المُعلّم الذهبي ! ج 19 تلخيص كتاب الخرافة Superstition

روبرت لي پارك

روبرت لي پارك

مقدمة :
خلال حياتي تعلّمتُ (ولو شيئاً واحداً) من كلّ كتاب قرأتهُ !
حتى كتب التراث الأصفر (في شبابي) رغم مبالغاتها الدونكيشوتيّة ,إنّما وفّرت حينها شعوراً (وإن وهميّاً) بالسعادة والنصر والحياة الأخرى الهانئة في جناتِ عدن الخُرافيّة !
لاحقاً في بداية التسعينات عندما بدأتُ ألتهم كتب عالم الإجتماع العراقي (د. علي الوردي) ,فهمتُ كيف تسير الحياة الحقيقية ,بالخصوص (شخصية الفرد العراقي) !
ثم توالت قراءاتي لأغلب مشاهير العقل والحكمة والفلسفة والعلم / فريدريك نيتشه ,جورج أورويل ,برتراند رسل ,إسحق دويتشر ,غابرييل غارسيا ماركيز ,د.ريتشارد داوكنز ,د.كامل النجار,سوى العديد غيرهم .
كنتُ أكتب أحياناً (وهذا ما أزعج البعض لا أفهم لماذا) ,مُعلّمي الأوّل (د. علي الوردي) ,مُعلّمي الثاني (د. ريتشارد داوكنز) ,وهكذا .
لا لشيء إلاّ أعلاناً لفضلهم ,وتقيماً لتلك الفترة من حياتي ,وتفاخراً بهؤلاء الكبار الذين نفعوا البشرية في كلّ مكان !
اليوم بعد إنتهائي من كتاب الخرافة
Superstition
لعالم الفيزياء الأمريكي الموسوعي (روبرت لي پارك) ,وتلخيص معظم كتابه على شكلِ مقالات (هذا هو الجزء 19) ,فأنا أوّد إضافته الى قائمة هؤلاء المُعلمين الكبار الذين أفادوني في حياتي الى درجة كبيرة .

في الواقع لقد فهمتُ من خلال كتاب الخرافة التفسير العِلمي لمعظم ما نواجهه ويدور حولنا في حياتنا اليوميّة !
لا خرافات ,لا قوى ماورائيّة ,لا باراسايكولوجي ,لا طبّ بديل ,لا أُبر صينية ,لا تنويم ويوغا ,ولا أعشاب وحجاب ونقاب !
الحياة مجرّد كيمياء وبكتريا وعواطف وغرائز وأحاسيس بشرية ,لأجل البقاء والتطوّر والإرتقاء نحو الأفضل !

رعد الحافظ

رعد الحافظ

***
في هذا الجزء سنمّر على أغلب مفردات الطب البديل ,أو بالأحرى
(المُكمّل للطبّ البديل)
C A M

التي تعني
Complementary Alternative Medicine
الذي يشمل :الاعشاب الطبيّة ,الطبّ الصيني ,الأبر الصينيّة ,اليوغا ,التنويم المغناطيسي ,المُعالجة المثليّة ,الإرتجاع البيولوجي ,والريكي الياباني (يعني الشفاء بالكفّ) إضافةً الى الأدعية والحجاب والخُشيخشات وباقي أنواع الخرافات القديمة !
معناها كلّ أنواع الطب التي لاتقع ضمن نطاق الطبّ التقليدي المعروف الذي يعتمد على طرق العِلم والبحث العِلمي كأساس لكلّ التفاصيل !
***
ص 160/ زائدة جيمس ريستون !
يختارُ البعض أن ينظروا الى الخلفِ آملينَ أن يجدوا أسرارَ الصحة في عالم ما قبل العِلم .إنّما لايجدون سوى محض خرافاتٍ عتيقة !
(جيمس “سكوتي” ريستون) كان يعمل في صحيفة النيويورك تايمز .
يومها كان يُعتبر أهمّ مُعلّق سياسي في الولايات المتحدة !
وصل الى پكين صباح 12 يوليو 1971 (أي قبل زيارة الرئيس نيكسون التأريخية الى الصين بسنتين) ,لأجلِ مُقابلة أوّل رئيس وزراء صيني هو (تشو إن لاي) الذي تقلّد هذا المنصب منذٌ عام 1949 الى حين وفاته في يناير 1976 (رحلَ قبل رحيل زعيمه ماو تسي تونغ بثمانية أشهر فقط)
كانت الصين حينذاك أكثر دولة غموضاً في العالم ,بعد إختفائها لسنوات طويلة خلف (ستارةِ الخيزران) التي صنعها زعيمهم (ماو تسي تونغ)!
لكن في تحضيرهِ لـ (ردّ الدخول) النهائي الصيني الى العالم ,سعى رئيس الوزراء (تشو) الى رفعِ زاوية من ستارة الخيزران تلك .
كانت أداته المُختارة هي (جيمس ريستون) كما فكّر .إنّما لم يكن ليتنبأ بكيفيّة إنتهاء الأمر !
***
مفاجئة مَرَضيّة !
بعد وصول جيمس ريستون الى الصين بوقتٍ قصير شعر بألم طاعن مُفاجيء أسفلَ بطنهِ .وفي المساء كان يمّر بحمّى شديدة !
حين عَلِمَ رئيس الوزراء (تشو) أنّ ضيفه مريضاً,نادى أهمّ المُختصين في المدينة ليتعاونوا في عِلاجهِ .وفي الصباح التالي كان ريستون قد اُدخِلَ المستشفى (الضد ـ إمبراطوري) للعلاج .
قصة ما حصلَ لاحقاً حُكيت وكُرّرت ألفَ مرّة !
مع كلّ حكاية هناك تغييرات طفيفة في التوكيد (على جدوى الطبّ الصيني) وحتى في الوقائع ,تلحقها تبعات سيّئة على الصحة العامة في أمريكا وحول العالم !
لهذا السبب سأعتمد فيما يلي على كلمات (جيمس ريستون) نفسه التي كتبها من پكين وكما ظهرت في النيويورك تايمز 26 يوليو 1971 ,يعني بعد إسبوعين فقط من الحادث .
***
ص 161 / في المستشفى الصيني !
اُخِذَ ريستون وزوجته الى جناحِ المُستشفى المُخصّص لعلاج أعضاء السلك الدبلوماسي الغربي وعوائلهم .
في المدخَل كانت هناك علامة كبيرة بالإنكليزية تقتبس كلام الرفيق ماو :
[ لن يطولَ الزمن حتى يكون كلّ المُعتدين وكلابهم الراكضة في العالَم قد دُفنوا .. لا مهربَ لديهم ! ]
حتى في المرّة التي زرتُ فيها الصين بعدَ عقدٍ ,أمكنني رؤية علامات كهذهِ تقتبسُ كلام الرفيق ماو خصوصاً في المناطق الريفية .
رغم أنّ (الثورة الثقافيّة البروليتاريّة العُظمى) كانت قد اُنهيت رسميّاً بأمر من ماو نفسه عام 1969 ,إلاّ أنّها ظلّت قوّة قديرة حتى بعد موته 1976 في المُستشفى عوملَ ريستون بلطفٍ وخبرة إحترافيّة !
اُجريت إختبارات تتضمّن تخطيط للقلب الذي ظهر منتظماً .وحين وصل فريق الخبراء الذي إستدعاه رئيس الوزراء (تشو) ,قاموا بفحص ريستون من جديد .وأعلنوا أنّ هناك إلتهاباً حاداً في الزائدة الدوديّة يتطلّب عملية على وجه السرعة !
كان إنفجار الزائدة سيسمح للكمّ الهائل من البكتريا التي تعيش بسلام في القناة الهضمية بدخول جوف الجسد .وبدون علاج ستقتله البكتريا الهائجة
فكانت الخطوة الاولى هي إزالة مصدر الخطر أي (الزائدة) !
في المساء اُدخل ريستون غرفة عمليات حديثة ,اُعطيّ حقنة قياسية من اللايدوكين والبنزوكين كمُخدّر موضعي .وتمّت إزالة الزائدة وكان واعيّاً بالكامل ومرتاحاً لما يجري .في الحادية عشر عاد من جديد الى غرفته مع زوجته ,اُعطيّ حقنة اُخرى لتخفيف الألم وحلزون صغير من البخور لتعطير الغرفة تلك الليلة .(كلّ شيء كان وروداً) كما كتب !
لكن لم تمضِ الليلة الثانية ,حتى بدأ يشعر بألم وإنتفاخ في المعدة .
اُستدعي طبيب وخز الأُبر في المُستشفى !
بعد موافقة ريستون أدخل الطبيب اُبر الى مرفقه الأيمن وأسفل ركبتيه .
ثمّ بدأ بتحريك الأبر ليجعل الـ(تشي) تتحرّك وتُحفّز الأمعاء .
وبوصف ريستون (أرسل ذلك موجات من الألم تتسابق خلال أطرافي كان لها على الأقلّ تأثير تشتيت إنتباهي عن الألم الأصلي في معدتي) !
خلال ذلك أشعلَ الطبيب قطعتين من عُشب قرب معدة ريستون ,مع تدويرهِ للأبر .
يستذكر ريستون (إنّ ذلك كان طريقة غريبة للتخلّص من غازات المعدة)
إنّما على كلّ حال فبعد ساعة بدأ يشعر بتحسّن ملحوظ ولم تتكرّر الحالة .
ربّما كان (ألكا سيلزر) ليوّفر راحة أسرع ,لكنّنا لن نعرف !
***
ص 162 / هوس الوخز بالأبر !
هذه كانت حدود تجربة (جيمس ريستون) عن الوخز بالأبر في الصين !
يعني لم تُجرَ له عمليّة إزالة الزائدة بإستخدام الأبر الصينية كمُخدّر ,كما أعلنت قصص الإعلام مراراً !
لكن تمّت معالجته من سوء الهضم بالوخزِ بالأبر .وتضمّن ذلك ما يُدعى بالتعطيب
Moxibustion
حيث تُقرّب حرارة أعشاب محروقة من نقاط الوخز !

لاحقاً شعرَ ريستون بتحسّن كما يشعر كلّ مَنْ يُعاني من الغازات !
كانت هذه التجربة الفرديّة مع نتائجها (المُشوشّة بعض الشيء) هي كلّ ما إحتاجه الأمر لإطلاق هوس الوخز بالأبر في الغرب !
في قصة النيويورك تايمز التي كتبها جيمس ريستون نفسه من پكين بعد إسبوعين من عملية الزائدة ,تنبّهَ الى خطر المُبالغة الطبيّة في تقدير النجاح .لكنّه تراجع كعادته عن إتخاذ موقف خارج مجاله ,فكتب يقول :
[إستناداً للبرقيّات التي تصلني هنا فالتقارير الجيّدة وإدّعاءات الشفاء الملحوظ من العمى ,الشلل ,والإضطرابات العقليّة بالوخزِ بالأبر ,قد قادت الى تخمين يُعتّد به في أمريكا ,حول تقدّمات طبيّة جليلة وعظيمة في مجال الطبّ الصيني بالأعشابِ والأبر .لا أدري إن كان هذا التخمين مُبرّراً ..فأنا لستُ مؤّهل للحُكم] !
***
ص 163 / الأبر الصينيّة كما كانت تُمارس !
كعادته (كصحفي) كان ريستون يعتصر الطبيب الصيني لأجل معلومات حتى في وقت ضائقته الصحيّة .
لم يكن الطبيب الصيني ذو ال 36 عام قد ذهبَ الى كلية الطب ,فقد تعلّم حرفته كمُتدرّب عند خبير في الوخزِ بالأبر .
سألهُ ريستون عن ماهيّة المادة التي أحرقها ليسلط الحرارة على نقاط الوخز والتي بدت (كنوع من سيكار رخيص) .فأخبره الطبيب أنّ المادة هي ai وهي على الأرجح آرتميسيا فيرلوتيورم الشائعة الإستعمال في هذه الحالات .
سألتُ ذات مرّة طبيباً تخرّجَ في الغرب ويدرس اليوم الوخز بالأبر في جامعة أمريكيّة ,لماذا هذا العشب بالذات يستخدم في التعطيب ؟ ألا توجد طرق أسهل ؟أجابني (بعد حيرة) هذه كانت ومازالت الطريقة المُستعملة .
في الواقع هذا الجواب يُمثّل مُلخّص لكامل ثقافة الوخز بالأبر !
وهذا الجواب نفسه هو علامة تحذير لو شئنا الإنتباه !
فالخرافات تبقى دوماً عصيّة على التغيير .ويحرص ممارسو السحر الأسود على أداء كلّ تعويذة بالحرف الواحد كما تُمليها الكتب القديمة ,لئلا يستجلبوا بالخطأ قوى الظلام على أنفسهم !
النتيجة بالطبع أنّ هؤلاء لن يملكوا يوماً السبيل لمعرفة ,ماهو الشيء المُهم في القضيّة الذي يؤثّر ويُسبب النتائج !
هذا هو الحال مع الطبّ الصيني التقليدي ,ومعظم الأشكال الأخرى للطبّ البديل .
نفس الكلام ينطبق على العلاج المثلي ,حيث يصف كتاب هانيمان (قانون فنّ الطبّ) المنشور قبل قرنين ,عدد مرّات(وهي أربعة) خضّ المحلول .
بينما علميّاً تمّ تفنيد كلّ الإفتراضات التي قام عليها العلاج المثلي .
فقد قيس (عدد أفوكادرو) لخمس مراتب بعد الفارزة ,فوجدوا أنّ معظم الأمراض تنتج بسبب الجراثيم ليس إلاّ .ورغم ثبوت كون العلاج المثلي محض خرافة ,إلاّ أنّ هناك آلاف الأتباع الى يومنا متمسكين به !
يُمارس الوخز بالأبر حسب كتاب (الإمبراطور الأصفر في الطبّ) أو
(هوانغ تي ني تشنغ سو ون) المؤلَف قبل 2000 عام ويُظّن أن تجميعهِ تمّ على يدِ مجهول !
في ذلك الحين لم يكن هناك شيئاً واقعيّاً معروفاً عن الفسلجة والأمراض .
حتى أنّ تشريح أجساد البشر كان ممنوعاً بالمُطلق في الصين القديمة ,مثلما كان الأمر في حضارات حوض المتوسط !
رغم ذلك تضمّن كتاب (الإمبراطور الأصفر) مُخططات مُفصّلة تُظهِر مئات نُقاط الوخز مُرتبة على مسارب
Meridians
خطوط تجري من أخمص القدم الى هامة الرأس كانت مبنيّة كما يبدو وفق التخمين المحض

ورغم أنّ كل طالب طبّ يقضي ساعات طويلة في تشريح الجُثث ,إلاّ أنّه لايجد أيّ معالم تتعلق بالمسارب .السبب ببساطة أنّها غير موجودة !
الوخز بالأبر (كالعلاج المثلي) مجرّد خرافة غريبة يُمارسها مَن يرغبون بالإيمان ,لكن الناس مازالوا يتخيّلون انّ الوخز بالأبر يُخفّف آلامهم ,فلنحاول معرفة السبب !
***
ص 164 / الطبّ السياسي !
جامعة فودان في شنغهاي هي إحدى الجامعات المرموقة في الصين التي إستطاعت البقاء مفتوحة خلال الثورة الثقافية !
شرحَ لي أستاذ فيزياء في فودان قضى عديداً من سنوات الثورة (يرّد تعليمه مقابل العمل الذي يقوم به في الحقول) ,أنّه قبل الثورة الثقافيّة اُنجزَ تقدّم كبير في تحديث الطبّ في الصين .والأطباء المتدّربون في الغرب كانوا محل طلب كبير .
لكنّ الجماهير لم تستطع الحصول على أيّ نوع من العناية الطبيّة .
فإعتمدوا على الطبّ الشعبي المُشتَق من الطبّ الصيني التقليدي !
كان تدريب الأطبّاء على الطبّ الغربي يستغرق وقتاً طويلاً جداً ليفي بالحاجة العاجلة .
كان ردّ حكومة (ماو تسي تونغ) هو المبادرة لبرنامج ضخم لتدريب الأطبّاء في الطبّ الصيني التقليدي .ليس فقط كونه يتطلّب تدريباً أقلّ بكثير ,لكنّه أيضاً يتناغم مع نظريات ماو عن الإكتفاء الذاتي !
في قلبِ الثورة الثقافيّة (كما قيلَ لي) كان الأطبّاء المتدربون على الطبّ الغربي يُكلّفون بمسحِ الأرضيّات في بعض المُستشفيات ,بينما المنظّفون يعالجون المرضى !
العديد من الصينيين تفاخروا بإمتلاكهم طبّهم الخاص ,خصوصاً بعد أن أثارت علاجات (كالوخزِ بالأبر) إهتماماً واسعاً لدى العموم في الأمم الغربيّة .للاسف فإنّ تحوّلات ثقافيّة كهذهِ لا يُمكن إلغائها بسهولة !
***
ص 166 / سياسات بديلة !
مهما كانت اللغات اللاحقة التي قد نتعلّمها في حياتنا مفيدة وضرورية في شتى المجالات ,إلاّ أنّ غالبيتا سوف يستمر بالتفكير مع نفسه بلغتهِ الأمّ !
لكن الأطفال لايملكون إعتقادات مسبقة وهم يتقبّلون كلّ جديد يُخبرون به لذا تتّم برمجتهم بسهولة نسبيّة !
عندما نكبر لن نتحرّر بالكامل من الثقافة التي تشبّعنا بها (بما فيها الخرافات) في لغتنا الأم الأولى !
لكن الأكثر إقلاقاً من الخرافات التي نتعلّمها في طفولتنا ,هو ما نجده اليوم من عدد الأطبّاء الغربيين الذين تجذبهم للوخز بالأبر ,قصص خياليّة عن شفاءات إعجازية قادمة من الصين .وينتهي بهم الأمر بمحاولة تطبيقها على مرضاهم .
لابُدّ أنّ شيئاً ما في تعليمهم الطبّي قد اُهمِلَ كي يسمح بحدوث ذلك !
هذا ليس مُفاجئاً ,فهناك مواد كثيرة لتُغطّى في كليّة الطبّ ,بحيث يُعلّم الطبّ وكأنّه ينبثق عن مجموعة مُسلّمات .مع إنتباه قليل جداً يولى للبحث المضني المليء بالأزقة المُظلمة والحدوس الخاطئة الذي قاد في النهاية الى فهمنا الحاضر .إذ دون ذلك التأريخ لا يتعلّم الطلاب ان يكونوا شكّاكين .على كلٍّ فنحنُ نميل لإرتكاب نفس الخطأ في تدريس الفيزياء !
***
ص 167 المُعلّم الذهبي (جعلته عنواناً لهذا الجزء) !
عندما وافق الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ,على إنشاء لجنة البيت الأبيض للطبّ البديل من 20 عضواً (إختيروا من كلّ منطقة تقريباً في الدَجَل الطبّي/ تنويم ,يوغا ,أبر صينية ,ريكي ,علاج مثلي ,أعشاب ,الخ)
شكّلَ ذلك تهديداً وإنذاراً كبيراً لعلماء الطبّ الحقيقيين .
كانوا قلقين من كون ذلك سيساهم في نشر الطبّ الخرافي !
كان رئيس اللجنة هو (د. جيميس غوردون) من جامعة جورج تاون .
وهو طبيب نفسي في المنطقة الهامشيّة لطبّ (العقل ـ البدن) ,الذي أطلقَ إعلاناً أنّ بإمكانهِ زيادة حجم صدر النساء بالتنويم المغناطيسي !
تنبّأ غوردون بسعادة أنّ تقريره سيّحل محل (تقرير فلكسنر) الذي درسَ ممارسة الطبّ بالكامل في أمريكا !
ملاحظة : (إبراهام فلكسنر هو مُنظّر تربوي إختارته مؤسسة كارنيجي ليرأس مسحاً للتعليم الطبّي .قام خلال 18 شهر بزيارة كلّ المدارس الطبيّة الـ 155 في أمريكا ,ثمّ كتب تقريراً دقيقاً عن الأوضاع ومستويات التعليم ,قاد في النهاية الى إغلاق كلّ كليّات الطبّ الخاصة ,بما فيها كليّات العلاج المثلي) !
لكن لحُسن الحظّ تمّ نسيان (تقرير غوردون) بوقت أقلّ من الذي إستغرق كتابته !
كان غوردون لثلاثة عشر عاماً تابعاً للمُعلّم الروحي الهندي الراحل (بهاغوان شري راجنيش) الذي جاء الى الولايات المتحدة عام 1981 للعلاج الطبّي من الربو .وإجتذبت رؤاه الجامحة حول الجنسِ والمُخدّرات جمهوراً واسعاً ضمّ عدّة إختصاصيين كانت حياتهم الشخصيّة قد تحطّمت وكانوا يبحثون عن حلول .
إشتروا لأجلهِ مزرعة بمساحة 102 ألف دونم في مقاطعة (واسكو ـ أوريغون) ,حيث أنشأ مَشاعة
Commune
للناس الذين كانوا يبحثون عن شيءٍ ما .وسُجّلت قانونيّاً بإسم ((راجنيش پورام)) !

كان على الأعضاء تسليم كلّ مُمتلكاتهم للمَشاعة ,وقضوا ساعاتٍ طويلة في العمل اليدوي المَضني كجزء من إستنارتهم !
في حين كان (البهاغوان) يُعرَض على التلفاز وهو يتنقّل في رتل سيارات من 35 رولز رويس ,كلّما تركَ المزرعة !
لم تكن مَشاعة راجنيش پورام (كما لك أن تتخيّل) على الإطلاق محبوبة من جيرانها ,في تلك المنطقة الريفيّة المُحافظة .
وبعد أن ظهرَ للعيان أنّ أتباعه قاموا بتسميم حوالي 700 مُقيم في قرية أنتيلوپ القريبة (بالسالمونيلا) ,كي يمنعوهم من التصويت في إنتخاب محلّي ,سُفّرَ راجنيش الى الهند !
في الهند أخذ إسم أوشو ,وكوّن حركة أوشو !
لكن صحته كانت في حالة تدهور .وللمفارقة فقد إدّعى أنّه قد تمّ تسميمه بالثاليوم على يدِ إدارة ريغان خلال ال 12 يوم التي قضاها في الحجز قبل تسفيرهِ !
تقريباً في ذلك الوقت كتبَ د.جيمس غوردون كتاب المُعلّم الذهبي !
الذي تناوب فيه الإعجاب بـ (أوشو) ,مع إنجلاءِ الوهم حوله .
عام 1990 بهاغوان شري راجنيش / أو أوشو / أو راجنيش جين ,كما سُميّ عند مولدهِ فارقَ الحياة في الـ 58 من عمره ,لكنّه بدا يومها أكبر بكثير من ذلك .لا يزال هناك أتباع عديدون لفلسلفة أوشو ,أيّما كانت !
(أليست قصة هذا الرجل أوشو مثالاً لقصص جميع الأنبياء والأدعياء قديماً وحديثاً ؟ كاتب السطور)
( إنتهى الجزء 19 من تلخيص كتاب الخرافة ) !
***
الخلاصة :
رأينا كيف يؤمن حتى (المُتعلمين) بالخُرافات عندما يكونوا في حالة ضعفٍ شديد نتيجة تحطّم حياتهم الشخصية مثلاً ,هذا ليس بالغريب .
إنّما الغريب أن يكون طبيب قد درسَ تشريح جسد الإنسان لسنوات قبل تخرجهِ ,ثمّ لا يؤمن بنظرية التطوّر والإرتقاء الطبيعي لداروين ,ولا يفهمها أصلاً .بينما يؤمن بالخرافات والأبر الصينية والتنويم وما شابه ؟
هذا ينقلني لطريقة التدريس في الغرب وكيف تطوّرت في السنوات الاخيرة بحيث أصبح هاجسهم ترك مساحة واسعة للطالب أن يُبدِع ويقول رأيه ويذكر فكرته وإقتراحه حول أيّ موضوع يُطرَحْ .لا مُقدّسات تمنع الحوار والنقاش (حتى لو كانت نظرية علمية نالت العلامة الكاملة في جميع الإختبارات وتحوّلت الى حقيقة مركزية في العلم) !
مؤخراً سألني إبني الأصغر (فيصل) وهو طالب ثانوية :
هل تتخيّل حال الإنسان كيف سيؤول من خلال التطوّر والإنتقاء الطبيعي بعد مليون عام ؟
فأجبته مازحاً :هل سيمتلك جناحين مثلاً ؟
رّد عليّ : ربّما ليست الى هذه الدرجة ,لكن خلايا الدماغ المُستخدمة ستزيد نسبتها كثيراً عن وقتنا الحالي ,ويمكنك تخيّل النتيجة !
لا أدري لماذا شعرتُ لحظتها بفخرٍ شديد بإبني ومُعلميه على السواء ؟
على كلٍ يقول مؤلف هذا الكتاب الرائع (روبرت لي پارك) :
[رؤيتنا عن العالَم تشكلّها سنواتنا التكوينية .وقلّة منّا فقط قد يهربون كليّاً من السيطرة اللاواعيّة التي يفرضها تلقين طفولتنا المُبكر] !
بينما يقول المفكر الشهير هيغل :
[إنّ ولادة الأشياء العظيمة غالباً تكون مصحوبة بالألم] !
وأنا أقول : فهم حياتك ومحيطك ومصيرك ,يحتاج محاولة ومثابرة وقراءة علميّة دائمة !

تحياتي لكم
رعد الحافظ
11 مايو 2015

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.