رياح الآلهة

samilnisifسامي النصف

تعتبر الحرب الكونية الثانية هي أم المعارك الحقيقية في تاريخ الإنسانية لا أم الهزائم التي صاحبت خروج قوات صدام الفضائحي والسريع من الكويت، في تلك الحرب العالمية اخترع اليابانيون أسلوب الطيران الانتحاري الذي سمي بـ «كامي»
KAMI
أي «الآلهة» وكازي
KAZE
أي «الرياح»، أي إنهم أعطوا تلك العمليات نوعا من الروحانية والبعد الديني، وقد رد الجنرال الأميركي الفذ باتون على تلك الفلسفة بفلسفة مضادة حين قال لجنوده: «لا أريدكم أن تتسابقوا للموت لأجل وطنكم، حيث ان تحولكم من أحياء لشهداء يعني الضرر الكبير بعائلاتكم وأوطانكم ممن سيتكفلون بإعاشة أراملكم وأيتامكم، ما أريده منكم هو أن تتسابقوا على قتل جنود أعدائكم حتى يصيب الضرر أوطانهم وعائلاتهم»!

> > >

تتواتر الأنباء عن أن تنظيم داعش أصبح يستخدم بوفرة أسلوب الدفع بالانتحاريين في حروبه غرب العراق وشرق سورية، وتذكر بعض الاحصاءات أن 90% من الانتحاريين هم من القادمين من الدول الاخرى كالخليج وشمال أفريقيا وأوروبا.. إلخ، وهو ما يعزز النظرية القائلة بأن تنظيم داعش خُلق ليصبح مصيدة قتل للمتطرفين في كل مكان، حيث يتم جمعهم في صحارى بلداننا ثم تعريض كثير منهم للإعدامات الميدانية دون محاكمات، والبعض الآخر ليصبحوا ضحايا القصف الجوي في مناطق مكشوفة، والبعض الثالث يتم التخلص منهم عبر زجهم في معارك ثم تركهم وحيدين بعد الانسحاب السريع ليلا منها، والبعض الرابع عبر تفخيخ السيارات التي يقودونها ثم تفجيرها عن بعد دون علمهم، والبعض الأخير يرسل في عمليات انتحارية ضد تجمعات مدنية وشعبية، وهو ما يثير حنق خصومهم فيستبسلون في حربهم ضدهم والتخلص منهم.

> > >

وفي الحالتين اليابانية والداعشية تعكس الظاهرة الانتحارية اليأس الشديد وقرب الهزيمة، فعمليات «الكماكازي» لم تبدأ في اليابان إلا قبل أشهر قليلة من انتهاء الحرب الكونية وظهور بوادر هزيمة اليابان، فشعر كثير من طياريها الشباب باليأس والمذلة، وكان الطيران الانتحاري خيارا سهلا لهم للخروج من ذلك الوضع البائس، والوضع مماثل للشباب الذين غرر بهم وارتحلوا للعراق والشام تحت خداع انتصارات داعش الكاذبة والغامضة عندما انسحبت أمامهم طوعا جيوش العراق وسورية، فاعتقد هؤلاء الشباب بسذاجتهم وسطحيتهم أن دولة الخلافة الإسلامية منتصرة لا محالة، وعندما تكشفت لهم الحقائق بعد سلسلة هزائم التنظيم المتلاحقة أصبحوا في حالة يأس شديد، فبقاؤهم يعرضهم للمحاسبة الشديدة من قبل خصومهم ممن لم يعرف عنهم الرحمة بهم، بل المعاملة بالمثل من قطع أعناق وإحراق وتعذيب لا طاقة للإنسان به، كما لا يوجد خروج آمن لهم من مصيدة العراق وسورية، ولم يعد من المتاح لهم إلا العمليات الانتحارية كحل وحيد لإشكالاتهم ولإيصالهم الى حور العين وجنات النعيم، كما يعتقدون، وأيديهم ملطخة بدماء الأبرياء من المسلمين!

> > >

آخر محطة (1): الفارق بين «الكماكازي الياباني» و«الانتحاري الداعشي» أن الأول وجه جهده للأعداء من أتباع الأمم المعادية، بينما سخر الثاني جهده لقتل الأشقاء من أبناء وطنه، القاسم المشترك بينهم أنهم لم يحصدوا إلا الهزيمة، فاليأس لا يأتي بالنصر!

(2) ما نراه من عمليات انتحارية مدمرة بالمنطقة هو نتاج طبيعي لسنوات طوال من تعليم الشباب حب الموت وتسويد صورة الحياة الدنيا أمامهم، وتشجيع الخروج السريع منها، وهو تماما بعكس ما أوصى به ديننا الحنيف من ضرورة حب الدنيا والتعمير فيها حتى الرمق الأخير من حياة الإنسان!

(3) عندما دعت دولة إسلامية آسيوية السنغافوري لي كوان لنصحهم بكيفية النهوض، أجابهم بتقرير رسمي بعد أن درس حالتهم شهورا عدة قال فيه: إنكم تعلمون شبابكم الكراهية الشديدة للحياة الدنيا، فكيف تريدونهم أن يعمروا في مكان يكرهونه؟! إن الإنسان لا يعمر إلا في المكان الذي يحبه!

*نقلا عن “الأنباء”

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to رياح الآلهة

  1. س . السندي says:

    خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟

    ١: تحليل منطقي وواقعي ومقاربة ومقارنة جداً صحيحة وسليمة ، فاليأس لا يجلب النصر بل قد يجلب الكوارث والويلات والمصائب كما حدث لليابانيين ؟

    ٢: أخشى مانخشاه هو أن يكون مصير منطقتنا وشعوبنا في النهاية كمصير هيروشيما وناكازاكي إن لم يكن اسوأً فكما دفع يأس اليابانيين إلى وزال مدينتين فقد يدفع يأس الدواعش ومموليهم ووعاظهم الى وزال دولتين وهذا ما يبدو في الأفق القريب ؟

    ٣: وأخيراً …؟
    حتى لانضحك على أنفسنا ونطمر في الرمال أجسادنا وعقولنا يجب الإقرار أن الجود من الموجود ، والتي أقرها قبلنا ذات يَوْم حمار حين سئل من أسد لماذا انت حمار ، فقال ، وماذا تريد مني أن أكون ، ولكن ألأكثر إستحماراً وإستهبالاً من لم يربطني جيداً لأهرب واقع بين يديك ، سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.