لم يسـتاصلوا السرطان وحده

jawadaswadأجمل الانقلابات تلك التي نسميها ثورة واسوأ الثورات تلك التي تنحى منحى الانقلاب
الانقلاب الذي يرتدي ثوب الثورة يكون في الغالب انقلابا ابيضا يذهب حاكم ويأتي حاكما اخر يستبدل طاقم العمل فينحي من لم يكونوا في صفه او لم يساندوه و بعض الاثاث و الديكور والصور الخلفية وتتبدل اسماء المحافظ المالية لتبدأ من جديد دورة املىء الجيوب العطشى لاصحاب النفوس المريضة
أما الثورات التي تنحى منحى الانقلابات وتسعى للسلطه على حساب الدم فهي اشبه بكوارث طبيعية من صنع البشر
صحيح أن تلك الثورات ترفع شعارات توشك أن ترقى الى مراتب القداسة ولكن اغلب انبيائها ممن عقروا ناقة صالح
ثاروا على الحكم العثماني عندما اصبحت تركيا الرجل المريض و استبدلوا استبداد السلطنة بطغيان الاستعمار الغربي فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار
اغلب ثوراتنا كانت تطبخ بالخارج ولذلك كان مذاقها غريب لايستثيغه ابن البلد فينفض من حولها و يتركها تحصد ما طاب لها من مناصب على حساب دمه و رزقه و صوته و ولائه
ثاروا على فساد الملك فكان البديل هو فساد الجمهورية فكانت أشد وطأ على الشعب من الملك و بلاطه
في العراق ثاروا على الطاغية فقتلوه فأنبت زرعهم الشيطاني عشرات الطغاة الذين عاشوا ومازلوا يعيشون فاسدا في الارض على مدى اكثر من عقد من الزمن حتى غدى عصر الطاغية جنة الحالمين مقارنة بما أل اليه الوضع بالعراق
في تونس كانت صرخة البوعزيزي صرخة جعلت بن علي يهرب ليجلس على كرسيه فلوله فكأنما صرخة البوعزيزي ذهبت بلا صدى
وفي ليبيا ثاروا على مجنون واحد فأذا بليبيا تتحول الى دار للمجانين حكمائها اكثر من النزلاء جنونا فغدت ليبيا مسرحا للنهب و القتل والتنكيل و التجزئة
وفي مصر خرجوا على مستبد واحد احتجزوه و نزعوا ريشه واستبقوه لينقض عليهم قبل ان يشتد عودهم ويعيد الامور الى سابق عهدها بوجوه جديده يحركها الحرس القديم وتعتقل الشرعية باسم الشعب الصامت المغلوب على امره والمسلوبه ارادته بحكم التغييب
في اليمن لم يستأصلوا السرطان المتمثل بـ علي عبد اله صالح فسرعان ما اعاد انتاج نفسه باعداء الامس لينقض على الثورة و يزرع الارض دمارا بثورة على الثورة
في سوريا كان سرطان النظام اشد فتكا من اي سرطان اخر سبق أن هاجم جسد الامة استطاع ان يصنع اجساما مضادة و خلايا سرطانية نائمة و تسلل الى الجهاز المناعي فجعله يأكل نفسه بنفسه كي يبقى سرطان النظام مستأسدا بما يحوز من جسد الوطن
اخترق الثورة بعملاء و جماعات و امراء حرب و لصوص ومن ثم اشعل فتيل الحرب فيما بينهم كي ينصرفوا عنه و ينشغلوا بأنفسهم
أنها ثورات أختطفت منها البوصلة فلم تعد ترى سوى كرسي السلطة تسعى نحوه تدوس على رقاب البشر في صراع مع الزمن دون ان تعلم أن الثورة التي تسعى الى السلطة لايمكن أن تصل الا الى الجحيم

About جميل عمار -جواد أسود

كاتب سوري من حلب
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.