علم النظام لداعش !

المدن

هناك قصة لم تثر الاهتمام ولم تتم روايتها بعد، تتصل بالعمل الخفي الذي قام به الحلف الاسدي / الإيراني / الروسي ، mf44واستهدف بناء تنظيمات متطرفة في سورية احتسبت على المعارضة ، مع انها لم تكن غير اختراقات سلطوية مزقت صفوفها ، ومحاولات لافراغ الثورة من مضمونها كثورة حرية ، ولتحويلها إلى اقتتال طائفي متعسكر ووحشي ، يقضي شيئا فشيئا على الذات الجماعية الحاملة لمشروع التغيير الثوري والمنخرطة فيه : المتمثلة في الشعب السوري .

لعب العمل المخابراتي دورا مجهولا في السعي لتقويض الثورة وتدمير الشعب وانقاذ النظام الاستبدادي . لا اتحدث هنا عن مخبرين افرادا اندسوا في هذا التنظيم او ذاك من تنظيمات الجيش الحر والمعارضة ، بل عن تنظيمات كاملة تم تأسيسها بعلم ومعرفة وتمويل مخابرات النظام وايران وروسيا، تبنت برامج مذهبية متطرفة، وقامت بفظاعات يصعب تصديقها ، كقطع اصابع شبان في مقتبل العمر قبض عليهم وهم يدخنون السجائر، وفرض نظم طالبانية على المواطنين عامة والنساء بصورة خاصة ، اللواتي الغي ما كان متاحا لهن من حرية وكرامة ، ومنعن من التعليم والخروج من منازلهن ، وكاقامة حواجز للتحرش بالناس والاعتداء عليهم وارعابهم ، وانشاء سجون تعرض المعتقلون فيها لضروب وحشية من التعذيب وللقتل ، وفرض اتاوات “جهادية” عليهم ادت الى سلب اموالهم ومصادرة ممتلكاتهم واختطاف اولادهم ، دون ان تقصر في تأليبهم على الجيش الحر واطراف المعارضة الأخرى، التي واجهت مخاطر القضاء عليها ، و”تحرير” المناطق التي حررتها منها ، وإعادة السيادة الاسدية إليها من خلال التنسيق العسكري والامني الوثيق مع اجهزتها ، بعد ان كلفت تنظيما معينا هو “داعش” باعتقال وقتل من لم تتمكن هي من اعتقالهم وقتلهم قبل خروجها من مناطقهم ، فلا عجب ان ايقن مواطنون كثيرون ان النظام عاد الى مناطقهم من جديد : بجلباب ولحية بدل البذة المبرقعة والذقن الحليقة. لذا ، دب اليأس في قلوبهم مما آلت إليه اوضاعهم، وفقدوا الامل في تحقيق الوعد الديمقراطي الذي ثاروا من اجل تحقيقه ، فوجدوا انفسهم فريسة مصيبة اشد هولا من اية مصيبة كانوا يخشونها ، ونسوا فترة الحرية القصيرة التي تمتعوا بها قبل طرد الجيش الحر من مناطقهم .

احتلال الثورة من الداخل وافراغها من مضمونها كفعل حرية ومعاقبة من قاموا بها : هذه هي مهام تنظيمات الارهاب التي عرفتها سورية، وجسدت “داعش” نموذجها الاكمل ، الذي عصف بالثورة السورية، وكاد يخرج الجيش الحر من معظم مناطق انتشاره في الاراضي المحررة ، واحتل المعابر الحدودية مع تركيا او المناطق المحاذية لها ، ومارس سياسات تمييزية وطائفية شاملة كان آخرها فرض الجزية على مسيحيي الرقة ، ونشر الفساد بين المقاتلين بقوة المال السياسي واطلاق ايديهم في رقاب الناس وارزاقهم، واختطف رجال الدين من مسيحيين ومسلمين ، وقتل مئات المثقفين والاعلاميين ورجال العلم والمعرفة ، ونسف منازل واماكن عبادة واسواق ومخابز ومشاف ميدانية ومدارس ، في استكمال واضح لعملية التدمير الشامل التي كان النظام ينفذها قبل طرده من المناطق المحررة .

واليوم ، يذوب الثلج ويبان المرج ، فإذا ب”داعش” تأمر برفع اعلام النظام فوق مراكزها ، وإذا بقسم كبير من منتسبيها يفاخر بانتمائه السابق او الراهن الى اجهزة النظام ، ويتباهى بتنفيذ اوامر أتته من دمشق ، التي اعانت ” داعش” على استرداد مواقع هامة استراتيجيا خسرتها ابان المعارك مع الجيش الحر، واعادت تسليحها وتنظيمها بعد هزائمها الاخيرة ، وموضعتها في مواقع تمكنها من احتلال مناطق حدودية في شمال سورية تقطع امدادت الجيش الحر ، وتستعيد من خلال وجودها فيها دورها الذي كانت تؤديه بخصوص محاصرة واختراق حلب وحماه وحمص وادلب ، وتشتت الجيش الحر الذي يجد نفسه منذ اشهر عديدة منخرطا في معارك ضارية على جبهتين متكاملتين يقاتل في اولاهما الجيش الرسمي ، وفي ثانيتهما تنظيم “داعش” الارهابي .

بالمقابل ، لم تلحق “داعش” اي أذى باي تشكيل من تشكيلات النظام واي شخص منه. لم تغتل ضابطا من ضباطه او قائدا من قادته ، ولم تقتحم منازل هؤلاء او تعتقلهم او تنكل باسرهم . ولم تهاجم ثكناتهم ومقراتهم او تحاصر مواقعهم ، ولم تعرضهم لأي فعل من الافاعيل التي تعرض لها كل من ينتمي إلى الجيش الحر والحراك المدني والديمقراطي ، ولم تكفرهم أو تعلنهم مرتدين . بدوره ، لم يهاجم النظام “داعش” بل هاجم من يقاتلونها ، ولم يقصف بالطيران والمدفعية الا من هددوا مراكزها أو تصدوا لها ، ومهد باسلحته الكقيلة لهجماتها، وزودها بما توفر لديه من معلومات عن الجيش الحر ، وسهل عبورها من مناطق سيطرته، وامدها بالاسلحة والذخائر والمؤن الضرورية لمعاركها، فليس مستغربا ان تقر اخيرا بواقعة أنها جزء من النظام ، وتبادر إلى رفع علمه فوق مراكزها ، تأكيدا لسيطرته عليها ، وحضوره الرسمي فيها .

لم تكتب بعد قصة الاختراقات المخابراتية التي جسدتها تنظيمات ارهابية فاعلة ك”داعش” . عندما ستتم كتابتها ، سيدرك العالم أي جهد بذل سوريا وايرانيا وروسيا لتشويه الثورة والاستيلاء عليها ، وكم ظلم شعب سورية حين احتسبت عليها تنظيمات متطرفة تكفر الحرية وتقتل الاحرار ، اكلت من رصيد ثورة الحرية ، وانهكتها وقتلت خيرة ابنائها !.

About ميشيل كيلو

كاتب ومحلل سياسي سوري معارض لنظام حكم عائلة الأسد الاستبدادي تم سجنه من قبل الطاغية بشار الاسد من ابرز وجوه الثورة السورية المسيحية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.