حماية الروس للأسد لا تلغي خطر “داعش”!

putinchurch1«الأسد أو نحرق البلد»، عبارة انتشرت على جدران الشوارع عندما بدأ العصيان في درعا، فجاءت عبارة أخرى كانت بمثابة رد عليها: «نحرق الأسد ونبني البلد»، وتحول العصيان إلى حرب.

عام 2010 قال الأميركيون: «لا بديل عن نوري المالكي» بعد انتخابات خسرها، فصار العراق على ما هو عليه الآن مجزأ، محروقًا، فقيرًا يريد أهله الهجرة منه. الآن تأتي روسيا وتقول بعد نحو 5 سنوات من الحرب: «لا بديل عن الأسد حتى الآن»، مما يعني عودة عبارة «الأسد أو نحرق البلد»، حتى لو كان بقاؤه مرهونًا بحسابات روسية لن يدخل في معادلاتها لاحقًا، لأنه حتى الروس لا يعرفون ما ينتظرهم رغم كل حساباتهم.

بعد أن حول سوريا من لاعب إلى ملعب، لا تقاس وقاحة النظام السوري و«طبوله». في صور للأقمار الصناعية التقطت ما بين أبريل (نيسان) عام 2012 وأبريل هذا العام تبدو سوريا في الأولى وفيها ضوء من مدن وأحياء، وفي الصورة الثانية العتمة والظلام يخيمان على تلك المدن والأحياء. ثم يقول الأسد للتلفزيون الإيراني مساء الأحد الماضي: «بالنسبة إلى النظام السياسي في سوريا فإنه شأن داخلي»، وكأنه لا يزال هناك داخل، أو كأن مصيره شخصيًا ملك يديه. وتنقل مصادر غربية أن عددًا من رجال النظام السوري اشتكوا لموسكو لأن «الأسد تحول إلى دمية من طين بين أيدي الإيرانيين».

منذ بداية الحرب السورية وروسيا موجودة، بعكس أميركا. وباعتراف الجميع أثبتت أنها حليف قوي لرئيس محاصر. زودت نظامه بالأسلحة والمستشارين، وعندما بدأ جيشه يتقهقر ولم يعد سلاحه الجوي قادرًا على ملء الأجواء كما في السابق، تدخلت. لن ترسل قوات برية، وكما تعتمد إيران في حروبها على الميليشيات اللبنانية والعراقية وغيرها، ستعتمد روسيا على قوات من الجيش الإيراني وعلى هذه الميليشيات للقتال برًا.

حسب الطرح الروسي فإن الأسد قوة يعتمد عليها لمواجهة الإرهاب، وبنظر الأسد فإن كل من هو ضد نظامه يعد إرهابيًا. من المؤكد أنه من دون دعم روسيا وإيران لكان نظامه انهار، ولو لم يكن الأسد رئيسًا لسوريا عام 2011 لما وقعت الحرب.

دوافع إيران في سوريا واضحة: فالأسد ينتمي إلى أقلية علوية يساعد بقاؤها في السلطة على تثبيت الهلال الشيعي الممتد، حسب إيران، من العراق حتى لبنان. برأيها، العلويون قريبون جدًا من الشيعة، وبالتالي يجب دعمهم. أما استراتيجيًا فإنها تريد سوريا متعاطفة كجسر بري يصلها بحزب الله في لبنان. ما لا تريد إيران التخلي عنه في العراق هو المناطق الشيعية وبغداد، أما المساحات الباقية فليتفق عليها الآخرون. هذا ما تريده أيضًا في سوريا، المناطق التي يمر عبرها الجسر. لكن المشكلة أن اللعبة الروسية، رغم كل فظاظتها، تبقى براغماتية، إذ لا شيء يمنع موسكو من التقارب والتحالف مع أعداء إيران في المنطقة إذا كان هذا سينمي نفوذها على المسرح الدولي. ثم إنها لا تهتم كثيرًا بالمحافظة أو حماية إمدادات حزب الله عبر سوريا إلى لبنان. طموح إيران أن تصل إلى الجنوب السوري أيضًا، لكن موسكو تعهدت لإسرائيل بأن هذا لن يحصل، والاتصالات بين الدولتين – كما التنسيق – قائمة. ثم إن ديموغرافيا سوريا تلعب ضد إيران، إذ سيصعب، ومهما كان الثمن، إبقاء أكثرية سنية تحت حكم أقلية شيعية، وتنص العقيدة الروسية الآن على تغلغل في مياه البحر المتوسط الدافئة، وموطئ قدم في الشرق الأوسط، وهذا ما تفكر فيه إيران أيضًا.

عندما انهار الاتحاد السوفياتي شعرت روسيا الفيدرالية بأنها لم تعد قوة عظمى تجب استشارتها، وصارت النكات الأميركية تطلق على أن روسيا جمهورية موز من دون موز. ومع الفشل الأميركي في مواجهة النظام السوري، وتحول تهديدات الرئيس الأميركي باراك أوباما بوجوب ذهاب الأسد إلى نكات، شعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الفرصة توافرت له. هناك سوريا، وبالتالي لا حل لها أو فيها من دون روسيا.

بالنسبة إلى روسيا في سوريا، في 24 من الشهر الماضي قال الجنرال فيليب بريدلاف، قائد القيادة الأميركية في أوروبا والمسؤول عن عمليات الحلف الأطلسي، إن «الروس يبنون دفاعات جوية بعيدة المدى في قاعدة جديدة في حميميم على الساحل السوري من اللاذقية». وتحدث عن فقاعة روسية جديدة تمنع الوصول الجوي إلى شرق المتوسط، وذلك، حسب الجنرال بريدلاف، لإبقاء الدول الغربية بعيدة عن المجال الجوي فوق سوريا أو بالقرب منها، مضيفًا أن قتال «داعش» لا يبدو أن له الأولوية في الحسابات الروسية، وأن القوات الجوية وبينها طائرات «سوخوي – 40» وصواريخ «أرض – جو» ستعّقد عمليات الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا وأبعد من سوريا. وشرح أن هناك فقاعتين روسيتين الآن؛ واحدة في كالينينغراد بين بولونيا وليتوانيا، تمكن الصواريخ الروسية من الوصول إلى الأجواء البولونية، وإيقاف تعزيزات الأطلسي، وأخرى في البحر الأسود، حيث أدى احتلال الروس لشبه جزيرة القرم إلى إنشاء منطقة تمنع الطائرات الغربية من الوصول إليها.

وفي 24 من الشهر الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها ستجري في شرق البحر الأبيض المتوسط ولمدة شهر مناورات وتدريبات بالذخيرة الحية، بما في ذلك إطلاق صواريخ وقذائف المدفعية في البحر ونحو أهداف محمولة جوًا. ورغم إشارة الوزارة إلى أن هذه العملية تم التخطيط لها طوال عام، فإن المتابعين ينظرون إليها على أنها استعراض من موسكو لعضلاتها.

وإضافة إلى رغبة بوتين في استعادة موطئ قدم في المنطقة وتحصين الأسد لفترة محدودة حتى «تاريخ انتهاء مدة صلاحيته»، هناك قلق استراتيجي روسي حقيقي، وهو وقف انتشار «المتطرفين الإسلاميين» كي لا يعودوا إلى شن عمليات إرهابية داخل روسيا أو ضد مصالحها في آسيا الوسطى وشمال القوقاز. ويأمل النظام السوري من التدخل الروسي أن يعزز سيطرة دمشق على المحور الذي يمتد من العاصمة إلى المدن المتنازع عليها، حمص وحماه، والمعاقل الساحلية، طرطوس واللاذقية، وهي المنطقة التي كانت تمثل الجزء الأكبر من الكثافة السكانية قبل الحرب. ويأمل كذلك أن تسهم الغارات الروسية في القضاء على جميع المتمردين المسلحين، وإعادة احتلال العاصمة الاقتصادية حلب.

الدعم الإيراني لم يمنع هزيمة النظام في إدلب القريبة من القرداحة، المعقل الاستراتيجي للنظام ومسقط رأس الأسد. سقوط إدلب نشر الذعر في قلب اللاذقية.

بالنسبة للنظام ومؤيديه في معقل العلويين فإن إبعاد المتمردين عن الساحل السوري يشكل أولوية عن القضاء على وجود «داعش» في مناطق بعيدة مثل دير الزور.

وقال مايكل فالون، وزير الدفاع البريطاني، يوم الأحد الماضي، إن «سوريا تستحق أن تتحرر من الأسد ومن (داعش)». ورغم تأييد أوروبا الضمني للعمليات الروسية، ودعوات عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي إلى تأييدها أيضًا، فإن حماية نظام الأسد، ولو مؤقتًا، لا تلغي خطر «داعش»، إذ لا يمكن، كما تفكر الإدارة الأميركية، تطويقه وتركه يتعفن. إن عدم محاربته سيؤدي إلى انتشار الإرهاب في جميع أنحاء العالم، ولن يكون بالإمكان التحكم فيه في كل مكان. ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين إن «الوقت إلى جانب (داعش)، التنظيم لا يريد أن يتفاوض مع أحد، التردد والعمليات غير الفعالة يسمحان له بالانتشار والتقدم لإقامة دولة الخلافة، وإذا تركت مواجهته لوقت لاحق فإنها ستزداد صعوبة، والنتيجة لن تكون مؤكدة».

ويضيف: «على روسيا أن تدرك أن الدولة التي ستنشئها للأسد لن تسلم من خطر هذا التنظيم، لذلك يجب إنقاذ كل سوريا، وهذا لا يكون إلا بحرب تشارك فيها جيوش عربية وأميركية وأوروبية وروسية. هذا هو الحل الوحيد المتوافر، وبطبيعة الحال هو من أسوأ الحلول، لكن هزيمة 30 ألفًا من الراديكاليين الحاسمين المجهزين تجهيزًا جيدًا، والذين تهرب منهم الشعوب، ممكنة الآن قبل أن تتوسع رقعة انتشارهم ويتضاعف عددهم».

* نقلا عن “الشرق الأوسط”

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

كفتة البطاطا من سويسراPotato rosti

rostismallالمقادير
حبتان كبيرتان من البطاطا
ثلاث ملاعق زبد
ثلاث ملاعق زيت للقلي
ملح وفلفل أسود

العمل
نقشر البطاطا ونبشرها ناعم . نقوم بعصرها لتخليصها من الماء . نفرش فوطة مطبخ ونضع عليها البطاطا المبشوره ونجففها جيداً . نرش البطاطا بالملح والفلفل ونعجنها . نقسم البطاطا الى اربعة أجزاء . نسخن زيت القلي في مقلاة غير قابله للإلتصاق وبعد ان يسخن نضيف له الزبد . نستعمل حلقة قلي لتشكيل البطاطا على شكل دائري داخل المقلاة . نضع الحلقه الدائريه في الزيت ونستعمل الملعقه لتنزيل البطاطا داخل الحلقه ثم نضغط عليها بظهر الملعقه لكي تتماسك البطاطا . نكرر العمليه مع بقية اجزاء البطاطا . نقلي على نار متوسطه الى ان تتحمر الحلقات على الوجهين . نخرجها ونضعها على ورق تنشيف لسحب الزيت الزائد وبعدها تنقل الى طبق التقديم .. شهيه طيبه

Posted in طبق اليوم \د. ميسون البياتي | Leave a comment

الشهداء الإسرائيليون والقتلى الفلسطينيون

mostafalidawi“سقط اليوم شهيدٌ إسرائيلي، كما سقط قبل يومين شهيدان إسرائيليان آخران، طعناً بسكينٍ على أيدي شابين فلسطينيين، الأمر الذي دفع بالشرطة الإسرائيلية وبعض المواطنين المسلحين بمسدساتٍ، لإطلاق النار على الشابين دفاعاً عن أنفسهم وآخرين، فأردوهما قتلى، مخافة أن يستهدفا المزيد من المواطنين، ومما هو جديرٌ بالذكر أن المناطق الفلسطينية تشهد غلياناً وتصعيداً لافتاً، نظراً لقيام الفلسطينيين بمنع اليهود من ممارسة طقوسهم الدينية في الأماكن التي يعتقدون أنها مقدسة حسب عقيدتهم الدينية، ويصرون على الاستئثار بالأماكن المقدسة وحدهم، ويرفضون التقاسم العادل والتعايش السلمي المشترك”.

هذا الخبر ليس منقولاً عن محطةٍ تلفزيونيةٍ إسرائيلية، ولا هو مقتبسٌ من نصٍ إعلامي أو محررٍ صحفي إسرائيلي، ولا هو صياغة مدونٍ أو كاتبٍ هاوٍ ، كما أنه ليس نصاً رسمياً صادراً عن الحكومة الإسرائيلية، ولا هو بيانٌ صادرٌ عن وزارة الخارجية أو بلسان أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش العدوان الإسرائيلي الذي يتقن اللغة العربية، وتستضيفه العديد من القنوات الفضائية، كما أنه ليس مقتبساً عن محطةٍ إعلاميةٍ أجنبيةٍ، غربيةٍ أو أمريكية، مؤيدة للكيان الصهيوني ومناصرةً له.

إنه خبر صادرٌ عن محطةٍ إعلاميةٍ عربيةٍ، تبث من وطننا العربي، وباللغة العربية، وتستهدف القطاع العربي كله، وتلقى احتراماً وتقديراً من السلطات العربية، ولها على الأقمار الاصطناعية العربية مكانٌ محفوظٌ وترددٌ محجوز، وقد تتلقى مساعداتٍ ومعوناتٍ أهليةٍ ورسمية، لتتمكن من أداء مهمتها الإعلامية، والقيام بالواجب الوطني الملقى على عاتقها، وقد سمع نص الخبر مسؤولون ومتابعون، وناقدون ومشرفون، ممن يراقبون الكلمة، ويقفون عند الفكرة، ويراجعون كل نصٍ ويقفون عند كل صورة، وينتقدون كل حركة، لكنهم سكتوا عن النص، وكانوا قد وافقوا على نشر الخبر.

ربما يستغرب البعض أو ينكر أن يكون هذا النص قد صدر فعلاً بلسان مذيعةٍ عربيةٍ شابةٍ، ذلقة اللسان، حسناء الوجه، تهتم بمظهرها، وتحرص على شكلها، ولكنها لا تهتم بما يصدر عنها، أو ينطق به لسانها، فهذا آخر همها، إلا أنها قد لا تكون مسؤولةً عن النص، ولا محاسبةً عن فحوى الخبر، إنما هذا من مسؤولية المشرف عن نشرة الأخبار والمعد لها، إلا أن المسؤولية تتوزع عليهم جميعاً، فلا نبرئ منها المذيعة ولا المعد ولا المشرف ولا المخرج، بل كلهم سواء في هذه الجريمة القيمية، التي تمس عقيدة الأمة الوطنية، التي تربت عليها ونشأت، وضحت في سبيلها وقدمت، والتي ما زالت بها تتمسك وعليها تحرص.

الحقيقة أنها ليست محطة واحدة، بل تعددت القنوات ووسائل الإعلام العربية التي تصف الشهداء الفلسطينيين بالقتلى، وتتجنب أن تطلق عليهم الوصف الذي اختاره الله لهم بأنهم شهداء، و تتعمد أن تسيئ إليهم، ولا تقدرهم حق التقدير، رغم أنهم بشهادة رب العزة مكرمين وأخياراً، وأنهم خيرته من خلقه، وصفوته من عباده، وأنه سبحانه الذي اختارهم واتخذهم شهداء، وقد وعد أن يجمعهم يوم القيامة مع الأنبياء والصديقين، كما شفعهم بسبعين من أهلهم، تقديراً لمكانتهم، وحفظاً لقدرهم، وتعهد سبحانه وتعالى بأن يحفظ ذكرهم عبقاً وسيرتهم حسنةً في الدنيا والآخرة.

عجيب ما آلت إليه بعض سلطاتنا العربية، التي حادت عن الحق، وابتعدت عن الصراط، وجانبت الصواب، وقلبت الموازين وشوهت الحقائق، واستبدلت قيمها السامية بغيرها دونية، ومعانيها النبيلة بغيرها دنيئة، وكانت المعالي غاياتها فأصبحت الدنايا طريقها، عندما انحازت إلى الباطل، ومالأت الظالمين وناصرت المعتدين، وساندت القاتل، وأيدت المحتلين الغاصبين، وقلبت لأمتها ظهر المجن، بعد أن انقلبت على إرث الأجداد، وعطاءات الآباء وتضحيات الأبناء، فبخست في دمائهم، وأهانت أرواحهم، وفرطت في المجد الذي بنوه، وفي سنائم العز التي رفعوها.

لا تستغربوا ما سمعتم ولا تستغربوا ما قد تسمعون في المستقبل، فهذه مطالبٌ إسرائيلية، وهي شروطٌ أمريكية، تمليها على الحكومات العربية التي تسعى للبقاء، وتخشى على نفسها من الرحيل من مواقعها، وتتحسب من الانقلاب عليها، فقالوا لهم إن ضمان بقائهم واستقرار حكمهم يكمن في رضا الكيان الصهيوني عليهم، وفي الاعتراف بشرعية وجودهم، وأحقية ملكيتهم للأرض التي يقيمون عليها، والتي كانت ملكاً لأجدادهم، ومجداً لملوكهم، وإرثاً عن أنبيائهم، ومنحةً من الرب لهم.

يشعر الإسرائيليون أنهم باتوا الأقوى والأقدر على فرض القرار وإملاء السياسات وتحديد المسارات، وباتت الدول الكبرى تسعى لمصالحها، وتؤمن احتياجاتها، وتحمي وجودها، وتصل من وصلهم، وتقطع من قطعهم أو حاربهم، لهذا يظن الحاكمون أن ممالأة الإسرائيليين قوةٌ لهم، واستمرارٌ لحكمهم، واستقرارٌ لبلادهم، وأنهم إن أطاعوهم واتبعوا أمرهم، فإنهم يكفلون لهم المستقبل، ويكفونهم غضب شعوبهم وثورتهم عليهم، ويطلبون من كبريات العواصم الدولية أن ترحب بهم، وأن تمد لهم يد المساعدة، وألا تضيق عليهم أو تحاصر بلادهم، طالما أنهم يؤيدون الحق الإسرائيلي ويؤمنون بشرعيته.

خاب من صدق الإسرائيليين واتبع هواهم، وضل من سار على نهجهم ونفذ تعليماتهم، وتباً لخائفٍ منهم وجبانٍ أمامهم، وتعساً لقتلاهم وموتاهم، وسحقاً لمن طالتهم أيدي المقاومين وخنقتهم، أو نالت منهم بنادقهم ومتفجراتهم فقتلتهم، فما هم إلا غاصبين معتدين، مارقين فاسدين، جيفاً معفنين، يستحقون الموت قتلاً، والفناء حكماً، فلا مقام لهم بيننا، ولا حق لهم عندنا، ولا شرعية لوجودهم معنا.

أيها الأبطال البواسل، والرجال الشجعان، أيها المضحون بأرواحهم، والسابقون بجهادهم، ستبقون أنتم الشهداء، والشموع التي تضيء لنا الطريق، والمثال الذي به نقتدي، والدرب الذي عليه نمشي، وسنرفع بكم الرأس ونفاخر، وسنتيه بتضحياتكم ونزهو، فأنتم من رفع رايتنا، وأعلى كلمتنا، ونصَّعَ صفحتنا، وجعل لنا بين الأمم مكانة مرموقة، وكلمة مسموعة، وهيبةً مخيفة، فلن نفرط فيكم، ولن نسمح لجاهلٍ أن يؤذيكم، ولا لمتخاذلٍ أو يتطاول عليكم، ولا لعدوٍ أن ينال منكم، فأنت العين والشامة، والجبين والرأس العالية الشامخة، طاب محياكم، وخلد الله في الأرض والسماء ذكراكم.

بيروت في 8/10/2015

Posted in فكر حر | Leave a comment

الشاعر الأمريكي لانغستون هيوز

amercanpoethues

د. ميسون البياتي

ولد جيمس ماركر لانغستون هيوز عام 1902 وتوفي عام 1967 وكان شاعراً وناشطاً اجتماعيا وروائي ومسرحي وكاتب صحفي . ويعد واحداًمن اوائل الذين كتبوا ( شعر الجاز ) وهو الشعر الذي تشبه موسيقاه موسيقى الجاز ويعرف بانه واحد من قادة الحركه الشعريه المسماة ( عصر نهضة حي هارلم ) التي بدأت منتصف العشرينات من القرن الماضي

ينحدر هيوز من عائله افريقيه امريكيه وقد ولد في ولاية ميسوري وعاش في العديد من مدنها الصغيره , هجر والده العائله وفيما بعد تطلق من زوجته وسافر الى كوبا ثم المكسيك هربا من التفرقة العنصرية السائده في الولايات المتحده الأمريكيه

بعد الطلاق سافرت والدة هيوز للبحث عن عمل فبقي مع جدته لوالدته وهي التي ربته وبعد وفاتها ذهب للعيش مع بعض الأصدقاء وكتب عن ذلك فيما بعد في مذكراته انه كان حزيناً ووحيداً ولم يعد يؤمن بشيء غير الكتب والعالم العجيب في الكتب حيث البشر حين يتعذبون فهم يعبرون عن ذلك بلغة جميله وليس بمجرد همهمات لا معنى لها

عاد للعيش مع والدته وكانت قد تزوجت من جديد ودخل المدرسة الإعداديه حيث تم انتخابه ك ( شاعر للمدرسه ) بسبب نمطه الشعري في كتابة شعر الجاز

عمل هيوز في وظائف غريبه , فقد عمل بحاراً على متن احدى السفن وغادر الى اوربا وغرب افريقيا وبقي في رحلته 6 أشهر ثم اقام إقامة مؤقته في باريس بعدها انتقل الى لندن ثم عاد الى الولايات المتحده الأمريكيه عام 1924 ليعمل مساعداً للمؤرخ الأمريكي كارتر وودسون لكنه ترك العمل وفضّل عليه العمل كنادل في احدى الحانات حيث تعرف على الشاعر فيتشل ليندسي الذي أعلن هيوز شاعراً عبقرياً جديداً من الشعراء السود , فتم نشر أعمال هيوز في الصحف وقد قام بجمعها فيما بعد وأصدر منها مجموعته الشعرية الأولى

انتسب الى جامعة لينكولن وبعد حصوله على البكالوريوس عام 1929 عاد الى نيويورك ثم سافر الى الإتحاد السوفييتي وأجزاء من منطقة الكاريبي وخلال الثلاثينات من القرن الماضي كان يقيم في نيوجيرسي

يعتقد كثير من الباحثين بأن هيوز كان مثلياً جنسياً بسبب تضمن قصائده الكثير من مواضيع المثليه . كاتب سيرته الذاتيه ( ارنولد رامبرساد ) كتب بان هيوز كان يفضل في حياته وعمله النماذج الأفريقيه الأمريكيه من الرجال لكنه نفى عنه صفة المثلية الجنسيه , بينما باحثون آخرون يؤكدون عليه هذه الصفه من خلال عرضهم لعدد من قصائده غير المنشوره والتي تتغنى بالمثليه

في 22 مايس 1967 توفي لانغستون هيوز بعد مضاعفات ألمت به جراء عملية جراحيه لسرطان البروستات وكان في 65 من العمر ودفن رماده في ( مركز شومبرغ لثقافة السود في حي هارلم ) في بهو حمل عناون ( الأنهار ) تخليداً له في قصيدته ( الزنجي يتحدث عن الأنهار ) والتي قال فيها : لقد غدت روحي مثل أنهار عميقه

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

تجربتي بالحج

bstoneعندما شاهدت مشهد الحجاج وهم يتدافعون ويتقاتلون تذكرت اول حجة لي عندما كان عمري ١٦ سنة ذهبت للحج برغبة واصرار وايمان كبير لقضاء هذا الفرض. آنذاك لم يكن هناك حملات حج منظمة كما لم تكن التوسعات الجديدة الحالية موجودة فكان التنظيم عشوائي اكثر من الآن بمراحل ، اما المشهد فكان رهيب جداً مليون ونص حاج في بقعة صغيرة يُكبرون ويُهللون في مشهد ايماني مهيب وروحاني. مرّ اول يوم بسلام وفرح وايمان ولكن حدث ما لم اكن اتوقعة وهو تدافع (للعلم تدافع الحجيج منذ القدم لكن اعداد الموتى كانوا لا يتجاوزون المئة ) تدافع عكسي بسبب عشوائية التنظيم فهناك من يذهب لرمي الجمرات واعدادهم مهوله، انه موج بشريّ طاحن يعودون وبعد ٢٠٠ متر يواجهون مئات الالاف من الحجاج الراغبين بالرمي وهنا يصطدمون ببعض ويتدافعون وحدثت الكارثة عندما رأيت مسنّة باكستانية تطأها اقدام الحجاج وكانت تستنجد بربها تقول ( يا الله يالله ) ذهبت محاولاً انقاذها لكن كيف اصل اليها بين الالاف الهمج ، لدي قدرة بدنية عالية فتجاوزتهم ضرباً ودفعاً للوصول وعندما وصلت اليها غاب صوتها وفارقت الحياة فيما اقدام الحجاج لا تزال تطأها وكأنّها حشرة تحت اقدامهم. بكيت كثيراً وانا اشاهدهم يطأون العجوز وهي ميته، ذهبت للشرطي بطرف الرصيف الآخر يقف هناك كالمزهرية ( لا ينش ولا يهش ) شرحت له ما حدث فقال يا رجل كمل حجك! قلت بلغ الإسعاف على الأقل فأبلغهم ودخل الإسعاف وسط الجموع البشرية لينتشلوا الجثة.
الحج هو الهمجية ومازال كذلك وسيستمر بسبب هذه الأعداد التي تتجمع بمكان واحد .

الحج يعطيك انطباع بأنّه اكبر تجمّع بشري قذر ووسخ ومقرف ، الشوارع مليئة بالأوساخ والروائح، حفائظ الأطفال حتى فوط النساء تجدها على الرصيف، براز، بول.. الخ . فضلاً عن روائح العرق التي تفوح بكل ارجاء المكان لذا كنت اضطر استعمال عطر معي لمنع الشعور بالغثيان بسبب الروائح.

المهم انني لم اكمل الحج وقررت الذهاب للفندق..

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

DNA- نصرالله..السعودية..والخطر الوجودي- 07/10/2015

DNA- نصرالله..السعودية..والخطر الوجودي- 07/10/2015
nadimqouteish

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

نائب المتحدث الرسمي مارك تونر يتحدث عن تصريح وزير الخارجية الروسي حول الجيش الحر

نائب المتحدث الرسمي مارك تونر يتحدث عن تصريح وزير الخارجية الروسي حول الجيش الحر
usempassydamascus

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

بالفيديو داعش تجبر المسيحيين بالقريتين بسوريا على دفع الجزية

بالفيديو داعش تجبر المسيحيين من اهل القريبتين بريف حمص الشرقي على دفع الجزية
ISIS Video: Christians Forced to Pay Jizya Poll Tax in Syrian Town of Qaryatayn
traficticketdaiish

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

شعير

egyptladyfarmإذا كان الشعر هو “ديوان العرب” فإن “العديد” هو السجل الذي تواطأ الجنوبيون دون قصد منهم علي تدوين مغامراتهم في الوجود وتجاربهم وخياراتهم الجماعية من خلاله، عندما حدث ذلك، كانوا يعرفون أنهم إنما يكتبون مراراتهم شعرًا، وهذه امرأة حزينة تطلب امرأة مثلها تقول القصائد لتبكي هي علي ايقاعاتها:

شوفوا لي حزينة متلي.. هي تقصِّد وأنا أبكي!

إنه الشعر لولا أنه ركيك ومباشر، ربما لأنه كان يقال ارتجالاً في ذروة اللحظة الحزينة ثم يعلَّب للاستعمال في المآتم القادمة دون محاولة منهم لترقيته أو تهذيبه، من هذه الناحية يمكن القول بأن معظمه خواطر حزينة، مع ذلك، يضاهي بعضه الشعر الراقي رقيًا، كهذه البنت التي تشكو من أن البيت بعد غياب أمها أصبح مسيجًا لا يعرف الزائر كيف يدخله، كأنما يحرسه عبيد يتكلمون لغة مجهولة، تلك الوحشة وذلك السور مع تضارب اللغات يأخذ “العدودة” إلي مرتفعات حسية شاهقة:

يا بيت أمي زرَّبوه (سوَّروه) داير.. تخشُّه منين يا اللي تجيه زاير؟

يا بيتها ياما زربوه قرطم.. حطّوا علي بابه عبيد ترطن!

ومن المؤسف أن الجنوبيين الجدد توقفوا عن التدوين واكتفوا باستخدام تراث أجدادهم، حتي مظاهر الحزن نفسها شحبت جدًا، لا لأن دواعي الحزن قد انخفضت، بل لأنه بات أليفاً، لقد نجح القهر المنظم في أن يدفعهم إلي الإيمان بأن السعادة بعيدة المنال، وبأنها ليست متاحة إلا للأغنياء لا لأمثالهم:

الفرح غالي ماهوش لكل الناس.. جوَّه مدينة,, وقفولها نحاس..

الفرح غالي في صناديقه.. وأش جسّر (جرّأ) الفقري يمد ايده!

ولربما لو لم تنضج جلودهم الداكنة تحت أشعة الألم لما تمكنوا من الصمود حتي الآن في بلدٍ يعمل حكامه المتعاقبين علي نبذهم وتهميشهم وإغراقهم في صراعاتٍ أهلية أسباب بعضها من شأنه أن يُهيِّجَ الضحكات، برغم هذا، وربما بفضله، لم تفارق أعماقهم مفردات الوطن الذي يطمحون إلي الحياة فيه أبدًا!

من الواضح طبعًا أن مجتمعات الجنوب غير سليمة في تفاعلها كعادة كل المجتمعات القبلية، مثل هذه المجتمعات الراكدة من الصعب أن تصاب بالشيزوفرنيا لأن هذه تستهدف الأصحاء فحسب، مع ذلك، كل من عايش الجنوبي يعرف جيدًا أنه المصري الأكثر انصياعًا للحزن وإخلاصًا له، وكل من تعرف علي شعراء الجنوب، كـ “أمل دنقل”، و”صلاح عبد الصبور”، و “عبد الرحيم منصور”، أو حتي “عبد الرحمن الأبنودي”، اكتشف بالضرورة أن أشعارهم ما هي إلا فصول أضيفت حديثاً إلي “كتاب الموتي” الذي ألَّفه آباء الجنوب الأوائل، مفردات حبلي بأصداءٍ لأحزان قديمة، ونفوس ممزقة يثقلها القهر، وأرواح مرتعشة تبحث عن ملاذ مراوغ، وأعماق مكدسة بمشاعر الإحساس بالغربة، وعناقيد الحنين المؤلم تتدلي من كل حرف!

مثل هذه المجتمعات أيضًا في بلد لا يطال القانون فيه إلا الضعفاء من الضروري أن تمجد القوة، فهي الطريقة الوحيدة للدفاع عن النفس، وليس غريبًا أن يكون الوصف بالطول أشهر الصفات التي يكيلونها للمتوفي:

اتنين والغاسل، دخلوا له.. أبو طول وافي، كيف عملوا له؟

وفي السياق نفسه، لأن معظم معارك الجنوب قديمًا كانت تدور بالعصي، استحوذ طول عصا الميت وغلظها، وقوة ذراعه تحديدًا، علي مساحة لا بأس بهم من مراثيهم، وهذه معددة تطلب من عائلة الميت الذهاب إلي صانع الشوم والزان شمال البلدة ليختاروا أثقلها للميت:

بحري البلد خرَّاط يخرط زان.. نقوا (اختاروا) الرزينة (الثقيلة) لابو دراع عجبان

بحري البلد خراط يخرط شوب.. نقوا الرزينة لابو دراع منصوب

ويصل توقع المهانة بالمرأة بعد موت فقيدها أحيانًا إلي اختزاله في ذراع فحسب:

يا دود كُلْ منُّه وخلِّي لي .. خلي دراع السبع يحميني

للشارب الجهم أيضًا حضوره القوي في مراثيهم لاعتقادهم أنه من أمارات القوة:

دود البلا يلعب علي شنبك.. ما اسرع تراب القبر ما طلبك!

ولا يزاحم الوصف بالقوة في المآتم كالوصف بالكرم، فالميت دائمًا كان كريمًا لم يحاسب زوجته علي مئونة البيت يومًا، ولم يغضبها:

عاش عمره ما كيَّل المونة.. ولا ست بيته جات مغبونة (مظلومة)

من الجدير بالذكر أن الجنوبيين متهمون بالغفلة، ونحن الجنوبيون بوصفنا المعنيون نضحك كثيرًا من الذين يرجموننا بهذه التهمة، ويقول الواحد منا لنفسه: دعهم فإنهم لا يعرفون أننا برغم قسوة الجغرافيا علينا وابتعادنا عن العاصمة نسبقهم وعيًا بمئات السنين، لا يعرفون أن هذا اتهام يروجه المستعمر ويوقظه كلما هدأ لنصدق نحن أننا هكذا، وبالقدر نفسه، ليبقي وشائج التوتر بين المصريين متصلة، ونصيب الجنوب من هذه الوشائج هو النصيب الأكبر، فقلما تنطفئ معركة في الجنوب قبل أن تقطع وعدًا بمعركة قادمة، وربما معارك، وما أكثر الذرائع وأتفهها، وهذه مكيدة كل الأنظمة!

نقول أيضًا لأنفسنا: يكفينا فخرًا أننا نعرف أن شعار “يسقط يسقط حكم العسكر” كان يتردد في مآتم الجنوب قبل أن يتوصل غيرنا إليه بمئات السنين:

يا اولاد الحكومة يا غز يا عسكر .. ولا تمسحوا اسمي من الدفتر

هنا فقط انهارت لأول مرة تلك الحدود الفاصلة بين الغزاة والعسكر!

كما كانوا يملكون من وضوح الرؤية قدرًا جعلهم ينتبهون إلي كل مفردات الدولة العميقة، واعتبروا القضاء أهم أدواتها علي الإطلاق، وفيما بدا أنهم كانوا واثقين من صحة ما توصلوا إليه، لم يجدوا غضاضة في أن يقسموا بالله، وهذا نادر جدًا في يوميات الجنوبيين، أو من عايشتهم علي الأقل:

واللهِ النيابة سورها مخلَّعْ.. وتخشَّها الجدعان تتمنَّعْ

واللهِ النيابة قدَّامها روبة (وحل).. وتخشها الجدعان مغصوبة

لقد سردوا مفردات الدولة العميقة في وعي مدهش، وها هم علي لسان الميت الذي كان في حياته قويًا مهابًا لا يخشي السلطة فهو يخوض بلسانه في جابي الضرائب المسيحي مؤكدًا أنه هو وحده الذي بإمكانه أن يحاسبه، كتبوا هذه الخاطرة:

قال للنصاري يا كلب يا ديري.. دير الحساب لا يحاسبك غيري

وهذا كلام مناسبات، لم يكن يحدث في الحقيقة، لكنه يعكس استغراقهم في الحلم بوطن هذه مفرداته، ما كان يحدث في الواقع هو أن جابي الضرائب كان يدهم صباحاتهم في حراسة تجريدة، وكانوا يضربون بقسوة شديدة، وعندما يذهب الغزاة آخر النهار يصبح مصدر فخر أحدهم الوحيد هو كثرة عدد الجلدات التي تحملها قبل أن تسقط العملة النقدية قيمة الضريبة من فمه، ولعله كان يفتح في المساء داره لاستقبال المهنئين!

ولا تستعجل أرجوك في اتهامهم بالعنصرية والاستهانة بالأقليات قبل أن تعرف أن هذه الكلمات كانت تتردد في مآتم الأقباط أيضًا، ذلك أن الأقباط حتي وقت غير بعيد كانوا شركائهم في العجز حقيقة، وما يبدو الآن من مظاهر التوتر والكراهية بينهم مدبرة ومقصودة وللأسف حقيقية، كما أنهم برأوا أنفسهم ضمنيًا من تهمة العنصرية حين خاطبوا صراف المال بصيغة الجمع وهو مفرد، كأنه يعتقدون أن كل النصاري هو جابي الضرائب، فالميت لا يشتمه لكونه قبطيًا، إنما بوصفه صرافاً فحسب..

بمرور الأيام وعصفها بالأرواح، تسربت إلي خواطرهم أصداء تاريخية لأحداث لم يسمعوا عنها أبدًا، كيف صمدت في ذاكرة المكان؟ لا أحد يدري، فبرغم أن التوتر بين الشمال والجنوب قديم جدًا، ما زالت مراثي الجنوب شاهدةً عليه، ولعلها هي التي أمنت له سهولة الانتقال من جيل إلي جيل بأمانة، وما زالت لعبة التحطيب شاهدة عليه أيضًا، ذلك أن اسم التحطيب في لهجات الجنوبيين حتي الآن هو: (سوَّة)، وهي ليست إلا المفردة الفرعونية: “سوَّت” وتعني “الحلفا البري” وصلت إلينا محرفة قليلاً، ولهذا الاسم سبب تاريخي، هذا هو:

كان نبات “الحلفا البري” هو شعار الجنوب في حربه الظافرة علي الشمال الذي اتخذ من النحلة شعارًا، عندما قرأت هذه المعلومة لأول مرة حدثت نفسي لماذا لا تكون لعبة النحلة هي ذكري لتلك الحرب البعيدة أيضًا؟ لماذا لا يكون الشماليون قد ابتكروا لعبة النحلة ليخلدوا ذكري مقاتليهم عندما كان المقاتل الصعيدي يمسك برأس أحدهم بين أصبعيه ويديره فيظل يدور علي الأرض حتي يسقط قتيلاً؟ وأيًا كان الأمر، لقد انتهت المعركة قبل آلاف السنين، مع ذلك، ما زالت رحاها تدور في مآتم الجنوب، ولحسن الحظ، جعلنا موت بعض الجنوبيين في الغربة نحظي بالكثير من الدفقات الشعورية التي تمزق النفس، علي سبيل المثال، هذه أم تعتذر لابنها لأنها يوم موته (عدمه) لبعد المنطقة (الملقة) تناولت عشائها، وهي تلقي باللوم علي نفسها لأنها لم تشعر بموته، وهي تقسم علي ذلك بـ (حرام):

يوم عدمك فتِّيت واتعشيت.. مَلَقَة بعيدة، حرام ما حسيت!

وهي تضغط بقوة علي بعد المسافة والتواءات الطرق لاستدرار الشعور بالوحشة وتنميته:

بلاد بعيدة وطرقها ليَّة (ملتوية).. بعيدة عليَّ في الروحة والجية!

ومن رحم الوهم، بحكم شهرته في مخالطة الشعراء، ولدت أبيات كثيرة من المراثي علي ألسنة الموتي، كهذا البيت الذي يحكي آخر مشهد من حياة الميت:

هاتوا المخدة واسندوا راسي.. أكتب جواب أشيِّعه لناسي

ثم يحدث انتقال سريع من بلد الميت إلي بلد موته ويطلبون من “بنت البحيرة” أن تطلق صرخة مدوية تكريمًا لموت الغريب:

بت البحيرة يا لابسة الطرحة.. أمانة عليكي تعطي الغريب صرخة

تحتد اللهجة فجأة عندما يستدعون من ذاكرة بعيدة ذلك التوتر القديم بين الشمال والجنوب، فيتوهمون أن بنت البحيرة سوف تترك كلبها طليقاً لاعتراض الجنازة وسوف لا تقيم وزناً لحرمة الميت:

يا بت البحيرة دخلي كلابك.. نعش الغريب فايت علي بابك!

السئ، أنهم بمجئ العسكر كانوا جميعًا علي وعدٍ بالمهانة والعيون الكسيرة، والأسوأ، أنهم آمنوا أن هذا الوضع واقعٌ غير قابل للتغيير، فقرروا أن يتعايشوا معه، وصار من مصادر فخر العائلة أن ميتها جلس ذات مرة علي مقعد بجوار موظف حكومي:

داخل لقا المدير وحده.. طلب له كرسي وقعد جنبه!

أو دخل قسمًا من أقسام الشرطة دون أن يترك كرامته عند الباب:

يا رب تيجي يا راكب البيضة (المهرة).. يا داخل المركز بلا هيبة..

أو أن يذهب إليه وكيل النيابة ليستشيره، وهذا ما وكزت السينما ذكراه وهيجهتا كفيلم “الزوجة الثانية” مثلاً، لقد كانت المحاكم تعتمد علي كلام كبار القري وتقضي وفقاً له حتي في وجود أدلة تؤكد بطلانه:

أودة (غرفة) جلوسه شباكها بالياي.. وقاضي النيابة يعيد عليه الراي

الأغرب أننا نجد في مراثي الجنوب صدي كبير لديانة المصريين القدماء، كهذه الأم التي تتخيل أن ملفحة ابنها القديمة قد تآكلت أطرافها في الحياة الأخري وهي تتأسف لأنها لا تجد أحدًا يحمل إليه ملفحة جديدة أعدتها له:

الملفحة دابت حواشيها.. حدانا (عندنا) الجديدة مين يودِّيها؟

باختصار، لا توجد منطقة في الأعماق لم يكتشفها العديد، كل مستويات الموت اهتدي اليها، لم ينسوا حتي تلك المرأة التي مات جنينها، وتخشي أن تنسيها الأيام اسمه فهي تقرر الاستعانة بمعلم يكتبه لها في ورقة تحتفظ بها:

اسمك مليح خايفة يتوه ويروح.. لاجيب خطيب ينزله في اللوح!

حتي اليهود، وذلك القتيل يعاتب قاتله قائلاً بأنه لم يسئ إليه ولم يذنب في حقه:

مالك ومالي يابن اليهودية؟.. لا ليك حدايا ذنب ولا سيِّة (سيئة)!

وهذه نماذج مقتطفة من كتاب “المراثي الشعبية” لـ “د.عبد الحليم حفني”، بعض مفرداتها مهجورة، ومعظمها ما زالت مستعملة:

هنا عالم يحتل السجن فيه مكاناً بارزًا، ويترهل حتي يصير وطناً يحاصر الجميع من كل اتجاه:

سجان وراه وسجان قدامه.. وسجان يحل زرار قفطانه!

وهذا الميت أيضًا كان سجينًا، وكان قبل سجنه عزيزًا في بلده، يأكل اللحم في حموة النهار، وهذا يبدو غريبًا لمن لا يعرف أن الجنوبيين يفضلون تناول اللحم علي العشاء، ولقد أصبح في السجن يستلذ ما كان يعافه خارجه:

عيال المعزة والدبح في الحموة.. صبحوا يقولوا الماسخة حلوة!

تحاوروا أيضًا مع الموت الذي اصطاد امرأة في ذروة توهجها وشرخ شبابها:

غزالك مليح.. منين يا صياد؟.. صدتها وفانوسها منقاد (مشتعل)

وللرجل التقي عديد خاص به:

طريق الجوامع تبكي عليه وتنوح.. فين المُصلِّي اللي يجي ويروح؟

وهذه أم أدركت أن ابنها مات وانتهي الأمر، وهي تطلب من القاتل أن يصوب بعد ذلك إلي أعلي ليمر الشباب من تحت الرصاص سالمين:

يا ضارب أم زناد (البندقية) علِّيها.. خلي الشباب يفوت تحتيها

ومن اللافت جدًا أنهم يجمعون علي موازاة القاتل بـ “ابن الحرام، كهذه الأم التي تتمني لو كانت رأت قاتل ابنها فثأرت له:

ابن الحرام يا ريتني ريته.. لاجْريت وراه بالنار وأديته

ابن الحرام حضر سكاكينه.. لا خاف علي عقله ولا دينه

يا بن الحرام ما زقيتني (سقيتني) كاسه.. والدم نازل من صميم راسه

يا بن الحرام ما زقيتني همه.. والدم نازل من صميم فمُّه..

وما زال الموت قائمًا، وما زالت أحواض الصباح الجنوبي لا ينبت فيها إلا الحنظل، وعند المساء يبتكر الجنوبيون نمائمهم الخاصة، وتتساقط الأعمار أمام أعينهم كحبات شعير تنمو بعد ذلك في موضع جلوسهم داخل السجن الكبير أعواد شعير بشري علي وعد متواصل بالألم والعزلة والهامش، تمامًا، كالشعير الذي ينمو في الموضع الذي كان الميت يضع فيه الحبوب لفرسه:

قدّام باب داره والشعير خضَّر.. مطرح عليق المهرة ما اتبعتر!

محمد رفعت الدومي

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

العبــــور

nabilaudeh(كتبت هذه القصة بمناسبة ذكرى السنة الميلادية الاولى لحرب رمضان والغفران – 1974)

(1)
لا تعرف ماذا حدث بالضبط. ولا الطريقة التي جرى بها الحادث. وهل كان يمكن ان تختلف الامور؟ وما هي علاقة الاشياء ومؤثراتها؟ وكيف وصلت الى هنا؟ تحاول ان تكون صورة او فكرة. ربما تهذي.. وليس ما يمر في ذهنك الا صحوة الموت؟ يقولون ان للموت صحوة يستعيد بها الانسان كامل وعيه للحظات. مجرد التفكير بصحوة الموت يطمئنك. الذي يواجه الموت لا يمكن ان يعرف او يفكر بشيء كصحوة الموت. ليندا قد تكون هي السبب؟.. لو اخرتك قربها للحظات لاختلفت تطورات حياتك.. وليندا هي الشيء الذي تفتقده.. وربما تفتقد أشياء اخرى لم تتذكرها بعد؟.. كم من الوقت مضى على وجودك بهذه الحالة؟ لو انك تستطيع فقط ان تحل العقد الصغيرة..؟ كل ما تذكره انك كنت مع ليندا..امرأة في جيل امك.. ولكنها كلحم العلب المحفوظ.. لا يطولها التغيير بسهولة. تركتها قبل ساعات.. عن اي يوم تتحدث؟ وما هو تاريخ هذا اليوم؟ هل مضت عليك ايام هنا؟وهنا ماذا تعني؟ ما هو مضمونها؟ ما هو إطارها؟ هذه المجاهيل الصغيرة والبسيطة تضع سدا بينك وبين الحقيقة. الحقيقة هي ما يجيء بعد تعميرة مضبوطة. عندها تظهر الاشياء على بساطتها وحقيقتها. ابدا البساطة والحقيقة شيئان لا ينفردان، على شرط ان يكون الانسطال قاعدة مشتركة لهما. سيجارة ملغومة قد تساعدك على التفكير. استنباط الواقع له اصوله. تسطيلة كيف درجة اخيرة تحل لك كل أسئلتك.. وعلى ابسط وجه. الان انت متأكد انك تعود الى وعيك. بدأت تفهم الحقائق الأساسية. ما زلت مؤهلاً لمواصلة الحياة.. حتى وانت في وعيك لا تبعد عن الحقائق التي تكتشفها اثناء انسطالك. ليندا لا يكفها عشرة رجال، وانت بعد تعميرة على الاصول افضل من عشرة رجال..
لماذا انت هنا؟ وهل حدث تطور ما دفع بك الى هذا المكان؟ القاسم المشترك الأعظم لحالات الوعي او الانسطال التي تمر بها هو علامات السؤال المبحلقة بك من كل اتجاه. مضت فترة استسلمت بها لاغراء النوم.. ربما لزمن طويل.. ربما ليوم؟ او ليومين..؟ او لأكثر..؟ تغمض عينيك مرة اخرى.ان حساسيتك القوية لما يدور حولك، وعجزك عن التعبير عن موقفك.. بل خوفك، ضعفك النفسي، ضعفك العصبي، انهيار حبك الاول، النكسة، القلق المتصاعد، اليأس، مرارة أيامك والفراغ القاتل، كل ذلك تجمع عليك في لحظة واحدة فلم تجد بدا من اختيار اسلوب التسطيل. من يستطيع ان يتهمك باللامبالاة؟ لو وجدت الى اللامبالاة سبيلا لتغير نهج حياتك. هل حقا تود لو تغير نهج حياتك؟ وهل تستطيع ان تبتعد عن جلسات الكيف المجنونة؟ هل لديك القدرة على التغير؟ حتى وانت تستطلع مستقبلك لا تكف عن طرح الأسئلة. لو انك قادر على تحليل واقعك ومستقبلك بدون اسئلة؟.. ربما تخرج بنتيجة..؟ كل الاحداث التي تهز عالمك الفوقي تثيرك. حتى وانت في عز الانسطال. بل كثيرا ما دفعتك الاحداث المؤلمة الى نوبات عصبية لا علاج لها الا سيجارة ملغومة.. وبعدها كنت تشعر بالسعادة وتطرح القلق جانبا.بدأت التحشيش بعد نكسة العرب الكبرى في العصر الحديث. ومن لا يعرفها؟ دمرت كل ما بقي في نفسك من كبرياء. مزقت ظلالك الانسانية. حبست نفسك لأشهر طويلة في منزلك.. تبكي عربك.. وتبكي حبك الضائع.. ولم يخرجك من سجنك الا سيجارة ملغومة على الاصول، اشعرتك بنوع من الراحة لم تعهدها منذ وقت طويل.. ووجدت الطريق سهلا.. دفنت كل ما بقي في نفسك من قلق في غرفة يكسو سقفها دخان ابيض ذو رائحة رائعة كالبخور. وارتبط مصيرك بشيء، اصبح لواقعك تبرير كاف في نظرك، وجدت شيئا يسوى ان تعيش من اجله. وعندما حننت الى امرأة.. بعثت بك الجماعة ممثلا وسفير شرف فوق العادة عنها.. والتقيت بليندا. انتظرتها في نفس غرفة التسطيل.. اسمها الأصلي بحبوحة، اسم غريب.. ولوضع الامور في نصابها، او بمعنى اوضح.. لاعطاء صفة عصرية للجنس، اختارت لها الجماعة اسم ليندا.. وبحبوحة هذه امرأة فقيرة.. دفع بها الفقر الى احضان عجوز نصف عاجز، فقست منه ذكرين.. وهبط كليا.. وانطلقت هي وراء اللقمة لها ولزوجها ولولديهما..
فتلقفتها الجماعة، وجرى العرض والطلب، بكل حرية، سوق رأسمالية حرة، لا احتكار من احد، واصبحت الغرفة غرفة عمليات تجارية، ترتفع فيها الاسعار وتنخفض، بورصة من نوع خاص، تكثر البضائع وتقل، حسب ميزانية الزبون، المهم ان لا يحتكر البضاعة احد.. ان يتمتع الجميع.. والدين ممنوع والرزق على الله..!! هل توجد ابسط من هذه الحكاية؟ انها تشبه حكايته اذا اخذناها من جانب آخر. هذه التفاصيل لا تقودك الى حقيقة وضعك.. المهم ان تعرف اين انت وما الذي جاء بك الى هنا، وما حدث لك بالضبط؟

(2)
أخذت مجددا تحاول تدريج الاحداث في ذهنك. ما هو الأساسي وما هو غير الأساسي؟ انت الان متأكد ان الموت بعيد عنك. البداية يجب ان تبدأ بشيء آخر. يحسن بك ان تتمهل قبل صياغة تسلسل الحدث الذي أوصلك الى هذا المكان المجهول شكلا ومضمونا. هل تبدأ من نكسة العرب الكبرى في العصر الحديث؟ أنت بهذا الشكل لن تصل الى الحقيقة. التفاصيل من ذلك التاريخ حتى يومنا هذا معدومة من ذهنك. آلام جدية تعيق عليك تفكيرك. لو انك تتمكن من العودة الى الوعي الكامل لفهمت كل الامور على حقيقتها. ربما غيابك المزمن عن الوعي جعل لغياب وعيك قوة استمرار ساحقة. هذه مأساة ان تحققت.. قد ترغب يوما بأن تبدأ حياتك من جديد، بعيدا عن الغرفة والبخور وليندا.. ان تعبر هذه الفترة وتصل مستقبلك بالماضي الذي تعشقه.. كما تعشق اليوم سيجارة ملغومة.. او حقنة من مادة غير مغشوشة.. انت لم تعد تميز بين الافضليات. فكرك يموت وذهنك يتحجر. أنت بقية من العصر الحجري… شبيه بالانسان.. ربما لست بشرا..؟
كيف تطورت الاحداث حتى وصلت الى هنا؟ وهنا ماذا تعني؟ ما هي مميزاتها؟ ما الذي حدث لك؟ لو انك تملك جوابا على هذه المسائل البسيطة لانحلت العقدة الكبيرة. هل تستطيع ان تسلسل الاحداث قبل ان تكتشف حقيقة المكان الذي انت فيه؟ ربما انت ميت، وما يمر بذهنك هو بعينه ما يواجهه الاموات؟ لكن لا يمكن للميت ان يشعر بالاشياء التي حوله.. وربما يشعر؟! انت مثلا تشعر بما حولك.. تشعر بانفاس أخرى.. بحركة دائمة.. وهذه الحقيقة لا تساعدك على فهم اي شيء!!.. كل ما هنالك انك تهذي وتعذب نفسك.. ورغم ذلك لا تستطيع الكف عن التساؤلات او الاسترسال وراء الصور الماضية.
هناك حقيقة واحدة تتذكرها، ربما لاختلافها عن بقية أحداث حياتك.. لكن من التجني على الحقيقة أن ندمج كلمة أحداث بحياتك، حياتك هي حدث واحد لا يتغير.. انسطال ليمتد محدود الضمان، برأسمال قدره كتلة بحجم حبة الزيتون، تلغم بها السجائر، او تعمر بها الجوزة، او قنينة مكسورة العنق، او حقنة من مادة مضمونة.. حسب النفسيات والظروف والطلب..
ونعود الى الحدث الذي بدأ يداعب ذهنك.. قبل أن تفقد من جديد طرف الخيط.. رغم كثرة الضباب المحيط بالحدث نفسه، الا انك ترى الصورة الأساسية… البلد كلها خرجت عن بكرة ابيها.. منظر لم يشهده في حياته.. لاول مرة منذ نكسة العرب الكبرى في العصر الحديث يشعر بسموه.. كان قد اخذ نفسين من زميل له.. لا اكثر، وعيه نصف نصف، ولكن الحدث كان اقوى حتى من الانسطال الكامل.. شعر بانسانيته بشكل صعب على التصديق.. لأول مرة منذ سنوات يشعر انه كائن بشري.. حدث معه أمر عجيب.. نزل عليه شيء من الفضاء.. السعادة دغدغت كل اطرافه وهو يندمج بالسيل البشري الجارف.. سعادة ودموع وقوة.. تمنى ان يستمر هذا التدفق البشري الى ما لا نهاية.. شعر بمعنى ان يكون المخلوق انسانا. بح صوته وهو يهتف من اعماق اعماق نفسه، كان يبكي بشكل يشعره بارتياح عظيم، شعر بنظافة نفسية.. نظافة طال حنينه اليها.. منذ النكسة لم يحلم بلحظات كهذه..
الآن تبدو له الاشياء مختلفة. العرب خرجوا من كل مكان وفي كل مكان.. تبدو وكأنها مسيرة واحدة عبر المدن والدول والقارات.. كان وداعا لرجل واحد.. رغم النكسة، كان المعبر الوحيد عن الجديد والنظيف في حياة الملايين، هو الطريق الذي خرجوا لتأكيده في ظل العتمة والخوف.
يومها هاجم البوليس التيار الجارف من جميع الاتجاهات.. على امل ان يحصر المتظاهرين في منطقة صغيرة خوفا من وصولهم الى اكوام الحجارة، او مخازن الاسلحة كما تسمى، وهي، لمن لا يعلم، السلاح الوحيد المرخص به طبيعيا للعرب، والوحيد الصالح للاستعمال في كل الظروف، لا يطوله الفساد، ولا يحتاج لصيانة، ولا يمكن حجزه في مخازن الأسلحة، والاهم انه السلاح الوحيد الذي يستطيعون، ان ارادت السلطة او لم ترد، التعلم على استعماله، ونقصه الوحيد انه لا ينفع في اسقاط الطائرات.
اشتد يومها حصار الشرطة وبطشها لتفريق المسيرة العاصفة.. والمحاصرون، المصرون على التظاهر، لا يملكون الا ذخائر قليلة لا تفي بكسر الحصار.. ويومها تفتق عقله عن حل. هل كان مسطولا؟ أبدا. وجد الحل. هل يكون العكاويون اقل حذاقة من النصراويين الذين عملوها في ايار المشهور عام 1958؟
وماذا فعل أهل الناصرة؟
الحكاية ان الناصرة تزفتت شوارعها الرئيسية، وشوارع بعض الاحياء أيضا، بعد اول ايار 1958.. والسبب بسيط، استعمل يومها المتظاهرون في الناصرة بلاط الشوارع.. كانت فرق تقتلعه بمساعدة المفكات وقطع الحديد المختلفة، وفرق تكسرة الى قطع ملائمة، ويسلم جاهزا للاستعمال الى الشباب في المقدمة حيث يرشقون به كل ما يشتبه ان بوليسي… وخوفا من تكرار الحوادث المشابهة، ولتقليل كمية الذخائر المتوفرة للعرب، بحيث تصبح غير كافية لخوض حرب حجرية – عصرية، قررت السلطات يومها تقليع كل البلاط الذي رصف به الاتراك شوارع الناصرة، وتعبيد الطرق.. وهكذا، كما تسجل في التاريخ.. تبدل بلاط شوارع الناصرة بالاسفلت الاسود العصري، اما الاتربة فلا خطر منها، فبقيت كما هي..
هذا هو قانون التطور الذي خدم العرب في اسرائيل في العديد من اتجاهاته.. اذن لماذا لا يفعلها العكاويون بعد 12 سنة، والبلاط متوفر والحصار شديد؟
يا عرب..

(3)
وكان ما كان.. خذوا الحكمة من افواه المساطيل.. الفرق صغير جدا بين المجانين والمساطيل.. كلهم يبتعدون عن الوعي. ما يميز المساطيل هو عودتهم للوعي بين وقت وآخر.
عقلك أصبح ثخينا. والبرهان انك لا تستطيع معرفة ماذا حدث لك..؟ وكيف وقع الحادث؟؟ تشعر بألم ودوخان وضيق في التنفس… اعصابك مشدودة بتوتر شديد.. تريد سيجارة.. ولكنك لا تعرف كيف تحصل عليها. تريد ترويقة.. شمة عابرة.. شيء يريح اعصابك..
لا لم يجر لك شيء في تلك المعركة. عدت تسطل بعد نصف يوم. المهم انك صمدت هذه المدة الطويلة. بشارة خير فائدتها لم تجن. متى بدأت تفكر في العودة الى عالم الواقع؟ هذا السؤال الوحيد الذي تستطيع ان تحدد له جوابا واضحا على نحو ما. حدث ذلك بعد ان “لمك” البوليس في مساء ذلك اليوم. جاء الى الغرفة “التجارية”.. قلوبكم تجمدت، ولكنه لم يكثرث للرائحة الطيبة المنبعثة في فضاء الغرفة.. وللعيون نصف المغلقة.. سحبوك الى مركز الشرطة بكامل وعيك.. وبكامل اعصابك.. فتعميرتك لم تكن قد حضرت بعد.
ساد الاعتقاد بان المخدرات هي السبب.. لذلك اسرعت جماعتك، كما علمت فيما بعد، بتنظيف الغرفة من الذخائر.. وفتح النوافذ للتهوئة، وتعليق صور زعماء الدولة والحكومة على حيطان الغرفة، استعدادا لما قد يأتي في اعقاب اعتقالك.. والاستعداد لمواجهة الموقف ببراءة يعجز عنها الاطفال.
رموك في غرفة قذرة، وتركوك تتعذب حتى فجر اليوم التالي. لم يغمض لك جفن.تعترف انك ارهقت وارتعبت.. اولا، انت حشاش قبض عليه متلبسا بالجرم، وكنت تظن ان الشرطة جمعت الأدلة الموجودة في الغرفة.. واعتقلت بقية الشلة.. وثانيا، وهذا الابلى، اشتراكك الفعال في مظاهرة الأمس.. ودورك الطليعي في الوصول الى سلاح فعال لم يؤخد من جانب البوليس بالحسبان. حقا هو سلاح قديم، سلاح الفقراء والمظلومين.. سلاح حجري في عصر الفضاء، ضم اليه بلاط الشوارع، الذي لم يفكر فيه بوليس عكا من قبل، على اعتبار ان عكا بعيدة عن الناصرة.
في الفجر قادك شرطيان الى غرفة الشاويش. كل ما استحوذ على ذهنك هو شيء تسكن به اعصابك.. سيجارة بنت اصول.. مهدئات.. المهم ان تعود لهدوئك.كل ما تتذكره ان الشاويش قدم لك سيجارة لم تستطع ان ترفضها.. ثم وضع علبته تحت تصرفك.. كان وجهه ضحوكا، ينظر اليك من فوق أنفه، وكرشه الكبيرة تتكئ على الطاولة.. وأنفه الافطس قليلا ضخم وأحمر للغاية.. يلوح من بين عينية كالبيرق.. او.. كتمت ابتسامة كادت تفضحك، اذ ذكرك الأنف الافطس بشيء يحمله الجحش، فكدت تضحك.. كان يتكلم العربية بثقة، رغم انه يشوهها بأخطائه التي لا تحصى، ومما قاله تتذكر:
– نحن لا نريد ان نسبب لك المشاكل.. لا نريد ان نؤخرك عن أصحابك.. نحن نعرف كل شيء عنك وعنهم.. لا تنكر.. كن معنا نكن معك يا حبيبي.. انت انسان واع (كدت تضحك مرة أخرى).. لماذا اشتركت مع الشيوعيين في رمينا بالحجارة؟ هذه اجرتنا لاننا لا نتدخل في شؤونك؟ انت تفهم ما اعني.. اريدك ان تبقى عاقلا.. ان تعاوننا.. من الذي حرضك على الاشتراك بالمظاهرة؟.. من قال لك ان ترمي الحجارة؟ ومن هم المنظمون؟.. ومن اعتدى على الشرطي شمعون؟.. من حشرة داخل برميل الزبالة؟ تكلم يا حبيبي.. ساعدنا لنساعدك..
بعد ان استعصى فك لسانك ضربت بالعصي حتى الاغماء.. ثم حررت.. وفهمت ان اعتقالك لا جدوى منه لأنك لا تتعامل بالسياسة.. انجرفت مع “القطيع”.. وهي حالة نادرة مع امثالك.. والدرس الذي لقنوك اياه مع وسائل الايضاح التي كسرت اضلاعك ولونت جسدك بالكدمات الكحلية، ستبقى ماثلة ان شاء الله لكل العمر.. الحساب معك انتهى!!
وعدت الى الاصحاب.. حدثتهم بما حصل فاطمأنوا الى وضعهم وأمنهم. أما أنت فشعرت بتفاهتك وحقارة حياتك. وتنامى حقدك وغثيانك من واقعك.. حقا لم ينجحوا بفك عقدة لسانك.. مما يشعرك ببعض الكرامة والزهو، ولكن حالتك لا تبعث على الزهو، ولا شيء من الكرامة فيما تمارسه.. لا شيء انساني في حياتك التافهة، تعرف ذلك، تثور نفسك، وتدخل الى متاهات لا نهاية لها.. وتتخلص من عذابك بالانسطال.. المهرب المضمون من وعيك ومتاهات نفسك.. كنت تتذكر حالة التجلي مع الجماهير.. تطمع بالتخلص من واقعك، فلا تجد الجرأة، وفي لحظات وعيك القليلة تبكي حنينا الى حياة نظيفة.. ثم تتخلص من وجع فكرك بالانسطال من جديد. ربما كان يجب ان يحدث ما هو أكبر، ما هو أخطر.. حتى تستطيع العودة الى اصولك الانسانية. يجب ان تعود.. حقيقة تكبر في داخلك، تشتد في ضغطها على ذهنك… تستعيد لحظات التكاتف مع الرجال.. الصوت الواحد.. القدم الواحدة.. الساعد الواحد.. للآلاف.. للملايين.. كيف لا تصير من هذا التيار؟.. كيف لا تعود.. الى انسانيتك؟ فقط ان تضع قدمك على اول الطريق.. وستواصل وحدك؟.. حقا؟!

(4)
وسرعان ما عدت الى الاستسلام.. وعادت الايام الى طبيعتها الخاملة..تقضيها غائبا عن عالمك، او بين احضان ليندا.
الجديد الذي حصل هو كثرة العودة لصراع افكارك بين الدفع للعبور فوق واقع التسطيل، لربط مستقبلك بما انقطع من ماضيك، وبين الاستمرار فيما أنت فيه.. أما أفضل جواب لديك، فبقي كما كان.. رغبات تدفنها عميقا في نفسك.. افكار تقمعها بالسموم.. نوايا تعذبك فتهرب منها الى احضان ليندا…

(5)
تشعر الان انك تسيطر على افكارك بصورة افضل، أصبح هناك تسلسل منطقي، لكن ليتك تستطيع ان تسلسل الأحداث الأخيرة التي قادتك الى هنا.يبدو ان بعض الظلال تخترق فكرك المتحجر. المخدرات تركت أثرها عليك،، ومع ذلك لم تستطع فراقها. هي الحبيبة، هي الحياة، هي الخبز، لو أخرتك ليندا لما حدث لك هذا.. ولكن لماذا حدث؟ الآن تلمس جيدا، او هذا ما تريد ان تتصوره، ان هذه الاسئلة تقودك الى سيل الرجال الجارف. الى الحجارة والبلاط المقتلع.. الى الانعتاق الانساني. الانعتاق الذاتي. التحرر من الخوف. امتلاك الارادة. الرؤية الضميرية.. والتصرف بما يمليه الضمير.. الى التفجر الذي يجيء بعد الكبت الطويل.. الى التنفس بحرية من الهواء الطلق.. الهواء المعطر بعرق الرجال الى الارتباط بشيء له معنى، له واقع، له اطار، له مضمون.. الى شيء ربطك وانت في مطلع شبابك بقضية كبيرة احببتها.ولكنك خفت ان تجاهر بها. خاف والدك على وظيفته، وخافت امك على وظيفة زوجها.. وخافت عائلتك عليك.. الخوف هو الذي جعلك مسطولا حتى في وعيك.. مجتمعك كله كان مسطولا.. لولا الخوف لكنت شيئا آخر.. وفي نفس الوقت انت لا تريد الابتعاد عن غرفة المواهب وليندا.. والصراع هو بين لذة الوعي والعمل في سبيل شيء واضح، وبين لذة الانسطال والتحليق في فضاءات واسعة ممتدة. لو تأخرت قرب ليندا لتغير وضعك الآن.
شيء غريب شد أفكارك ووعيك.. يبدو انك اكتشفت طرف الخيط. كنت نصف نصف.. ليندا كانت خائفة وتريد العودة الى ولديها. قالت ان الحرب اشتعلت. لم تفهم شيئا.
– العرب هجموا..
– وانا سأهجم عليك..
– اريد ان ارجع الى الاولاد.. سيرتعبون.. انا خائفة عليهم.
هل تتحدث هذه المرأة بعقل؟ حرب؟ حتى ليندا تفكر وتخاف على شيء تملكه.. اولادها؟ من أجلهم هي هنا؟!.. وانتم.. كلكم.. حيوانات.. كيف لم تكتشفوا ذلك من قبل؟ كيف لم تفكر انها انسانة الا الآن؟ والقلق الذي يعلو وجهها..؟ والرجاء المنطلق من عينيها.. تخاف ان تخسر رزقها.. رزقها المجبول بنذالتكم.. انها اشرف منك.. اشرف منكم.. اشرف من عائلتك.. اشرف من مجتمعك.. تعطي نفسها حتى لا يجوع ولديها.. يا لهول ما يعتريك.. هل هي صحوة ضمير؟.. صحوة الانسان المخبول في داخلك؟
بردت كل اعصابك بشكل فجائي لم تعهده من قبل.. وسألتها ان كانت قصة الحرب جدية؟ قالت امورا صعبة على التصديق.. لم تستوعب كل ما قالته.. هل يعقل ان يتعلم العرب الهجوم؟ خافت منك.. لا تعرفك الا مسطولا.. اما ان تطرح سؤالا جديا.. ان تهتم بمسألة فوقية كهذه؟.. هذا تغيير مقلق.. بل مرعب بالنسبة لها.
تراجعت خوفا منك واخذت تتعرى بيأس وخوف، وطبقة من الدموع تطلي عينيها.
– ارتدي ثيابك.
امرتها بشكل جعلها تطمئن قليلا. امرأة لا مورد لها.. تعيل طفلين وزوجا مقعدا.. والحيوانات أمثالك تستغلها..؟ وأنت بالذات كيف قبلت؟اين كان ضميرك؟ سؤال مضحك عن الضمير.الضمير هو اول من ينسطل.. حتى بدون مخدرات. وبعد ذلك تجيء التطورات.. فينسطل ما بقي من فكر ووعي.. وكلها اسماء لشيء واحد هو العقل. وصحوات العقل كثيرة، ولكنه مسطول من كثرة الراحة والخمول.وهو قليلا ما يصلح للاستعمال. ولكنه أحيانا يرتكب نوادر غريبة. ينشط ويثير أسئلة وأجوبة.. ويعذبك حتى تنسطل وتسطله معك. حكاية معروفة تتكرر. والآن تشعر ان صحوته لن تمر على خير.ربما في اعماق نفسك لا تريده ان يعود الى خموله. وهناك سبب كاف.. القرف والجريمة والنذالة التي تنكشف امامك.. استمتاعكم بمآسي غيركم.. وحنينك لان تصبح وتبقى ابدا واحدا من الرجال الذين عرفتهم في اعظم مسيرة في التاريخين القديم والحديث.. ان يكون لك اطار ومضمون.. انت بحاجة فقط الى المساعدة.. لا تعرف كيف تحصل عليها.. هل انت مسطول الآن ام في قمة وعيك؟ وما هو التطور الذي جعلك ترقد هنا؟ والآلام العنيفة التي تجتاحك؟ والعرق الذي يغمرك؟ وأعصابك المشدودة المتوترة؟ الان تتكون في ذهنك تفاصيل اكثر وضوحا.. ما مضى من وقت هو اقل من ساعتين.. ومن اين لك ذلك؟.. ربما مضت عليك ايام.. فالصدمة كانت من القوة بحيث دحرجتك عدة امتار فوق الاسفلت الاسود.. الان تعرف سبب الألم.. انت لست بخائف.. المهم انك بدأت.. وعليك ان تواصل.. ان تصمد !! هل ستفعلها؟؟

(6)

لم تكن قد كونت فكرة كاملة عن الخبر الذي نقلته لك ليندا.. ولكنه جعلك متسمرا، متعلقا بين الخوف من الماضي الذي لا يزال يعذبك، ومتعشقا للجديد الذي ان حدث كما تريد فقد ينقذك. ربما تتعلق بالاوهام.. انت تقر بضعفك.. اذ لولا ضعفك ما وصلت الى المخدرات.تركت ليندا وخرجت. الان تعلم انه لا ذنب لها بما حدث. عند اول مقهى وقفت تلتقط السمع.. وجوه الناس متغيرة، شيء جديد توحي به الوجوه.. او ربما نظرتك بوعي الى الوجوه هي سبب التغير الذي تلحظه وتحس به؟.. الهدوء غريب، ولكن الاغرب هي الثقة التي يتحدث بها الناس. هل حدث كل هذا في لحظات؟ اين كنت انت؟ في اي كهف اعتزلت؟
كان جهاز الراديو يبث من كل موجاته ومحطاته موسيقى عسكرية واناشيد.. والناس يملؤهم الهدوء والثقة. هل اصبحوا مساطيل بعد ان عدت انت الى وعيك؟ غريب ما يحدث.. الجو مشحون بخبر لم تعه على حقيقته بعد سمعته مقطعا من مصدر غير مؤهل.. من ليندا…. تنتظر كلمة من المذياع لتفهم ما يجري.. تتذكر الاجواء بعد النكسة،ايام ذل لا تنسى، تتذكر الاحباط الشامل والشعور بالضياع، تتذكر العار الذي اغرقك واغرق الناس، تتذكر الالم غير الانساني الذي مزقكم ومزق احلامكم وقهركم واحالكم الى اشخاص بلا قيمة.. هل نسي الناس النكسة؟.. هل حقا تكفي سنوات ست لتغيير الحال من ضياع الى أمل؟ من عار الى فخر؟ الثقة التي تملأ وجوه الناس، ونظراتها التي تلمع بصمت، مشاعر غريبة وتبعث على الرهبة.. أمر جلل قد وقع.. وترامى اليك صوت المذيع.. حتى الصوت يختلف عما تعودت على سماعه منذ النكسة.. والقوة بالتعابير عبر الأثير لها طعم لم تعهده من قبل.. هل نمت كل هذه المدة، فلم تلحظ التغيير من اوله؟ ام ان التغيير كان فجائيا؟ الجميع يتصرفون وكأن شيئا لم يحدث. وكأن ما يذاع هي مجرد تمثيلية.. وها هم يقفون تحت الشمس لتكشفهم. يخرجون الى الضوء باعتزاز..وسمعت احدهم يهمس في اذن زميله ضاحكا:
– لم اعد شقفة عربي.. اصبحت من اليوم عربيا كاملا!!
تريد ان تقول له كلمة.. ولكنك تخاف ان تقولها.. لم تتعود ان تتكلم وانت في وعيك.. ويقطع صوت المذيع ما انت فيه من حيرة وشوق للفهم:
– عبرت قواتنا قنال السويس واحتلت خط بارليف..
شيء يجعلك تقفز كالمجنون داخل المقهى.. تنظر بانبهار للناس.. تشعر بالانفاس المتهدجة حولك.. تشعر بانسطال حقيقي لم تعهده من قبل ابدا.انت الان تحلق.. العيون ترميك بنظرات الريبة.. كل تلك السنين لم تعلمك اصول التصرف؟ السؤال واضح. بل هو مكتوب على ثنيات الوجوه.. وفي نظرات الاعين.. وعلى الشفاه التي تحبس الابتسامات.. اثارك جمودهم.. ربما ما يسمى بالعقل عندك لم يعد سليما؟ نظرت اليهم تريد ان تعانقهم فردا فردا. ربما لم يفهموا الحدث.. الا يذكرون العار الذي خردقهم قبل ست سنوات؟ لقد عبرناه.. وبدون وعي تعالى صراخك:
– عبروا!!
انت الذي عبرت واقعك ويأسك. وانطلقت في الشارع. لا شك ان الانسطال المزمن ترك اثره على تفكيرك وتصرفاتك. كنت تصرخ بفرح.. أشياء مفهومة وأشياء لا معنى لها.. كانت السعادة أكبر من حجمك ومن عقلك ومن طاقتك.. حتى عندما رأيت سيارة الشرطة لم يهتز لك رمش.. صرخت بهم:
– عبروا..
واندفعت أمامهم. طاردوك. ركضت.. واجهدك العرق وبح صوتك وانت تصرخ:
– عبروا..
وغمرتك الراحة والسعادة.. وشعرت بانسانيتك تتجلى.. تسمو الى الآفاق..
– عبروا…
لم تلتفت للخلف.. واصلت الصراخ بفرح.. فرح تحررك من واقعك.. فرح العودة الى اصولك. فرحة الانسان الذي وصل بر الامان بعد معاناة مع البحر الهائج المائج.. انت الان تعبر معهم.. انت تحلق بعيدا بعيدا في الفضاء..
وبعد.. صدمتك سيارة.. على الاغلب سيارة الشرطة. فتدحرجت على الاسفلت، انت وافكارك وصراخك، يجمعكم رابط الفرح والألم.
وها انت تستعيد وعيك. كم مضى عليك هنا؟ هل هذا مستشفى؟.. سجن..؟ او كلاهما معا..؟
ولكن هل ستصمد؟ وارتسمت ابتسامة كبيرة فوق شفتيك.. ورفعت قبضتك.. وصحت من اعماق روحك:
– عبروا !!
******

Posted in فكر حر | Leave a comment