أعراض قديمة .. لمرض جديد‎

mohamedbarziمنذ أيّام وبعد سماع تعليق سياسي وعلى غير العادة ، شعرت بمغص في رأسي ، وصداع في معدتي ، وكركعة لم اعرف مصدرها ، وشعرت بدوّار هادئ ، ولأول مرة في حياتي لمست وأحسست بل واقتنعت بأت الأرض هي التي تدور وليس نحن الذين ندور … ؟
فتوجهت الى المستوصف ، واصطحبت معي عكازي التي أتوكأ عليها ، وأهش بها على كل مايعترضني في الطريق من أفكار قد تشوّش على شعوري واحساسي ، وعلى الخرافات التي كوّنتها وجعلت منها عشّاً أفـــــرّخ فيه أحلامي ، وبعد معاينة الطبيب واستغرابه للحالة التي تنتابني ، طلب مني اجراء تحليل ومراجعته بعد يومين .
وعند مراجعته كانت نتيجة التحليل أمامه ، وأخذ يدقق النظر فيها ، وهو يقلّب شفتيه في كل الاتجاهات ، ويتلمّض ويتحوّل ثم ينظر اليّ بطرف عينه ثم يعود للورقة أمامه ، ثم ينظر الى النافذة ، ثم يحرّك يديه ويعدل نظارته ثم يبعدها عن وجهه ثم يعيدها ، وكل ذلك كان متزامناً مع حركات شفتيه ووجهه حتى ظننت أنه فقد التحكّم بأعصاب رقبته ؟ ثم شككت بأنني أخطأت الطريق الى طبيب للأمراض النفسية ؟ فانتابني شعور بالقلق ممتزجاً بشئ من الخوف والرعب ؟
إلى أن كسر حاجز الصمت المرعب بسؤاله : عكّازتك هذه تعمل على البطارية أم على الزنبرك ؟ فقلت له : انها تعمل على الطاقة الحرورية ؟ فقال مستغرباً : وماهي هذه الطاقة الحرورية ؟
فقلت له بالصيف تعمل على حرارة الإيمان ، فقال لي : وفي الشتاء ؟ فقلت له : في الشتاء تعمل على برودة اليقين ، وهنا أصبح الشكّ والارتياب متبادل بيني وبينه ، فأنا ظننته طبيب نفسي ، وهو ظن بأني مريض نفسياً ؟
فقلت له : ماهو مبرر ارتيابك ؟
فقال لي : انا أتعاطى مهنة الطب منذ ثلاثون عاماً ، ولكن هذه أوّل مرة أفاجأ بأن نتيجة التحليل تشير الى وجود عنصر لم ندرسه حتى في كلية الطب ؟
فسألته : وهل وجود هذا العنصر يعود لأسباب وراثية أم بيئية أم إجتماعية أم تراكمية ؟
فقال لي : وهذا الذي انا محتار فيه ؟ نتيجة تشير إلى مرض لاعلاقة له بكل تلك الأسباب ؟
فقلت له : وهل هذا المرض معدي ؟ مخيف ؟ خطير ؟ وما هو مجال تأثيره ؟
فقال لي : لم يخضع هذا المرض الى أي تجارب ؟ وأنا شخصياً اسمع به لأوّل مرة ؟
فقلت له : ممكن ان أعرف ماهو هذا المرض ؟ وهل سببه جرثومي أم فيروسي أم نفسي
أم عضوي أم ……….. ؟
فقال لي : أعتقد ان هذا المرض هو حصراً نتيجة لمواقف الشهامة والكرامة والتضحية
والنبـــل والإبــــاء والنخـوة والإ يثــــــار ….. ولا يصيب إلّا أصحاب تلك المواقف .
فقلت له : غريب ؟؟؟؟ وهل هذه المبادئ التي تربينا عليها تؤدي الى هذا المرض ؟؟
فقال لي : نعم … إن هذا المرض ( لا يوصف بـــه ) إلّا من يتحلّى بتلك المبادئ والصفات ….؟
فقلت له : وهل جوابك هذا هو نتيجة دراسة قمت بها …؟
فقال لي : لا …. بل نتيجة ( خبـــــرة ) الخبرة التي لن تجدها في أطنان من الكتب ؟
فقلت له : لو تكرمت وأخبرتني كيف عرفت ذلك ؟ أو كيف ارشدتك خبرتك لذلك ؟
فقال لي : بعدما حدّق ودقّــــــق وأطــال النظر في ( هويتي ) وتنهّـــد وتـــــأوه وتأسّف …
ولمحت أشباح دمعة تعبر مآقيه … ثم نظر إلي وأطــــــــــال نظره …
ثم قال : هذا المرض لم يظهر إلّا فيكم ؟
فقلت له : ولكن إلى الآن لم أعرف ما اسم ذلك المرض ؟
فقال لي : انه …. مرض التروما .
التروما … يا صديقي

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.