تأشيرة زيارة من البصرة الى بغداد

baghdad_1أستعد ابو الطيب للذهاب الى سفارة بغداد الوقعةعلى ضفاف شط العرب بالبصرة ليجرب حظه للمرة العاشرة في الحصول على (فيزا) لزيارة بغداد وتمنى وهو يتأكد من الاوراق المطلوبة الا يجد طابورا طويلا من المراجعين يقفون امام بوابة سفارة بغداد بانتظار الحصول على تأشيرة زيارة.
وجد طابورا طويلا هو نفس طابور امس وقبله ومع هذا وقف فيه بانتظار الفرج,كانت الشمس اللاهبة ترمي حرارتها على رؤوس المراجعين الا صاحب صاحب الحمار الذي يقوده وهو يدفع فوقه برميل ماء يدعي انه مثلج ليبيعه على طابور المراجعين.
وحين همّ ان يطلب كوبا من الماء طلع عليهم احد الموظفين من كوة صغيرة وصاح بهم تعالوا بكرى اليوم القنصل ماموجود،وماتنسون تلزمون سرة مثل الاوادم ترى والله العظيم اللي مايلزم سرة بالطابور ينحرم من التأشيرة سنة كاملة.
زفر ابو الطيب وعدّل من كوفيته ونظر الى القوم مليا وعاد ادراجه الى البيت.
في الطريق حاول ان يتذكر عدد السنوات التي لم ير فيها بغداد،اوه،كان ذلك منذ زمن بعيد يوم كانت بغداد عاصمة لبلد اسمه العراق كان يستقل القطار الصاعد ليصل اليها فجرا واول ماكان يفعله يهرول نحو بائع (الكيمر مع الكاهي)،مايزال يتذكر ذلك الطعم رغم مرور هذه السنوات الطويلة.
ويتلقفه بعد ذلك شارع الرشيد ليشتري من هناك قميصا جديدا ويغيّر قميصه ويطلب من صاحب المحل الاحتفاظ به الى حين عودته مرة اخرى.
ثم يعرج على سينما اطلس ودون ان يتفحص الافلام المعروضة يدخل الى قاعة السينما ويجلس على اقرب كرسي هناك.
وما أن يبدأ عرض الفيلم حتى يغط في نوم عميق.
يستيقظ فجأة على اصوات وهي تصيح (اعور،اعور) ويسأل احد الجالسين بقربه:منو هذا الاعور،فيجيبه الجار ساخرا:لازم اول مرة تجي على السينما ومع هذا سأقول لك،عارض الافلام ينسى ان يضع البكرة الثانية من الفيلم وربما يذهب لشرب الشاي ولهذا يطلقون عليه الاعور لأنه لم ينظر الى البكرة الثانية من الفيلم.
ويعود ابو الطيب الى اغفائته بعد ان هدأت الاصوات ولكنه يستيقظ بعد اقل من نصف ساعة ليرى نفسه وحيدا في القاعة ويحس بالضيق لأنه سيغادر هذا المكان المكيف الى حيث الهواء اللاذع ،يتمشى الى حيث الباب الشرقي،ومن سوق البالة هناك يعبر الى شارع ابو نؤاس،وكالعادة يقف دقائق امام تمثال ابو نؤاس ثم يقفز بخفة الى حضنه ويجلس مرتاحا وسط دهشة المارين.
وكانت اروع رغبة له في ذلك الوقت مراقبة دجلة وهو يحضن سفينة سياحية صغيرة تقل ركابا من مختلف الاعمار ثم يدير رأسه الى الجهة المقابلة ليعد عدد الكازينوهات التي حملت اسماء الالوان فقط،فاهي الكازينو الصفراء تقدم بيرة فريدة وتلك الكازينو الحمراء التي تقدم اللاكر ،اوه هاهو بار آسيا يعج بالقوم كالعادة ولكن ليس مثل ازدحام بار ماري في نهاية شارع الوطن في البصرة.
في كل مرة يحسب عدد البارات في شارع ابي نؤاس ليجد انه نفس العدد:360 بارا وبعدد ايام السنة تبدأ من اول الباب الشرقي حتى نهاية الجسر المعلق.
ينظر الى ساعته ليجد ان وقت العودة بالقطار النازل الى البصرة قد حان،وكالعادة ينسى ان يتناول عشائه عند الحاتي.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.