الجزء الثاني من تلخيص كتاب اليهودي اللايهودي / إسحق دويتشر

isacdoitcher

مقدمة :

فيما يلي بعض المقاطع المُعبّرة عن سلوك ستالين مع اليهود وإسرائيل .
ووصف لبعض مشاعر اليهود ,وحتى الصهاينة في إسرائيل !
***
يقول إسحق دويتشر ما يلي :
ص 51
عادةً نحنُ نتشدّد مع مَنْ نختلف معهم في بيئتنا ,أكثر من خصومنا البعيدين عنّا !
***
لقد واكبَ نظام الحزب الواحد في روسيا تطوّر وتبلوّر الستالينيّة !
إنّ سنوات العُزلة و خيبةِ الأمل من تلّقي العون من الخارج وإنهزام الشيوعية في أوربا . كلّ هذه مهدّت لمذهب ستالين في بناء الإشتراكية في بلد واحد .
كان ردّ فعل البلاشفة على عُزلة روسيا أن سلكوا آيدلوجية العزلة .
لقد صنعوا من الحاجة فضيلة !
ولأنّهم قُطِعوا عن العالم .. قاموا بمقاطعة العالم !
ونحنُ نعرف الآن الى أيّ مدى قد تخلّى البلاشفة عن تقاليدهم الاُمميّة
عندما ساروا في بناء الإشتراكية في البلدِ الواحد الذي أقامهُ ستالين .
وعلى نحوٍ ثابت تسلّلت نزعة اللاسامية في روسيا كما في الغرب !
***
ص 54
لقد كان ستالين (وهو بطبعهِ لا يثق بشعبهِ بل يزدريه) ,أقلّ إندفاعاً منهُ في أيّ وقتٍ مضى نحو العمل على رفع روحهم المعنوية .
وكانت دعايتهِ في شهور الهزيمة تُدار بطريقة غير متقنة ,وبدت
عديمة الجدوى !
***
ص 55
علينا أن نتذكر ,أنّه رغم كلّ الجرائم التي إقترفها ستالين ,فإنّهُ هو نفسهُ الذي أمرَ بتقديم المساعدة لمليونين ونصف المليون من اليهود ,في المناطق المُحتلة في روسيا . وذلك بنقلهم الى المناطق الداخلية من البلاد
الأمر الذي أنقذهم من معسكرات الإعتقال النازية ,ومن غُرَف الغاز !
وهذهِ حقيقة يميل القومي اليهودي والصحافة الصهيونية الى تناسيها .
***
ص 56
مهما يُقال عن الذي حصل لليهود الذين نقلوا الى الداخل الروسي .
ومهما واجهوا من كراهية وأضطهاد من السكان المحليين .
إلاّ أن الحقيقة الأخرى أنّ هؤلاء المليونين أو الثلاث من اليهود ,والذين يشكلّون الغالبية العظمى من الطوائف اليهودية في روسيا ,قد اُنقذوا من المذابح النازية !
***
كانت أعصاب الأمّة في روسيا أعقاب الحرب متوترة من جديد .
فإلى جانب الفوضى والإنهاك والضَجَرْ , اُضيفت عام 1946 مُصيبة اُخرى .فقد اُصيبَ موسم الحصاد بكارثة لم تشهد روسيا مثيلاً لها منذُ نصف قرن .
كان العجز منتشراً ودبّ اليأس في كلّ مكان ,عندما أصبح الناس يُحصون موتاهم .
لقد خسروا 20 مليون رجل في القتال !
كان إدراك هذه الخسارة الفادحة بطيئاً في البدء .بيد أنّهُ سرعان ما إهتزّت الأمة بقوّة لا تُحتمل !
لم يَعُد أحد يُبصِر رجلاً في المزارع أو الحقول الروسية .
فلم يكن يوجد سوى النساء والمُسنين والأطفالَ يفلحون الأرض ويُنتجون ثمّةَ محاصيل قليلة تكاد لاتكفي لسّد حاجة الأمة من الطعام .
و رُفِعَت جميع القيود عن تشغيل الأحداث ,وكانت الأوامر اليومية تنصبُ على العمل ومضاعفتهِ !
***
كانت العداوات القديمة والجديدة حادّة ومؤلمة .
وبدأ الصراع السرّي مرّة اُخرى بين تيارين عظيمين في طريقة التفكير وفي الآيدولوجية في المجتمع السوفياتي .
إنّهُ الصراع بين القوميّة والاُمميّة !
وإذا لم يفطن المرء دوماً الى حقيقة أنّ هذا الصراع يُشكّل الظاهرة الأساسية في المجتمع السوفيتي ,فسوف يفقد بذلك الشرط الأساس لفهم تأريخ مرحلة ستالين والأحداث التي تلتها والموقع الذي تشغله المشكلة اليهودية في الحياة السوفيتية !
فهناك القوميّون والمعادون للساميّة بين الفلاحين والعمّال والطبقة البيروقراطية والمثقفين .
كما يتواجد الأُمميّون (أضداد اللاساميين) في جميع تلك الشرائح أيضاً !
***
ص 57
علينا الآن أن ننقل إهتمامنا الى فصلٍ آخر من سياسة ستالين الخارجية , التي يبدو أنّها تتناقض لا مع موقفهِ الخاص من اليهود فحسب .
إنّما أيضاً مع النظرة التقليدية البلشفية للصهيونية !
فعندما كانت إسرائيل تُشكّل نفسها كدولة عام 1948 شاهدنا حالة مُثيرة ,
تلاقى فيها الروس والأميركيون في موقعهما وهما الخصمان اللدودان !
وقد عملا معاً على طرد الإنكليز من الشرق الأوسط .
وقاما معاً بدورِ القابلة في عملية ولادة إسرائيل !
ومهما كانت توّقعات ستالين,فإنّ إسرائيل تبقى مدينة لهُ بوجودها المُستقل ,حتى وإن بدا ذلك مُثيراً للدهشة !
لقد جاء تسليح الهاغانا بصورة رئيسة من مصانع الأسلحة في تشكوسلوفاكيا الستالينيّة !
وربّما بالغ ستالين في ذلك ,بحيث أنّ المساعدة والعون المادي الفعّال الذي كان يُعطيه ستالين لليهود ,قد بدا بنظر السياسيين الغربيين أمراً شريراً ,أثارَ الحقد وحرّكَ قدراً من الكراهيّة نحو اليهود !
***
ثمّ جاءت الحرب الباردة , فوجدت إسرائيل نفسها مُتخلخلة في مؤسساتها
مُحاطة بعالم عربي مُعادٍ ,متخوّفة من مستقبلها ,معتمدة على المساعدات الإقتصادية لليهود الأميركان .ما دفعها للتحالف الفعلي مع الولايات المتحدة .وبالطبع لم يكن هذا ليلقى إلاّ العداء من روسيا !
***
ص 58
كان يُقال في روسيا أنّ لكل يهودي أقرباء في الغرب ,وفي أمريكا غالباً .
هكذا بدأ ستالين يضطهد اليهود ويتهّمهم بشتى أنواع التُهم .
وفي الواقع أنّ هذا النوع من الحُجج لا يخلو من المنطق .
لقد كان لليهود ولع بأميركا وبأقربائهم فيها !
وإذا إستطاع المرء تخيّل منظر الجيوش الأمريكية تزحف على روسيا كما فعلت الجيوش الألمانية ,فلربّما ستلقى هذه الجيوش الكثير من التعاطف اليهودي ,وليس هناك حاجة لإنكار هذا الأمر !
***
ص 61 / مناخ إسرائيل الروحي !
مَنْ هو الإسرائيلي ,ومَنْ هو اليهودي ؟
كثيراً ما يُناقَش هذا السؤال في إسرائيل بسبب الأهميّة الواضحة لعلاقة إسرائيل الفتيّة بيهود العالم .
فهناك العديد من الصهيونيين ممن يؤمنون بعودة اليهود من المنفى .
هؤلاء يعتبرون كلّ يهودي خارج إسرائيل هو مُبعَد ,يقع عليه واجب العودة ليصبح مواطناً إسرائيلياً !
لكن من جهة اُخرى فإنّ الشباب الإسرائيلي عموماً لايشعر (بالإنتماء الى اليهودية العالمية) ,ولا أنّ هذه الأخيرة تنتمي الى إسرائيل .
ويُغالي بعضهم ليقول : أنّهُ إسرائيلي وليس يهودي !
والواقع أنّ الفارق بين اليهود وإسرائيل ليس زائفاً تماماً .
فهناك مسحة غير يهودية بشأن إسرائيل ,تظهر مثلاً في عُمّالٍ يكافحون الصحراء ويحوّلونَ رقعتها الى بساتين عنب وزيتون .وجنود يراقبون العرب بإستمرار عبر الحدود .وعموماً ذلك التحسّس الشعبي لوجود دولة إسرائيل والدفاع عنها من العالم الخارجي .
***
ص 62
قد يواجه الزائر لإسرائيل هذا السؤال :
( ألا تشعر أنّنا كيهود نملك جذوراً هنا ؟ )
إنّ هذهِ الكلمات (جذور) ,(بلا جذور) تتردّد بكثرة أثناء الحديث .
في الواقع لقد دفعَتْ الإقامة في معسكرات الإعتقال النازيّة والمعاناة من العداء البولندي القديم للساميّة ,والوقوع ضحيّة للحرس الحديدي الروماني ,كلّ هذهِ دفعت اليهودي كي يشعر أنّهُ في (إسرائيل) في وطنهِ وفي مأمن لذا فهو يُعبّر عن رضاه وإرتياحهِ وزهوهِ !
إنّ كلّ هذا الصراخ المُتناغم من التصوّف القومي يَصّرُ الآذان !
فهو لا يخلو من عنصرية الشعب المُختار القديمة ,والتي لا تنسجم مع عنصر العقلانية الباردة في الطبع اليهودي !
***
يُحدّثني ( بن غوريون ) بمرارة عن اليهود غير الصهيونيين فيقول :
(إنّهم اُمميّون بلا جذور وطنية ,لا يُمكن أن يوجد أسوء من هذا !)
فأجبتهُ أنّهُ يتكلّم كرجل ستاليني في دعايتهِ ,عندما يتحدّث عن اليهود بصورة عامة !
فلوّحَ بيديهِ مُحتجاً : [ كلا .. كلا , إنّني كرئيس للوزراء في هذا البلد كنتُ دوماً أؤكد أنّ الإسرائليين عليهم أن يشعروا بأنّهم مواطنوا العالم ,كي يكونوا ذوي قيمة كاملة لدولتهم .إنّني لا اُندّد بالاُمميّة التي لاتمتلك جذوراً وطنية بالطريقة التي إتبّعوها في موسكو ! ]
إنّ هذا بالطبع هو فكرٌ ثانٍ ل بن غوريون .
فهو يدين بشكل غريزي ويشجب كلّ أؤلئك اليهود غير الصهاينة الذين لاتُشكّل فكرة الإنتماء الى اليهودية فكرة مركزية أو شعوراً مُتسلطاً بينهم
لكن عندما يُشار بالبنان الى بعض التوافق بين كلامه والدعاية الستالينية (في فترة مؤامرة الأطبّاء) ,فإنّ وجههُ يتورّد مُرتبكاً ,ويصحّح نفسه !
***
ص 63
في إسرائيل شكّلَ أقدم شعب في العالم .. أحدث دولة قوميّة !
وهذا الشعب مُندفع لتعويض ما فاتهُ من وقت .
إنّ المَثل الأعلى لجميع اليهود هنا ,إنّما يتجلّى في إنماء هيكل قومي وقائي متين ,ممّا يقتضي ضمناً التخلّص من حياة المنفى …
الذكريات ,العادات ,الأذواق ,وحتى روائح المنفى !
يقتضي ذلك أيضاً تناسي الأجواء والمناظر الطبيعية الريفية والألحان الجميلة ولغات عدد كبير من البلدان مثل بولندا, روسيا, لتوانيا, النمسا,مراكش, تركيا, العراق !
( أظنّ أغلب يهود العراق في إسرائيل مازالوا يستمتعون بسماع المقام العراقي ,وهم من روّاده القدماء / كاتب السطور)
يا لها من عملية مُمتدّة ومتعددة الجوانب ,تتمثّل في إقتلاع نفسي يلي خطوات مأساوية من الإخلاء المادي .(ربّما يقصد الحوادث المؤلمة أمثال ما يُسمى فرهود اليهود في العراق / كاتب السطور) !
في الواقع هناك أغلبية ساحقة من الجيل الحاضر في إسرائيل ,لم تضرب جذوراً لها في إسرائيل بعد ,وهي غالباً لن تستطيع ذلك !
إنّ إسرائيل هي دولة الشخص المُشرّد ,لهذا يكثر الحديث هناك حول الجذور الضاربة .
إنّهم يتوقونَ للإبتعاد عن ماضيهم ,لإزالة إمارات المهانة ووصماتِ العار من أذهانهم .كذلك لتناسي جميع المحاولات التي قاموا بها لمجابهة ضَغائن الآخرين الموروثة .
إنّهم يتوقون للتخلّص حتى من جزء من عقلهم الخاص !
إذ يشعر بعض الإسرائيليين مثلاً بخجل عُصابي من اللغة اليديشية .
تلك اللغة التي قرأوا فيها أشعارهم في الحضانة .لغة قصص التوراة والأدب الغني المُدهِش الذي نَما في شرقِ أوربا قبلَ النكبة اليهودية !
إنتهى هذا الجزء
***
الخلاصة :
الحكمة والعقل والمنطق والإنصاف والإنسانية عموماً ,تستدعي منّا سماع ماحدث ووجهات نظر الآخرين .
إذ ربّما سنفهم ساعتها أونتفهّم بعض المآسي والوقائع والأحداث والمعاناة.
وهذا بالطبع سوف يساعد في عملية الجلوس الى طاولة الحوار … وبالتالي السلام المنشود لأجلِ مستقبل أجيالنا !

تحياتي لكم
رعد الحافظ

الأوّل من يونيو 2014

رعد الحافظ(مفكر حر)؟

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.