الصَّدر للدَّعوة: هل جربتم دنيا هارون الرَّشيد؟

رشيد الخيّون: الإتحاد الاماراتية  

حكم الخليفة العباسي الرَّابع هارون الرَّشيد لثلاثة وعشرين عاماً، وهو حفيد خليفة ونجل خليفة وأخو خليفة، وأبٌ لثلاثة خلفاء، وتولاها وعمره تسعة عشر عاماً، ولم يتول قبله خليفة أصغر منه سناً. وسمَّى المؤرخون المتأخرون عصره (170-193هـ) بالذهبي. وكان يحج عاماً ويغزو عاماً، ولا يحج إلا ومعه مئة فقيه، ويُصلي في كلِّ يوم مئة ركعة (ابن الطَّقطقي، الفخري في الآداب السُّلطانية).

 قصَّدنا أخذ الرِّواية مِن «الفخري» فهو يحسب عليه موت الإمام موسى بن جعفر (183) في سجنه ببغداد، وبالتالي غير متهم بموالاة، فالمعروف عن ابن الطقطقي أنه كان متشيعاً. مِن دون أن يغفل الرِّواية التي قرأناها عند الأقدمين: أن «بعض حُساد موسى بن جعفر مِن أقاربه قد وشى بهِ إلى الرَّشيد، وقال: إن الناس يحملون إلى موسى بن جعفر خُمس أموالهم، ويعتقدون إمامته، وإنه على عزم الخروج عليك، وكثر في القول، فوقع ذلك عند الرَّشيد بموقع أَهمه وأقلقه» (المصدر نفسه). أما الخصوم فلم يذكروا للرَّشيد سوى الأضاحيك وجلسات الترف والقتل. هذا والأخبار تشهد أن بغداد كانت في عصره زاهية مُترفة.

 هذا عن الرَّشيد وبعض قصة موسى الكاظم معه، أما السَّيد محمد باقر الصَّدر (أُعدم 1980)، الذي خطابه شاهد مقالنا، فعالم دِين طرح فكرة المرجعية الصَّالحة، ولم يتفق معه الذين وضعوا حداً ما بين السياسة والدِّين، بينما هو أرادها صاحبة الولاية السِّياسية، لهذا لا تجد ارتياحاً لدى خلصاء الصَّدر لمثل أولئك المراجع الأساطين، وارتبط باسمه نشاط حزب الدَّعوة، حتى اعتبر بعد إعدامه، بأنه المُوجد والقائد لهذا الحزب، وذلك ما يخالفه أصحاب الدِّراية.

 نعم، كان مِن الأوائل الذين انتموا لهذا الحزب ورعاه حتى إعدامه، ويتعجب مَن يستمع لإذاعة إيران وهي تُبشر الصَّدر بالمظاهرات الداعمة في أن يثور داخل العِراق، ثم جوابه بالصوت أيضاً مِن النَّجف، مشيداً بقائد الثورة الإيرانية الخميني. أقول: كيف يريد الرَّجل العمل في السِّياسة بظل جبروت سلطة «البعث»، بينما دولة خارجية تحرضه على الثورة، ويومها كانت إيران معادية والحرب معها على الأبواب! وإذا تجردنا مِن العاطفة نجده لم يُقدر الحالة، أو أن الصَّدر ليس له في السِّياسة والعمل الحزبي، فالسِّياسي لا يسعى إلى الانتحار، ونحر الآخرين بسيف خصمه.

 كان باقر الصَّدر نموذجاً في النزاهة والعفة الشَّخصية، هذا ما قرأته عنه، وما كنت أسمعه مِن أحد القريبين لي، وكان مِن خلصائه ويحرص على زيارته في كلِّ نهاية أسبوع، وهو الآخر، عندما أتذكر تصرفاته الانتحارية لا أراه صالحاً للعمل السِّياسي والحزبي، فكان يريد أن يموت مبهوراً بالثورة الإسلامية، حتى أُلقي القبض عليه وأعدم قبل الصَّدر بنحو شهر.

 أقول هذا كي أوضح الصّورة لما جرى مِن بعد، وكيف أن الضَّحية تُشارك جلادها وتعطيه فرصة اقتناصها. ولأني أعرف عفة ونزاهة الاثنين، أقول: إنهما لو عاشا، إلى هذا الزَّمن، إما أن يتغيرا بتغير الدُّنيا ويرتضيا بما سينظرانه الآن مِن فساد مستشرٍ، ويغضا الطَّرف عن اضطهاد كبار علماء الدِّين بطهران، وفي حياة الخميني وهو رمزهما في الثورة والسُّلطة المرتجاة، فقصة اضطهاد آية الله شريعتمداري (ت 1985) وآية الله محمد طاهر الخاقاني (ت 1985) وغيرهما معروفة، وإما أن يُعلنا البراءة، وبالتالي علامَ سالت الدِّماء؟

 هنا نستذكر واحدة مِن مجالس الصَّدر مع الطَّلبة، ولم يكن تنظيم «الدَّعوة» في الحوزات الدَّينية والجامعات قليلاً قياساً بالظُّروف العصيبة، وبالفعل مَن عمل آنذاك وأعدم كان غاية في نكران الذات، وهذا ما ينطبق على أحزاب أُخر كالحزب الشّيوعي العِراقي، وتنظيم البعث المعارض، المعادي للسُّلطة ببغداد، والتنظيمات الأُخر.

 كان الصَّدر في خطابه ذاماً للدُّنيا وحاثاً على الموت زهداً، طالباً أن يُربط الشعار بالتطبيق. كان يقصد السُّلطة القائمة والسَّامعين وهم الأمل في الوصول إلى السُّلطة الزَّاهدة بالمال والمؤتمنة على الدِّماء، ولعلَّ أحد المتغالبين على العقارات، والقاطنين في قصور الرَّئاسات الفارهات الآن، كان حاضراً ذلك المجلس! اتخذ الصَّدر زمن الرَّشيد للتعبير عن الحالة شفرةً، وكأنه اعتبر نفسه موسى بن جعفر وصدام حسين (أعدم 2006) الرَّشيد، وبهذا تحدث محذراً الدُّعاة مِن الاستقواء بقبول الدُّنيا عليهم، في ما لو أتتهم مثلما حصل بعد أبريل 2003.

 بعد سِماع أكثر مِن تسجيلٍ له، أيقنت أن ذلك الصَّوت الرَّخيم هو صوته؛ نافث مِن صدر متعبٍ قلقٍ، ليس على نفسه إنما على أصحابه، وعلى فكرة رعاها، وكيف يكون صوت مَن كان يرفض إدخال صندوق الثلج إلى داره، وكانت الحقوق مِن الخُمس تأتيه، أو يُحرِّم على طفله شراءَ لعبةٍ؟ وبهذا أراد أن يكون متصالحاً مع نفسه لا منافقاً! فمثله هل سيجعل ولده مسؤولاً يُطارد غيره، إذا ما أقبلت عليه الدُّنيا. أو هل سيولي زوج ابنته ولاية، ويمنع التحقيق معه في شأن حادثة اغتيالٍ؟ هل سيقبل لصاحب عمامة مِن خاصته الاستيلاء على عقار بسعة 16 دونماً مثلاً؟

 يقول في مستهل الخطبة: «نحن أولى النَّاس بأن نحذر مِن حُب الدُّنيا، لأننا لا دنيا عندنا كي نحبها، ما هي هذه الدُّنيا التي نحبها؟ ما هي إلا مجموعة مِن الأوهام، لكن دُنيانا أكثر وهماً».

 غير أن باقر الصَّدر قال وكأنه مكتشف المستقبل، لذا اعتبر التجربة هي المحك: «نحن نقول بأننا أفضل وأتقى مِن هارون! عجباً، نحن عُرضت علينا دُنيا هارون الرَّشيد فرفضناها حتى نكون أورع مِن هارون الرَّشيد؟ في سبيل هذه الدُّنيا سجن موسى بن جعفر. هل جربنا أن هذه الدُّنيا تأتي بأيدينا حتى لا نسجن موسى بن جعفر»؟!

 لهذا قال أحد خُلصاء الصَّدر ومجايليه: «فلا أخشى مَن يُتاجر به صورةً، ولو كان حياً لربَّما سعى مَن سعى مِن الحاضرين إلى التَّخلص منه، لأنه سيمنعهم مِن التجارة بالوطن والدِّين»! أدع المشهد المعيش، في ظل سلطة حزبٍ عدَّ نفسه انتصر على أعداء إسلامه السِّياسي بدم باقر الصَّدر، هو الذي يتكلم. فها هم ينعمون بدنيا هارون ويتركون بغداد خراباً! ولا أزيد: «وفي النَّفسِ ما أعيا العِبارة كشفه/ وما قَصرَ عن تبيانه النَّظمُ والنَّثرُ» (الرَّصافي، رسائل التَّعليقات).

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

قصة و حكمة من زياد الصوفي.. 113

القصة:

لما اتوفى الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران، كنت قاعد عم اتفرج على جنازتو المعروضة على كل شاشات التلفزيون..

أكتر شي لفتلي نظري بمراسم الدفن كان البيت اللي طلع منو التابوت المغطى بالعلم الفرنسي..

بيت أكتر شي ممكن توصفو أنو بيت باريسي عادي بأحد أحياء باريس العادية..

استغربت كتير أنو كيف رئيس بهيك حجم ما عندو بعد كل شي قدمو لفرنسا إلا هالبيت المتواضع!!

و استغرابي كان نابع من ثقافتي السورية اللي باتقول أنو رئيس الجمهورية لازم يكون عندو قصر بكل مدينة سورية..

قصر الشعب و الروضة و تشرين و المهاجرين و الشبطلية و القرداحة و صلنفة، و عداكون عن كل قصور الضيافة المنتشرة بكل مدينة بسوريا..

و بالتأكيد كل هالقصور بدها صيانة و عناية و اعادة تصميم و تغيير ديكور مع كل موسم و كل فصل..

حكاية اليوم من وحي هالموضوع..

“رشو” شب كردي من عفرين بس ولدان بالشام و دارس بالشام و اتخصص بأعمال الديكور قبل ما يفتح شركة بالعاصمة بتهتم بأعمال الديكور و التصميم..

بأحد زيارات بشرى الأسد لقصر الضيافة بالشام و اللي اتحول لاحقا لمكتب أم نصيص أسماء الأسد، اتفاجأت بشرى بديكور القصر، و لما سألت عن المهندس اللي أشرف عهالشغل كلو، قالولها هاد رشو يا ست الكل..

سنة 2004، بيجي تلفون لرشو على مكتبو و بيطلبو منو يجي يقابل المدام بشرى منشان اعادة ديكور قصرها..

بتوصل المرسيدس تحت المكتب، و بتمشي بالمهندس رشو تجاه المزة فيلات غربية..

بناية من تلات طوابق مفتوحين على بعضهون، و بالصالون بالطابق الأرضي قاعدة بشرى و معها مجموعة من المهندسين الاستشاريين..

بعد ما قامت بشرى بواجب الترحيب بالمهندس رشو، طلبت منو اعادة ديكور هالقصر..

بيجهز حالو و بيرتب أمورو و أمور ورشتو كلها، و بيرسم التصاميم و بينطلق عالتنفيذ..

النجار أبو سعيد المسؤول عن الأبواب الداخلية و أبواب المداخل كان من الفريق المرافق للمهندس..

و أكيد ببيت بشرى الأسد و آصف شوكت كان لا بد من وجود مفرزة أمنية عالباب، و عساكر منتشرين بطول القصر و عرضو لحماية هالعيلة النسة..

” ويزال” رئيس المفرزة و المسؤول الأمني عن القصر كان عم يرافق المهندس رشو و شباب الورشة عالدعسة..

بيجي تاني نهار الصبح، و الشباب كلهون مجموعين بالقصر ليكملو شغلهون.. الكل عالوقت إلا أبو سعيد ما إجا..

بيرنلو المهندس على موبايلو، التلفون مغلق..

بيرن لأهلو عالبيت بيقولولو :و الله يا مهندس رشو من مبارح ما رجع عالبيت و غليان قلبنا عليه و ما عرفانين وينو ..

بهالاثناء بيجي هالفدان ويزال، و بيقلو للمهندس:

إسماع يا حبيب، هالكلب أبو سعيد أبقا بدنا هوة، و جيب نجار تاني ..

لما بيحاول رشو يفهم من ويزال شو صاير، بيصرخ فيه و بيقلو: متل ما عم قلك، باتجيب غيرو أحسن ما تلحقو..

هون رشو بيعرف أنو الموضوع خطير كتير و الأخطر منو انك تحاول تعرف شو صاير..

خلصت أعمال الديكور بالقصر بعد ما طلعت روحو للمهندس و بتروح القصة تلات سنين و أبو سعيد مختفي و ما حدا بيعرف وينو و لا حدا بيسترجي يسأل عنو..

تلات سنين بتمر و بيجي صيف 2007..

بيرن تلفون رشو و بيسمع صوت أبو سعيد على تاني طرف..

ايه ايه أبو سعيد شو نسيت صوتي؟؟

تعا فورا لعندي و حكيلي وين كنت هالتلات سنين..

و الله يا مهندس رشو، أنا و عم اشتغل بأبواب غرف النوم بآخر يوم إلي بالورشة معك، بيجي هالكلب ويزال و بيطلب مني أعملو غرفة نوم لبيتو بمعية هالورشة اللي هون..

لما كبرت راسي و رفضت، حطني براسو و قرر ينتقم مني..

بعد ما خلصنا شغل، و سلمت عليكون أنو رح شوفكون تاني نهار لنكفي شغل، باطلع بالباص و بوصل على حارتي..

من تم الحارة، سيارة أمن مع أربع عناصر بيمسكوني و بيغمضولي عيوني و بياخدوني على مكتب جوا شي فرع أمن..

لما بيفتحولي عيوني، بشوفو لهالكلب ويزال بوجهي..

و لك حرامي وين سرقت ساعة الدكتورة بشرى؟؟

لسا ما سألتو أينو ساعة، كانو كلاب جهنم طاحشين علي و لحقلي قتل يا معلم..

تلات سنين يا معلم و أنا محبوس بسجن المخابرات العسكرية بس لأني رفضت أعمل غرفة نوم لبيتو لهالكلب..

بيلفقلي تهمة الساعة المسروقة و بإسم آصف شوكت بيحطني بالسجن و كل يوم ينادولي:

حرامي الساعات طلاع عالتحقيق..

تلات سنين ما خبرو أهلي ويني أنا، و لا حدا استرجى منهون يسأل عني، لدرجة أنو لما طلعت من السجن و رحت عالبيت، شفت ناس غريبين قاعدين فيه و عيلتي كلها بالضيعة معتبريني ميت و فاتحين عزا فيني من تلات سنين.

الحكمة:

أربعين سنة عم يشتغلو بصيانة قصوركون هالعمال..

راحو كلهون عالرقة و فنترو على راسو لهالتمثال…زياد الصوفي – مفكر حر؟

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

أميركا.. هل بدأت تغير موقفها؟!

تسربت في الأسابيع الأخيرة أنباء متنوعة حول وصول أسلحة جديدة إلى مقاتلي الجيش الحر في سوريا، قيل إنها لن تردم تماما الهوة بين ما لدى جيش السلطة من سلاح وما يستعمله هؤلاء في قتالهم ضده، لكنها يمكن أن تضيق الفجوة وتحدث تحولا في مناطق معينة يعاني النظام فيها ضعفا هيكليا أو ملحوظا، خصوصا في شمال البلاد وشمالها الشرقي، المهم جدا من الناحيتين البشرية والاقتصادية، وقد تكبح اندفاع جيش السلطة إلى حسم الوضع في مدينة حمص، حيث تدور معركة هي في الحقيقة «أم معارك» الثورة السورية، لما لحمص من أهمية استراتيجية بالنسبة إلى مجمل الوضع السياسي والعسكري والبشري، وإلى بقاء سوريا دولة موحدة أو تعرضها لتقسيم لاحق.

 وسواء كانت الأخبار صحيحة أو مبالغا فيها، فإن لها دلالة مهمة بالنسبة إلى موقف أميركا من الأزمة السورية المستعصية، الذي كان مبنيا على فكرتين رئيستين، هما: أولا: لا سلاح للمقاومة ولا تدخل عسكريا مباشرا ضد النظام، وثانيا: لا قبول بخيار أصولي سوري يؤثر على إسرائيل وربما جرها إلى المعمعة السورية العنيفة وأدخلها في مواجهة بالسلاح مع تنظيمات إسلامية أصولية ومتطرفة، قوية ومنظمة، يمثل وجودها كقوى متفوقة في ساحة الصراع تجاوزا لخط أحمر دولي، خصوصا إن هي استولت على أسلحة دمار شامل، أو أفلت زمام هذه الأسلحة من أيدي النظام.

 يبدو أن وصول السلاح إلى سوريا إما أنه يعبر عن تغير المعادلة الأميركية ثنائية الحد السابق ذكرها، وإما عن وجود محاولات ضغط قوية تمارسها أطراف عربية وإقليمية عليها. إنه يعبر عن تغير في سياساتها، إن كانت قد وافقت على إرسال السلاح وتخلت بالتالي عن مبدئها الأول، الذي لطالما تمسكت به ورددته دون كل أو ملل في تصريحات مسؤوليها خلال العامين المنصرمين، ولم يحد أحد من قادتها عنه، وهو أنه لا سلاح للمقاومة. وإذا كانت لم توافق على إرسال السلاح، فهذا يعني أن رقابتها على علاقات بعض الدول العربية مع الحدث السوري قد تراخت أو انهارت. فهل تراخت حقا رقابة واشنطن على الصراع وقدرتها على التحكم به، أم أنها غيرت موقفها وأخذت تتجاهل إرسال السلاح إلى الداخل السوري، أو تشجع دولا بعينها على مزيد من الانخراط في الصراع العسكري الدائر فوق أرض سوريا، وعلى إمداد مقاتلي المعارضة بالسلاح، لإحداث تحول نوعي في المعركة سواء ضد النظام أو لمواجهة أطراف مقاتلة تنتمي إلى تنظيمات جهادية معادية للغرب؟

 يقال تلميحا وتصريحا إن السلاح أرسل من أجل تحجيم دورها وتمكين قوى المقاومة الأخرى من استعادة زمام المبادرة الميدانية منها، بعد أن برز دورها خلال الأشهر الأخيرة وغدت أطرافا فاعلة ومؤثرة إلى أبعد حد، يكاد حضورها المنتشر في معظم الأمكنة والمعارك يحجب وجود الجيش الحر، خصوصا بعد استيلائها على مطارات الجيش الرسمي وقواعده العسكرية الكبيرة ومعسكراته، وتمتعها بشعبية واسعة وصلت إلى حد قول بعض رجال الدين في خطب الجمعة: «لا نعترف بمقاتلي الإخوان المسلمين، ولا نقر بالشرعية والشجاعة لغير مقاتلي جبهة النصرة، ولا نريد حماية من سواهم».

 هل حدث هذا التغير في الموقف الأميركي بالتوافق مع رغبة دول خليجية في الحيلولة دون وصول إسلاميين أصوليين إلى السلطة في دمشق، وكذلك في إضعاف فرص الإسلاميين المعتدلين في الاستيلاء على الحكم بعد إسقاط الأسد وبطانته، وبالتالي في ضوء قرار اتخذته دون تنسيق مع الأميركيين يقضي بتنشيط دورها في تسليح الثورة سواء أعجب ذلك أميركا أم أزعجها، ما دام التطور السوري يتحول أكثر فأكثر إلى قضية أمن وطني وداخلي بالنسبة لنظمها؟ أم أنها فهمت معنى الانزياح الجهادي الجاري على الأرض السورية، وقدرت أن مخاوف أميركا منه ستحول بين واشنطن وبين استمرار موقفها الرافض لتسليح المعارضة، فقامت بخطوتها وهي على ثقة من أن ردود أفعال واشنطن ستكون معتدلة أو قابلة بالذي يتم؟

 مهما كان الجواب، أعتقد أن ما حدث وقع في إطار هذه الحسابات، وأن أميركا لا تدرس فقط إجراء تبدل في سياساتها، بل هي قررته وبدأت تنفذه. من علاماته ما شاع حول وصول الأسلحة من كرواتيا، وهي دولة أوروبية صديقة أو حليفة لها ولألمانيا، وما يقال عن مروره الشرعي في تركيا، وعن قيام واشنطن بتشجيع وصوله إلى مقاومين ينتمون إلى تنظيمات وفصائل غير أصولية، وما يجري اليوم من محاولات لضمان الاستعمال الآمن لهذه الأسلحة المتطورة نسبيا، عبر تنفيذ خطط يتولى سوريون وضعها والإشراف عليها لإعادة هيكلة الجيش الحر، بحيث تكون سلسلة القيادة والآمرة فيه محض عسكرية، ويقع انفصال محدود بين العسكريين والمدنيين يمكن الأولين من السيطرة على الأرض، تحسبا لتطورات مقلقة كاستيلاء الإسلاميين على السلطة، أو فوضى السلاح التي يمكن أن تقوض ما سيبقى من البلاد والعباد عقب إسقاط الأسد، أو مشاريع الاقتتال التي تخطط أطراف متنوعة لنشوبها بين مكونات الجماعة الوطنية السورية، أو الصراعات الإقليمية التي قد تأخذ أبعادا عسكرية وسياسية معقدة في ظل انتشار المسلحين في كل مكان واستيلائهم على مناطق كبيرة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة إلى أي صراع مستقبلي كما بالنسبة إلى إعادة بناء البلاد، لما فيها من ثروات طبيعية وموارد لا يمكن التخلي عنها في أي مشروع تنموي.

كان من الجلي في الأسابيع الأخيرة أن تبدلا ما في موازين القوى سيسبق التفاوض مع النظام، وأن خطوة ما ستتم في هذا الاتجاه ستعبر عن نفسها في تسليح المعارضة وتمكينها من ردع جيش النظام وفك حصاره لحمص وتسريع انهياره في مناطق بعينها، داخل دمشق وحولها. هل نحن اليوم على مشارف هذا التبدل في السياسة الأميركية وعلى الأرض السورية؟ أعتقد أن هناك شيئا من هذا، وأن هدفه الأخير إرغام النظام على التخلي عن الأسد وإعلان أطراف وازنة فيه استعدادها للتفاوض حول انتقال ديمقراطي يتم في أجواء آمنة نسبيا، للجميع مصلحة فيها. ماذا إن ظل النظام متماسكا وأصر على مواصلة القتال وصعد وتائره؟ أعتقد أن الأسلحة ستتدفق عندئذ بالكميات الضرورية على المقاتلين، ليكون بوسعهم اقتحام القصر الجمهوري، خلال فترة غير طويلة.

نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

كيري في أنقرة.. «بيت اليك»

سمير صالحة: عن الشرق الاوسط

جون كيري وزير الخارجية الأميركي الجديد، الذي أراد أن يكون الشريك الاستراتيجي التركي بوابة عبوره إلى عواصم المنطقة في جولة شرق أوسطية شاقة ومتشابكة، ربما يشعر بكثير من الكآبة وخيبة الأمل، بسبب خياره هذا الذي خذلته أنقرة فيه.

وعلى الرغم من مسارعة الوزير الأميركي لتدشين بركة المياه في باحة السفارة الأميركية في أنقرة باسم الشرطي التركي الذي قضى في الهجوم الذي استهدف المبنى، مركّزا على وحدة المصير بين أنقرة وواشنطن، وعلى الرغم من دخول الرئيس التركي عبد الله غل على الخط، في محاولة لتلطيف الأجواء وتبديد السحب الداكنة في أجواء العلاقات التركية – الأميركية، عبر تقديم هدية تذكارية للضيف الزائر، تعبيرا عن التقارب والتمسك بهذا التحالف الاستراتيجي المفترض، فإن الاختلافات في وجهات النظر تكاد تتحول إلى خلافات وتباعد في التعامل مع كثير من الأزمات والقضايا الإقليمية والدولية، لن يكون من السهل تجاهلها أو تجاوز ارتداداتها.

كيري وقف أمام عدسات الكاميرا التركية يتحدث عن المصالح المشتركة، ويذكّر الأتراك بالدعم الأميركي المفتوح لأنقرة على طريق العضوية الأوروبية، ويدعو لرفع أرقام التبادل التجاري بين البلدين، التي وصلت مؤخرا إلى 12 مليار دولار، لكن نظيره التركي داود أوغلو اختار نهجا آخر في المحادثات، وهو الترديد على مسامع ضيفه أن حل الصراع العربي – الإسرائيلي والاستقرار الدائم لا بد أن يقوم على قرارات الأمم المتحدة المعلنة عام 1967.

كيري الذي جاء يقرأ على مسامع الأتراك أولويات واشنطن ويطالب أنقرة:

– بأن تكون أكثر تفهما وتعاونا مع المشروع الأميركي – الروسي للحل السياسي في سوريا، لا بل يطالبها بإقناع المعارضة السورية بقبول خارطة الطريق المفترضة لإنجاز العملية الانتقالية هناك.

– وأن تضع حدا لتوتر علاقاتها مع إسرائيل، وضرورة إعادة هذه العلاقات إلى سابق عهدها، لأن واشنطن تدفع ثمنا باهظا بسبب القطيعة القائمة بين أهم حليفين استراتيجيين لها في المنطقة.

– وأن تنهي حربها المفتوحة مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عبر دعمها للقوى السياسية المحلية المقربة إليها.

– وأن تحسم موقفها في مسألة تقلق واشنطن، وهي قيادة حركات إسلامية لمسار التغيير في بلدان الربيع العربي، ويعتبرها البيت الأبيض مصدر خطر على سياساته ومصالحه العربية.

– وأن تهضم كلام سفيرها لدى تركيا ريكاردوني، الذي قيل إنه تجاوز الخط الأحمر، عندما بدأ الحديث عن مسار التغيير والديمقراطية في تركيا.

وجد أن الأتراك فاجأوه بما لم يتوقع:

– تمسك أردوغان برحيل الأسد، واقتراب هذا الموعد الذي لن يستطيع أحد أن يمنعه، وأن دعم المعارضة سيستمر بالسر والعلن، وفي كل المجالات دون تمييز بينها، طالما أنها تشكّل جزءا من خطة التغيير في سوريا، وأن طرق الحل الحقيقية تمر عبر ضغوط مباشرة تمارسها واشنطن على موسكو وبكين لتغيير موقفيهما، وليس عبر الترويج لمشاريعهما في سوريا.

– رفض أي حوار مع تل أبيب قبل تحقيق المطالب التركية بشأن حادثة الاعتداء على «أسطول الحرية».

– تذكير واشنطن بالنتائج السلبية الكثيرة التي تسببت بها سياستها العراقية، وتحديدا نتائج الانسحاب من العراق، حيث تقف البلاد على مفترق طرق خطير، وضرورة الإسراع في إقناع حكومة المالكي بتغيير أسلوبها ومواقفها حيال مسار العملية السياسية الداخلية، وتجاهل المشهد القائم في العراق اليوم ببعده الإيراني، الذي يمهد لحالة مشابهة في سوريا.

– دعوتهم الإدارة الأميركية لمراجعة مواقفها من الحركات الإسلامية، التي وصلت إلى السلطة في بلدان الربيع العربي، بعد انتخابات مشروعة، وأن النقاشات القائمة في هذه البلدان هي دليل عافية، بعد سنوات طويلة من غياب الممارسات الديمقراطية والمشاركة السياسية التي حرمت منها هذه الحركات.

– انزعاج أنقرة من وقوف واشنطن وراء سفيرها، بدل إقناعه بتغيير أسلوبه وطريقة تعامله مع المسائل الداخلية التركية، وعلى رأسها مسائل سياسية وقضائية حساسة لن يسمح الأتراك بإشراك أحد في معالجتها.

هرم الدبلوماسية الأميركي كيري صدمه أردوغان أصلا، قبل ساعات من وصوله إلى العاصمة التركية، حين فجر قنبلته من فيينا حول الصهيونية ومساواتها بالجريمة ضد الإنسانية، مما اضطره لرفض موقف رئيس الحكومة التركية و«استهجانه»، ليأتي الرد من داود أوغلو مجددا بأن أنقرة ليست ضد دولة إسرائيل، بل ضد ممارسات حكومة نتنياهو في التعامل مع الشعب الفلسطيني. أنقرة بدت قبيل وصول كيري وكأنها تتعمد ما يجري، من خلال توجيه رسالة الاستعداد لإضرام النار في سفن العودة، إذا ما تمسكت الإدارة الأميركية بسياسة حشر تركيا في زاوية «بيت اليك» الإسرائيلية والسورية والعراقية، وربما الإيرانية في المستقبل.

كيري الذي جاء يذكّر الأتراك بأيام شهر العسل، ومواقفه الدائمة إلى جانب أنقرة وقضاياها الإقليمية والدولية، فوجئ بأن أردوغان يضع أمامه مشهدا سوداويا حول مسار العلاقات التركية – الأميركية نفسها، قد يتطلب تعريج الرئيس الأميركي أوباما على العاصمة التركية قبل زيارة تل أبيب الشهر المقبل، وإذا ما كان فعلا يريد حماية علاقات بلاده بتركيا في مثل هذه الظروف الصعبة.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

نادين البدير: أحسن من الشيعي؟

«(…) أحسن من الشيعي» هذا آخر ما سمعته من أحد العامة قبل أيام وهو يصور رأيه بمواطنيه الشيعة، ثم أعاد قصة عقيمة عن شيعي عمل عشرين عاما عند سني وحين ترك العمل أخبره أنه كان يسيء اليه خلسة.

كلها قصص خيالية يرويها البعض وهم قلة. ترى من كان له الدور الأكبر في حياكة تلك القصص؟ وما مصلحته الآن بعد أن ارتفعت حدة العداوة داخل البلد وفي المنطقة كلها؟ وكيف سيعالج الأمر بعد أن أصبح الحديث عن الوحدة الوطنية مجرد مخدر يهدئ من روعه وروعنا تجاه مضاعفات المذهبية والطائفية؟ وهل سيهرع الى الحلول أم سيتناسى المشاكل؟

بالتأكيد هناك معركة قائمة الا أن المواطنين يجهلونا أطرافها. يجهلون ان كانت المعركة ضد الشيعة أم ضد مطامع ايران. تائهون بين الأخوة الوطنية وبين سماعهم لخيانات أفراد وولاءاتهم للخارج. يبحثون عن فتوى تجيز علاقتهم بمواطنهم الشيعي أو تحرمها.

في ظل الدفاع عن حمى الوحدة الوطنية التي نحلم جميعنا بدوامها، يصر البعض، وهم قلة، على تحويل شيعة القطيف لخوارج لا ينتمون للمجتمع. وفي ظل الدفاع عن المبادئ أمام ما تفعله ايران والصراع المحتدم معها ومع مخالبها في المنطقة، أصبح الشيعي موضع اتهامات كثيرة. أمن أحد مرتاح لهذه التهم؟ أبهذه الطريقة نحمي البلد من ايران؟ هل تفتيت البلد هو سلاح يقينا من ايران أم يقدمنا لها على طبق من ذهب؟

يقول البعض ان ما حدث في دول اخرى من انقسامات قد يحدث الآن بين ابناء الطوائف الاسلامية. ويتشاءم البعض الآخر فيتخيل أننا قد نشهد تفجيراً أو عراكاً، هنا أو هناك بعد أن يرتفع حد التطرف الذي بدأت رائحته تفوح بنتانة لم يسبق لها مثيل.

لكن، ورغم الاسوداد، أشير لأحداث مضيئة تمت خلال الأيام الماضية:

الحدث الأول: تعيين سيدة شيعية قطيفية للمرة الأولى في تاريخ التعليم السعودي مديرة لمدرسة، وبالطبع كان التعيين حديث المواقع والصفحات الاجتماعية ولاقى ترحابا كبيرا بين المثقفين. هذا يعني أن الدولة بدأت تتحرك تجاه منح مواطني الشرقية الشيعة حقوقا يطالبون بها منذ زمن. الا أن هذا التحرك يجب أن يرافقه تحرك أقوى وأسرع يخص مشاعر الكراهية المغروسة بنفوس المواطنين تجاه اخوتهم الشيعة. أوقفوها، أوقفوا تداول كل الألقاب المخجلة. ووزعوا المواطنين على كل المناطق فلا يكون تصنيف منطقة بحسب مذهب أهلها. ثم شجعوا التزاوج بين السنة والشيعة واسمحوا بذوبان كافة المذاهب باطار الوطن أولاً وأخيراً.

من يدري فلعل حلم الملك عبدالعزيز الراحل يتحقق أخيراً. ألم يكن يحلم بالوحدة؟ ومن يدري فقد ينشأ جيل لا يعترف بالمذهبية.

أما الحدث الثاني فكان اقتراح خادم الحرمين تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الاسلامية يكون مقره الرياض. برأيي فان أي حوار منطقي عقلاني مستقل وحر بين مجموعة من الأفراد؛ وان لم يكونوا متبحرين في الشرع والدين؛ سينتج عنه أن المذهبية كانت صناعة سياسية لا دينية، وأن جموع العرب والمسلمين التي تعلمت ألا تفكر والا تقرأ لأن هناك من يفكر ويقرأ بدلا عنها، تلك الجموع انقادت وراء المذهبية بل واستمتعت بها بسبب فراغ العقل والوعي الذي تعيشه.

تذكروا أن المذهبية سياسية وليست دينية، فالدين يدعو للوحدة أما السياسة فتهمها الفرقة. من باستطاعته الآن تغليب مصالح وطنه والتصدي لمصالح القوى العالمية التي يهمها نشر الفتنة المذهبية بشرق أوسطنا العتيد. (أو الآيل للانهيار)؟نادين البدير – مفكر حر؟‎

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

معضلة التعليم بين الدين والعلمانية.. والحل تعلم الحكمة

كان التعليم في العصور القديمة في الشرق الاوسط يقوم علي الدين، كانت الكنيسة هي التي تقوم بفتح المدارس وتضع البرامج وهي التي ابتدعت لقب الدكتوراه للبارزين من ابدعت الخريجين كما كان الجامع هو محل الدراسة في الشرق الاسلامي وهو الذي وضع تقاليد الدراسة التي انتقلت فيما بعد الي اوروبا، وكانت سمة لتعليم “الجامعة” “مؤنث الجامع” مثل ان يكون قوام العلم “الشيخ” ومثل حرية الطالب في اختيار شيخه وحرية الشيخ في تقدير تلاميذه الذين يعطيهم الاجازة وقيل ان كلمة باشلور

BACHELOR

 انما جاءت من “بحق الاجازة” وكان الشيخ يجلس على كرسي وحوله تلاميذه الذين يجلسون علي الارض في حلقة واصبحت كلمة “حلقة” وكلمة “استاذ كرسي” فضلا عن حرية التلميذ في اختيار شيوخه والمواد التي يريد ان يتعلمها من تقاليد الدراسة الجامعية، وكانت الدراسة حرة بمعني الكلمة ولم تكن هناك اية قيود او اشتراطات قبول او تحديد لساعات الدرس انما كانت تعقد قبل او بعد الصلوات وتؤدي في المساجد المفتوحة باستمرار ولم تكن هناك مصروفات بل كانت تقدم معونة رمزية او عينية “خبزا” تعين علي ان يفرغ لوقت الدراسة ولم يكن للحكومات دخل في التعليم فقد كان حرا بمعني الكلمة. وكانت الاموال التي تنفق على المدرسين والدارسين من اموال الاوقاف التي كان يوقفها الاثرياء رجالا ونساء للانفاق علي التعليم وبهذه الطبيعة فان التعليم الديني كان مفتوحا للجميع حرا امام الجميع ولم تكن الامراض او العاهات تحول دون دراسة اصحابها. وكان في الازهر “زاوية” كاملة مخصصة للعميان، ولعل ابرز المكفوفين الذين درسوا في الازهر هو الدكتور طه حسين الذي ولد في اسرة غاية في الفاقة في صعيد مصر وفقد بصره وهو طفل صغير وكان الازهر هو الملاذ الوحيد له ولامثاله ومع ان طه حسين تمرد علي الازهر لنزعته الاستقلالية وذكائه الحاد. والتحق بالجامعة المصرية التي فتحت ابوابها سنة 1908 وكان الاول الذي ارسلته إلى بعثة في فرنسا، فذهب إليها وتزوج من فتاة ساعدته على اجتياز غربته ومحنته واصبح شخصية علمية رفيعة ومعروفا علي مستوي العالم نقول رغم هذا كله فان تمكن طه حسين من العربية انما يعود الي الازهر.

وكان من حسنات التعليم الديني في الشرق والغرب انه كان الباب مفتوحا امام الطبقة الفقيرة المحرومة ليدخل النابغون فيها الي الطبقات المميزة من نبلاء او لوردات لان المنزلة الكبيرة للدين في هذا المجتمع كانت تدفع الارستقراطية لقبول الشخصيات البارزة من كاردينالات او شيوخ للانخراط في صفوفها وفي مجلس اللوردات كان اللوردات الروحانيون يجلسون بجانب اللوردات الدنيويين وحدث ما يماثل هذا في الشرق الاسلامي فان العلم كان هو القوة التي نقلت الموالي من مستوي الاتباع الي مستوي الفقهاء والمحدثين والمفسرين الذين تنحني لهم رؤوس الحكام.

ولما كانت الاديان تقوم علي قيم سامية ولها طابع سلمي وتقدمي خاصة عند ظهورها فلم يكن العلم الديني سيئة وكان علي كل حال متمشيا مع عصره ولكن التطور جعل التعليم الديني يتحجر شيئا فشيئا خاصة بعد ان هيمنت عليه المؤسسة الدينية “الكنيسة والفقهاء” فاصبح ضيق الافق كما زحف عليه التعصب شيئا فشيئا.

 وكان فساد التعليم الديني نتيجة لفساد الكنيسة في اوروبا مما ادي كما هو معروف الي ظهور حركة الاصلاح الديني في القرن السادس عشر وابعدت الكنيسة شيئا فشيئا عن مراكز نفوذها وظهرت حركات انسانية تطالب بتحرير المجتمع من هيمنة الكنيسة وتحرير الفكر من سيطرتها فانحسر التعليم الديني وبدأ يظهر نوع اخر من التعليم يتجرد من الطابع الديني وشيئا فشيئا اصبح علمانيا.

 ومع ان العلمانية لا تعني بالضرورة معارضة الدين وانها في بعض تعريفاتها تعني الفصل بين الدين والسلطة “الحكومة” فلابد من التسليم بانها تتضمن نوعا من العزوف عن الدين وتضيق بتدخله لا في الحكومة ولكن ايضا في المجتمع وتري ان الدين علاقة فردية شخصية ليس لها مضمون سياسي او اجتماعي.. وبالتالي اقتصرت البرامج الدراسية علي عناصر المهارات والمواد التي يتطلبها اشباع احتياجات المجتمع في مجال الصناعة والتجارة والخدمات او الدراسات العلمية الفنية الخالصة، وقد كان لفضل هذا التعليم ان تقدم المجتمع الاوروبي والامريكي في المجالات الصناعية والتجارة والخدمات، وكل ما يمثل التقدم المادي وارتفعت مستويات العلوم…. الخ.

 ولكن هذا العلم المجرد من الدين البعيد عن القيم والمتركز في علم الدنيويات ومعارفها الدنيوية سمح لدوافع الطبيعة البشرية من اثره وفردية وحرص علي التكاثر وطموح في المراكز وما يصيب الانسان من زهو وفخر واستعلاء… الخ انتقلت كلها علي المجتمع وعوقت سيره وعكرت صفوه.

 إن التركيز على العقل والعلم حقق الانجازات العلمية التي لم تكن تخطر بالبال ولكن هذا لم يأت بتقدم في عالم القيم وفي نفس الانسان. لقد كفل العلم الحديث للانسان تغذية كافية ولبسا لائقا واستمتاعا اكثر ولكنه لم يقدم لروحه غذاء ولا لضميره كساء ولم يكن هو العامل الذي يفجر في الانسان قوي الايمان وقوي الخير.

 ان الحضارات الحديثة- التي يعد التعليم المقرر من العناصر الفعالة فيه- سمحت بكثير من الشطط والسرف والشذوذ في كل مجالات الحياة مما اصبح يهدد توازن وثبات واستقرار الاوضاع.

 لابد من اعادة النظر في برامج التعليم ولابد من تضمينها نوعا جديدا من الدراسات نوعا لا يدور حول “النفعية” والتقدم المادي ولا يخضع لما خضعت له الاديان له من تحجر.. وهذا الشيء هو الحكمة

WISDOM.جمال البنا – مفكر حر

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

قصة و حكمة من زياد الصوفي..112

القصة:

الكل كان عم ينظر للادقية ببداية الثورة و هوة فاتح تمو من مفاجأة ردة فعلها كمدينة قامت مباشرة من أول نداء لأهل درعا..

المظاهرات غطت كل ساحات وسط المدينة.. الاعتصامات اتشكلت من شباب و صبايا حواري اللادقية الأصليين..

لما كنت أرجع من الاعتصام أو المظاهرة و اتفرج عالتلفزيونات بالعواجل:

مظاهرات حاشدة في اللاذقية..

كان ألبي من جوا يرقص من الفرح.. هالمدينة اللي ظلمها كل أهل سوريا و تركوها لكلاب بيت الأسد السعرانين..

“فؤاد اللاذقية”.. شب اتطوع للعمل الإغاثي و الاعلامي..

قدم نفسو عالقنوات المغرضة بهالاسم الحركي و صار رمز شبح من رموز اللادقية..

عالتلفزيون أسمع صوتو و اقعود اتحزر أنو هالصوت ما غريب علي، و أصفن بدون ما حاول التدقيق و السؤال عن هالشب..

أما بالعمل الإغاثي فكان يمارسو بإسم مستعار تاني عالسكايب، “cold mountain”

حسن أزهري.. شب سنة خامسة صيدلة جامعة تشرين.. أبن عيلة عريقة و متجذرة بتاريخ اللادقية..

شب اتبّع خطوات جدو الشيخ حسن الله يرحمو و حفظ القرآن غيبا..

لمجرد لقاءك بهالشب باتحس براحة نفسية هائلة.. بحديثو الهادي بيأثرك، بوجهو السموح بيجذبك..بلطفو باتحس حالك صديق عمرو..

إذا ضاع حسن كنت تلاقيه بجامع الرحمن عم يراجع أجزاء القرآن، و إذا غاب عنك كم يوم أعرف أنو بشي جمعية خيرية متطوع لأعمال الخير..

بديت الثورة باللادقية، و اتحول هالانسان البسيط، لكتلة من النشاط و الحيوية..

على راس المظاهرة ماشي قدام الكل.. تخلص المظاهرات تلاقيه ببيتو عم يرسم لافتات لتاني يوم و يتصل بالإعلام لاطلاعهون على كل صغيرة و كبيرة عم اتصير بالبلد..

بأحد الاعتصامات، شفتو لحسن عم يسكت أحد المزروعين من النظام و اللي كانو عم يحاولو تحويل التظاهر لأعمال تخريب و هتافات طائفية.. اتصدى ألو بكل جرأة و تصميم و طردو من ساحة الصليبة..

اشتغل باحصاء عدد الشهدا و الجرحى، و اهتم من خلال دراستو بأعمال الإسعاف لأهالي الحرش الهاربين للمستشفيات و ما عم يلاقو باب مستشفى مفتوح الهون، بعد ما النظام أجبر كل أصحاب المستشفيات الخاصة على عدم استقبال المصابين تحت طائلة المسؤولية..

سنة كاملة و هوة عم يحاول يخبي نشاطو عن والدتو الفاضلة، اللي ما كان بدها من الدنيا شي إلا تشوفو لحسن صيدلاني أد الدنيا و ماشي على خطى عيلتو الكريمة..

حسن من الشباب اللي أحرجو بشار الأسد بشكل جدي، لما نفى الأخير قصف الرمل بالدبابات و البوارج.. فقرر هالشب يقعد على سطح بناية لمدة خمس ساعات لحتى يقدر ياخود لقطة لدبابة عم تقصف المدينة..

وبالفعل كان ألو اللي رادو، و اتسجلت بالثورة أول مقطع لدبابة عم تقصف الاحياء السكنية و أرسل الفيديو للقنوات المغرضة و كذبو لبشار الأسد اللي كذبو ما بحاجة لإثبات..

حاول يوصل صوت و وجع اللادقية لكل منبر إعلامي، حتى أنو أرسل بالفيديوهات و الصور لأوبرا وينفري..

و بيوم من أيام آذار 2012 و بأحد جولاتو بالسيارة مع أحد الشباب المطلوبين، بيوقفو عند حاجز طيار و بيعتقلو الاتنين..

بالفرع استغربو تماما..

شو علاقة هالشب المطلوب بهالطالب الصيدلاني اللي ملفو الأمني خالي من أي شبهة تذكر غير شبهة حفظ القرآن..

لما ما قدرو بفرع الأمن السياسي و عالرغم من كل أنواع التعذيب اللي مارسوها ضد حسن أنو يحصلو على علاقتو بهالشب و شو طبيعة عملو بالثورة، قرروا يبعتوه على شعبة المخابرات العسكرية بالشام..

و الله بيشهد على كل كلمة عم تنقال هون، إذا حيطان السجن نطقت على حدا باللادقية، حسن نطق ..

الكل بيتذكر من أصحابو لما كان يقلهون: أنا ما باتحمل قتل، بكرة إذا اعتقلوني ما رح أقدر قاوم التعذيب و رح اضطر اعترف عليكون كلكون..

و مع هالشي حسن ما حكي و لا كلمة بالمعتقل عالرغم من كل صنوف التعذيب اللي اتعرضلها..

بليلة عيد ميلادو 17 أيار من عام 2012، بيجي التلفون بالليل لوالدو باللادقية:

تعا عالشام استلم جثة ابنك..

لما بيوصل أبو حسن و بيشوف جثة ابنو و بالكاد قدر يتعرف عليها من كتر الحروق اللي بوجهو و آثار التعذيب على كل جسمو، كان رح يصاب بذبحة قلبية لولا رحمة رب العالمين..

“ما رح نبعت ابنك عاللادقية، نحنا رح نقوم بواجب الدفن”..

و بالفعل اندفن حسن بمكان ما بالشام، و طلعتلو جنازة باللادقية باتليق بابطال الثورة..

حسن أزهري..

17 أيار 1988

17 أيار 2012

الحكمة:

كتبت يوم اللي اتوفى الشهيد حسن..

الله يرحمك يا صديقي حسن و يسامحك..

يسامحك لأنك ما تركت عندي دموع ابكي عالشهدا اللي رح يلحقوك..زياد الصوفي – مفكر حر؟

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

كعكة الموازنة بحاجة الى سكر زيادة

 هاهي ثلاثة اشهر مرت من العام الجديد والميزانية لم تقر بعد ويمكن لخبراء الاقتصاد ان يحددوا رقم الخسائر التي تتكبدها الحكومة في تعطيل العديد من المشاريع،هذا ان وجدت، اضافة الى مسحقات وديون الشركات المحلية والعالمية والفوائد المترتبة عليها.

انتشرت اشاعات كثيرة حول سبب عدم اقرار هذه الميزانية ولكنها تبقى ،كما يقول احد المقربين من مجلس الوزراء،تظل في اطار الاشاعات هذا اذا لم تكن “عارية” عن الصحة.

ولكن احد الصحفيين الخبثاء انبرى لمعرفة السبب او الاسباب وبعد ان استعان بالمخربين السريين اكتشف العجب العجاب رغم انه دفع ثلثي راتبه الرسمي ثمنا لهذا الاكتشاف.

توصل هذا الصحفي البطران الى الكتل السياسية قاطبة رغم اختلافها وعراكها مع بعض بالقنادر والايادي الا انها اتفقت على التضامن والتازر لتقاسم الجزء الاكبر من بنود الصرف وخصوصا في قطاع الخدمات.

كتلة رقم 1:تريد مانسبته 30 بالمائة من مخصصات مشاريع البنى التحتية في 6 محافظات لا على التعيين.

كتلة رقم 2: تريد نسبة 10بالمائة من ميزانية وزارة الدفاع لهذا العام والعام المقبل.

كتلة رقم 3: تريد نسبة 5 بالمائة من ايرادات البنك المركزي مع قرض بقيمة مليار ونصف المليار دولار يسدد في 50 سنة وبدون فوائد.

كتلة رقم 4 كانت اكثر تواضعا فقد طلبت مبالغ الرسوم المستحصلة من جميع منافذ العراق الحدودية ولمدة 10 سنوات.

وتحت التهديد بكواتم الصوت اعلنت مليشيات “صرخة الحق،يسقط الباطل، الخلفيون لتحرير العوراق، من اجل الوطن الاب، ابو درع للكهرباء الوطنية، واخيرا جماعة الوكيل الحلال لاسترداد العوراق الضال” ..اعلنت هذه المليشيات بانها ستصعد من حملاتها التفخيخية اذا لم تقبض حصتها من هذه الميزانية ان كان بالدولار او اليورو.

ولم تتفق بعد هذه الكتل والمليشيات على النسب الموضوعة بينما ظلت الكتل غير المشاركة تتفرج الى حين حسم الامور حتى يتسنى لها السيطرة على النسبة الاكبر من هذه الميزانية باستعمال القرعة الديمقراطية.

ويبدي هذا الصحفي البطران استغرابه الشديد من عدم اشتراك مجالس المحافظات في معركة النسب المئوية ولكنه يوعز السبب الى انشغال اعضاء هذه المجالس بمعركة اشد ضراوة الا وهي معركة انتخابات الكراسي.

الا انه يستثني مجالس البصرة وديالى والناصرية..فالاول انتقد نفسه امس نقدا لاذعا بسبب بطء تقديم الخدمات وعدم تنفيذ العديد من المشاريع الخدمية في موعدها المقرر وخصوصا مشروع المجاري الذي سيمر عليه غدا نصف قرن من السنوات والثاني يحاول ان يتخلص من المفخخات التي يزرعها كل يوم ما يسمى بالارهاب ،اما مجلس محافظة الناصرية فما زال يقيم الاحتفالات الواحد تلو الاخر بمناسبة عودة المياه الى مجاريها بالاهوار رغم ان بعض المسؤولين هناك ارادوا ان يجيروا هذهالعودة لحسابهم الخاص ومادروا ان رب العزة رحم الفلاحين والاسماك وقصب السكر بزخات عنيفة من الامطار.

كل الشعب العوراقي مشغول هذه الايام بانتخابات مجاالس المحافظات ولهذا فاقرار الموازنة لاتعني له شيئا خصوصا وان الترويسة التي وضعت في اعلى اول صفحة من مسودة القانون كتب فيها” ايها الشعب راح تقبض من دبش”.تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

انسانيات

1 – في لقاء سابق للاعلامي ” عمرو اديب ” مع ابنة ملك مصر الراحل ” فاروق ” الأميرة فريال – التي رحلت أيضا . منذ سنوات قليلة – . سألها عن كيف كانت تخاطب والدها . الملك ؟

فردت بامتعاض : ما هذا السؤال الغبي ؟ , انه أبي . هل أقول له ” يا جلالة الملك ؟! , طبعا أخاطبه ب : يا بابا .

وفي مسلسل حياة المطربة لراحلة ” أسمهان ” . عندما قابلت والدها الأمير ” فهد الأطرش . خاطبته ب ” يا أمير فهد ” ظنا منها انها هكذا تعظمه , فتسره .

ولكن بدا علي والدها الحزن والأسف . وتمتم بنبالة . و بصوت مسموع . معاتبا اياها : ” يا أمير فهد ؟! , ووالدك يا آمال ؟! ” ( قالها باللهجة السورية )أي انه استصغر مخاطبته ب ” ياأمير ” بجانب : يا بابا …

– آمال = الاسم الحقيقي للفنانة أسمهان .

2 – فتنة أرحم الراحمين …(!) :

تقابلت الأستاذة الجامعية , وشقيقها الذي لم يتلق تعليما . يوم العيد .في بيت العائلة . ما ان هنأته بالعيد . حتي بصق في وجهها ..

سكتت الدكتورة . ولم تفعل له شيئاُ .

السبب انها كانت قد تحولت لدين آخر – البهائية – . ولكن هذا لم يمنعها من زيارة عائلتها في عيدهم للتهنئة . حرصا علي علاقة الود بينهم .والتي يجب ألا تقطعها الأديان .

يا له من شقيق رحيم بشقيقته . ويقدر صلة الرحم – لا اتهكم أو أسخر . بل أقولها بمنتهي الجدية – ..

لأنه لو طاوعته نفسه علي تطبيق العقوبة التي قررتها الشريعة . لجز رقبة شقيقته بالسيف . كما تذبح الدجاجة . حسبما تقضي أحكام شريعة أرحم الراحمين .!. التي أرسلها للرحمة والسلام .. ولكن ذاك الشقيق البار . آثر أن يكون هو الأرحم

أرأيتم من الذي يبث الفتنة والكراهية بين البشر . حتي بين الشقيق وشقيقته ؟

الواقعة ليست من تأليفي . وانما كما رواها لي بنفسه . الصديق ” م . أ ” زوج الدكتورة .

*************صلاح محسن فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

اين الكنيسة في سوريا من تاريخها:ولماذا تسهل هجرة الشباب ؟

تزخر كتب التاريخ السورية قبل السبعينات بقصص عن المواقف الوطنية الجريئة لرجال الدين المسيحيين أمثال مطران الأرمن وكلمته الشهيرة بعد العدوان الفرنسي على دمشق في التاسع والعشرين من أيار عام 1945 حين ذهب إلى وزارة الخارجية ليقول: “لو كان الرب فرنسياً لتركت عبادته.” وطالب جميع الأرمن السوريين المنتسبين لجيش الشرق الفرنسي بالانشقاق عنه، فاستحق فيما بعد وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة قلده إياه الرئيس شكري القوتلي.

 وأمثال البطريرك غريغوريوس الرابع الذي تحتاج سيرته لمدونات طويلة لما له من مواقف تنم عن الايثار والتفاني في خدمة الانسان، ويكفي القول أنه حين وافته المنية عام 1928 استقبلت الحكومة السورية جثمانه على الحدود اللبنانية بمئة طلقة من المدفعية تحية له، فيما كانت الجماهير تصرخ: “مات أبو الفقير، بطريرك النصارى وإمام المسلمين، نزلت بالعرب الكارثة العظمى”! وأرسل الملك فيصل من بغداد إلى دمشق مئة فارس على الخيل ليشتركوا في التشييع، كما يُروى أن الجثمان عندما وصل إلى ساحة الشهداء في بيروت شرع أحد التجار المسلمين يرش الملبس على الطريق قائلاً : “إن هذا القديس قد أعالني أنا وعائلتي طيلة الحرب العالمية الأولى”.

 لكن السؤال الذي يدور منذ عامين في خلد شريحة لا بأس بها من المسيحيين المطالبين بالكرامة والحقوق كباقي السوريين، أين كنيسة اليوم من تاريخها ؟ وأين هي من السيد المسيح الذي طرد الباعة والمتصرفين وقلب الموائد متخذاّ سوطاً من الجلد صارخاً: ويحكم جعلتم من بيت أبي مغارة للصوص..قلة من يذكرون المسيح الثائر الذي بدّل وجه العالم بالمحبة والسلام مكتفين بإدارة الخد الأيسر، والتملص من حتمية الدور التاريخي الملقى على كاهل مسيحيي الشرق الذين يقاس أثرهم بالنوع لا بالكم، مرددين ذات السقطة عن حاكم يحمي وعن نظام يحفظ البقاء، متناسين -عن جهل أو عدم رغبة بالاعتراف- قساوة الأرقام وحقيقة مدلولات هجرة تنامت بين المسيحيين خلال الأعوام الأربعين الاخيرة حتى وصلت في بعض الجغرافية لتغيير ديموغرافي ينذر بالخطر.

 الأسوأ أنه كان ولايزال للكنيسة دور في تسهيل هذه الهجرة سواء بالصمت عن مخاطرها وعدم تكريس الحديث عنها كأولوية في العظات الكنسية للحيلولة والحد دون تفشيها بين أبناء المجتمع كظاهرة، لكن يبقى الأشد سوءاً هو تورط رجال الكنيسة أنفسهم بتسهيل اجراءات غير شرعية، والتوقيع على أوراق تقدم للسفارات، ولذلك امثلة سواء بمباركتهم زواج شبان بفتيات أجنبيات، زيجات يعلمون أنها لن تدوم بل هي لقاء مقابل مادي وستنتهي بمجرد الحصول على أوراق الهجرة، وكذلك تسهيلهم إعطاء ورقة “مطلق حال” للمتزوجين والتي بموجبها يحق للمتزوج/ـة أن يتزوج مرة ثانية بأجنبي/ ـة زواج هو الآخر لأجل محدود، وهذا يعتبر انتهاك صارخ لسر الزواج أحد أسرار الكنيسة السبعة المقدسة والذي نصّ عليه الانجيل.

 إن الحديث عن الفساد المستشري في هجرة الشباب المسيحي يكاد يقشعر له الأبدان ليس لهول المبالغ التي تدفع، وليس لأعداد المهاجرين المتزايدة، بل وللوسائل أيضاً، فحتى إن كنت عازباً يمكنك ببساطة الحصول على دفتر عائلة مقيد عليه اسم زوجة وأطفال، ويمكنك أيضاً في حال كنت غير متعلم الحصول على شهادة جامعية وملكية أراض وعقارات وسيارة وكشف حساب بنكي وشهادات لغة…حتى غدا كل ذلك التزوير حدثاً طبيعياً لا يخجل منه أحد ولا يخشى أحد من افتضاحه بل على العكس مدعاة للفخر…الكنيسة تعلم كل ذلك وتصمت عنه، وأجهزة المخابرات أيضاً.

 رغم أن سوريا تمتلك أقدم الارث المسيحي في العالم من كنائس ومخطوطات وأيقونات حافظ السوريون عليها لآلاف السنين وما زالوا ، لكن الوجود المسيحي فيها مهدد بخطر جسيم – ليس اليوم فقط بل منذ عشرات السنين- خطر لن يزول بل سوف يشتد ليصبح كابوساً رهيباً إن لم يعوا حقيقتهم ويلتقطوا فرادة اللحظة التاريخية ويتعاملوا مع الاستحقاقات الراهنة على أنهم ليسوا ضيوفاً بل كأصحاب أرض وقضية، وحتى إن سلّمنا جدلاً بوجود مؤامرة لافراغ الشرق من مسيحييه – كما يعتقد كثيرون – فإن التحديات الجسيمة التي واجهها المسيحييون الأوائل والتضحيات التي بذلوها لنشر دينهم والدفاع عنه والحفاظ على جوهره النقي تجعلنا نتساءل لماذا و كيف صمد أولئك في زمن الأسود المفترسة والعذابات المهولة؟ أليس من المؤسف أن نعفي أنفسنا من المسؤولية بالانكفاء والاكتفاء بالحديث عن مؤامرة في القرن الحادي والعشرين بينما تقول الأرقام أن المسيحية هي الدين الأوسع انتشاراً في العالم؟

 أما بالنسبة لرجال الدين فليس هناك أحوج للكنيسة اليوم من اعادة التمعن في عظة السيد المسيح الأولى على الجبل وشرعة الحياة المسيحية التي حددها من خلال التطويبات الثمانية، فذاك الذي جاء قبل ألفي عام فقيراً، متواضعاً، معزياً للحزانى واليتامى والأرامل والخطأة، نقي القلب واليد واللسان، ما زال يلح ويقول: ” أريد رحمة لا ذبيحة”.

 سيلفا كورية – زمان الوص

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment