عندما يتحول المبدأ إلى مهنة … يصبح الإسلام ساحة مباحة مستباحة‎

mohamedbarziالدكتور محمد برازي
شيء غريب دفعني إلى أن أبقى ساهراً إلى هذه الساعة المتأخرة من الليل .
شيء ما .. قلق ما .. هدف ما .. أمل ما .. حلم ما .. ألم ربما .. وربما يكون أي شيء من الممكن أن تكون لاحقته هذه ال … ما .
وهذه ال.. ما .. دفعتني لأن أبحث عن شيء جديد في هذه الصفحات علّي أواسي به نفسي ، بعدما سئمت من الذين لا يزالون يفترشون ثقافة عصور الإنحطاط ، ويتفيؤون ظلالها ، ويلتحفون باجترار عصفها المأكول ، دون ملل ولا كلل ؟ أو إعادة توزيع اسطوانات مشروخة عن سخافات وترهات وأقوال بلهاء ، شكلت غمامة سوداء غطّت على عقول أصحابها ، وحجبت عنهم الضياء المنير ، فأخذوا يلوكونها لجباية الإعجاب ، الذي يبنون به بلادهم ، وينشرون ثقافتهم ، وينتجون به أدوات رفاهيتهم وسعادتهم .
وعلى غير موعد ظهرت أمامي صفحة المهندس محمد شحرور ، ولفت نظري تنسيق الكتب في الصورة ، وظننت لأول وهلة أنها حصيلة ما أفنى أكثر عمره بدراسته للهندسة في روسيا وتابعها في بريطانيا ، هندسة المدن والجسور والطرقات ، التي أبدع فيها بشهادة المتخصصين .
ولكنني عندما تذكرت حي الحجر الأسود وحواريه وحدائقه وأسواقه ، خاب ظني ، ثم عدت الى الكتب وفوكست عليها ، وإذا بها تحمل عناوين عن دين برؤية عصرية ، ولكن باسم المهندس الدكتور محمد شحرور .
وكان آخر بوست له فيها هو فيديو بعنوان :
.
رؤية معاصرة : حلقات مصورة
17 – معنى الطاعة المنفصلة
.
فقلت في نفسي : فرجت ، لأنني سأقضي وقتاً ممتعاً في سياحة ثقافية لغوية حتى الصباح ،
وتساءلت لماذا ( رؤية ) وليست نظرة أو دراسة أو قراءة ؟
لأن مالفت نظري هو كلمة ( الطاعة المنفصلة ) وأوّل ما تبادر لذهني في الحديث عن الطاعة المنفصلة ، يعني ذلك بأن هناك طاعة متصلة ؟ وقد يتبع ذلك بالضرورة أنواع من الطاعات ، كأن تكون طاعة متصلة ..وطاعة مأجورة .. وطاعة مشروطة .. وطاعة معلّقة .. وطاعة مفروضة .. وكل مايتعلق بصفات وأحوال للطاعة .
ثم بدأت برؤية الفيديو الذي بدأه بحديثه عن السنة النبوية ، والتحدث عن الصلاة والزكاة .
ولكن كان التلكؤ والتلعثم ظاهراً في الحديث الغير مترابط والغير مدروس والغير محفوظ جيداً ، بسبب أنه كان عاجزاً عن صياغة المعنى بشكل منهجي ، لتوصيل مايريده للمتلقي بشكل سلس ، وهذا مادعاه إلى الإستعانة بالورقة المكتوبة أمامه ليتدارك ما نسيه .
وأوّل ما بدأ به حديثه عن الصلاة والزكاة ، ولكنه لم يستطع أن يميّز ويفرّق بين الصلاة وشروطها ؟ وذلك في قوله ( لذا فإن تفصيل الصلاة والزكاة جزأً منه أخذناه من الرسول ، وجزء موجود في التنزيل الحكيم ، فمثلاً في التنزيل موجود الوضوء …….مع عدم اقتراب الصلاة ونحن سكارى ، ووجود أوقات الصلاة ، أما آلية الصلاة وعدد ( الرّكَع ) / هكذا لفظها / أخذناها من الرسول نفسه ، هذا لأن طاعة الرسول هنا متصلة مع طاعة الله )
ثم يعقّب على ذلك ويشرح مايريده بكلام غير مفهوم ، وبدون أي دلالة ولا مرجعية ولا منهجية ؟
ثم يتابع ويقول مانصّه :
( وبالنسبة للزكاة الرسول سبحانه وتعالى وضع الحد الأدنى للزكاة ) / هكذا لفظها /
( هذه الأمور لاعلاقة لا بكتب حديث ولا بمحدثين ولا بالفقهاء )
( إسقاط هذه الأمور على كل شيء هذا غير صحيح إطلاقاً )
.
إلى هنا لا أستطيع أن أعلّق على شيء ؟ لأنني لم أستطع أن أفهمه ، رغم محاولتي لفهمه ؟
.
ثم يقول مانصه وأنا أفرغ كلامه هنا :
( لأن الرسول الصلاة والزكاة من الشعائر أما قانون الحياة وتنظيم الحياة من سفر وزواج وآلية الزواج وآلية الطلاق كل هذه الرسول اتبع فيها أعراف العرب واتبع قوله تعالى ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) خذ العفو الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة وخذ أكثر شيء تؤثر فيه على الناس )
أقول : هذا كلام غير موزون ، ولا مسؤول ، ولا مفهوم ، ولذلك لم استطع أن أعلّق أو أعقّب عليه ؟ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوّره ، ولا أدري لماذا استعصى علي الفهم في هذه الكلمات ؟ ولكن الذي أعرفه بأن مايقوله العلماء في هذه الآية الكريمة هو : بأنها جمعت مكارم الأخلاق ، والعفو يطلق على خالص الشيء الجيد ، وعلى السهل الذي لاكلفة فيه .
ثم يتابع قوله :
( والأعراف هي أسس التشريع في كل المجتمعات والأعراف تتغير من مكان لآخر ومن زمن لآخر وبالتالي الرسول في آلية الزواج والخطبة والرسول في السفر وفي لباس المرأة اتبع أعراف العرب في ذلك الوقت وكان عليهم أن يطيعوه في ذلك الوقت لأنه اتبع الأعراف ونحن اذا ذهبنا إلى فرنسا فيجب اتباع الأعراف وإذا ذهبنا إلى اليابان علينا اتباع اليابان في اللباس )
.
أقول :نفس الذي قلته في الفقرة السابقة ، مع إضافة : لاداعي هنا لبيان المغالطات في كلامه ؟ فالأعراف ليست هي اساس التشريع في كل المجتمعات ؟ والرسول عليه السلام لم يتبع أعراف العرب فيما ذكر ، إنما اتبع شرع الله واتبع أمر الله عز وجل ، ولماذا على المسلم اذا ذهب الى فرنسا عليه ان يتبع اعرافهم ؟ ولماذا ليس على الفرنسي أو الياباني اذا ذهب الى مصر في رمضان أن لا يتبع أعرافهم ؟ ولكن المغالطة التي مرّرها هي في قوله ( والرسول اتبع اعراف العرب في لباس المرأة ) ويقصد ان ذلك كان في حياته عليه الصلاة والسلام ، أمّا بعد مماته ( فقد تولّى شرحه بشكل مفصل في أماكن أخرى ، إذ لا يجب عليها إلّا ستر بعض نقاط منها ؟) ليوحي لمتلقيه بأن الرسول لم يتبع أمر الله عز وجل ؟ وهذا بالنتيجة سيصب في النهاية التي يعملون لها وهي ( بشرية رسالة الاسلام ) أي ليست من عند الله بل من عند الرسول ؟
.
ثم يتابع محمد شحرور كلامه ويقول :
( ما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب )
ويتابع شرحه للآية الكريمة ، وهنا يسقط الشحرور سقطته الذريعة وذلك بقوله
( أتاكم الرسول ، الرسول هنا كولي أمر ) ( لأن المميز بين فعل جاء وفعل أتى )
ويحاول الشحرور هنا شرح الفرق بين فعل جاء وفعل أتى بقوله :
– جاء : هو من مكان إلى آخر أو من مجهول إلى معلوم .
– والإتيان : هو ماكان من عندك والإنسان يزكي بماله ولذلك قال ( يأتون الزكاة )/ هكذا لفظها /
وحصر هذه المعاني ضمن هذا لسياق ، وجاء بأمثلة شعبية على ذلك .
.
هنا ظن الشحرور بأنه يمتلك ناصية اللغة ؟ ليذهب بعيداً في شرح ألفاظ ومعاني الأفعال التي خانته الذاكرة فيه ، وخانه حفظه للنص قبل إلقائه ، وما ساعده على ذلك هو مستمعيه الذين نصبوا العراضات والمهرجانات والدبكات الشعبية والإعجابات ابتهاجاً بما توصل اليه من معاني عجز عنها السابقون ، واتسعت بسببها الهوّة بينه وبين اللاحقون .
ودليل عدم احاطته باللغة وتصريفها وتراكيبها ودلالاتها ، وأخطائه الكثيرة في نطق وتشكيل الكلمات ، أبيّن له مايلي :
– فعل جاء أتي بمعان منها :
– جاء : بمعنى أتى في الوقت المناسب
– جاءه الخبر : وصله
– جاء اليه : أتاه
– جاء الأمر : حدث وتحقق
– جاء إلي الشخص بمعنى : حضر ، أقبل ، أتى ، وصل
– جاؤوا بفعل : ارتكبوه ، فعلوه
– جاء الغيث : نزل
– جاء من السفر : عاد
– جاء تأتي بمعنى اتى ( وليس كما ذهب الى عكسه الدكتور شحرور )
.
. وننتقل لفعل أتى ونبين مغالطات الشحرور فيه عندما قصره على معنى واحد:
– أتى : جاء ، حضر ، وصل ، نزل وحل ،
– أتى : قرب ودنا : ( أتى أمر الله)
أتى الأمر : أنجزه وحققه
– أتى المكان : جاءه ، قصده ، مر به ، ( فلما أتاها نودي ياموسى )
– أتى به : جاء به
– أتى القوم : انتسب إليهم فهو منهم
– أتى الحفل : حضره
– أتى الهلال : ظهر
– أتى عليه الدهر : أهلكه
.
والغرابة أن يحصر الشحرور كل فعل في خانة واحدة ، ثم يوظف ذلك لتمرير مايريده ، وبالتأكيد سيتم تمرير هذه المغالطات على غير المتخصصين .
.
إن كل مايهدف اليه المهندس محمد شحرور ، ووظّف لذلك كل ماستطاعه من تلاعب بألفاظ مثل : الفرق بين ( جاء وأتى ) وبين ( نزل وتنزيل ) وماشابه ذلك من وجود مترادفات وعدم وجودها ، ومن تلاعب في الأسماء والصفات والفروقات بينهما ، والفرق بين دلالة الاسم ودلالة الصفة ، وهذه من الأمور التي تبهر العوام ، ويعتمد على ذلك ليقول ويقرر ويمرّر مايعمل لأجله وهو الذي يظهر جلياً في ما يختتم به قوله في آخر الفيديو دون مواربات :
( فلو أمر الرسول أمرني أن لا أنام ثلاث ليال سأقول له سمعاً وطاعة لأنه وليّ أمر )
( ولكن هذا لا يسري بعد موته ) ؟؟؟؟؟

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.