البحث عن الهوية …

samikheiamiفي فترة إعداد المجتمع السوري للتغيير، تأتي أهمية مسألة المواطنة ومسألة الهوية الوطنية في قمة سلم العقد الإجتماعي المطلوب عند الولوج إلى السلام.

هويتنا المعرَّفة اليوم هي أننا عرب سوريون وقد كان هذا التعريف الأقرب إلى شعورنا الوطني منذ بداية عصر النهضة في أواخر القرن التاسع عشر.

وعند التخلص من السلطة العثمانية عام 1919، كان علينا أن ندعم إنتماءنا الحضاري الذي ساهمت فيه جمعيات وطنية مثل ‘العربية الفتاة’ وناضل من أجله شهداء أيار.

وقامت ثورة الشريف حسين في الحجاز بالتحالف مع الإنكليز لتهزم العثمانيين، وأصبح للسوريين ملك (فيصل الأول) وجيش يقوده البطل يوسف العظمة.
وجاء الإنتداب الفرنسي تطبيقاً لإتفاقية سايكس- بيكو، ليزيد من شعور السوريين بالإنتماء العربي، ثم كان الإستقلال وبقيت النخب السياسية في المدن خاصة تنادي بالعروبة كهوية.

ثم جاء جمال عبد الناصر وحزب البعث ليزيدوا من إعتماد العروبة كهوية وإنتماء، وساعدا في معالجة النقص التدريسي للغة العربية في كل من الخليج والمغرب العربي.
من جهة أخرى تم تجاهل الحقوق الثقافية للمكونات السكانية ذات الأصول غير العربية رغم إعتماد مساواة لهم في التعليم والمهن الحرّة على إختلافها.

عندما ننظر إلى المجتمع السوري اليوم نجد أن %30 من السكان ربما هم من أصول شمالية (كرد، تركمان، مماليك على أنواعهم، شركس، أرمن، روم .. الخ) و%70 من أصول كنعانية وعمورية مع تطعيم من عرب الجنوب أو من مصر والمغرب العربي.

يضاف إلى ما سبق يشكل المتباينون ثقافياً أو دينياً بغض النظر عن أصولهم حوالي %35 من السكان.
خليط إجتماعي
social melting pot
أضفى على الوطن غنىً كبيراً في العادات والتقاليد وأعطى لشعبه مهارات لا تتوفر بالضرورة لدى باقي شعوب المنطقة.

لكن كل ذلك يبقى تحت مظلة العروبة فالثقافة العربية فرضت نفسها على سكان البلاد وورثت من الآرامية تأثيرها على المحيط المباشر.

لذلك يبدو أن أجمل توصيف لهويتنا هو ما كنت أدعو له طوال السنين الماضية، هوية ‘عرب الشمال’.
عرب الشمال عرب وكرد وتركمان وشركس وسريان وروم …
عرب الشمال سنة وشيعة وعلويون ومسيحيون ودروز وغيرهم …
عرب الشمال هم الصفة الملازمة لبلاد الشام والعراق.

إن هذه الهوية ترضي الإنتماء العربي فينا، كما يجب أن ترضي جميع المكونات الأخرى على إختلاف أصولها الإثنية أو الدينية.
لكلٍ الحرية في دراسة الثقافة التي يختار إلى جانب العربية، واعتماد العادات والتقاليد التي يختار.

أنا من عرب الشمال، قد أكون مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً …
أنا من عرب الشمال، قد أكون عربياً أو كردياً أو تركمانياً أو شركسياً أو مواطناً سورياً من أي أصل آخر.

مثلما هناك عرب الخليج واليمن وعرب مصر والسودان وعرب المغرب العربي ..
هناك أيضاً ‘عرب الشمال’، أهلي …

مواطنة عميقة وإحترام لحقوق الإنسان ستجعلان سوريا واحة القانون والكرامة الإنسانية.
تفاءلوا بالخير …تجدوه.

About سامي خيمي

سامي خيمي *سفير سوريا لدي بريطانيا, دكتور مهندس بمركز الابحاث العلمية واستاذ بقسم الهندسة الاكترونية جامعة دمشق
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.