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، فهذه الأمور ثابتة، تزول الجبال ولا تزول”؟ انتهى

ما علاقة مجتمعاتنا اليوم بهكذا خطاب قروسطي ما زال يستخدم مصطلحات مثل (قذف المحصنات الغافلات وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، والغيبة، والنميمة)؟

ولهذا يذكرني مطلب تطبيق الشريعة دائما بشريعة بروكرست اليوناني قاطع الطريق وسريره المشؤوم الذي يأبى أن يكون على قدّ المسافر المسكين الذي تقطع أوصاله بسببه لا محالة مهما كان من الطول أو القصر، مثلما تقطع أوصال مجتمعاتنا المعاصرة فلا هي انسجمت مع المدنية الحديثة ولا هي قادرة على البقاء ضمن مواصفات ذلك المجتمع الذي أنتج الإسلام. يكفي إلقاء نظرة خاطفة إلى مدننا وقرانا لنرى كيف تتجاور أنماط حياة متنافرة يعرقل بعضها بعضا لأنها تجمع بين عصور متباعدة. هذا في المظهر والملبس أما المخبر فما أبعدنا مدننا عن مدن المجتمعات الحديثة التي يسودها التمدن والتعايش السلمي والانسجام والتناغم في الملبس والمأكل والمسكن والمركب والفكر وحتى المعتقد.      عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

حزن في ضوء القمر

أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها

 أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر

 خذني إليها

 قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر

 فأنا متشرّد وجريح

 أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده

 من أعماق النوم أستيقظ

 لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم

 لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر

 قل لحبيبتي ليلى

 ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين

 أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها

 انني ألمح آثار أقدام على قلبي .

 دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه

 وأنا راقدٌ في غرفتي

 أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره

 من قلب السماء العاليه

 أسمع وجيب لحمك العاري .

 عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده

 والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا

 ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح

 تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ

 ورياحُ البراري الموحشه

 تنقلُ نواحنا

 إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس

 ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ

 نبكي ونرتجف

 وخلف أقدامنا المعقوفه

 تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه …

 وافترقنا

 وفي عينيكِ الباردتين

 تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله

 أيتها العشيقةُ المتغضّنة

 ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر

 أنتِ لي

 هذا الحنينُ لك يا حقوده !

 . .

 قبل الرحيل بلحظات

 ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده

 عن الليل والخريف والأمم المقهوره

 وتحت شمس الظهيرة الصفراء

 كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ

 وأترك الدمعه

 تبرق كالصباح كامرأة عاريه

 فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه

 وقربَ الغيوم الصامتة البعيده

 كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره

 تندفع في نهر من الشوك

 وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه

 تحدقُ بي

 بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .

 . .

 يا نظراتِ الحزن الطويله

 يا بقع الدم الصغيرة أفيقي

 إنني أراكِ هنا

 على البيارقِ المنكَّسه

 وفي ثنياتِ الثياب الحريريه

وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام

 تحت سمائك الصافيه

 أمضي باكياً يا وطني

 أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف

 والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين

 كامرأتين دافئتين

 كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني

 إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول

 تحت أظافري العطريه

 يقبعُ مجدك الطاعن في السن

 في عيون الأطفال

 تسري دقاتُ قلبك الخائر

 لن تلتقي عيوننا بعد الآن

 لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه

 سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده

 كالسحابةِ التي لا وطن لها .

 . .

 وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل

 أيتها الشبابيكُ الارجوانيه

 انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب

 عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..

 جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،

 أودُّ أن أموتَ ملطخاً

 وعيناي مليئتان بالدموع

 لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر

 فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه

 في طفولتي ،

 كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب

 وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه

 أما الآن

 وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح

 انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع

 اشتهي جريمةً واسعه

 وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،

 إلى بلادٍ بعيده ،

 حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،

 وفتاةٌ خلاسيه ،

 تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان .

‎محمد الماغوط (مفكر حر )؟‎

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

إني مت بعدك

عش أنت أني مت بعدك…. وأطل إلى ماشئت صدك

كانت بقايا للغرام…. بمهجتي فختمت بعدك

مـاكان ضرك لو عدلت…. أمـا رأت عيناك قدك

وجـعلت من جفني متكأً ….ومـن عـيني مـهدك

ورفعت بي عرش الهوى ورفعت فوق العرش بندك

وأعـدت للشعراء سيدهم…. ولـلـعـشاق عـبـدك

أغـضاضه ياروض إن ….أنا شاقني فشممت وردك

أنقى من الفجر الضحوك ….فـهل أعرت الفجر خدك

وأرق مـن طبع النسيم ….فـهل خلعت عليه بردك

وألـذ مـن كأس النديم ….فهل أبحت الكأس شهدك

وحياة عينك وهي عندي ….مـثلما الأيـمان عندك

مـاقلب أمك إن تفارقها ….ولــم تـبـلغ أشـدك

فـهوت عليك بصدرها…. يـوم الـفراق لتستردك

بـأشد مـن خفقان قلبي…. يـوم قيل:خفرت عهدك

بشارة الخوري (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

الباسيج الأسدي!

طارق الحميد : الشرق الاوسط 

يبدو أن نصائح الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، قد بدأت تتبلور في سوريا؛ حيث أعلن النظام الأسدي عن تشكيل فصيل عسكري جديد سماه «جيش الدفاع الوطني» يأتي كرديف للقوات الأسدية. وبحسب ما نقلته الصحيفة عن موقع «روسيا اليوم» فإن هذا الفصيل «سيتم تشكيله من عناصر مدنية أدت الخدمة العسكرية إلى جانب أفراد اللجان الشعبية التي تشكّلت تلقائيا مع تطور النزاع القائم في سوريا»، وأن مهام هذا الفصيل «ستقتصر على حماية الأحياء من هجمات مسلحي المعارضة، وسيتقاضون رواتب شهرية كما سيكون لهم زِي موحد». وسيناهز عدد هذا الفصيل العشرة آلاف شاب من مختلف محافظات البلاد.

 وبالطبع سارعت المعارضة لوصف هذا الفصيل بأنه تسمية جديدة للشبيحة، والحقيقة أن هذا الفصيل هو أقرب لميليشيات الباسيج الإيراني والتي تعني التعبئة، وأسسها الإمام مصطفى أحمد الموسوي الخميني في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، وتتبع الحرس الثوري الإيراني. ويقوم الباسيج الإيراني على تشكيلات متطوعة من موالين لا يشك في تبعيتهم للولي الفقيه.

 ولعب الباسيج دورا مهما في وأد الثورة الخضراء في إيران إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ومن هنا فإن تشكيل فصيل «جيش الدفاع الوطني»، أو الباسيج الأسدي، ما هو إلا دليل على أن الأسد قد بدأ يفقد ثقته بالجيش، أو ما يعرف بالقوات النظامية إعلاميا، خصوصا مع كثرة الانشقاقات، وهو ما أجبر النظام الأسدي على تجنب تسليح أفراد قواته بالأسلحة الثقيلة أو العتاد المتكامل وذلك خشية انشقاقهم ونقل الأسلحة للجيش الحر الذي بات يسعى لتدمير الدبابات، مثلا، لأنه كان يجد أن عدد القاذفات فيها لا يتجاوز الخمس، وعليه فإن التدمير أسهل من جهود الاستيلاء عليها.

 كما أن من دلالات تشكيل الباسيج الأسدي أن النظام بدأ يعيد تموضعه طائفيا بشكل واضح، حيث بات يسعى لاستقطاب أهل المصير، وليس الولاء، خصوصا أن كثيرا من الموالين للأسد باتوا مقتنعين بنهايته المحتومة، لذا فإن النظام يريد ضمان أن تكون ذراعه العسكرية الأخيرة مكونة من مقاتلين يعون أن مصيرهم من مصير الأسد، ولذا فإنهم سيقومون بالدفاع عنه حتى الموت.

 ونقول إن هذا الفصيل الجديد، الباسيج الأسدي، هو فكرة إيرانية لأنه يأتي في توقيت لا يجد فيه الأسد أموالا حتى يدفع الرواتب، أو ينقذ اقتصاده، خصوصا أن الثورة تكلفه شهريا مليار دولار، ولذا فإن الواضح أن الباسيج الأسدي يأتي بدعم وتنظيم إيراني، وهو ما يتماشى مع الخطة الأمنية المتبعة في دمشق حيث تقسم العاصمة إلى مربعات أمنية وهو النهج الذي استخدم لقمع الثورة الخضراء في إيران يوم قسمت العاصمة طهران لتفريق الحشود، ومنع اهتزاز الأمن فيها.

 الباسيج الأسدي يفضح مدى تورط إيران، وعمق أزمة الأسد الذي لم يعد يثق بقواته، ويظهر حجم الدمار الذي يلحقه الأسد بسوريا، كما أن الباسيج الأسدي يدل على خطورة مرحلة ما بعد الأسد حيث يصار الآن لخلق مجاميع إرهابية، وميليشيات طائفية ستكون مهمتها منع استقرار سوريا.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

مستقبل الشرق الأوسط في الميزان الاستراتيجي

غسان ملحم : الاخبار

 ما يحصل في العديد من بلدان المنطقة من اضطرابات وأحداث دراماتيكية يدلّل فعلاً على أنها تشهد مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد، بما يعنيه ذلك من تغيير في خارطة التوازنات الإقليمية. لا شكّ في أن المتغيرات التي بدأت تتبلور منذ سنوات في موازين القوى الدولية، وتتسارع وتيرتها في الوقت الراهن، تلقي بظلالها على كامل المنطقة وكافة قضاياها. فتراجع الولايات المتحدة الأميركية وكذلك خروج، أو على الأقل انحسار نفوذ القوى الاستعمارية القديمة، في إشارة إلى فرنسا وبريطانيا، ومن ثم عودة روسيا إلى حلبة التنافس الاستعماري في المنطقة، كلها تمثل معطيات مستجدة في السياسة الدولية المعاصرة وانعكاساتها على الأوضاع في الشرق الأوسط، فضلاً عن صعود الصين الهائل بميزان الجيوبوليتيك والتحليل الاستراتيجي.

تحتدم المفاوضات في الأروقة الدولية الدبلوماسية بشأن العديد من القضايا الدولية والإقليمية، وهي تتكثف بين كلّ من روسيا والولايات المتحدة بهدف الوصول إلى اتفاق جديد، هو في الحقيقة شبيه باتفاقية سايكس بيكو، التي استمرت زهاء قرن من الزمن، لجهة إعادة تشكيل خارطة المنطقة وفق مقتضيات المصالح الاستعمارية. فالولايات المتحدة تتطلع من خلال هذه التسوية إلى تقاسم المنطقة مع روسيا في محاولة منها لتطويق الصين التي تمثل المنافس الحقيقي والهاجس الفعلي للأميركيين. فما هي الملامح العامة أو البنود المكونة للاتفاق الدولي المرتقب بين القطبين الروسي والأميركي؟ وما هي الملفات المطروحة على طاولة المباحثات بنية التفاهم على إطار استراتيجي للشراكة، بما يصلح لمدة غير قصيرة وقد تطول ربما؟

 المسألة الأولى التي سوف يبنى عليها الاتفاق الدولي تتعلق بتسوية الملف النووي الإيراني، بل تحديد سبل التعاطي مع إيران كقوة إقليمية صاعدة. من الواضح في هذا المجال أنّ تطور العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران خلال السنوات الأخيرة قد اتخذ منحى تصاعدياً لا مكان معه للتراجع في ظل الاتفاقات المعقودة للتعاون في مجالات الأمن، والطاقة، والتجارة الخارجية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى إيران في اتصالاتها السياسية وتبادلاتها الاقتصادية مع الصين، التي أقامت معها علاقات ثابتة بلغة الأرقام والمصالح المتبادلة أو المشتركة. وقد حان الوقت لكي تدرك الولايات المتحدة الأميركية ضرورة الإقرار لإيران بطموحاتها المشروعة، وتالياً بمصالحها الحيوية، كانعكاس طبيعي لمكانتها الوازنة بين دول الإقليم. والإدارة الأميركية ليست بعيدة عن هذه الأجواء لناحية القبول، إن لم نقل الاعتراف من قبلها لإيران، بهذه الأهمية التي تؤهلها بالتأكيد لأداء دور إقليمي فاعل في إطار أيّة تسوية محتملة، شريطة أن تلتزم إيران في المستقبل بالتخفيف من حدة مواقفها الراديكالية وحصر نشاطها، ولا سيما طموحاتها، بحدود الخليج والمشرق. وهذا يقودنا إلى استنتاج مفاده استبعاد احتمال اللجوء إلى خيار الحرب الأميركية على إيران، وتراجع حظوظه أمام إمكانية التوصّل إلى حل من ضمن اتفاق أوسع بين الأطراف المعنية بهذا الملف.

 المسألة الثانية التي من المفترض أن يتضمنها هذا الاتفاق، وهي من أبرز دعامات أي نظام إقليمي أو ترتيبات إقليمية قيد البحث، تأمين حماية إسرائيل. هنا تجدر الإشارة إلى أنّ مجمل الأطراف الدولية العظمى ملتزمة بهذا البند، فلا خلاف عليه لجهة الانخراط من قبل الجميع، في الغرب من أميركا إلى فرنسا وبريطانيا وسائر دول الاتحاد الأوروبي، إلى بقية مواقع القرار في العالم، في التعهدات والضمانات حول كيفية حماية أمن إسرائيل. بيد أن الاتفاق المرتقب بين واشنطن وموسكو من شأنه أن يمكّن الولايات المتحدة من إشراك روسيا في تحمل هذا العبء المتعلق بدعم إسرائيل في سياق التحالف الاستراتيجي. فالولايات المتحدة لن تتخلى عنها، لكنها بذلك تستطيع التخفيف من الأعباء التي يفرضها عليها التزامها الكامل بأمن إسرائيل الدائم. وهذا ما يمكن تحقيقه بالنسبة إلى الأميركيّ عبر الاتفاق مع الروس على صيغة مستقبلية للشراكة بينهما، على أن تتضمن دخول روسيا على نحو جدي إلى الشرق الأوسط من بوابة التفاهم مع الأميركي بشأن كل الملفات أو القضايا العالقة بينهما. تبقى الإشارة في هذا المضمار إلى أنّ الاستمرار في سياسة تأييد ومساندة إسرائيل من قبل الولايات المتحدة سوف يشغل مساحة محددة في استراتيجية واشنطن الجديدة، بالنظر إلى صغر حجم إسرائيل مقارنةً بمشاريع أميركا في العالم بأسره.

 مسألة أخرى سيتطرق إليها اتفاق كهذا بين الجانبين الروسي والأميركي، وهي ترتبط بما تقدم بشأن قضية الحفاظ على وجود إسرائيل وأمنها. وتحيلنا على قرار إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، بمعنى تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد. وقد أصبح معلوماً في الأوساط السياسية والصحفية أنّ الأردن بات الخيار البديل لتوطين الفلسطينيين من وجهة نظر الغرب. بهذا المعنى، يعنى الاتفاق بين روسيا وأميركا بالإحاطة بهذه الخطوة الحاسمة في مسار الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر إقامة كونفدرالية على أنقاض المملكة الهاشمية في الأردن مع دويلة فلسطين الحديثة الولادة، حتى لو اقتضى الأمر ترحيل العائلة الملكية الهاشمية من شرقي الأردن، ونقلها إلى مكان ما في صحراء العرب لإفساح المجال أمام الاتحاد الكونفدرالي بين الفلسطينيين والأردنيين.

 أما مسألة تأمين الإمدادات من النفط ومصادر الطاقة في المنطقة باتجاه الغرب والدول الناشئة، وهي قضية في غاية الأهمية والحساسية بالنسبة إلى مصالح الدول الكبرى في هذه المنطقة الجيواستراتيجية، فهي تتصدر بطبيعة الحال أهداف وأولويات الدول العظمى المهيمنة على الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي. هنا تجدر الملاحظة إلى أنّ الولايات المتحدة، تحديداً، باتت تمتلك مخزوناً هائلاً من الاحتياطات النفطية، قد يكون كافياً لسنوات طويلة، كما تقتضي الإشارة إلى أنّ الدول الغربية لم تعد تعتمد فقط على الوقود الأحفوري أو النفط الخام كمصدر وحيد للطاقة، لكنها أخذت تعتمد أكثر على الطاقات البديلة، ومنها النفط الرملي والطاقات المتجددة إضافة إلى الغاز الطبيعي. ما يعني أنّ اعتماد هذه الدول على النفط الموجود في الدول الخليجية وغيرها من الدول العربية بدأ يتقلص في إطار التحول البنيوي الملحوظ في استراتيجيات تأمين الطاقة على نحو مستدام. هكذا تدرك الولايات المتحدة تماماً أنّ إفساحها في المجال أمام روسيا، وربما غيرها، للدخول تدريجياً إلى المنطقة لن يكون له تأثير كبير، أو ليس من شأنه تهديد مصالحها الاقتصادية في الحصول على احتياجاتها من الطاقة. لقد تغيرت الصورة التقليدية للتوزيع العالمي لمصادر الطاقة، وربما ستكون أفريقيا في المستقبل محطّ أنظار تلك القوى الاستعمارية العملاقة. وقد ينطوي الاتفاق على ما يمكنه أن يكفل استمرار تدفق الطاقة على نحو منتظم إلى الغرب وبقية الدول المعنية، ولا سيما إذا علمنا بأنّ الصين باتت أكثر البلدان استهلاكاً للنفط السعودي، بما يتخطى مقدار الاعتماد الأميركي عليه!

 من المسائل التي سيتناولها أيضاً اتفاق الروس والأميركيين بشأن المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط ضرورة معالجة القضية الكردية، التي تفاقمت وباتت تهدد العديد من دول المنطقة والمصالح الغربية فيها. ويجري حالياً استخدام أو محاولة إقحام الأكراد في الحرب في سوريا والصراع في العراق من قبل أطراف إقليمية ودولية عديدة، كلّ منها وفقاً لحساباته الخاصة، لكن الثابت الوحيد هو أنّ الحراك الداخلي للأكراد يتمحور حول تحقيق هدفهم التاريخي في إنشاء الكيان السياسي الخاص بهم. وقد يقتصر الأمر على منح الأكراد مجرد الحكم الذاتي، كما أنّه قد يصل إلى حدّ قبول قيام دولة كردية مستقلة، ما يفتح النقاش حول ماهية التسوية المعقولة والمقبولة للمسألة الكردية.

 على أنقاض الحرب على سوريا، وغيرها من الأحداث التي وقعت في هذه اللحظة السياسية الحاسمة من تاريخ المنطقة والعالم، سوف يولد النظام الدولي الجديد، ومعه معادلة التوازن التي سوف تعيد ترتيب الأوضاع الإقليمية من جديد على شاكلة المشهد الدولي المتبلور. لن يكون التوازن الدولي أو الإقليمي أكثر عدالة على الإطلاق، لكنه قد يسمح بهامش أكبر للمناورة المحدودة بفعل الرهان على إمكان تباين أو تضارب المصالح والحسابات بين القوى الدولية المعنية بعقد التسوية وإدارة الصراع في الشرق الأوسط. حينذاك قد يكون بقاء نظام الرئيس بشار الأسد ضرورة لتذليل بعض العقبات من أمام خطة الحلّ، بحيث يكون هو الضامن للسلام في المنطقة على الحدود مع إسرائيل من خلال ضبط اندفاعة حركات المقاومة الراديكالية، وإن كان خيار منح السلطة لتنظيم الإخوان المسلمين في المنطقة جزءاً من المخطط المقرر لمرحلة التفاهم الروسي الأميركي.

 * باحث سياسي في مركز الدراسات السياسية لأوروبا اللاتينية في فرنسا

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

خويه حاكم الزاملي وين رايح؟

لم يهضم اولاد الملحة،وهو سوء هضم مزمن منذ سنوات، واقع السيد سعدون الدليمي الذي مايزال يرأس وزارة الثقافة ووكيل وزير الدفاع، وطبعا شتان ما بين الاختصاصيين اللهم الا اذا كان الدليمي نازل من السما بزنبيل.

المهم حاول اولاد الملحة استعمال كميات كبيرة من “الاينو” لتصريف سوء الهضم هذا ولكن يبدو، الاينو طبعا، انه معجب بالانبطاح على معدات هؤلاء الملحة.

ولأن بعضهم اصبح غير مكترث بذلك فقد نسي وظائف الدليمي وعاد يبحث عن الرزق الحلال حتى يوم امس حين زار ابو الطيب صديق عزيزعلى قلبه.

وبعد الترحيب و”شلونك” اغاتي و”شنو الاخبار” سمع ابو الطيب صوت صديقه وهو يقول له بجدية غير معتادة:

كلي انت تعرف حاكم الزاملي؟.

لا لم اتشرف بمعرفته.

تعرف كان وكيل وزير الصحة؟.

اعرف شوية ،ليش؟.

تعرف هسه وين؟.

لا.

هسه يا عيني واغاتي نائب في البرطمان.

أي شكو بيها.

بس عاد ترى طكت روحي منك اشكد صاير دهري.

أي فهمني.

ولك صار عضو بلجنة الامن والدفاع في البرطمان.

هم شكو بيها، قابل الاخرين احسن منه.

ما افتهمت.

عمي.. مو كالوا الصحة تاج على رؤوس الاصحاء .. والتاج هو للملوك واصحاب السلطة وذولة مايكون عندهم سلطة فعلية اذا مو يسيطرون على الامن والدفاع لأنك تعرف ناسنا ينتظرون كل كم سنة بيان رقم واحد.. افتهمت ؟.

لا، بس اللي افتهمه ان القانوني ينضم الى لجنة قانونية والتربوي ينضم الى لجنة تربوية وهكذا.

حبيبي هذا المنطق مال ايام زمان.. لدينا كما قال دكتورنا العزيز جعفر المظفر امس “اطلب العلم من المهد الى اللحد وبما ان اللحد من طين فمن الطبيعي ان نبني مدرسة من الطين” ويشتغل النائب البرطماني في السياسة والاقتصاد والمنوعات وتقديم النكت السياسية مع استعراض لكتبه الجديدة في طبخ الباميا والخيار الفقوس والجاجيك الحامض.

هسه افتهمت؟.

لا بعدني.

عيني روح الى بيتكم احسن قبل ما ابتلي بيك.

قبل ما تطردني اريد انقلّك ما يكولون بالشارع.

يقال ان “حاكم الزاملي اشتهر في فترة حكم رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري بانه “جزار” وزارة الصحة كما يقول مناوئيه، حيث يتهموه بقيادة مجموعات من الميليشيات المتخصصة في خطف الناس من وزارة الصحة والمستشفيات والمراكز الصحية ومن ثم قتلهم ورمي جثثهم في مكبات النفاية، بل وصل الحال به ان شكل كتيبة ميليشياوية مهمتها مراقبة الناس الذين يأتون الى مستشفى الطب العدلي وثلاجات الموتى للبحث عن ابنائهم، واذا عرف ان السائل من مذهب او ديانة اخرى تقوم مجموعة الميليشيات التي تتبنى حراسة مجمعات وزارة الصحة بواجبها على اكمل وجه.

ولك عمي هاي تهمة كبيرة.. ارجو الا تظلم الرجّال.

ناقل الكفر ليس بكافر.. ولكن اولاد الملحة يسألون ببراءة لاتشبه براءة اخوة يوسف حين قرأوا في وسائل الاعلام مايشيب له الراس:

1- من الذي اختطف الدكتور علي المهداوي الذي كان مرشحا

لاستلام منصب وكيل وزير الصحة، حيث تم استدعاءه الى مبنى وزارة الصحة، وحينها تم اختطافه هو ومجموعة من حراسه من داخل بناية وزارة الصحة ولم يعرف له على اثر لحد الان.

2- من الذي اختطف عمار الصفار النائب الثاني لوزير الصحة رغم انه كان مرشحا عن حزب الدعوة؟.

3- “اعتقلت القوات الامريكية حاكم الزاملي وسلمته الى القضاء العراقي بتهمة اختطاف العشرات من الابرياء حيث اعترف بعد اعتقاله مباشرة على وزير الصحة وقدم للمحققين الأمريكان أسماء 61 من قادة فرق الموت في بغداد والنجف والسماوة واعترف باستخدامه عربات الاسعاف لنقل الأسلحة ونقل المختطفين الى منطقة خلف السدة لقتلهم هناك”.

4- وتقول وسائل الاعلام ايضا.. بما ان القضاء العراقي “نزيه” جدا، فقد تم اسقاط التهم الموجهة ضد حاكم الزاملي ومن ثم تم اطلاق سراحه بعد ان عجز الشهود واصحاب الدعاوى من الوصول الى المحكمة للادلاء بشهاداتهم.

فاصل بلا ذمة: امتنع 115 نائبا عن تقديم ذممهم المالية الى هيئة النزاهة البرلمانية للعام المنصرم.

ياهيئة النزاهة.. يامنزهين.. أي غير يكون عند ذوله النواب ذمة بالاول حتى يقدمون الذمة المالية .. ترى انتو بطرانين.     تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

وَلَلمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِن حَياتِهِ

ولَلمَوتُ خيرٌ للفتى من حياتِه …  إذا لم يَثِبْ للأمرِ إلاّ بقائدِ

فعالجْ جسيماتِ الأمورِ، ولا تكنْ… هبيتَ الفؤادِ همهُ للوسائدِ

إذا الرِّيحُ جاءَت بالجَهامِ تَشُلُّهُ… هذا ليلهُ شلَّ القلاصِ الطَّرائدِ

وأَعقَبَ نَوءَ المِرزَمَينِ بغُبرَة ٍ… وقطٍ قليلِ الماءِ بالَّليلِ باردِ

كفى حاجة َالاضيافِ حتى يريحها… على الحيِّ منَّا كلُّ أروعَ ماجدِ

تراهُ بتفريجِ الأمورِ ولفِّها لما… نالَ منْ معروفها غيرَ زاهدِ

وليسَ أخونا عند شَرٍّ يَخافُهُ… ولا عندَ خيرٍ إن رَجاهُ بواحدِ

إذا قيل: منْ للمعضلاتِ؟ أجابهُ: … عِظامُ اللُّهى منّا طِوالُ السَّواعدِ

‎عنترة بن شداد – مفكر حر‎

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ

لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ …  ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ

ومن يكنْ عبد قومٍ لا يخالفهمْ  …  إذا جفوهُ ويسترضى إذا عتبوا

قدْ كُنْتُ فِيما مَضَى أَرْعَى جِمَالَهُمُ  …  واليَوْمَ أَحْمي حِمَاهُمْ كلَّما نُكِبُوا

لله دَرُّ بَني عَبْسٍ لَقَدْ نَسَلُوا  …  منَ الأكارمِ ما قد تنسلُ العربُ

لئنْ يعيبوا سوادي فهوَ لي نسبٌ …   يَوْمَ النِّزَالِ إذا مَا فَاتَني النَسبُ

إِن كُنتَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَنَّ يَدي …   قَصيرَةٌ عَنكَ فَالأَيّامُ تَنقَلِبُ

اليَومَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَيَّ فَتىً …   يَلقى أَخاكَ الَّذي قَد غَرَّهُ العُصَبُ

 إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها  …  عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ

 فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحرْبِ مُبْتَسِماً  …  وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُّمْحِ مُخْتَضِبُ

إنْ سلَّ صارمهُ سالتَ مضاربهُ …   وأَشْرَقَ الجَوُّ وانْشَقَّتْ لَهُ الحُجُبُ

والخَيْلُ تَشْهَدُ لي أَنِّي أُكَفْكِفُهَا …   والطّعن مثلُ شرارِ النَّار يلتهبُ

إذا التقيتُ الأعادي يومَ معركة  …  تَركْتُ جَمْعَهُمُ المَغْرُور يُنْتَهَبُ

لي النفوسُ وللطّيرِاللحومُ ولل ـ …  وحْشِ العِظَامُ وَلِلخَيَّالَة ِ السَّلَبُ

لا أبعدَ الله عن عيني غطارفة  …  إنْساً إذَا نَزَلُوا جِنَّا إذَا رَكِبُوا

أسودُ غابٍ ولكنْ لا نيوبَ لهم  …  إلاَّ الأَسِنَّة والهِنْدِيَّة ُ القُضْبُ

تعدو بهمْ أعوجيِّاتٌ مضَّمرة  …   مِثْلُ السَّرَاحِينِ في أعناقها القَببُ

ما زلْتُ ألقى صُدُورَ الخَيْلِ منْدَفِقاً بالطَّعن  …  حتى يضجَّ السَّرجُ واللَّببُ

فا لعميْ لو كانَ في أجفانهمْ نظروا  …  والخُرْسُ لوْ كَانَ في أَفْوَاهِهمْ خَطَبُوا

والنَّقْعُ يَوْمَ طِرَادِ الخَيْل يشْهَدُ لي  …  والضَّرْبُ والطَّعْنُ والأَقْلامُ والكُتُبُ

‎عنترة بن شداد – مفكر حر‎

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

قبس بدا من جانب الصحراء

قبس بدا من جانب الصحراء … هل عاد عهد الوحي في سيناء

أرنو إلى الطور الأشم فأجتلي…  إيماض برق واضح الإيماء

حيث الغمامة والكليم مروع…  أرست وقوراً أيما إرساء

دكناء مثقلة الجوانب رهبة … مكظومة النيران في الأحشاء

حتى تكلم ربها فتمزقت…  بين الصواعب في سنى وسناء

وتنزلت أحكامه في لوحها…  مكتوبة آياتها بضياء

أترى العناية بعد لأي … هيأت للشرق منجاة من الغماء

فأتيح في لوح الوصايا جانب … خال لمؤتنف من الإيصاء

وتخلفت بين الرمال مظنة … لتفجر في الصخرة الصماء

قد آن للعاشين في ظلمائهم…  حقبا خروجهم من الظلماء

إني لميمون النقيبة ملهم…  إبراء زمناهم وري ظماء

إن لم يقدهم قائد ذو مرة…  متبين منهم مكان الداء

يهديهم سبل الرقي ملائما…  لزمانهم وطرائق العلياء

ألشاعرية لا تزال كعهدها…  بعد النبوة مهبط الإيحاء

والصوت إن تدع الحقيقة صوتها…  والنور نور خيالها الوضاء

يا شيخ سيناء التي بعث الهدى…  من تيهها في آية غراء

سنرى وأنت معرب عن حقها…  كيف الموات يفوز بالأحياء

*** 

وتنزل الأقوام عن أخطارها…  وتعسف الحكم والكبراء

أبناء يعرب في أسى من حقبة … شقيت بها الآداب جد شقاء

جنف البغاة بها على أهل النهى…  واستعبد العلماء للجهلاء

وتخيل السادات في أقوامهم…  شعراءها ضربا من الأجراء

وهم الذين تناشدوا أقوالهم…  للفخر آونة وللتأساء

وبفضلهم غذيت غراث عقولهم … من كل فاكهة ألذ غذاء

وبنفحة منهم غدت أسماؤهم … من خالدات الذكر في الأسماء

أصلح بهم رأي الأولى  خالوهم…  آلات تهنئة لهم وعزاء

ولتشهد الأوطان ما حسناتهم…  في المنصب العالي وفي الإثراء

ولتعلم الأيام ما هو شأنهم … في كل موقف عزة وإباء

يا باعث المجد القديم…  بشعره ومجدد العربية العرباء

أنت الأمير ومن يكنه بالحجى…  فله به تيه على الأمراء

أليوم عيدك وهو عيد شامل … للضاد في متباين الأرجاء

في مصر ينشد من بنيها منشد … وصداه في البحرين والزوراء

عيد به اتحدت قلوب شعوبها … ولقد تكون كثيرة الأهواء

كم ريم تجديد لغابر مجدها…  فجنى عليه تشعب الآراء

ما أبهج الشمس التي لاحت لها…  بعد القنوط وطالعت برجاء

ألشعر أدنى غاية لم يستطع … إدناءها عزم وحسن بلاء

ما السحر إلا شعر أحمد مالكا … منها القياد بلطف الاستهواء

قد هيأت آياته لوفودها في … مصر عن أمم أحب لقاء

لا يوقظ الأقوام إلا منشد…  غرد ينبه نائم الأصداء

كلا وليس لها فخار خالص…  كفخارها بنوابغ الشعراء

يا مصر باهي كل مصر بالأولى…  أنجبت من أبنائك العظماء

حفلوا لأحمد حفلة ميمونة…  لم تأت في نبإ من الأنباء

ما أحمد إلا لواء بلاده … في الشرق يخفق فوق كل لواء

علم به الوادي أناف على ذرى…  شم الجبال بذروة شماء

بسمت ذؤابته وما زان الربى…  في هامها كالحلية البيضاء

هل في لدات أبي علي نده…  إن يصدرا عن همة ومضاء

أو شاعر كأبي حسين … آخذ من كل حال مأخذ الحكماء

فهم الحياة على حقيقة أمرها…  فأحبها موفورة النعماء

يجني دوانيها ولا يثنيه … ما دون القواصي من شديد عناء

يقضي مناه أناقة في عيشه…  ويفي بحق المجد أي وفاء

عظمت مواهبه وأحرز ما اشتهى…  من فطنة خلابة وذكاء

إن تلقه النبوغ ممثلا…  في صورة لماحة اللألاء

طبعت من الحسن العتيق…  بطابع وضاح آيات بديع رواء

زان الخيال جمالها بسماته…  وأعارها قسماته لبقاء

واليوم إذ ولى الصبا لم يبق…  من أثر عليها عالق بفناء

لا شيء أروع إذ تكون جليسة…  من ذلك الرجل القريب النائي

أبدا يقلب ناظريه وفيهما…  تقليب أمواج من الأضواء

يرنو إلى العليا بسامي طرفه…  ويلاحظ الدنيا بلا إزراء

يغضي سماحا عن كثير جفنه … وضميره أدنى إلى الإغضاء

فإذا تحدثه فإن لصوته لحنا … رخيم الوقع في الحوباء

في نطقه الدر النفيس وإنما … تصطاده الأسماع بالإصغاء

لكن ذاك الصوت من خفض به … يسمو الحفاظ به إلى الجوزاء

أعظم بشوقي ذائدا عن قومه…  وبلاده في الأزمة النكراء

لتكاد تسمع من صرير يراعه…  زأرا كزأر الأسد في الهيجاء

وترى كأزندة يطير شرارها … متداركا في الأحرف السوداء

وتحس نزف حشاشة مكلومة…  بمقاطر الياقوتة الحمراء

في كل فن من فنون قريضه…  ما زال فوق مطامع النظراء

أما جزالته فغاية ما انتهت…  شرفا إليه جزالة الفصحاء

وتكاد رقته تسيل بلفظه  في المهجة…  الظمأى مسيل الماء

لولا الجديد من الحلى…  في نظمه…  لم تعزه إلا إلى القدماء

ناهيك بالوشي الأنيق وقد زها…  ما شاء في الديباجة الحسناء

يسري نسيم اللطف في زيناتها…  مسرى الصبا في الروضة الغناء

هتكت قريحته السجوف وأقبلت…  تسبي خبايا النفس كل سباء

فإذا النواظر بين مبتكراته…  تغزى بكل حيية عذراء

في شدوه ونواحه رجع لما طويت عليه سرائر الأحياء

هل في السماع آلام الجوى…  كنواحه وكشدوه بغناء

يشجي قديم كلامه كجديده…  وأرى القديم يزيد في الإشجاء

فمن الكلام معتق إن ذقته…  ألفيته كمعتق الصعباء

ملأت شوارده الحواضر حكمة…  وغزت نجوع الجهل في البيداء

وترى الدرارى في بحور عروضه…  وكأنهن دنت بهن مرائي

كم في مواقفه وفي نزعاته … من مرقصات الفن والإنشاء

كم في سوانحه وفي خطراته…  من معجزات الخلق والإبداء

رسم النبوغ له بمختلفاتها … صورا جلائل في عيون الرائي

ألممت من شوقي بنحو … واحد وجلاله متعدد الأنحاء

ملأت محاسنها قلوب ولاته…  وتثبتت في أنفس الأعداء

لله شوقي ساجيا أو ثائرا … كالليث والبركان والدأماء

لله شوقي في طرائق أخذه…  بطرائف الأحوال والأشياء

في لهوه وسروره في زهوه…  وغروره في البث والإشكاء

في حبه للنيل وهو عبادة…  للرازق العواد بالآلآء

في بره ببلاده وهيامه…  بجمال تلك الجنة الفيحاء

في وصفه النعم التي خصت بها … من حسن مرتبع وطيب هواء

في ذكره متباهيا آثارها…  ومآثر الأجداد والآباء

في فخره بنهوضها حيث الردى…  يهوي بهام شبابها النبهاء

في شكره للمانعين حياضها…  وحماة بيضتها من الشهداء

في حثه أعوان وحدتها … على ود يؤلف شملهم وإخاء

متثبتين من البناء بركنه…  لتماسك الأعضاد والأجزاء

في نصحه بالعلم وهو لأهله…  حرز من الإيهان والإيهاء

في وصفه الآيات مما أبدعت … أمم يقظن ونحن في إغفاء

لم يبق من عجب عجاب خافيا…  في بطن أرض أو بظهر سماء

هذا إلى ما لا يحيط بوصفه…  فكري ودون أقله إطرائي

بلغت خلال العبقرية تمها … فيه وجازت شأو كل ثناء

فإذا عييت ولم أقم بحقوقها…  فلقد يقوم العذر بالإبلاء

ماذا على متنكب عن غاية…  والشوط للأنداد والأكفاء

أعلمت ما مني هواه وإنه…  لنسيج عمر صداقة وفداء

أي حافظ العهد الذي أدعو…  وما أخشى لديه أن يخيب دعائي

أدرك أخاك وأوله نصرا … بما ينبو به إلاك في البلغاء

جل المقام وقد كبت بي همتي…  فأقل جزاك الله خير جزاء

يأبى عليك النبل إلا أن ترى … في أول الوافين للزملاء

والشرق عالي الرأس موفور الرضى…  برعاية النبغاء للنبغاء

يا من صفا لي وده وصفا له…  ودي على السراء والضراء

فأعزني يوم الحفاظ ولاؤه…  وأعزه يوم الحفاظ ولائي

وعرفت في نادي البيان مكانه…  ومكانه الأسنى بغير مراء

يهنيك هذا العيد دم مستقبلا … أمثاله في صحة وصفاء

جبران خليل جبران (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

الشيخ محمد وظاهرة اللسان الداشر؟! – 1

صامت وفاء سلطان ستة أشهر عن الكتابة لتفطر على بصلة! وأيّة بصلة؟! بصلة معفّنة تسوّس لبّها!

عندما يتذّكر القارئ رائحة وقوام البصل المعفّن قد يحتجّ عليّ متسائلا: ماذنبي أنا وقد انتظرت عودتك بفارغ الصبر؟!

ـ ليس ذنبك ياسيّدي، بل هي مسؤوليّتك كما هي مسؤوليتي. العفن يتسلل خلسة إلى الأجيال القادمة، ونحن أصحاب الضمير ـ قراء وكتابا ـ معنيّون بسلامة تلك الأجيال.

من هو الشيخ محمّد؟!

 قد يخطر ببال القارئ أنني سأدخل في التفاصيل الدقيقة لحياة هذا الرجل المصيبة، أبدا! لايهمني منها سوى ما يهم عالم مختص في علم الجراثيم والطفيليّات وهو ينظر تحت عدسة مجهره على حشرة متناهية في الصغر، كي يتعرف على بيئتها، طريقة حياتها وغذائها وتكاثرها، علّه يتوصّل إلى طرق لمكافحتها ومقاومتها وتجنيب الناس شرورها وتخريبها!

 الشيخ محمّد ليس مجرّد شخص شاءت الأقدار الغاشمة أن يجاورني في مهجري، إنّه ظاهرة مرضيّة وبائيّة استفحلت في العالم العربي والإسلامي وحان الوقت لمكافحتها وعلاجها. إنّها “ظاهرة اللسان الداشر”!.

لقد تحوّل الرجل في هذه البلاد إلى لسان داشر، لاوازع أخلاقي يضبطه ولا رادع ضميريّ يهذّبه!

قد تختلف الظروف التي ساهمت في خلق الشيخ محمّد قليلا، لكنّها لاتختلف كثيرا، عن الظروف التي ساهمت في خلق أمثاله في أيّ تواجد إسلاميّ آخر.

 ابتلت الجالية العربيّة في لوس أنجلوس بفئة من الرجال شحّت عقولهم وامتلأت جيوبهم، يقتلهم الهوس بالظهور حتى ولو على رأس خازوق! يدفع الواحد منهم نصف مايملك من أجل الحصول على لقب استاذ علما بأنّه لم يتخرّج من مدرسة ابتدائيّة!

كانت جدّتي ـ رحمها الله ـ تقول: أوقيّة فضّة تحتاج إلى قنطار عقل. هل بامكان أحد فينا أن يتصوّر رجلا يفتقر إلى أوقيّة عقل بينما يملك قنطارا من الفضّة؟!

 الكلب يشمّ رائحة جيفته على بعد أميال، والخبث الشرقيّ المتأصل في نفس الشيخ محمّد قاده إلى جيفته، فوجد في تلك الفئة الميسورة الميؤوسة ضالته، ووجدت فيه ضالتها! علّق في رقبته عدسة تصويره وراح ينطّ من محفل إلى آخر. دخل حتّى غرف نومهم، التقط صورهم بمناسبة وبغير مناسبة، وراح يلصقها على صفحات منشوره مرفقة بأطنان من الألقاب! جعل من بائع متجوّل حاملَ دكتوراه في علم الإجتماع، ومن قارئة فنجان حاملة دكتوراه في علم الأرصاد! والغريب ـ كما يقول المثل ـ يكذب بما يشتهي ويريد! نفخ في عقولهم الخاوية ونفخوا في جيبه الفارغ، فازداد غرورهم وازدادت غطرسته!

 لم تكن تلك القمامة من البشر، والتي ذخر بها منشوره، كافية لترويج ذلك المنشور، فبدأ الشيخ محمّد يبحث عن قضيّة ساخنة تدرّ عليه تجارة رابحة! وجد في “الدفاع عن الإسلام” ضالته!!

حمل بضاعته في سرجه وراح يدقّ أبواب السفارة السعوديّة، يساومهم على بضاعته!!

عندما اكتشف الأمريكيون أنّ خمسة عشر إرهابيّا من أصل التسعة عشر الذين قاموا بتفجيرات أيلول الإرهابيّة من أصول سعوديّة، بدأوا يسحبون بساطهم من تحت قدميّ السفير السعودي في واشنطن، فبدأ هو الآخر بسحب بساطه من تحت أقدام هؤلاء السماسرة!.

 سئل مرّة معلّق رياضي أمريكي عن رأيه بعدّاء عالمي مشهور فأجاب: هذا الرجل يفيض حيويّة، وعندما يستقيل سيظلّ حذائه يركض لمدة خمسة أعوام!

السفارة السعوديّة في واشنطن استقالت، ولكنّ أحذية السعوديّين مازالت تركض، لم تنفذ بعد الأموال التي أنفقتها سفارتهم على شراء تلك الأحذيّة، لكنّها حكما ستشرف يوما على الإنتهاء!!

 ليس بالقوانين وحدها تصان المجتمعات، القانون يحتاج إلى قاعدة شعبيّة أخلاقيّة، والشعب الذي لا يبلغ مستوى أخلاقياً معيّناً، يعجز عن تطبيق القوانين، بل أيضا عن إفرازها!

أخلاق المجتمع هي التي تفرز قوانيه وهي وحدها التي تضمن تطبيق تلك القوانين. العلاقات الإنسانيّة في المجتمع الواحد متشابكة ومعقّدة، وقد لاتستطيع القوانين التي تنظّم ذلك المجتمع أن تصل إلى كلّ شاردة وواردة في حياة البشر لتكون مسؤولة عن تنظيمها وضبطها. وحدها الأخلاق هي التي تستطيع أن تفعل ذلك!

القانون الأمريكي يضمن للفرد جميع حقوقه وحريّاته. من ضمنها وأهمّها حريّة الكلام والتعبير، لكنّ التربيّة الأمريكيّة ترفع انسانها إلى المستوى الأخلاقي الذي يهيئه لممارسة حريّته الشخصيّة دون أن يتعدّى على حريّات الآخرين.

 نحن المغتربون القادمون من بلاد متخلّفة حضاريّا وانسانيّا وتربويّا، لم نمارس يوما حريّاتنا الشخصيّة في تلك

البلاد، ولم ترتقِ بنا نشأتنا الدينيّة والتربويّة إلى المستوى الأخلاقي الذي يهيئنا لممارسة تلك الحريّات.

قفز الشيخ محمّد، وبلمح البصر، من على ظهر بعيره إلى جنح طائرة، نقلته خلال عشرين ساعة طيران، من بلاد يحكمها الشنب والعصا والجزمة العسكريّة إلى بلاد يحكمها المنطق والقانون والأخلاق.

 الحريّة مسؤوليّة وليست فوضى. في المجتمعات الحرّة والميسورة تواجه الانسان خيارات كثيرة ومتعددة في أي مجال من مجالات الحياة من أبسطها وحتّى أعقدها. أيّ خيار يتّخذه أو قرار يصنعه يتّطلب منه مهارات معيّنة، كي تساعده في اتخاذ الخيار وصناعة القرار! الانسان الذي لايتسلّح بالحد الأدنى المطلوب من هذه المهارات يضيع بين كثرة الخيارات، ويتخبّط في قرارته عاجزا عن الاستمتاع بحريّته. في البلاد المتخلفة القمعيّة لايوجد خيارات ولا يستطيع الانسان أن يتّخذ أيّ قرار بمحض ارادته. في أجزاء كثيرة من تلك البلاد لايملك الناس خيارا إلاّ أن يشربوا المياه التي يبّولون فيها.

 في أمريكا تتدخل الماركت لتشتري فرشاة أسنان، كمثال لأبسط قرار تّتخذه في حياتك اليوميّة، تتوجه إلى القسم المختصّ بالأدوات التي تعتني بنظافة الفمّ، تواجهك هناك عشرات المئات من الخيارات، ثمن فرشاة الأسنان يتراوح بين الدولار الواحد والمائة دولار، هذا من ناحية الثمن، ناهيك عن اللون والشكل والنوعيّة! هنا تجد نفسك ملزما بالاعتماد على مهاراتك كي تحسن الخيار، تلك المهارات التي تتضمن ليس فقط إلمامك بحجم ميزانيّتك، وإنّما معرفتك الشاملة والوافية بنوع لثّتك والمشاكل الصحيّة التي تعاني منها أسنانك!

 في بلاده كان الشيخ محمّد ينكش أسنانه بقش المكنسة أو بعود ثقاب، أيّة مهارات اكتسبها هذا الرجل هناك، تستطيع أن تساعده هنا على اختيار فرشاة أسنان؟!! ناهيك عن اختيار طريقة الحوار!!

*************************

 وصلت نصف ساعة متأخرة عن موعدي مع طبيب الأسنان، اقتربت من الموظفة المسؤولة وسألتها بلطف: أنا آسفة، لقد تأخرت لظرف خارج عن ارادتي. هل تعتقدين أنني مازلت قادرة على رؤية طبيبي اليوم؟

تفحّصت سجلاّتها وقالت: أحد المرضى ألغى موعده بعد نصف ساعة، إذا كنت قادرة على الإنتظارستتمكنين من رؤية الطبيب. شكرتها وجلست في مقعدي أتفحص بعض المجلات.

 في المقعد المقابل جلست سيّدة أمريكيّة ضخمة القدّ، يزيد وزنها عن الثلاثمائة باوند، كأقل تقدير! تحتضن بين يديها طفلة صغيرة، بينما تجلس ابنتها الأخرى على الأرض مجاورة لمقعد أمها. كنت بين الحين والآخر أسترق النظر إلى هذا الجبل البشريّ الذي يحطّ بثقله أمامي، تتدلى هضابه وانثناءاته من الأمام ومن كلّ جانب. يدفعني فضولي إلى التساؤل: أيّ عمل تستطيع أن تقوم به هذه السيّدة كي تدعم أسرتها وتربي أطفالها؟! متطلبات الحياة في أمريكا كثيرة، وعلى الزوجين أن يشتغلا كي يكونا قادرين على دعم الاسرة ماديّا!.

 كنت غارقة في تساؤلاتي، عندما نادت الموظفة اسمها. مشت بتثاقل إلى الشبّاك، وناولتها بطاقة التأمين الصحّي التي تمنحها عادة الدولة الأمريكيّة إلى أبناء الطبقة الفقيرة في المجتمع الأمريكي، فجاوبت بذلك على كلّ تساؤلاتي! هذه المرأة، وبلا أدنى شكّ، تنتمي إلى الطبقة الأدنى والأقل حظا ـ ثقافيّا واجتماعيّا ـ في المجتمع الأمريكي. على كلّ حال، سألت الطفلة أمّها، بعد أن بدت عليها علامات الملل: ماما هل ستشتري لي حذاء جديدا؟ ردّت الأم: طبعا لا! حذاؤك جديد ولم يمض على شرائه سوى اسبوعين!

ـ ولكن صديقتي جسيكا قالت إن حذائي ليس جميلا وحذائها أفضل بكثير!

ـ أنت التي اخترت الحذاء، وقلت يومها أنّه جميل جدا!

ـ هل تقصدين أن جسيكا كذّابة؟!

ـ أبدا لم أقصد ذلك! هي عبّرت عن رأيها وعليك أن تحترمي هذا الرأي، لكنك لست ملزمة به!

ـ أريد الآن أن أغيّر رأيي وأتبنى رأي جسيكا!

ـ ليس الأمر بالسهولة التي تظنينها! أنت من اختار الحذاء، وعليك أن تتحمّلي مسؤولية الإختيار. عندما يحين الوقت لشراء حذاء آخر تستطيعين أن تتبني رأي جسيكا!

 يعكس هذا الحوار، رغم عفويّته وبساطته، حقيقة المجتمع الأمريكي، بمختلف طبقاته من أدناها إلى أعلاها. إنّ إنسان هذا المجتمع، ومهما انحدر المستوى الإجتماعي الذي ينتمي إليه، يحترم آراء الغير، حتّى وإن لم يتّفق معها، ويتحمّل المسؤوليّة عندما يتّخذ أيّ قرار أو يتبنّى أي خيار. لم يكتسب الإنسان الأمريكي تلك الخصال بين ليلة وضحاها. عمليّة الإكتساب طويلة الأمد، تبدأ منذ اللحظة التي يبصر بها النور، وتستمر طيلة الحياة.

 لايوجد قانون يعاقب تلك السيّدة إن هي تهجّمت على رأي صديقة ابنتها ونعتته بأبشع الكلمات، ولكن يوجد عرف أخلاقي يلزمها باحترامه.

 لم أسمح لخيالي أن يحلّق بي، ويدخلني غرفة انتظار في مكان ما من عالمنا الإسلامي أو العربي، كي لا أسمع من تلك الأم العجب العجاب! اكتفيت بقراءة ماكتبه عني الشيخ محمّد في منشوره الذي يعكس أخلاق كلّ الأمهات في عشيرته!

 توقفت عن الكتابة ستة أشهر، ألزمتني الظروف وبحكم كوني طبيبة أن أعمل خلالها في مستشفى الأمراض

النفسيّة والصحّة السلوكيّة في الكليّة الطبيّة بنيويورك ـ

NEW YORK MEDICAL COLLEGE

 ـ بعيدا عن عائلتي في كاليفورنيا. بعدي عن الأولاد وضغوط العمل وطقس نيويورك الذي لم أستطع أن أقع في حبّه، أنساني الكتابة وهمومها! لم أكد أصل بيتي في كاليفورنيا حتّى استقبلتني هواتف القراء والأصدقاء ورسائلهم الإلكترونيّة ترحّب وتهلّل وتعبّر عن حبّهم لي. الشيخ محمّد لايملك سوى سمومه، وجد في تلك المناسبة فرصة لتفريغ بعضها فكتب يقول: “اختفت إحداهن عن الساحة بعد أن ملأتها بالتهجّم على المسلمين وقيمهم وحضارتهم، ويشاع بأنها الآن محتضنة من قبل بعض أعداء المسلمين والعرب لتدريبها فنيّا وثقافيّا وعلى نفقتهم واعدادها للهجوم على المسلمين والعرب بطريقة علمية وخبرة، وليس مثلما اتفق، ثم استعمالها حصان طروادة، وخادمة لأهدافهم التدميرية”.

عندما كان الشيخ محمّد طفلا صغيرا وراح ينقل لأمه رأي صديقه بحذائه، صفعته صفعة قوية وشتمته: أيّها الغبي لماذا لم تهشّم وجهه وتلقنه درسا لن ينساه، كيف يتجرأ ويقول أنّ حذاءه أجمل؟! منذ ذلك الحين، لايعرف الشيخ محمّد سوى أن يهشّم وجوه الآخرين!

لو كان الشيخ محمّد مهيئاً تربويا وأخلاقيّا لممارسة حريّته الشخصيّة في التعبير والكلام، والتي يمنحه القانون الأمريكي حقّ ممارستها، ولو اعتقد يوما أنّ وفاء سلطان ـ وعلى حدّ تعبيره ـ تتهم الإسلام وقيمه وحضارته، لكتب يقول: “ذكرت السيّدة وفاء سلطان كذا وكذا وكذا، وهي بذلك تتجنب الحقيقة وتزوّر التاريخ! لأن الحقيقة كذا وكذا وكذا” ولكن من أين له أن يفعل ذلك، وهو لم يتعلّم يوما أدب الحوار وأخلاقيّته!

**********************

 صدر مؤخرا التقرير النهائي للجنة التحقيات الأمريكية في أحداث أيلول الإرهابيّة، كلّما جاء في التقرير ذكر لإسم أحد الإرهابين الذين نفّذوا العمليّة، يسبق ذلك الإسم لقب السيّد! كذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش، كلّما جاء في خطاباته على ذكر أسامة بن لادن يقول السيّد بن لادن. وهو إن يفعل ذلك، لايعطي مصداقيّة لعدوه، وإنّما يثبت مصداقيّة تربيته وأخلاقه وسموّ تلك التربيّة! والشيخ محمّد عندما يدّعي بأنني “محتضنة”، هو لايسيء إليّ، وإنّما يعكس ماتعلمه في قواميسه اللغوية وكتبه الدينيّة.

**********************

منذ اللحظة الأولى التي يبصر بها الإنسان نور الحياة، يبدأ الوالدان والطاقم التربوي الذي يحيط به في عملية بناء جهازه الأخلاقي والمعرفي والذي سيحدد لاحقا في الحياة خطاه وسلوكه وطريقة تفكيره. كلّ البذور التي يغرسونها في تربته هي في حقيقة الأمر من نتاج تربتهم. يقلعون من أنفسهم ويغرسون في نفسه ليخرج إلى الحياة صورة متطابقة مع صورهم إن لم يكن الشقّ التوأمي لشقّهم!

لكلّ بناء أساس، والأساس الذي يُبنى فوقه الهيكل الأخلاقي يتبلور عادة، وبناء على رأي الكثيرين من علماء النفس والسلوك، مع نهاية العام الأول من حياة الإنسان. عندما ينتهي المربّون من بناء هذا الأساس، والذي ينتهي كما أشرت سابقا مع نهاية العام الأول، يطرح سؤال مهمّ نفسه: “ماهو الدرس الأخلاقي الذي يتعلّمه الطفل عند تلك النقطة في حياته؟!”

يصرّ الكثيرون من الباحثين على أنّه (القدرة على التمييز بين كلمتيّ نعم ولا). يتعلّم الطفل في عامه الأول ماذا يقصد والده عندما يقول له نعم، وماذا يقصد عندما يقول له لا.

وضوح الخطّ الفاصل بين هذين المعنين يرسم ملامح حياته المستقبليّة سلوكيا وفكريّا. فوق هذا الأساس تُشاد كلّ لبنة أخرى في هذا الهيكل الكبير. قوة هذا الأساس ومتانته تحدد قوة ومتانة الهيكل الأخلاقي بأكمله.

إنّ القدرة على تمييز الحدود بين نعم ولا، هي في حقيقة الأمر القدرة على التمييز بين الضدّ وضدّه، بين النقيض ونقيضه، بين الخطأ والصواب، وفي نهاية المطاف بين الشرّ والخير.

ضبابيّة الرؤية عند الطفل، والتي قد تسببها بعض المواقف التربويّة، هي الخطوة الأولى في طريق انحرافه الفكري والسلوكي وبالتالي الأخلاقي، فالأخلاق فكر وسلوك.

الإنسان المسلم يعيش ويموت دون أن يتعلم هذا الدرس بوضوح. يبقى عاجزا طيلة حياته عن الفصل الحدّي بين كلمتيّ نعم ولا. من النادر جدا أن يسمع هاتين الكلمتين منذ عامه الأول وحتى عامه الأخير، والأندر أن يرى مربيه قادرين على الفصل في سلوكهم بين المعنيين. “نعم” اليوم، قد تصبح “لا” غدا، و”لا” في تلك اللحظة قد تنقلب “نعم” في اللحظة التي تليها! يتجنّب الطاقم التربوي في معظم المواقف، والتي يُفترض أن تكون مواقف تربويّة تعليمية، يتجنّب لفظ الكلمة، ناهيك عن تحديد معناها. يستبدل نعم ولا بعبارة انشاء الله.

يسأل الطفل أمّه: هل ستشتري لي بدلة بمناسبة العيد؟ وتردّ الأم: انشاء الله. ويبقى الطفل حائرا، تضيع عنده الحدود، ويعجز عن معرفة ماتقصده الأم! هل انشاء الله تعني نعم أم لا؟ أم كلا المعنيين حسب الظرف؟!

لو سأل طفل أمريكي أمّه نفس السؤال، سيكون الجواب ليس فقط نعم أم لا، بل جوابا كاملا يولّد لدى الطفل حالة استقرار نفسي بعيدة عن الحيرة والارتباك.

ـ نعم وسنذهب في نهاية عطلة الاسبوع إلى المحل التجاري كذا وكذا، وستنتقي بنفسك ماتريد. أو ربّما يأتي بشكل آخر:

ـ لا فميزانيتنا لاتسمح، وستضطر لإرتداء بدلتك التي اشتريتها لك الشهر الماضي.

قد يخلّف الجواب الثاني لدى الطفل الأمريكي شعورا بالخيبة، لكنّه حكما لن يخلّف شعورا بالحيرة والارتباك!

الصيف الماضي وأثناء زيارتي للوطن الأم، سألت ابنة أخي مداعبة: متى ستزورينني في أمريكا؟! ركضت الطفلة إلى أمّها تسألها: ماما هل تسمحين لي بزيارة عمتي في أمريكا؟ وقبل أن تدع فرصة لأمها كي تجيب تابعت تقول: أرجوك لا تقولي انشاء الله! ضحك الجميع وبكيت أنا!!

 قلت مرارا وأكرر القول: الدين هو المصدر الوحيد للتربية في بلادنا. لايوجد على الإطلاق قاعدة تربويّة واحدة في الدين الإسلامي تستطيع أن ترسم الحدود بوضوح بين الضدّ وضدّه وبين النقيض ونقيضه، بدءاً بالقرآن ومرورا بالسنّة والحديث وانتهاء بالاجتهاد!

 لايمكن أن تجتمع الأمّة الإسلاميّة على رأي واحد! والسبب الجوهري هو ضبابية الرؤية التي يخلّفها الدين الإسلامي عند الفرد الواحد! لم يستطع انسان أن يعبّر عن تلك الحالة في تاريخ الإسلام، كما عبّر عنها المفكّر الإسلامي عليّ بن أبي طالب عندما قال: لاتحتكم الى القرآن، إنّه حمّال أوجه! عندما يكون المصدر التربوي للإنسان حمّال أوجه، سيخرج هذا الإنسان إلى الكون حمّال أوجه!

 العام الماضي أقام الرئيس الأمريكي مأدبة غداء حضرها الكثيرون من رجال الدين اليهودي والمسيحي والإسلامي. استهلّ أحد رجال الدين الإسلامي حديثه عندما جاء دوره بتلاوة الآية التي تقول: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم”. والسؤال: لماذا اختار هذا الشيخ تلك الآية ولم يختر غيرها، كتلك التي تقول: “قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”؟؟؟

 يريد هذا الشيخ أن يُسمع الحضور مايريدون هم أن يسمعوه، ولو تواجد على مأدبة غداء أخرى تجمع الزرقاوي أو الظواهري أو ابن لادن، لتلا عليهم الآية الثانية، ولختمها كما ختم الأولى بـ صدق الله العظيم!

أين هي الحدود التي تفصل بين الضد وضده في تلك الآيتين؟ ماهو الواجب الديني الذي يترتب على المسلم أن يلتزم به؟ هل هو قتال الذين لايدينون بدينه، ولا يحرّمون ماحرّم الله ونبيّه؟ أم أن واجبه أن يسرح في الأرض يتعرّف على أهلها شعوبا وقبائل آمنوا بدينه أم لم يؤمنوا؟! كيف يستطيع الإنسان أن يحافظ على سلامة جهازه العقلي تحت تأثير الضغوط التي يخلّفها هذا التناقض الرهيب في كلا الموقفين؟!!

*********************

 منذ نعومة أظفار المسلم وهو يدرك الحقيقة التاريخيّة التي تقول: تزوّج النبي محمّد وهو في الرابعة والخمسين من الطفلة عائشة وهي في التاسعة. تلك حقيقة لايختلف عليها مسلمان! ولكن لم يسمح مسلم واحد في تاريخ الإسلام لنفسه أن يرتقي بمستوى وعيه ويسأل: هل يليق هذا الأمر بنبيّ الله؟!

 بعد مجزرة أيلول الإرهابيّه، وجد الإنسان المسلم نفسه، وخاصة في البلاد الغربيّة، أمام سيل من الأسئلة التي يستحيل الإجابة عليها بمنطق وعقلانيّة دون الهرب خارج حدود إسلامه!

 حسين عبيش مسؤول كبير في الجمعيّة الأمريكيّة العربيّة المناهضة للتمييز العنصري، ظهر مرةّ في أحد البرامج التلفزيونيّة على الشاشة الأمريكيّة. سأله أحد المحاورين: هل صحيح أن نبيّكم تزوّج وهو في الرابعة والخمسين من طفلة في التاسعة من عمرها؟! ثارت ثائرة حسام وأجاب بالنفي المطلق.

 ماهي الأسباب النفسيّة الكامنة وراء نفي السيّد حسين، علما بأنّه يدرك في حيّز وعيه أنّ الأمر حقيقة تاريخيّة لاجدل حولها؟!!

في حيّز وعيه يدرك السيّد حسين صحّة ذلك الحدث التاريخي، وفي حيّز اللاوعي عنده يرفضه منطقيّا وأخلاقيّا!.

الصراع بين الحيّزين والذي أثاره سؤال المحاور، أوقع السيّد حسين تحت ضغط نفسي، لم يجد مخرجا منه إلاّ بتكذيب ماهو حقيقة في حيّز وعيه!!

تألمت كثيرا عندما شاهدت تلك الحادثة. لم أتألم من موقف السيّد حسين بقدر ماتألمت عليه! أن يقع الإنسان تحت ضغط هذا الصراع دون أن يكون مؤهلا تربويّا ونفسيّا لمواجهته، حالة نفسيّة لا أحسد، كطبيبة، أحدا عليها!

 أحيانا لاتملك إلاّ أن تشعر بالحزن والأسف، على أمّة تركها دينها معلّقة في الهواء، تتأرجح من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولا تستطيع أن تقف على مستقر! المسلمون اليوم سدس سكان الأرض، أو في أفضل الظروف خمسهم. أربعة أخماس سكان الأرض لايؤمنون بالإسلام، ولا يطبقون قوانينه في التحريم والتحليل. المسلمون في منتصف الطريق يتأرجحون بين النعم و اللا، هل يعلنون الحرب على الأربعة أخماس كما أمرتهم عقيدتهم، فقد أعطى نبيّهم لهذا القتال صفة الأبديّة بقوله: سأظلّ أقاتلهم حتّى يشهدوا أن لاإله إلاّ الله وإنّ محمدا رسوله! أم يجب عليهم أن لا يأبهوا لكفر هؤلاء فإلى الله مرجعهم وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون، على حدّ قول آية أخرى؟!!

 هذه الفوضى الفكريّة التي سقط بها العالم الإسلامي أنهكته وشلّت القدرات العقليّة لإنسانه! هذا الإنسان الذي يتذبذب في مساره بين الضد وأقصى ضدّه. أسامة بن لادن يمسك بأحد طرفي المسار، ووفاء سلطان تمسك بالطرف الآخر والناس منقسمون بينهما، لايقف اثنان منهم على نقطة واحدة في هذا المسار! والسؤال: هل تستطيع أمّة مشتتة كهذه أن تجد لها موقع قدم بين الأمم؟!

 عقل المسلم أصبح كالزئبق، من المستحيل أن تصنع منه شكلا ثابتا! تدخل في حوار مع أحدهم فتظنّه في اللحظة الأولى غاندي أو ربّما المسيح، يرفض أن يرجم امرأة حتى ولو كانت زانية، لينقلب في اللحظة التي تليها فيصبح الشيخ ياسين يبارك لمرأة فجّرت نفسها داخل حافلة للركّاب، وتركت وراءها رسالة صوتيّة تقول: سأدقّ أبواب الجنّة بجماجم اليهود! هل يستطيع أحد فينا أن يتصوّر عمق الفجوة التي تفصل بين االله الذي يقول: من كان منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر، وبين الله الذي يقول: لن أفتح أبواب جنتي إلاّ لمن يدقّه بجماجم البشر؟!! هل يستطيع أحد فيكم أن يتصوّر حجم الضغط النفسي والعقلي الذي يعيشه رجل يتذبذب بين هذا الإله وذاك؟!! لم يعد أمام الإنسان المسلم من خيار إلاّ أن يحاول ردم تلك الفجوة قبل أن يقفز فوقها! العالم اليوم قرية صغيرة، وأيّة أمّة فيه تحوّلت إلى مجرّد فرد، مهما التزمت بتعاليمها عليها أن ’تراعي الخطّ العام!

 وصلني شريط تسجيل من صديق عزيز، تستطيع أن تصغي من خلاله الى أحداث ندوة أقيمت مؤخرا في إحدى الكنائس هنا في جنوب كاليفورنيا، موضوع الندوة كان الإرهاب وضرورة التعاون بين جميع الأديان لمواجهته وفتح بابا للحوار. تسلل الشيخ محمّد الى الكنيسة وهو مطمئن أنه في مأمن، وإذ به يفاجئ بالميكرفون وبسؤال عن رأيه! وقع في نفس المطّب الذي وقع به حسنين! حسنين شاب صعيدي ـ على البركة! ـ تقدم بوظيفة حاجب شاغرة في إحدى الشركات. سأله مدير الشركة في محاولة لسبر معلوماته: كم يساوي خمسة في خمسة ياحسنين؟ ليس في جعبة حسنين من مهارات سوى غريزة البقاء، التي دفعته ليردّ بسرعة البرق: زي مانتا عاوز يابيه!

 مسك الشيخ محمّد بالميكرفون، واعتذر أولا عن عدم قدرته للتحدث بالإنكليزيّة وبذلك أسقط عنه مسؤوليته أمام، على الأقل، نصف الحضور ثم تابع: الله محبّة وعلينا جميعا أن نلتزم بتعاليم المسيح التي تدعو الى المحبّة! لم يجد في جعبته من مهارات سوى تلك التي كانت في جعبة حسنين: زي ماأنتا عاوز يابيه! لقد أسمع الحضور مايريدون أن يسمعوه، وليس مايريد أن يقوله!

 عدت الى أسماء الله الحسنى في كتب الشيخ محمّد، لم أجد تسمية واحدة تتوافق مع تلك الصفة التي أطلقها عليه! ولم أجد آية واحدة تشير الى تعاليم المسيح. لاأعرف من أين أتى بهذا الجواب! إنّها سياسة الزئبق: مثلما مالت أميل!!

***********************

 في مقابلة أجرتها مرّة صحفيّة أمريكية مع الرئيس حافظ الأسد، طرحت عليه السؤال التالي: سيادة الرئيس إذا توصلتم إلى اتفاق مع اسرائيل، هل ستقيمون علاقات دوبلوماسيّة وحسن جوار معها؟ وراح سيادة الرئيس يتأرجح في جوابه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، رافضا أن يستقرّ على رأي! قاطعته الصحفيّة بجرأة: لم أفهم ماقصدت! هل تستطيع أن تجيبني على هذا السؤال فقط بنعم أم لا؟ وراح سيادة الرئيس مرّة أخرى يتأرجح رافضا أن يستقر على جواب! أوقفته، بعد أن يئست وقبل أن يوغل في تأرجحه: دعنا ننتقل إلى سؤال آخر!!

 لم تستطع تلك المسكينة أن تصنع من الزئبق شكلا! والمضحك المبكي كلّما ازداد الرجل في بلادنا زئبقيّة، كلّما ازداد وصف الناس له بالحنكة والذكاء! مات الرئيس ـ رحمه الله ـ قبل أن يتمكّن أكبر محلل سياسي في العالم من أن يفهم مواقفه، هل هو رجل حرب أم سلام أو مابينهما؟ يستحيل أن تفهم!! أكثر المواقف سخرية تلك التي تقف عندها في منتصف الطريق حائرا بين النعم واللا: هل تضحك أم تبكي؟!!

 للحديث صلة!

وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment