قمة خادم الحرمين الشرفين الاقتصادية والضراط على البلاط

هناك هاجس يؤرق مضجع العرش السعودي بشكل خاص وعروش جميع الطغاة العرب بشكل عام, حول كيفية المحافظة على العرش وكرسي الحكم الى ما لا نهاية, او على الاقل اطول فترة ممكنة خلال فترة حياتهم, لأنهم, على ما يبدو, غير قادرين حتى ان يتصورا انفسهم خارج السلطة بعد عقود طويلة من الحكم الشمولي الاستبدادي, ولكي يحافضوا على كراسيهم قاموا باتباع كل انواع واساليب الدجل والإحتيال, ومن اهم هذه الاساليب على سبيل المثال لا الحصر:

أولاُ: استخدام الدين والسيطرة على المؤسسات الدينية, وإنشاء وزارات الاوقاف, والتي هي بدعة حكومية اسلامية ليس لها مثيل بالعالم (اول وزارة اوقاف بالتاريخ الاسلامي هي وزارة اوقاف اجتماع سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة للرسول), من اجل التحكم بواسطة يد الله العليا على رقاب العباد.

ثانياُ: تدمير انظمة التعليم والمؤسسات العلمية وابقائها متخلفة عن نظيراتها العلمية في البلدان المتحضرة, لمعرفتهم بأن العلم هو عدو الاستبداد الاكبر.

ثالثاٌ: عزل المجتمعات العربية عن التواصل مع المجتمعات الاخرى من اجل تسهيل اغراق الشعوب بالجهل والتخلف والفساد, وبالتالي سهولة قيادتهم كالقطيع.

وللإستفاضة بأساليب الاستبداد المعروفة, نحليكم الى مقالنا: “آليات الاستبداد في السياسة العربية المعاصرة“.

ان سبب تخوف الطغاة العرب على عروشهم, وبكل بساطة, هو لأن عروشهم غير شرعية, وهم يخافون من السقوط كما يخاف السارق من قبضة العدالة, فلو كانت عروشهم شرعية لما خافوا قط من فقدانها, لأن شرعية الحكم تأتي من الشعب وليس من المال والدين والقبضة الامنية.

ان اي شئ يقوم به اي مستبد عربي يكون هدفه النهائي ليصب في مصلحة استمرارية نظام حكمه فقط لاغير, نقطة على السطر انتهى.

فاذا قام المستبد العربي بمشروع اقتصادي ببلده, فهدفه النهائي لا يكون تحسين معيشة المواطن! لأن رفاهية المواطن هي اخر همومه, وإنما هدفه يكون تأمين تكاليف نفقات أمن نظامه واستمراريته, على حساب اقتصاد البلد واهل البلد.

وإذا شن المستبد العربي حرب ما(مثل حرب تشرين او حروب حزب الله وحماس), فلا يكون هدفه تحرير الارض, لأن استعادة الارض هي اخر همومه, وإنما يكون هدفه تلميع صورته للشعب على انه البطل الاسطوري الممانع, بالرغم من انه لم ينتصر وسبب بقتل الكثير من الجنود من دون اي فائدة, وذلك من اجل الهاء الشعب عن مطالبه الحقيقية بتحسين مستوى عيشه, و وبالتالي لكي يدوم ويستمر حكمه.

واذا مانع المستبد العربي اسرائيل, او إذا احتمى بإسرائيل, او اذا تصالح مع اسرائيل, فليس له اي هدف او مصلحة مع اسرائيل الا بقدر ما تساعده الممانعة او المصالحة او الحماية على الحفاظ على عرشه فقط لا غير.

واذا قام المستبد العربي باي علاقات دبلوماسية او انشأ اي منظمة سياسية, فهي لن تكون بهدف التعاون مع الاخرين من اجل المصالح العليا للشعبين, فهذا اخر اهتمامه, وانما يكون الهدف منها هو استمرارية عرشه.

واذا قام المستبد العربي بأي مؤتمر احتفالي او ديني او سياسي او علمي او اقتصادي, فلن يكون هدفه قط تشجيع العلم وايجاد الحلول الخلاقة للمشكلات العصرية, وأنما يكون هدفه النهائي الوحيد هو تلميع صورته امام شعبه من اجل الهدف النهائي وهو استمرارية حكمه, ولا يخرج عن هذا الاطار القمة الاقتصادية التي دعى اليها خادم الحرمين الشريفين قبل بضعة اسابيع.

اول مرة شعر النظام السعودي بأن عرشه بخطر, كان عند ظهور الفكر القومي العربي وبروز ملك القومية العربية جمال عبدالناصر, فكيف تصدى النظام السعودي للخطر القومي وجمال عبدالناصر؟ لقد كان رد آل سعود ضد الخطر القومي بإنشاء جماعة الإخوان المسلمين (والتي وصلت الان الى حكم كل من تونس ومصر) وقاموا بتمويلها ونشرها, خاصة بمصر (مسقط رأس عدوهم اللدود جمال عبدالناصر) ثم نشرها بكل العالم العربي والاسلامي وحتى في كل العالم قاطبة, ولكن منعوا هذه الجماعة من العمل ضمن مملكتهم! وهذه من المفارقات المضحكة, فمن الواضح بأنهم انشأوا هذه الجماعة من اجل ايذاء الانظمة الاخرى التي تهدد عروشهم, ولكن ليس لإيذاء نظامهم, ومن اجل هذا الهدف سخروا مليارات المليارات من الدولارات.

المرة الثانية التي شعر بها آل سعود بالخطر على عرشهم هو عندما احتل صدام حسين الكويت, فكان ردهم بالاعتماد على قوة اجنبية وهي الناتو بالدفاع عن عروشهم, ومرة اخرى تظهر هشاشة حكم خادم الحرمين الشريفين وعدم شرعيته الشعبية, فلو كان حكمه شرعيا لاعتمد على الشعب بدلا من الاعتماد على القوى الخارجية. 

المرة الثالثة التي ارتعب بها النظام السعودي على عرشه هو عندما حطمت ثورة التكنولوجيا الحديثة مع وسائل التواصل الاجتماعي الانترنيتية العزلة عن الجماهير العربية وفتحت لهم الافق من اجل الانفتاح على العالم واكتساب العلم والمعرفة, فتفجرت ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا, وخاف خادم الحرمين من امتداد هذه الثورات لتهز عروشهم, فكيف تصدت الانظمة الاستبدادية العربية لهذه الثورات العربية؟

في البداية قاموا بدعم الانظمة القائمة في كل من مصر وسوريا وتونس ماديا وسياسيا الى اقصى درجة ممكنة, واستطاعوا اطالة عمر هذه الانظمة الى حد كبير, ولكن عندما لم يستطع الدعم السياسي والمادي بإيقاف زخم الربيع العربي من الامتداد, انتقلوا الى الخطوة باء وهي:

انشاء معاهدات تحالف دفاعي مع بعض الدول التي تشبه أنظمتهم الاستبدادية, فقام العرش السعودي بمشروع وحدة مع النظام الملكي الاردني والمغربي وذلك من اجل تقنين الاستعانة بالقوات من الدول الاخرى لقمع الثورات العربية ووأدها بالمهد, بينما قام نظام الاسد بسوريا بمعاهدات دفاعية مع روسيا وايران, وللإستفاضة بهذا الموضوع نحيلكم الى مقالنا: ” المعاهدات والاتفاقيات العربية“.

وعندما لم تنفع كل تلك الخطوات السابقة بايقاف الربيع العربي, وبدلا من تقوية حكمهم بواسطة الشعب والحكم الدستوري, لجأ خادم الحرمين الشريفين الى حيلة اخيرة وهي تحسين الاقتصاد للمواطن العربي؟؟؟ و فهم خادم الحرمين الشريفين, ولأول مرة, بأن المشكلة هي مشكلة اقتصادية, وأن تطوير الاقتصاد في البلدان العربية هو افضل وسيلة لإيقاف الثورات الربيع العربي من التمدد الى حجورهم؟ فقاموا بعقد القمم الاقتصادية الفاشلة, القمة تلو القمة, وكان اخرها القمة العربية في الرياض قبل حوالي بضعة اسابيع, وكان الهدف منها تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في كل البلاد العربية، وتحويلها إلى كتلة اقتصادية واحدة منسجمة وناجحة, ربما اسوة بالكتلة الاقتصادية الاوروبية الموحدة!؟ 

في هذا المقالة سنبين هل هناك أي أمل لنجاح هذه القمة في تحقيق اي شئ مفيد اقتصاديا, ام انه ستكون قمة خادم الحرمين الشرفين الاقتصادية, وكما يقول المثل السوري الشعبي, مثل الضراط على البلاط ولن يكون لها اي اثر مثل الخطوات السابقة؟

بالواقع هناك سببان لنجاح الوحدة الاوروبية الاقتصادية وهما:

أولاً: تماثل انظمتها السياسية الديمقراطية الحرة, وتماثل دساتيرها وقوانين بلادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ثانياً: تماثل الانظمة الاقتصادية في كل الدول الاوروبية واعتمادها اقتصاد السوق التنافسي الحر, وهذا الاقتصاد يؤدي الى تحسين جودة السلع المنتجة وتخفيض ثمنها مما يصب بمصلحة ورفاهية جميع الدول الاوروبية. 

السببان السابقان هما كافيان لانجاح اي وحدة اقتصادية, وبدون اي منهما في اي دولة من الدول سيؤدي الى فشل اي مشروع لتطوير الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة بالدول العربية, والسؤال المهم هنا: هل وضع الدول العربية الحالي يضمن تأمين الشرطين السابقين من اجل تطوير الاقتصاد؟

بالواقع, فأن الدول العربية ليس فيها اي نظام سياسي للحكم, وانما هي عبارة عن اقطاعيات عائلية ثيوقراطية استبدادية, وليس هناك اي دستور او قانون او نظام في اي من البلدان المسماة عربية, والاكثر من هذا لا يوجد اي نظام اقتصادي في اي من البلدان العربية وانما هناك نظام احتكاري رسمي يعطي الميزات الاحتكارية في كل حقل من حقول الاقتصاد الى الاقراباء واصحاب الذوات والمقربين من النظام لكي ينهبوا ثروات البلد ويمصوا دماء شعوبهم.

سنقوم باعطاء مثال عملي لنبين الفرق بين الاقتصاد الاوروبي والعربي:

لنفرض بأن هناك شركتي اتصالات باوروبا تتنافسان على سوق الاتصالات, فالشركة التي تقدم الخدمات الافضل والارخص هي التي ستكسب السوق بينما الشركة الاخرى ستفلس وتخرج من السوق, وهذا ما يقوله علم الاقتصاد. 

وللمقارنة: لنفرض بأن هناك شركة اتصالات في سورية يحتكرها احد المقربين من نظام الحكم, ويتم اسخدام ارباحها من اجل دفع نفقات امن النظام السوري, ولنفرض بأن هناك شركة اتصالات احتكارية سعودية تستطيع ان تقدم خدمات الاتصالات بأرخص من شركة الاتصالات السورية لان ضرائب السعودية هي اقل من ضرائب السورية, فهل سيقبل النظام السوري بان تفلس شركة الاتصالات السورية والتي يستخدم ارباحها من اجل شراء اسلحة متطورة للسيطرة على سوريا وشعبها؟

الجواب البديهي طبعا لا, وهذا هو السبب البسيط وراء فشل كل المؤتمرات الاقتصادية العربية واخرها قمة خادم الحرمين الشرفين الاقتصادية, والتي سيكون أثرها من دون ادنى شك, مثل الضراط على البلاط .

هوامش:

آليات الاستبداد في السياسة العربية المعاصرة

المعاهدات والاتفاقيات العربية

About طلال عبدالله الخوري

كاتب سوري مهتم بالحقوق المدنية للاقليات جعل من العلمانية, وحقوق الانسان, وتبني الاقتصاد التنافسي الحر هدف له يريد تحقيقه بوطنه سوريا. مهتم أيضابالاقتصاد والسياسة والتاريخ. دكتوراة :الرياضيات والالغوريثمات للتعرف على المعلومات بالصور الطبية ماستر : بالبرمجيات وقواعد المعطيات باكلريوس : هندسة الكترونية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to قمة خادم الحرمين الشرفين الاقتصادية والضراط على البلاط

  1. جوزيف شلال says:

    موضوع جيد وقيم – الدول تقاس في السياسة والاقتصاد – لا السياسة موجودة ولا الاقتصاد حاضر في هذه الدول – خادم السراق والفساد والمليارات التي تنهب شهريا من بيع النفط آخر من يتكلم عن الدولة – انه يقود حضيرة وفيها سيافون يقطعون الرؤوس كما قطعوا هذا اليوم راس احد المسجونين –
    هل هؤلاء بشر لا والله انهم وحوش وهمج وسفاحين ومجموعة من القرود والمجترات يعيشون في عصور ما قبل التاريخ –

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.