المكبس التكتوني ! ج 15 تلخيص كتاب الخرافة !

روبرت لي پارك

روبرت لي پارك

مقدمة :

[أنبل مُهمة للنقد العلمي هي تحطيم المُعتقدات الخاطئة] !
الفيلسوف الليبرالي النمساوي /لودفيج فون ميزس
***
فيما مضى كان العِلمُ يُعامل بشكٍّ وريبة وإزدراء لصالح الماورائيّات !
كان الفلاسفة والعُلماء يتعرّضون لشتى المخاطر بما فيها التهديد بالموت إذا هُم لم يتراجعوا عن أفكارهم (الهدّامة) .كما حصل مع أشهر الفلاسفة (سقراط) عندما اُجبِر على تناول السُمّ .و مع عالم الفلك والفيزياء (غاليلو) الذي تراجع عن أفكاره أمام الكنيسة ليكسب حياته .ناهيك عن عشرات العرب والمسلمين الذين وصموا بالإلحاد والزندقة بدل (العِلم والفلسفة) , حتى قيل (مَنْ تفلسف فقد تزندق!) أمثال الرازي وإبن رُشد وبشّار بن برد وإبن المقفّع وإبن الراوندي والجاحظ وغيرهم كثير !
لكن ماحصلَ هو التالي :(عندما شربَ سقراط السُمّ ماتَ خصومهِ ودخل هو في ذاكرة التأريخ) !
وعندما تراجعَ غاليلو عن أرائه :(أثبتَ أنّهُ ليس مٌستعداً للموتِ في سبيل قناعاته وإستنتاجاتهِ العِلميّة ,فقد يكون مُخطئاً) !
إنّما تدريجيّاً بدأ العِلم والعُلماء يكسبون مايستحقون من إحترامٍ وتقدير عندما بدأت جهودهم وأبحاثهم تؤتي منافعها للناس وتغيّر حياتهم .
كما حدث مع إختراع فليمنغ (البنسلين),الذي أنقذ الملايين !

رعد الحافظ

رعد الحافظ

في ذاتِ الوقت بدأ تراجع دور ومكانة وقيمة رجال الدين ,كونهم لايقدّمون للناس سوى الكذبَ والخِداع والتحريض على الكراهيّة !
بحيث وصلَ الأمر عند نيتشه حدّه ليُعلِن فكرته :[لا أريدُ أنْ أكونَ قديساً بل اُفضّل أنْ أكون مُهرجاً ,ولعلّني بالفعل إضحوكة] !
في هذا الجزء الـ 15 من تلخيص كتاب الخرافة في عصر العِلم / لعالم الفيزياء الأمريكي روبرت لي پارك ,ستقرأون كيف يتصرّف العلماء في وقت حدوث الكوارث وماذا يفعلون كي يجنّبوا البشرية أهوالها مستقبلاً !
***
صورة لكارثة تسونامي سومطرة 2004

ص 110/ المكبس التكتوني (وقد جعلتهُ عنواناً لهذا الجُزء) !
بالنسبة للعُلماء الذين يعملون على فهمِ لماذا تَحدث الأشياء تُصبِح الكوارث الطبيعية تجارب !
فيما يخّص كارثة تسونامي سومطرة عام 2004 ,عندما تأمّلَ القادة الدينيّون أسئلة عن العقاب الإلهي ,وفيما كان الناس موضوعات لإختبار ذكاء ماورائي .كان الجيوفيزيائيّون يدرسون البيانات من محطات زلزاليّة حول العالم !
كانت هزّة أرضيّة عملاقة مركزها في المحيط الهندي على بُعد 160 كم غربَ سومطرة هي السبب الأرجح للتسونامي ! لكن ما سبب الهزّة ؟
لقد كانت بالتأكيد إحدى أقوى الهزّات الأرضية المُسجلة منذُ إختراع مقياس الزلازل !
نحنُ نعيش على القشرة الصلبة الرفيعة لكوكب مُنصهِر كان يبرد منذ تكوّنه قبل 4,5 بليون عام .هذهِ القشرة مُتكسّرة الى صفائح تكتونيّة !
الصفائح التكتونيّة هي قِطَع ضخمة من الصخور تضغط على بعضها على طول خطوط الصَدع ,مع إستمرار الأرض في البرودة .
أحياناً تنكسر هذه الصفائح أو تنسحب فوق بعضها !
الهزّات الأرضيّة هي حركاتٌ مفاجئة لتلك الصفائح التكتونيّة على طول خطوط الصدع !
***
ص 111 / ماذا حدث بالضبط ؟
مثل عودٍ يتّم ثنيه حتى يطّق ,إنطلقت فجأةً قوّة التمدّد المُتناميّة بين صفيحتين كبيرتين في المحيط الهندي ,حين إنسحبت صفيحة فوق اُخرى !
لا تؤّدّي كلّ هزّة تحت المُحيط الى تسونامي ضخم !
لكن لأنّ صفيحة تكتونيّة قد إندفعت الى الأعلى بحركتها ,صارت أشبه بمكبس عملاق دافعةً حجماً مهولاً من الماء .
إنتشر الماء في المُحيط بتموّجات مُتّحدة المركز ,مثلما يحصل حين تصّب دلواً ضخماً من الماء في بُركة !
الهزّاتُ الأرضيّة التكتونيّة هي مظاهر طبيعيّة لا مَفّرَ منها !
وعلى مستوى أصغر فإنّها تحصل في مكانٍ ما من العالَم كلّ يوم !
كانت هذه الهزّة (غرب سومطرة) ببساطة ,أكبر بكثير من معظمها !
رغم ذلك وكونها تمركزت بعيداً في عُمقِ البحر ,أدّت الهزّة الأرضية الى ضرر قليل .ورغم أنّ الموجات كانت عاليّة جداً فقد كانت أيضاً عريضة جداً ,بحيث شعرت السُفن في البحر بدفعات خفيفة حيث مرّ التسونامي من تحتها .لكن الخراب حصل حين وصلَت الموجات خطّ الساحل !
المأساة الحقيقيّة (لدى العُلماء) تتمثل فيما يلي :
في الوقت بين حدوث الهزّة الأرضيّة ووصول التسونامي الى بلدة ( بندا ـ آجيه ـ سومطرة),كان هناك مُتسعاً من الوقت للناس كي يصلوا الى أماكنَ أعلى ..فقط لو أنّهم عرفوا !
تمّ رَصد موجة الصَدمة من الهزّة التي إنتقلت بسرعة الصوت خلال الأرض بمقاييس الزلازل حولَ العالَم .
في حين عَرفت كلّ مُحطة زلزال في العالم بأنّه قد حصلت هزّة أرضية كُبرى ,لكنّهم لم يعرفوا مُباشرةً أين هي ؟
كلّ ماعرفوه كان الوقت الذي وصلت فيه موجات الصدمة الى مقاييسهم !
***
ص 112 / صدمتان !
في الواقع سَجّلت مقاييس الزلازل صدمتان !
موجة P / أو موجة الضغط ,التي إنتقلت عبرَ الأرض .
و موجة S / التي إنتقلت عبرَ السطح كموجة على المُحيط .
تنتقل الموجة P أسرع من الموجة S !
من الإنفصال بين موجتي P و S يُمكن حِساب المسافة من مقياس الزلازل الى المركز !
لو عُرِفَت المسافة بين ثلاث محطات زلازل متباعدة ,يمكن ساعتها للعُلماء تحديد موقع الهزّة !
توجد أحدث المَحطات الزلزاليّة حول المحيط الهادي في اليابان , هاواي , والساحل الغربي للأمريكيتين بالخصوص !
كان لساحل المُحيط الهادي تأريخ من الإنفجارات البركانية العنيفة والهزّات الأرضية والتسونامي !
تتم مُراقبة المحطات الزلزاليّة طوال اليوم .لكن دقائق ثمينة تُفقَد في التخاطب بين المحطات والقيام بالحسابات .
حين تمّ تحديد أنّها كانت إحدى أقوى الهزّات المُسجلة إطلاقاً ,وأنّ المركز كان في المحيط الهندي ,كان التسونامي قد قطع معظم طريقه الى بندا ـ آجيه !
لكن حتى تلك اللحظة كان هناك وقت لتحذير الناس في المناطق المُنخفضة
فأيّ شخص معهُ خريطة يمكنه معرفة أين سيضرب التسونامي !
لكن لم يعرف أحد كيف يتصل بالمسؤولين المحليين في مناطق العالَم الثالث الشاسعة تلك .ولا كانَ لمعظم المسؤولين المحليين وسيلة لنشر التحذير !
الواقع المؤلم كان أنّهُ في مناطق الخَراب الجسيم هاجَمَ التسونامي عمليّاً ساحلاً بعد ساحل ,دون تحذير لساعات بعد تحديد موقع الهزّة !
***
ص 113 / الحماية !
حتى حين أسرعت دول العالم لتقديم الإغاثة والمساعدات الطبيّة وفرق البناء للمناطق المنكوبة بالتسونامي ,كان يتّم التخطيط لمنع كارثة مُماثلة لهذه !
العِلم ليس قريباً أبداً من القدرة على التنبؤ بالهزّات الأرضية ناهيك عن منع حدوثها .لكن الإتصالات الحديثة قادرة على نشر تحذير تسونامي بسرعة الضوء !
هناك دائماً قلق من كون هزّة شديدة إنّما هي مُقدّمة لهزّة أكبر منها !
لذا فالخطوة الأولى هي تنصيب طافيات إنذار
Warning buoys
تعمل على الطاقة الشمسيّة دون تحّكم بشري .تتحسّس مرور التسونامي وتُعلن الإنذار تلقائياً للمناطق الساحليّة .
أجهزة إنذار كهذه تُستخدم فعلاً في مناطق مُعيّنة حول المحيط الهادي وتتضمن تقنيات كاللوحات الشمسيّة الكهربائيّة وإتصالات الستالايت ونظام الموقع العالمي
GPS
وهواتف الماكرويف النقالة التي لم تكن موجودة قبل عقدٍ واحد !
الخطوةُ اللاحقة قيد الإنجاز هي ربط كلّ المحطات الزلزاليّة بحاسوب مركزي يقوم تلقائيّاً بجمع وتحليل الإشارات الزلزاليّة وإداء الحسابات وإرسال التحذير الى المناطق المُهَددة وإعلام الحكومات .كلّ ذلك يتّم دون تدّخل بشري !
ستُرّكز الجهود بقوّة في مناطق ذات توّتر مطاطي عالي في قشرة الأرض حيث تكون الحركة التكتونيّة أكثر إحتمالاً !
هذا هو القرن الحادي والعشرين ,لا يجب علينا أن نستسلم بخضوعٍ لقوى الطبيعة العمياء !
حتى لو تكدّست كلّ البشريّة في كلّ مكان عبادة على الكوكب لتُصلّي لآلهتها أنْ تُخلّص الأرض من كارثة اُخرى مماثلة .ستستمر حركة القشرة الأرضية دون توّقف لحظة واحدة !
لكن بإمكاننا التوّجه الى العِلم لتقليل المُعاناة التي تُسببها تلك الحركة !
(إنتهى الجزء 15 من تلخيص هذا الكتاب الرائع)
***
الخلاصة :
كنتُ دائماً أسأل نفسي وقت حدوث الكوارث الطبيعية الكبيرة حول العالم لماذا الضحايا يكونون أكثر في الدول الفقيرة ؟
يعني فوق مصيبتهم الأصليّة مع الفقر تأتي الكوارث لتحصد أرواحهم حصداً بالجملة ؟ أم أنّ الله يختبرهم ويمتحن صبرهم كما يقول المشايخ ؟
بعض الآراء تُحيل السبب الى ما يُسمى غضب الطبيعة كما تقول نظرية الإقتصادي الإنكليزي (توماس مالتوس) ,وملخصها :(أنّ الموارد الإقتصادية عموماُ في هذا العالم تزداد بطريقة متوالية عددية يعني
1 , 2 , 3 , 4 , 5 , ..الخ .بينما أعداد البشر تزداد بطريقة متوالية هندسية ,يعني 1 , 2 , 4 , 8 , 16 , 32 ..الخ
لذلك تُحاول الطبيعة العودة والحفاظ على التوازن الأصلي بين عدد الناس والموارد بأنواعها ,فتعمد الى الكوارث الطبيعية /كالتسونامي أو الزلازل أو الجفاف أو حتى الحروب بين البشر أنفسهم أو تصادم القطارات في الهند ومصر مثلاً !
ورغم كونها مُقنعة ظاهريّاً لكن النظرية لاتكون صحيحة علميّاً إلاّ لو إنطبقت على جميع الحالات المعروفة حول القضية التي تبحثها !
لكن في هذه الحالة نجد الصين ذات المليار وربع لم تتعرض لكوارث جماعية مماثلة لكارثة التسونامي إياه .
أغلب الظنّ عندي أنّ التقدّم العِلمي والصناعي والتكنولوجي والإتصالات وحتى نُظم الحُكم السياسيّة ومستوى معيشة الناس وما شابه,كلّ ذلك له صلة بأعداد الضحايا عندما تكون الكوارث طبيعية !
وأظنّ لو أنّ إعصار (ساندي) الشهير مثلاً الذي حدث في الولايات المتحدة قبل بضعة أعوام ,لو كان قد أصابَ بلداً فقيراً لدمّرهُ تدميراً !
إن هي إلاّ مسألة عِلم وقوانين وظواهر طبيعيّة وتدابير وقائية تجاهها !

تحياتي لكم
رعد الحافظ
12 أبريل 2015

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.