مستنقع حرب اليمن

الحديث عن حرب اليمن ( 1962 _ 1970 ) حديث مُربك ومُحَير , ليس لأنه حديث عن موضوع غامض , ولكن لأنه يشبه حكايات ألف ليلة وليلة .. قصة في داخل قصة في داخل قصة .. الى ما لا نهاية , بحيث تحتار من أين تبدأ وأين تنتهي .

لكني أستمد الدعم والعزم من خطاب الرئيس الأمريكي المنتخب السيد باراك حسين أوباما الى الأمتين الإسلامية والعربية , والذي شخّص فيه موضوع إستعمالنا بالنيابة كمسلمين وعرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق غاياتها في الشرق الأوسط والعالم . 

الولايات المتحدة الأمريكية دخلت الى حرب اليمن من طرفيها المتقاتلين مستعملة العرب وقوداً لهذه المحرقة التي دامت ما يزيد على 8 سنوات من أجل أن تطرد البريطانيين من الجنوب العربي بسياسة الأرض المحروقة . و سندخل الى حرب اليمن من بابين مختلفين وهما : 

# ميناء عدن . 

# المملكة المتوكلية اليمنية .

ميناء عدن : وهو ميناء تكون من فوهتي بركان خامد ألقى حممه الى مياه بحر العرب في العصور القديمة فشكلت بذلك شبه جزيرتين : ( شبه جزيرة عدن ) و ( شبه جزيرة عدن الصغرى ) فأصبحت المنطقة المحصورة بينهما ميناءا طبيعيا ممتازا يصلح لرسو السفن ويبعد عن مضيق باب المندب مسافة 170 كيلومتر فقط , ويسكن عدن اليوم قرابة مليون إنسان . 

تروي الحكايات أن عدن قديمة ربما قدم الإنسان نفسه على هذه الأرض , ويُعتقد أن قابيل وهابيل مدفونان فيها . أما موقعها البحري على الطريق الواقع بين أوربا والهند فقد جعلها عرضة لمحاولات عديدة للسيطرة عليها من قبل قوى خارجية , ففي القرن الأول قبل الميلاد كانت مركزاً تجارياً لدول البحر الأحمر , أما في القرن الأول بعد الميلاد فكانت قد تحولت الى ميناء للسفن العابرة الى الهند . 

حين حكم ( الحميريون والسبأيون ) اليمن بنوا فيها القلاع والحصون في مأرب وحضرموت من أجل مراقبة الطريق البحري , وجباية الضرائب عن البضائع المتداولة , ومنع التهريب .

من أقدم المخطوطات الصينية التي ورد فيها إسم عدن : مخطوطة صينية تعود الى عام 1421 ميلادي , ذُكر فيها أن الإمبراطور الصيني كان قد أمر 3 سفن صينية بحمل الهدايا من جزيرة سومطرة الى سلطان عدن لتوثيق علاقات التجارة والنقل بين البلدين . 

في العام 1838 إضطر سلطان لحج ( محسن بن فضل ) وتحت ضغط هجوم القراصنة الى التخلي عن حماية عدن الى البريطانيين , ولهذا ففي يوم 19 كانون الثاني 1839 دخلت الى عدن ( القوات الملكية البحرية البريطانية ) بمعية ( شركة الهند الشرقية البريطانية ) لإحتلال المنطقة , والتصدي للقراصنة المهاجمين . وفي الحقيقة يُشك بالوجود الفعلي للقراصنة .. لكنها كانت محاولة بريطانية للسيطرة على عدن , خصوصا وأن ( قناة السويس ) و ( بومباي ) و ( زنجبار ) كانت كلها في ذلك الوقت ( ممتلكات ) بريطانية تربط أوربا بالشرق وقد ضمت إليها عدن مؤخرا لتصبح ميناءا على الطريق تتزود فيه السفن بالماء الصافي ووقود الفحم اللازم لتكملة الرحلة الى الشرق . 

في ثلاثينات القرن الماضي , كانت الحرب في الهند قائمة على قدم وساق بين الأمريكان والبريطانيين لتقاسم الهند بينهما بإستعمال المسلمين لخدمة الغرض الأمريكي بتهييج الصراع بينهم وبين الهندوس .. مما أسفر عن فصل الهند الى ( هند + باكستان + بنغلاديش ) تسيطر فيها الولايات المتحدة منذ ذلك الحين على الباكستان وبنغلاديش , بينما لها إتفاقيات مشتركة الى جانب بريطانيا مع الهند . وفي خضم هذا الصراع المحتدم .. خشيت بريطانيا على عدن من أن تشملها القسمة مثل الباكستان وبنغلاديش بإعتبارها جزءاً من ( الهند الشرقية البريطانية ) وحيث كانت بريطانيا قد وسعت ما كانت تعرف بإسم ( مستوطنة عدن ) فضمت إليها : 

# جزيرة بريم _ مساحتها 13 كيلومتر مربع . 

# جزر خوريا موريا ( في خليج عمان ) _ مساحتهن 73 كيلومتر مربع . 

# جزيرة كمران _ مساحتها 108 كيلومتر مربع . 

لهذا السبب ففي العام 1937 قامت بريطانيا بفصل عدن عن ( الهند الشرقية البريطانية ) ومنحتها إسما جديداً هو : ( مستعمرة عدن ) ومحت عن هذه المستعمرة كل ما يشير الى علاقتها السابقة بالهند الشرقية البريطانية بما في ذلك تغيير عملتها من ( الروپية الهندية ) الى ( الشلن الأفريقي ) الذي كان مستعملاً في ( أفريقيا الشرقية البريطانية ) . 

عام 1956 إستعمل الأمريكان المصريين بالنيابة لطرد البريطانيين والفرنسيين عن قناة السويس , وإجلاء القوات البريطانية عن مصر , بما يعرف بإسم حرب السويس , ولهذا غدت مستعمرة عدن مستقراً مهماً للبريطانيين في المنطقة بعد خروجهم من قناة السويس

مثلما قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتأسيس الكثير من الخلايا الشيوعية والقادة المحسوبين على الشيوعية في العالم .. فإنها ومن أجل التحرك لمهاجمة مستعمرة عدن , كانت قد بدأت بتأسيس بعض الخلايا الشيوعية فيها , فسارع الإتحاد السوفييتي الى مد يد الدعم لهذه الخلايا كنوع من أنواع إثبات وجوده في هذه المنطقة . 

وكانت بريطانيا تراقب بحذر , وتعرف أن شيوخ وسلاطين وأمراء المنطقة أشخاص ضعفاء , يمكن تسقيطهم أو شراء ولائهم من قبل من يدفع لهم أكثر , لذلك ولكي تحسم بريطانيا أمرها كانت قد سعت الى توحيد هذه المشايخ والإمارات والسلطنات في كيان واحد هو ( فيدرالية إمارات الجنوب العربي ) ولم يتم التوحيد دفعة واحدة بل على عدة مراحل . 

المملكة المتوكلية اليمنية : خلال عشرينات القرن الماضي كان ( الإمام يحيى حميد الدين ) قد نشر سلطته في اليمن الشمالي في جنوب تهامة وجنوب العسير لكنه تصادم مع قوة آل سعود المتعاظمة في نجد والحجاز . الحدود الحالية بين السعودية واليمن الشمالي يعود تاريخ ترسيمها الى إتفاقية الطائف الموقعة في مايس 1934 . 

أما حدود اليمن الشمالي مع مستعمرة عدن , فبقيت دون إعتراف من الإمام يحيى لأن البريطانيين لم يوقعوها معه , وإنما مع الدولة العثمانية التي كانت تبسط نفوذها سابقاً على المنطقة , وبقي في خلاف مع البريطانيين حول ترسيم هذه الحدود , جعلهم يخططون عدة محاولات لإسقاط حكمه .

مات الإمام يحيى أثناء إنقلاب وقع عليه عام 1948 فخلفه إبنه ( أحمد بن يحيى ) على العرش والإمامة . وكان عهده حافلاً بالخلافات مع بريطانيا . 

عام 1955 تعرض الإمام أحمد الى محاولة إنقلابية فاشلة قادها العقيد ( أحمد الثلايا ) وهو ضابط يمني متخرج من العراق وعلى صلة بمنظومة الضباط الأحرار . لذلك ومن أجل الوقوف بوجه بريطانيا , كان الإمام قد وقّع مع مصر الجمهورية في نيسان عام 1956 معاهدة للدفاع العسكري , ثم تحولت هذه المعاهدة الى تحالف ( كونفيدرالي ) مع الجمهورية العربية المتحدة عند تأسيسها بين سوريا ومصر في 1 شباط 1958 .

مرض الإمام أحمد بن يحيى وسافر الى روما للعلاج , فظن إبنه وولي عهده أنه لن يعود حياً , لذلك أخذ يذم عهد والده , ويتصل بالقبائل ويعد بالإصلاحات الدستورية , وفتح الإذاعة لإلقاء الخطب الثورية والأناشيد المصرية . لكن الأب تعافى من مرضه وعاد , فألغى كل ما قام به إبنه , وأعدم الكثيرين . 

إنفضت الوحدة بين سوريا والمملكة المتوكلية اليمنية مع مصر في أيلول 1961 . حقيقةً فإن ذلك كان ضربة موجعة لعبد الناصر , رآها موجهة للنيل من كرامته كقائد ( لكل العرب ) مما جعل الحكومة المصرية تحاول الثأر من الإنفصال ممثلة بسفارتها في المملكة المتوكلية اليمنية بتدبير عدة محاولات إنقلاب في وقت واحد للإطاحة بالعرش , وكانـت مجموعة ( عبد الله السلال ) واحدة من هذه المجاميع الإنقلابية . 

توفي الملك ( الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين ) يوم 18 أيلول 1962 فخلفه إبنه الملك ( محمد البدر ) على العرش , ولثقته بمصر والرئيس جمال عبد الناصر فقد كان من أول أوامره تعيين العقيد عبد الله السلال المعروف بانه ( إشتراكي ناصري ) بمنصب قائد الحرس الملكي . 

تمكنت السفارة المصرية بعد 8 أيام من إعتلاء محمد البدر العرش وبواسطة حليفها الإشتراكي الناصري العقيد عبد الله السلال أن تقلب نظام حكم المملكة اليمنية المتوكلية يوم 26 أيلول 1962 , ويتم الإستيلاء على السلطة , وغض الطرف عن الملك محمد البدر والسماح له بالهرب من الباب الخلفي للقصر مع مجموعة من رجال حمايته الى المملكة العربية السعودية .. لعبة ظاهرها تحرير اليمن من حكم ملكي مقيت , لكن حقيقتها هي التأسيس لحرب ستطول ولن تنتهي حتى يخرج البريطانيون من الجنوب العربي . 

بعد نجاح محاولة السلال بدأت إذاعات عبد الناصر والموالون لها من الإشتراكيين والناصريين بالتطبيل والتزمير للنصر المؤزر الذي تجلبه حكومات العسكر , التي تنجح في هزم بريطانيا وفرنسا , وتم تصوير ذلك للجماهير العربية المتعطشة للخلاص .. وكأنه فتح الفتوح , وليس مرحلة تبديل مستعمر بمستعمر . 

يوم 19 ديسمبر 1962 إعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة السلال , ولأن بريطانيا كانت تعرف بأن الخلايا الشيوعية النائمة في محمية عدن سرعان ما ستثور بدعم من حكومة السلال الإشتراكية التي تغذيها مصر الأمريكية ذات السلاح السوفييتي . لهذا قامت بعد شهر بالإعلان عن تأسيس ( فيدرالية إمارات الجنوب العربي ) يوم 18 كانون الثاني 1963 بالضد من رغبة ( الإشتراكيين ) حكام ( الجمهورية ) اليمنية وداعمتهم _ مصر _ ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية . 

حقيقة فإن إعلان ( الوحدة البريطانية ) في الجنوب العربي كان شيئاً مبهراً للجماهير العربية في كل مكان وهي تنظر الى 19 كيان عربي يتحدون في دولة واحدة .. كان الأمر شيئاً يجسد كل الطموح العربي تلك الفترة , حيث توحدت ( مستعمرة عدن ) مع ( مشيخة العلوي ) و ( مشيخة العقربي ) و ( سلطنة العوذلي ) و ( إمارة بيحان ) و ( مشيخة دثينة ) و ( إمارة الضالع ) و ( السلطنة الفضلية ) و ( سلطنة الحواشب ) و ( سلطنة لحج ) و ( سلطنة الصبيحي ) و ( سلطنة العوالق السفلى ) و ( سلطنة الجعيطي ) و ( مشيخة المفلحي ) و ( مشيخة يافع العليا ) و ( مشيخة الشعيب ) و ( مشيخة العوالق العليا ) و ( سلطنة العوالق العليا ) و ( سلطنة الواحدي بلحاف ) . 

لم يتحمل الأمريكان أن تسحب بريطانيا البساط من تحت أقدامهم بهذه الطريقة .. لذلك فبعد 20 يوماً فقط قاموا بقلب نظام الحكم في العراق , حيث أسقطوا الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان يمثل ( عقبة ) بوجهة الوحدة مع مصر وأحلوا محله عبد السلام عارف ( المبهور بعبد الناصر الى حد الهوس ) وكان ذلك يوم 8 شباط 1963 . 

وكان ينبغي في تلك الأيام غسل ( عار ) الإنفصال الذي وقع على وحدة مصر مع سوريا في الجمهورية العربية المتـحدة , لذلك وقع في سـوريا إنقلاب عسـكري بقيادة الضابط الناصري ( لؤي الأتاسي ) يوم 8 آذار 1963 . تم بعده رفع برقية الى عبد الناصر مكونة من 10 كلمات , تعرّف معنى هذا الإنقلاب تعريفا شاملا , مكتوب فيها : (( الرئيس جمال عبد الناصر . القاهرة . لقد ثأرنا من الإنفصال وغسلنا العار )) . 

المدة ما بين إعلان فيدرالية الجنوب العربي .. وإسقاط نظام الحكم في سوريا هي 48 يوم فقط . عندها وكما كانت تتغنى بريطانيا بوحدتها في الجنوب العربي , صارت الولايات المتحدة تتغنى بوحدتها ( الثلاثية ) بين كل من سوريا والعراق مع مصر . 

المواطن العربي .. سواء كان في الجنوب العربي .. أو سوريا ومصر والعراق .. لم يقبض من هذه الآمال العريضة غير تحشيد أبنائه ليقاتلوا بعضهم , نيابة عن الأمريكان والبريطانيين , فمن واقع عملي لم يكن شعار الوحدة الثلاثية غير ( كلام جرايد ) الهدف منه : 

الإستهلاك الإعلامي لإشغال ذهن المواطن العربي _ 

التغطية على الإعلان البريطاني البراق عن وحدة الجنوب العربي , بإعلان أمريكي عن وحدة_ بديلة .

تطمين عبد الناصر أنه إذا دخل الحرب في الجنوب العربي فلن يدخلها بمفرده , _

وإنما هناك دول عربية ذات كثافة سكانية عالية تقدرعلى تأمين جيوش كبيرة ستكون ( ليس معه ) وإنما ( تحت إمرته ) بهذه الوحدة . 

أما الواقع الفعلي لهذه الوحدة الثلاثية فقد كان كالتالي : 

# في سوريا ورغم إعلان الإتفاق على إجراء مباحثات الوحدة الثانية أو ( الجديدة ) بين سوريا ومصر .. إلا أن الإعتقالات في صفوف الضباط الوحدويين السوريين بقيت متواصلة , ولهذا تحرك العقيد السوري الناصري ( جاسم علوان ) للقيام بإنقلاب فاشل في 18 تموز 1963 .. أعقبته حركة إعدامات في صفوف الجيش السوري , ولأن عبد الناصر أدرك فشله في الوحدة من جديد مع سوريا فقد فضَّل أن ينسحب هو هذه المرة من الوحدة , وأن لا يدع للسوريين الفرصة ( مرتين ) ليتخلوا عن الوحدة معه , وكان ذلك بتاريخ 26 تموز 1963 فكان رد السوريين هو إنتخاب ( أمين الحافظ ) المسؤول عن تلك الإعدامات رئيسا للجمهورية السورية يوم 27 تموز 1963 . 

# الوضع في العراق كان مختلفاً تماماً .. فالرئيس عبد السلام عارف كان مأخوذا ً ومبهوراً بعبد الناصر الى حد الهوس , وكان كلامه لا يخلو من ترديد شعار الوحدة الثلاثية عدة مرات يومياً …. من أجل لجمه ومنعه من القيام بأي فعل بخصوص هذه الوحدة ( الشعارية فقط ) فقد قامت مليشيا الحرس القومي التي يسيطر عليها بعثيون وقوميون أغلبهم لهم إرتباطات مع سوريا بفتح سجل إعتقالات وتصفيات شملت كل المؤيدين للزعيم عبد الكريم قاسم , وبغض النظر عن كونهم شيوعيين أم لا .. لتعم الفوضى كل العراق .

وبعد أن أخذت تلك المرحلة مداها وإنتهت .. إنقلب عبد السلام عارف على البعثيين شركائه في الحكم في 18 تشرين الثاني 1963 عندها بدأت في العراق مرحلة ( إنشقاق حكومة عارف على نفسها ) بما يعنيه ذلك من حملة إعتقالات وتصفيات موجهة ضد البعثيين حيث عمت الفوضى في حكومة العراق هذه المرة . 

رغم هذا لم يتوان عبد السلام عارف عن المشاركة بقوات رمزية عراقية في القتال الدائر في اليمن .. كما لم يتوان عن فتح مكتب لجبهة تحرير الجنوب العربي في بغداد , ومكتب لجبهة تحرير ظفار في بغداد , وهذه المكاتب كانت موجودة في بغداد شارع السعدون مقابل تمثال عبد المحسن السعدون في موقعه القديم قبل حفر نفق التحرير في الباب الشرقي . 

لهذا فقد كان الحل الأخير لإخماد عبد السلام عارف .. هو إشعال فتيل النزاع الكردي بقيادة الملا مصطفى البرزاني الذي كانت قواته هذه المرة مدعمة بالتدريب الإيراني من قبل شاه ايران الأمريكي , ومعززة بالسلاح الأمريكي المتطور أيضاً . 

من يدري فلعل ميتة عبد السلام عارف الغامضة , مردها الى موقفه من المشاركة في حرب اليمن خصوصا في المنعطف الخطير الذي دخلت إليه الحرب عام 1966 حين رصدت حكومة الرئيس الأمريكي ( ليندون جونسون ) مبلغ 100 مليون دولار على شكل آليات عسكرية لدعم الملكيين في اليمن , أما عبد السلام عارف فقد قتل أثناء فترة ذلك الدعم الأمريكي للملكيين في حادث طائرة غامض وقع في العراق في مدينة البصرة يوم 13 نيسان 1966 . 

صلاح نصر رئيس جهاز مخابرات عبدالناصر يذكر بأن اليمن كانت بالنسبة للمصريين مجاهل لا يعرفون معالمها ، لكن عبدالناصر وجد فى التدخل العسكرى فيها عملاً يستعيد به توازنه ويرد إليه اعتباره بعد انهيار الوحدة بين مصر وسوريا الذي سدد ضربة عنيفة لطموح عبد الناصر لقيادة العرب . 

محمد حسنين هيكل فى كتابه ( عبدالناصر والعالم ) ص 47 يذكر ما يؤكد جهل عبدالناصر بعناصر المغامرة التي سيدخلها في اليمن حين قال للثائر الشيوعى ( جيفارا ) فى حوار معه عام 1965 : (( .. الوضع في اليمن غير صالح للثورة فقلت مثلك إنه مجرد أن الثورة قامت فإن ذلك يؤلف عنصرا وضعيا فى حد ذاته وبالتالى يجب مساعدتها )) لكن محمد حسنين هيكل في كتابه ( لمصر لا .. لعبد الناصر ) يغالط هذه الحقيقة جملة وتفصيلاً

يعتبر محمد حسنين هيكل نفسـه مؤرخ القرار المصري لقربه من الرئيس ( وأراه متواضعاً جداً في منح نفسه هذا اللقب ) فخلال فترة الربع قرن التي عملت بها في الإعلام العراقي .. رأيت وقرأت لصحفيين عراقيين يرون أنفسهم ( كُتّاباً كباراً ) أيضاً .. من يدّعي منهم أنه هو الذي صنع من صدام حسين رئيساً للعراق .. أو أنه كان صمام أمان الإعلام العراقي , ومنهم من كان يعتقد أنه مُنظِّر القادسية وكاتب بياناتها والراقص على أنغام أنشـودتها ( ياحـوم إتبع لو جرينه ) وكان يحـلم مقابل ذلك بالوزاره .. وظلت عقدة الوزاره ملازمة لتفكيره حتى اليوم .. أوغيره من كان يحلم بالسفارة .. أو أن يتسلم موقع مدير عام , وشق عصا الطاعة منذ وقت مبكر جدا ً, لأنه لم ( يبوأ ) موقع مدير عام , وغيره من كان يحلم بأن يُعَدَّ المفكر الأوحـد في العراق .. كل هؤلاء تزلفوا لصدام وقيادته بحيث أنهم لو كان يطرح عليهم السؤال : 1+1 كم يساوي ؟ لكان ردهم العفوي والتلقائي : ( كم تريد الناتج ؟ حتى أكتبه لك ؟ ) وعلى حجم الناتج الذي تريده القيادة , يبدأ الكاتب بالتدليس الفكري والسياسي بالضد من كل الحقائق الموجودة على الأرض .

لهذا وأنا أستعرض رأي هيكل فلا أراه يختلف كثيرا عن آراء هؤلاء العراقيين , وأسـتعرض الرأي فقط , من أجل أن نطّلع على طريقة التفكير التي جلبت للشعب المصري المنكوب , الكثير من الويلات والمصائب . فهيكل يقول بأنه يتفق مع ناصر في قضية إسـناده لإنقـلاب السلال , لكنه يرى أن إنقلاب السلال لا يحتمل استيعاب الكم الهائل من القوات المصرية التي من شأنها أن تصل إلى اليمن لدعم نظامه .. فهل يعتقد هيكل فعلا أن القوات المصرية كانت ذاهبة الى الجنوب العربي من أجل حماية إنقلاب السلال ؟ 

ثم يذكر هيكل أنه قد يكون من الحكمة التفكير في إرسال متطوعين قوميين عرب من مختلف أنحاء الشرق الأوسط الى حرب اليمن عوضاً عن الجيش المصري للقتال الى جانب القوات اليمنية الجمهورية , وعلى غرار ما حصل في الحرب الأهلية الإسبانية , لكن عبد الناصر وكما يدعي هيكل , رفض الفكرة .

العبرة بالخواتيم كما قالت العرب … فرغم رفع شعار الوحدة الثلاثية في تلك الفترة , إلا أن سوريا والعراق أعيقتا عن الإلتحاق بتلك الوحدة عن سبق إصرار وترصد وإمعان في القصد .. ومصر كانت قد زجت ب 70 ألف مقاتل مصري في اليمن بعد أن حُرِمَتْ من مشاركة الجيشين السوري والعراقي .

من أين سيجمع عبد الناصر ( كما أشار عليه هيكل ) متطوعين قوميين عرب يصل تعدادهم الى 70 ألف ؟ ويملكون خبرة وتدريب الجيوش النظامية ليسدوا مكان الجيش المصري الذي كان مقصودا إبادته في تلك الحرب ؟ لكي يقبل ناصر الفكرة أو يرفضها !؟ أليست حرية الخيار هي أول شروط الرفض أو القبول ؟؟ 

لايوجد وكيل أمريكي تدوم وكالته الى الأبد .. كل وكيل أمريكي يؤدي دوره .. عليه أن يرحل بعده , بإرادته أو غصباً عنه , والدور الذي كان مرسوماً لعبد الناصر هو أن يتسلم السلاح من السوفييت ويحرقه , مبيداً معه وحدات الجيش المصري خدمة للمصلحة الأمريكية في الجنوب العربي ( خسرت مصر في هذه الحرب 26 ألف قتيل ) وبعد ذلك عليه هو وجيشه مغادرة المشهد العربي بخاتمة غير مشرفة إسمها حرب حزيران .. تؤدي الى نكسة العرب , وتحفظ أمن إسرائيل .. فهل العبرة بالخواتيم ؟؟ أم أن التنظير .. كلام والسلام !!؟؟ 

بعد ذلك يخبرنا هيكل أن عبد الناصر دخل الى حرب اليمن لأنه كان يرى (( أن محاربة الإمبريالية هي قدر مصر )) فإذا سلّمنا أن الحكومة المصرية لم تكن تدرك وقتها أنها هي نفسها كانت أداة من أدوات الإمبريالية .. وهذا سيتطلب منا الدخول الى قصة جديدة مفادها أنه في مرحلة نهاية الأربعينات من القرن الماضي كان لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ضابط متجول في الشرق الأوسط يدعى ( كيرمت روزفلت ) هو حفيد الرئيس الأمريكي روزفلت . وكانت مهمة هذا الرجل , هي حمل حقيبة مليئة بملايين الدولارات , لشراء الذمم والنفوس , لغرض صناعة ( رموز شيوعية ) و ( رموز معادية للشيوعية ) في الشرق الأوسط , واللعب على تصعيد وتنزيل هذه الرموز خدمة للمصالح الأمريكية في المنطقة , وتحت شعارات ( الحرب الباردة ومحاربة الشيوعية ) .

بداية الخمسينات من القرن الماضي نجح كيرمت روزفلت والسفير الأمريكي في طهران ( هنري گرادي ) في توصيل رجل أمريكا في ايران ( محمد مصدق ) الى منصب رئيس وزراء , ثم عمل الرجلان على ( تسقيطه وحمايته في نفس الوقت ) إدامة للمصلحة الأمريكية . 

لكن مهمة كيرمت روزفلت في الشرق الأوسط لم تكن محصورة بإيران وحدها بل كانت تشمل مصر أيضا , فبعد أن نجحت وكالة المخابرات الأمريكية في إسقاط الحكم الملكي المصري المتحالف مع بريطانيا وإقامة حكومة العسكر برئاسة رئيس مجلس السيادة المصري اللواء محمد نجيب .. وكان كيرمت روزفلت في تلك الفترة يشغل منصب أمين عام جمعية ( أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكيون ) والتي كانت أكبر مهامها هي المحافظة على العلاقة ( العربية _ الأمريكية ) من الإنفـراط بسبب الدعم الأمريكي لليهود عند تأسيس الدولة العبرية .

حالما تأسست مصر الجمهورية , منح كيرمت روزفلت مبلغ 12 مليون دولار الى محمد نجيب بإعتباره رئيساً لدولة ( معادية للشيوعية ) ولم يكن على مصر وقتها غير واجب حماية الجمهورية من الداخل . لكن ( غربلة ) الأمريكان للحكومة الجديدة كانت عملية ضرورية لكشف التحالفات الداخلية والخارجية لضباطها ومسؤوليها وقد إستمرت الغربلة سنتين , لم يبق شيء لم تتضح خلالهما صورته , تحت دعوى ( خلافات بين ضباط الثورة أنفسهم ) . 

حين وطدت الحكومة الجديدة نفسها وتخندق ضباطها ولم يعد سهلا إغتيال الجمهورية وإعادة العملية السياسية الى الوراء , كان على الأمريكان ( تغيير موديل ) الحكومة المصرية من أجل تمكينها من القيام بالدور الفعلي الذي يطالبها الأمريكان القيام به وهو ( محاربة البريطانيين والفرنسيين وإجلائهم عن مصر وطردهم من البحر الأحمر والجنوب العربي وشمال أفريقيا ) . 

بسبب هذا جرت عملية الإطاحة باللواء محمد نجيب , ووضعه تحت الإقامة الجبرية حوالي 30 سنة .. لتحويل مصر من دولة ( معادية للشيوعية ) الى دولة شيوعية ( إستحياءاً , وإثارةً للحفيظة في نفس الوقت , تمت تسميتها : إشتراكية ناصرية ) تتقارب مع الإتحاد السوفييتي لتضرب وبإسم شعارات الحرب الباردة مصالح الإمبراطوريات الإستعمارية القديمة في كل مكان من الوطن العربي , إستعداداً لإحلال المصالح الأمريكية محلها .

حالما وضع اللواء محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية , قام عبد الناصر بمصادرة مبلغ 12 مليون دولار التي كان نجيب قد تسلمها من كيرمت روزفلت , وكان يمكن أن تكون هذه المصادرة سرية , أو حتى معلنة بفضيحة عن خراب ذمة اللواء محمد نجيب . لكن عبد الناصر تصرف بطريقة ثانية . 

أمر على الفور بإستعمال المال لبناء برج القاهرة , وقد كلف البرج مبلغ 6 مليون جنيه مصري وبدأ العمل ببنائه عام 1956 وأطلق على البرج تسمية ( وقف روزفلت ) حيث إدعى عبد الناصر أن كيرمت روزفلت كان قد أرسل المال ( له شخصياً ) .. من أجل أن يقطع ناصر الدعم المصري ( الأمريكي حقيقةً ) عن ثورة الجزائر ضد الفرنسيين . 

حكايات : عزل محمد نجيب التي يشوبها الكثير من الغموض , وبناء برج القاهرة , ودعم ثورة الجزائر , كن جميعاً ذوات إستعمال مزدوج . الوجه والإستعمال الأول كان للإستهلاك المصري والعربي من أجل تلوين صورة عبد الناصر بألوان زاهية . 

أما الوجه والإستعمال الثاني فهو مخصص للإستهلاك الدولي : عبد الناصر بهذا العمل كان قد أعلن رسمياً بداية تقاربه مع الإتحاد السوفييتي وبداية ضربه لمصالح الدول الإستعمارية القديمة ( بريطانيا وفرنسا ) بإعترافه الرسمي بدعم ثورة الجزائر . 

ونعود الآن الى محمد حسنين هيكل والحديث عن ( قدر مصر في محاربة الإمبريالية ) فإن لم يكن هيكل أو عبد الناصر مدركان ذلك الوقت أنه تم تحويل مصر من ( دولة معادية للشيوعية ) الى ( دولة _ إشتراكية ناصرية _ شيوعية , متقاربة مع الإتحاد السوفييتي ) لتقوم بمـحاربة مصالـح بريطانيا وفرنسـا من أجل إحـلال المصالح الأمريكية محلها … أفلا يحق لنا على الأقل أن نتساءل : هل كان يوجد في مصر ذلك الوقت ( جهاز مخابرات ) أو ( جهاز إستخبارات عسكرية ) حقيقيان ؟؟ ليرصدا للقيادة العليا في الدولة حقائق تقول إن المملكة العربية السعودية التي تأوي الملكيين ما هي إلا دولة ( أمريكية ) صنعتها شركة أرامكو النفطية ؟ أو أن قائد قوات الملكيين هو الضابط ( الأمريكي ) بروس كوندي ؟ أو أن ( الأمريكي ) شاه ايران كان يزود الملكيين بالسلاح والمال لأنهم حسب إدعائه من مظاليم الشيعة ؟ أو حتى أن باكستان ( الأمريكية ) كانت قد أثرت ثراءاً فاحشا ً في تلك الفترة من تجارة بيع المرتزقة لجيش الملكيين تحت قيادة بروس كوندي !!؟؟ إذا كانت الأطراف المتحاربة كلها تتقاتل بموجب الدعم الأمريكي بما في ذلك مصر نفسها .. فهل كانت حرب اليمن ( قدرا ً) على المصريين أم تهلكة ألقوا بأيديهم إليها عابثين ؟؟

يطرح هيكل بعد ذلك رأياً غريباً لتعليل تورط عبد الناصر بالمشاركة في هذه الحرب قائلاً بأن ناصر دخلها إنتقاماً من العائلة المالكة السعودية لأنها ساهمت في تقويض وحدته مع سوريا , كما أنه تورط فيها إنتقاماً من البريطانيين بتخريب مصالحهم في الجنوب العربي . ونفس هذا الرأي يؤكد عليه الكاتب البريطاني السير ( أنثوني ناتنگ ) كاتب سيرة عبد الناصر في مولفه الضخم ( ناصر ) المؤلف من 490 صفحة من حجم كبير المتوسط .  

من أوضح حالات ( الإنتقام ) بين الدول في العصر الحديث , هي حالة إنتقام الأمريكان من اليابانيين بعد موقعة ( بيرل هاربور ) بقيامهم بضرب هيروشيما وناگازاكي بقنلتين نوويتين قتلتا خلال برهة قصيرة ما يزيد على 450 ألف ياباني دون أن يتكبد الأمريكيون قتيلا واحداً مقابل ذلك . أما في حالة الإنتقام المصري فقد كلف مصر 26 ألف قتيل من أبنائها في حين أن السعودية وبريطانيا كانتا تقاتلان بجيش من المرتزقة تم جمعه من العالم تحت إشراف الضابط الأمريكي الجنرال بروس كوندي … ولا ندري على ماذا يدل هذا الإنتقام بأعمق المعنى , هل عن رخص قيمة الإنسان والدم المصري , أم عن تخبط خطة السياسة المصرية !!؟

كتب الشاعر نزار قباني عن عبد الناصر بشكل مباشر , مرتين , المرة الأولى كانت بعد نكسة حزيران في قصيدة ( هوامش على دفتر النكسة 1967 ) والتي بدأها بقوله : 

أنعي لكم ، يا أصدقائي ، اللغةَ القديمه 

والكتبَ القديمه 

أنعي لكم .. 

كلامَنا المثقوبَ ، كالأحذيةِ القديمه .. 

ومفرداتِ العهرِ ، والهجاءِ ، والشتيمه 

أنعي لكم .. أنعي لكم 

نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه 

ضربت هذه القصيدة مثل الإعصار في وجدان الشارع العربي معبرة عن خيبة أمل الشعب العربي بقائده المفترض , على إثرها قامت الحكومة المصرية , بمصادرة جميع مؤلفات نزار قباني , كما منع هو شخصياً من دخول مصر … لا بل منعت حتى إذاعة قصيدته التي غنتها أم كلثوم وهي ( أصبح عندي الآن بندقية ) . 

المرة الثانية التي كتب فيها نزار قباني عن عبد الناصر بشكل مباشر كانت في قصيدة ( هوامش على دفتر الهزيمة 1991 ) صحيح أن القصيدة كانت مكتوبة عن هزيمة صدام حسين في حرب الخليج الثانية والتي يفتتحها الشاعر بقوله : 

مضحكةٌ مبكية معارك النضال 

فلا النصال تكسرت على النصال 

ولا الرجال نازلوا الرجال 

ولا رأينا مرةً آشور بانيبال 

فكل ما تبقى لمتحف التاريخ 

أهرام من النعال !!

لكن نزار قباني وهو يحدثنا عن ( هزيمة صدام حسين ) في حرب الخليج , فهو لا ينسى أن يقرنها لنا بمثيلتها ( نكسة عبد الناصر ) حين يقول : 

فى كل عشرين سنة 

يأتى إلينا حاكم بأمره 

ليحبس السماء فى قارورة 

ويأخذ الشمس الى منصة الإعدام 

فى كل عشرين سنة

يأتي إلينا نرجسى عاشق لذاته 

ليدعى بأنه المهدى .. والمنقذ 

والنقى .. والتقى .. والقوى 

والواحد .. والخالد 

ليرهن البلاد والعباد والتراث 

والثروات والأنهار 

والأشجار والثمار 

والذكور والاناث 

والأمواج والبحر 

على طاولة القمار 

فى كل عشرين سنة 

يأتى إلينا رجل مُعَقَّدٌ 

يحمل فى جيوبه أصابع الألغام 

غير أن نزار قباني كشاعر مبدع لافض فوه , لا ينسى وهو يصف لنا النكسة والهزيمة , أن يقرنهما أيضا بوصف لكُتّاب النكسة والهزيمة حين يقول : 

نكذب فى قراءة التاريخ 

نكذب فى قراءة الأخبار 

ونقلب الهزيمة الكبرى 

الى إنتصار

للأدباء عندنا نقابة رسمية 

تشبه فى شكلها 

نقابة الأغنام 

إن رضيَ الكاتب أن يكون مرة .. دجاجة

تعاشر الديوك أو تبيض أو تنام 

فإقرأ على الكتابة السلام 

آخر ما ساقوم به في هذه المقدمة السريعة هو تعريفكم بالمصادر التي إعتمدتها لكتابة هذا الموضوع , وهي أعداد كثيرة من الصحف والمجلات التي تعود الى نفس تاريخ الحرب , كذلك الى كتب كثيرة تتجاوز الخمسين كتاباً لتدقيق الكثير من المعلومات عن الحوادث والشخصيات الواردة في الموضوع . إضافة الى البحث على شبكة الإنترنت .أود الإشارة من بين جميع هذه المصادر الى كتاب ( اليمن _ الحرب المجهولة ) للباحث الأمريكي ( دانا آدمز شميدت ) الكتاب يقع في 316 صفحة من قطع كبير المتوسط , مطابع بودلي هيد , لندن , سيدني , تورنتو , 1968 . وقد تخيرت هذا الكتاب مصدرا رئيسياً لكتابة موضوعي , ليس لأن المصادر الأخرى قاصرة أو ذات عيب , ولكن لأن مؤلف هذا الكتاب شخصية مهمة وعلى إطلاع وثيق بالحروب التي وقعت تلك الفترة في الشرق الأوسط وكما سنرى . 

درس دانا آدمز شميدت في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية , وغادر الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1938 ولم يعد إليها إلا نادراً في الإجازات أو خلال 7 سنوات عمل بها في واشنطون في مكتب التحقيقات الصحفية التابع الى وزارة الخارجية الأمريكية . 

أرسل الى الشرق الأوسط أول مرة عام 1940 حيث تعرف عندها في إسطنبول على صديقته تانيا التي أصبحت زوجته فيما بعد ورافقته في معظم رحلاته والتي أهدى إليها جهده في تأليف كتبه .

خلال فترة عمله كمبعوث في الخارجية الأمريكية عمل مراسلاً لصحيفة نيويورك تايمز من عام 1943 حتى عام 1972 لتغطية أخبار شمال أفريقيا والشرق الأوسط . عام 1963 فاز بجائزة ( أفضل مراسل يتحلى بشجاعة إستثنائية وحضور في موقع الحدث ) .

كان مقر عمله في بيروت ومن هناك أشرف إخبارياً على عدة حروب في الشرق الأوسط منها حرب اليمن التي نحن بصددها في هذا الموضوع وحرب حزيران 1967 , والحرب الكردية في شمال العراق حيث كتب عنها كتابه ( رحلة بين رجال شجعان ) . ذكر فيه أنه حين كان يقيم في بيروت وصله مرسال عتب من الملا مصطفى البرزاني بأن الحرب الكردية قائمة ولكن تغطيتها الإخبارية ضعيفة . 

إعتزازاً ومحبة من دانا آدمز شميدت وحكومته للقائد البرزاني , فقد قام هو بنفسه برحلة الى منطقة كردستان , حيث أجرى لقائين مهمين مع الملا مصطفى , منشورين في هذا الكتاب الذي يصف رحلته كاملة الى مناطق القتال , اللقاء الأول كان عام 1962 أما اللقاء الثاني فكان عام 1963 وسأقوم بترجمة هذين اللقائين في موضوع منفصل .

قام الكاتب البريطاني جيمس موريس بالإطراء على جهود دانا آدمز شميدت في هذا الكتاب

بقوله (( لا يحصل في الوقت الحالي أن نجد مراسلاً أجنبياً بارزاً يُهرِّب نفسه على بغل ليصل الى مناطق نزاعات محرمة ليكتب عن تفاصيل كل شيء في طريقه )) .

أثناء تغطيته تفاصيل حرب اليمن إنقلبت سيارة الجيب التي تقله في رمال اليمن الشمالية فإنكسرت رقبته فنقل الى جدة ومنها الى بيروت مرة أخرى , ومن مستشفاه في بيروت أرسل في اليوم التالي تقريراً الى صحيفة نيويورك تايمز . 

خلال تولي جون فوستر دولس منصب وزير دولة في عهد الرئيس آيزنهاور تم نقل دانا آدمز الى پاريس , فرانكفورت , أثينا , بيروت , القدس , ڤيننا , پراغ , لندن , وإسرائيل لتغطية مهام دبلوماسية في هذه الدول .  

صورة دانا آدمز شميدت الوحيدة الموجودة على الإنترنت منشورة على موقع ويكيپيديا وتجمعه بالرئيس اليمني عبد الله السلال , بينما صورته على غلاف كتاب حرب اليمن فتجمعه بالمقاتلين الملكيين , في الوقت الذي يؤكد بنفسه في كتابه ( رحلة بين رجال شجعان ) الى أنه كان يلتقي بالملا مصطفى البرزاني والحكومة المركزية في بغداد . ولا تدري في اليمن أم العراق , هل مارس عمله الصحفي كمراسل فقط مع الطرفين ؟ أم انه كان يقوم بمهمة دبلوماسية أيضاً ؟

الموضوع المنشور على موقع ويكيپيديا عن حرب اليمن هو تلخيص ( غير أمين ) لكتاب دانا آدمز شميدت عن تلك الحرب , لأن التلخيص يبتر أجزاء من حقيقة المواقف التي كان التصريح بها وقت نشر الكتاب أمراً عادياً , لكن نشرها في الوقت الحالي يعتبر كشفاً لتطورات اللعبة التي لم تزل جارية لحد اليوم في اليمن وعموم الشرق الوسط . 

كان دانا آدمز شميدت بعمر 78 سنة , صحته معتلة , سقط فكسرعدة أضلاع , ومن إختلاطات الحالة وقعت له نوبة قلبية أدت به الى الموت يوم 25 آب 1994 .

فيما يلي من حكايات ألف ليلة وليلة , أبدأ معكم بقصة غريبة عن علاقة نشأت بين الأمير الطفل ( محمد البدر ) وطفل أمريكي بعمره , وكيف تطورت هذه العلاقة بينهما في لاحق الأيام . 

( بروس كوندي دي بوربون ) ضابط في الجيش الأمريكي عمل قائداً لقوات الملكيين أثناء حرب اليمن . ولد بإسم ( بروس چالمرز ) في ( سان خوان كابيسترانو ) في ولاية كاليفورنيا عام 1913 ومنذ طفولته كان يهوى جمع الطوابع .

وهو طفل كان قد كتب إلى الإمام أحمد بن يحيى ملك المملكة المتوكلية في اليمن يسأله عن الطوابع البريدية المحلية لمملكته , فكان أن رد عليه الأمير ( محمد البدر ) ولي العهد الصغير وهكذا بدأت العلاقة بين الرجلين منذ طفولتهما .

بعد دراسة اللغة الاسپانية في جامعة كاليفورنيا إنضم بروس كوندي الى الجيش الأميركي , وخدم أثناء الحرب العالمية الثانية في الوحدات الجوية في شمال أفريقيا , ولولعه بقضايا الجنوب العربي فقد حاول تعلم اليابانية , وذلك لشغف أهل سلطنة عمان بتعلم اليابانية والحديث بها .

بعد خروجه من الجيش ، إنتقل الى بيروت لدراسة اللغة العربية وذلك بمساعدة من ( معهد گوته ) وفي لبنان غيَّر إسم عائلته الى ( كوندي ) وإدعى أنه ينتسب الى عائلة ( دي بوربون ) المالكة الفرنسية التي تم إسقاطها عام 1830. 

تواصلت مراسلاته مع ولي العهد ( محمد البدر ) الذي أصبح شاباً , حيث تلقى منه دعوة لزيارة اليمن وعاش في ( سما ) وتخلى عن جنسيته الأميركية واعتنق الإسلام ثم حصل على جواز السفر والجنسية اليمنية عام 1958. 

أقنع بروس كوندي الإمام أحمد بن يحيى أن اليمن يمكن أن تكسب الكثير من المال من بيع الطوابع البريدية النادرة لهواة جمعها في العالم , وكان المسؤول عن فتح مكتب هواة جمع الطوابع في المملكة المتوكلية اليمنية . 

إتهم بروس كوندي بالتجسس , وطرد من اليمن بعد إلغاء جواز سفره , حيث إدعى أنه أمضى 3 أسابيع في مطار القاهرة قبل أن يتمكن من الوصول الى بيروت ، ليعمل مراسلاً أيضا الى أن تمكن من الحصول على عقد عمل في الشارقة لتأسيس مكتب للبريد فيها .

الحكومة أصدرت له جواز سفر وعاش في الشارقة حتى الإطاحة بمحمد البدر عام 1962 عندها عاد بروس كوندي إلى اليمن لقيادة المرتزقة المجندين مع قوات الملكيين في هذه الحرب , فمنح رتبة جنرال ، وأشرف في الوقت ذاته على بيع الطوابع البريدية لليمن الملكية , وهي طريقة ذكية لتزويد الملكيين ببعض المال الذي يحتاجونه دون أن يعرفوا مصدره الحقيقي . ومنذ هذه الفترة أصبح يطلق على نفسه إسم ( الأمير كوندي الحاج عبد الرحمن يسانس دي بوربون ) ويزعم أن لقب الإمارة منح له من قبل العائلة المالكة اليمنية لشجاعته في الحرب . 

بعد نهاية القتال عام 1970 إنتقل بروس كوندي الى إسبانيا , ثم إنتقل الى المدينة الدولية طنجه عام 1980 وبقي فيها حتى وفاته في 20 آب 1992 . رغم بحثي المكثف ب 4 لغات , في المكتبة ومن على شبكة الإنترنت , إلا أنني لم أعثر له على صورة . 

بعد أن سُمح للملك ( محمد البدر ) ومجموعة من حمايته بالهرب من باب حديقة القصر الخلفية متجهين الى المملكة العربية السعودية , قامت السعودية بنشر قواتها المسلحة على طول الحدود مع اليمن , أما الملك حسين ملك الأردن فقد أرسل وزير دفاعه ليتفاوض مع ( الأمير حسن ) عم الملك محمد البدر .

سفراء من بون ولندن وواشنطون وعَمّان ساندوا البدر , بينما كانت القاهرة وروما وبلغراد قد أبدت الدعم لإنقلاب السلال , أما نكيتا خروشوف فقد أعلن ديباجته التقليدية الشهيرة في مثل هذه المناسبات وهي : إن أي عدوان على اليمن سيعتبر عدواناً على الإتحاد السوفييتي .

لكي تثبت الولايات المتحدة الأمريكية حرصها على عدم إنتشار القتال الى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط , أعطى الرئيس الأمريكي جون كينيدي الأمر الى مصر بسحب قواتها من اليمن , فيما أعطى الأمر الى كل من السعودية والأردن بعدم دعم الملكيين , لكن هذه الدول إشترطت كل منها أن يقوم الطرف الآخر بالتنفيذ أولاً , مع حملة منظمة من الشتائم والإتهامات , وهكذا تعطل قرار الرئيس الأمريكي الذي كان مقرراً له أصلا ًأن يتعطل .

العقيد عبد الله السلال ومن أجل إثبات وجوده , وإثبات إسناده من قبل الإتحاد السوفييتي صرح في تلك الأيام تصريحاً عنترياً قال فيه (( أنا أحذر أمريكا بأنها إن لم تعترف بالجمهورية العربية اليمنية فإنني لن أعترف بها )) .

ورغم أن الإمام أحمد بن يحيى كان قد رفض مرارا ً الإنضمام الى فيدرالية الجنوب العربي , ورغم مواقف إبنه البدر المتقاربة مع مصر ضد المصلحة البريطانية , إلا أن بريطانيا ومن أجل المحافظة على مصالحها في هذا الوضع المحتدم أصرت على دعم الملكيين . 

إذا ساند الملك عبد العزيز الملكيين اليمنيين فمعنى ذلك أن مصر ستضرب السعودية , ولكن طالما أن إشتعال المنطقة سيخدم مصالح الأمريكان , لهذا كتب الرئيس الأمريكي جون كينيدي في العام 1963 رسالة سرية الى الأمير فيصل ولي العهد ورئيس الوزراء قال فيها 

(( ……. ويمكنكم أن تتأكدوا من دعم الولايات المتحدة الكامل للحفاظ على سلامة المملكة العربية السعودية )) .

يوم 19 ديسمبر 1962 إعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة السلال حكومة شرعية في اليمن , وهذا ما سيجلب لهذه الحكومة إعتراف العديد من الدول , ويمنحها المزيد من الحرية للتصرف بشأن عموم اليـمن بإعتبارها ( حكومة شرعية ) .

رد البريطانيون على ذلك بإعلانهم عن ( فيدرالية الجنوب العربي ) بعد شهر من الإعتراف الأمريكي بحكومة السلال , وذلك في 18 كانون الثاني 1963 .

8 شباط قلب الأمريكان نظام الحكم في العراق كرد فعل أول . 8 آذار قلبوا نظام الحكم في سوريا كرد فعل ثاني . ثم بدأ الهتاف عالياً لشعار ( الوحدة الثلاثية ) بين مصر وسوريا والعراق فأصبح ( العرب البريطانيـون ) مثل ( العرب الأمريكيـين ) كـلهم يتغنـون بالوحدة ( ومفيش حد أحسن من حد ) كما تقول العبارة المصرية . 

والآن …. سأبدأ لكم حكاية جديدة من سلسلة حكايات مستنقع حرب اليمن التي لا تنتهي : 

فمثلما كانت القيامة الأمريكية قائمة في الشرق الأوسط لطرد البريطانيين من معاقلهم فيه , فقد كانت القيامة الأمريكية قائمة على الفرنسيين لطردهم من فيتنام , بعد أن كان قد تحقق طردهم من قناة السويس 1956 , ثم من الجزائر في 19 آذار 1962 , مما دفع الفرنسيين والبريطانيين الى الحنق الشديد على ( الحلفاء ) الأمريكان . 

في فيتنام الجنوبية .. قام الأمريكان بقتل وكيلهم الأمريكي الذي نصبوه حاكماً على فيتنام الجنوبية ( نگو دنه دييم ) يوم 1 نوفمبر 1963 لأنه حاد عن الخطة التي وضعوها له وبدأ يعارض في تنفيذ بعض أوامرهم . 

ولا تدري هل كان البريطانيون أم الفرنسيون هم الذين إستغلوا هذه المناسبة للثأر من الأمريكان على كل ما يتكبدونه من خسائر في فيتنام والشرق الأوسط . فبعد 3 أسابيع أي في يوم 22 نوفمبر 1963 قام ( لي أوزوالد ) بإغتيال الرئيس الأمريكي كينيدي في دالاس بإطلاق الأعيرة النارية على موكبه الرئاسي . 

ومن أجل كتم حقيقة الحكاية من أن تعلن على الملأ , فقد تم قتل لي أوزوالد قبل محاكمته , ثم قتل قاتله , وهكذا بقيت الحكاية غامضة الى اليوم , حيث نأمل الكشف عن بعض حقائقها بعد مضي 50 عاما على قتل الرئيس . لكن الحكومة الأمريكية وبعد مقتل كينيدي كانت قد وضعت خططا ً سرية للإنتقام من الفرنسيين والبريطانيين . 

بعد 4 أيام من مقتل كينيدي أي في 26 نوفمبر 1963 وافق الرئيس الأمريكي الجديد ليندون جونسون على خطة سرية لحرب شاملة في فيتنام عرفت بإسم ( إن إس أي إم 273 ) توسعت فيما بعد لضرب كل ما يعادي المصالح الأمريكية في فيتنام حتى لو كان ينطلق من كمبوديا أو لاوس . 

أما فيما يخص ضرب مصالح البريطانيين في الجنوب العربي فقد رأى الأمريكان تحويل القتال الدائر في اليمن , من قتال محدود بين قوات الملكيين وقوات الجمهوريين .. الى قتال شامل بين الجمهوريين الذين تدعمهم ( مصر الأمريكية _ سوفييتية التسليح ) مع كل ما يعادي المصلحة الأمريكية في الجنوب العربي . فكيف يحقق الأمريكان هذه الخطة ؟ 

بمنتهى البساطة حققوا ذلك بتقديم الدعم المباشر الى طرفي النزاع في الجنوب العربي وكالتالي : 

رالف بنچ أول ( أسْوَد ) يحصل على جائزة نوبل في كل تاريخها , وهو أمريكي من أصل أفريقي , تم تكريمه بهذه الجائزة عام 1950 لدوره المميز في ( الوساطة الدولية ) خلال الأربعينات من القرن الماضي , التي أدت الى تقسيم فلسطين وإعلان الدولة العبرية . 

رالف بنچ كان خلال هذه الفترة من الستينات يعمل في الأمم المتحدة مع أمينها العام ( يوثانت ) وقد إحتاجت الولايات المتحدة الى خبرته المميزة في الوساطة الدولية من أجل توسيع القتال في الجنوب العربي تحت مسمى إيجاد حل مناسب لإنهاء هذه الأزمة . 

# بعد عشرين يوماً من إغتيال كينيدي , تمت مهاجمة البريطانيين في عدن يوم 10 ديسمبر 1963 حين توجه المفوض السامي البريطاني في عدن السير كينيدي تريڤاسكيس الى قاعدة ( خورمكسر ) الجوية للسفر , فتم رميه برمانة يدوية , أدت الى قتل إمرأة وجرح خمسين بضمنهم مساعد المفوض السامي , حيث توفي المساعد بعد أيام , وأدى الحادث الى إعلان حالة الطواريء في عدن , ثم أصبح الجنود البريطانيون يتعرضون للهجوم في كل من الضالع ورضفان مما أسفر عن حملة إعتقالات بريطانية واسعة في صفوف المواطنين . 

# يوم 26 ديسمبر 1963 رعى السلال إستعراضا عسكريا كبيرا وخطب فيه متباهياً بصواريخه التي تستطيع ضرب قصور السعودية . وفي أول دخول العام 1964 قامت القوات المصرية بقصف مدينة ( نجران ) داخل الأراضي السعودية فتصعد الموقف للغاية , وبإعتبار السعودية محمية أمريكية هي الأخرى .. لهذا قام الأمريكان الذين إعترفوا بحكومة اليمن الجديدة قبل عدة أيام ,, بالتحليق فوق ( جدة ) لحمايتها , في طلعات إستعراض قوة لتصعيد مظاهر الحرب بين كلا الطرفين . 

# أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية مبعوثها ( إلزورث بونكر ) الى الرياض للتفاهم مع الحكومة السعودية … حيث عرض عليها حماية أمريكية مطلقة وذلك بقيام الطائرات الأمريكية بمهاجمة وتدمير أي جسم غريب يتسلل الى أجواء المملكة السعودية .. ولكن مقابل أن يقوم السعوديون بوقف دعمهم للملكيين اليمنيين .. حتى تتمكن الولايات المتحدة من الضغط على عبد الناصر من أجل أن يسحب قواته الموالية للجمهوريين من اليمن . 

# من الطرف الآخر من المفاوضات كان ( رالف بنچ ) قد أخذ تعهداً من ( عبد الحكيم عامر ) و ( عبد الناصر ) بسحب 18 ألف جندي مصري وترك ( الخبراء ) فقط في اليمن مقابل أن توقف الأردن والسعودية الدعم للملكيين . 

# عاد إلزورث بونكر الى السعوديين وسألهم عن موقفهم النهائي من هذه العملية , وهل سيكونون راضين أو مرتاحين لما سيقوله عنهم العالم وعموم المسلمين .. بأنهم تخلوا عن إخوانهم الملكيين اليمنيين من أجل أن يحافظوا على سلامة أنفسهم تحت الحماية الأمريكية الجوية المطلقة ؟ فكان رد السعوديين أنهم لن يكونوا مرتاحين لهذه النتيجة .. وعليه يجب على الأمريكان تزويدهم بالدعم والسلاح الكافي ليتمكنوا هم من حماية أنفسهم

# خلال هذه الفترة كان رالف بنچ وبإشراف الأمم المتحدة وأمينها العام يوثانت قد خطط لشريط عازل بين قوات الملكيين والجمهوريين على طول الحدود السعودية اليمنية , وخطط لبعثة محققين ومراقبين دولية بإشراف الأمم المتحدة تبقى مرابطة على طول الشريط العازل .. إضافة الى غيرها من المقررات الدولية . 

# بوفاة الملك عبد العزيز عام 1964 أصبح الأمير فيصل ملكا ً , رغم أن عبد الناصر والملك فيصل كانا قد إلتقيا في مصر والسعودية عدة مرات خلال عامي 64 – 1965 ورغم أن وفداً من الملكيين اليمنيين كان قد إلتقى بوفد من الجمهوريين في السودان شهر تشرين الثاني 1964 إلا أن هذه اللقاءات كانت شكلية .. ومخطط لها مسبقاً لكي تفشل . 

# بعد أن تسلمت السعودية الوعد بالدعم الأمريكي الموعود .. أعلنت أنها لن تقبل أن يترك المصريون وراءهم ( أي خبراء ) عند إنسحابهم من اليمن .. فكان الرد المصري بأن مصر وبناءاً على كل المتغيرات فليس لها أي رغبة أو نية بالإنسحاب من اليمن .

# مسؤول بعثة الأمم المتحدة للمراقبين في اليمن ومن أجل الإعلان عن فشل مهمته كان قد قدم إستقالته الى الأمين العام للأمم المتحدة فتم سحب فريق الأمم المتحدة من المنطقة . 

وبهذا نجحت الولايات المتحدة الأمريكية وبكل حسن نية في دعم طرفي القتال من أجل توسيع الحرب . 

تم إعداد معسكر الملكيين في هذه الحرب بالخطوات التالية :

1 تعاهد أمراء بيت ( حميد الدين ) الموجودون في أي مكان من العالم على العمل جميعاً من أجل عودتهم الى الحكم . 

2 أمدتهم الحكومة السعودية بما قيمته 15 مليون دولار من المعدات العسكرية وزودتهم بمحطة راديو .

3 وصل الضابط الأمريكي ( بروس كوندي ) من الشارقة للقيام بقيادة قواتهم أثناء الحرب وبمعرفته إستأجر لهم ( ضباط ) مرتزقة من فرنسا وبلجيكا وبريطانيا من الذين يملكون خبرات قتالية عالية تحصلوا عليها أثناء مشاركتهم في حروب : روديسيا , ماليزيا , إندونيسيا , فيتنام , والجزائر . 

4 تم شراء جيش من الجنود المرتزقة من الباكستان , أغلبهم من البلوش الأشداء العاطلين عن العمل والذين يرون أن هذه الحرب فرصة لكسب بعض المال .

5 قطعات من الحرس الملكي السعودي تطوعت أيضا للقتال الى جانب الملكيين . 

6 شاه إيران زود الملكيين بالسلاح تحت مسمى كونهم ( شيعة ) ويحتاجون الى دعمه كزعيم شيعي . 

7 البريطانيون كانوا يرسلون الدعم العسكري ليلاً الى الملكيين عن طريق قوافل تتسلل إليهم من إمارة بيحان التي كانت قد إنضمت الى ( فيدرالية الجنوب العربي ) . كما قامت المخابرات البريطانية بتأمين قوة طيران ومعدات عسكرية جوية بقيمة 400 مليون دولار منحت الى المملكة العربية السعودية في قاعدة ( خميس مشيط ) الجوية قرب مدينة جيزان . 

8 كمية الدعم التي كانت مباحثات ( إلزورث بونكر ) قد وعدت بها السعوديين في وقت سابق , كانت قد جعلت إدارة الرئيس الأمريكي ( ليندون جونسون ) تشارك في هذه الإستعدادات في العام 1965 بفريق جهد عسكري هندسي وصل الى قاعدة ( الظهران ) يعمل على إدامة المطارات السعودية والقوة الجوية , ثم رصدت تلك الإدارة عام 1966 ما قيمته 100 مليون دولار على شكل وسائط نقل عسكرية . 

9 ليتمكن الملك فيصل من إسباغ الشرعية على القتال كان قد دعا الى ( مؤتمر إسلامي ) تشارك فيه الدول الإسلامية لمعاضدته ضد ( الإشتراكية الناصرية ) .

10 تمكنت حكومة السعودية من تجنيد الآلاف من رجال قبائل الخط الحدودي مع اليمن لأجل المحاربة الى جانب الملكيين حيث قام المرتزقة ضباط بروس كوندي الأوربيون بتدريب القبليين على حرب العصابات وإستعمال الأسلحة المضادة للدبابات والدروع .

من الجانب المصري , لم يكن هناك غير عبد الناصر والى جانبه في قيادة الحرب ( المشير عبد الحكيم عامر ) وعلى أرض اليمن هناك العقيد عبد الله السلال , التسليح كان سوفييتيا , أعداد القوات اليمنية الحكومية كانت محدودة , أضف الى ذلك أن أفراد الجيش اليمني يقدمون ولاءهم العشائري أو القبلي على ولائهم للدولة , ومن أجل رفع كفاءة هذا الجيش , سارعت الكلية العسكرية العراقية والكلية الحربية في مصر الى تخريج دورات مكثفة من الضباط اليمنيين للمساهمة في القتال . قامت موسكو بتطوير مطار ( الروضة ) العسكري قرب صنعاء كما قامت بقبول المئات من الضباط المصريين لتخريجهم كطيارين لهذه الحرب . سوريا والعراق وعبد الناصر يعول على مشاركة جيشيهما في القتال , كانت قد ألهيت كل منهما بوضعها الخاص ولذلك لم يكن لدى القيادة المصرية خيار غير إرسال شباب مصر الى هذه المحرقة . 

نهاية التسعينات من القرن الماضي إعترفت الحكومة الإسرائيلية بأنها كانت تشارك في هذه الحرب بطلعات جوية تنطلق من إسرائيل محاذية لسواحل البحر الأحمر السعودية ثم تقصف القوات المصرية واليمنية , وتغادر الى ( الصومال الفرنسية ) التي أصبح إسمها فيما بعد جيبوتي . حيث تتزود بالوقود وتواصل العودة على نفس الطريق . 

منذ العام 1963 تم إستخدام السلاح الكيمياوي في هذه الحرب القذرة , وتبادلت كل الأطراف إتهام بعضها بإستخدامه , أما عند إستخدام النابالم , فقد إدعت گولدا مائير وكانت وقتها وزيرة لخارجية إسرائيل بأن القوات المصرية هي التي إستخدمت النابالم , وأوضحت أن عبد الناصر لن يتوانى عن إستعماله ضد إسرائيل .. فيما واجه عبد الناصر مثل هذه الأقوال بأنها دعايات حرب إمبريالية معادية له . لكن دانا آدمز شميدت في كتابه ( حرب اليمن المجهولة ) يؤكد أن مصر هي التي كانت تستخدم هذه الأسلحة ويبدي أشد الإستغراب لأن الأمم المتحدة ولجان مراقبتها لم تكن توثق هذه الحوادث أو ترفع بها شكاوى دولية .. والسبب معروف طبعاً . 

بحلول العام 1965 كانت ديون مصر الخارجية 3 مليار دولار وهذا المبلغ يعد كبيراً جدا ً بالنسبة الى إقتصاديات تلك السنوات . العجز بين الصادرات والواردات يقدر بنصف مليار دولار للعام 1965 وحده لهذا رفعت الحكومة المصرية الضرائب على الشعب وفرضت ضريبة جديدة لدعم المعركة على كل المبيعات . 

في آذار 1966 شنت القوات المصرية أكبر وأعنف هجوم لها في تاريخ هذه الحرب , وفي أيام هذا الهجوم , 13 نيسان 1966 تعرض الرئيس العراقي عبد السلام عارف الى حادث الطائرة الذي لم يزل غامضاً لحد اليوم والذي أودى بحياته , وهذا ما يعزز الظن بأنه قتل , وأن حادث الطائرة لم يكن حادثا ًعرضياً . مشاركة الجيش العراقي في هذه الحرب كانت ستحسمها الى جانب الجمهوريين , في الوقت الذي يراد فيه للحرب أن تدوم ولا تحسم أو تتوقف .

في خطاب عيد العمال 1 / 5 / 1966 قال عبد الناصر بأن الحرب في اليمن قد دخلت مرحلة جديدة لذلك أعلن عن خطة طويلة النفس أو خطة ( صبورة ) تتضمن تخفيض الجيش من 70 ألف الى 40 ألف مقاتل , وتقلص مهام الجيش المصري في اليمن الى التواجد في منطقتين : 

* الشريط الساحلي للبحر الأحمر المقابل لمدينتي : حجّا , وصنعاء . 

* الحدود مع فيدرالية الجنوب العربي التي يتواجد فيها البريطانيون .

كما أصر عبد الناصر على مواصلة قصف ومهاجمة مدينتي نجران وجيزان السعوديتين بإدعائه أنهما مدينتان يمنيتان إستحوذت عليهما السعودية في إتفاقية الطائف لترسيم الحدود عام 1930 . 

بوصولنا الى هذه النقطة من عام 1966 فقد قام السكرتير المساعد لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في الحكومة الأمريكية بالوصول الى المنطقة للقيام بمباحثات مع ناصر وفيصل . 

عند لقاء المبعوث الأمريكي في الإسكندرية بالجانب المصري , رفض عبد الناصر سحب قواته على الرغم من تهديده بخسارة 150 مليون دولار أمريكية على شكل مساعدات مقدمة من برنامج الغذاء العالمي و 100 مليون أخرى مخصصة للتطوير الصناعي . 

ألكسي كوسيگن رئيس وزراء الإتحاد السوفييتي نصح عبد الناصر بعدم خسران المساعدات الأمريكية لأنه لن يتمكن من تقديم العون البديل , لكنه حذر عبد الناصر من أن تشديد القتال على الجبهة السعودية سيؤدي الى عواقب وخيمة على كل منطقة الشرق الأوسط . وبسبب تهدئة عبد الناصر القتال على الجبهة السعودية .. ظهرت الى السطح خلافات حادة بين ضباط القيادة الجمهورية اليمنية جعلت السلال يلقى القبض على البعض من ضباطه ويحكم بإعدامهم متهماً إياهم بمحاولة قتله بدعم من السعودية .

منذ العام 1964 كانت بريطانيا قد أعلنت نيتها منح مستعمرة عدن إستقلالها في حدود عام 1968 على أن تبقى القوات البريطانية في عدن لحفظ الأمن بسبب القتال المحتدم الذي صار يقع بين الأحزاب الشيوعية التي أسسها الأمريكان في المستعمرة .. وكان عاملان يؤديان الى تأجيج القتال بين هذه الأحزاب : 

# تحالف عبد الناصر مع بعض هذه الأحزاب .. وتغيير تحالفاته معها في كل مرة مما سيجعلها تتصارع فيما بينها سعياً للفوز بمساعداته المالية وأسلحته . 

# بوادر الإنشقاق الشيوعي السوفييتي الصيني التي أصبحت واضحة خلال هذه الفترة , ولذلك فما أن مد الإتحاد السوفييتي يد المساعدة لبعض هذه الأحزاب حتى قامت الصين بمد يد المساعدة الى الأحزاب المقابلة كبادرة لإثبات وجودها في هذا النزاع . 

بالمحصلة .. كانت هذه الأحزاب تقاتل البريطانيين وتتقاتل فيما بينها بما أوقع بين صفوفها أكبر الخسائر وحوّل فيدرالية الجنوب العربي الى جحيم . 

بحلول عام 1967 وصل العنف من أطراف فيدرالية الجنوب العربي الى عدن نفسها وكان على أشده في الحي العربي القديم ( كريتر ) . من أجل وقف تهريب السلاح الى كريتر من قبل الأحزاب الشيوعية التي تدعمها مصر والصين والإتحاد السوفييتي , فقد قامت بريطانيا بنشر دوريـاتها على الطرقات داخل المدينة , أما خارج المدينـة فقد نشرت خطا عازلا ًعرف بإسم ( شريط سكربر ) وهو على إسم الضابط برتبة رائد الذي صممه ويدعى ( الميجور ستيوارت ريتشاردسون سكربر ) . 

ورغم كل هذه التعزيزات إلا أن البريطانيين أخفقوا في منع تهريب القنابل اليدوية الى المنطقة .وكان وضع البريطانيين قاسياً وصعباً خلال تلك الفترة .. وكان يتم إختطاف جنودهم وقتلهم في حرب عصابات عامة وشاملة وقعت في عدن , إضافة الى أن عبد الناصر كان قد صرح في شباط 1967 أن ليس له نية بالإنسحاب من اليمن حتى ولو بعد 20 سنة , فرد عليه الأمير اليمني الحسين بن أحمد بأن الملكيين قد إستعدوا لقتال ناصر مدة 50 سنة مقبلة , تماماً مثلما كانوا يقاتلون العثمانيين .

في ظل هذه الأوضاع تفاهم البريطانيون مع الأمريكان على الإنسحاب الكامل من عدن , وحين وصلت الأمور الى هذه النقطة , إنتهى دور عبد الناصر في اليمن وكان ينبغي إخراجه منها بما لا يرتب له أية حقوق مقابل الخدمات التي بذلها أو التضحيات التي قدمها الشعب المصري في هذه الحرب الخاسرة عربياً , والتي قتل المصريون فيها أنفسهم لأجل أن تبدل اليمن مستعمراً بمستعمر . لهذا الغرض , وفي نفس الوقت من أجل حماية إسرائيل ومنحها القدرة على بعض التوسع الذي لم يكن ممكناً أثناء مباحثات تقسيم فلسطين عام 1947 .. وقعت حرب حزيران 1967 وكالتالي :

كانت إسرائيل تحلم بوضع يدها على مرتفعات الجولان السورية التي ينبع منها نهر الأردن وبحيرة طبرية , ولهذا الغرض فقد قامت بزرع جاسوسها إليا كوهين في قلب الحكومة السورية تحت إسم ( كمال أمين ثابت ) الذي كان الرجل الثالث في الحكومة السورية والمرشح لأن يصبح وزير دفاعها , ليحقق لإسرائيل هذا الحلم . 

وسط أجواء الرغبة في إشعال حرب _ التي تقبل كل الإحتمالات .. لا تدري مخابرات أي دولة أعطت الحكومة السورية سر هذا الرجل , فقام خبير روسي بتعقب إتصالاته الى أن تم إمساكه بالجرم المشهود وهو يتخابر مع إسرائيل , فحكم عليه بالإعدام شنقاً ونفذ الحكم يوم 18 مايس 1965 .

تصعد التوتر الى أعلى مدياته بين سوريا وإسرائيل , ولأن ( الحرب الباردة ) بين المعسكر الغربي والإتحاد السوفييتي , هي نسخة طبق الأصل من ( الحرب على الإرهاب ) التي تقع اليوم , حيث معنى كلتا الحربين هو (( عداوة ظاهراً .. وغرام الى حد الهيام باطناً )) وبسبب كون سوريا كانت موقعة على إتفاقية دفاع مشترك مع مصر .. لذلك ساعد الإتحاد السوفييتي على إشعال حرب حزيران بتسريب خبر الى عبد الناصر بأن إسرائيل تحشد على الجبهة السورية , فما كان من عبد الناصر الذي ما زال في معمعة حرب اليمن , إلا إقفال مضائق جزيرتي تيران وصنافير بوجه الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر للضغط على الدولة العبرية لفك إشتباكها المحتمل مع سوريا لكن إسرائيل عوضاً عن فك الإشتباك قامت بمهاجمة كل العرب . 

حرب الأيام الستة إندلعت يوم 5 حزيران 1967 , وخلال يومين أو ثلاثة إحتلت فيها إسرائيل صحراء سيناء المصرية والضفة الغربية الأردنية وجزيرتي تيران وصنافير السعوديتين .. وحين أعلنت الهدنة , خرقها الإسرائيليون وصعدوا وإحتلوا مرتفعات الجولان السورية التي ينبع منها نهر الأردن . كانت خيبة أمل العرب كبيرة لهذه الإنكسارات العسكرية التي كانوا يتوقعون عوضا عنها .. إلقاء اليهود في البحر كما وعدهم قادتهم الجدد الذين يجاهرون بمعاداة الإمبريالية .

هنا سيأتي دور الإخوان المسلمين في مصر … فالخوف من أن الإنكسار العسكري سيدفع قادة العرب الذين فقدوا ثقتهم بالغرب الى أحضان الإتحاد السوفييتي .. جعل تنظيمات الإخوان المسلمين في القاهرة تندفع يوم 9 حزيران 1967 الى السفارة السوفييتية في القاهرة وتقوم بإحراقها … في رسالتين : واحدة ظاهرة والثانية باطنة . أما الظاهرة فهي إتهام الإتحاد السوفييتي بأنه المسؤول عن نكسة حزيران وهذا تبرير يقدم للمواطن العربي في كل مكان . أما الباطنة وهي الأهم فهي الرسالة الموجهة الى الحكام العرب وأولهم عبد الناصر والتي تقول : إن الإرتماء في أحضان الإتحاد السوفييتي نتيجة لهذه النكسة غير مقبول ولن تقف الأحزاب الإسلامية أمامه مكتوفة الأيدي . على الفور … إستقال عبد الناصر في خطابه الباكي .. فبعد أن خسر الحرب , ها هم الإسلاميون يسحبون من يده حتى ورقة المناورة . طبعا , لم تقبل إستقالته .. لكن بقاءه في السلطة مكتوف اليد .. أدى الى إنكسارات نفسية في الشارع العربي وشعور عميق ممض بالهزيمة أكبر وقعاً من وقع الحرب نفسها . 

خسرت مصر في حرب حزيران 15 ألف جندي , وكانت تخسر إسبوعيا ًما قيمته 5 مليون دولار نتيجة إقفال قناة السويس , فأصبحت أوضاعها الداخلية بمنتهى القتامة , ولم يعد أي نصر ستحققه في اليمن كافياً ليغسل عار النكسة الذي منيت به سياسة عبد الناصر , لهذا سحبت من اليمن هذا العدد من الجنود وقامت بتوزيعه على جبهتها مع إسرائيل . 

شهر آب 1967 عقد إجتماع في الخرطوم أعلنت فيه مصر أنها جاهزة لإنهاء قتالها في اليمن , فيما أعلن وزير الخارجية المصري محمود رياض أن مصر والسعودية ستعيدان العمل بإتفاقية جدة الموقعة بينهما عام 1965 ووافقت السعودية على ذلك . ولأن مصلحة الأمريكان هي التي تتطلب الآن إنهاء الحرب , فلعلكم ستستغربون حين تعرفون أن الملك محمد البدر , وبعد كل هذا القتال الضاري , يعلن في هذا الإجتماع بأنه سيضم جيشه الى جيش مصر من أجل مقاتلة إسرائيل .

وقّع ناصر مع فيصل معاهدة يسحب بموجبها 20 ألف مقاتل مصري من اليمن مقابل أن يكف فيصل التحرش بالسلال , وتكون 3 دول عربية محايدة هي الرقيب على تنفيذ ذلك .

يوم 30 تشرين الأول 1967 غادر البريطانيون مستعمرة عدن بنقلهم بواسطة سلاح الجو والبحر البريطانيين . البحرية البريطانية التي كان جنودها أول من دخل عدن عام 1839 كانوا هم آخر من غادر عدن بصحبة المهندس الملكي الذي يقوم بقيادتهم .

إتهم العقيد عبد الله السلال عبد الناصر بأنه باعه مقابل الفوز بالدعم العربي المالي الذي ستقدمه له كل من السعودية والكويت وليبيا لترميم صدوع مصر بسبب هذه الحرب , عندها بدأت المحاولات الإنقلابية تحيق بالسلال من كل جانب , وكانت آخرها التي وقعت في 5 تشرين الثاني 1967 أي بعد خمسة أيام من إنسحاب البريطانيين من عدن , حيث تم إحتلال القصر الرئاسي والإطاحة بالسلال الذي إضطر لطلب اللجوء في بغداد , فمنحته حكومة عبد الرحمن عارف اللجوء السياسي ومنحته داراً للسكن وراتب 500 دينار شهرياً

تسلم القاضي عبد الرحمن الإرياني حكم اليمن من الرئيس عبد الناصر , بحكم أن اليمن كانت مرتبطة لحد الآن بإتحاد ( كونفدرالي ) مع مصر وكانت حكومة ضعيفة تسودها الإنشقاقات . كما إستمرت المناوشات القتالية بينها وبين بقايا الملكيين والذي إستمر حتى عام 1970 . 

وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر يوم 28 أيلول عام 1970 كان نقطة مفصلية في تاريخ حرب اليمن فبعد حوالي شهرين من ذلك تم البت في أمر كونفدرالية الجنوب العربي التي كانت قد إستقلت عن بريطانيا منذ 30 تشرين الأول 1967 .

حرب ظفار الأمريكيه لإخراج البريطانيين من سلطنة عمان كانت في أوجها ولهذا كان الأمريكان بحاجه الى الشيوعيه لإسناد هذه الحرب , ولهذا ففي 30 تشرين الأول 1970 تم التوقيع مع الأحزاب الشيوعية اليمنية الموالية للإتحاد السوفييتي لتأسيس حكومة ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) وعاصمتها عدن , وقامت على الفور بتوثيق علاقاتها مع الإتحاد السوفييتي .. وظلت هذه الحكومة قائمة حتى هدم جدار برلين وتوحيد الألمانيتين .. عندها تم حل هذه الحكومه .. وتم توحيد شطر اليمن الجنوبي مع اليمن الشمالي وعاصمته صنعاء . 

في نفس العام 1970 قامت المملكة العربية السعودية بالإعتراف بحكومة اليمن الشمالية وأوقفت دعمها للملكيين بالكامل . وفي العام 1971 إلتقى الرئيس المصري أنور السادات بالملك فيصل ليتفقا على إنهاء أي وجود لهما في اليمن مقابل أن تحل مصر إتحادها الكونفدرالي مع اليمن الشمالية . وهكذا , فبعد أن حققت جميع الأطراف مصلحة الولايات المتحدة بإخراج البريطانيين من عدن والجنوب العربي .. تخلى الجميع وبأسلوب ( جنتلمان ) عن اليمنيين تاركينهم يواجهون مصيرهم الغامض بأنفسهم . 

مشاكل اليمن بين الجنوبيين والشماليين , وإستفحال تنظيمات القاعدة , ومشكل الحوثيين , وتخلف البلد , ودكتاتورية السلطة الحاكمة , والصراعات القبلية , كلها مستقرات آسنة لمياه ذلك المستنقع التي طال زمان ركودها , فأصبحت مستقراً خصباً لمختلف أنواع الأشنات والطحالب والسپايروجيرا والكائنات الهلامية التي لاتعيش إلا في المياه القذرة .

لن نسأل عن أين المجتمع الدولي من هذه الكارثة الإنسانية , فالمجتمع الدولي مجرم كبير مدجج بالقانون الذي يحمي مصالحه هو فقط . كما لن نسأل عن الحاكم العربي .. فهو إن لم يكن عميلاً لقتله أقرب الناس إليه . لكننا نسأل عن حلقات أصغر من هذا .. أين هي الجامعة العربية من هذه المحنة الإنسانية ؟ في وعلى ماذا تتباحث قممها ؟ فكما يقول المثل لا طلنا بلح غزة ولا أكلنا عنب اليمن .. على ماذا تتباحثون حين تلتقون في ( شرم ) ؟ واهبلتكم أمهاتكم كما يقول الشاعر المبدع مظفر النواب وهو يستعرض مخازي القمم العربية التي تنعقد لتسلية الحاكم والمسؤول العربي والترفيه عنه , وليس لتدارس قضايا هذه الأمة التي أصبحت بسبب طول إهمالها مستعصية العلاج .  ميسون البياتي – مفكر حر؟

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

حرب ظفار‎

يقال : ( العبرة بالخواتيم ) وهي مقولة صحيحة تماماً يمكن تطبيقها في دراسة تواريخ العالم , فالخطط التي تضعها القوى العظمى للسيطرة على العالم , تكون غير واضحة ولا معلنة في بدايتها , لكن صورة تلك الخطط تصبح واضحة ومتكاملة فيما بعد , ولهذا فنحن أبناء العالم المغلوب على أمره , يكون من واجبنا إعادة فتح ملفات تواريخنا , وتقييم مفاهيم سابقة كنا نتداولها .. ليس بناءاً على ما كنا نعرفه عنها سابقاً .. ولكن بناءاً على الواقع الذي يتكشف اليوم , وربما غداً أو بعد غد .

أكذوبة ( الحرب الباردة ) بين المعسكر الغربي والشيوعية العالمية .. نسخة طبق الأصل عن أكذوبة ( الحرب على الإرهاب ) لا توجد حرب ولا هم يحزنون .. وكل ما هنالك بعض الفعاليات العسكرية التي يتخادم فيها الطرفان بغية تحقيق مصالحهما . ومن الجدير بالملاحظة أن وكالة المخابرات المركزية كانت قد صنعت الكثير من الزعماء الإشتراكيين أو الشيوعيين حول العالم من أمثال سوكارنو وعبد الناصر وكاسترو , كما أن أهم التجارب الشيوعية التي أسستها وكالة المخابرات المركزية في العالم هي تجربة تيتو في يوغسلافيا , وتجربة ماو في الصين , وتجربة هوشي منه في فيتنام . ومثلما تصادم تيتو مع الإتحاد السوفييتي وأعلن يوغسلافيا دولة لا شرقية ولا غربية .. كذلك فعل ماو بعد وفاة ستالين بتصادمه مع نكيتا خروشوف , وحصول الإنشقاق الشيوعي الصيني السوفييتي , الذي أتاح للولايات المتحدة أن تقاتل الأحزاب الشيوعية الماوية مع اللنينية من أجل تحقيق غايات أمريكية لا علاقة لها لا بمصلحة تلك الأحزاب .. ولا بمصلحة الدول التي يتقاتلون على أراضيها .. فكان لذلك نتائج كارثية شهدناها في أفغانستان وايران والصومال .

تم تجنيد ماوتسي تونغ , وهوشي منه في باريس , حيث كان هوشي منه يعمل كناس شوارع وينتمي الى الحزب الشيوعي الفرنسي وقد تم تنظيمه لمقاتلة الفرنسيين وإخراجهم من فيتنام , بينما كان ماوتسي تونغ يعمل غسال صحون في مطعم صغير في الحي الصيني بباريس هارباً من أب متسلط وزواج أول فاشل .

حين إندلعت الثورة الشيوعية في الصين , كانت متزامنة تقريباً مع ثورة المسلمين في الهند التي أججها الأمريكان لتقاسم الهند مع البريطانيين بحجة الخلاف الديني الهندوسي الإسلامي , وكان من نتيجة ذلك تقسيم الهند الى ( بنغلاديش + هند + باكستان ) . أما الثورة الشيوعية في الصين فقد أفلحت في طرد البريطانيين من الصين لعيون الأمريكان , فيما هرب ( شان كاي شيك ) زعيم حزب القومندان الى فرموزا وأعلن فيها دولة مستقلة , لو كان الأمر بيد ماو تسي تونغ لعبر الشيوعيون الصينيون الى فرموزا سباحة من أجل إسقاطها .. لكن الموازنات الأمريكية رأت غير ذلك , فقد تم الإعتراف بنظام فرموزا من قبل الأمم المتحدة التي أسسها الأمريكان والبريطانيون وتعمل بقانونهم هم …. فيما أجبر الأمريكان البريطانيين لاحقاً على الإعتراف بجمهورية الصين الشيوعية , وضمها الى الأمم المتحدة .. مقايضة .. في مقابل دخول بريطانيا الى الإتحاد الأوربي .

وفيما يخص موضوعنا عن سلطنة عمان , فمثلما كانت اليمن ضحية الصراعات الشيوعية بتفاعلها مع أنظمة ربيبة للأمريكان في المنطقة كالسعودية وجمهورية مصر والباكستان , وكانت الثمرة التي حصلت عليها الشيوعية هي إعلان اليمن الجنوبي دولة شيوعية عند نهاية الحرب , فكذلك سيحصل شيء شبيه في العالم بعد حوالي ربع قرن من نهاية حرب ظفار التي وقعت في سلطنة عمان وهي حرب غير معلنة لكنها حرب ضروس بين الأمريكان والشيوعية الماوية واللينينية من جهة _ والعمانيين ومعهم بريطانيا من جهة أخرى .. نتج عنها تقطيع أوصال السلطنة .

كانت سلطنة عمان تتكون من 3 أجزاء :

# ( مسقط وعمان ) في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية .

# ( گوادَر ) الواقعة اليوم جنوب باكستان والمطلة على بحر العرب وخليج عمان .

# ( زنجبار ) وتضم جزيرة زنجبار وجزيرة ﭘيمبا والساحل الأفريقي المحاذي لهاتين الجزيرتين .

تعتبر منطقة الوطيّة في حاكمية مسقط من أقدم المستوطنات البشرية في منطقة جنوب شرق الجزيرة

العربية ويعود تاريخها الى 5 آلاف سنة في القدم حيث عثر الآثاريون على مخلفات تعود الى العصر الحجري .

وموخراً تم العثور على لقى تشير الى وجود الحياة في المنطقة منذ 7615 قبل الميلاد , كما عثر على إسم عمان في الأختام السومرية وكانت تدعى وقتها ( مجان ) ومن أسماء عمان ( مزون ) المأخوذ من المزنة وهي المطر المفاجيء الكثيف .

منذ القرن السادس قبل الميلاد وحتى مجيء الإسلام في القرن السابع الميلادي كانت عمان تحت السيطرة المباشرة أو غير المباشرة للسلالات الفارسية الحاكمة من أخمينيين وبارثيين وساسانيين .

الأخمينيون ومنذ القرن السادس قبل الميلاد سيطروا على عمان من الساحل وحتى مدينة صحار , وفي حدود 250 ق. م قام البارثيون بوضع الخليج العربي كله تحت سيطرتهم ومدوا نفوذهم الى عمان , ولأنهم كانوا يريدون السيطرة على الخليج بالكامل فقد قاموا بوضع حامية عسكرية لهم في عمان . أما في القرن الثالث بعد الميلاد فإن الساسانيين كانوا هم من سيطر على المنطقة حتى ظهور الإسلام بعد ذلك بأربعة قرون .

حين ظهر الإسلام فإنه وصل الى عمان في حياة النبي محمد نفسه , عمرو بن العاص كان قد زار عمان وإلتقى ب ( جيفر ) و ( عبد ) حاكمي عمان ذلك الوقت لدعوتهما الى الدين الجديد , فدخل العمانيون منذ ذلك الوقت في الإسلام بشكل طوعي .

أغلب مسلمي عمان هم من الأباظية , والأباظية فرقة من الخوارج , والخوارج يختلفون عن الشيعة في عدة نقاط لعل من أهمها هي موقفهم المتباين من مسألة الخروج على حاكم ظالم . ففي حين يرى الشيعة أن ليس من المستحب الخروج على حاكم ظالم حين يكون الشيعي عارفاً بأن عدته أو عدده غير كافيين , وعليه المسايرة وإظهار الطاعة باللسان , والعصيان في القلب الذي نشأ عنه مبدأ التقية عند الشيعة والذي تسبب في كثير من العقائد الباطنية , الخوارج لهم موقف مغاير تماما ً لأنهم يحبذون الخروج على الحاكم الظالم حتى لو كان الخارج شخصاً بمفرده . وخلال السنوات الأولى من عمر الدولة الإسلامية لعب العمانيون أدوارأ مهمة في حروب الردة , وحرب فتح العراق , وفتح بلاد فارس أما في القرون المتأخرة فقد كان للعمانيين دور مهم في نشر الإسلام في شرق أفريقيا ووسطها .

ولأن العمانيين بحارة مهرة , فقد ساهم وصولهم الى الصين واليابان وجنوب شرق آسيا في نشر الإسلام في أغلب تلك الأصقاع .

وقعت عمان تحت حكم دول متعددة وكالتالي :

# حكمها الأمويون بين عامي 661 حتى 750 .

# حكمها العباسيون بين عامي 750 حتى 931 .

# حكمها القرامطة بين عامي 931 حتى أسقطهم العباسيون في 934 وعادوا لحكم عمان حتى 967 .

# حكمها البويهيون بين عامي 967 حتى عام 1053 .

# حكمها السلاجقة بين عامي 1053 وحتى 1154 .

إحتل البرتغاليون مسقط مدة 140 عام من تاريخ 1508 والى 1648 , وصلوا إليها بعد عقد واحد من إكتشاف ﭭاسكو دي گاما للطريق البحري الذي يربط أوربا بالهند عن طريق رأس الرجاء الصالح . ومن أجل حماية هذا الطريق بنوا القلاع العالية في مسقط التي تطل على البحر والتي ما زال بعضها شاخصاً حتى اليوم . قامت القبائل العمانية وبمساعدة بريطانيا بقتال البرتغاليين وطردتهم خارج البلاد في حدود عام 1741 , أعقب ذلك غزو عمان من قبل الفرس , حين دحر العمانيون الغزو , وقَّعت عمان مع البريطانيين معاهدة صداقة عام 1798 ثم تحولت هذه المعاهدة للصداقة الى معاهدة وصاية في العام1891 .

في حدود عام 1690 قام إمام عمان ( سيف بن سلطان ) بالهجوم على الحصن الذي يتخذ منه البرتغاليون مقراً لحاميتهم في ( مومباسا ) وبعد حصارها لمدة عامين سقطت بيد العمانيين في حدود عام 1698 حين سيطر العمانيون على مقر الحامية تمكنوا من طرد البرتغاليين من ( زنجبار ) وجميع المناطق الساحلية من موزمبيق , طبعا ً بمعاونة البريطانيين .

كانت زنجبار سوق نخاسة يباع فيها العبيد من شرق أفريقيا , وقد إتخذ منها السلطان ( سعيد بن سلطان ) مقراً له ولقصره السلطاني منذ العام 1837 . ومن أجل حل النزاع بين ولدي هذا السلطان أشار عليه البريطانيون بفصلهما عن بعضهما , فقام بتوليه إبنه ( ماجد ) على زنجبار , فيما عين إبنه ( ثويني ) حاكماً على مسقط وعمان .

في أيام الفتوحات الإسلامية وصلت قوات محمد القاسم الى مدينة گوادَر الواقعة على الساحل الثاني من خليج عمان وإحتلتها عام 711 هجري , لكن المدينة وهي عبارة عن لسان بري يندفع عميقا في عرض البحر لتصبح ميناءاً طبيعيا ً مهماً , كانت عرضه لأطماع قوى عديدة كانت حاكمة في السابق , فقد تنازع عليها المغول والصفويون , الى أن وضع البرتغاليون يدهم عليها عام 1581 ميلادي فقاموا بتسليب أهلها ثم أحرقوها بالكامل .

كتب عنها الأدميرال العثماني ( سيدي علي ريس ) في كتابه ( مرآة الممالك ) أن أهل مدينة گوادَر هم من البلوش , وأن حاكمهم كان ( مالك جلال الدين ) إبن ( مالك دينار ) .

عام 1783 قام الخان الذي يحكم في إمارة ( قلات ) الهندية والتي تقع اليوم في الباكستان , بمنح السلطة على گوادَر الى السلطان العماني تيمور بمشورة بريطانية . عين عليها السلطان الولاة , ثم إمتدت سيطرة سلطان عمان من مدينة گوادَر الى مدينة چابهار حيث وقعت كل هذه المساحة تحت حكمه بعد أن وقّع مع البريطانيين معاهدة صداقة عام 1798 .

حين تم إجبار سلطان عمان على التنازل عن حكم هذه المنطقة , تم تقسيمها بين الأمريكان والبريطانيين فضمت گوادَر الى الباكستان الأمريكية , فيما وقعت چابهار تحت حكم ايران الشاهنشاهية التي يتقاسم النفوذ فيها البريطانيون مع الأمريكان .. وحين فض الأمريكان الشراكة مع البريطانيين في ايران فأطاحوا بالشاه وحولوا ايران الى دولة إسلامية , تحول إسم چابهار الى .. بندر بهشتي .

يتحدث الدكتور رغيد الصلح في كتابه ( عمان والساحل الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية ) فيذكر لنا بأن أغلب الدول العربية بعد الحرب العالمية الأولى كانت تبدو دولا ً مستقلة في حين هي كانت خاضعة للنفوذ البريطاني , وضعت بريطانيا وصايتها على هذه الدول , وراقبت تسيير أمورها الداخلية , وكتبت عن ذلك الكثير من التقارير رفعت الى وزارة الخارجية أو غيرها من الإدارات البريطانية , فيما يتعلق بسلطنة عمان فأن الوصاية البريطانية عليها كانت تسجل تقارير عن كل شيء بما في ذلك معاملات التمويل وميزانية الدولة ووثائق الملكية .. كل ذلك من أجل السيطرة على إمدادات النفط القادمة الى الغرب من آبار الأرض العربية . 

حين أنظر الى التاريخ القريب , تستوقفني بالدهشة والحيرة والألم شخصيات مثل شخصية الإمبراطور الصيني الأخير ( ﭘويه ) أو شخصية الشاه الإيراني الأخير ( محمد رضا بهلوي ) أو شخصية السلطان العماني السابق ( سعيد بن تيمور ) فهؤلاء جميعاً رجال حكام مثل غيرهم من حكام العالم , ليس أقل ولا أكثر .. الشيء الوحيد الذي أطاح بهم .. هو تغير الوضع الدولي الذي لم يعد لهم مكان فيه .

ولد السلطان سعيد بن تيمور في 13 آب 1910 وعاش حتى 19 تشرين الثاني 1972 . أما فترة حكمه فإمتدت من 10 شباط 1932 وإستمرت حتى الإطاحة به في 23 تموز 1970 .

ورث عن والده السلطان ( تيمور بن فيصل ) ما تبقى من السلطنة العمانية التي كانت تتضمن : مسقط وعمان وظفار , گوادَر على الساحل الآخر من خليج عمان في بحر العرب , وزنجبار على الساحل الأفريقي من المحيط الهندي .

_ _ _ فاصل ثم نعود _ _ _

الخطة الأمريكية الطموحة والتي لم نكن نعرف عنها شيئا الى ان تكشفت مؤخرأ .. كانت أن تتم السيطرة بالثورة الشيوعية الماوية على المليار إنسان الذين يعيشون في الصين كأيدي عاملة رخيصة تقوم بإنتاج أغلب ما يحتاجه العالم من سلع وبضائع , بعد ذلك يتم تسويق الناتج الى العالم .. وإستيراد مواد أولية للصناعة وإستيراد محروقات تحتاجها المعامل الصينية .. لكي تُصَنع وتُسوق للعالم . لكن الصين بعيدة والطريق البحري الذي يربطها بالعالم وأوربا طويل جدا ً. لذلك فبدلاً عن طريق ( الصين _ ماليزيا _ سيريلانكا _ يمن _ بحر أحمر _ قناة السويس ) سيتم إختصار الطريق بعد تقاسم الهند مع البريطانيين وإستقطاع الباكستان كمستعمرة أمريكية منهم الى طريق ( الصين _ باكستان _ الخليج العربي _ بصرة _ تركيا _ أو ميناء حيفا في إسرائيل ) .

طول هذا الطريق الجديد يبلغ ربع طول الطريق القديم وهو واحد من أهم أسباب إحتلال الأمريكان للعراق . أما زمن الرحلة البحرية من الصين الى الخليج العربي والتي كانت تستغرق ما يزيد على الشهر فقد أصبحت الآن سبع ساعات فقط لقطع مسافة 650 كيلومتر فقط , بسيارة شاحنة أو قطار نقل

– – – – إنتهى الفاصل وعدنا – – –

ما هي علاقة سلطنة عمان بكل هذه الحكاية ؟ الجواب هو أن سلطنة عمان تسيطر على ميناء مدينة گوادَر وهو ميناء طبيعي عميق يمتد في عمق مياه خليج عمان وبحر العرب .

لتتبع تنفيذ جانب من الخطة الأمريكية في الشرق الأوسط دعونا نتأمل النقاط التالية :

# 14 تموز 1958 قام الأمريكان بإنقلابهم الجمهوري في العراق فأطاحوا بالبريطانيين والملكية في ضربة واحدة وأصبحوا موجودين في شمال الخليج العربي أي في البصرة بالتحديد .

# 8 أيلول 1958 تم إجبار السلطان سعيد بن تيمور على التنازل عن گوادَر الى الباكستان الأمريكية , فيما وقعت چابهار من حصة إيران الشاهنشاهية .

# 2 كانون الأول 1971 فصل الإمارات العربية عن السيطرة البريطانية وإعلانها دولة مستقلة تحمل إسم الإمارات العربية المتحدة والبدء بالعمل على تحويلها بأموال النفط الى منتجعات تستقبل العابرين على طريق النقل العالمي الجديد الذي سيباشر العمل به لاحقاً .

# 1979 إسقاط شرطي الخليج شاه ايران القوي حتى لا يشكل عقبة بوجه تنفيذ هذا المشروع الطموح بالمطالبة بالمزيد من الصلاحيات والإعتبارات لإيران على حساب جيرانهم العرب الضعفاء الذين أنهكتهم الحروب والخلافات .

# 1980 _ 1988 وقوع الحرب العراقية الإيرانية التي هدمت أكبر دولتين في محيط هذا المعبر الجديد وهما ايران والعراق .

# 1989 بداية إنهيار الإتحاد السوفييتي لتحرير جمهوريات وسط آسيا من القبضة الشيوعية , إستعداداً لجعلها شريكاً طيباً في عمليات الإنتاج والنقل في هذا المشروع العملاق .

# 1990 دخول صدام الى الكويت الذي أتاح للأمريكان إيجاد حجة معقولة دولياً لنقل أسطولهم البحري كاملاً الى الخليج العربي لحماية هذا المشروع .

# 2002 الشروع فعلاً في بناء ميناء گوادَر .. ليس النقطة البحرية منه فقط , وإنما الطريق البري الذي يربط الصين بالميناء حيث توجد الطرق السريعة المحمية بالأقمار الصناعية , وأنابيب النفط التي تستلم النفط من الحاويات العملاقة وتنقله الى الصين عبر أنابيب شيدت لهذا الغرض .

# في زحمة إنشغال المهندسين بإعمار هذا الميناء ( البري _ البحري ) كان السياسيون الأمريكيون يفكرون في تهيئة الأجواء للخطوة التالية من المشروع , ولهذا ففي العام 2003 .. تذكروا أن صدام وكما قال محمد البرادعي .. كان يخفي أسلحة دمار شامل , فإستعملوا هذه الذريعة وجاؤا وإحتلوا العراق .

# عام 2004 كان ميناء گوادَر قد تم بناؤه .. ولم يبق لهذا المشروع غير تعمير خطين سريعين الأول يبرط البصرة بميناء حيفا في إسرائيل , والثاني بتركيا ليكتمل المشروع تماما ً .

نعود الآن الى موضوعنا الأصلي وهو .. كيف تم إقناع السلطان سعيد بن تيمور ( بيع ) سواحله على الضفة الثانية من خليج عمان الى الباكستان وإيران ؟

والجواب هو أن الرجل لم يبع .. لكن الأمر فرض عليه فرضاً . قلنا ان السلطان كان قد تسلم الحكم عام 1932 وهي فترة مضطربة عالمياً .. الحرب العالمية الثانية كانت على الأبواب , وأزمة الكساد العالمي كانت تضرب أطنابها كل أرجاء الأرض . بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية وعقد مؤتمر يالطا .. تم تقاسم النفوذ بين الأمريكان والبريطانيين في المستعمرات حول العالم , وبدأ الأمريكان يضغطون على البريطانيين لجعلهم يغادرون اليمن وعدن وعمان .

إضطرت بريطانيا الى منح سلطنة عمان إستقلالا ً شكليا من معاهدة الوصايه الموقعة بينهما عام 1891 وكان ذلك في 20 كانون أول 1951 لهذا كان على الأمريكان إيجاد وسيلة لإخراج البريطانيين من عمان ولم تكن تلك الوسيلة إلا بدفع إمام عمان الأباظي ( غالب بن علي الهنائي ) الى التمرد على السلطان , وقد تحدثت لكم قبلاً عن طريقة الأباظية في الخروج على السلطان . إستمر تمرده مابين الأعوام 1954 حتى 1958 وكانت ربائب الأمريكان كل من السعودية وجمهورية مصر يمدونه بالدعم والسلاح , ليس حبا ً فيه , ولا كرهاً في سلطان عمان .. ولكن لتحقيق أمل أمريكا بإخراج البريطانيين من كل الجنوب العربي .

لم يكن هناك أي أمل في إخماد هذا التمرد بل كان من المتوقع أن يتحول الى صورة مشابهة لما حصل في اليمن بعد ذلك بين الجمهوريين والملكيين بمساعدة مصر والسعودية أيضا , ولهذا كان لا بد من أن تعقد القوى العظمى حواراتها السرية فيما بينها , وتتفق على أن تمرد غالب بن علي الهنائي لن يتوقف مالم توافق سلطنة عمان على التنازل عن گوادَر وچابهار وتنسحب منها كلياً .

بعد أن تم الإنسحاب من گوادَر وچابهار ( تمكن ) البريطانيون هذه المرة من تقديم الدعم الى السلطان سعيد بن تيمور فأخمد التمرد , فلجأ الإمام غالب بن علي الهنائي الى السعودية وبقي فيها حتى وفاته عام 2009 .

بقيت الأمور في هدوء نسبي داخل السلطنة حتى عام 1962 ولكن حين أسس الأمريكان الخلايا الشيوعية في محمية عدن وتوابعها , ثم قلبوا بمساعدة المصريين نظام الحكم في المملكة المتوكلية وحولوها الى جمهورية برئاسة عبد الله السلال الناصري الإشتراكي المدعوم من قبل مصر الأمريكية , في هذه الفترة إمتدت عدوى الشيوعية الى إقليم ظفار العماني , فبدأت ما عرفت بإسم ( حرب ظفار ) والتي إمتدت بين عامي 1962 وحتى عام 1975 وكانت الحرب بإشراف مصر والسعودية والصين الشيوعية والإتحاد السوفييتي .

للحديث عن هذه الحرب وكيف تم أثناءها إقتطاع ( زنجبار ) من جسم سلطنة عمان سأستعين بكتاب مغامر بريطاني هو السير ( رانولف فينس ) الذي خدم مع القوات البريطانية مدة 8 سنوات في عمان ثم كتب هذا الكتاب يتحدث فيه عن تلك الحرب , وهو من القطع المتوسط يحوي 255 صفحة طبع في مطابع ( هودر وستوغتون) عام 1975 . عنوانه ( رانولف فينيس حيث يخشى الجنود المضي ) .

تعتبر مدينة صلالة العمانية عاصمة للمدن الصغيرة المحيطة بجبل ظفارمثل مدينة المغيسل ومدينة طاقة ومدينة المرباط . في العام 1962 تمرد زعيم إحدى القبائل ويدعى ( مسلم بن نفل ) على السلطان , وبدأ يتسلم الدعم من الحكومة السعودية التي لها مشاكل مع حكومة عمان حول عائدية واحة البريمي الى كل منهما , وكانت السعودية قد أمدت تمردين آخرين وقعا في الجبل الأخضر في الأعوام 1957 و 1959 .

شكّل مسلم بن نفل ما كان يدعى ب ( جبهة تحرير ظفار ) وتسلم السلاح والعجلات من السعودية , كما أن أمام عمان السابق ( غالب بن علي الهنائي ) الذي كان منفيا في السعودية , كان يمده بالدعم أيضاً وفي شهر كانون الأول 1962 قام بن نفل ورجاله بمهاجمة القاعدة البريطانية في صلالة . عند إنسحابهم من الهجوم قامت السعودية بإرسالهم الى العراق للمزيد من التدريب على حرب العصابات

بعد تدريبهم تعلموا كيفية تنظيم الهجوم بطريقة ( هاجم وإهرب ) ضد المنشآت النفطية والمؤسسات الحكومية .

في العام 1964 كان أعضاء ( جبهة تحرير ظفار ) ينسقون عملهم مع التنظيمات الماوية الموجودة في اليمن ( الجنوبي ) ولهذا كانوا يرسلون الى بكين في الصين ليتلقوا الخبرات القتالية والتدريب على السلاح .

تسليح المتمردين كان بالسلاح السوفييتي الذي يتسلمونه عن طريق التنظيمات الشيوعية في اليمن الجنوبي التي تنسق أعمالها مع حكومة عبد الناصر التي كانت تمتلك تلك الفترة ترسانة من السلاح السوفييتي . تخيلوا أي مضحكة !! فقد كانت مصر والسعودية تحاربان بعضهما في اليمن , لكنهما كلتاهما تمدان الظفاريين بالدعم والمعونة .. تحيا شعارات العروبة والإسلام .

القوات السلطانية كانت تحارب المتمردين بخبرة ومشورة ومعية القوات البريطانية , ولذلك أبدى الأمريكان للبريطانيين في تلك الفترة كراهية شديدة جعلتهم يطاردون النفوذ البريطاني في ( شرق أفريقيا البريطانية ) ولهذا قامت حكومة تنجانيقا المدعومة أمريكيا بملاحقة النفوذ البريطاني في موزمبيق وإحتلال الأجزاء الساحلية التي كان يسيطر عليها العمانيون من أفريقيا بمساعدة بريطانية وإخراجهم منها . وحين إشتد قتال ظفار في العام 1964 قامت حكومة تنجانيقا بمساعدة متمردين أفارقة من أصل أفريقي يدعمهم متمردون زنجباريون من أصول فارسية يدعون ( الشيرازيين ) بالهجوم على جزيرة زنجبار لإنهاء النفوذ العربي فيها وتطهيرها عرقياً من الجالية العربية فتم خلال يومين قتل ما لا يقل عن عشرين ألف عربي من سكان الجزيرة أغلبهم من العمانيين واليمنيين في مجازر يندى لها جبين حتى من لا شرف له .. أضع لكم هذا الرابط لمتابعة جانب من المجزرة , ولكن أرجو إهمال الإستماع الى كلام المعلق لأنه يجافي الصواب في عدة مواقع , لأن طرد العرب من زنجبار لم يكن لمصلحة المسيحية ضد الإسلام ولكن لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ضد بريطانيا . بعد هذه المجزرة سيطرت تنجانيقا على زنجبار وأعلنت الوحدة معها وصار إسم البلد هو ( جمورية تنزانيا المتحدة ) المشتق من إسمي : تنزانيا و زنجبار , وإنتهى بذلك الوجود البريطاني في أفريقيا . 

عام 1966 تعرض السلطان سعيد بن تيمور الى محاولة إغتيال أثرت عليه بشدة , إذ لم يشاهد بعدها في العلن مرة أخرى , بل بقي في قصره في صلالة وشن هجوماً كبيرا ضد جبهة تحرير ظفار وعلى العكس من النصيحة البريطانية تم تدمير القرى وصب الكونكريت في آبار وأفلاج الماء .

التنظيمات الشيوعية في اليمن الجنوبي المدعومة من قبل عبد الناصر أخذت دورها في دعم جبهة تحرير ظفار مما صعد المواقف بشدة وحدة .

حين نصل الى العام 1967 نجد أن حدثين مهمين قد وقعا ذلك العام أسبغا تعقيداً أكبر على الأوضاع في عمان .. الأول هو نكسة العرب في حرب حزيران , والثاني هو إضطرار البريطانيين الى الإنسحاب من عدن وتأسيس دولة اليمن الجنوبية الشيوعية التي بدأت تمد الظفاريين بالسلاح والتجهيزات ومعسكرات التدريب والدعم اللوجستي .. الذي كان ينضم كله في مدينة ( الحوف ) اليمنية القريبة من الحدود مع عمان .

في مايس 1968 تمكن الظفاريون من دحر هجوم للقوات السلطانية في ( جبل قمر ) إعتماداً على تدريبهم وتسليحهم الجيدين .

عام 1968 صارت جبهة تحرير ظفار أقوى عوداً تفرعت عنها : الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل . وكانت مدعومة من الماويين والماركسيين اللينينيين في اليمن . ودخلت الصين نكاية بالإتحاد السوفييتي في هذه الفترة على خط الدعم المباشر لهذا التنظيم بعد الإنشقاق الصيني السوفييتي عقب المماحكات التي حصلت بين ماوتسي تونغ ونكيتا خروشوف , رغم ذلك فالإتحاد السوفييتي لم يتخل عن جانبه في الدعم .

عام 1969 تمكن هذان التنظيمان الشيوعيان من السيطرة على مساحة اكبر من جبل ظفار فوصلوا الى ( ثمريت ) وذلك بإستعمال السلاح الآلي المتطور .

عام 170 تم تشكيل منظمة شيوعية جديدة هي : الجبهة الوطنية الديمقراطية لتحرير عمان والخليج العربي . وفي حزيران من نفس العام قامت الجبهة بشن هجومين في مدينتي ( نزوى ) و ( إزكي ) ورغم أن الهجوم قد تم صده إلا أن قناعة قد تولدت بأن يأس الناس من الأوضاع هو الذي كان يدفعهم الى هذه التنظيمات وليس قناعتهم بالشيوعية .. ولهذا كان التغيير الجذري هو المطلوب .

يوم 23 تموز 1970 تم خلع السلطان سعيد بن تيمور في إنقلاب أبيض , فذهب للعيش في لندن ومات بعد ذلك بسنتين .

إبنه السلطان قابوس بن سعيد الذي تسلم الحكم بعده قام بخطوات سريعة وحاسمة لتغيير كل شيء وذلك من خلال خطة تحديث شاملة للبلد , وإصدار عفو عام عن كل الذين يلقون سلاحهم , ومحاصرة الجيوب المتبقية حتى إنهاء مقاومتها . بالوصول الى عام 1975 كانت الحرب قد وضعت أوزارها وأصبحت جزءاً من الماضي , لكن التي دعتني للكتابة عن هذا الموضوع هي رغبتي إلقاء الضوء على هذا الطريق العالمي الجديد الذي يربط العالم من الصين الى أوربا .. مروراً بالعراق .. لأني مقتنعة الآن بأن هذا هو السبب الأهم للإحتلال الأمريكي للعراق .  ميسون البياتي – مفكر حر؟

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

مرسي يهين السوريين بمصر

مرسي يهين السوريين بمصر

Posted in فكر حر | Leave a comment

على هامش زيارة احمد نجادي مصر

غالب حسن الشابندر

الجمهورية الاسلامية الايرانية تسعى لفك الحصار الدولي والاقليمي المضروب عليها خاصة بعد الضائقة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها بسبب هذا الحصار المحكم، وزيارة الرئيس الايراني احمد نجادي إنما تصب اساسا في هذا الهدف المركزي لإيران، فمصر دولة اقليمية كبيرة ، وراحت تسترجع بعض دورها في الشرق الاوسط، وعلاقتها بالولايات المتحدة الامريكية قديمة وجوهرية، وتضطلع بوظيفة اسلامية ثقافية واسعة الطيف بسبب الازهر الشريف، والدول الخليجية لا تفرط بعلاقتها بمصر مهما شابها من ارتباك وتردد في بعض الاحيان، ولها حضور موجِّه وضاغط وراسم في صلب القضية الفلسطينية، واليوم يتطلع لها العالم العربي بسبب الحراك الشعبي الضخم داخلها، والحكم فيها (اخواني) التوجه، وبالتالي، وبناء على كل هذه المقتربات والحقائق تشكل اعادة العلاقات مع مصر بالنسبة لايران قضية مركزية، حيث تطمع ايران من خلال ذلك ان تساهم مصر في تحسين العلاقات بينها وبين محيطها الاقليمي (السني، وربما تساهم ايضا في تحجيم الكوة الفاصلة بينها (ايران) وامريكا وإنْ بمستويات بسيطة، ومن هنا لم يستغرب كثير من المراقبين ان تقترح ايران بان تكون القاهرة هي مكان المحادثات بينها وبين الغرب فيما يخص ملفها النووي، بل ان تكون احد الدول الاعضاء في المحادثات اياها، ولم يكن غريبا وهذه الحال ان تشجع ايران مصر لاعادة دورها الاقليمي الذي فقدته لاكثر من ثلاث عقود على حد تعبير احد صناع القرار السياسي الايراني، ويلمح بعض المراقبين بان هناك ما يشجع ايران على مثل هذا السعي باتجاه الغاية المذكورة، منها كون النظامين الحاكمين في البلدين يتسمان بالهوية الدينية، ومنها العلاقات القديمة بين ايران والاخوان المسلمين، ومنها التوافق الضمني بين النظامين على عدم شرعية الوجود الاسرائيلي، وإذا كان هذا علنا من جانب النظام الايراني فهو سر من جانب النظام المصري الحالي، وهناك كلام في الاعلام الاسرائيلي من ان الاخوان في مصر فيما توطد حكمهم سوف يتفقون مع ايران في موقف علني واحد تجاه اسرائيل هو الرفض المطلق !

محللون سياسيون يشيرون في الاثناء الى ان مصر هي الاخرى تواقة لاعادة العلاقات مع ايران، والاسباب كثيرة، وفي مقدمتها اعتماد ذلك ورقة ضغط على واشنطن للانفتاح اكثر على حكم الاخوان، وتقديم الدعم بالمستوى الذي يحتاجه الاخوان خاصة في مواجهة الآخرين في الداخل ، جبهة الانقاذ وغيرها، وفتح المجال لمصر بان تلعب دورا اكبر في الشرق الاوسط، وربما يًضاف الى ذلك التلويح لدول الخليج بان مصر تملك اكثر من خيار في علاقتها الدولية، وما على الدول الخليجية الا احترام هذا التعدد في الخيارات، ومن ثمراته ان تتعامل هذه الدول مع مصر على قد م المساواة، وانْ لا تبتزها بسبب المعونات الاقتصادية.

هل ينطبق حساب الحب على حساب البيدر سواء بالنسبة لمصر أو ايران او كليهما معا؟

لا !

هكذا يرى محللون سياسيون عارفون بالشان الايراني والشان المصري، ولكن ما هي الاسباب؟

ان الشرخ الطائفي في العالم الاسلامي قد حصل، ومن الصعب دمله او اصلاحه، وهذا يحول دون هذه الرغبة المزدوجة، ومنها ان حاجة مصر الى واشنطن والدول الخليجية تتسم بالبعد الاستراتيجي فيما حاجتها الى ايران دون هذا المستوى، ومنها ان ايران تعاني من مشاكل كثيرة، فهي تنوء تحت وطأة حصار اقتصادي موجع، ومتورطة بالوقوف المطلق مع نظام بشار الاسد الذي يعتبره المسلمون السنة بانه حكم كافر ويجب ازالته، ومنغمس بالدم السني بشكل مفزع، ومنها ان قطاعات من الشعب المصري تنظر إلى ايران بعين الريبة بسبب نشاطها المذهبي في العالم السني كما تقول هذه القطاعات الشعبية الواسعة.

هذه الاسباب، كلها او بعضها تحول دون الرغبة المزدوجة خاصة من طرفها الايراني، ولعل ما يعزز مثل هذا التصور ان تكون اولى مطالب شيخ الازهر من ايران من خلال كلامه مع الرئيس الايراني على هامش لقاءهما ان تكف ايران عن التدخل بشؤون الخليج العربي، وان تمتنع عن نشاطها المذهبي في العالم السني!

ولكن هل يحول ذلك دون اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على اثر هذه الزيارة؟

ليس المهم اعادة العلاقات بل المهم هو عمق هذه العلاقات ومدى الاعتماد عليها بتحقيق اهداف كلا البلدين منها! 

 المصدر ايلاف

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الشيخ محمد وظاهرة اللسان الداشر – 3

كتب إليّ قارئ رسالة الكترونيّة جاء فيها: إنني أتفق معك في معظم ماتكبينه عن الإسلام والمسلمين، ولكنني أحس بأنك تروّجين للمسيحيّة بطريقة خفيّة وخبيثة!

أروّج للمسيحيّة؟!! لن أختلف معك على هذا الأمر وسأشرح وجهة نظري حياله!

بطريقة خفيّة وخبيثة؟!! لماذا أريد أن أتخفّى عندما أروّج للمسيحيّة؟ هل مازال أحد فيكم يظنّ أن وفاء سلطان تخاف فتتخفى عندما تروّج لفكر أوتحارب فكرا آخر؟

أروّج للمسيحيّة؟ نعم! ولكن ليس كدين وإنّما كتعاليم سمحة سمت بإنسانها وارتقت به ووضعته في مقدّمة البشر. أنا لا أدين بالمسيحيّة ولا بأيّ دين وعندما أقرر أن أتبنى دينا، أقولها علنا وبلا وجل أو خوف، ستكون المسيحية على قمة جدول خياراتي!

الدين في نظري مرحلة بدائية، قد لا يكون للإنسان مفرّ من المرور بها، لكّن المسافة التي تفصل بين الدين والله في النهاية مسافة شاسعة، ولكي يتوحّد الإنسان في الله عليه أن يجتاز تلك المسافة متحررا من أيّ اعتبار ديني، سابحا في الفضاء العلوي صعودا إلى حيث تكمن الحقيقة المطلقة!

المسيحيّة كتعاليم استهوتني، بل سحرتني لأنها، أولا وأخيرا توافقت مع منطقي العلمي والعملي. هذا المنطق الذي أكّد لي أن الإنسان ناتج لغويٍ، وشخصيته، بجوانبها المتعددة هي حصيلة الصراع بين المفردات والمعاني السلبيّة والأخرى الإيجابيّة التي يسمعها ويتداولها في بيئته. إن غلبت اللغة السلبيّة خرج إلى الحياة مخلوقا رافضا سلبيّا خاويا مستهلكا غير قادر على العطاء. وإن غلبت اللغة الإيجابيّة خرج إلى الحياة عنصرا فعّالا متفائلا إيجابيّا سعيدا معطاءا. بين هاتين الحالتين المتناقضتين يتراوح البشر في جودة شخصيّاتهم ودرجة انسانيّتهم.

المسيحيّة كلغة أثبتت صلاحيّتها لخلق انسان مهذّب، خلوق، منتج، مبدع ومسالم. كيف سيخرج إلى الحياة طفل تتلو على مسامعه: “من سألك فاعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا تمنعه.. قد سمعتم أنه قيل أحبب قريبك وابغض عدوّك أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم واحسنوا إلى من يبغضكم وصلوا لأجل من يعنتكم ويضطهدكم.. إن احببتم من يحبكم فأي أجر لكم.. وإن سلّمتم على أخوانكم فقط فأي فضل لكم..”

أما الإسلام كلغة، فقد أثبت عجزه عن خلق هذا النمط من البشر!! لقد اعتمد هذا الدين، بصورة عامة، لغة صحراويّة قاحلة غير مهذبة، جلفة، تدعو إلى العنف وتكاد تخلو من أيّ معنى انساني! والأمثلة في كتب التراث الإسلامي، بالجملة والمفرق، لمن يريد أن ينهل ويستنير!

عرّجت في الأمس على بعض الأحاديث النبويّة في تحريم الربا، اقشعرّ بدني وأنا أقرأها وحمدت الله، لأول مرّة في حياتي، لأنّ أولادي لايجيدون القراءة باللغة العربيّة!

“عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قال: الربا ثلاث وسبعون بابا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه!!..”

“عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام.”

“عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله (ص): أتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيّات ترى من خارج بطونهم قلت ياجبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلة الربا.”

“عن عوف بن مالك (ض) قال: قال رسول الله (ص): من أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبّط، ثم قرأ: الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المس.”

أنظرُ إلى هذه اللغة وأتساءل: كيف أستطيع، وباستخدام هذه المفردات والمعاني أن أخلق إنساناً معافى نفسيّا وأخلاقيا وعقليّا؟!

هل يشترط أن استخدم عبارات كتلك التي تقول: “ينكح أمّه.. ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها.. بطونهم فيها الحيّات ترى.. مجنونا يتخبّطه الشيطان من المس..” حتّى أكون قادرة على إيصال الفكرة من ضرورة تحريم الربا؟!!

هل يعقل أن يدخل الشيخ محمّد، والذي يبدو أكثر قلقا على قيمه وحضارته من غيره، أن يدخل إلى أحد البنوك في أمريكا، حيث يعيش ويسترزق، كي يودع فيها بعض أمواله، وما أن تبدأ الموظّفة المسؤولة بشرح أنواع الودائع والفوائد حتّى يصيح: استغفر الله .. استغفر الله.. لاأريد فوائدا.. هل تريدنني أن أنكح أمّي.. أو أزني.. أو ابتلع حيّة.. وأتخبّط كمن أصابه مس من شيطان؟!!

أتلك هي لغة العصر التي يتخاطب فيها الشيخ محمّد مع الناس في أمريكا؟ أتلك هي اللغة التي يجب أن نمليها على أبناء الجيل الجديد؟

ماذا سيبقى في ذهن طفل تتلو عليه هذه الأحاديث؟ هل مفهوم التحريم هو الذي سيبقى أم عبارة “ينكح أمّه”؟.. الجواب على هذا السؤال تجده عندما تعرف ماذا يفعل رجال المسلمين منذ اليوم الذي قيلت فيه هذه الأحاديث وحتّى يومنا هذا، لاشئ سوى أنّهم يرابون وينكحون!!!!

عندما تجد الأم طفلها البالغ من العمر عامين يحاول أن يدخل اصبعه الصغيرة في مفتاح الكهرباء، كيف يجب أن تتصرف؟

يصرّ علم السلوك والصحة النفسيّة بأن عليها أن تضبط أعصابها وتقترب منه بهدوء دون أن تصرخ، ثم تنشله بيدها مبتعدة به عن المفتاح الكهربائي قائلة له: دعنا نعيد ترتيب الغرفة ووضع اللعب في أماكنها، ثم تبدأ وإياه بفعل ذلك! في تلك اللحظة يسقط المفتاح الكهربائي من ذهن الطفل، وينساه لأنّ الأم لم تركّز عليه مستخدمة أيّة لغة سلبيّة كأن تقول: هذا سيحرقك وستموت، إياك أن تضع يدك مرّة أخرى فيه، إنّه كالحيّة التي تلدعك لو أدخلت اصبعك في فمها!

لكّن الأم، وعلى العكس من ذلك، استخدمت لغة ايجابية بقولها: دعنا نعيد ترتيب الغرفة ووضع اللعب في أماكنها. هذا ماسيبقى في ذهن هذا الطفل: ترتيب الغرفة ووضع كلّ غرض في مكانه!

الطريقة المثلى للنهي عن السلبيّات هي بالتركيز على الإيجابيات، إذا أيّهما أصحّ: أن أقول لأولادي إياكم والربا فمن يفعله كمن ينكح أمّه، أو أن أقول لهم: عليكم بالكسب الحلال، فمن يأكل لقمته بعرق جبينه كمن يعانق أمّه ويقبّل خدّها!

تخيّل نفسك مريضا مصابا ـ لاسمح الله ـ بارتفاع الضغط والكليسترول وزرت طبيبك، في أيّة حال تشعر أكثر بالضغط النفسي وصعوبة اتباع نصائح طبيبك؟.. أعندما يقول لك: إياك أن تكثرمن الشحوم ففيها ضرر قاتل على صحّتك وسلامة شرايينك، أم إذا قال: أكثر من تناول الفواكه والخضار فهي تدعم الصحّة وتجدد الشباب؟

لقد صبغت اللغة السلبيّة، والتي كثر استخدامها في تراثنا الإسلامي وذخرت بها كتبنا العربيّة، صبغت ثقافتنا واساليب تربيتنا بصفات العنف والشراسة، وأخرجت إلى الحياة انسانا يتقاتل في أصفى لحظاته مع ذباب وجهه!

كان مازن طفلا صغيرا وكنا نقضي معظم أيام الجمع في منزل أهلي. على بعد عدّة أمتار من هذا المنزل ترتفع مئذنة الجامع، ولقد عانيت يومها كثيرا من تلك المشكلة، إذ كان مازن يمسك خائفا بذيل ثوبي أثناء خطبة الجمعة قائلا: لماذا يصرخ هذا الرجل ياأماه؟ لم أكن أرغب يوما في أن أجيب: هو لايصرخ وإنّما يصلي! لم أكن أرغب أن أقرن الصلاة في ذهن مازن بالصراخ! كنت أقوده إلى بيت أختي كي أتجنّب الجواب على هذا السؤال!

يقول الطبيب النفسي الأمريكي وايين درايير: إن الله هو الصمت. إذا فكّرت قليلا بهذا التعريف لوجدته الأقرب إلى الروحانيّة والأكثر قدرة على مساعدتنا لتصور الله والإحساس به.

إذا كان الله هو الصمت كيف سأشرح لمازن: لماذا هذا الصراخ في الإسلام؟!! سبعون ألف مئذنة في مدينة القاهرة لوحدها، تبدأ هذه المآذن في رفع الآذان خمس مرّات في اليوم، وكلّ، على حدة، يغني على ليلاه!! لم تعد تلك المدينة المزدحمة تعاني من تلوّث البيئة بالسموم والدخان، بل غدت أشدّ تلوثا من الضجيج والصراخ!!

هل يحتاج الله إلى كلّ هذا الزعيق كي يسمع ويصدّق أننا نعبده؟! أليست قدرته على سماع دبيب النمل كافية لقراءة صمتنا لو قررنا أن نتحضّر ونصمت قليلا رحمة بالجهاز السمعي للإنسان، والذي أثبتت الدراسات بأن الضجيج يخرّبه ويسيء إلى قدرته على استقبال وفهم الأصوات؟!

**************

كتبت إليّ السيدة مها سعد الشوّاف ـ ودعوني أفترض بأنّ الاسم غير مستعار، إذ لاتهمّني الأسماء ـ كتبت تقول: ” انتم عملاء النظام. والشكر كل الشكر للنظام الذي اراحنا من هذا المأفون نبيل فياض الكذاب الذي يأخذ اجرته من الزبانية عملاء اميركا ووفاء سلطان هي عشيقة نبيل فياض تنتف شعرها حزنا على.. (*) نحن فرحون جدا لأن كل احباب نبيل وما اقلهم حزينون عليه ونرجو له ان يبقي في غيابات السجن اعواما وانتم ستجنون عليه ايها المأجورون الكذابون.” مها سعد الشواف

aad sam m:.saad@shuf.com

أسقطت إحدى العبارات لاخوفا على سمعتي، والتي هي كعطر الجلّنار، وإنّما احتراما لقارئي وكي لا أخدش حياءه. قرأت ماكتبته تلك القارئة ـ أو القارئ ـ عدّة مرّات، وفكرت فيه كثيرا متسائلة: ماالذي يدفع الناس إلى هذا الرخص والابتذال؟ وأعود لأجد في كتب الطبّ النفسي وعلم السلوك جوابا شافيا لهذا السؤال: الإنسان ياوفاء ناتج لغته وكتبه وتراثه!

استاءت تلك السيّدة مما كتبته وفاء سلطان، فمدّت يدها إلى جعبتها اللغويّة الموروثة كي تنهل منها ماتعبّر به عن استيائها؛ لم تجد سوى عبارات على شاكلة: “من ينكح أمّه.. ثلاثين زنية يزنيها.. في بطونهم حيّات.. يتخبّط كمن أصابه مسّ من شيطان..” ولم تستطع أن تنضح إلاّ بما وجدته في تلك التراثيات!!

فاقد الشيء لايعطيه! ماذا تستطيع السيّدة مها أن تعطي القارئ؟ هل تستطيع أن تقارع وفاء سلطان بالحجة والمنطق وتثبت أنّها على باطل وهي على حق؟ طبعا لا! وهل استطاع الشيخ محمّد أن يفعل ذلك؟ طبعا لا!

لم يجد في قاموسه اللغوي كلمة يواجهني بها سوى: “محتضنة” من قبل أعداء العرب والإسلام! متى يدرك هذا الشيخ بأنّ عدوّه الأوحد هو جهله بعلم اللغات؟

هل يريدني القارئ، الذي عبّر عن استيائه لأنني أروّج للديانة المسيحيّة، هل يريدني أن أروّج للغة الشيخ محمّد أو لغة السيّدة مها سعد شواف، أو أن أروّج للغة الزنى والنكاح والحيّات والشيطان؟!!

إنّ التعاليم التي تطلب من أتباعها، وبلغة بسيطة مهذّبة خلوقة، أنّ يحبّوا أعدائهم ويحسنوا إلى مبغضيهم، ويباركوا لاعنيهم، لاتحتاج إلى من يروّج لها! ومع هذا أقولها للملأ ـ بلا خبث وتخف ومواربة ـ: نعم أنا أروّج للمسيحيّة ولكل ديانة، بما فيها عبادة الشيطان، طالما تهذّب تلك الديانة لغة أتباعها، وتعلّمهم أدب الحوار وحسن الكلام، وترقى بهم فوق مستوى الشتائم والسباب!!

*************

نعت صحيفة لوس أنجليس تايمز صباح اليوم الواقع في 10 أوكتوبر 2004 يوغي باجان الزعيم الروحي للطائفة السيخيّة والذي توفي في ولاية نيو مكسيكو الأمريكيّة عن عمر ناهز الخامسة والسبعين. أصدر حاكم تلك الولاية أمرا بتنكيس علم الولاية لمدّة ثلاثة أيام.

على باب معبده كتب السيّد باجان عبارة ، كرّمها سكان الولاية حتّى درجة التقديس، جاء في تلك العبارة قول باجان: إذا لم تستطع أن ترى الله في كلّ شيء، لن تكون قادرا على أن تراه في أيّ شيء.

الطائفة التي رعى شؤونها هذا القديس، ضمّت أكثر من خمسمائة عائلة معظمهم من الذين غيّروا دينهم الأصلي وقرورا إعتناق الديانة السيخيّة.

لماذا لاتخاف أمريكا على ديانتها المسيحيّة من وجود باجان ودعوته الناس فيها لاعتناق دينه؟ هل يعرف أحد فيكم مامعنى أن تنكّس ولاية أمريكية علمها لمدّة ثلاثة أيام؟

أمريكا تخاف على ثقافة أهلها وعلى لغتهم، ولا تخاف على دينهم! طالما باجان، يعلّمهم بلغة بسيطة وجميلة إنّ الله في كلّ شيء، تؤّهل به أمريكا وتسهّل وتنكّس أعلامها عندما يفارق رجلٌ كهذا الحياة لأنّه جدير بكلّ احترام.

الشيخ بلال حلاق شيخ جامع أهل السنّة والجماعة في مدينة أناهايم في جنوب كاليفورنيا، كتب مؤخرا في إحدى الصحف المجهريّة الصادرة باللغة العربيّة كتب يقول: إن الله لايقبل من أي رجل حسنة، حتّى ولو أغاث امرأة أرملة أو طفلا يتيما إن لم يكن مسلما!

كم يوما ستنكّس كاليفورنيا الأعلام عندما ينتقل هذا الشيخ ـ بعد طول العمر ـ إلى رحمة الله؟! ماذا سيترك هذا الرجل وراءه من أثر يستحق عليه أن تنكّس من بعده الأعلام؟!

إذ كان الشيخ بلال عاجزا أن يرى الله في إغاثة امرأة أرملة أو طفل يتيم، كيف سيكون قادرا أن يراه في أيّ شيء آخر؟ إذا كان الشيخ بلال عاجزا أن يرى الله في يديّ الأم تيريزا وهي تمسح وجه طفل في الهند يأكله الذباب، كيف يستطيع أن يراه في مكان آخر؟! إذا كان الشيخ بلال عاجزا من أن يرى الله في وجوه الأطباء البريطانين الذين هرعوا لإسعاف قرينه الشيخ السيستاني، فشقوا شرايينه بلمح البصر ونظفوا قلبه من أوساخه، كيف يستطيع أن يراه في أيّ مكان؟!

أنتجت ولاية كاليفورنيا بمفردها هذا العام 18 مليون ديك رومي! إذا كان الشيخ بلال عاجزا أن يرى الله في هذا الإنتاج، عجبا هل يستطيع أن يراه في جنوب السودان أو في الربع الخالي أو في صحراء سيناء؟

يوغي باجان يعرف الله لأنه يستطيع أن يراه في كلّ شيء، ولذلك لاتخاف منه أمريكا حتّى ولو تبعه كل سكّانها، بل على العكس عندما فارق الحياة، بكته ونكّست له الأعلام. أمّا الشيخ بلال فعاجز أن يرى الله في أي شيء، ومن لايرى الله تخافه أمريكا وتحسب له ألف حساب!

هل تخاف أمريكا من الإسلام؟ طبعا تخاف!

هل يخاف العالم من الإسلام؟ طبعا يخاف!

هل يخافون من عظمته؟ طبعا لا! لا أحد يخاف من العظيم! وكلّنا نخاف من الإرهاب! مجنون من لايخاف!

**********

السيف أصدق أنباء من الكتب في حدّه الحد بين الجدّ واللعب!!

ويل لأمة تصدّق السيف أكثر من الكتاب، وويل للعالم من تلك الأمّة! كيف سنحمي الأجيال القادمة، أملا بمستقبل أفضل، من ثقافة السيف والقتل والإرهاب؟!

لو لم يقتنع أبو تمّام، حتّى درجة التسليم، بأن الغاية من وجوده كإنسان هي في القتال، لافرق عند الله بين أن يُقتل أو يَقتل ( “إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتـُلون ويُـقتَـلون ..” لو لم يقتنع بذلك، لما اعتمد السيف كمصدر موثوق به أكثر من الكتاب. ولو لم يقتنع الجواهري بالرسالة التي حملها له جدّه أبي تمام، لما قال:

وطن تشيده الجماجم والدم تتهدّم الدنيا ولا يتهدّم

ولو لم يسر سليمان العيسى على خطى الجواهري مفتخرا بثقافة أجداده لما غنّى لأطفال العرب ـ وهو شاعرهم الأول ـ :

ولما سلكنا الدرب كنّا نعلم إنّ المشانق للعقيدة سلّم

وتتكرر المأساة ويستمر العرب جيلا بعد جيل يعتمدون المشانق سلما لعقيدتهم، ويرون في الهدم طريقا للبناء!

في كتاب الحساب لأحد الصفوف الإبتدائيّة في المدارس العراقيّة أثناء نظام صدّام البائد، تقول إحدى مسائل الحساب: في معركة مع العدو الإيراني المجوس قتلنا 150، وجرحنا 250، وأسرنا 100 مامجموع العدد النهائي لخسائر العدو؟

طبعا كانت خسائر العدو الإيراني (!!!) من جراء تلك المعركة خمسمائة، بينما كانت خسائرنا من جراء تلك المسألة الحسابيّة جيلا بأكمله!!!

الحقد كالأسيد يحرق الوعاء الذي يحتويه، أكثر مما يحرق السطح الذي يسقط عليه! لذلك ترى انساننا العربيّ مشوها من كثرة الحروق!!

هل من جرّاح يحسن التجميل؟!

الحجر الذي يتدحرج لا تنبت حوله الأزهار، والعقل الذي يعتمد سياسة الهدم عاجز عن بناء الوطن! الزرقاوي يتوالد من المتنبّي، وتعيد الفالوجة تاريخ كربلاء، ويبقى العرب والمسلمون خارج حدود الحياة، لأنّهم والموت توأمان!

من سيعيد إلى أطفالنا وجوههم الحقيقة البريئة؟! من سيمنع العفن من أن يتسلل من داخل جمجمة الشيخ محمّد إلى عقولهم الغضة؟! من سيحمي أجيالنا القادمة من ثقافة السيف والمشانق والجماجم؟! من سيختم بالشمع الأحمر تراثنا، ويرمي في البحر كل كتبنا وأشعارنا؟!

وفاء سلطان ستكتب للأطفال قصيدة جديدة، وستعلّمهم جدول الحساب والضرب من جديد!

زهرة ـ يا أحبائي الصغار ـ زائد زهرة تساوي بستانا..

حجرة فوق حجرة تبني وطنا..

حبّة قمح في التربة تعطي مائة حبّة..

دجاجة في القنّ تضع كلّ يوم بيضة، ستملأ سلالكم بعد حين بالبيض..

من يأكل الخبز واللحم، ياصغاري، لايشرب الدواء..

تعالوا ننظف الصفّ من الأوراق المتراكمة على الأرض، ونرسم على السبّورة قمرا ونجمة..

تحدّ وطننا العربيّ الجميل من الشمال تركيا، ومن الجنوب افريقا، ومن الشرق ايران، ومن الغرب اوربا..

ماأسعدنا، ياصغاري، صار لنا أربعة جيران..

ليعانق كلّ من الآخر، ويقول له: طاب يومك .. إلى اللقاء ..

ستحذف وفاء سلطان من قواميسهم كل مفردات القتل والهدم والدمار، وستكتب لهم أشعارا جديدة عن الحبّ والخير والعطاء..

ياكتاب العربيّة في كلّ أصقاع الأرض.. يامن تحلمون بوطن أفضل لأجيالنا القادمة.. ياعشاق السلام والطفولة والبناء.. إني أحتاج اليكم، ولا أستطيع أن اؤدي رسالتي بدونكم.. أتوسّل اليكم أن تمدّوا إليّ أياديكم.

المهمّة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة، أحتاج إلى كفوفكم فكفي الواحد لايصفق!

*********

أذكر حادثة، وكأنّ الزمن توقّف عندها، حاولت معلمة الصف الرابع الإبتدائي السيّدة حلميّة أن تكحّل عيوننا، نحن الأطفال، بنور الحقيقة فعمتها بظلام الجهل!!

قالت لنا:

“ويل لمن يعصي الله ورسوله، جهنّم كبيرة وتتسع إلى مالا نهاية، كلّما احترقت جلودكم يستبدلها الله بجلود أخرى، وكلّما ألقت فيها الملائكة من الكفار والمرتّدين تصيح: لم أمتلئ بعد.. إليّ بالمزيد! ثم تزداد نيرانها اضراماً”

ألقت الطفلة فاطمة رأسها فوق طاولة مقعدها وحاولت أن تغطي أذنيها بكلتا يديها. صاحت السيّدة حلميّة: فاطمة هل أنت نائمة؟

رفعت فاطمة رأسها ونظرت إلى معلمتها وببراءة طفوليّة ردّت: بل أبتهل إلى الله علّ جهنّم تصيح عندما يصل دوري، لقد امتلأت.. لقد امتلأت خذوهم إلى الجنّة!

كان مقدار الرعب، الذي استطاعت المعلّمة أن تزرعه في نفس الطفلة، أكبر من قدرتها على أن تتصوّر وجود أي أمل في امكانية ارضاء الله ودخول الجنّة. لم تستطع الطفلة أن تتحرر من حالة الإحباط التي وجدت نفسها فيها، إلاّ بالتضرّع إلى الله بأن تمتلأ جهنّم قبل أن يصل دورها!

ظلّ طيف تلك الحادثة يراودني منذ تلك اللحظة، إحساس دفين كان ينبئني بأنني سأكون يوما قادرة على وضع النقاط فوق حروفها وفكّ طلاسمها!

“عالم البحار”، لمن لايعرف عنه شيئا، أقول: بقعة من جنّة عدن، اقتطعها الأمريكان وبسطوها على امتداد ساحل مدينة سان دياغو في جنوب كاليفورنيا، من أجمل مدن الترفيه والتسلية في العالم. عندما دخلتها مع أطفالي لأول مرّة، ابتلعني، منذ اللحظة الأولى، سيل من الأسئلة: ياإلهي! كيف استطاع هؤلاء البشر أن يصلوا إلى هذه الدرجة من الإبداع؟!

أمام جمهور غفير من البشر، في الهواء الطلق وفي عزّ النهار، وقف أحد مدرّبي الطيور وراح يجري بعض الحركات ويصدر أصواتا غريبة، وإذ بطائر بوم يهبط عليه من أعالي الفضاء ويقف فوق كفّه.

قال العرب: الحق البوم يدلّك على الخراب. الأمريكان لحقوا البوم فدلّهم على العمار! يحتفظون بتماثيل البوم في بيوتهم لقناعتهم بأنّها تجلب السعد.

في علم النفس يقولون: كلّ ماتؤمن به تراه!

لم يذهلني استئناسهم للبوم بقدر ما أذهلني ترويضهم للحوت.

شام حوت وزنه 1900 باوند (حوالي طن)، في أحد استعراضاته ينطّ خارج سطح الماء ويرتفع 22 قدما في الهواء. وهنا أتساءل: كيف استطاع هؤلاء المدرّبون “السحرة” أن يحوّلوا تلك الكتلة اللحميّة الهائلة إلى أرشق من غزال؟! ولماذا لم تستطع السيّدة حلميّة أن تقنع الطفلة فاطمة بأنّها قادرة على أن ترضي الله وتحظى بجنّته؟!

تعالوا نستعرض معا الفرق بين الأساليب التربويّة التي سمت بشام 22 قدما في السماء، وهبطت بالطفلة فاطمة إلى حالة دونيّة من اليأس والاحباط.

شام حيوان دوني تحرّكه غرائزه، وفاطمة كإنسان، سيّد مخلوقات الأرض، تميّز عن كلّها بعقله وقدرته على التفكير. إذا ماالذي سما بغرائز شام، وماالذي أحطّ بعقل فاطمة؟!

كيف بدأت عملية تدريب شام؟ أبحرت في عشرات الكتب حتّى توصلّت إلى الجواب!

استخدم المدرّبون حبلا لتحديد المستوى الذي يريدون شام أن يقفز فوقه. في الخطوة الأولى وضعوا الحبل تحت مستوى الماء، وبدأوا بالتصفيق ملوحين بسمكة كبيرة، كي يشجّعوا شام على المرور فوقه. بلمح البصر اجتاز شام المستوى المنخفض للحبل دون أيّة حاجة للقفز. أكل السمكة وبدا أكثر جاهزيّة للقفز من جديد. رفع المدرّبون الحبل إلى مستوى أعلى بقليل وبدأ التصفيق والتلويح بسمكة أخرى من جديد، وهكذا دوالييك.. عندما يفشل شام في محاولته فيرتضم بالحبل، كان المدربون يتجاهلونه ويديرون بصرهم بعيدا عنه رافضين أن يقدّموا له سمكة. وعندما يتكرر الفشل عدّة مرات، كانوا يضطرون لإعادة الحبل إلى المستوى الأدنى، خوفا من أن يصاب شام بالإحباط أو بالجوع نظرا لحرمانه الطويل من السمك.

بالترغيب استطاع الأمريكان أن يحوّلوا غرائز شام إلى ملكات عقليّة ـ إذا صح التعبير ـ، وبالترهيب استطاعت السيّدة حلميّة أن تحوّل عقل فاطمة إلى غريزة حيوانيّة!

حالة الإحباط التي عاشتها الطفلة فاطمة في تلك اللحظة، يعيشها العالم العربي والإسلامي في كلّ لحظة!

تعالوا نفترض بأنّ مدربيّ شام، وفي أول محاولة فاشلة له، قاموا بعقابه عن طريق تعريضه للصدّمة الكهربائيّة، أو جلده بسوط حديدي على ظهره. هل يتوقع أحد فيكم أن يصل شام إلى ماوصل إليه من انجاز؟!

تعالوا نفترض بأنّ السيّدة حلميّة قد تجنّبت إرهاب الطفلة فاطمة وحاولت مكافأتها على كلّ عمل مثمر تقوم به، هل يتوقّع أحد فيكم أن يصل العالم العربي و الإسلامي إلى ماوصل إليه من احباط؟!

ولكي تقارن بيننا وبينهم ليس شرطا أن تقارن بين انسانهم وانساننا، يكفي أن تراقب سيكولوجيّة وسلوك العصافير في بلادهم وبينها في بلادنا! امتدّ الإرهاب البشري عندنا حتّى شمل أسلم مخلوقات الأرض وأضعفها، فالعصفور يرتجف خوفا من الإنسان في بلادنا ولا يدنو منه أقرب من ميل!

في أكثر شوارع أمريكا ازدحاما، في وسط مدينة فلادليفيا وفي منطقة مكتظة بالناس، هبط عليّ عصفور من السماء، اقترب من طاولتي أمام أحد المطاعم والتقط قطعة من الحلوى كانت في يدي، لم يفرّ هاربا بل وضعها على طاولتي، وبوقاحة فظيعة راح ينقرها وينظر إليّ متحديّا!

مسكينة أنت يافاطمة! لو كنت عصفورا أو حوتا في أمريكا، لحظوت بسمكة أو قطعة من الحلوى، ولكان خيرا لك من أن تكوني إحدى ضحايا السيّدة حلميّة في بلاد الإسلام.. بلاد الجوع و الخوف والإرهاب!!

لي صديق عربي يشتغل مهندسا في ورشة لبناء أحد الجسور في كاليفورنيا، قال لي: صدر أمر من الجهات المختصة بإيقاف العمل في بناء الجسر لمدة ثلاثة أشهر

ـ ولماذا؟

ـ أبلغونا بأنّ هناك بعض العصافير النادرة الوجود والمهددة بالانقراض ، تعشعش بالقرب من ورشة العمل وترقد فوق بيوضها خلال تلك الفترة، لذلك يجب أن نوقف العمل خوفا عليها وعلى فراخها من الضجيج !

قلت مرّة لجارتي أمّ العزّ، وكانت تقطن في الشقّة التي تعلو شقّتي في الوطن الأم: دخيلك ياأم العزّ، أتوسل اليك أن تخففي من ضجيج السهرة هذا المساء فأنا مرهقة حتّى العظم ودوامي يبدأ في الساعة الثامنة صباحا، علني أحظى بقسط وافر من الراحة والنوم . كشّرت عن أنيابها، وكأن جيفة التصقت لتوها بفمها، ثم رمقتني بنظرة ازدراء من قمّة رأسي حتّى قدميّ: إذا لم يعجبك الوضع بإمكانك أن ترحلي .

…….

وبدأت البحث عن بناية لاتعيش فيها أم العزّ، فوجدت نفسي على متن طائرة نقلتني من دمشق إلى لوس انجليس . بنيت لعائلتي عشا صغيرا وجميلا، جميلا جدا، قرب أحد الجسور المتناثرة في هذا العالم الكبير، أحلّق منه عاليا في الفضاء وأعود إليه بلا ازعاج.. بلا صداع.. وبلا ضجيج . لكنني مازلت أحنّ إلى شقّتي هناك، أحنّ إلى أم العزّ وأنيابها الصفراء.. أحنّ إلى وقع رقصها على أنغام موسيقا عشّاقها، تتسلل من نوافذي وتسرق النوم من عيوني، أحن إلى الأسر.. أحنّ إلى الوطن. لاأعرف لماذا ! لماذا يحنّ القط إلى خنّاقه؟ هل من مجيب؟

**********

من صور الطفولة التي مازالت أيضا حيّة في ذاكرتي، صورة الآنسة وسيلة معلّمة الصف الأول الإبتدائي، وهي تعلّمنا كيفيّة الوضوء. كانت تقودنا من غرفة الصفّ إلى الفناء الخلفي للمدرسة حيث يوجد صنبور ماء واحد، تحيط به بركة من الأوحال، تغطس بها أقدامنا الصغيرة حتّى الكواحل ونحن نقف في الطابور استعدادا لممارسة طقوس الوضوء. كان بيننا طفلة مسيحيّة واحدة، مازلت أذكر اسمها ـ جاكلين ايليّا لحّام ـ. كانت تجلس على بعد وتراقب عمليّة تطهيرنا، وهي ترتدي بدلتها الأنيقة وجواربها البيضاء وحذاءها اللامع. كنت أحسد جاكلين وأغار من منظرها اللائق الجميل، لكننّي كنت أشعر في الوقت نفسه بالأسى عليها، إذ لم يكتب لها قدرها كمسيحيّة أن تتعلم الفرق بين النجاسة والطهارة على غرارنا ـ نحن الأطفال المسلمون!

إذا كانت النظافة من الإيمان، ماعليك كي تقيّم حجم إيماننا، إلاّ أن تدخل دورة مياه تابعة لجامع في أيّ تواجد اسلامي، لافرق بين جامع في قرى اليمن وآخر في مدينة غاردن غرووف في جنوب كاليفورنيا!

في الصيف الماضي وخلال تواجدي في الوطن الأمّ، قمت بزيارة ترافقني ابنتي إلى الجامع الأمويّ. دخلنا قاعة كتب على بابها “مقام رأس الحسين”. رأينا عشرات النساء والأطفال والرجال يفترشون الأرض وهم يغطّوون في نوم عميق. سألت بعض المارة عن قصّة هؤلاء النيام، فأخبروني أنّهم زوّار من بلاد اسلاميّة، ولكي يوفّروا اجور الفنادق يضطّرون للنوم داخل الجامع. تحوّلت القاعة الى فرن درجة حرارته تصهر الحديد. لامراوح، لانوافذ لتجديد الهواء. رائحة النيام تزكم الأنوف وتثير لديك حاسّة الإقياء. ناهيك عن أرض الجامع والتي افترشت بالسجّاد. في محاولة، حسب اعتقادي، لمنع السرقات قاموا بربط كلّ سجّادة بالأخرى بخيطان من القنّب، ونتيجة للغبار المتراكم فوقها عبر السنين، تحسّ وأنت تمشي كأنّك تمشي في مستنقع للأوحال جفّت مياهه، فتأكل خشونة الأرض من قدميك. حاولت ابنتي أن تمشي على أطراف القاعة، ملتصقة بالحائط كي تتجنّب أن تدوس فوقها!

مليون دولار أمريكي في ذلك الصيف كلّفت عمليّة ترميم مأذنة الجامع، وكانت التحقيقات جاريّة مع وزير السيّاحة لاتهامه بالإحتيال والنفاق وسرقة تلك الأموال!

كلّ شيء في تلك البلاد النائمة يبدو على خير مايرام، طالما عبد الباسط يرفع الآذان، والسيّدة حياة تطقطق بسبّحتها، تكبّر ربّها وتصلّني على نبيّها، وعبادة الله في كلّ مكان تجري على قدم وساق!!

تصوّر نفسك سائحا وخطر ببالك أن تزور كنيسة، ليس في باريس أو لندن أو بيفرلي هيلز، وإنّما في أحد أدغال افريقيا، أو في جنوب السودان، أو في بنغلادش كأفقر أقفار الله، هل تعتقد أنّك ستدوس فوق أرضها على ذرّة من الغبار، أو تزكم أنفك رائحة لانسان؟! ليست الأزمة أزمة مال، إنّها أزمة عقل ودين، أزمة عقل سقط رهينة ذلك الدين! أمّة ابتلت بعقلها ووجدانها، وقبل أن تبتلي بهما ابتلت بدينها!

(للحديث تتمة)    وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا, فكر حر | Leave a comment

الشيخ محمّد وظاهرة اللسان الداشر..2

الدكتور أحمد بغدادي رجل مسلم كويتي واستاذ جامعي ومفكر كبير، سبق بأفكاره النيّرة وكتاباته التي تتناقلها الصحف والمواقع الإلكترونيّة، سبق زمانه ومكانه، كتب مؤخرا يقول: نحن الذين شوهّنا الإسلام! رغم اعجابي الشديد بهذا الرجل المسلم الكبير، صعقت عندما قرأت له تلك العبارة، لأنني اؤمن حقّ الإيمان بخطأ مضمونها وفحواها، وبالظلم الذي يقع على المسلمين أنفسهم من جرّاء الإيمان بها! نحن المسلمون لم نشوّه الإسلام، بل هو الذي شوّهنا! عندما تتلو على طفل لم يتجاوز بعد سنواته الأولى الآية التي تقول: أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ..”(المائدة33) تكون قد خطوت الخطوة الأولى في صناعة إرهابيّ كبير! أنا كطبيبة ملمّة بعلم النفس والسلوك، اؤمن بأنّ أيّ رجل مسلم في العالم عاجز أن يشوّه هذه الآية أكثر مما هي مشوّهة! هي نفسها التي ساهمت في تشويه هذا الرجل!

قد لايكون مطلوبا من الدكتور بغدادي أن يكون طبيبا ملمّا بعلم النفس والسلوك، ولكنه ملزم أن يقرأ مايكتبه هؤلاء الأطباء! أيّة جريمة في الأرض تستحقّ هذا العقاب؟!! أيّة جريمة في الأرض تستحقّ أن تقطع رجل مرتكبها ويده من خلاف؟!! هل هي العدالة السماويّة التي تأمر بهذا العقاب؟!! في تلك الحالة، لاأعتقد إنّ مرتكب الجريمة أشدّ ارهابا من منفّذ العقاب!! هذه الآية هي التي شوّهت محمّد عطا وصنعت منه ارهابيا، وليس هو الذي شوّهها وأساء فهمها وفحواها!!

عندما فجّرت مجموعة ارهابيّة في اندونيسيا ناديا يؤمّه السيّاح من جميع أنحاء العالم، راح ضحيّتهم شاب أمريكي من منطقة هانتنتون بيتش في جنوب كاليفورنيا. هذا الشاب يهوى التزلج على سطح الماء، وهو بارع في أداء تلك الرياضة. في حفل تأبينه، علقّ أصدقاؤه على باب بيته لائحة كبيرة تقول:

Terrorists do not know how to surf أي: الإرهابيون لايعرفون كيف يتزلّجون على سطح الماء!!

حلمي الوحيد أن يتعلم أطفال المسلمون كيف يتزلّجوا على سطح الماء، بدلا من أن يتعلّموا كيف يقطعون الأرجل والأيدي من خلاف!! عندها لن يكون هناك محمّد عطا آخر أو زرقاوي أو أسامة بن لادن، وسيتوجه قرّاء الشيخ محمّد بمنشوره إلى أقرب برميل لرمي الأوساخ!

مزّقوا كتبكم، اهدموا كلّ بيت للعبادة في بلادي، إنّ الله يُعبدُ بالتزلج فوق سطح الماء!

****************

كنت وأطفالي يوما نراقب برنامجا تلفزيونيّا، استضاف مقدّم البرنامج مجموعتين من الناس. إحداهن من البيض والأخرى من السود، وكان الخلاف بينهما على أشدّه. نظرت امرأة بيضاء إلى مقدّم البرنامج وقالت: عندما أعرف أنّ هناك رجلا أسود في الجنّة سأسأل الله أن يأخذني إلى النار. التفتت ابنتي نجلاء، وكانت يومها في الخامسة من عمرها، وقالت: هذه المرأة غبيّة ياأماه! قلت في محاولة لقراءة أفكار نجلاء الصغيرة: ولماذا؟!

ـ هي تعرف أنّ مارتن لوثر كينغ في الجنّة، ولذلك حكما ستكون في النار!

ـ ومن هو مارتن لوثر كينغ يا نجلاء؟

ـ هو محرر السود، الذي رفض العنف، وانتصر لقضيّة شعبه بالسلام!

كنت أروي تلك القصّة مرّة لبعض الأصدقاء، ثار أحدهم وقال: لقد فشلت ياسيّدتي في تربيتك لابنتك فشلا ذريعا!

ـ وكيف؟!

ـ في هذا العمر، يجب أن تكون ابنتك، على علم بأنّ مارتن لوثر كينغ والسيّدة البيضاء كلاهما في النار!

ـ لماذا؟!

ـ لأنهما لم يعتنقا الإسلام!

ـ احتفظ ياسيّدي لنفسك باسلوب تربيّتك، ودعني أعلّم ابنتي كيف تتزلّج على سطح الماء!

**************

سُئلت مرّة السيّدة سميث: من هو مثلك الأعلى؟ فردّت على الفور: السيّدة اندرسون!

ـ من هي السيّدة اندرسون؟ وكيف تعرّفتي عليها؟

ـ لاأعرفها، ولم ألتق بها على الإطلاق! كان ذلك منذ عشرين عاما، كنت يومها في السنة الدراسيّة الأولى لي كمعلمة للصف الأول الإبتدائي، وكنت غرّة قليلة الخبرة في هذا المجال. انتقل إلى صفّي طفل في منتصف العام، تبدو عليه علامات الشقاوة وقلّة الإنضباط. اقترب على الفور من طاولتي، وقف بمحاذاتي ثمّ همس في أذني: أحمل اليك رسالة مهمّة أرسلتها معلمتي السابقة السيّدة اندرسون! مددت يدي باتجاه جيبه، وقلت: اعطني اياها! تابع ببراءة طفوليّة: هي ليست مكتوبة على الورق، لقد وضعتها داخل رأسي!

ـ قلها لي!

ـ أنت معلمة محظوظة جدا لأنني انتقلت الى صفك! أدركت لتوي الدرس الذي تودّ السيّدة اندرسون أن تعلّمني إياه، عانقته وضممته إلى صدري وأنا أردّد: أعرف.. أعرف أننّي معلمة محظوظة!

وتتابع السيّدة سميث: بذل الطفل مايكل جهدا كبيرا وملحوظا حتّى نهاية ذلك العام، كي يضبط تصرّفاته ويثبت أنّني معلمة محظوظة جدا جدا!

وعلى غرار السيّدة سميث، قام خليفتنا الراشد والعادل عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه وأطال عمره، فهو مازال يعيش داخل عباءة كلّ رجل مسلم، قام بضرب طفله بالدرّة حتّى أبكاه. سألته حفصة: ولماذا ضربته؟ فأجاب: وجدّته معتّزا بنفسه فكسرتها فيه!

أعرفتم الآن لماذا يحاول سماحة الشيخ محمّد أن يكسر درّته فوق رأسي؟! هو يحاول أن يكون خير خلف لخير سلف! رضي الله عن السلف والخلف، وأمدّ عمريهما، كي لا يتركا مسلما معتزا بنفسه إلاّ ويكسرانها فيه!! من كان مكسورا لايقبل أن يرى غيره معافىً سليما!

الطفل مايكل هو نتاج السيّدة سميث، ولذلك خرج إلى الحياة يعرف كيف يتزلّج على سطح الماء، والشيخ محمّد من نتاج أمير المؤمنين، ولذلك خرج إلى الحياة مكسورا، ويعرف كيف يكسر الآخرين!

*****************

قال مرّة أحد المسؤولين الأمريكيّين:

It is a big mistake to believe Uncle Sam’s book is open and yours is closed

إنّه من الخطأ بمكان أن تعتقد إنّ كتاب العم سام مفتوح وكتابك مغلق!

لقد كان العمّ سام مغرورا، غبيّا جدا، جاهلا وأميّا حتّى تاريخ الحادي عشر من أيلول عام 2001. سمح لغيره أن يستبيح كتبه، ولم يقرأ حرفا في كتب هذا الغير! دفع ثمن غلطته باهظا جدا. توجّه في صبيحة اليوم الأول لوقوع المجزرة إلى مدارسهم، وبدأ لأول مرّة في تاريخه، يتعلّم كيف يفكّ حروفهم!

حتّى تاريخ تلك اللحظة الحاسمة، ليس في تاريخه فحسب، بل في تاريخ العالم كلّه، كان يؤمن بالمثل القائل: كي تربّي طفلا تحتاج إلى قرية، وفي اللحظة التي تلتها كتب سطرا آخر: ولكي تحوّل هذا الطفل إلى غول تحتاج إلى أمّة توعظ في الليل والنهار” حيّ إلى الجهاد.. حيّ إلى القتال!”.

****************

روى لي طبيب مصري: أنّ باحثة أمريكيّة مختصّة في علم النفس والسلوك، قد سافرت إلى مصر في نطاق جولة حول العالم، تدرس من خلالها مستوى الذكاء الفطري عند الطفل، وتأثير البيئة على هذا المستوى. تعاون معها الطبيب المذكور أثناء بحوثها، وبعد عودتها أرسلت له تقريرا مفصلا عن نتائج دراستها. جاء في التقرير: إنّ الذكاء الفطري عند الطفل المصري أعلى من مستواه لدى جميع الأطفال الآخرين الذين شملتهم بحوثها، ولكنّ البيئة المصريّة هي من أكثر البيئات تخريبا لهذا الذكاء وأشدّها تدميرا!

طالما يتربّى هذا الطفل في حضن سماحة الشيخ الشعراوي، هل يعقل أنّ تبقى خليّة واحدة حيّة في دماغه!

كنت أصغي مرّة إليه وهو يحاضر في موضوع عن عظمة الخالق وقدراته، داعما أقواله بآيات من القرآن. يميل أثناء حديثه ذات اليمين وذات اليسار، ملوّحا بيده في الهواء، متلاعبا بتعابير وجهه بطريقة تمثيليّة مثيرة للدهشة!

يقول الله في كتابه العزيز ” ويسألونك عن الجبالِ فقل ينسفها ربّي نسفاً “!.. لقد أبدع سماحته في تفسير تلك الآية! سبحانه وتعالى تتجلّى دوما عظمته في قدرته على النسف!! لم يستطع الظواهري أن يثبت عظمته ببناء برج، لكنه أثبتها بنسفه لهذا البرج!! لقد أبدع شيخه في تلقينه هذا الدرس!

يعتقد بعض العلماء إنّ النزعة التخريبيّة عند الانسان قد تكون غريزة موروثة في جيناته، فلقد لاحظوا إنّ الطفل قادر في سن مبكرة جدا، وتحديدا حوالي الشهر السادس من عمره، على أن يضرب بيده عمودا من القطع البلاستكيّة المصطّفة فوق بعضها البعض. يبدو قادرا على فعل ذلك قبل أن يرى أيّ انسان آخر يفعله، وتبدو عليه علامات الدهشة والإستمتاع أثناء سقوطها. بينما قدرة هذا الطفل على رصفها فوق بعضها البعض لايمكن أن تتبلور قبل العام الثالث من عمره، وهي عادة قدرة مكتسبة، يتعلّمها بمراقبة غيره يفعل ذلك. من خلال هذا السيناريو الطبيعي البيولوجي ـ إن صحّ التعبير ـ يبرز دور التربية بوضوح.

الانسان لايولد في أحسن تقويم، بل عمليّة تربيته هي التي تلعب دورا في تقويمه. وقد يكون للطبيعة حكمتها من ذلك، فهي تزوده بغرائز تساعده على البقاء حيّا في سنوات حياته الأولى ـ من يدري، قد تكون الغريزة التخريبيّة عنده الوسيلة الوحيدة التي تمكّنه من شق الأغشية الجنينيّة التي كانت تغلّفه في رحم أمّه والخروج إلى الحياة؟! ولكن مع تقدّم العمر يزداد دماغه نموا، وتزداد بالتالي قدرته على اكتساب مهارات جديدة، تقوم تلك المهارات بتهذيب غرائزه، بل بالحلول مكانها في كثير من الأحيان!

من أين يكتسب الطفل مهاراته؟ يكتسبها من الطاقم التربوي المحيط به، يكتسبها من الشيخ الشعراوي ومن أقواله وحركاته وآياته!! في أغلب الأحيان تكون عمليّة الاكتساب هذه، عمليّة ايحائية تتم بطريقة غير ملحوظة وليست مرئيّة. هل يستطيع أحد فينا أن يرى بالعين المجرّدة، كيف تمتص قطعة من الاسفنج الماء عندما تسقط في البحر؟ هل يعرف أحد فينا كيف يتحول كأس من الماء إلى اللون الأزرق عندما تقع فيه نقطة من الحبر؟ الشيخ الشعراوي ـ كي لاأظلمه ـ لم يأمر الظواهري علنا بالذهاب إلى برج التجارة العالمي ونسفه، لكنّ أمره بالإيحاء عندما أقنعه إنّ الطريقة المثلى التي يظهر الخالق بها عظمته، هي في إظهار قدرته على النسف!!

تصوّروا طفلا يسير مع والده، يدفعه فضوله الطفولي الى السؤال: بابا من هو الله؟ ويردّ الوالد: انظر الى هذه الجبال، كم تبدو ضخمة وقويّة! إنّ الله هو الخالق الذي يستطيع نسفها نسفا! هل تستطيع الآن أن تتصور يابنيّ! عظمة الله؟!

هل يستطيع أحد فينا أن يتصوّر الرسالة التربويّة التي سلّمها الوالد الى ولده من جرّاء هذا المثال؟! طبعا!! إنّها باختصار: كي تكون عظيما عليك أن تكون عنيفا! والعنف يكمن في القدرة على النسف، لافي القدرة على البناء!

تعالوا نتصوّر جوابا بطريقة أخرى: انظر يابنيّ الى هذه الأزهار الجميلة، الى هذه الجبال الشاهقة، الى هذه الروابي الخضراء، الى هذه الأشجار المثمرة، الى هذه الفراشات المزركشة، الى هذه الأنهارالهادرة، الى هذه الأمطار الغزيرة، إنّ الله هو الخالق الذي أبدعها! إنّ الله ـ يابنيّ ـ جميل ويحب الجمال، لقد خلق الكون على شاكلته!

هل تتصورون الطفل الذي يتلقى هذا الجواب، سينسف يوما برجا أو يفجّر نفسه داخل حافلة للركاب؟!!

***************

نشرت إحدى الصحف الصادرة هنا باللغة العربيّة خبرا مفاده: أقام مسجد في جنوب كاليفورنيا دورة تعليمية ضمت مجموعة من الطلاب المسلمين، كان موضوعها “السيرة النبوية” وفي نهاية الدورة وزعت الجوائز على المتفوقين من الطلاب.

الفضول وحب المعرفة غرائز تولد مع الإنسان. يقوم النمط التربوي المتبع إمّا بتعزيزها وإمّا بوأدها في مهدها!

عند الإنسان المسلم تولد هذه الغريزة ميتة. فالتربية الإسلامية تفرض على انسانها أن يتشرّب الفكرة بالإستسلام وتمنعه من أن يصل إليها بالإستنتاج، والفكرة التي تفرض بهذه الطريقة تبقى هشة، لايملك صاحبها أيّة قدرة للدفاع عنها، أو إقناع إنسان آخر من بيئة تربوية أخرى بها.

الطفل المسلم في المجتمع الأمريكي، ومهما كان والداه متشددين، لايمكن أن تقارنه بطفل يتربى ويعيش في بيئة اسلامية أخرى. يتشرّب هذا الطفل، كغيره من الأطفال، حب السؤال والإستفسار ويميل إلى رفض كل فكرة لاتتناسب مع أخلاقية وآداب البيئة التي يعيش فيها. قد تكون درجة هذا الحبّ عنده أقل منها عند الأطفال الآخرين، إذ ليس بإمكاني أن أنفي تأثير الوالدين، ولكنها أعلى بالتأكيد منها عند قرينه في أي مجتمع إسلامي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:

هل يتقبّل هذا الطفل مايسمعه عن سيرة نبيّه دون أن يسأل عشرة آلاف سؤال، وقبل أن يتلقى جوابا منطقيا، أخلاقيا وعلميا على كلّ من تلك الأسئلة؟!!

لاأشكّ لحظة من أنّ حضرة المعلم الذي تزّعم تلك الدورة، قد عرّج في سياق حديثه عن النبيّ محمّد على ذكر غزواته، وعلى رأسها غزوة الخندق وتابع يقول ـ كما قرأت في إحدى الكتب المختصة بهذا التاريخ المشرّف ـ: لقد انتصر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الكفار واستولى على أموالهم ونسائهم وأطفالهم فأفاء الله بها عليه!

ولا أشكّ لحظة من أنّ ابن الشيخ محمّد، والذي يبدو أبوه فخورا جدا بتلك القيم والحضارة إلى حد يخاف عليها من وفاء سلطان، لاأشكّ لحظة بأنّ هذا الأبن الذي تشرب من المجتمع الأمريكي، ولو قليلا، حبّ السؤال والإستفسار، عاد إلى والده الشيخ يسأله: كيف يستولي رسول الله على نساء الغير وبأيّ حق يفيئ الله عليه بهن؟

من هو هذا الرسول؟ ومن هو هذا الله؟!

ويتابع حضرة المعلم المبجّل: تزوّج رسول الله فلانة.. ثمّ فلانة.. ثمّ فلانة.. ثم فلانة.. ثمّ تزوّج صفيّة بنت حيي بن اخطب من يهود بني النضير، وكانت زوجة كنانة بن الربيع الذي كان من أسرى يهود خيبر وقتله بن مسلمة بأمر النبي، وكانت من السبايا. فلمّا استعرض النبي السبايا ورأى صفيّة، قام وألقى رداءه عليها ليعلم الجميع انه اصطفاها لنفسه! لقد تزوجها الرسول ـ صلوات الله عليه ـ في نفس اليوم الذي قتل فيه زوجها وأبيها وأخيها.

ويجد الشيخ محمّد نفسه مرّة أخرى، ليس في قفص الإتهام الذي وضعته به وفاء سلطان، وإنّما تحت سيل من الأسئلة التي واجهه بها ابنه الذي تشّرب، ولو قليلا، من أخلاقيّة المجتمع الذي يعيش فيه وتعلم كيف يطرح السؤال: يا أبتي! بأيّ حق يقتل نبيّ الله أحد اسراه ويتزوج امرأته في نفس اليوم الذي قتله فيه؟! يا أبتي بأيّ حق يسبي نبيّ الله النساء؟ وكيف يبيح لنفسه الزواج من تلك النساء؟! يا أبتي كيف يختار نبي الله المرأة التي يريد أن يتزوّجها؟ يا أبتي لقد حاولتم اقناعنا بأنّ النبي تزوج الكثير من النساء كي يساعدنه في نشر الدعوة إلى الإسلام، كيف يعرف أنّ تلك المرأة وبمجرد النظر إلى جسدها الجميل ـ على حدّ وصف أم أنس بنت مالك لها عندما قامت بتزينها له ـ قادرة فكريا ولديها من الملكات العقليّة مايمكّنها من القيام بتلك المهمّة؟!! ياأبتي! هل يعقل أن امرأة تعتنق وتنشر دين رجل قتل زوجها وسباها، ثم اغتصبها في نفس الليلة؟!! ياأبتي! هل هذا هو الإسلام؟ هل هذا هو دين الله؟! يا أبتي اتقوا الله فيما تقولون وتفعلون!!

ويبقى الشيخ محمّد مصرا على تجاهل الجواب، مقتنعا بأنه قادر على ممارسة ـ قيمه وحضارته(!!!!) ـ في أمريكا، كما كان قادرا على ممارستها في الربع الخالي ونجد وعرفات!

وفاء سلطان لم تتهم الإسلام ـ على حدّ ادّعاء الشيخ محمّد ـ بل هو الذي وضع نفسه في قفص الإتهام! وإذا لم يجب هذا الشيخ على تلك الأسئلة حبا وطواعية، سيجبره هذا العالم المتمدن، الذي باع سرواله كي يعيش فيه، سيجبره عاجلا أم آجلا على الإجابة قسرا وكراهية!!

****************

سولانجي رجل هنديّ، قصّته ممتعة للغاية! نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في أحد أعدادها تقريرا مفصلا عنه. يعيش في قرية نائية في أحد جبال الهند، يشتغل عاملا في مركز بريد تلك القرية، ويتقاضى على عمله سبعة دولارات في الشهر كافية لإيوائه واطعامه وعائلته الصغيرة. المركز عبارة عن غرفة واحدة تفتقر، كما تفتقر القرية كلّها، الى الطاقة الكهربائيّة. حرارة الجو في تلك الغرفة تتجاوز الخمسين درجة مئويّة. الناس يحترقون وهم واقفون. مضى على وجود سولانجي في ذلك المركز أكثر من عشر سنوات. يقوم خلال عمله بتحريك مروحة معلّقة في سقف المركز، عن طريق سلك يشدّه وهو يجلس في أحد زوايا الغرفة.

مع التكرار وعلى مرّ الزمان، لم تعد يدّ سولانجي بحاجة إلى أيّ أمر دماغيّ كي تقوم بعملها، فتحولت إلى آلة تتحرك بطريقة تلقائيّة ميكانيكيّة، والدليل أنّ الصحيفة المذكورة كانت قد نشرت صورة لسولانجي وهو يغط في نوم عميق، بينما يده مستمرة في تحريك سلك المروحة!

سئل مرّة المطرب الأمريكي مايكل جاكسون عن بعض الحركات التي يقوم بها، والغير مقبولة اجتماعيّا، فقال: أنا عبد النغم، يحرّكني ولا أحرّكه، يثيرني ولا أملك أيّة مقاومة ضدّه!

المسلمون لايقرأون كتابهم، بل يرتّلونه! هناك فرق كبير بين أن تقرأ وبين أن ترتّل! القراءة عمليّة حيويّة، يتفاعل خلالها العقل مع المادة المقروءة، يفكّر.. يحذف.. يضيف.. يتساءل.. يجيب.. يبدّل.. يغيّر.. يرفض.. يقبل. والترتيل عمليّة منفعلة آليّة يهمد خلالها العقل تحت تأثير النغمة، وليس تحت تأثير الكلمة.

المسلمون يقرأون كتبهم على طريقة سولانجي وهم نائمون، وعلى طريقة مايكل جاكسون وهم مخدّرون! لقد خدّر الشيخ عبد الباسط عبد الصّمد عقل المسلم أكثر بكثير مما ساهمت أمّ كلثوم في تخديره! تحت تأثير صوته الرخيم سقط هذا العقل عاجزا عن كلّ تفاعل.. عن كلّ تساؤل.. عن القيام بأية عمل يثبت وجود أثر للحياة في ذلك العقل!

في الطب حالة تدعى “العين الكسولة”، يصاب بها الإنسان في طفولته المبكّرة، إذ يقوم الطفل باستخدام إحدى عينه وإهمال الأخرى. العين التي تُهمل تكون مبدئيّا سليمة من الناحية التشريحيّة والفزيولوجيّة الوظيفيّة، ولكنّها وبسبب عدم استعمالها تتوقف عن ارسال الحسّ البصري الى الدماغ، فيتوقف هذا الدماغ عن ارساله أوامره بالرؤيّة اليها. مع مرور الأيّام يظنّ الدماغ إنّ العين لم تعد بحاجة اليه، وعند تلك النقطة تنقطع العلاقة تماما بينهما، فتصاب العين بالعمى الذي لاعلاج له.

إذا استطاع الطبيب أن يشخّص الحالة قبل الوصول الى تلك الدرجة، يقوم بتغطية العين السليمة واجبار الطفل على استعمال عينه الكسولة، فيستدرك الدماغ على الفور حاجة تلك العين اليه ويستعيد علاقته بها بالكامل رويدا رويدا. التفسير العلمي لتلك الحالة يفسّر الحالات الأخرى التي يتوقّف فيها الانسان عن التفاعل مع محيطه عبر حواسه وبالتعاون مع دماغه.

الانسان المسلم كالعين العمياء التي احتفظت بسلامة منظرها، لكنهّا فقدت وظيفتها! على مدى خمسة عشر قرنا من الزمن لم يستعمل هذا الانسان دماغه. ظنّ هذا الدماغ أنّه لم يعد لهذا الرجل حاجة به فقطع كلّ اتصالته بحواس هذا الرجل وبالتالي بمحيطه وبيئته. الانسان المسلم يستقبل ولا يرسل.. يجيب ولا يسأل.. يأخذ ولا يعطي.. يقبل ولا يرفض.. يكرر، بلا أدنى تفكير، قال فلان عن فلان عن فلان عن فلان، رضي الله عنهم أجمعين!

في أحد الكتب الدينيّة التي بين يدي عبارة تقول: روت أمّ حفصة عن أبي حفصة ـ رضي الله عنهما وعن ابنتهما حفصة ـ! ولا من عاقل يسأل: من هي أمّ حفصة ومن هو أبو حفصة؟! وما مدى مصداقيتهما في نقل مايروون؟!

لم يعد الرجل المسلم مسؤولا عن أفعاله، لكي نحاكمه يجب أن نحيل أم حفصة وأبي حفصة الى محكمة التاريخ، فهما السلك الذي يحرّكه منذ مئات السنين!

***************

السيّدة حياة مدرّسة لمادة اللغة العربيّة. هي من دمشق، لكنّها عُيّنت في سنوات خدمتها الأولى لتدرّس في مدينة بانياس. كنت يومها في الصف الأوّل الإعدادي. تغيّبت حياة عن المدرسة يوما وعادت في اليوم التالي تشرح أسباب تغيّبها:

ـ ركبت أحد الباصات المتوجّهة من دمشق الى اللاذقيّة على أن أترجل في بانياس المحطّة التي أقصدها. جلست في مقعدي أطقطق بمسبحتي وأسبّح بحمد ربّي، وأصليّ على نبيّه. وصل الباص الى بانياس، صاح معاون السائق: بانياس.. بانياس.. بانياس! تتابع السيّدة حياة: لقد سمعته يصيح، لكننّي لم أعِ مايقول، كنت غارقة في تسابيحي وصلواتي! استأنف الباص سيره حتى وصل الى اللاذقيّة، وفي المحطّة هناك نزل جميع الركّاب، واستمر المعاون في صياحه: اللاذقيّة.. اللاذقيّة آخر محطّة، لم أنتبه لصياحه وبقيت غارقة في تسابيحي وصلواتي! اقترب مني وهزّني من كتفي. انتفضت السيّدة حياة ـ على حدّ تعبيرها ـ كعصفور خرج لتوه من بركة ماء: ولكنني أقصد محطّة بانياس!! ويردّ المعاون: اذن انتظري ثلاث ساعات أخرى لنصحبك في طريق عودتنا الى دمشق!

في جداول السيّدة حياة لاقيمة للوقت، طالما تقضيه في التسبيح بحمده والصلاة على نبيّه!! ألف وخمسمائة عام وهذه الأمّة غارقة في تسابيحها، لاتعرف أيّة محطّة وصلت ولا إلى أيّة محطّة هي ذاهبة! تحلم بالمهدي المنتظر كي يهزّها من كتفها، ويعلن وصولها!

إنّ أمّة تنتظر رجلا واحدا كي ينقذها، هي أمّة لن تعيش، والأكثر من ذلك لاتستحقّ أن تعيش!! كيف نستطيع أن نقنع دماغنا أننا بحاجة إليه، علّه يعيد علاقته بنا؟ كيف نستطيع أن نعيد إلى تلك العين العمياء بصرها؟!!

(للحديث صلة)    وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا, فكر حر | Leave a comment

التدخل في سوريا

روجر كوهين

ميونيخ، سوريا – إنها معضلة بالنسبة لإسرائيل؛ فمن شأن إسقاط الحاكم المستبد بشار الأسد أن يضع نهاية للحليف العربي الوحيد لإيران ويقطع أنبوب المساعدات الإيرانية الممتد إلى حزب الله، وهو ذراعها في لبنان. ويمثل هذا الأمر أهمية استراتيجية لإسرائيل، لكن على الجانب الآخر، لن ترضى إسرائيل بالفوضى التي ستعمّ سوريا عقب سقوط الأسد، حيث ستتمكن الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، التي تحب الفراغ وتبغض اليهود، من الحصول على أسلحة متطورة. لذا كان من المثير للاهتمام الاستماع إلى تصريحات وزير الدفاع المنتهية مدته، إيهود باراك، في مؤتمر الأمن بميونيخ، التي أكد خلالها على ضرورة رحيل الأسد وأعرب عن أمله في أن يحدث هذا «قريبا».

لا يوجد خيار بشأن سوريا في هذه المرحلة من التفكك لا يتضمن مخاطرة. مع ذلك، أسوأ طريق هو الطريق الذي اختاره الرئيس أوباما وقادة الدول الغربية والمتمثل في عجز الضعيف، الذي يعد أكبر خطأ.

وقصفت إسرائيل مؤخرا قافلة كانت تنقل أسلحة مضادة للطائرات في سوريا مثلما قصفت من قبل مركز أبحاث على الأسلحة، ولم يرد الأسد سوى ببعض التذمر المتأخر واصفا الأمر بأنه «مزعزع للاستقرار». وتبدو هذه الطريقة متقدمة بالفعل. ومن الأسئلة التي أثارها هذا الهجوم هو: إلى أي مدى أصبح الأسد نمرا من ورق؟ وهناك سؤال آخر وهو: هل استخدام الغرب القوة سوف يؤدي حتما إلى رد فعل قوي من الجانب السوري؟ لا يبدو هذا.

وتقدم سوريا، التي اندلعت ثورتها قبل نحو 22 شهرا، صورة توضح انعدام الضمير. لخص الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، الأزمة في تقرير إلى مجلس الأمن بتاريخ 29 يناير (كانون الثاني) الماضي تم تسريبه. لقد تحدث عن «مدن بدت مثل برلين عام 1945». وأدان الإبراهيمي مقتل ستين ألفا راحوا ضحايا المذابح الدموية، والسبعمائة ألف لاجئ، الذين سيرتفع عددهم إلى مليون في غضون أشهر قليلة، والنازحين بالداخل الذي يفوق عددهم المليونين، والمعتقلين الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف. وحذر من انهيار بعض دول الجوار مثل الأردن ولبنان تحت فيضان اللاجئين الذي يزداد قوة.

وقال الإبراهيمي لمجلس الأمن: «آسف أنني أبدو مثل أسطوانة قديمة مشروخة مكررة، لكنني لا أرى من أين يمكن للمرء أن يبدأ أو أن ينتهي إلا بقول إن الأمور سيئة وتزداد سوءا وإن الدولة تنهار وتتفكك أمام أعين الجميع. لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، على الأقل حل عسكري لا يدمر سوريا والشعب السوري تماما. لا يستطيع السوريون أنفسهم بدء عملية سلام، فدول الجوار غير قادرة على مساعدتهم.. فقط المجتمع الدولي هو الذي يمكن له أن يقدم لهم المساعدة». مع ذلك، «المجتمع الدولي»، ويا لها من عبارة مقيتة، منقسم على ذاته، حيث تشارك روسيا، التي أيدت القيام بعملية عسكرية في ليبيا، والصين، التي تعارض التدخل العسكري، في لعبة العرقلة.

يريد الإبراهيمي حكومة انتقالية تتشكل من قوى لها «صلاحيات كاملة». ويعد هذا تعبيرا دبلوماسيا عن عدم وجود مكان للأسد في تلك المرحلة الانتقالية. وستكون الحكومة ثمرة مفاوضات تتم خارج سوريا بين ممثلي المعارضة ووفد حكومي «مدني – عسكري قوي». وستشرف الحكومة على مرحلة التحول الديمقراطي بما فيها من انتخابات وإصلاحات دستورية. ويبدو هذا جيدا، لكنه غير قابل للتطبيق.

أتفق مع الإبراهيمي في عدم وجود حل عسكري، فسوريا لوحة من الفسيفساء العرقية والدينية، لذا تحتاج إلى تسوية سياسية وحل وسط حتى تبقى، وهذه هي الحركة الأخيرة في مباراة الشطرنج. ولا يعني هذا عدم قدرة العمل العسكري على الدفع باتجاه النتيجة السياسية المرجوة من خلال دعم تعزيز القدرات العسكرية للمعارضة السورية وتمهيد ساحة المعركة والتعجيل برحيل الأسد اللازم من أجل ميلاد سوريا الجديدة. ولن يرحل الأسد، الذي ينتمي إلى العلويين، إلى أن تتغير كفة ميزان القوى لصالح الطرف الآخر.

لا تريد الولايات المتحدة أن تنجرف إلى صراع شرس آخر في الشرق الأوسط. لقد سئم الأميركيون الحروب. كشف لي زميلاي مايكل غوردون ومارك لاندلر كيف عرقل أوباما محاولة من هيلاري كلينتون خلال الصيف الماضي لتدريب مجموعات مختارة من الثوار السوريين وإمدادهم بالأسلحة. كذلك لا يريد أوباما أن يجد نفسه في موقع مساعدة المتطرفين الإسلاميين على ملء الفراغ في سوريا. ائتلاف المعارضة منقسم على ذاته وتنقصه المصداقية، لكن لا يمكن أن يصبح نتاج هذه المخاوف هو العجز أمام احتراق سوريا. لقد كان السناتور جون ماكين محقا حين قال: «ينبغي أن نخجل من فشلنا في مساعدة الشعب السوري». وكان أيضا على صواب عندما رد مجيبا عن سؤال حول كيفية تغيير وضع الطريق المسدود، بكلمتين هما: «القيادة الأميركية».

لقد تم الوصول إلى نقطة انقلاب. يزيد عدم القيام بأي فعل من اتجاه الوضع نحو التطرف في سوريا، وتفكك الدولة، وتزايد وتيرة عمليات القتل الجماعي التي يرتكبها الأسد، واحتمالات امتداد الصراع إلى خارج سوريا في المناطق ذات الطابع الطائفي. يعد هذا إهدارا لفرصة إضعاف إيران، وليس هذا في مصلحة الغرب. الاتفاق الذي يتضمن رحيل الأسد فضفاض.. لا بد أن يتم التوصل إلى اتفاق وتفاهمات من دون كلام في موسكو. وتمتم وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، وهو في حالة من عدم التصديق متحدثا عن فكرة جلوس قوى المعارضة على طاولة حوار مع نظام ذبح أنصارها. لقد حان وقت تغيير ميزان القوى في سوريا ليصبح التوصل إلى تسوية سياسية أمرا ممكنا ولا يصبح هناك خيار أمام الأسد سوى الرحيل. ويعني هذا وضع برنامج شامل لتدريب وتسليح الجيش السوري الحر. كذلك يعني أن دعوة ماكين إلى استخدام صواريخ «كروز» الأميركية لتدمير طائرات الأسد قبل أن تقلع، تصبح أكثر إقناعا يوما بعد يوم.

* خدمة «نيويورك تايمز»

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

لماذا تسكت حكومات الدول العربية عن بذاءات الشيوخ , مصر ووجدي غنيم مثالا؟

جوزيف شلال   2013 / 2 / 5

لم نسمع ونشاهد رجل دين أو عالم في أية دولة اخرى بأستثناء الدول العربية والاسلامية يتلفظ بكلمات نابئة وقبيحة وغير أخلاقية وضد القيم والانسانية , والدعوة الى ازدراء الاديان والقتل والانتقام والطعن في دين وعقائد الديانات الاخرى , لا بل الى تكفيرها واقصائها وتهجيرها , بالاستناد الى الاحاديث وبعض الايات والكتب والتاريخ والقصص والاساطير والحكايات والخرافات المنقولة دون توثيق وادلة وشهود , وانما وصلتهم بتكنولوجية الرنين الصدرية وموجات الكهرو عنعنة التي وصلت نصا دون زيادة وتحريف .

شيوخ الدجل والارهاب والتكفير والنكاح ورضاعة الكبير وبول البعير وزواج المسيار والعرفي والمتعة وزواج الاطفال والرضيعات والمفاخذة , واصحاب فتاوى ما يطلبه المستمع والمشاهد وما الى ذلك , يقولون كلاما لا ينطقه إلأ أبناء تربية الشوارع والمصابون بامراض وعقد نفسية وعقلية وفكرية وداء الشعور بالنقص والاختلال الجنسي والمتلبس والمركوب من الجن والشيطان , في هذه الحلقة الاولى نقدم نموذجا واحدا من هؤلاء الذين يتميزون بالاوصاف التي ذكرت قبل قليل وهو المدعو والمسمى الشيخ وجدي غنيم , بصورة مختصرة سندرس تاريخ حياة هذا الشاذ والشاة التائه والضائع والمريض والخالي من الاشباع الروحي والطمأنينة لانه هالك في الاخرة ومصيره النار والجهنم , وفي حياته الدنيوية يعيش صراع نفسي رهيب , لان تصرفاته تدل و تؤكذ ذلك , والمتوقع له سيصاب بمرض عضال خبيث لا محال , لان الله كما يقال لا يستعمل الحجارة أو / ألزجيل / كما قيل في الاساطير , بل الله لا يدع شخصا بهذا المستوى دون عقاب وبصمة كما قيل في الكتب الصحيحة . . . الشاهد والدليل رقم 1 /

ألم ينطق هذا السيد والامام الشيعي من مصادر اسلامية , ام هو افتراء مسلم على مسلم ?

تعليقنا هو / أولا / لو هذا الكلام خرج من رجل دين مسيحي وهو يصف دين من الديانات أو عقيدة من عقائد الاخرين بهذه الطريقة المخزية , ماذا كان يحصل من قبل شعوب وانظمة المغضوب عليها ? , ثانيا / مسيحيا , سوف يطرد حتما هذا الرجل من قبل رؤساء الكنائس والمسيحيين على حد سواء , لكن جميع حكومات الدول العربية تسكت عن هذه البذاءات ولا تقوم بمحاسبتها ومعاقبتها , هل تعرفون لماذا هذا الصمت المطبق من قبل الجميع ? لان هذه الانظمة وغالبية شعوبها ودساتيرها وقوانينها وتشريعاتها إسلامية ومن الشريعة نفسها , هذه الكلمات التي ينطقها الشيوخ موجودة وجاءت في الايات والكتب والاحاديث , لان الاناء بما فيه ينضح / اليكم هذه

جاء في فتاوى اسلام ويب / سب المسيحيين ودينهم / عنوان الفتوى – حكم سب دين النصارى / رقم الفتوى – 50065 /
فتاوى اسلام ويب

 – الفتوى / الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آاله وصحبه , اما بعد / إن كان القصد بالدين ما أحدثه النصارى من التحريف والتبديل والشرك والخزعبلات فهذا لا مانع من سبه ووصف أصحابه بالشرك والكفر .

فقد قال الله عز وجل / لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة – المائدة 73 , مابالك اذان بكلام رئيس مصر الاسلامي الاخواني

المقبور الحي وجدي عبد الحميد محمد غنيم مواليد 1951 وهو منتوج قطري – مصري , اخواني , لم تاويه دولة قد سافر اليها , بل يطرد منها فورا , طرد من البحرين , طرد من جنوب افريقيا , منع من الدخول وطرد بالنعال من بريطانيا , انسان لا يمكن ان يكون بشرا لانه فاقد الاحساس والضمير والانسانية والقيم والاخلاق ويدعو الى سفك الدماء , ولهذا طرد من اليمن واميركا ودول كثيرة اخرى , الشاهد والدليل رقم 2 /

http://الداعية وجدي غنيم يكشف تفاصيل ترحيلاته من أكثر من بلد

قيادات الإسلام السياسى صارت البذاءة على أيديهم دينا يُتقرب إلى الله به , هذا المجرم حاصل على بكالوريوس تجارة الانعام 1973 , عمل كمتطرف وداعية للارهاب والعنف وزراعة الاحقاد والطائفية والعنصرية والنازية والفاشية , ومحرض للقتال ضد البشرية دفاعا عن الاساطير والخرافات والباطل وحور العين وجنة الاحلام الوهمية , يعتبر جميع الاراضي والدول وما فيها وعليها وقف اسلامي , يحرم جميع انواع الفنون والعلوم والابتكارات والاختراعات والخ , باستثناء التلفزيون , لا نعرف السر , ولكن نقول / خذوا الحكمة من افواه المجانين , والله أعلم , في اعتقادنا ان تلفزيون مصر او الدول العربية والاسلامية لا يسحب الاقمار الصناعية عن طريق الستلايت مثل هوت بيرد واسترا وغيرها لان لديها مانع الذاكرة , وهي لا تقوم بسحب اكثر من 300 قناة سكسية وجنسية عربية وغربية وهندية وايرانية وغيرها , ولهذا يحافظ على شعبه المتخلف من الانقراض وترك الاسلام والفساد والنهاية , اليكم هذا /

http://www.elbashayer.com/news-233944.html

عادل إمام لو كان موجودا في اميركا او اية دولة اخرى من العالم لصنعوا له تمثالا من الذهب ووضعوه في جميع المدن , هذه الشعوب تعاني من الكآبة والياس والامراض الكثيرة وعادل امام يخفف على هؤلاء طبيا , وفي النهاية يسجن ويهان بهذه الطرق الوحشية من قبل انظمة التتر والمغول والافتراس وسفك الدماء , الشاهد والدليل رقم 3 /

ماذا قالت صورة التوبة / هل نلوم شيوخ البذاءة ام المصدر والمصادر والكتب والتاريخ . . .


الحليب الذي مصه هذا الفاجر كان مصاب بجميع الامراض الوراثية بحسب قوانين رجل الدين والكاهن المسيحي / مندل / في علم الوراثة فان الجيل الاول والثاني والثالث والخ بحسب القانون الاول والثاني لا تنطبق على هؤلاء ونجد صفة متنحية مع شيوخ البذاءة , ولهذا نجد الجميع مصابون بهذه الامراض , حتى وان وجدت تقنية هذا العصر في الهندسة الوراثية , الكل يرجع الى الاصل وعلى الاصل دور , / تفسير المطرب محمد طه .

كيف تسكت حكومات تدعي انها اسلامية ولديهم دين الرحمة وخير امة كما يقولون , على هذه الاخلاق السيئة والبذاءات وزرع الكراهية والانتقام ! , الشاهد والدليل رقم 4 /

هذا المجرم سوف يصاب بمرض خبيث ولنا لقاء اخر مستقبلا , اي نظام وشعب وحكومة تسكت على هذه الجرائم والازدراء بالاديان وسب عقائد الاخرين , فان الحيوانات اشرف منهم واي حيوان نجس في العالم اطهر من هؤلاء إذا سكتوا على شيوخ البذاءة والدعارة والنكاح وفتاوى القتل . . . , الشاهد والدليل رقم 5 / والى اللقاء مع فاجر آخر .



جوزيف شلال

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

قمة خادم الحرمين الشرفين الاقتصادية والضراط على البلاط

هناك هاجس يؤرق مضجع العرش السعودي بشكل خاص وعروش جميع الطغاة العرب بشكل عام, حول كيفية المحافظة على العرش وكرسي الحكم الى ما لا نهاية, او على الاقل اطول فترة ممكنة خلال فترة حياتهم, لأنهم, على ما يبدو, غير قادرين حتى ان يتصورا انفسهم خارج السلطة بعد عقود طويلة من الحكم الشمولي الاستبدادي, ولكي يحافضوا على كراسيهم قاموا باتباع كل انواع واساليب الدجل والإحتيال, ومن اهم هذه الاساليب على سبيل المثال لا الحصر:

أولاُ: استخدام الدين والسيطرة على المؤسسات الدينية, وإنشاء وزارات الاوقاف, والتي هي بدعة حكومية اسلامية ليس لها مثيل بالعالم (اول وزارة اوقاف بالتاريخ الاسلامي هي وزارة اوقاف اجتماع سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة للرسول), من اجل التحكم بواسطة يد الله العليا على رقاب العباد.

ثانياُ: تدمير انظمة التعليم والمؤسسات العلمية وابقائها متخلفة عن نظيراتها العلمية في البلدان المتحضرة, لمعرفتهم بأن العلم هو عدو الاستبداد الاكبر.

ثالثاٌ: عزل المجتمعات العربية عن التواصل مع المجتمعات الاخرى من اجل تسهيل اغراق الشعوب بالجهل والتخلف والفساد, وبالتالي سهولة قيادتهم كالقطيع.

وللإستفاضة بأساليب الاستبداد المعروفة, نحليكم الى مقالنا: “آليات الاستبداد في السياسة العربية المعاصرة“.

ان سبب تخوف الطغاة العرب على عروشهم, وبكل بساطة, هو لأن عروشهم غير شرعية, وهم يخافون من السقوط كما يخاف السارق من قبضة العدالة, فلو كانت عروشهم شرعية لما خافوا قط من فقدانها, لأن شرعية الحكم تأتي من الشعب وليس من المال والدين والقبضة الامنية.

ان اي شئ يقوم به اي مستبد عربي يكون هدفه النهائي ليصب في مصلحة استمرارية نظام حكمه فقط لاغير, نقطة على السطر انتهى.

فاذا قام المستبد العربي بمشروع اقتصادي ببلده, فهدفه النهائي لا يكون تحسين معيشة المواطن! لأن رفاهية المواطن هي اخر همومه, وإنما هدفه يكون تأمين تكاليف نفقات أمن نظامه واستمراريته, على حساب اقتصاد البلد واهل البلد.

وإذا شن المستبد العربي حرب ما(مثل حرب تشرين او حروب حزب الله وحماس), فلا يكون هدفه تحرير الارض, لأن استعادة الارض هي اخر همومه, وإنما يكون هدفه تلميع صورته للشعب على انه البطل الاسطوري الممانع, بالرغم من انه لم ينتصر وسبب بقتل الكثير من الجنود من دون اي فائدة, وذلك من اجل الهاء الشعب عن مطالبه الحقيقية بتحسين مستوى عيشه, و وبالتالي لكي يدوم ويستمر حكمه.

واذا مانع المستبد العربي اسرائيل, او إذا احتمى بإسرائيل, او اذا تصالح مع اسرائيل, فليس له اي هدف او مصلحة مع اسرائيل الا بقدر ما تساعده الممانعة او المصالحة او الحماية على الحفاظ على عرشه فقط لا غير.

واذا قام المستبد العربي باي علاقات دبلوماسية او انشأ اي منظمة سياسية, فهي لن تكون بهدف التعاون مع الاخرين من اجل المصالح العليا للشعبين, فهذا اخر اهتمامه, وانما يكون الهدف منها هو استمرارية عرشه.

واذا قام المستبد العربي بأي مؤتمر احتفالي او ديني او سياسي او علمي او اقتصادي, فلن يكون هدفه قط تشجيع العلم وايجاد الحلول الخلاقة للمشكلات العصرية, وأنما يكون هدفه النهائي الوحيد هو تلميع صورته امام شعبه من اجل الهدف النهائي وهو استمرارية حكمه, ولا يخرج عن هذا الاطار القمة الاقتصادية التي دعى اليها خادم الحرمين الشريفين قبل بضعة اسابيع.

اول مرة شعر النظام السعودي بأن عرشه بخطر, كان عند ظهور الفكر القومي العربي وبروز ملك القومية العربية جمال عبدالناصر, فكيف تصدى النظام السعودي للخطر القومي وجمال عبدالناصر؟ لقد كان رد آل سعود ضد الخطر القومي بإنشاء جماعة الإخوان المسلمين (والتي وصلت الان الى حكم كل من تونس ومصر) وقاموا بتمويلها ونشرها, خاصة بمصر (مسقط رأس عدوهم اللدود جمال عبدالناصر) ثم نشرها بكل العالم العربي والاسلامي وحتى في كل العالم قاطبة, ولكن منعوا هذه الجماعة من العمل ضمن مملكتهم! وهذه من المفارقات المضحكة, فمن الواضح بأنهم انشأوا هذه الجماعة من اجل ايذاء الانظمة الاخرى التي تهدد عروشهم, ولكن ليس لإيذاء نظامهم, ومن اجل هذا الهدف سخروا مليارات المليارات من الدولارات.

المرة الثانية التي شعر بها آل سعود بالخطر على عرشهم هو عندما احتل صدام حسين الكويت, فكان ردهم بالاعتماد على قوة اجنبية وهي الناتو بالدفاع عن عروشهم, ومرة اخرى تظهر هشاشة حكم خادم الحرمين الشريفين وعدم شرعيته الشعبية, فلو كان حكمه شرعيا لاعتمد على الشعب بدلا من الاعتماد على القوى الخارجية. 

المرة الثالثة التي ارتعب بها النظام السعودي على عرشه هو عندما حطمت ثورة التكنولوجيا الحديثة مع وسائل التواصل الاجتماعي الانترنيتية العزلة عن الجماهير العربية وفتحت لهم الافق من اجل الانفتاح على العالم واكتساب العلم والمعرفة, فتفجرت ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا, وخاف خادم الحرمين من امتداد هذه الثورات لتهز عروشهم, فكيف تصدت الانظمة الاستبدادية العربية لهذه الثورات العربية؟

في البداية قاموا بدعم الانظمة القائمة في كل من مصر وسوريا وتونس ماديا وسياسيا الى اقصى درجة ممكنة, واستطاعوا اطالة عمر هذه الانظمة الى حد كبير, ولكن عندما لم يستطع الدعم السياسي والمادي بإيقاف زخم الربيع العربي من الامتداد, انتقلوا الى الخطوة باء وهي:

انشاء معاهدات تحالف دفاعي مع بعض الدول التي تشبه أنظمتهم الاستبدادية, فقام العرش السعودي بمشروع وحدة مع النظام الملكي الاردني والمغربي وذلك من اجل تقنين الاستعانة بالقوات من الدول الاخرى لقمع الثورات العربية ووأدها بالمهد, بينما قام نظام الاسد بسوريا بمعاهدات دفاعية مع روسيا وايران, وللإستفاضة بهذا الموضوع نحيلكم الى مقالنا: ” المعاهدات والاتفاقيات العربية“.

وعندما لم تنفع كل تلك الخطوات السابقة بايقاف الربيع العربي, وبدلا من تقوية حكمهم بواسطة الشعب والحكم الدستوري, لجأ خادم الحرمين الشريفين الى حيلة اخيرة وهي تحسين الاقتصاد للمواطن العربي؟؟؟ و فهم خادم الحرمين الشريفين, ولأول مرة, بأن المشكلة هي مشكلة اقتصادية, وأن تطوير الاقتصاد في البلدان العربية هو افضل وسيلة لإيقاف الثورات الربيع العربي من التمدد الى حجورهم؟ فقاموا بعقد القمم الاقتصادية الفاشلة, القمة تلو القمة, وكان اخرها القمة العربية في الرياض قبل حوالي بضعة اسابيع, وكان الهدف منها تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في كل البلاد العربية، وتحويلها إلى كتلة اقتصادية واحدة منسجمة وناجحة, ربما اسوة بالكتلة الاقتصادية الاوروبية الموحدة!؟ 

في هذا المقالة سنبين هل هناك أي أمل لنجاح هذه القمة في تحقيق اي شئ مفيد اقتصاديا, ام انه ستكون قمة خادم الحرمين الشرفين الاقتصادية, وكما يقول المثل السوري الشعبي, مثل الضراط على البلاط ولن يكون لها اي اثر مثل الخطوات السابقة؟

بالواقع هناك سببان لنجاح الوحدة الاوروبية الاقتصادية وهما:

أولاً: تماثل انظمتها السياسية الديمقراطية الحرة, وتماثل دساتيرها وقوانين بلادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ثانياً: تماثل الانظمة الاقتصادية في كل الدول الاوروبية واعتمادها اقتصاد السوق التنافسي الحر, وهذا الاقتصاد يؤدي الى تحسين جودة السلع المنتجة وتخفيض ثمنها مما يصب بمصلحة ورفاهية جميع الدول الاوروبية. 

السببان السابقان هما كافيان لانجاح اي وحدة اقتصادية, وبدون اي منهما في اي دولة من الدول سيؤدي الى فشل اي مشروع لتطوير الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة بالدول العربية, والسؤال المهم هنا: هل وضع الدول العربية الحالي يضمن تأمين الشرطين السابقين من اجل تطوير الاقتصاد؟

بالواقع, فأن الدول العربية ليس فيها اي نظام سياسي للحكم, وانما هي عبارة عن اقطاعيات عائلية ثيوقراطية استبدادية, وليس هناك اي دستور او قانون او نظام في اي من البلدان المسماة عربية, والاكثر من هذا لا يوجد اي نظام اقتصادي في اي من البلدان العربية وانما هناك نظام احتكاري رسمي يعطي الميزات الاحتكارية في كل حقل من حقول الاقتصاد الى الاقراباء واصحاب الذوات والمقربين من النظام لكي ينهبوا ثروات البلد ويمصوا دماء شعوبهم.

سنقوم باعطاء مثال عملي لنبين الفرق بين الاقتصاد الاوروبي والعربي:

لنفرض بأن هناك شركتي اتصالات باوروبا تتنافسان على سوق الاتصالات, فالشركة التي تقدم الخدمات الافضل والارخص هي التي ستكسب السوق بينما الشركة الاخرى ستفلس وتخرج من السوق, وهذا ما يقوله علم الاقتصاد. 

وللمقارنة: لنفرض بأن هناك شركة اتصالات في سورية يحتكرها احد المقربين من نظام الحكم, ويتم اسخدام ارباحها من اجل دفع نفقات امن النظام السوري, ولنفرض بأن هناك شركة اتصالات احتكارية سعودية تستطيع ان تقدم خدمات الاتصالات بأرخص من شركة الاتصالات السورية لان ضرائب السعودية هي اقل من ضرائب السورية, فهل سيقبل النظام السوري بان تفلس شركة الاتصالات السورية والتي يستخدم ارباحها من اجل شراء اسلحة متطورة للسيطرة على سوريا وشعبها؟

الجواب البديهي طبعا لا, وهذا هو السبب البسيط وراء فشل كل المؤتمرات الاقتصادية العربية واخرها قمة خادم الحرمين الشرفين الاقتصادية, والتي سيكون أثرها من دون ادنى شك, مثل الضراط على البلاط .

هوامش:

آليات الاستبداد في السياسة العربية المعاصرة

المعاهدات والاتفاقيات العربية

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

أسلحة الولي الفقيه الاستراتيجية للرد على الغارة الإسرائيلية

أعلن نظام الولي الفقيه على ان امن النظام الاجرامي لعائلة الأسد في سوريا هو من أمن ايران, وأن ايران سترد على انتهاك اسرائيل المهين لامن نظام الاسد وضرب مواقعه العسكرية المستخدمة في تحضير الاسلحة الكيماوية وقصف قوافل تهريب الاسلحة الكيماوية والصورايخ المتطورة الى حزب الله اللبناني(الإيراني)؟

واشار نظام الولي الفقيه بأن لديه الكثير من الاسلحة الاستراتيجية المتطورة والغير مألوفة والتي ليس لها مثيل في العالم والتي يحضر لاستخدامها ضد اسرائيل.

  الاسلحة الاستراتيجية للولي الفقيه بمواجهة اسرائيل:

أولا: سيستخدم الولي الفقيه سلاح القرد الحي الغير تقليدي, وهو القرد البديل للقرد القتيل والذي استشهد بانفجار صاروخ اثناء تجربة اطلاقه الفاشلة, مع العلم بأن مثيلات هذه التجربة للإطلاق قد نجحت منذ عقود في الكثير من بلدان العالم الثالث, حيث سيقوم الولي الفقيه بتدريب هذا القرد بأن يرفع ذيله ويمد لسانه اما صورة نتنياهو لكي تموت اسرائيل من القهر من وقاحة هذا القرد اللعين. 

ملاحظة: لقد اغمض عينيه نجاد فرأى القرد القتيل بالجنة يضاجع الحوريات والغلمان, (ما شاء الله … ما شاء الله على نبؤات نجاد) ؟

ثانياً: سيستخدم الولي الفقيه الصورايخ الروسية المنسقة والتي اشتراها باضعاف قيمتها السوقية, بعد تفريغها من المتفجرات الموجودة فيها من اجل ان يخف وزنها ولكي تصل الى مسافة ابعد من حدود ايران, وبعد ذلك سيزيف الحقائق ويكذب على الشعب الايراني بأنه حقق انجاز علمي فريد بالعالم؟

ثالثاُ: سيستخدم الولي الفقيه طائرات الفانتوم الاميركية المنسقة, وهي الطائرات التي ورثها الولي الفقيه من نظام الشاه حيث سيقوم بإصلاحها والدعاء بأن تعمل ولو لمدة قصيرة لكي يدعي بأنها طائرات من صنع الولي الفقيه قبل ان تسقط وتنفجر. 

رابعاً: سيستخدم الولي الفقيه طائرة الشبح, وهي اخر مبتكرات الدماغ الايراني لولاية الفقيه, والتي اشتراها(صممها الخبراء الايرانيين) من مخزن لالعاب الاطفال في اليابان, وهي حتما لا ترصدها الرادارات وذلك لسبب وحيد وهو (لانها لا تطير بالاصل)؟؟

خامساً: سيقوم الولي الفقيه بشكوى ابتهالية للولي الغائب, لكي يظهر بأكبر سرعة ممكنة لكي يعاقب اسرائيل.

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment