أنقرة ـ واشنطن.. هل تسربت المياه إلى سفينة العلاقات؟

سمير صالحة: الشرق الاوسط

السفير الأميركي فرنسيس ريكاردوني أغضب الأتراك أكثر من مرة بسبب آرائه وتوقعاته ونصائحه التي وجهها إلى قيادات «العدالة والتنمية» منذ تسلمه مهام السفارة في أنقرة. في البداية حكومة رجب طيب أردوغان كانت تتجاهل ما يقول أو تحاول تمرير المسألة على أنها هفوة دبلوماسية أو تصرف يعود لافتقاره إلى التجربة والخبرة، لكن عندما وجدت أن السفير الأميركي يتعمد ما يقول ويكرره على مسامع كبار الإعلاميين الأتراك الذين يلتقي بهم بين الحين والآخر، تحرك الناطق الرسمي باسم الحكومة حسين شليك ليقول إنه «يبدو أن السفير ريكاردوني لم يتعلم من أخطائه، هو يتجاوز حدود مهامه الدبلوماسية ويتدخل في شؤوننا الداخلية».

السفير الأميركي انتقد تردد حكومة «العدالة والتنمية» في إطلاق حملات الإصلاح القضائي والدستوري التي تتقدم ببطء، وعبر عن انزعاجه من المحاكمات التي تطال بحق كبار الضباط والأكاديميين ورجال الإعلام الأتراك الموقوفين منذ سنوات بتهم التحضير لانقلاب عسكري يطيح بحكومة «العدالة»، ولكنهم حتى الساعة لم توجه إليهم التهم المحددة ولم تحسم محاكماتهم.

فكرت بيللا أحد الإعلاميين القدماء الذين شاركوا في لقاء السفير الأميركي يقول إنه لا يبدو لي إطلاقا أنه دبلوماسي مبتدئ بل على العكس رأيت أمامي شخصية محترفة تتكلم بحذر ودقة، قال إن المحاكمات تطال في قضايا «أرغنيكون والمطرقة» من دون تهم واضحة محددة مما ينعكس سلبا على القضاء والحكومة معا.

قبل أيام فقط كانت تركيا وأميركا تتبادلان رسائل الدعم والتأييد وتجددان الالتزام باتفاقيات الشراكة والتعاون في أعقاب الهجوم الانتحاري الذي استهدف السفارة الأميركية في العاصمة التركية، وكان الدبلوماسي الأميركي نفسه يشيد بدور الأجهزة الأمنية التركية في منع وقوع الكارثة على مدخل سفارة بلاده، لكن رجب طيب أردوغان عندما شعر أن واشنطن وقفت إلى جانب سفيرها وأيدت أقواله تحرك لتذكير السفير الأميركي والإدارة الأميركية نفسها بأن أنقرة ليست تلك العاصمة التي تسمح للآخرين بإدارتها أو التأثير على قراراتها أو رسم سياساتها، وأن الأتراك سيكونون دائما حيث تفرض عليهم مصالحهم أن يكونوا. هي رسالة تذكير للبيت الأبيض بدعوات أنقرة لتوسيع رقعة التعاون مع مجموعة شنغهاي والتحول الاستراتيجي نحو روسيا والصين.

مسؤولون أتراك يقولون إن ريكاردوني تراجع عن أقواله وقدم اعتذارا بسبب سوء فهم كلامه، لكن مصادر السفارة الأميركية وواشنطن يقولون إنه لا اعتذار قدم لأحد وإن السفير كرر ما عنده من دون أي تردد أمام كبار الدبلوماسيين الأتراك الذين التقاهم هو بناء على رغبته وليس نتيجة استدعائه لمبنى الخارجية «لتحذيره وإيقافه عند حده»، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على «العدالة والتنمية».

ريكاردوني أمضى أكثر من ساعتين في مبنى الخارجية التركية، واللقاء المطول هذا تعدى أن يكون مجرد لقاء معاتبة أو لفت نظر.

البعض يتساءل عما إذا كان أسلوب الحكومة الأخير في الرد على السفير الأميركي يلغي الادعاءات والأقوال التي رددها ويكررها منذ أشهر طويلة وفي كل فرصة سانحة، لكن الحكومة ذكرت بمعتقلات غوانتانامو والاعتقالات من دون محاكمات أو تهم محددة، مما يعكس حقيقة وجود هذا التباعد بين أنقرة وواشنطن.

ألا يزعج الحكومة أن تسترد مركز الصدارة في الدول الأكثر مثولا أمام محكمة العدل الأوروبية كما يقول بعض المدافعين عن السفير ريكاردوني؟ لو كانت الحكومة غاضبة حقا فلتشرح لنا أسباب العديد من الزيارات التي قام بها البعض إلى السفارة الأميركية نفسها لاطلاع المسؤولين هناك على تفاصيل اعتقالات ومحاكمات «أرغنيكون والمطرقة» والشفافية في عمليات التوقيف والاعتقال والمداهمات.

التوتر الأخير بين أنقرة وواشنطن أسبابه أبعد وأهم من أن تكون مجرد تدخل أميركي في شؤون تركيا الداخلية.

ريكاردوني انتقد سياسة تركيا المنفتحة على أربيل والمنغلقة بوجه بغداد، فهذا التباعد يزعج واشنطن ويتعارض مع حساباتها وسياساتها العراقية.

أميركا غاضبة، فأنقرة لم تتعاون معها في موضوع صهر بن لادن، سليمان أبو غيث الذي كشفت المخابرات الأميركية عن دخوله تركيا وساهمت في اعتقاله وكانت تمني النفس بتسلمه أو التحقيق مباشرة معه لكن السلطات التركية لم تكتف برفض الطلب الأميركي بل ذكرت الأميركيين أنه لا سبب قانونيا يدفع لتوقيفه واعتقاله، فكل ذنبه هو دخوله البلاد بجواز سفر مزور لكنه جاء يطلب اللجوء السياسي في تركيا بعدما فر من طهران.

أنقرة من ناحيتها قلقة وغاضبة من سيناريوهات يجري الحديث عنها حول تفاهم أميركي – روسي في المسألة السورية على حساب تركيا ومصالحها بعد كل الثمن الذي دفعته، وأن يتم ذلك بدعم وتأييد من إيران وأخذ مصالحها السورية هي بعين الاعتبار.

أنقرة منزعجة من أن يكون التفاهم الأميركي – الروسي يعطي النظام السوري فرص البقاء في الحكم من خلال إقناع بعض رموز المعارضة السورية بذلك، وهو ما يتعارض مع ما قالته هي منذ اندلاع الأحداث إنه لا فرصة أخرى للنظام بعد هذه الساعة، فهو أحرق كل أوراقه في الداخل والخارج.

أنقرة متوترة، فأوباما حسم موضوع رفض التدخل عسكريا في الأزمة السورية، وهو يساوم على حل سياسي يرضي الروس والإيرانيين، ولو كان ذلك على حساب أنقرة وبعض الدول العربية.

أنقرة متشائمة، فهي تشعر أن واشنطن تلهيها بدمى «الباتريوت»، لكنها في الحقيقة تحاور موسكو ودمشق وطهران بعيدا عن الأضواء وعلى حساب أنقرة نفسها التي حسمت أمرها في الموضوع السوري بمعرفة وتشجيع من واشنطن قبل سنتين.

أنقرة مربكة، فواشنطن تطرح موضوع «جبهة النصرة» لتكون حرة في التحرك وتحديد السياسات والمواقف في الموضوع السوري وترفض في الوقت نفسه أي تقارب تركي – روسي ثنائي وإقليمي، لكنها تسمح لنفسها بمفاوضة الكرملين والمساومة على مستقبل سوريا من دون تقديم أي اعتبار لمصالح الحلفاء والشركاء.

أنقرة مستفزة عندما ترى أن واشنطن تفسح المجال أمام إيران لتكون شريكا في صناعة المسار السياسي للعراق وترفض لتركيا أن تحمي مصالحها العراقية باللعب بورقة أربيل الاقتصادية والتجارية والسياسية في موضوع حزب العمال الكردستاني وإطلاق مشروع الحوار مع أوجلان المسجون في جزيرة إيمرالي.

أنقرة ثائرة، فهي تتفرج على إدارة أوباما تماطل في استقبال أردوغان في البيت الأبيض لكنها تجدد دعمها العلني والمفتوح لإسرائيل وحكومة نتنياهو الجديدة، متغاضية عن كل تعهداتها لأنقرة بالوقوف على الحياد في التوتر التركي – الإسرائيلي أو إقناع تل أبيب بمراجعة أسباب الغضب التركي وضرورة التعامل معه بجدية.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

تونس: لليسار در!

الشرق الاوسط

أفرزت ما سميت بـ«ثورات الربيع العربي» الكثير من الأوهام، تناولت بعضها في مقالات سابقة، لكنها الآن أصبحت تنتج مسلّمات دون أن تتعرض للنقد أو الشك، ومن ذلك اعتبار أن دول الربيع العربي ذات هدف ومصير موحد ومحدد، بمعنى أن ثمة ارتباطا عضويا فيما بينها، ويتم التأكيد دائما على أن نجاح ثورة «مصر» أو فشلها يعني بالضرورة فشل البقية ونجاحهم، بل هناك من يتورط في الشوفينية المصرية ذات الامتداد التاريخي الناصري، فيزعم أن المنطقة كلها ستتجه للهاوية متى ما ظل «الحل» المصري معلقا إلى أجل غير مسمى، وهذه النظرة لا يروّج لها المصريون، وحق لهم أن ينظروا كيف شاءوا لبلدهم ودورهم، لكن يطرحها سياسيون ومفكرون وكتاب خارج مصر لأهداف تتصل برؤيتهم الجديدة ما بعد الثورات، بتفضيل مخرجات «الثورة» مطلقا على الوضع السابق في البلدان العربية، هناك من يصرح بعشقه «المطلق» للربيع العربي بكل كوارثه وتناقضاته وفوضويته، مفضلا أي استقرار سياسي أو اقتصادي لم يتأثر برياح الربيع، وبالتالي فهناك من يروج لمشروع الإخوان رغم كونه لا يفقه حتى أطروحة الإخوان السياسية، فضلا عن الفكرية، وهم ما يمكن أن نطلق عليهم «الإخوان بالوكالة»، وتلك قصة أخرى. إذا تجاوزنا وهم الوحدة المتوهمة لدول الربيع العربي، فإنه يمكن القول إن الحالة «التونسية» هي واحدة من أثرى وأكثر التجارب القابلة للتغيير والحل، رغم مشابهتها في وصول حزب النهضة – الإخوان إلى السلطة، لكن ذلك التشابه يخفي تحت عباءته الكثيرة من الاختلاف الشديد والتعقيد الذي يجعل من الحالة التونسية موارة بالجديد والتغيير.

في تقديري أن الحالة التونسية رغم الحدث المأساوي الذي تمثل في اغتيال الرمز اليساري الكبير شكري بلعيد، تتجه نحو فض الاشتباك بين الإسلاميين كسلطة اجتماعية ودينية، وبينهم كلاعبين سياسيين أخفقوا في نظر أنصارهم وحلفائهم من التيارات الأخرى قبل المناوئين لهم.

سبب اختلاف الحالة التونسية الذي يجهله الكثير من المتابعين حديثا للشأن التونسي ما بعد الثورات، هو تجذر «اليسار» بشكل عميق، وليس على طريقة الاستيراد النخبوي الذي صنعته الأحزاب الشيوعية في العام العربي، ومنها مصر التي لم يتجاوز اليسار فيها نخبويته حتى في أوج بروزه وتزعمه حركات عمالية، سرعان من انفصلت عنه لتعود إلى حالة عدم التسييس التي تعم أغلب الطبقات العاملة في الحالة العربية، عدا استثناءات قليلة أبرزها تونس.

ورغم ارتباط اليسار التونسي نظريا بالشيوعية منذ وقت طويل، فإنها لم ترتبط بحزب معين أو شخص كاريزمي قيادي، ما جعل فكرة اليسار بما تمثله – عند أنصارها – من عدالة اجتماعية فكرة شعبية، كما هو الحال في شعار «الإسلام هو الحل» الذي يطرحه الإخوان المصريون في الشارع المصري.

ظهرت فكرة اليسار التونسي مع تشكل الطبقة العاملة في تونس في وقت مبكر مطلع الستينات، التي تحولت إلى الاتحاد النقابي للعمال التونسيين، ثم لاحقا توسعت الحركة بظهور حركة بيرسبيكتيف (آفاق العامل التونسي)، وانتهت مع تفكك الحركة نهائيا في أواسط الثمانينات (والتحول المفصلي الذي قدمته في المشهد السياسي التونسي).

وأخيرا يبدأ الطور الثالث لما بدأ اليسار يتشكل في أحزاب سياسية، وهو الأمر الذي جعل أفكارا يسارية رغم «مثاليتها» البديل لأطروحات الإسلام السياسي الذي لم يكن منافسا حقيقيا إلا بعد تحوله لمعارضة مطاردة، استطاع من خلال استثمار «مظلوميته» السياسية أن يكسب تعاطف طبقة جديدة، كما أن ذكاء الحركات الإسلامية المغاربية إذا ما قورنت بالإسلام السياسي المشرقي في التعامل مع التيارات الأخرى، فهناك الكثير من الأطروحات ذات المنزع اليساري القريب من الشعب تبناها قادة الحركة الإسلامية على طريقة «نحن أحق بالعدالة الاجتماعية منهم».

اليوم وبعد أن وصل الإسلاميون للسلطة أصبحوا على مرمى حجارة الشارع التي تجمع بين العاطلين من العمل أو المتذمرين من التحولات الاجتماعية العميقة التي لم يستطع حتى النظام السابق أن يجرؤ على فعلها، ومن ثم دخول مكونات طارئة على المشهد التونسي، سواء السلفية التكفيرية أو الجهادية التي ترفع شعار التغيير باليد والعنف المسلح.

هذه البيئة أفرزت حادثة الاغتيال، وربما لو تأملنا حادثة اغتيال مشابهة لكن بظروف مغايرة في اليمن، حين تم اغتيال القيادي الاشتراكي البارز جار الله عمر، في ديسمبر (كانون الأول) 2002، لوصلنا إلى نتيجة أن مثل هذه الاغتيالات عادة تقوم بتعزيز الفكرة التي كان يدعو إليها المغتال، إلا أن المشهد التونسي اختلف بأن هذه الطريقة الإقصائية في السياسة طارئة على مشهده وليست شائعة كما في الحالة اليمنية.

وبغض النظر عن يد الفاعل هنا، فإن المهم هو قراءة نتائج الفعل التي بدأت في طرح إمكانية استقالة «النهضة» من العمل السياسي، وإعطاء الفرصة لحكومة تكنوقراط مسنودة بفعل الغضب الشعبي تجاه الاغتيال، إضافة إلى فشل «النهضة» في إدارة الحكومة.

والحق يقال إنه ما كان لهذا التحول أن يحدث لولا فروقات كبيرة على مستوى التكتيك بين إسلاميي «النهضة» ونظرائهم في المشرق، وتحديدا في مصر، في تقدير حجم المعارضة.. في الحالة المصرية هناك تسفيه شديد من قبل الإخوان للمعارضة عطفا على حجمهم في الشارع، لكن القلق واضح على رموز «النهضة» من غليان الشارع التونسي، إلا أن الإشكالية التي يمكن أن تصعد للسطح هي أن يتم التحالف بين قادة «النهضة» وبين طبقة التجار وبين الجيش لطرح سيناريو حكومة عسكرية، بما يشبه الانقلاب على الإسلاميين في الجزائر.. الذين يرون في هذا مبالغة يتكئون على خلو تاريخ اليسار العربي من فكرة ما يسمى «العنف الثوري»، وهي فكرة مركزية في كل الأحزاب الشيوعية، حتى العربية منها، في أوقات مضت، وهو ما قد يجعل «ثمن» الاستئثار بالسلطة من قبل «النهضة» بقاءهم في الحياة السياسية للأبد.

بالطبع هناك من يطرح نظرية المؤامرة ويروج لها بأن ما تم هو تصفية من الداخل في اليسار التونسي بهدف تقديم صف الصقور عبر التضحية برموز الحمائم، لكن من الواضح أن مثل هذا التحليل الذي يحمل بصمات «النهضة» لم يفكر في النتائج الكارثية لفعل متهور كهذا في تفكيك لحمة اليسار التونسي بأكمله.

أعتقد أن حدث الاغتيال جعل الحالة التونسية ترفع شعار «لليسار در»، وربما كان تساهل حزب النهضة في التعامل مع التيارات التكفيرية وأنصار السلفية الجهادية، الذي كان لا يعدو في تقديمهم كفزاعة أمام الأحزاب الأخرى من جهة، ومحاولة استمالتهم طمعا في قواعدهم الشعبية التي تتنامى يوما بعد يوم.. هذا التساهل هو ما أفرز حالة الفوضى السياسية التي هيأت المناخ لاغتيال سياسي بهذا الحجم الذي سيكون حدثا مفصليا من الصعب السيطرة عليه بمجرد تغيير شكلي للحكومة.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

جهيمان العتيبي وإحتلال الكعبه‎

الإنسان حيوان كاسر … لكنه ضاحك متشدق بمعاني الود والإخاء والإنسانيه .

رغم أن الموضوع الذي أتحدث فيه قد يبدو للبعض وللوهلة الأولى دينياً , غير أني أنفي من قبل الشروع في الكتابة أن يكون الموضوع كذلك , بل هو محاولة مني لشرح كيفية نشوء الطائفية الحديثة في الإسلام بعد أن ولت وإنتهت عهودها الأولى , وأصبح المسلمون يتعاملون بتسامح كبير مع هذه القضيه .

في واحد من التفسيرات التي تعتمد ظاهر الكلام , النادره , لقوله تعالى في سورة الحجر (( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ )) تفسر السبع المثاني على أنها ( 14 قرن ) على اعتبار أن القرن وهو مدة 100 سنه , لم يسم كذلك لو لم ( يقترن ) ب ( قرن ) آخر فيصبح القرنان ( مثنى ) وإذن فالسبع المثاني هي القرن الرابع عشر الهجري الذي يُعتَقَد أن المهدي سيظهر فيه ويملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جورا .

يوم 20 نوفمبر 1979 كان اليوم الأول من القرن الرابع عشر الهجري , ظهر المهدي في الكعبه عند صلاة الفجر , فكانت مذبحة كبرى يجب أن نتوقف عندها لنعرف كيف ولماذا كان يجب أن تنتعش الطائفية في الإسلام من جديد , سأبدأ أولاً بالحديث عن واقع منطقة الشرق الأوسط ذلك اليوم , ثم أتحدث عن الطريقه التي تم فيها تأسيس حركة الإخوان المسلمين , بعدها ندخل الحرم المكي لنعرف تفاصيل المذبحه .

اذا كان الرئيس جمال عبد الناصر هو بطل هزيمة حزيران عام 1967 , فإن الرئيس محمد أنور السادات هو بطل الإستسلام . عام 1973 تمت مسرحية العبور وإختراق خط بارليف من أجل إعادة سيناء إليه لإيهامه أنه منتصر , وعن طريق ذلك الوهم يتم جره الى بركة الإستسلام بالتوقيع على التطبيع مع اسرائيل في كامب ديفيد يوم 17 ايلول 1978 .

هذه الخطوه كانت النقله الأخيره على رقعة ما كان يدعى بالنضال ( القومي ) العربي الذي إستعمله الأمريكان لطرد البريطانيين وغيرهم من البلدان العربيه ليصبح العرب دولاً تابعة لأمريكا في عملية تبديل مستعمر بمستعمر . وكان على الولايات المتحدة الأمريكيه بعد أن بسطت نفوذها على كل العرب أن تبدأ على الفور بتحويل نضالهم ( القومي ) الى نضال ( طائفي ) من أجل إستمرار سيطرتها عليهم .

بعد أربعة أشهر من توقيع كامب ديفيد أي في بداية شهر كانون الثاني 1979 قام نائب القائد العام لحلف الناتو الجنرال روبرت هويسر بالتواجد في طهران في مهمة بمنتهى السرية , فقد أشرف الجنرال على إعدام جميع القادة الكبار في الجيش الإيراني الموالين للشاه والذين من الممكن أن يديروا البلد في حالة غيابه , ثم أشرف هويسر على تسفير الشاه وعائلته الى خارج ايران يوم 16 / 1 / 1979 .

القائد العام للقوة الجوية الإيرانية الجنرال ربيع قال أثناء محاكمته التي سبقت إعدامه : (( الجنرال هويسر رمى الشاه خارج ايران مثلما يرمى فأر ميت )) .

يوم 24 / 1 / 1979 أذاع ( مهدي بزركان ) الرئيس الصوري لمجلس الجمهورية الإسلامية : (( الجمهورية الإسلامية التي نبتغيها لن تكون مثل ليبيا أو العربية السعودية .. لكنها ستكون حكومة إسلامية تشبه حكومة الخليفة علي خلال العشر سنوات الأولى من حكمه )) .

بعد ما يسمى ب ( نهوض خرداد ) وهو قيام الخميني بالتحريض ضد الشاه , تم نفيه خارج ايران يوم 17 نوفمبر 1964 فتوجه الى تركيا وبقي فيها 11 شهراً الى أن تم طرده من تركيا في 5 نوفمبر 1965 فجاء الى العراق .

يوم 10 سبتمبر 1978 وفي إجتماع لوزراء الخارجية في نيويورك تسلم العراق الأمر الأمريكي بطرد الخميني من العراق ولهذا تم تسفيره يوم 12 نوفمبر 1978 فحاول الذهاب الى الكويت لكنها منعته من دخول أراضيها بعد يومين ذهب الى باريس يوم 14 نوفمبر .

يوم 1 شباط 1979 حملت الطائره آية الله روح الله الخميني من باريس وأعادته الى طهران , حزب الدعوه العراقي الذي تشكل عام 1957 تحت قيادة محمد باقر الصدر على شكل هيئه من 8 أعضاء قام على الفور بتشكيل علاقة قويه مع قيادة الثوره الإسلاميه في ايران , وكانت نقطة الخلاف الوحيدة بينهم ذلك الوقت هي ايمان حزب الدعوة العراقي بأن السلطه يجب أن تتركز بيد الأمه … بينما الخميني كان يتحدث عن ولايه الفقيه , وهذه معلوماتي عن تلك الفتره , ولا أعرف كيف تم التعامل مع هذه النقطة بالذات بعد 2003 . وحالما وطئت أقدام الخميني أرض ايران بدأ الرجل يتحدث عما سماه ( تصدير الثورة الإسلاميه ) أي بعبارة أصح تصدير التشيع ومجابهة كل من هم غير شيعه من المسلمين .

يوم 17 تموز 1979 أصبح صدام حسين رئيساً لجمهورية العراق .

يوم 22 أيلول 1980 إندلعت الحرب العراقيه الإيرانيه .

1981 تأسس ( درع الجزيره وأمن الخليج ) من قوات مشتركه من جميع دول الخليج , مقر الدرع في مدينة ( حفر الباطن ) داخل المؤسسه التي تعرف بلإسم ( مدينة الملك خالد العسكريه ) قرب الحدود العراقيه الكويتيه . أليس هذا كله تحشيد طائفي … أم ماذا تسمون القضيه ؟

نأتي الآن الى كيفية تأسيس حركة الأخوان المسلمين التي ستمسك إحدى دفتي ذلك الصراع فنقول : من أول الذين دعموا محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابيه في دعوته , هو شيخ عشيره يدعى ( محمد السعود ) من منطقة نجد , فتكون من تحالف محمد السعود وعبد الوهاب خليط من محاربين ومتدينين قاموا بتأسيس دوله في نجد .

وكان على ورثة محمد السعود أن يتصارعوا مع قوة الدوله العثمانيه التي يقبع سلطانها في استنبول ويحمل لقب ( خليفة المسلمين ) ويعتقد أن من حقه بالإسلام أن يحكم العرب .

عام 1802 قام مقاتلون يمتطون 4 آلاف جمل بالإغاره على كربلاء التي تضم رفات سيدنا الحسين ودمروا كل شيء وقتلوا الناس وسلبوا النفائس وأخذوها الى نجد .

في العام التالي هجموا على مكه في الحجاز – لكن المكيين فضلوا الإستسلام دون قتال مخافة أن يحصل لهم ما حصل للكربلائيين , عند ذلك نزل الوهابيه الى مكه وأصدروا فيها تعاليم دينيه صارمه حرموا فيها كل شيء .

عام 1813 هجمت قوات الخديوي من مصر على مكه وسيطرت عليها , وبعد خمس سنوات تقدمت من مكه الى عاصمة آل سعود القديمه ( الدرعيه ) فسيطرت عليها ووضعت المهزومين من آل سعود في أقفاص خشبيه وأرسلتهم الى الخليفه العثماني في استنبول الذي أعدمهم في احتفال عام تخلله إطلاق الألعاب الناريه في السماء .

استغرق حفر قناة السويس من عام 1859 الى عام 1869 محولاً البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر من بحيرات داخليه لا تحظى بإهتمام أحد الى أهم شريان للمواصلات يربط الشرق بالغرب ويجلب على سكان المنطقة الكثير من الويلات . وكان أول الغيث قيام بريطانيا بإحتلال مصر عام 1882 .

الأمريكان الذين يراقبون كل شيء عن كثب أصبحوا يدركون الآن الأهمية القصوى التي أصبحت تملكها شبه الجزيرة العربيه ولهذا كان يجب أن يضعوا يدهم عليها , فبحثوا عمن تبقى من آل سعود فوجدوا شيخهم عبد العزيز آل سعود يعيش لاجئاً في الكويت فأمدوه بالدعم المطلوب , عندها قام في كانون الثاني 1902 باصطحاب حوالي 70 رجلاً وعاد بهم متسللاً الى الرياض .

فجر اليوم التالي فتحت بوابة حصن الرياض وخرج الحاكم ليؤم المصلين لصلاة الفجر فتمت مهاجمته وقتله , ثم تمت السيطره على الرياض ومنها تقدموا الى بقية المدن واحدة بعد الأخرى للسيطرة على جميع قبائل نجد .

القبائل التي خضعت لحكم آل سعود وجدت نفسها مضطره الى تبني المذهب الوهابي الصارم التعليمات والذي يعتقد أتباعه أنهم وحدهم الذين يعرفون معنى ( التوحيد ) كما أمر به النبي محمد .

آل سعود وحلفائهم الوهابيه ومن أجل السيطرة على الناس بأسلوب محكم قرروا إصدار تعاليمهم السياسية الى الناس بصيغ دينيه لا يمكن أن يعصاها أحد وإلا أتهم بالكفر الوخيم العواقب .

تأدية الصلاة في الإسلام تتطلب الوضوء وبسبب شحة المياه في أرض نجد كان وضوء المؤمنين منقوصاً حسبما رأى الوهابيون لذلك قاموا بتشجيع القبائل أو إجبارها على هجر أماكنها والإستقرار مجتمعين في واحات جديده تدار بتعاليم الوهابيه وإدعوا على الناس أن هجراتهم هذه لها عند الله نفس الأجر الذي ناله الأولون في هجرتهم مع محمد من مكة الى المدينه .

الذين يقدمون للعيش في الواحات الجديده كان عليهم ترديد قسم الأخوه فيصبحون ( أخوان ) بحفاظهم على تقاليد الإسلام , و ( جهادهم ) ضد الزنادقة والكفار الذين يهددون وجود مستقراتهم الجديده , وكانت تلك هي النواة التي أسست ( الإخوان المسلمين ) .

منذ العام 1913 كان آل سعود والوهابيه قد بدأوا وبواسطة ( الجهاد ) بالتوسع فإحتلوا مواقع مهمه في منطقة الخليج , وبوصولنا الى عام 1924 سنراهم يتوجهون الى الحجاز ويحتلون مدينة الطائف المرتفعة المشرفه على مكه , والمجازر التي أوقعوها في الطائف لا تقل وحشية عما فعلوه في مجازر كربلاء . ومن أجل السيطرة على مكة والمدينه فرضوا شروطهم وتهديدهم على جميع الحجاج من غير جماعات الإخوان , وتم تحاشي التعامل مع الشيعه سواء منهم الذين يقطنون في شرق المملكه أو في ايران .

بريطانيا التي كانت قد تحالفت مع الشريف حسين بن علي شريف مكه عام 1915 بعد مراسلات ( حسين _ مكماهون ) وجدت نفسها مضطره الى نكث عهدها معه بتعيينه ملكاً على العرب بعد نهاية الحرب العالمية الأولى , وهي ترى الأمريكان قد أصبحوا على مشارف مكه من خلال آل سعود والوهابيه .

إكتشاف الأمريكان لكميات هائله من النفط في السعوديه كان يفرض عليهم التواجد على الأرض من أجل إستخراجه وتصديره والسيطرة على مقدراته .. فكيف يتواجدون على أرض يراهم فيها الإخوان بنفس العين التي ينظرون بها الى البريطانيين ؟ لهذا كان ينبغي قمع الإخوان في نجد والحجاز لتتاح للأمريكان حرية الحركه .

فقام المريكان بتصدير مفاهيم الإخوانيه الى الدول العربيه التي يتواجد فيها البريطانيون والفرنسيون , على الفور أسس حسن البنا خلية للإخوان في مصر عام 1928 كانت تناكف الحاكم المتحالف مع البريطانيين . الجزائري ( الفضيل الورتلاني ) كان قد تتلمذ على يد حسن البنا وأدخل الإخوانيه الى الجزائر منذ بداية الأربعينات لمناهضة الفرنسيين لمصلحة الأمريكان . أما العراق فقد تأسست فيه خلية إخوان منتصف الخمسينات عند دخول العراق الى حلف بغداد الأمريكي تقريباً في نفس الفتره التي تأسس فيها حزب الدعوة العراقي من أجل إلهاء الحزبين بقتال بعضهما فيما لو ظهرت أي بادرة مقاومه عراقيه لحلف بغداد , مثلما انتشرت تنظيمات الإخوان في الكويت والأردن ومشيخات الخليج من أجل مجابهة حكوماتها تحت ذريعه أن تلك الحكومات عميله ل ( غير المسلمين ) ثم نشرت حركة الإخوان الى 72 بلداً حول العالم للأمريكان مصالح فيها .

من أجل قمع الإخوان في نجد والحجاز قام الملك عبد العزيز بتحريم الجهاد ضد الزنادقه والكفار.. اذ لا داعي لذلك مادام الملك يرى منتجات شيطانيه لم يرها الرسول أو الأولون من قبل .. أشياء من قبيل : التلغراف , التلفون . الراديو , والسياره , بدع يمكن أن تنقل مكر الزنادقة والكفار الى ديار المسلمين , دون حاجة أولئك الكفار الى التواجد على أرض الإسلام .

عام 1927 استعمل الأمريكان الإخوان لمهاجمة مصالح بريطانيه في كل من العراق والكويت , عندها شعر الإخوان بالألم الكبير وهم يرون لأول مره إختراعاً شيطانياً يدعى ( الطائره ) كان يلقي فوق مرابعهم من الجو أشياء مرعبه قاتله تدعى ( القنابل ) فتقتل المئات منهم .

عام 1928 طالب الإخوان الملك عبد العزيز بتفسير لماذا يحرم عليهم الجهاد ؟ قالوا له أنهم يخافون من الله أكثر من خوفهم من الملك , وأن الجهاد حد من حدود الله فلماذا يعطل عليهم هذا الحد ؟ لكن الملك أصر على السلام , وبطبيعة الحال كان الأخوان يرون الأمريكان وهم يقومون بالحفر في أنحاء بلادهم ويعرفون ما القادم , لذلك لم يقنعهم إصرار الملك على السلام عندها وقعت الحرب بينهم وبين الملك في آذار 1929 .

قاد فرق جيش الملك أولاده الأمراء , بينما قاد فرقتي جيش الإخوان كل من ( فيصل الدويش ) و ( سلطان البجاد ) , وكان الحظ الى جانب الملك وأولاده , ففي اللحظات الأولى من القتال أصيب فيصل الدويش في معدته فتقهقرت جماعته تلاحقها نيران الرشاشات الآليه , عندها دب الرعب في نفوس جيش سلطان البجاد فتفرقوا جماعات واعتصموا كجيوب مقاتله في أماكن متفرقه تمت تصفيتها ودحرها حتى نهاية العام , ثم ألقي القبض على فيصل الدويش وسلطان البجاد وألقيا في السجن حيث ماتا بعد فترة قصيره .

بعد أن إستتب الأمن في المملكه وتم التأكد أن لا أحد يتمكن من فتح فمه مطالباً من جديد بحمل السلاح من أجل الجهاد …. قدم الى المملكة آلاف من الأمريكيين مع عوائلهم للعمل في شركة النفط الأمريكية السعوديه ( أرامكو ) التي تم تأسيسها عام 1933 .

عوائل نجديه كثيره وجدت نفسها وقد ترملت وتيتمت وتشردت بسبب القتال مع الملك , وعاشت أوضاعاً بمنتهى القساوه , واحد من المحاربين في جيش سلطان البجاد يدعى ( محمد بن سيف العتيبي ) كان يتذكر بإكبارأن سيده بجاد كان يردد دائماً ( لن نستسلم أبدأ ً ) .

بعد 3 سنوات من تأسيس شركة أرامكو أي عام 1936 رزق هذا الرجل بولد كان شديد العبوس والتجهم منذ ولادته ولهذا منحه والده إسم (( جهيمان )) جهيمان هذا هو الذي سيصبح بطل حكاية ظهور المهدي في مكه فجر يوم 20 نوفمبر 1979 .

لا نعرف شيئاً عن تعليم جهيمان العتيبي .. لكن المعروف أنه ومثل كل البدو في نجد والحجاز كان قد إنضم الى الحرس الوطني السعودي وخدم فيه منذ العام 1955 وتسرح عام 1973 وهو برتبة عريف .

انتقل الى المدينة المنوره وإنضم الى جماعة ( الدعوه المحتسبه ) وكان ينتقل من مكان الى آخر للوعظ والتبشير بالتوحيد وتجنب الخطايا والآثام .

بنشاطه في جماعة الدعوة المحتسبه أصبح مديراً لأحد فروع الجماعه , عندها بدأ ينادي بأن ليس من حق الأمراء الإسراف في البذخ والتحرر وأنهم بحاجه الى تطبيق الشريعة الإسلاميه – وأن على حلفائهم الأمريكان أن يعرفوا أن ليس بإمكانهم إستغلال البلد بهذا الشكل . ثم نشر كتابه المعنون ( رسالة الإماره والبيعه والطاعه وحكم تلبيس الحكام على طلبة العلم والعامه ) طبع له في مطابع جريدة السياسه الكويتيه ويمكنكم الإطلاع عليه على هذا الرابط :http://webcache.googleusercontent.com/custom?q=cache:poBvRKsTfRIJ:www.tawhed.ws/dl%3Fi%3Dfcchouzr+%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8+%D8%AA%D8%A3%D9%84%D9%8A%D9%81+%D8%AC%D9%87%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AA%D9%8A%D8%A8%D9%8A&cd=19&hl=en&ct=clnk&client=pub-1712545686841324&source=www.google.com

منذ انقلاب مصدق في ايران عام 1953 الحاكم الفعلي في السعوديه هم الأمريكان . فهم الذين يقودون الجيش والقوة البحرية والجويه والأمن ويشرفون على كل صغيرة وكبيرة في البلد , ولهذا فما أن بدأت دعوة جهيمان بالإنتشار وبدأ الأتباع يتجمعون حوله حتى سمع الأمريكان به فأرسلوا له عددا من الأمريكان من أصل أفريقي على اعتبار أنهم من المؤمنين بدعوته .. ومن خلالهم ستتم قيادة هذا الرجل .

إنفصل عام 1976 عن جماعة الدعوة المحتسبه وشكل جماعته الخاصه وسمّاها ( الإخوان ) وذهب ليعيش في قرية خارج المدينه المنوره من أجل المزيد من السريه , ثم إلتحق بالجامعة الإسلامية في المدينه وكان طالباً لامعاً مشرفه الخاص هو الشيخ الضرير عبد العزيز إبن باز .

حين تسببت بعض نشاطات جهيمان لأن تعتقله الشرطه ذهب ابن باز بنفسه وتشفع له وأخرجه من السجن .

تنظيم جهيمان كان يضم الشيخ ابن باز , والشيخ مقبل بن هادي من اليمن والشيخ شاه بديع الدين السندي من باكستان وكان هؤلاء يحترمون جهيمان بشده . وقد بلغ عدد أفراد التنظيم ما يزيد على 1500 شخص أغلبهم من طلبة الجامعة الإسلاميه وهم في العشرينات من العمر .

منذ العام 1976 وحتى العام 1979 كان جهيمان قد إفتتح برنامجاً دعوياً يقدم فيه المحاضرات العامه الى كل الناس – وعلى هامش هذا العمل المفتوح كان يعقد الجلسات السريه للمقربين منه والتي يؤمها الأمريكان من أصل أفريقي الذين كانوا يمدونه بالمال .. وحين بدأ التخطيط لإحتلال الحرم أمدوه بالسلاح عن طريق تهريبه من لبنان التي كانت الحرب قد اشتعلت فيها . أو عن طريق تهريب السلاح السوفييتي إليه من اليمن الجنوبيه .

في يوم 1 محرم 1400 هجري والذي يوافق يوم 20 نوفمبر 1979 إجتمع 14 رئيس دوله عربيه في مؤتمر قمة في تونس بعد نقل الجامعة العربية إليها . صدام حسين كان عائداً من مؤتمر قمة عدم الإنحياز في كوبا ومتوجهاً الى مؤتمر القمة العربية في تونس الذي عقد في فندق هيلتون , وقد اعتبر خطابه في المؤتمر الى جانب خطاب الحبيب بو رقيبه وثيقتين من وثائق المؤتمر . الأمير فهد ولي عهد السعوديه كان حاضراً وحانقاً بشده على الطريقة التي أطاح بها الأمريكان بشاه ايران ويرى أن الأمريكان لا حليف ولا أمان لهم , ومن أجل إشعال الموقف العراقي والسعودي ضد ايران قام حافظ أسد الذي له تحالف إقليمي مع ايران بدعوة ايران الى مؤتمر القمة العربي .

ايران وكبادرة إستخفاف منها بالمجتمعين أرسلت وفداً ايرانياً برئاسة آية الله هادي المدرسي وكان عمره وقتها 22 سنه فقط _ ورغم أنه من أصل عراقي ويجيد اللغة العربية بطلاقة وكانت خطبه الناريه تفعل فعلها في تحريض شيعة البحرين ضد حكومتهم , إلا انه أصر على الحديث بالفارسية أثناء وجوده في تونس , ورغم أن موظفي الإستقبال في فندق هيلتون منعوه ووفده من دخول الفندق إلا أن مجرد حضوره الى القمة العربيه كان كافياً لتأجيج مشاعر صدام وفهد اللذين جمعتهما علاقة صداقة خاصه منذ تلك الحادثه . حين وصل خبر إحتلال الحرم المكي الى تونس فضت جلسات القمة على عجل في يومين لأجل أن يعود فهد الى بلاده ليرى ما سيفعل .

سالم بن لادن الأخ الأكبر لأسامه بن لادن كان قد تسلم مقاوله من الحكومه السعوديه لتعمير وتوسيع الحرم المكي . ومن أجل أن لا تعرقل عملية البناء مسيرة الحجيج والمعتمرين كان قد حفر نفقاً يمتد الى قبو الحرم تطل فتحته على شارع بوابة العمره ومحصوره ما بين بوابة الفتح ومسعى الصفا والمروه . تمت رشوة الحرس الحكومي بمبلغ يعد كبيراً ذلك الوقت وهو 40 ألف ريال سعودي ( حوالي 15 ألف دولار ) لإدخال عدة سيارت محمله بالأسلحه والذخيره والطعام الى داخل القبو قبل تنفيذ العمليه بعدة أيام , أما المهاجمين الذين يبلغ عددهم 250 شخص فقد إرتدوا ( دشاديش بيضاء وغتر حمراء ) لتمييز أنفسهم عن بقية الناس وكانوا ينتشرون في أنحاء الحرم من قبل أسبوعين من الهجوم .

عند الخامسة والثلث أذن لصلاة الفجر وبينما كان الموجودين يصلون قام واحد من هؤلاء ومشى بإتجاه الكعبه وأطلق أعيرة نارية في الهواء إيذاناً ببدء الهجوم فقام جماعته على الفور بفتح توابيت كانوا يحملونها وأخذوا منها رشاشات وزعوها بينهم , وعلى الفور ذهبوا الى جميع بوابات الحرم فأقفلوها وإحتجزوا جميع الموجودين داخل الحرم وقتلوا عددا من الحرس الحكومي .

خرج جهيمان العتيبي قائد المجموعه وكان يربط شعره الطويل ( ذيل حصان ) بقطعة قماش خضراء يحيط به 3 حرس وهددوا إمام الحرم بخنجر وأخذوا منه المايكرفون , ألقى جهيمان عدداً من الأوامر العسكريه على جماعته الذين تسلقوا مآذن الحرم السبعه التي يبلغ ارتفاع الواحدة منها 89 متر ونصبوا في شرفاتها الرشاشات الأليه مصوبة الى كل الإتجاهات وكان لديهم الأمر برمي كل من يحاول التقدم عليهم .

اذاع جهيمان أن مكة والمدينه وجده قد أصبحت تحت سيطرة جماعته , ثم أعلن عن ظهور المهدي وهو صهره الذي يدعى ( محمد بن عبد الله القحطاني ) . اللعلامه التي تم الإستدلال بها على مهديته ( وحمه ) حمراء اللون على خده وهي علامه من علامات المهدي كما ورد في الحديث .

بعد الظهر كانت حدود المملكه قد أغلقت وتم إقفال البداله المركزيه لمنع تداول الأخبار بين الناس , ثم دعا الملك ( ابن باز ) ومعه 23 عالم دين آخر للتباحث فيما سيفعلون . ضابط السفاره الأمريكيه ( مارك هامبلي ) أعلم محطة السي آي أي في السعوديه بقطع الإتصالات الهاتفيه , وفي حركة خبيثه قام بالإتصال بالسفارة الإيرانيه لسؤالهم عما اذا كان لحكومتهم أو للخميني أي علاقة بالحادث فجاءه الرد بالنفي .

في تلك الليله كان مجلس الأمن قد إجتمع من أجل إستخدام القوة العسكريه ضد ايران بعد أن قام الخميني بإطلاق سراح 5 نساء و 8 أفارقه سود من الأمريكان المحتجزين في السفاره الأمريكيه في طهران أما البقيه فقد أمر بمحاكمتهم بتهمة التجسس التي عقوبتها الموت . وعلى الرغم من ان التقارير السعوديه كانت تؤكد أن الهجوم قد وقع من قبل متشددين اسلاميين سعوديين إلا أن نشرات الأخبار الأمريكيه والبريطانيه والإسرائيليه أصرت على تسميتهم ب ( الإيرانيين ) على فرض أن اليوم هو الأول من محرم وبداية عاشوراء عند الشيعه .

من أجل إثارة مشاعر المسلمين حول العالم قامت الولايات المتحده بإرسال حملة الطائرات النوويه ( كيتي هاواك ) الى المنطقه وعلى متنها 58 طائره مقاتله , ترافقها 5 سفن حامله للصواريخ قادمه من خليج سوبيك في الفلبين بقيادة حاملة الطائرات ( يو إس إس مدواي ) القابعه في بحر العرب , ولا تدري لمن ستكون الضربه هل هي لإيران أم للسعوديه !!؟

تباحث الملك خالد مع علماء المملكه فيمن يكون المهدي وهل دعوته صادقه ؟ ورغم أنهم وهابيون ولا يؤمنون مثل الشيعة بأركان مثل : الغيبه والرجعه والعصمه والإمامه والحلول والتي تجعل الشيعه يؤمنون بظهور المهدي ذات يوم , إلا أن هؤلاء العلماء ناقشوا الملك في أن هذا المهدي كاذب لأسباب منها أن الحديث النبوي الذي تحدث عن المهدي يذكر ان المهدي سيظهر ومعه عيسى الحي لمقاتلة 70 ألف يهودي يأتون الى ديار المسلمين من أصفهان في ايران .. وأصفهان اليوم برمتها لايوجد فيها 70 ألف يهودي , عدا عن ان الحديث النبوي يذكر أن المهدي عند ظهوره سيختبيء خلف أسوار دمشق إنتظاراً لظهور عيسى الحي ومعه المدد إلا أن دمشق الحاليه مدينة خاليه من الأسوار .. وفوق هذا وذاك فالمهدي حين يظهر من المستحيل ان يقتل مصلين أبرياء في داخل الحرم المكي كما فعل هذا المدعي بالمهديه . عندها سألهم الملك عن كيفية مواجهة الأمر والقتال داخل مكة محرم ؟ فأصدروا فتوى خاصه تبيح القتال في هذه الحادثه .

في هذه الأثناء كان جهيمان ومن معه قد نزلوا الى القبو وإتخذوه مقراً لهم , وكانت سياراتهم مليئه بالخبز والتمر واللبن الناشف أما الماء فقد كانوا يأخذونه من بئر زمزم .

منذ تولي محمد ضياء الحق الحكم في الباكستان أقر عقوبات مستمده من الشريعة الإسلاميه مثل الجلد العلني وبتر الأطراف وأصبح يسعى الى توطيد علاقته مع ايران بعد أن سمت نفسها ( جمهوريه إسلاميه ) ولهذا فخلال أزمة الرهائن في ايران كان الإعلام الباكستاني يسمي أمريكا ( أعداء الدين الحق ) وأن تحريك كارتر لحاملات الطائرات بناءاً على ما يقع في مكه يعتبر عملاً من أعمال العدوان ضد الأمة الإسلاميه أجمعها . ولأن الثوريين الإيرانيين والإخوان المسلمين في مصر يعدون العلاقه الأمريكيه الصهيونيه عدواناً سافراً على أمة الإسلام لهذا قام الباكستانيون بحرق السفارة الأمريكية في اسلام آباد . أما الإيرانيون فقد صرحوا بأن الدوائر الإمبرياليه والصهيونيه تحاول إتهامهم بإحتلال الحرم المكي وبث الإعلام الفارسي عدة خطب للخميني يتهم فيها اسرائيل وامريكا بمحاولة تخريب الحرم . وفي نفس الوقت قام البنغاليون بتدمير السفارة الأمريكية في دكا , اما الليبيون فقد حاصروا السفارة الأمريكية في طرابلس وأجبروا طاقمها على الهرولة والإختباء في السفارة البريطانيه ليتم بعد ذلك تدمير السفارة الأمريكيه . الأمريكان كانوا مسرورين بشده من هذا الغضب الجماهيري الإسلامي .. فعن طريق هذا الغضب سيقومون بالتحشيد للحرب التي ستبعد الإسلاميين عن العبث بمصالح أمريكا في المنطقة العربيه .

الإخوان المسلمين في مصر ومنذ حادثة المنشيه وإعدام عبد الناصر لسيد قطب كانوا حزباً محظوراً , الفعل الوحيد الظاهر الذي تمكنوا من القيام به أثناء فترة حظر حركتهم هو إحراق السفارة السوفييتيه أثناء هزيمة حزيران 1967 ليمنعوا عبد الناصر من طلب العون من الإتحاد السوفييتي بسبب خيبة امله بالولايات المتحدة الأمريكيه فأجبره فعلهم هذا على تقديم خطابه الباكي بالتنحي عن الحكم . حين جاء السادات ( الرئيس المؤمن ) سمح لهم بالعمل وقرب قياداتهم فكان أول فعل قاموا به هو قتل السادات رداً على توقيعه على اتفاقية كامب ديفيد وحين وصل حسني مبارك الى الحكم مستمراً في سياسة التطبيع كان يبنبغي له التخلص منهم وكما سنرى .

حين أذاعت الحكومه السعوديه أن مهاجمي الحرم هم سعوديون ولا علاقة لهم بالأمريكان أو الإسرائيليين مثلما إدعى الخميني .. هاج الخميني واتهم السعوديين بالنفاق وعلى الفور أيده حافظ أسد حليفه الإقليمي . أما مفتي لبنان حسن خالد فقد ذكر أنه محرم في الإسلام قتل حتى الطير في مكه وأن هذه مؤامره إمبرياله صهيونيه لإفشال القمه العربيه في تونس . اما شيخ الأزهر محمد عبد الرحمن بيصار فقد لام علماء السعوديه على صمتهم وطالب بإجراءات سريعه وحاسمه لإنقاذ بيت الله وناشد علماء المسلمين كافه الى التجمع قرب مكه لإيجاد حل واقترح عقوبة الصلب لجميع المشاركين في هذا العمل .

الحكومه السعوديه بدأت بتسمية جماعة جهيمان ب ( الخوارج ) أي الخارجين عن الطاعه لكن وكالة الأنباء الفرنسيه ظنتهم ( طائفة الخوارج الإسلاميه ) فذكرت ان تعدادهم يبلغ 600 ألف وأنهم يعيشون في تونس والجزائر وسلطنة عمان وتنزانيا .

سامي العنقاوي مدير مركز أبحاث الحج كان يملك خارطه تفصيليه للحرم , حين أحضرها الى الأمراء المجتمعين لأجل القضيه قام سالم بن لادن الأخ الأكبر لأسامه والذي كانت شركته قد ساهمت في بناء ملحقات الحرم المكي بشرح خطة تفصيليه لجميع مداخل ومخارج الحرم , وفي تلك الليله بدأت المدفعيه الثقيله بقصف الحرم المكي مستهدفة مآذن الحرم السبعه لإنهاء المقاومة التي تصدر عن متسلقيها , ومستهدفه بوابات الحرم في محاولة لتدميرها للدخول الى الداخل وقتل المعتصمين … لكن بناء الحرم كان متيناً عصياً حتى على المدفعية الثقيله .

الملك حسين ملك الأردن طار الى الرياض وعرض على حكومتها أن يرسل جيشاً أردنياً لتطهير الحرم , لكن حكام السعوديه كانوا يعرفون أن الإحتلال مدعوم أمريكياً بشكل من الأشكال ولهذا فإن أية قوه أردنيه لن تجدي في مهاجمة المسلحين الذين لا أحد يعرف كم عددهم ولا نوع السلاح الذي تمكنوا من إدخاله معهم . حين أبلغ الملك حسين برفض مساعدته قام هو بتفسيرها على أن الرفض نابع من كونه حفيد الشريف حسين بن علي غريم آل سعود الموعود بأن يصبح ملكاً على العرب , كما ظن أن هناك تخوف سعودي من أن الجيش الأردني اذا دخل مكة فإنه لن يخرج منها .

إستعانت الحكومه السعوديه بخبره عسكريه من ( الجندرمه الفرنسيه ) وهي دائرة الإستخبارات العسكريه الفرنسيه التي أرسلت لهم 3 خبراء لمعاينة المكان , وكانت نصيحتهم هي تثقيب أرض الحرم وبذلك يتثقب سقف القبو الذي يختبيء فيه المهاجمون وعن طريق هذه الثقوب يتم ضخ المياه التي تتم كهربتها والغاز المخدر وحين يأخذ مفعوله يتم الدخول الى القبو لأسر المهاجمين .

عرضت حكومة السعوديه على هؤلاء الخبراء إستقدام قوه فرنسيه للقيام بالعمل لكن الفرنسيين رفضوا ذلك قائلين (( إن هذا الحرب هي بين المسلمين والولايات المتحده الأمريكيه فلماذا تريدون إقحام الفرنسيين فيها ؟ )) وعوضاً عن ذلك اقترح الفرنسيون استقدام قوات مغربيه للقيام بالعمل لكن آل سعود رفضوا الفكرة مثلما رفضوا عرض الملك حسين .

أخيراً قر القرار على إستقدام قوات مسلحه باكستانيه للقيام بالمهمه .. حمل الجنود الباكستانيون الكومبريسرات وبدأوا بتثقيب أرض الحرم , لكن الموجودين في القبو قتلوا العشرات من الجنود بإطلاق النار عليهم من خلال الفتحات الحادثه في سقف القبو , كما أخذوا ينقعون قطع القماش بماء زمزم ويلفونها حول وجوههم لتعطيل مفعول الغاز المخدر أطول فترة ممكنه ويبتعدون قدر الإمكان الى الغرف البعيدة من القبو .

ارتدى الباكستانيون الأقنعة الواقيه وبدأوا يتسللون الى القبو ويأسرون كل من يقع تحت أيديهم . القوات السعوديه لم تكن الأقنعه الواقيه ذات نفع لهم لأن لحاهم طويله تعيق إلتصاق مطاط القناع على جلد الوجه لتمنع تسرب الغاز .

انتهت العمليه خلال أسبوعين , مدعي المهديه محمد بن عبد الله القحطاني كان قد قتل في مواجهة بينه وبين الشرطه , جهيمان بن محمد بن سيف القحطاني ألقي القبض عليه ونفذ فيه حكم الإعدام مع من بقي حياً من جماعته المهاجمه وعددهم 61 شخص .

هاجت مشاعر تنظيمات الأخوان المسلمين في جميع الدول الإسلاميه لما وقع ولهذا كان يفترض إيجاد ساحه لتفريغ ذلك الإحتقان الجهادي , بعد عشرين يوم من نهاية احتلال الحرم قام الإتحاد السوفييتي ( الكافر ) بإحتلال أفغانستان وتم فتح باب التطوع من كل دول العالم الإسلامي ل ( الجهاد ) ضد السوفييت , ودفعت لهم الأموال , ليبقوا مشغولين بهذه اللعبه حتى عام 1991 حيث سقط الإتحاد السوفييتي , فعادت الجماعات الإسلامية الى بلدانها لتعيث فيها فساداً تذكرون مذابح الجزائر ومعارك اليمن والصومال ومشاكل القاعده في أفريقيا , وهذه المشاكل كلها تقع فوق رأس المصالح الأمريكيه لهذا كان ينبغي إشغال هؤلاء المقاتلين بحرب من نوع جديد .

طيلة فترة حرب الإخوان في أفغانستان كانت ايران قد نحجت في نشر نفوذها وبناء حسينياتها حول العالم من نيوزيلندا في أقصى الشرق وحتى الولايات المتحده الأمريكيه في أقصى الغرب , كما تم تأسيس المئات من الأحزاب الدينيه حول العالم الشيعية منها والسنيه , وهذه الأحزاب ستأخذ على عاتقها تأجيج الفتنة الطائفية الى أقصاها من أجل أن يوجه المسلمون السلاح الى صدور بعضهم البعض خدمة لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكيه .

ميسون البياتي – مفكر حر؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

تصنيع أسطورة بن لادن‎

لو نظرنا الى أسلوب إدارة الفعل في الحبكة الدراميه , سنجد أننا ولكي نكتب حبكة ناجحه فلا يجوز لنا أن نجعل الصراع يدور بين قوتين إحداهما كبرى .. والثانية صغيرة وضعيفه , لأن مثل هذه الحبكه ستفضي بنا فوراً الى تغلب القوة الكبرى وإنهاء الحبكه دون الحاجة الى المرور بمرحلة الصراع أصلا , ومن شروط إدارة الصراع الناجح في الحبكة الدراميه أن يتمتع الصراع بطول معقول , فليس مستحباً أن يكون الصراع قصيراً فيفقد خاصية الإمتاع بتفاصيله , أما الصراع الأطول من المطلوب فهو يفقد الفعل مصداقيته , يجعله مملاً , كما أن الطرف الذي نريد إظهاره ( حاسماً ) سيفقد قدرته على ( الإقناع بالحسم ) فيما لو طال الصراع ( دون نتيجة حاسمه ) .

السياسة الأمريكية حول العالم تبنى بنفس قوانين الفعل هذه , ولن أعود بكم الى نقطة بعيده بل سنرجع الى العام 1907 حين قام الحلف البريطاني الروسي الذي من أهم أهدافه تجنيب قارة اوربا الوقوع تحت النفوذ الأمريكي , ولهذا لم تمض غير سبع سنوات لتشتعل الحرب العالمية الأولى التي كان هدف الأمريكان منها : تدمير الحلف البريطاني الروسي الذي يعزل قارة اوربا عن تغلغل النفوذ الأمريكي فيها بكماشة ذات فكين يمتدان من شرق القارة وغربها . وأرجو العوده الى موضوعي المنشور على الموقع وتحت عنوان ( البلشفيه والحرب العالمية الأولى ) من أجل مزيد من التفاصيل .

الجوله الثانيه من الحرب العالمية الأولى إندلعت تحت تسمية ( الحرب الأهليه الروسيه ) التي شاركت فيها جيوش 14 دوله من شرق الأرض وغربها على رأسها الولايات المتحده داعمه للبلاشفه من جهة _ وعلى الجانب الآخر تقف ( بريطانيا وفرنسا , استراليا , كندا , الهند , تشيكوسلوفاكيا , فنلندا , اليونان , ايطاليا , اليابان , بولندا , رومانيا , صربيا ) داعمين لكل ماهو معادي للبلشفيه . وإستمرت الحرب ست سنوات .

الحرب العالمية الثانيه هي إستمرار للحرب العالمية الأولى بما أنتجته من دمار إقتصادي وقتل لملايين البشر .. ولكن هل يجوز أن يهدأ الصراع الدولي بنهايتها ؟ والجواب كلا … لأن نهاية الصراع معناه نهاية الحبكه , لكن الحبكة الأمريكية حول العالم كان يفترض لها أن تدوم حتى تؤدي آخر غاياتها , ولهذا فكما أنجبت الحربُ العالمية الأولى _ الحربَ الأهلية الروسيه , فكذلك ستنجب الحربُ العالمية الثانيه _ الحربَ البارده التي بدأت منذ مؤتمر بوتسدام 1945 _ ولم تنته إلا بتقويض الإتحاد السوفييتي .

نجحت الولايات المتحدة الأمريكيه خلال الحرب البارده في إنزال الستار الحديدي بين روسيا وبريطانيا التي بدأت تفقد مستعمراتها في العالم , الواحدة تلو الأخرى عن طريق إنقلابات عسكريه قامت بها شراذم من العسكر دعمهم الأمريكان , فقلبوا أنظمة الحكم في بلدانهم وطرودا المستعمر البريطاني أو الفرنسي أو الإسباني أو البرتغالي , وأحلوا المستعمر الأمريكي محله وتحت شعار ( ثورات تحرريه ) .

لو عدنا الى فيلسوف التاريخ إبن خلدون أو نظيره الإيطالي جيامبتيستا فيكو , لوجدناهما يفلسفان التاريخ على شكل ( حقب ) يمتد طول الحقبة الى أربعين عاماً ( أكثر أو أقل ) قليلاً في كل حقبه ينشأ صراع ويمر بثلاث مراحل هي : مرحلة النشوء , مرحلة الإزدهار , ثم مرحلة الإضمحلال .

إذا قدرنا أن حقبة صراع الحربين العالميتين الأولى والثانيه إمتد من عام 1914 وحتى عام 1945 فهذا معناه أن طول حقبة الصراع كان 31 عام , ثم تم تحوير الصراع الى شكل آخر هو الحرب البارده التي بدأت من عام 1945 … وبوصولنا الى النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي .. تكون الحقبة قد أشرفت على نهايتها , وأن الأمريكان ما داموا يريدون إحتلال دور اللاعب الأول في العالم , فعليهم إيجاد نقطة تحول لتغيير شكل الحرب البارده الى نمط جديد .

قبيل إنهيار الإتحاد السوفييتي كتب الفيلسوف الأمريكي من أصل ياباني فرنسيس فوكوياما , وهو واحد من منظري ( المحافظين الجدد ) و( مركز بحوث القرن الأمريكي ) رساله سماها ( نهاية التاريخ والإنسان الأخير ) نشرتها له دورية ( ناشنال إنتريست ) عام 1989 , وكان من ضمن الذي ذكره فيها أنه وبعد إنهيار الإتحاد السوفييتي فإن آخر المعاقل التي ستحاربها الديمقراطيه الأمريكيه : الإسلام .. ثم البوذيه .

ما أن مسحت خارطة الإتحاد السوفييتي من أطالس العالم عام 1991 كان على الولايات المتحدة الأمريكيه أن تسارع الى صناعة البعبع الإسلامي الذي يهدد أمنها القومي , والذي يليق بها كدولة عظمى أن تقاتله في مفتتح عصر عولمتها المجيد … وهكذا صنع بعبع تنظيم القاعده .

العلاقه بين أسامه بن لادن والأمريكان ليست وليدة حياته بل تتعداها الى ما يسبق حياته بحوالي 30 عاماً . وللحديث عن ذلك فلابد من الخوض في طبيعة الصراع الأمريكي البريطاني للإستحواذ على منطقة الشرق الأوسط .

إستغرق حفر قناة السويس من عام 1859 الى عام 1869 محولاً البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر من بحيرات داخليه لا تحظى بإهتمام أحد الى أهم شريان للمواصلات يربط الشرق بالغرب ويجلب على سكان المنطقة الويلات . وكان أول الغيث قيام بريطانيا بإحتلال مصر عام 1882 .

الأمريكان الذين يراقبون كل شيء عن كثب أصبحوا يدركون الآن الأهمية القصوى التي أصبحت تملكها شبه الجزيرة العربيه ولهذا كان يجب أن يضعوا يدهم عليها , فبحثوا عمن تبقى من آل سعود فوجدوا شيخهم عبد العزيز آل سعود يعيش لاجئاً في الكويت فأمدوه بالدعم المطلوب , عندها قام في كانون الثاني 1902 باصطحاب حوالي 70 رجلاً وعاد بهم متسللاً الى الرياض .. وبواسطة آل سعود سيطروا على جميع نجد والحجاز .

بريطانيا التي كانت قد تحالفت مع الشريف ( حسين بن علي ) شريف مكه في العام 1915 بعد مراسلات ( حسين _ مكماهون ) وجدت نفسها مضطره الى نكث عهدها معه بتعيينه ملكاً على العرب بعد نهاية الحرب العالمية الأولى , وهي ترى الأمريكان قد أصبحوا على مشارف مكه من خلال آل سعود والوهابيه . وبعد أن إستتب الأمر للأمريكان في المملكه ( السعوديه ) التي أسسوها على أرض نجد والحجاز …. قدم الى المملكة آلاف من الأمريكيين مع عوائلهم للعمل في شركة النفط الأمريكية السعوديه ( أرامكو ) التي تم تأسيسها عام 1933 .

كان على الأمريكان في المرحلة المقبله طرد البريطانيين من حامية عدن , لكن التواجد البريطاني المكثف في حامية عدن دفع الأمريكان الى دعم جالية يمنية تقيم في نجد أو الحجاز من أجل تقوية هذه الجالية مادياً ومعنوياً لغرض إستخدامها ضد المصالح البريطانية عندما تسمح الظروف في وقت لاحق , واحد من أفراد هذه الجالية اليمنيه هو محمد بن لادن والد أسامه بن لادن .

في نفس الفتره التي تأسست فيها شركة أرامكو , كان محمد بن لادن يعمل حمّالاً أعانه الأمريكان بشكل ما ليتمكن من تأسيس شركة بناء تمكنت خلال فترة قصيرة لا تتعدى السنتين من أن تتوسع لتشغيل مئات العمال في مختلف مدن المملكه العربية السعوديه , وفي مده تقل عن عشر سنوات كان محمد بن لادن قد أصبح من أصحاب الملايين .

الطفره الكبرى في حياته والتي ستعززه مالياً وإجتماعياً هي إرساء العطاء عليه لبناء قصر الملك سعود عام 1948 , لكنه رغم الثروة الطائلة التي جناها من هذا المشروع , ورغم توطد علاقته بالعائلة الحاكمه ( الملك والأمراء ) إلا أنه بقي محافظاً على طبعه البسيط وجديته في العمل الذي كان يواضب عليه كل يوم عند الثامنة صباحاً ودون تأخير , ولهذا إتسع عمله بمساعدة ( أصدقائه ) ليشمل بناء عقارات مهمه في مكه والمدينه والقدس مما أكسبه وعائلته إحترام سكان نجد والحجاز .. حكومة وشعباً .

مثل جميع المسلمين الأثرياء بدأ محمد بن لادن منذ الأربعينات بالزواج كل عدة أعوام من زوجة جديده , وكان يحتفظ بثلاث زوجات تاركاً المرتبة الرابعة شاغره لأي مقبلة لتشغلها كزوجة جديده , أما النساء اللواتي كان ينفصل عنهن فقد كان يمنحهن إقامة في أحد دوره الكثيرة المنتشرة في مدن نجد أو الحجاز .. من دون أن يكون لهؤلاء الزوجات الحق في إصطحاب ذريتهن معهن .. لأن الذرية أولاد أو بنات كان الأب يشترط بقاءهم معه في نفس البيت وتحت رعاية زوجته الأولى التي لم يفرط بها والتي ربت له 54 طفلاً أنجبهم من 11 زوجه .

تسلسل أسامه بن لادن بين إخوته وأخواته كان الرقم 17 أما والدته ( حميده ) فقد كانت سيده سوريه تعرف عليها والده أثناء مباحثات عمل مع أسرتها في دمشق , وقد أعجبته فقرر الزواج منها , كان عمرها 22 عام وذات شخصية مستقله لم تتمكن من التعايش مع الحجاب وطبيعة المجتمع المغلقه في نجد والحجاز , وكانت تبدو متحررة وسط بقية الزوجات مما أفسد علاقتها بزوجها في وقت قصير رغم ان أسامه كان قد ولد في 10 آذار 1957.

حالما هجر محمد بن لادن زوجته حميده .. قامت بقية الزوجات بعزلها عن مجتمعهن , وأصبحن يطلقن عليها تسمية ( العبده ) وهذا جعلهم بالتبعيه يطلقون على إبنها اسامه تسمية ( إبن العبده ) وهذا إنعكس على شخصية الولد حيث نشأ خجولاً متحفظاً .

من الأمور التي أثرت في بناء شخصية أسامه تلك الرحله السنويه التي كان والده يأخذ العائلة إليها مرتين في العام الى قلب الصحراء حيث رغب الأب أن يحيي روح البداوة في عائلته وأبنائه . كان الجو داخل الصحراء ساخناً بقسوه أثناء النهار , وبارداً بقسوه أثناء الليل , تتردد فيه عواصف الرمل والتراب , أما حاجة العائله الى الماء فقد كانت تسد بإستخدام مياه الآبار . وكان الأبناء يكرهون هذه الرحلات ولا يقومون بها إلا لأن والدهم يريد ذلك .

أسامه على النقيض من اخوته , أحب حياة الصحراء وعشق ركوب الخيل والجمال وركض خلف كثبان الرمل , وطبيعته هذه قربته الى والده . في واحده من هذه الرحلات وكان عمر أسامه حوالي تسع سنوات , كان رفيق العائلة في هذه الرحله هو الأمير فهد الذي سيصبح ملكاً فيما بعد , وكان الأمير بصحبة عدد من أبنائه الذين أصبحوا أصدقاء لأسامه . ركبوا الجمال معاً وإصطادوا السحالي والحيّات وبقية حيوانات الصحراء , وكان أسامة مسروراً أنه يلتقي بأطفال بعمره لا يعرفون شيئاً عن الحياة القاسية التي يعيشها في بيته ك ( إبن عبده ) , وقد دامت علاقته مع ( عبد العزيز بن فهد ) الذي صاد معه ذات يوم سحليه كبيره ( ضبه ) طولها 4 اقدام مما تسبب في رعب بقية الأطفال في المخيم .. رغم أن ذلك نال إستحسان الأمير فهد وصديقه محمد بن لادن .

مثل بقية أشقائه تم تعليم أسامه في البيت ثم في الكتاتيب التي تم تخصيص جناح خاص في البيت لتأسيسها , وتم تقسيم الأشقاء حسب أعمارهم وقابلياتهم الى صفوف يقوم بالتدريس فيها أساتذه جيدون كان الأب يدفع رواتبهم , وكان الأب يحب جمع أولاده حوله ليحدثهم في أمور الإسلام التي كان قد درسها في صباه . أما اللغة الإنكليزيه فقد كان يعلمها للأولاد معلم يدعى ( برايان فايفيلد شيللر ) . وكان أسامه يفضل درس التربية الإسلاميه وهو السبّاق في قراءة القرآن .

نكسة وهزيمة حزيران 1967 جعلت الكثير من العرب المتعاملين مع الولايات المتحدة الأمريكيه .. ناقمين عليها … ولهذا ففي العام 1968 كان محمد بن لادن عائداً بطائرة هليكوبتر من إحدى رحلات العمل حيث سقطت مروحيته في الصحراء ومات على الفور , وكان ذلك صدمة كبيرة لعائلته , حيث أعيدت جثته الى البيت وتم تكفينها ودفنها في اليوم التالي مباشرة , وشارك عشرة آلاف من أهل جده في حملها الى مثواها الأخير .. وفي نعي محمد بن لادن بكى الملك فيصل وهو يقول : اليوم فقدت ذراعي الأيمن .

عمر أسامه ذلك الوقت لم يكن غير عشر سنوات , وكان خائفاً بعمق من خسارة والده خصوصاً بعدما كان قد أصبح مقرباً منه ويشتكي البعد عن والدته مثلما يشتكي تباعد علاقته مع أشقائه .

مباشرة بعد دفن الأب .. إلتقى الملك فيصل بعائلة بن لادن وأخبر الصغار أنهم سيكونون تحت رعايته الملكيه , وأن أملاك والدهم ستتم رعايتها من قبل الديوان الملكي , وأن الصغار سيتسلمون نصيبهم فيها حين يصلون الى عمر 21 سنه , غير أنه وبغياب الوالد فليس هناك داعي لأن تعيش الضرائر وأولادهن مجتمعات في بيت واحد , ولهذا فالأرامل إستقللن كل واحدة منهن ببيتها الخاص مع أولادها , كما أن المطلقات منهن إستردت كل واحدة منهن أولادها وعاشت في مكان مختلف .

بوفاة الأب لم ينقطع الأمل أو الدعم الأمريكي عن العائله , ولهذا فإن سالم بن لادن الإبن الأكبر للعائله حل محل والده في إدارة شركات ومصالح ( العائله ) التي تحولت وبوقت قصير الى واحده من كبريات الشركات المالية العالميه التي ترتبط بإتفاقيات مالية وتجاريه مع الشركة المالية التي تملكها عائله الرئيس الأمريكي بوش , وبالإضافة الى مشاريع الإعمار فقد توسعت الشركه لتشمل البحث والتنقيب عن النفط إضافة الى مشاريع الإتصالات .

حين إنفصل أسامه عن عائلة والده , تم إرساله ليعيش مع والدته التي كان لا يكاد يعرفها في تبوك , في الوقت الذي يعاني من فقدان والده , ولهذا كان يفضل العزلة في غرفته أو أن يتجول بشكل حر في تبوك , ورغم إنقضاء شهرين إلا انه نادراً ما كان يتحدث مع أمه ولهذا كتب الى عمه عبد الله الذي كان قد أصبح رئيس العائلة بعد وفاة محمد بن لادن , طالباً منه إعادته الى جده فوافقه عمه على ذلك .

السنوات التاليه لم تكن طيبه في حياة أسامه بعد أن تفرق شمل العائله , ويشعر بالوحدة في قصر فارغ , يحصل أحياناً أن يرافق عائلته الى سفرات في بعض الدول العربيه , كان يحب التجول , غير أن علاقته مع إخوته وأخواته بقيت فاتره لأنهم كانوا يرونه حساساً جداً ويحول إنطباعات طفولته الى هجوم شخصي عليهم .

بالعوده الى الرياض , إستأنف أسامه علاقته القديمه مع الأمير عبد العزيز بن فهد الذي كان يعيش في قصر اليمامه الملكي , وكانت العلاقه بينهما لا تنقطع من خلال الهاتف أو الرسائل , لكن العلاقة رغم هذا كانت متقطعه لأن موت محمد بن لادن أضعف العلاقه بين آل سعود _ وآل لادن , ولهذا فحين سمع أسامه أن صديقه عبد العزيز في جده وبصحبة والده , أتصل هاتفياً بالقصر عدة مرات دون أن يتمكن من محادثته , وحين ذهب بنفسه لزيارتهم في القصر تسلم رداً مختصراً للغايه بأنهم عادوا الى الرياض .. ولهذا لم يتصل أسامه مطلقاً بعد ذلك بصديقه الأمير عبد العزيز .

كلنا كنا نقرأ المجلات اللبنانيه مثل ( الموعد ) و ( الشبكه ) و ( الصياد ) ونعرف بالتفصيل الممل ما كان يفعله أمراء السعوديه وأثريائها في لبنان , وفضائحهم بالتحديد في شارع الحمرا في أيام موضة الميني جيب والشورت , أسامه بن لادن لم يختلف عن ذلك فقد بدأ بالتردد على بيروت منذ كان عمره 16 عام في 1973 حيث صدمه في البدايه شكل النساء أشباه العاريات , لكنه سرعان ما إعتاد على حياة النوادي الليليه وصحبة البنات وشرب الكحول , لكن تردي أوضاع لبنان الأمنيه وبداية الحرب اللبنانيه منذ عام 1975 جعله ينقطع عن زيارة بيروت , وعوضاً عن ذلك قامت عائلته التي وصلتها أخبار فضائحه في بيروت بإجباره على الزواج على أمل أن يستقر وتنتهي نزواته , فتزوج وهو ابن 17 سنه من فتاة سوريه قريبة لوالدته تدعى ( نجوى غانم ) عمرها 14 سنه .

بعد عراك مع أخيه الأكبر سالم الذي كان يأمل أن يدرس أسامه الهندسة المدنيه ليتولى في المستقبل الإشراف على مشاريع العائله , قام أسامه بالإنتساب الى كلية الإدارة والإقتصاد , وفي نفس هذا العام رزق بإبنه الأول الذي أسماه ( عبد الله ) .

عام 1979 كانت الحرب البارده قد بلغت حقبتها 34 سنه وآن الأوان الى تغيير شكل الصراع البارد الى صراع آخر يناسب المرحلة الأمريكية المقبله , ولهذا فبوصولنا الى نوفمبر 1979 , دفع الأمريكان جهيمان العتيبي الى إحتلال الحرم المكي فثارت ثائرة جميع المسلمين في العالم أرجو العوده الى موضوعي المنشور على الموقع تحت عنوان ( دماء على ستار الكعبه ) لقراءة المزيد عن ذلك الإحتلال .

في العام 1979 من حياة أسامه لم يكن متديناً على الإطلاق , بل كانت تهمه العلاقات العابره وشرب الخمر والسيارات السريعه , لكنه ولا تعرف ما السبب !! لكن المؤكد أنه كان مدفوعاً الى ذلك وليس عن رغبة شخصية منه .. أخذ محاضرات في الدراسات الإسلاميه كان يحاضر فيها الدكتور عبد الله عزام .. وعبد الله عزام متطرف فلسطيني من سكان مصر مولود عام 1941 ومنذ يفاعته كان منتمياً الى حركة الإخوان المسلمين التي أسسها الأمريكان في القاهره عام 1929 لمناهضة الوجود البريطاني في مصر , حصل على شهادته في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق , وهو عضو في منظمة التحرير الفلسطينيه , انتقل للعيش في الأردن للمشاركة في حركة المقاومة الفلسطينيه , غادر الأردن عام 1970 وانتقل للعيش في مصر وحصل منها على الدكتوراه في الشريعه من جامعة الأزهر , وفيها تعرف على أفكار سيد قطب حول ( الجهاد المعاصر ) بتوحيد المسلمين كافه للوقوف بوجه أعداء الإسلام .

في منتصف السبعينات كان عبد الله عزام يعمل في الجامعة الأردنيه في عمّان , طرد منها بسبب أفكاره المتطرفه فإنتقل للعمل في المملكة العربية السعوديه التي إلتقى فيها ببن لادن حيث قام بتدريسه أفكاره المتطرفه . أسامه بن لادن كولد شاب بعمر 22 سنه , يتيم محروم من الحنان الأسري منذ طفولته المبكره , إندفع خلف ميكانزم تعويضي عن كل ذلك الحرمان .. بإندفاعه خلف تصورات قياديه تجلب له محبة كل الناس وتعوضه عن الحرمان القاسي الذي هو فيه .

إحتدمت مشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم عند احتلال الكعبه الذي قام به جهيمان العتيبي لمصلحة الأمريكان ,, ومن أجل تربية مليشيات المسلمين ورعايتها حتى تصل الى ( العالميه ) كي يليق بها أن تكون عدوة الأمريكان الأولى في العالم , على الأمريكان إيجاد ساحه لتكون حاضنة لهذه التربيه , ولذلك فبعد عشرين يوماً من نهاية إحتلال الكعبه دفع الإتحاد السوفييتي ( الكافر ) الى إحتلال أفغانستان وتم فتح باب التطوع من كل دول العالم الإسلامي ل ( الجهاد ) ضد السوفييت , ودفعت للمقاتلين الأموال بسخاء , من أجل أن يكون العطاء السخي وسيلة لتجميع أكبر عدد منهم .

مباشرة بعد إحتلال إفغانستان .. غادر أسامه بن لادن الى مدينة بيشاور التي أصبحت قلب المقاومة الأفغانية ضد السوفييت , فلاحظ أن المليشيات المقاتله والتي يطلق عليها تسمية ( مجاهدين ) كانت متفرقه والتنسيق بينها قليل أو معدوم لكنه أعجب بشخصية أحد قادة التنظيمات ويدعى ( عبد الرسول سيّاف ) فعاد أسامه الى المملكه السعوديه وجمع لعبد الرسول سيّاف ثروة كبيرة على شكل تبرعات من أجل عمله الدعائي والحربي ضد الإتحاد السوفييتي , وبقي بن لادن يقوم بمثل هذه الرحلات الداعمه مالياً داخل المملكه حتى عام 1980 .

الولايات المتحدة الأمريكيه كانت قد أناطت محاربة السوفييت في افغانستان بمخابرات عدة دول : المخابرات السعوديه من أجل إمداد القتال بالمال والمتطوعين , المخابرات المصريه والجزائريه من أجل إمداد القتال بالمتطوعين والدعم المعلوماتي , المخابرات الباكستانيه والإيرانيه من أجل إيواء المقاتلين واللاجئين وتوفير الملجأ والتدريب العسكري لهم , والمخابرات الإسرائيليه لغرض التدريب والإشراف ودعم المعلومات .

لهذا فمن المؤكد أن الكثير من المال الذي كان يأخذه أسامة الى أفغانستان على أنه من أموال التبرعات هو في حقيقة الأمر أموال حكومية مدفوعة للمقاتلين عن طريق غير رسمي .

في شباط 1980 قام بن لادن بتعريف عبد الرسول سيّاف على أستاذه عبد الله عزّام الذي لم يكن قد رآه منذ أيام الدراسه . شعار عزام الذي نال إستحسان عبد الرسول سيّاف وجماعته ( الجهاد هو الطريق الوحيد .. لا مباحثات , ولا مؤتمرات , ولا وفود ) .

في ذلك الوقت وكان عمر بن لادن 23 سنه , رأى في عبد الله عزام شخصية القائد الأب الذي حرم منه منذ موت والده في حادث المروحيه قبل 14 سنه , أما عبد الله عزام الذي أخفق في إيجاد صفة لنفسه في صفحة القتال الأفغاني السوفييتي فقد رأى في بن لادن شريكاً شاباً مليئاً بالحماس , وهكذا قام اٌثنان بتأسيس ما يسمى ب ( مكتب الخدمات ) وهو مؤسسه تقدم الدعم الى جميع المسلمين من عرب وغيرهم الراغبين للقدوم الى أفغانستان لقتال السوفييت .

عمل أسامه نائباً لعبد الله عزام مستخدماً خبرته الدراسيه ( إداره وإقتصاد ) في تأسيس مكتب ملحق بمكتب الخدمات سماه ( مركز الإستقبال ) يقوم بتدريب المتطوعين العرب للقتال في افغانستان , ولهذا أصبح يطالب بالمعدات العسكريه والمدربين المختصين في حرب العصابات ونصب الكمائن والتخريب وبقية تقنيات حرب العصابات . ثم قام بالدعاية لمكتب الخدمات في العالم العربي . وخلال عامين كان أسامه قد نجح في تدريب عشرة آلاف مقاتل عربي على القتال من خلال ( مكتب الإستقبال ) .

وكالة المخابرات الأمريكية بدورها كانت تقدم الدعم لمن أطلقت عليهم تسمية المجاهدين على شكل ملايين الدولارات عن طريق ( مكتب الخدمات ) إضافة الى أن الشركه التي يملكها سالم بن لادن شراكة مع عائلة بوش .. قامت بأعمال جبارة من أجل المقاتلين .. حيث بنت لهم أبنيه حصينه ضد القصف وفتحت لهم الطرق بين الجبال وبنت لهم المستشفيات وحفرت لهم كهوفاً كبرى داخل الجبال وأسست لهم فيها المكاتب والمستشفيات ودور السكن , وحفرت لهم أنفاق العبور من داخل الجبال , مثلما حفرت لهم آلاف الخنادق على طول الحدود الأفغانيه الباكاستانيه , وزودتهم بالخيام والأغطيه والغذاء . بمعنى آخر هو أن تطوع اسامه في القتال لم يكن لوجه الله وإنما لمليارات من الدولارات دخلت الى حسابات عائلته وعائلة بوش عن طريق إدامة متطلبات هذا القتال .

عام 1983 قام عبد الله عزام ومساعده بن لادن بإستئجار دار في حي ( حياة آباد ) في بيشاور ليجعلاه مكتب إستقبال لآلاف المتطوعين العرب المقبلين للقتال في أفغانستان وأطلقا عليه تسمية ( دار الأنصار ) ليتحول بذلك حي حياة آباد بأكمله الى قلب للمقاومة الأفغانيه ضد السوفييت .

الفتره ما بين 1984 – 1986 قضاها بن لادن في الباكستان لكنه عاد عدة مرات الى السعوديه لجلب ( التبرعات ) وهي الفترة التي سيطر فيها الروس سيطرة تامه على مراكز المدن … بينما المليشيات الإسلاميه لم يكن أمامها غير القرى والمناطق البعيده , وقد أشرف بن لادن على قيادة ( العرب الأفغان ) الذين أنهوا تدريبهم في مكتب الخدمات فقاموا بخمس معارك كبرى ( غزوات ) ومئات الهجمات الصغيره وعمليات تبادل إطلاق النار .

بوصولنا الى عام 1988 كانت القوات السوفييتيه قد أنهكت تماماً فأعلنت قيادتها خطة للإنسحاب , وقامت بالتوقيع على إتفاقية سلام في جنيف فأنهت بذلك حرباً دامت حوالي عشر سنوات .

بنهاية القتال في أفغانستان قرر الأمريكان إستعمال هذه المليشيا الإسلاميه لتحقيق أغراض أمريكيه في أماكن أخرى من العالم ولهذا كان القرار أن يبقى مكتب الخدمات مفتوحاً . تم تحويل اسم ( بيت الأنصار ) الى ( القاعده ) وكان بن لادن هو المسؤول الأول عن القاعده على الرغم من أن القاعدة بقيت تابعه الى مكتب الخدمات الذي يرأسه عبد الله عزام , والهدف من تأسيس القاعده هو إعداد المقاتلين للمهمات المستقبليه .

في هذه المرحله كان عبد الله عزام قد أكمل الدور المناط به , وينبغي التخلص منه حتى لا يكون عالة على المرحلة المقبله , وكان الخلاف وعدم الإرتياح قد نشأ بينه وبين بن لادن . المقاتلون المصريون وهم ينوون العودة الى مصر طلبوا من بن لادن تجهيزهم بالدعم للوقوف بوجه حكومة حسني مبارك , عبد الله عزام لم يوافق على ذلك .. هذا الخلاف جعل بن لادن لا يتقبل فكرة بقاء عزام أميراً لمكتب الخدمات فترة أطول , ولهذا فصل بن لادن تنظيمات مكتب القاعده عن تنظيمات مكتب الخدمات وبسبب رفض عبد الله عزام الغاضب لهذا الفصل , إستهدفت عزام سياره ملغومه يوم 24 نوفمبر 1989 وهو في طريقه الى الجامع لأداء صلاة الظهر فقتلته مع ولديه .

عاد أسامه بن لادن الى المملكة العربية السعوديه عام 1989 فإستقبل إستقبال الفاتحين وكان وقتها قد بلغ الثانية والثلاثين من العمر , وكتبت الصحف والمجلات السعوديه عن بطولاته في أفغانستان وباكستان , وبقي لا يتمكن من الظهور علناً لعدة أشهر بسبب تجمع الناس حوله .

كل هذا وما زلنا في طور تصنيع المليشيات الإسلاميه لصناعة بعبع تنظيم القاعده . في الثاني من آب 1990 دفع صدام حسين الى غزو الكويت فقام بن لادن على الفور بلقاء الأمير سلطان وزير الدفاع السعودي داخل القصر الملكي وعرض عليه أن تقوم مليشيا المجاهدين التي تم تدريبها في أفغانستان بالقدوم وبأعداد تقدر بالآلاف للتصدي للهجوم العراقي .

الأمير سلطان وعد بعرض الموضوع على الملك , وبقي بن لادن ينتظر 5 أيام حيث سمع وعبر وسائل الإعلام أن الجيش الأمريكي قد وصل الى أرض نجد والحجاز لحماية منابع النفط فيها , أما مهمة تحرير الكويت فقد إنيطت بتحالف جيوش 33 دوله … ولأن مهمة بن لادن هي تحريض المسلمين على الهياج ضد الولايات المتحدة الأمريكيه من أجل حشد المزيد منهم كمقاتلين في تنظيم القاعده … عندها ومباشرة رفع بن لادن شعار ( المجندات اللواتي يدنسن أرض الحرم ) وكأن أرض الحرم لا يدنسها كل هذا الموت والقتل والدمار وخراب الذمم وتتدنس فقط لوجود عدة مجندات فوق أرضها !!

نيسان 1990 سافر بن لادن الى كراجي .. ومن هناك كتب الى عائلته أنه لن يعود . ثم تسلل من كراجي الى بيشاور حيث يوجد مقر مكتبه القديم ( القاعده ) فوجد المليشيات الأفغانية تقاتل بعضها بعد الإنسحاب السوفييتي من افغانستان من أجل السيطرة على كابول وبقية المدن . كما وجد أن أفغانستان بعد الحرب أصبحت مجرد أطلال لا تتمكن من تربية جيل واعد من المليشيات يطمح الوصول الى العالميه , ولهذا ينبغي البحث عن مكان جديد لهذه التنظيمات .

ضابط المخابرات الأمريكي كيرمت روزفلت كان قد تعرف على عبد الناصر وشلته من الضباط المصريين أثناء مباحثات الهدنه بين العرب واسرائيل عام 1948 . عن طريق إدامة هذه العلاقه تمكن الأمريكان من إسقاط الحكم الملكي في مصر 1952, وطرد القواعد البريطانيه عن مصر في يوم الجلاء , وطرد الفرنسيين عن قناة السويس , بعد حرب السويس 1956 لتصبح مصر ضيعة امريكية منذ ذلك الحين . . من ضمن ما قرره المالك الجديد لهذه الضيعه : فصل جزئها الجنوبي ( السودان ) عنها سنة 1956 ومنذ ذلك الحين والسودان بلد فقير تابع تتحكم السياسة الأمريكية في أبسط مقدراته . حين تقرر نقل مليشيا القاعده الى خارج أفغانستان التي أنهكتها الحرب … تم إيجاد ملاذ لهذه المليشيا في السودان منذ ديسمبر 1991 .

خلال عدة أيام بعد وصول السودان إفتتح بن لادن في الخرطوم 9 مقرات لتنظيم القاعده وهو بإنتظار المزيد من أعداد المتطوعين الذين يجذبهم الى هذا التنظيم عاملان : الغضب والطمع .

من أجل التمويه والتعميه على مصادر تمويله الحقيقيه .. قام بن لادن بتأسيس شركة إنشاءات أطلق عليها تسمية ( شركة الهجره للبناء والتنميه – المحدوده ) . وعن طريق علاقة بن لادن مع حسن الترابي تمكن بن لادن من إدامة الإتصال بالعديد من التنظيمات الإسلامية المتطرفه داخل أفريقيا . كما انه أسس علاقات متينه مع أكثر من 20 جماعه إسلاميه متطرفه في كل من مصر , ايران , السودان , اليمن , السعوديه والصومال .

وجد بن لادن أن هذه الجماعات المتطرفه فقيره في الرؤى وضعيفة التنظيم , وأنها تنظر في شؤونها القطريه .. ولا تفكر في ( عالمية الجهاد ) من خلال إنضوائها تحت تنظيم القاعده , ولهذا أرسل مبالغ طائله الى التنظيمات الإسلاميه في الأردن , وأرتيريا , ومبالغ مثلها الى جماعات متشدده في باكو عاصمة أذربيجان لدفعها الى قتال في الشيشان التي تريد الإنفصال عن روسيا , مثلما أرسل تنظيم القاعده المال والرجال للمشاركة في الحرب البوسنية ضد الصرب .

تنظيم القاعده هو الذي درّب الصوماليين الذين هاجموا القوات الأمريكيه في الصومال / مقاديشو عام 1993 . تنظيم القاعده خلال هذه الفتره يشبه مؤسسة كبرى يقودها بن لادن من خلال ترؤسه لقياديين فرعيين ينتظمون فيما يعرف ب ( مجلس الشورى ) الذي يضم في عضويته إختصاصات إشتملت حتى على وظيفة ( مفسر احلام ) التي تولاها ( أبو الحسن المصري ) الذي كان يفسر أحلام الجماعه .

بعد هذه الإعدادات كان تنظيم القاعده قد أصبح أكبر تنظيم مسلح غير حكومي في العالم . ولهذا سندخل الآن الى مرحلة جذب إنتباه أنظار العالم الى هذا التنظيم .

في شباط 1993 سياره مفخخه دخلت الى سرداب مركز التجاره العالمي في نيويورك وإنفجرت فيه فقتلت 6 وجرحت ما يزيد على ألف شخص , أتهم فيه الباكستاني رمزي يوسف الذي كان قد دخل الولايات المتحده الأمريكيه حسبما قيل وقتها : بجواز سفر عراقي

ومن أجل زيادة إثارة الرأي العام الأمريكي ضد المسلمين . وضد تنظيم القاعده صرح بن لادن : رمزي يوسف مسلم يدافع عن الإسلام ضد العدوان الأمريكي , سترى امريكا الكثير من الشباب الذين يسيرون على خطى رمزي يوسف .

وبالمقابل لكي تعطى لبن لادن المبررات التي تدعوه للعدوان , قامت السعوديه بسحب جواز سفره , ثم قام شخص بإطلاق النار على مقره في الخرطوم , ثم مهاجمة إبنه عبد الله أثناء تجوله في السوق المركزي في الخرطوم . على الفور بدأ بن لادن وكما هو مخطط بمهاجمة آل سعود بالكلام , ثم إستهدف بسيارة مفخخه مقرات أمريكيه في الرياض عام 1995 .

حزيران 1995 هاجم تنظيم القاعده الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أثناء زيارة رسمية الى أثيوبيا , عندها قامت مصر وبريطانيا والولايات المتحده بالضغط على السودان لطرد تنظيم القاعدة من أراضيها .. وحين ( رفض ) السودانيون هذا الطلب قامت الولايات المتحده بإمداد أوغندا وأرتيريا وأثيوبيا بالمزيد من السلاح لتصعيد كل المواقف في هذه المحرقه .

آذار 1996 أعلمت السودان بن لادن أنها غير قادرة على إيوائه أكثر من هذا , فغادر في مايس عائداً الى أفغانستان .

بالعوده الى كابول كانت حركة طالبان قد سيطرت على الوضع فإستقبل ( أمير المؤمنين ) الملا محمد عمر ابن لادن إستقبالاً حافلاً , حيث إستقر بن لادن في مدينة جلال آباد يخطط لإعادة التنظيم من السودان الى أفغانستان .

وأيضاً للتعمية على مصادر تمويله قيل إنه كان يمول عن طريق طالبان من زراعة المخدرات . وأقر بن لادن بنفسه أن تنظيماته تقوم بتصدير المخدرات حين قال : الغرب يصدر لنا تقاليده المهلكه .. ونحن نصدر لهم ما يفسد مجتمعاتهم .

خلال هذه الفتره سعى بن لادن الى التحالف مع حزب الله في لبنان والذي تدعمه ايران لتأسيس ( حزب الله العالمي ) .

حزيران 1996 قام ( حزب الله العالمي ) بأول عملياته العسكريه وذلك بتفجير شاحنه ملغومه في أحد المجمعات التي تستعملها القوات الأمريكيه في مدينة الخبر قرب الظهران , قتل 19 من عمال الخدمات وجرح ما يزيد على 400 .

بعد هذه العمليه عاد بن لادن الى جلال آباد وكان أقرب أصدقائه إليه هو أيمن الظاوهري المسؤول عن إدارة الشؤون الدينيه في تنظيم القاعده . ولد الظواهري عام 1951 في عائله مصريه ثريه وتعرف على التطرف اٌسلامي أثناء دراسته في كليه الطب , وبعد تخرجه كطبيب أطفال انتسب الى جماعة جهاديه مصريه كانت مسؤوله عن إغتيال السادات عام 1981 حيث دخل عندها الى المعتقل .

1984 غادر الظواهري مصر الى افغانستان وتعرف على بن لادن عام 1985 وقويت بينهما العلاقه إثناء تواجدهما في السودان حيث عمل الظواهري طبيباً لبن لادن الذي كان يعاني من إنخفاض ضغط الدم وآلام في المعده والظهر أجبرته على التوكأ على عصا , وكانت كليته ضعيفه ويحتاج الى جهاز غسيل كلوي .

في هذه الفتره تزوج بن لادن ثلاث زيجات إضافة الى زواجه الأول من السوريه نجوى غانم , وهذه الزيجات كانت لغرض تقوية تحالفاته السياسيه مع الجماعات المتطرفه في العالم , فقد تزوج فلبينيه هي بنت عم ( أبو سيّاف ) زعيم الجماعة الإسلاميه المتطرفه في الفلبين , وفي العام 1996 تزوج من فاطمه الإبنه الكبرى للملا محمد عمر زعيم حركة طالبان , في العام 2000 تزوج من يمنيه هي قريبه لرئيس حركة الإصلاح في اليمن التي تتبعها مليشيا إسلاميه , ومن زواجاته الأربعه كان قد أنجب 17 طفلاً .

عام 1996 أعلن بن لادن فتوى مكونه من 12 صفحه عنوانها ( إعلان الحرب ) تتضمن تحذير الولايات المتحده الأمريكيه من أن عدم إنسحابها من أرض نجد والحجاز يعرض قواتها الى هجوم من قبل تنظيم القاعده .

عام 1997 كرر نفس الرساله , وكان يسجل رسائله على أشرطه تلفزيونيه تتلقفها قناة الجزيره والبي بي سي , والسي إن إن , والإن بي سي , من أجل خلق شهرة مدويه لهذا البدوي المختفي في جحر من جحور الأرض لصنع الهالة السياسية والإعلامية حوله , ولهذا فعموم الأمريكيين أصبحوا يخافون من ( الإرهاب ) المتدفق من السعوديه .

بغية نقل مقراته الى موقع عسكري متخصص , تمت مهاجمته مرتين في مدينة جلال آباد , الأولى كانت بقنبله صغيره ألقيت على موكبه في طريق إعتاد المرور فيه , فلم يصب بأذى , والمره الثانيه بإستهدافه بقنبلة أكبر قتلت 50 وجرحت 150 لكنها لم تصبه أيضاً . عندها إنتقل الى قندهار في قلب المنطقه التي تسيطر عليها حركة طالبان _ الذين وصلتهم الأوامر بأن يمنحوه قاعدة جوية كان السوفييت يستعملونها أثناء تواجدهم في أفغانستان وهي قريبة جداً من المطار .

من أجل زيادة إرعاب الرأي العام من تنظيم القاعده أذاع بن لادن في شباط 1998 فتوى تقول : القيام بقتل الأمريكان ( مدنيين وعسكريين ) ومن والاهم , واجب على كل مسلم القيام به وفي أي بلد هو من العالم ………. من أجل إجبارهم على مغادرة أرض الإسلام مهزومين وغير قادرين على تهديد أي مسلم .

أعلن عن ( الجبهه العالميه للجهاد ضد اليهود والصليبيين ) ويوم 7 آب 1998 وهو يوم الذكرى الثامنه لوصول القوات الأمريكيه أرض نجد والحجاز في حرب الخليج , قامت شاحنه ملغومه بتدمير السفارة الأمريكيه في نيروبي / كينيا وقتلت 213 , وفي نفس الوقت إنفجرت شاحنة أخرى في السفارة الأمريكية في تنزانيا وقتلت 11 .

عندها أعلن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أن القاعده الجويه التي تشغلها عناصر القاعده تعرضت الى هجوم صاروخي عنيف رداً على ذلكم التفجيرين , وكذلك تم تدمير معمل للأدويه في السودان يشك الأمريكان بأنه يستعمل لإنتاج أسلحة كيمياويه . وكان هذا الإعلان من قبل الرئيس الأمريكي بمثابة التتويج الرسمي لأسامه بن لادن أنه أصبح العدو رقم واحد للولايات المتحده الأمريكيه وأن عملية تصنيعه هو وقاعدته قد إكتملت .

نوفمبر 1998 وجهت المحكمة الأمريكيه تهمة الإرهاب الى بن لادن وحملته مسؤولية تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا . وفي حزيران 1999 وضعه مكتب التحقيقات الفيدرالي على قائمة المطلوبين لأمريكا ومكافأه 5 مليون دولار لمن يدل عليه

12 أكتوبر 2000 قام إنتحاريون بتفجير المدمره الأمريكيه كول في ميناء عدن فقتلوا 17 جندي أمريكي . ورغم أن بن لادن الآن هو الإرهابي والعدو رقم واحد لأكبر دوله في العالم لكنه ولغايات أمريكية صرفه يتمكن من التصريح في صحيفة ( جانغ ) الباكستانيه قائلاً : أنا لست خائفاً من تهديد الأمريكان , وطالما سأبقى حياً فليست هناك راحه لأعداء الإسلام .

أما في مجلة تايم فقد تمكن أن يتحدث عن السلاح البايولوجي قائلاً : طلب السلاح البايولوجي لحماية المسلمين واجب ديني , عند حصولي على هذا السلاح سأقوم بواجبي , وستكون خطيئة على المسلم اذا لم يحاول إستعمال السلاح لمنع المشركين من إيذاء المسلمين .

في هذه الفتره بثت وكالات الأنباء فديو من حفل زفاف محمد بن أسامه بن لادن على إبنة واحد من قياديي القاعده ( محمد عاطف ) المعروف بكنية ( أبو حفص ) . ومرة اخرى بثت تسجيل لحمزه بن أسامه بن لادن ( 10 سنوات ) وهو يقرأ قصيده قال فيها ما معناه : أحذر امريكا بأن شعبها سيواجه المتاعب اذا بقيت حكومتهم تتعقب أبي , ونحن أطفال الإيمان من سيقاتل الأمريكان . بطبيعة الحال كان عرض مثل هذه الفديوات من أجل لفت الأنظار الى أنه ورغم التهديد الأمريكي إلا أن بن لادن رجل قوي ويعيش حياته بشكل طبيعي … وهذا يعكس مقدار قوته التي يريد الأمريكان التأكيد عليها قبل إعلان التحدي الأكبر .

لكي يبدأ الأمريكان حربهم على الإرهاب , كانوا بحاجه الى مشهد مسرحي صادم يبرر لهم تلك الحرب . تم إخراج هذا المشهد بشكل دراماتيكي يوم 11 سبتمبر 2001 , حيث قامت طائرتان بالإصطدام ببرجي مركز التجارة العالمي .

قادت الولايات المتحده الأمريكيه الحرب ضد صنيعتيها طالبان والقاعده , وقامت بقصف جوي من قبلها , اما الهجوم البري فقد سلمته الى قوات التحالف الشمالي وهم مليشيات قبليه أفغانيه من قبائل ( البشتون والطاجيك والأوزبك والهزارا ) وإنتهت الحرب بتسليم حكم افغانستان الى حكومة محاصصه عميله يقودها حامد قرزاي .

رغم الأعداد المهولة للقتلى فإن أسامه بن لادن والملا محمد عمر لم يتمكن أحد من العثور عليهما رغم أن الأمريكان هم الذين حفروا الكهوف والأنفاق الجبليه ويعرفون تفاصيلها وخرائطها بدقة متناهيه , ورغم أنهم رصدوا مبلغ 25 مليون دولار لمن يدل على بن لادن

بقيت الحرب بين الأمريكان وفلول القاعده حرب قنوات فضائيه حتى عام 2003 حين غطت أخبار الهجوم على العراق وإحتلاله بحجه إمتلاكه أسلحة دمار شامل على الكثير من مجريات الحرب على القاعده أو طالبان .

2 مايس 2011 ووسط معمعة إندلاع ربيع الدم العربي المستباح .. أعلن الرئيس الأمريكي اوباما مقتل أسامه بن لادن , ثم شاهدنا فلم إطعام جثته الى حوت جائع … ولم نتمكن من سؤال الرئيس الأمريكي فيما اذا كانت قصته هذه حقيقيه! .. وهل سيتمكن الجيش الأمريكي من العثور على أمير المؤمنين الملا محمد عمر … أم أنه سيبقى مثل الرفيق المناضل عزت الدوري حراً طليقاً .. لإدامة حلقات الصراع !!!

على كل حال سواء كان ما شاهدناه هو جثة بن لادن الحقيقيه أم هي لعبه بلاستك , فإعلان موته يغلق قضيته الى الأبد لكن الذي سيبقى مفتوحاً في هذه القضيه هو موضوع الصراع الإسلامي _ الإسلامي لأن كل الدلائل تشير الى أن العالم سيتفرج خلال المرحلة المقبله على مسلسل القتال الذي سيقع بين طوائف المسلمين الذي إكتمل مونتاج حلقاته ولم يبق على الولايات المتحدة الأمريكيه سوى تسويقه الى محطات العرض .. لتتفرغ لإنتاج المسلسل الذي يليه . ميسون البياتي – مفكر حر؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات

اكتشف باحثون أخصائيون بعد دراسة استمرت خمس سنين وشارك فيها مائتي رجل بان مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات يجعل صحته أفضل و يطيل عمره . (وأيضا يتمتع بضغط دم اقل من أولئك الذين لم يحالفهم الحظ) هذا بالإضافة لقلة إصابتهم بأمراض القلب وانخفاض سرعة دقات القلب .

وان البحلقة والتركيز لمدة عشر دقائق صحية تعادل صحة تمارين لمدة نصف ساعة .

قامت بهذه الدراسة الدكتورة كيرن وذرباي في ألمانيا، كتبت في المجلة الطبية المشهورة عالميا ‘ نيو انجلند جورنال اوف ميديسن ‘ عشر دقائق فقط من النظر إلى سحر المرأة (تقصد المؤخرة) لامرأة ممتلئة المؤخرة تعادل ثلاثون دقيقة من التمارين الهوائية الشاقة . و تكمل الدكتورة كيرن أن ‘ الإثارة الجنسية ‘ تعمل على رفع مستوى ضخ الدم في القلب وتحسن جريان الدم في الجسم . الشيء الذي لا غبار عليه هو أن المطالعة على المؤخرة يجعل الرجال في صحة أفضل . وتستمر الدكتورة دراستن بقولها وتفيد بأن ممارسة هذه العملية (النظر لمؤخرة المرأة) لعدة دقائق يوميا تحد من خطر الإصابة بجلطة أو السكتة القلبية إلى النصف تقريبا . و تسترسل الدكتورة وذرباي بقولها بأنه نحن نؤمن بأن الاستمرار على ممارسة النظر إلى المؤخرة الجميلة من شأنه أن يطيل من عمر الرجل بمعدل أربع إلى خمس سنوات !!

اتمنى لكم نظرا ممتعا وتمارين مفيده لقلوبكم وضغط دمكم

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | 3 Comments

رياح التغيير لإيران فى الذكرى الرابعة والثلاثين لاستبداد طغاتها

لاشك أن الشعوب الإيرانية قد عانت كثيرا من استبداد طغاتها الحاكمين اليوم بالحديد والنار لفترة طويلة وبات النظام فى أضعف مراحله وأشدها بعدا عن الشعوب الإيرانية وطموحاتها نحو الكرامة والعزة والشرف والحرية وهم يرون رياح التغيير فى العالم العربى تسبقهم لتسقط بن على فى تونس ومبارك فى مصر والقذافى فى ليبيا -الحليف العتيد للنظام الإيرانى وقد زودهم بالصواريخ لضرب العراق كما أن حلفاءهم باتوا على وشك السقوط خصوصا النظام السورى المجرم والنظام الطائفى للأحزاب الطائفية التابعة له فى بغداد حيث مظاهرات العزة والكرامة تجتاح المدينة بعد الأخرى وهى تزحف إلى بغداد.

أسقطت الثورة الإيرانية الشاه محمد رضا بهلوى بقيادة الخمينى المنظر لولاية الفقيه فى أبحاث قدمها فى النجف معتمدا على أدلة أهمها قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) سورة النساء/الآية الخامسة، بتأويل أولى الأمر بالفقهاء وهو رأى نادر وشاذ فى المذهب الشيعى الذى يحصر أولى الأمر بالأئمة المعصومين دون الفقهاء كبشر قابلين للخطأ والهوى فيستحيل قرنهم بولاية الله ورسوله فهو مرفوض جملة وتفصيلا فى إجماعهم، كما اعتمد على رواية عمر بن حنظلة وهى ضعيفة جدا سندا ودلالة وفيها أشخاص لم يتم توثيقهم كعمر بن حنظلة وكذلك مثل اسحق بن يعقوب المجهول و أيضا يزيد بن خليفة وهو واقفى لايؤمن بالأئمة بعد موسى الكاظم وقد أسس تلك الفرقة وكلاء الإمام موسى الكاظم نفسه كزياد القندى وعثمان بن عيسى الرواسى اللذين رفضا تسليم الأموال والجوارى إلى ابنه الإمام على الرضا رافضين إمامته واقفين على الإمام الكاظم كآخر إمام حتى اعتبر بعضهم أنه المهدى الغائب ثم سيرجع لاحقا كما يذكر الطوشى والكشى والنوبختى والمامقانى والمفيد والمرتضى والخوئى وهم فقهاء الشيعة. أما سندها فهى تتحدث عن حالة خاصة فى رجلين تنازعا فى ميراث رفض الفقهاء تعميمها وتطبيقها على الولاية المنظورة كما أنها ترجع إلى (قد روى حديثنا) وليس الفقهاء المجتهدين أى النظرية الإخبارية التى كانت سائدة فى الفكر الشيعى سابقا بعد عصر الغيبة لفترات طويلة وهى تحرم الإجتهاد بروايات اللعن من الأئمة على من يجتهد ويستعمل عقله فى القياس وغيره، وكذلك تحرم التقليد (من قلد فى دينه هلك) قبل التأثر بالمذاهب السنية ومدارس الإجتهاد فإن أول مذهب للإجتهاد هو مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، ثم نشوء الأصوليين فى المذهب الشيعى لاحقا وجواز الإجتهاد والتقليد وتوسعه شيئا فشيئا وعوامل تطوره كما ذكره محمد باقر الصدر ومحمد جواد مغنية ومحمد مهدى شمس الدين وهاشم معروف الحسينى والجواهرى وكاشف الغطاء وغيرهم كثير.

قلما نجد فقيها نظّر لولاية الفقيه قبل الخمينى الذى لم يحصل على إجازة اجتهاد سوى واحدة سياسية قال فقيهها أراد منع إعدام الخمينى لوجود قانون فى إيران بمنع إعدام الفقيه المجتهد فهى فتوى سياسية لاتملك حيثية علمية علما أن بعض المراجع أفتى بكفره لآرائه خصوصا وحدة الوجود وشرح فصوص الحكم كما انتقدوا رسالته العملية (تحرير الوسيلة) المأخوذة أكثرها نصا وقلبا من (وسيلة النجاة) لأبى الحسن الأصفهانى، خصوصا محمد الروحانى وهو أستاذ محمد باقر الصدر فى الأصول ومعارض صريح لولاية الفقيه. وأهم المنظرين لولاية الفقيه أحمد النائينى فى كتابه (عوائد الأيام) وقد رد عليه الكثيرون وهو مخالف لإجماع الشيعة فى أكثر من ألف عام لذلك نجد مرتضى الأنصارى فى كتابه (المكاسب) رادا مستهزءا (دونه خرط القتاد) تعبيرا عن شدة وهن وضعف ما يتوهم بأدلة ولاية الفقيه وسعتها لجعله كالمعصوم فتصبح ولايته كولاية الله تعالى فى قوله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) رغم أن الفقيه يخطئ وتحركه أحيانا الأهواء والمصالح والحواشى وهو ما أثبتته التجارب والواقع واختلاف الفقهاء يكشف صراعهم على الزعامة والدنيا، كما يظهر الصراع للحصول على أكبر عدد من التجار والأخماس والحقوق الشرعية من أرحام المرجعيات وممثليهم و وكلائهم. فتكون نظرية ولاية الفقيه مناقضة لنظرية الإمامة المعصومة وانتظار المهدى كإمام ثانى عشر يقال أنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا لذلك توجد عشرات الروايات التى تتحدث عن هؤلاء بأنهم يفسدون أكثر مما يصلحون لأنهم غير معصومين ولا أئمة عادلين ودائما فى الروايات الإمام العادل تعنى المعصوم دون غيره من البشر وهو ما فهمه الإخباريون الأوائل.

عندما قامت الثورة الإيرانية بمبادئ أساسها إقتصادية وعدالة إجتماعية واشتركت فيها مختلف طبقات وأحزاب الشعب لكن القيادة المستفيدة من جميعهم قد ألغت الآخرين وتنكرت للكثيرين حتى رفعت شعارات الموت للآخرين، مثل (الموت لأعداء ولاية الفقيه) فتحول كل من يطرح رأيا مختلفا بأنه من أعداء ولاية الفقيه حتى من الفقهاء الآخرين مثل شريعتمدارى وقمى وروحانى وشيرازى والخاقانى والمامقانى والكرمى وغيرهم، ثم وضعوا تحت الإقامة الجبرية حتى وفاتهم ثم منع تشييعهم والصلاة عليهم ودفنوا سرا بشكل مهين وإرهابى وفى أماكن غير مناسبة لطمس آثارهم، فضلا عن التيارات غير الإسلامية واللبرالية. وما رفعه الخمينى من مبادئ كحرمة الضرائب ومجانية الخدمات والكهرباء والماء كانت مجرد شعارات قبل الثورة، ولما صعدت إلى السلطة رجال دين مثل رفسنجانى وكروبى وخامنئى وحواشى مثل رفيق دوست فقد تحولوا إلى طغاة جبابرة يزيدون الضرائب ويستحوذون على مليارات وعقارت وقصور وتجارات وتحول الشعب بين فقير جائع محروم لايمتلك لقمة العيش ولو عمل لثلاث أعمال رغم شهادته الجامعية وبين لاجئ هارب من بطش النظام وقمعه باحثا عن حرية وكرامة وإنسانية حتى هاجرت الملايين، وأكثر أمة فى العالم تعلن ارتدادها عن الدين الإسلامى فى العالم كله هى من الإيرانيين بسبب القمع والإرهاب من حكومة ولاية الفقيه الطاغوتية التى تدعى الإسلام والإسلام برئ منها، فإن خامنئى الذى لايملك إجازة اجتهادية حتى سماه الخمينى بثقة الإسلام دليلا على أنه فى مقدمات الحوزة العلمية ولم تنفعه دروس محمود الهاشمى الشاهرودى الضعيفة يوم الثلاثاء لتقويته فقهيا، خصوصا وهو يأمر مرتزقته بقتل أى متظاهر مسالم يطالب بحقوقه ومعاملته كمحارب لله ورسوله، بل بدأ النظام يتصارع بين أزلامه صراعا على السلطة وحبا بالدنيا فقد كان المنتظرى خليفة الخمينى منظرا لولاية الفقيه ثم تراجع فكريا وعمليا عنها متحدثا عن دكتاتوريتها والسجون والقمع والتعذيب والإرهاب لكل مخالف فكريا، ومهدى كروبى سابقا رئيس مجلس الشورى ومؤسسة الشهيد وبعثة الحج، ومير حسين موسوى رئيس الوزراء السابق ومحمد خاتمى وزير ثقافة الحرب العراقية الإيرانية ورئيس الجمهورية كأعداء للنظام عملاء للغرب يجب محاكمتهم فى صراع السلطة وكل من يخالف ولى الفقيه.

إن الإشكال الأساس فى ولاية الفقيه هو استبدادها واحتكار السلطات كلها عند ولى الفقيه فهو يعين مسؤولى الدولة حتى رئيس القضاء الموالى له كمحمود الشاهرودى الهاشمى ثم صادق لاريجانى لأنهما من أوائل المدّعين لاجتهاد خامنئى. كما يعين خامنئى رئيس الإذاعة والتلفزيون وكذلك رئيس الجيش والحرس الثورى ورؤساء الهيآت حتى رئيس الجمهورية بصلاحيات بسيطة بعد موافقته على ترشيحه وغيرها.

عندما يسافر خامنئى إلى موطنه مشهد فإن أرحامه يرفضون ملاقاته حيث يعرفون تاريخه وسيرته، وعندما يزور قم يرفضه المراجع حتى يسافر وحيد الخراسانى خارج قم، ويأتى الحرس الثورى ليطلب من المراجع زيارة ولى الفقيه فيرفض الكثيرون لاعتقادهم بعدم اجتهاده وأهليته، فيقال لهم (إرحلوا عن قم كما رحل صاحبكم وحيد الخراسانى) فيجيبه البعض (لسنا مجرمين ولا غرباء لنهرب من البلاد). والمعروف هنالك وسائل كثيرة يستعملها الحرس الثورى لترهيب وقمع الرافضين للقائه حتى قال البعض (نحن نعيش التقية وإخفاء عقيدتنا فى الدولة الإيرانية المغتصبة الظالمة ومواجهة طاغية (ولى الفقيه) لم يعرف التاريخ مثيلا له ظلما واستبدادا وفسادا وقهرا) ومن استحقار ولى الفقيه للشعب فإنه يزور مدنا لتستقبله طوابير مهيأة ويجلس فى مكان مرتفع ويمدّ يده لتأتى الجموع مقبلة يده كعبيد دون السماح لأحد بالكلام وهو يظهر للشعب كأن له جمهورا واسعا مطيعا وهو يقول (إن اليد الإلهية جعلت أحمدى نزاد يفوز فى الإنتخابات لتأييد المهدى المنظر له) بهذا الإستخفاف بعقول الجماهير، فالقيادة فى واد بعقلية متحجرة قديمة والشعب فى واد مختلف آخر لكنه مغلوب ومستضعف ومقهور رغم محاولاته الكثيرة فى الثورة الخضراء وثورة الجامعات والإنتفاضات المتعددة لكن الظلم والقهر كبيرين جدا.

ومن مشاكلها هى تصدير الثورة الإيرانية وشراء عملاء لها فى الخارج وتأثيرها السلبى فى العراق الجريح والمنكوب واحتلال جزر الإمارات الثلاث وادعائها تبعية البحرين لها وفى العديد من دول العالم من أدوار مكشوفة وغير مكشوفة.

لكن إيران بدأت تشهد مظاهرات كبيرة للشباب خصوصا الجامعيين رغم القمع والقتل والإرهاب حتى فى تظاهرات الجامعات قد كانت القوى الأمنية تهجم عليهم بالأسلحة والدراجات لتتدفق الدماء بشكل وحشى مروع، كما اختلفوا فى صراع مكشوف على السلطة حتى وصل إلى صراع رفسنجانى وخامنئى وهما المتحالفان فى إسقاط الآخرين مثل ولاية منتظرى والقضاة كصانعى وأردبيلى وأئمة جمعة كمؤمن ومحاولات اغتيالهم فى طريق قم-طهران، وطرح صلاحية ولى الفقيه ورفضها علنا من أشخاص كانوا صقورا مدافعين عنها، فقد ثبت فشل ولاية الفقيه وطغيانها وظلمها فضلا عن عنصريتها فهى تتعامل مع العرب مثلا بالإهانه والعنصرية والتهميش فى مناطقهم وخدماتهم بل وإهانتهم فى الصحافة الرسمية وخطب الجمعه بألفاظ بذيئة نابية، وهى تمنع السنة حتى من بناء جامع واحد فى كل طهران فضلا عن إهانة الخلفاء وسبهم ولعنهم والإحتفال بمناسبات موتهم فى (التشيع الفارسى الصفوى الدخيل)، ولعل أكثر الشعوب الإيرانية هم من الشباب، وقد أجرى مراسل سى أن أن الأمريكية تحقيقا بأن أكثر شعب فى العالم يحب أمريكا ويكره نظامه القمعى هو الشعوب الإيرانية وأكثرهم من الشباب الجامعى وهو يخرج فى المظاهرات رافضا الإنتخابات المزورة والمهينة لأحمدى نجاد، هاتفا بسقوط الخامنئى كدكتاتور طاغوت قاتل ومرتزقته. والملاحظ العجيب رغم تحية خامنئى لثورة مصر بخطبة الجمعة العربية فى توهم تصويرها إسلامية على الخطى الإيرانية، فإنه منع شعبه من مظاهرات لتأييدها عارفا بأنها تطالب أولا بسقوطه وموته ومحاسبته عن كل جرائمه، وهذه حقيقة حركة التاريخ فى سقوط الطواغيت، والشعوب الإيرانية تتابع سقوط ابن على ومبارك ووجود مقومات الثورة الإيرانية خصوصا وأن 85 بالمائة منهم دون خط الفقر رغم غنى إيران وثرواتها وحركة الشباب الواعى والواعد وهو يتحرك بوسائله الحديثة والرائعة لإسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه وجبروتها وطغيانها فى ثورة جديدة لأكثر الشعوب الإيرانية المقهورة فى الداخل فضلا عن ملايين المهجرين اللاجئين فى أصقاع الدنيا بحثا عن الحرية والكرامة والإنسانية خصوصا والشعب منفتح متحرر لايؤمن بالملالى ودجلهم وأكثر النساء المسافرات خارج إيران ترفع حجابها بمجرد صعودها طائرة المغادرة وأكثر من يترك دينه فى العالم هم الإيرانيون بسبب تحررهم واستبداد ملاليهم.

وقد كانت العقوبات الإقتصادية مؤثرة وكبيرة وبات الفقر واسعا والهوة مع الطغاة الحاكمين المترفين كبيرة جدا وتحركت الإثنيات المتعددة مطالبة بحقوقها وبات النظام الإيرانى فى أضعف مراحله التاريخية وهو يرى حلفاءه يسقطون من القذافى وقرب سقوط الأسد والمظاهرات الكبيرة فى العراق الجريح والمنكوب من الطغمة الأحزاب الدينية التابعة لإيران واستعداد الشعوب لتغيير الطغاة.

وسوف يطلع فجر سوريا والعراق وإيران إنها سنة التاريخ فى التغيير.

إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا

إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب

وكما قال الجواهري: 

ولسوف تنزاح الخطوب وينجلى … لون السماء وتستضاء الأنجم

ولسوف ينكشف المدى عن واحة.. خضراء عن غدك المؤمل تبسم

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

ظهرت مخالب الإخوان

رسالة المرشد العام الأستاذ محمد بديع في القمة الإسلامية تعطي مزيدا من الضوء الأخضر لمزيد من قمع الحريات.. نصيحته لقادة الدول الإسلامية بإتباع وصية المؤسس الأول للإخوان الأستاذ حسن البنا بإلغاء تعدد الأحزاب.. حين طالبهم ( البنا – المؤسس ) بالإبتعاد عن الحزبية وعدم إقامة أحزاب سياسية بحيث تتوجه قوى الأمة الإسلامية السياسية في وجهة واحدة وصف واحد… تقع مرة اخرى في سيل النصائح والإرشادات التي يقدمها فقهاء الدين.. والتي لا تعدو كونها خلقا للبلبلة الفكرية وصبا للزيت على النار لزيادة إشتعالها.. بينما كلهم يدّعي أنه فقط يقوم بالنصيحة لأن هدفة حماية مصر وحماية المجتمع..

حركة غليان الشارع المصري سخطا على الحكومة الإخوانية. وخوفا مما يحدث في البلاد من إنعدام الأمن حتى على المواطنين العاديين.. إتهامات للشرطة بممارسة العنف المفرط.. ونفس وسائل تعذيب النظام السابق لمحتجزيه.. وتعرية البعض منهم كما في حادثة تعرية حمادة صابر.. وعمليات تحرش جنسي ضد النساء لم يشهد له الشارع المصري مثيلا.. تؤكد ضحاياه بان العملية مدروسة ومخطط لها سابقا من مجموعات معينة.. هدفها الأساسي إمتهان كرامة المرأة بحيث تأخذ بنفسها القرار الذي هدف إليه من خطط لعملية التحرش والإعتداء..بدءا بمنع النساء من المشاركة في المظاهرات.. إلى قرار إجماعي نسائي بالرجوع إلى البيت تماما كما نادى البنا المؤسس الأول للإخوان، والذي أضاف إليه الداعية أبو إسلام نارا أكبر حين قال على إحدى القنوات بأن معظم من تم إغتصابهن صليبيات وأرامل. مما قد يؤخذ بمبرر وإباحة التعدي على المرأة المسيحية.. والأرملة! كل ذلك ولم نسمع من أي من الرئيس أو أعضاء حكومته أي تنديد بعملية الإغتصاب.. وكأنها لم تحدث أو كأن لا شأن لهم بإغتصاب حيواني للمرأة التي لا أتمنى أن تكون إحدى نساءهم!!

وتقف البلاد على حافة هاوية أشد بعد أن قدّم الداعية السلفي محمود شعبان، أستاذ البلاغة والنقد في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر نصيحته للحكومة، والتي يقول بأنها وطبقا للشريعة تجيز قتل رموز المعارضة من جبهة الإنقاذ وأن قتلهم واجب طبقا للشريعة الإسلامية… وإن حاول المراوغة في لقائه التلفزيوني مع قناة العربية حين ملأ الشاشة صراخا، منع حتى مقدم البرنامج من محاولة تسيير حوار عقلاني.. أصر بأنه لم يفتي وإنما أراد أن يبين بأن حكمهم في الإسلام وبناء على حديث نبوي هو القتل، وأنه فقط أهاب ونصح السلطات بأن تنظر في الأمر، والتوجه بعدها للقضاء للبت في حكمهم.. وأنها مجرد نصيحة لإخلاء ذمته أمام الله لأن هذا شرع الله وأنه في شرع الله سيسأل حتى الرئيس مرسى.. إن لم يعمل على محاسبتهم.. أي دخل في تفسير تشريعي دار به حول نفسه ليعود للنقطة الأساسية التي هدف فيها حماية مصر حبا بها!

ومن باب حب مصر والخوف عليها وعلى مستقبلها الديمقراطي.. تقوم الحركة بمحاولة الإستيلاء على سلطة الإفتاء حتى تكون كل الفتاوي بما يتناسب مع الشرع الحنيف.. من خلال ترشيح وتقديم احد أبرز قادتها لمنصب مفتي الديار المصرية.. هذا إضافة إلى وجود حوالي 70% من أعضائها في هيئة كبار العلماء في الأزهر.. تمهيدا؟؟؟

تقابلها على الطرف الآخر تونس التي تعيش حالة من الغليان السياسي والإجتماعي بعد إغتيال المعارض شكري بلعيد، الذي عمل رئيساً لتحالف الأحزاب اليسارية العلمانية المعروف باسم الجبهة الشعبية، ومن أبرز المعارضين لحزب النهضة الإسلامي.. وكان ينادى بدولة مدنية ليبرالية.. فيما يعتبر اول إغتيال سياسي في البلاد..في عملية إغتيال تتوجه كل أصابع الإتهام فيها لحزب النهضة ولرئيسه، لضيق صدرها بمطالباتهم.. وعجزها عن إدارة شئون الدولة.

ما يضع حكومة حزب النهضة، في قفص الإتهام كأول مسؤول عن عملية الإغتيال.. عدة أسباب.. أولها ما قاله رئيس حزب المجد الأستاذ عبد الوهاب الهاني في تصريح تلفزيوني أن هناك صفحات عديدية على الفيس بوك إستمرت في التحريض والدعوة إلى قتل المعارضين قبل وبعد عملية الإغتيال،، ثانيها، خطب لأئمة مساجد متشددين بعضهم محسوب على حزب النهضة الحاكم يكفرون فيها المعارضين ومن بينهم شكري بلعيد.. وأخيرا تصريح الغنوشي بأن إغتيال بلعيد لا يخرج عن معتاد الثورات.. بدون أسف لفقدانة وكأن المواطن الإنسان لا قيمة له.. مما يدعو إلى التساؤل هل حقا مهدت الحكومة للإغتيال حين تغاضت عن كل الحقائق السابقة؟؟؟

القاسم المشترك الأعظم في كلا الدولتين.. الدساتير التي صيغت لتتوافق مع الشريعة الدينية، بغض النظر عن متاهاتها. أي عملية تحايل واضح على مبدأ الديمقراطية…. إضافة إلى قاسم مشترك اعظم أهم يمس حياة الجميع.. وهو أن إقتصاد كلا الدولتين على وشك الإنهيار من جراء عدم الإستتباب الأمني ومن جراء قيود على السياحة أحد أهم مصادر الدخل.. وكلاهما مرتبط بالآخر (إنعدام الأمن وإنعدام السياحة ).. وأن الدخول في حوارات تحاول حل المشكلات الإقتصادية أهم وأولى من الدخول بمتاهات القوانين الدينية.. أي العودة إلى نقطة الفصل.. بفصل الدين عن الدولة.. وعدم التخفي برداء التقية في تفسير الديمقراطية للمواطن.. لأن إغتصابها هو ما سمح لتبرير إغتصاب النساء؟؟؟؟؟ البدء بحل هذه المشكلة لا يتم إلا بإقصاء هؤلاء الخطباء وغيرهم من أي مناصب وخطابة في الجوامع.. وعدم إستضافتهم على الإطلاق في أي قنوات تلفزيونية.. سواء في مصر أم في تونس أم غيرها من الدول اللاحقة التي ستواجه نفس الإشكالية في تفسير الأمور المعاصرة بالإستناد إلى السلف.. مترابطة بتغيير المناهج في كل الدول العربية وخاصة مناهج الزهر التي وحتى هذه اللحظة تدعو إلى أكل الكافر.. نيئا أم مشويا؟؟؟؟

الأحداث تكشف عن ديكتاتورية اخرى تستولي على السلطة قد تكون أشد ضراوة من الديكتاتوريات السابقة لشعوب عاجزة لم تتهيأ للديمقراطية الحقيقية.. يساهم فيها كل من يدّعي لنفسه بانه فقيها بينما هو لا يريد إلا النجومية!

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

قصة و حكمة من زياد الصوفي..95

الحلقة الخامسة و التسعين..

القصة:

من بين الأخطاء التاريخية اللي وقعنا فيها،و نتيجة مخطط جهنمي لنظام الأسد،حاول عن طريق أجهزتو تحييد ذكر مجازر حلب لما ينحكى عن مجازر التمانينات، و بالحقيقة كلنا وقعنا بهالمطب و نسينا أنو اللي صار بحلب لا يقل أبدا من حيث عظمة الموقف و فداحة الخسارة عن اللي صار بحماة..

اليوم بدي اطلع عن السياق العام لقصة و حكمة و احكيلكون عن واقع عيلة حلبية متجذرة الأصول، عيلة عانت اعتقال الأب سنة 80 ، و فيكون تقيسو على هالحكاية آلاف الحكايا المتشابهة اللي صارت بعد مجازر حلب و حماة..

أخدو أبو النور من بيتو بنص الليل، سحبوه ببجامة نومو قدام زوجتو و ولادو الاتنين، و ساقوه على جهة مجهولة..

ما تركت حدا أم النور بالبلد إلا سألتو عن مكان اعتقال زوجها، بس ما إجاها أي تأكيد بهالموضوع..

زوجة فاضلة مع ولادها الصغار، شافت حالها وحيدة و عم تتراشقها أكاذيب ضباط الجيش و المخابرات مرمية بين الحلم و الأمل..

بعد تلات سنين من هالقصة، بيجي ضابط برتبة عميد و بيقدم نفسو على أساس العميد أبو رافع، و أنو هوة قادر يرتب لأم النور و الأولاد زيارة مقابل 25 ألف ليرة..

هالمسكينة بتبيع اللي فوقها و اللي تحتها و بتعطيه هالمصاري لهالعميد بانتظار تحديد موعد الزيارة..

أم النور طاير عقلها، أنو بكرة جاية سيادة العميد ياخدها، بس أبو رافع ما إجا..

ما رح خبركون و أدخل معكون بتفاصيل طويلة و عريضة من مرارات هالعيلة عند زيارة أي مديرية دولة ليقضو غرض، و لا رح احكيلكون عن المساءلات الأمنية السنوية للزوجة و للأولاد و زياراتهون المتكررة لأفرع الأمن لمجرد تهمة معلبة للزوج بخيانة الدولة..

طولت غيبتو لأبو النور، و مرو العشر سنين متل نوم العيون، و بديت هالعيلة تتعايش مع واقعها الجديد..

بصيف 90 ، بيرن جرس الباب، بيفتح نور: مين حضرتكون؟؟

رجال بتياب نقيب و معو مرتو ..

وينا أم النور عاوزينا؟؟

هالنقيب بيفتح الجرح اللي كان بدي يضمر، و بيوعدها لأم النور يدبرلها زيارة على سجن صيدنايا..

و لحتى يقنعها، بيفرجيها تصريح موقع من حافظ الأسد للسماح لهالعيلة بزيارة السجن..

طار عقلها أم النور، و جهزت الأولاد و جهزت حالها لتاني يوم يجي سيادة النقيب و ياخدها عالشام..

بالفعل تاني نهار بيجي النقيب مع مرتو بسيارة بيجو بيضا 504 و بياخدوها لأم النور و الأولاد عالشام..

سعر التصريح يومها اتضاعف و صار 50 ألف..

بيوصلو عالشام، و بغفلة من أم النور و الأولاد، بيهرب النقيب و مرتو و لا كأنو فص ملح و داب..

قالتلون لولادها لحتى تبرر المسكينة و تخفف عنهون حزنهون، أنو معنا التصريح خلونا نطلع عالسجن بركي بيخلونا نشوفو..

بيوصلو عصيدنايا، و بيسلمو التصريح الموقع من حافظ الأسد وسط دهشة الشرطي اللي استلمو منهون..

ما عنا هيك اسم، و هالتصريح رح يضل معنا..

فهمت الأم أنو ضباط السجن كانو يلعبو بالأرشيف و يطالعو الأسماء و يروحو يبتزو أهالي المعتقلين..

تلات سنين بعد زيارة صيدنايا، و جوا قهوة الحلوين بصلنفة، قاعدة أم النور و وولادها على كاسة شاي ، بيتغير لون وجهها لهالست الفاضلة ..

لما بيراقبو و بيتابعو نظراتها، بيشوفوها عم تتطلع على شخص واقف بساحة صلنفة على سيارة ميرسيدس معو صحابو الشبيحة المرافقين لبيت الشاليش، اتضحلهون بالتدقيق بوجهو أنو نفس سيادة النقيب اللي أخدهون على السجن من تلات سنين و تركهون بالشام و هرب..

و بالمناسبة، أبو النور لهلأ متل آلاف المعتقلين، مجهولي المصير و ما حدا بيعرف شو صار فيهون، ليضل ملف اختفاء المعتقلين هوة أكبر تحدي في سوريا الجديدة..

الحكمة:

الكل اتساءل ببداية الثورة، ليش اتأخرت حلب..

العالم كلو بيكتب بحبر عادي، إلا هالمدينة ما بتكتب إلا بمية الدهب..

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

حرامية بغداد‎

أثناء زيارتي للمكتبه عثرت على كتاب يحمل عنوان ( حرامية بغداد _ ضابط أمريكي عاشق للحضارات القديمه ورحلته لإنقاذ أعظم كنز عالمي مسروق ) . وهو من تأليف الكولونيل ماثيو بوغدانوس وزميله وليم باتريك . والكتاب من قطع كبير المتوسط يحتوي على 302 صفحه , مطابع بلومزبري . نيويورك , 2005

يذكر المؤلف أنه كان في المتحف العراقي يوم 2 مايس 2003 أي بعد أقل من شهر على سقوط بغداد يحقق في قضية سرقة المتحف العراقي ويصف الآثار المحطمه , وتدمير بناية المتحف نفسها ثم يأخذنا في رحله من معلوماته الخاصه عن حضارات العراق .

يعرج في الفصول التاليه على حياته العائلية وبعده عن أهله , وهو يتذكرهم وحده في شوارع بغداد التي مزقتها الحرب , بعد ذلك قامت مجموعته العسكريه بالتحقيقات وفتح وتفتيش المخازن ومراقبة أسواق بيع الآثار في العالم من عمّان الى زيوريخ الى ليون ولندن ونيويورك .. فأدى ذلك الى إعادة ما يزيد على 5000 قطعة آثار مسروقه .

الكولونيل بوغدانوس يتهم العراقيين بأنهم من سرق وباع آثار المتحف , وحمَّله كل ذلك التعب كي يعيد للعراق كنوزه العزيزه .. والحقيقة ليست هذه , من لا يعرف المكان ربما يصدق هذه الكذبه , لكن الذي يعرف المكان يدري بأن المتحف يبعد أقل من كيلومتر واحد عن بوابة القصر الجمهوري الواقعه في شارع أم العظام / تقاطع الشاكريه , وإذن من كان يستطيع التقرب من هذه المنطقة التي تملؤها الدبابات والمدرعات الأمريكيه ؟

من كان يستطيع حمل قطعة آثار ثقيله لو لم يكن ذلك بعلم وموافقة القوات الأمريكية الموجودة في المكان ؟ ربما فتحت أبواب المتحف لعامة الحراميه كي يدخلوا الى القاعات ويسرقوا ما تبقى فيها بعد أن أنهى ( خاصة الحراميه ) عملهم برفع التحف واللقى الثمينه وذات القيمة التاريخيه ونقلوها الى خارج العراق . وما عملية إدخال عامة الحراميه الى المتحف إلا لغرض محو بصمات عتاة الحراميه الذين دخلوا قبلهم .

أثناء مرحلة دراستي في الدكتوراه وتخصصي هو التاريخ , كنت دائمة التواجد في المتحف أو في مركز الوثائق والمخطوطات الذي يقع في بيت السويدي – بداية شارع حيفا / ساحة جمال عبد الناصر .

مركز الوثائق والمخطوطات حاله من حال المتحف لم يسلم من سرقة الأمريكان لكل الوثائق والمخطوطات الموجودة فيه وهي نفيسه وبالغة القيمه , على سبيل المثال رأيت بنفسي داخل هذا المركز نسخه من القرأن الكريم على رقاع من الجلد كتبت بيد الإمام علي بن أبي طالب الشريفه , منذ كان الحرف العربي خالياً من النقاط , هل تعتقدون ان هذه النسخة تقدر بثمن !!؟

ذات يوم بعد حوالي شهر من سقوط بغداد _ وفي نفس الفترة التي كان فيها الكولونيل بوغدانوس موجوداً في المتحف , جاء رتل من السيارات العسكريه الأمريكيه , ودخل أفراده الى مركز الوثائق والمخطوطات وطلبوا تفريغ جميع محتويات المركز في سياراتهم . مدير المركز والموظفون خرجوا الى الشارع صارخين مستنجدين بالناس من أجل حماية المركز من السرقه , حين تجمهر الناس حول المركز وبدأوا بالهتاف خرج لهم قائد المجموعة الأمريكية الذي أظنه هو نفس الكولونيل بوغدانوس مؤلف هذا الكتاب وقال لهم بكل برود : لماذا تصرخون هكذا .. أفضل من الصراخ تعالوا ساعدوا في حمل صناديق الوثائق والمخطوطات الى سياراتنا .. وسأعطي لكل واحد فيكم عشرة دولارات عن كل صندوق نخرجه .

عمليتا سرقة المتحف العراقي وسرقة مركز الوثائق والمخطوطات العراقي , عمليتان منظمتان قامت بهما القوات الأمريكيه وأخذت كل شيء الى خارج العراق , وماكان شيئاً ثميناً جداً فهو بدون أثر حتى لحظة قراءتكم لسطوري هذه , أما ما كان أقل أهمية من الآثار والمخطوطات فقد أعيد الى العراق بإعتباره مشترى من المصادر التي وصل إليها بعد سرقته وتهريبه … ونحسبها بالعقل أكثر من 5000 قطعة آثار كم على العراق أن يدفع الى الكولونيل بوغدانوس .. من أجل شرائها وإعادتها الى العراق .

أما تأليف كتاب حرامية بغداد .. فهذا هو الذي يسميه القانون بعملية الإمعان في القتل . أن تحتل بلدنا وتسرق آثارنا .. وتعيد بيعها علينا , ثم تؤلف كتاباً تتهمنا فيه بأننا حراميه سرقنا آثارنا فهذا هو الإمعان في القتل بعينه …

والإمعان في القتل ليس غريباً على المارينز الذين رأيناهم قبل حوالي أسبوعين يقتلون الناس في أفغانستان .. ثم يتبولون على جثث قتلاهم . ميسون البياتي – مفكر حر؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

أسئلة «الطرف الثالث»

محمد طعيمة: المصري اليوم

المناسبة، ذكرى مولد النبى، بطقسها المصرى، الخميس 19 نوفمبر 1953. تفتح الصبية (سيدة)، شقيقة سيد فايز، المتمرد على الإخوان، الباب ليهديها من قال إنه صديق شقيقها علبة الحلوى التقليدية. حين عاد سيد، فتح العلبة، انفجرت وقتلته هو وشقيقه الطفل وطفلا آخر انهار فوقه حائط المنزل، وأصيبت سيدة. 

فى اليوم التالى، يروى عباس السيسى، من مؤسسى الجماعة، بكتابه (فى قافلة الإخوان): «شيعوه باكين، تبادلوا اتهام عبد الناصر، لأنه يستحيل أن يقوم بهذا الإجرام إخوانى، فى قلبه ذرة إيمان». لكن سرعان ما ثبت باعتراف مؤسسين تاريخيين، منهم محمود عساف، مسؤول مخابراتها، أن «المجرمين الذين ليس فى قلبهم ذرة إيمان» أقطاب بالجماعة، عادى جداً. 

المناسبة، اعتصام معارضين أمام الاتحادية، 6 ديسمبر 2012، تهاجمهم ميليشيات «دينية»، يقترب أحدهم من الصحفى الحسينى أبو ضيف، الذى فضح عفو مرسى عن شقيق زوجته، المُدان بالرشوة. صوب خرطوشه على رأسه، ضغط على الزناد، ثم توجه لمهام أخرى، عادى جدا. 

جريمتان يفصل بينهما 60 عاما، شهدت عشرات من الجرائم نفذها عناصر الإخوان بدم بارد. ولمن يريد أن يرى بعينيه، على يوتيوب، دمويات مما فعلوه فى غزة، بعد انقلابهم يونيو 2007. إلقاء رفقاء مقاومة من فوق العقارات، كما حدث لبعض ضحايا مذبحة بورسعيد. سحل جرحى حتى الموت. فى غزة، تدربت أغلب ميليشياتهم، سواء (فرقة 95 إخوان)، أو (مجموعات الردع)… إلخ. تجمع المتدربون والمدربون معا، خلال ثورة يناير. أصبح من «العلم العام» أنهم من اقتحموا السجون، وقتلوا من قتلوا، وهربوا قياداتهم، وخلايا حزب الله وحماس. الآن ثبت أن عناصر حماس عبرت الأنفاق، قبل وبعد الثورة، طوال عامين، دعما لإخوانها. 

أمام القضاء، شهد عمر سليمان بأن عناصر خارجية قتلت الشهداء، سخر الجميع منه. مع «موقعة كشف الحساب»، ثم «مذبحة الاتحادية»، توقف كثيرون عند أجواء «التنظيم الميليشياوى»، و«عفوية» عنف عناصره، و«استعداده النفسى للقتل»، استدعيت الجمل ثانية، و«حدوتة» الطرف الثالث كلها. وطالت التساؤلات «وقائع» لم نهتم بها، مثل اتصال محمد مرسى بالجزيرة، فور هروبه من السجن، رغم تعطل شبكة الاتصالات، ورواية اللواء حسن الروينى، عن تمركز عناصر إخوانية فوق العمارات، وإجباره لمحمد البلتاجى على إنزالهم، «بدل ما ننشهم احنا». وتفاخر أسامة ياسين بقيادته 95 إخوان بالميدان. وحديث مشابه لصفوت حجازى، عن تمركز قيادات من الجماعة فى مقر (سفير) بالتحرير. 

شهادة أخرى، مصورة، قدمها علاء شتا، قيادى الجهاد، عن تعاون بين تنظيمه والفرقة 95. قال لجريدة (الوطن): «طحنا البلطجية»(..) «رأيت قيادات إخوان تقود المعركة»،(..) «كان عمر سليمان، يرسل لنا عناصر نعرفهم، يأخذون الناس لتعذيبهم بالمتحف» (..) «الأمن كان مرعوبا، لاعتقاده بوجود سلاح معنا». 

يؤكد ثروت الخرباوى: «الفرقة 95 مسلحة، أنشئت عام 1995، مع تصاعد الضربات الأمنية». عناصرها تدربت بغزة، بعد معسكرات «جهاد النفس»، التى نُظمت فى عهد مبارك، وتضاعفت بعده، ومن يقرأ شهادات شبابها عنها، وعن قتالهم مع «الجيش السورى الحر»، سيدرك أن الجماعة ربت «مقاتلين». 

مع تدريبات غزة، والطرف الثالث، يقفز اسم (خليل أسامة العقيد)، حارس خيرت الشاطر. تحرك، خارجياً، تحت غطاء اتحاد الأطباء العرب، بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح. أول يناير 2003، تقدم محمود على عبدالحميد، بالمعاش، ببلاغ لنيابة عابدين، يتهم فيه حارس الشاطر بقتل متظاهرى محمد محمود، ضمن مجموعة اعتلت سطح الجامعة الأمريكية، وعندما حاول مع آخرين ضبطهم، هددهم بطبنجة، إلا أنهم أمسكوا به فى اليوم التالى، وسلموه للشرطة. 

هل كان أخوان (العقيد) هم قناصة يوم الجمل؟ هل هم الطرف الثالث، الذى اختفى مع خطف مرسى للرئاسة، حتى عاد، سافرا، فى مذبحة الاتحادية وغيرها؟ 

الآن كثيرون يجيبون: غالباً، لكن ننتظر تقديم الأجهزة الأمنية أدلتها ليُحسم الاتهام.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment