الشعوب عندما تبيض …!!

قرأت في مذكرات الشيخ كشك رحمه الله أن محبيه تجمهروا عقب الإفراج عنه عام 1982 بعد صلاة الجمعة، مطالبين بعودته للخطابة في مسجده وبقي الجمهور يهتف مطالبا بعودة الشيخ للخطابة، وفجأة ظهرت سيارة شاحنة تبيع البيض بنصف السعر، فانصرف المتظاهرون لشراء البيض!
وبعدها حضرت قوات مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين الذين كانو يحملون كراتين البيض. فوقف كل متظاهر ينظر للجنود ثم ينظر للبيض الذي بيده والذي حصل عليه بسعر (لقطة)، محاولاً تصور مصير هذا البيض في حالة مواجهة قوات مكافحة الشغب!!!
والنتيجة التي لم يتوقعها حتى قوات مكافحة الشغب كانت مفاجئة للجميع ….. كانت انصراف المتظاهرين بدون صدام، فالجميع اقتنع بأهمية *الحفاظ على البيض (اللقطة)!!*
ونسوا الشيخ والقضية
#والمواطن العربي وخاصةً في زماننا يحمل كراتين مليئة بأعباء العبودية والمشاكل تجعله *لا يفكر في إصلاح ولا تغيير*، كل همه هو تأمين الطعام والدواء والملبس والمسكن لأسرته.
عموماً… تعددت كراتين البيض في العالم العربي ولكن النتيجة واحدة !!
منقول

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

المجوس يستعدون

 نلملم الكتب القديمة فقد أدت دورها.إنتهت الدراسات عن الفلك و إبتدأت الرحلة إلى رب الفلك.كنا نحسب الوقت و نعد للسفر ثم نسينا الوقت لما إبتدأ السفر.تجمع أهل البلدة القديمة في الشرق قرب حدود مادى مع الصحراء حيث إستوطننا السماء المتسعة لندرس الفلك.تجمعنا معاً كما يسمينا الناس طائفة الحكماء.كنا كثيرون و لسنا ثلاثة كما تعتقدون حتي أننا في دخولنا أورشليم أخفنا هيرودس الملك الذى ظننا قافلة غازية.ما كنا ندري ماذا يجب أن نستصحب في السفر فنحن حتي لا ندرك أين هو السفر.لقد وضعنا مصيرنا في هذه الرحلة فلا نحن عارفون أين نذهب أو كيف و متي سنعود لو عدنا.نحن طائفة ما إعتادت المشي في دروب الجبال بل الكمون في مراصد الجبال. لكننا من أجل أمر ما غامض في قلوبنا يستحثنا علي التحرك, مضينا.تركنا الكتب خلفنا و صيحات التعجب و الغضب حولنا.السحرة قالوا علينا هؤلاء مجانين من كثرة النظر في الأفلاك.كهنة المعابد قالوا لا إله في السماء و لا إله علي الأرض يتجسد.الشعب تفرق بين مشفق علي عقولنا التي ذهبت و بين مشتاق لنستصحبه معنا.لم نرفض أحدا و لا إخترنا أحداً.لكن من أتي معنا كان من المجوس مثلنا و البعض تراجع بمضي الأيام.
تبرع الناس بالهدايا.تجمعت الهدايا فوق رؤوسنا .فإخترنا أقلها حملاً و أثمنها قيمة.كنا في نظر الناس حكماء (دانيال 2: 12، 18، 24، 27؛ 5: 7، 8) لكن بعد أن سألوننا أين أنتم ذاهبون؟أي ملك تترقبون؟ كيف ستعرفون الطريق و متي ستعودون؟ من يضمن سلامتكم في الشعاب الخطرة؟ كيف تضمنون سلامة هداياكم الذهب و اللبان و المر الذى تحملون؟ لم يجدوا لدينا إجابة فسقطنا من نظرهم و إعتبروننا كما قال كبير السحرة في الشرق أننا مخبلون تائهي العقول.كانت المرة الأولي الذى لا نجد فيه إجابات لبسطاء الناس الذين إعتبروننا ملوك الشرق و حكماءها.فقبل أن نبدأ الرحلة للمسيح تنازلنا عن ألقابنا.تركنا حكمتنا.إستودعنا كل الأسئلة لمن إليه نحن ذاهبون.فإعتبروننا لو شئتم أول رهبان العهد الجديد.
نحتاج شهورا طوال كي يأخذنا العلم إلى حيث المغارة بينما نجم صغير يجعل الأمر أسهل مما في جميع الكتب.فتعلمنا الدرس الأول أن المسيح فخر العلم و الإيمان يقرب البعيد , يختصر الزمن , يختزل الفروق التي بين الأرض و السماء.لا يرفض العلم بل يؤيده طالما يخدم الإيمان بشخصه الوديع.و ما يفعله العلم في قرون يفعله المسيح في ثوان.
تجمعنا قدام خيمتنا.تواعدنا أن نبدأ الرحلة سريعاً لئلا تختلف أحوال الفلك. ما كنا نعرف أن نجما ينتظر فوقنا .لم يجد واحد منا إجابة لأسئلة زوجته و أولاده أو أصدقاءه فتركوننا نذهب مشفقين علي مصيرنا المجهول.دائما الذاهبون إلى المغارة يختطفهم شعور لا تفسير له فيتركون مشاغلهم و يبدأون مشاغل جديدة بروح جديدة.عرفناها لما ذهبنا هناك.لقد علًمًنا قرار السفر أن إستجابة الإنسان للروح تحييه و بقدر ما تستغن بقدر ما تفرح عند لقاء المولود ملك اليهود الذى صار ملك الجميع.
تعلمنا أن النجم لا يعيش مع القابعين في خيامهم لكنه يهدي من يخرج من خيمته القديمة و يسير قاصدا الطفل الإلهي.حينها لا يترك الطفل قاصديه يتوهون.أخذنا النجم كرفيق من ايادينا .أما نحن فأخذنا بصحبتنا بعض الخراف و جدى صغير.كانت الذئاب في الطريق ترمقنا بمكرها.لكن الذئاب يا للعجب صارت تمشي بين قطيعنا الصغير كأنها حملان كأن الذئاب تحتاج إلى الرحلة لتتغير.نمور الجبال تخطو مع خطوات الجدي الصغير.ما أخافتنا و لا أخفناها.كنا في حماية صبي صغير نقصده.كان يرشدنا بنجمه .كأننا نحن الذين قال عنا إشعياء (إش 11: 6): فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا.” نعم رأينا الصبي الصغير يقودها و يقودنا. تعلمنا الكثير عن الصبي الصغير المخلص العظيم و قرأنا إشعياء النبي الذى ما كنا نعرفه و لا عرفنا.
كان مصيرنا يتقرر عند مرورنا بالقبائل و قطاع الطرق وسط الشعاب الكثيرة.كانوا يسألون من نحن و إلى أين الطريق. كنا ننظر إلى أعلي نشير إلي النجم و كأنهم لا يرونه أو يروننا فنمض بسلام تبهرهم ثيابنا الملكية يرمقوننا بإستغراب كأنما نحن مغيبين.ظلت القبائل في الطريق تفسح لنا الطريق من أجل جنوننا الذى ظنوه فينا.الملك الذى نقصده يستخدم حتي الظنون لينقذنا.1 صم 21: 11- 15.فتعلمنا في الطريق ألا نخش ظنون الناس فالصبي الإلهي يعمل بكل ما نستأمنه أو نخشاه.نجمه لم يرشدنا فحسب بل حمانا كثيراً.
منذ بدأنا الرحلة لم نتحدث عن الزمن.كان النجم هو الإجابة التي ترد على مخاوفنا.كنا نود أن نحتضنه كما يحتضننا بالليل و النهار.كنا نعرف دوما عن نجوم الليل أما أحلي ما عرفناه فهو نجم النهار.منذ غادرنا ضيعتنا و نجم النهار حديثنا.كنا حتي ندعوه ليأكل معنا كأنما هو صديق و ما كان ليأكل أو يشرب أو ينام.كان عالياً و أخذنا عالياً .نزل إلينا و بقي معنا كأنه يعد قلوبنا و أفكارنا لمعني التجسد.فالعالي نزل إلينا ظهر بيننا و نجم النجوم صار صديقاً.بقي معنا أو قل بقي فينا فالنجم خير معلم للتجسد.لهذا لم نندهش لما رأينا الإله صبي و سجدنا للصبي فالنجم علمنا درس الصبي العجيب.
كانت الرحلة إعداد للعقل و العلم و القلب .كانت الرحلة بشارة لمن قابلوننا و كنا نتحدث عن المولود الذى لم نره بعد.كانت الرحلة مثمرة و لو كنا من سكان أورشليم ما إستطعنا الحصول علي هذه الدروس التي أعدت قلوبنا للقاء المولود.نعم للرحلة آلام أصعب ما فيها شكوك و ظنون.لكن دع الصبي يقودها.و إبدأ الرحلة فيحلو في عينيك حتي الصعاب.النجم منتظرك حيث لا تدر.أخرج من الخيمة القديمة.خذ مسمناتك لتقدمها ذبيحة.هل تعلموا ما أثمن ما قدمناه للصبي؟ سنقول لكم في اللقاء التالي.

Posted in فكر حر | Leave a comment

الإساءة للمرأة السعودية

الرياض السعودية
 عبدالله بن بخيت

قرار معالي وزير الثقافة الذي يتصدى للإساءة للمرأة السعودية في أي عمل فني قد يبدو غريباً. الإنسان لا يمكن أن يقدم عملاً يسيء فيه إلى نفسه. العاملون في التلفزيون السعودي جلهم من السعوديين. بل إن الإعلام السعودي لا يمكن أن يسيء لأي إنسان من حيث هو إنسان بغض النظر عن وطنه أو انتمائه أو جنسه.

ما الذي يرمي إليه هذا القرار إذاً؟

يأتي هذا القرار في مرحلة حرجة وحساسة تلقى فيها المرأة السعودية دعماً غير محدود من القيادة الكريمة. يجرى تمكينها من حقوقها في العمل والحياة الحرة المستقلة بشكل متسارع. يمكن وصفه ببناء حقوقي للمرأة وبناء ثقافي للمجتمع.

المرأة السعودية في أولى مراحل انخراطها في العمل وفي الحياة العامة. سوف تتعثر في قلة الخبرة وتصطدم بمقاومة. من منعها طويلاً من الدخول في الحياة العامة ومنع عنها حقوقها لن يعجز عن متابعة تعثراتها أو أخطائها. سوف نشاهد كل زلة أو خطأ أما في صورة تحريض (سوء نية) أو في صورة طقطقة كما نقول بالحكي الشعبي. قرار معالي الوزير حسبما أرجو سوف يمنع تسرب مثل هذه الممارسات في الأعمال الفنية المحترمة لكيلا تلوثها.

فتحت القيادة الكريمة أبواب العمل والإحساس بالمسؤولية وحق المشاركة أمام المرأة فأصبح من واجب الإعلام الوطني أن يقوم بدوره على الوجهين. تشجيع المرأة على الانخراط في الحياة بشجاعة وحمايتها من الحرب المضادة المتوقعة بدرجة عالية من اليقظة.

يذكرني هذا القرار بالقرارات التي اتخذتها الحكومة الأميركية لتشجيع مواطنيها السود في الانخراط في الحياة والمساهمة مع مواطنيهم البيض في بناء البلد. بعد عقود من الإهمال والتهميش أعطتهم كثيراً من التسهيلات في التعليم والتوظيف وأصدرت كثيراً من القوانين التي تتصدى للنظرة الدونية أو التحريض على العنصرية.

لا يمكن أن نقارن بين الرجل والمرأة السعودية في خوض الحياة. تعطلت المرأة السعودية في العقود الأربعة الأخيرة بشكل مفتعل مما وسع الفجوة بينها وبين الرجل في الخبرة وفي معرفة العمل الجاد. من حسن الحظ أن هذه الفجوة لم تمتد إلى التعليم. لكي يرى المجتمع المرأة على الطريق الصحيح نحن في حاجة لهذا القرار وقوانين أخرى تقدم لها الحماية الوطنية.

ما أرجوه من معالي الوزير والأستاذ دواد الشريان العمل على حماية هذا القرار من أن يتحول إلى إيديولوجيا. لكيلا يصبح عقيدة متسامية تحد من نقد المرأة وتمنع وضعها موضعاً كوميدياً. يجب أن يطبق بحذر شديد حتى لا يتحول إلى قيد على الدراما السعودية التي تريد أن تستعيد مسارها هي أيضاً.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

الفلسطينيون تحت صدمتين!

قُضي الأمر، بعد أن أقدم رئيس الولايات المتحدة “دونالد ترامب” على رمي الصخرة الثقيلة في البئر العميقة، حيث قفز فجأة، وبجرأة فاحشة، إلى الاعتراف بأن القدس هي عاصمة الدولة الإسرائيلية، وبأن السفارة الأمريكية ستنقل إليها فوراً، متحدياً بذلك المجتمع الدولي برمّته، خاصة وفي ضوء قيامه بتعويج سير الاستراتيجية الأمريكية، التي داومت واشنطن على التمسك بها والمكوث عليها، طيلة العقود الطويلة الفائتة,
مثّلت هذه الخطوة، الصدمة الأولى، بغد أن توقع الفلسطينيون، بأن “ترامب” لن يُقدم على مثل هذه الخطوة، لا سيما وهو مشغول في تنجيد (صفقة القرن)، والتجنيد لها، وهي التي عزم على نشرها، بهدف حل القضية الفلسطينية،. وما زاد الأمر سوءاً لديهم، هو، من أين أتته تلك الجرأة؟ وكيف حصل عليها؟ وكيف يمكن أصلاً القيام بهذا الاجراء من خلال شخص كهذا، يمكن القول، بأنه كان محل ملاحظات داخلية وخارجية،
وبالتوازي، فقد سقطت عليهم الصدمة الأخرى – وهي أشد وطأةً من الأولى- ، حيث عكست شدّتها، نبرة ردود الفعل الآتية من العرب والمسلمين وحتى الغربيين، والتي جاءت متراخية ومثيرةً للخجل أيضاً، فلمسناها وكأنها قد سبق التحضير لها من قبل، ثمّ بعد ذلك، ولتخبئة سياستهم الدبلوماسية الفاشلة، أوجدوا حالة احتجاجية محمولة على أكتاف التهاون والخذلان، ما يُفسر السلوك لديهم، بأنهم لن يفعلوا أكثر مما حصل, مع علمهم بأن احتجاجاتهم مجتمعة ليست كافية.
من المهم أن نتذكر في هذا السياق، بان الخطوة، وقعت رغم الاعتراض الشديد من البيت الأبيض وجهاز الاستخبارات الأمريكية، ومسؤولين رفيعي المستوى، وجهات أمريكية نافذة، وحتى اللحظة الاخيرة تقريبا، حاولت الطواقم الدولية (ولا سيما الحلفاء والأصدقاء)، اقناع “ترامب”، بان خطوته هي خطأ تاريخي، وستُعقّد مسيرة السلام.
يزيد من هول الصدمة، عندما نلاحظ، بأن لا فرق بين خطوة “ترامب” هذه، وبين (صفقة القرن)، التي أعلن عن وضعها هو نفسه، وقد زعمت بعض المصادر، أن العرب لم يرفضوها، ولم يعلنوا عن تحفظات بشأنها على الأقل، برغم أنها خالية من القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة، بل إنهم قالوا بأنهم مستعدون للقبول بها، وإجراء الضغوطات اللازمة على الفلسطينيين للقبول بها أيضاً.
“ترامب” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” تعادلا تقريباً من حيث شعورهما بالراحة وأكثر من ذي قبل، خاصة وأنهما فقداً أذىً محدقاً، واكتسبا رصيداً داخلياً على الأقل، حيث قام الأول بإيفائه بوعده كأول رئيس للولايات المتحدة، وضمِن تسجيل اسمه في التاريخ الدولي، وأكّد الثاني، بأنه كان صاحب الفضل في جلب “ترامب” وحمله على اتخاذ تلك الخطوة والتي أمِل من خلالها، تغطية بعضاً من خطاياه.
إن تلك الخطوة، والتي دخلت حيز التنفيذ منذ التغوّه بها، هي أصبحت كحقيقة واقعة، وفي ضوء احتمالات مُتقدمة، بأن تحذو بعض الدول في الشرق والغرب، حذو “ترامب” خلال أوقات لاحقة، وإذا ما أراد العرب بخاصة، التصدي لتلك الخطوة، فإن ذلك يتطلب استنهاض ثلاث خطوات رئيسية فوريّة برغم أنها (مستحيلة)، باعتبار أن الدبلوماسية الحاصلة الآن أو المزمع القيام بها مستقبلاً، لن تسمن ولن تغنِ من جوع.
تتمثل الأولى القيام بإنهاء المشكلات القائمة بين الدول العربية، والشروع بتشييد علاقات شاملة بنّاءة، والثانية تحجيم علاقاتها مع الولايات المتحدة وإخفاضها إلى أدنى مستوىً، وبالتوازي النهوض نحو إجراء استعدادات حقيقية لإمكانية تشكيل حلف عربي- إسلامي، للحرب ضد إسرائيل، أو لإرغامها على قبول حلولٍ عادلة على الأقل,
إن رؤية الواقع، وبرغم ورود بعض الردود الصاخبة، وسواء المتجهة إلى الولايات المتحشدة، أو الذاهبة إلى إسرائيل، تشير إلى أن احتمال أن يتراجع “ترامب” حقاً عن قراره، هو عين العبث، خاصة وأن تلك الردود، بدت وكأنها مجرد خداع، يهدف إلى امتصاص غضبة الشعوب، برغم معرفة أصحابها، بأن الفرصة باتت مواتية أكثر أمام الإسرائيليين لمواصلة تهويد ما تبقى من المدينة المقدسة.
خان يونس/فلسطين
11/12/2017

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية | Leave a comment

ثلاث قصص

تأليف: ريكاردو إنريكي بيريث لاريس 
ترجمة: سيدي صالح الإدريسي 
نوستالجيا
تحل فينا شياطين رغما عنا. تظهر عندما نكون وُحْداناً، وفي اللحظة التي يكون فيها عقلنا تائها في يباب الذكريات. الصُّحبة هي الشيء الوحيد الذي يستطيع إبعادها عنا قليلا، قليلا فقط. وإذا صادف وجود زوار في المنزل، تختبأ تلك الشياطين خلف الستائر، أو تحت الأثاث، أو خلف الأذن. وتحضر عندما نكون لوحدنا والفراغ المسكون يملأه رجع صدى خطواتنا. تناجينا، بينما تنغرس مخالبها رويدا رويدا في قلوبنا. تتكلم عن الموت في حلب؛ وتغزل، بين تنهيدة وأخرى، ذكريات من الجوع والحروب في سيراليون.
لا تدرك عقولنا الكلمات التي تلد من شفتيها، إلا أن صوتها يجعل أوتار أرواحنا تهتز بمرثيات طيفية. تلك الروح تعرفها ثقافات قَصِيَّةٌ، وفي أساطيرها يُحكى أنها فأل الموت؛ ولأنها كذلك فرثاؤها سيغدو متواصلا، سيغدو فاجعة. هَجَرَتِ الدرك الأسفل من جهنم لتعذبنا، حاسبة إيانا أيائل الظلام. نؤول رسالتها أحيانا بشكل خاطئ ، فنخلط بينها وبين تجارب عشق ماضية، بينها وبين لحظات معيشة. يكون صوتها وشوشات أحيانا، ونعيق غراب في الليلة الظلماء أحيانا أخرى. نناديها باسمها في بعض المرات، في بعض المرات فقط.
طموح
أفق وركن وبؤرة يمرون عبر الرحم، صعودا، من عالم المحسوسات إلى عالم المُثُلِ الذي حلم به أفلاطون. أقتلع عينه الجاذبة للعجائب، أقتلعها بالأصابع محاولا كشف أسراره وسلطته السحرية. أدخل ذراعي في حدقته، ومن عمق البئر استخرج المداد الذي منحت به الحياة لهذه الرموز، لهذه اللطخات. ظلت الصورة محجوزة في الغشاء وجامدة. حرمها من الهواء، دون احترام لوالدته، وللساحرة التي تملك القدرة على مصادرة العالم، وتجميده في متراس ماض عصي على الفناء.
لم أفهم من أين تستمد قوتها. ترى العالم بلون، ومن مناظير أخرى، ملتوية وفريدة. حال عودتها من أسفارها تعرض أمامي ذكرياتها: أكوان صغيرة، وعوالمٌ وبضعة أشخاص، وضحايا بالأبيض والأسود أو بالبني، كما لو أنهم في حداد، كالمنسيين.
تجبرني تلك الصور التي التصقت بصدري على التنفس عميقا، محاولا إنقاذ نفسي من الاختناق الذي تنفثه كالرحيق في فصل الربيع. رأيت الشعلة المميزة للساحرة قبلاً في أشخاص أٌخَر، ولو بدرجة أقل، ربما لأنهم يجهلونها؛ رأيتها في من يؤلف أغنية وهو يدندن ماشياً، و ذاك الذي يشق الحجر بإزميل ومطرقة بكل ما أوتي من قوة، أو ذاك المنغمس في رسم أفكاره على القماش. أما الشعلة فهي مختلفة، إنها تمسك بروح الرائي، تاركة إياها خاوية وشاردة.
يسيطر علي الفضول ويذيبني في نار أسئلته، لأني في تلك اللحظة لم أفهم كلماتها ولم أصدقها، عندما قالت: “بعت روحي لشيطان. اسمه موغل في القدم ضاع في الهواء وفي البحر. وعلى أي حال فقد حرَّك الآلاف منذ الأزل”. أما الآن فأعتقد أن الحق ما قالته، وأننا نحن الذين رأينا صورها، هم القربان الذي نذرته ثمنا لخلاصها.
دهشة
كان سفري لغابة الأمازون، من بين الأسفار التي مازالت تنبض في ذاكرتي بكل امتنان، رغم الرطوبة والحرارة الخانقتين هناك. تعرفت على كاهن من قبائل جنوب أورينوكو
Orinoco.
كان نحيفا وبريق عينيه أطفأته السنون. وما إن جن الليل حتى دعاني لأشارك في طقس من طقوس قبيلته. كنت أنصت لقصص ذلك الرجل، وأنا جالس قبالة النار مع أفراد القبيلة.

الليل والطعام وربما الشاي المعد بنبتة ذات اسم غريب حوَّل الكلمات لماء رقراق في الصحراء. استقرت في قلبي قصة من القصص المحكية. قصة حكى لنا الراهب فيها عن نسوة بحجم نحلة وبأجنحة طائر طَنَّانٍ وشعرهن مَيَاسِمٌ.
كُنَّ من سكان الغابات العتيقة التي كانت تغطي الأرض، قبل أن يتعلم الإنسان قطع الأشجار. كن يسكن خلف الأوراق الزرقاء؛ يلبسن بتائل الماء ويتزين بتيجان من هواء نُورِيٍّ. أما الآن فيهربن من البشر، رغم أنهن لا يُجِدْنَ فن التخفي. يختبئن في أماكن غير معهودة؛ في رماد النيران الاصطناعية، وفي الأعين الزرق لطفل أسمر، وفي مذكرات حب فجائي، أو داخل علب الهدايا التي تُعطى دون سبب معروف.
أتذكر وجه الجميع وهم مفتونون بكلمات الكاهن، ففهمت الآن أن النسوة وجدن مخبأ في ثنايا الريح أيضا. كانت تلك الليلة مفعمة بالعفوية. أتذكر الابتسامات والنكهات وطقطقة النار وبرد الليل. وما كان مدعاة لأسفي هو أني لا أتذكر طريقة استدعائهن، ولم يخطر ببالي سوى وسيلةٍ واحدةٍ، وهي أن أزحلقهن من على بِلَّوْرٍ كسرته فراشة أثناء تحليقها.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

إيران تدفع لبنان إلى الحرب

ذهاب قيس الخزعلي، من قادة ميليشيا الحشد الشعبي العراقية، إلى الحدود اللبنانية مع إسرائيل تطور خطير في إطار الصراع الإقليمي. زعيم ميليشيا عراقية يتورط في مهمة إيرانية لفتح قتال بين لبنان وإسرائيل!
الاثنان: «حزب الله» اللبناني و«الحشد الشعبي» العراقي، من الميليشيات التابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني التي تدار من قبل الجنرال قاسم سليماني. ونحن ندرك أنه لا توجد لحسن نصر الله، ولا لقيس الخزعلي، أي سلطة حقيقية رغم الخطب الرنانة على شاشات التلفزيون، وميليشياتهم ليست قوات لبنانية ولا عراقية. فالجميع يعلم أنها تحارب، ضمن قوات إيران في سوريا، منذ أكثر من ثلاث سنوات.
لماذا ذهب زعيم الميليشيا العراقية، الخزعلي، ببزة عسكرية إلى كفركلا على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، في حين أن الحدود السورية مع إسرائيل أقرب له، حيث توجد ميليشياته مع بقية الحشد الشعبي في سوريا؟ هذه ليست رسالة تهديد بل عمل استفزازي هدفه توسيع دائرة الحرب وإدخال لبنان فيها.
الخزعلي يدرك أنه لو زار الجولان السورية المحتلة، وأطل من هناك، وتوعد إسرائيل، فالأرجح أن يكون هدفاً للقوات الإسرائيلية، على اعتبار أن سوريا ساحة حرب مفتوحة لكل القوى. إيران أرسلت الخزعلي إلى لبنان رغبة في توريطه في حرب جديدة مع الإسرائيليين الذين سبق أن هددوا «حزب الله» في لبنان بهجوم مماثل لعام 2006. حرب تلك السنة، كانت هي الأخرى، عملية مدبرة من قبل إيران التي خطفت جندياً إسرائيلياً ورفضت إطلاق سراحه وسط توتر مع إيران. و«حماس» مثل «حزب الله» مجرد جماعة تديرها إيران. وعندما نجح حسني مبارك، الرئيس المصري الأسبق، في مقايضة الأسير الإسرائيلي شاليط بألف فلسطيني مسجونين عند إسرائيل أجهضها السوريون الذين يمثلون إيران. ثم قام «حزب الله» بمحاولة خطف لإسرائيليين بالقرب من الحدود اللبنانية ونجم عنها قتلهم. هنا شنت إسرائيل حربها، وكانت هي غاية إيران، التي دمرت الكثير من البنى التحتية اللبنانية وقضت على آمال اللبنانيين بالخلاص من الحرب في حين اختفت قوات الحزب تحت الأرض.
إيران تعيد الكرة، تحاول منذ فترة فتح جبهة حرب عبر لبنان، تحاشياً لمواجهة الإسرائيليين في سوريا بعد أن قُصفت ميليشياتها هناك عدة مرات. إيران ترى لبنان أرضاً رخوة، دولة بلا حكومة مركزية حقيقية. وما كلمة وزير الخارجية اللبناني الأخيرة إلا ترديد لخطاب إيران، الذي يستحيل أن يرضى عنه غالبية اللبنانيين، وفيها يهدد ويتوعد إسرائيل والولايات المتحدة! والخطاب صار محل سخرية العالم. يقول فيه: «نحن في لبنان لا نتهرب من قدرنا في المواجهة والمقاومة حتى الشهادة. نحن من هوية القدس لا نعيش إلا أحراراً وننتفض بوجه كل غاصب ومحتل». ومن المؤكد أنه ليس لغة ولا حبر الوزير المسيحي، بل خرج من مكتب حسن نصر الله. إلى هذه الدرجة من الخضوع والانحطاط بلغت الحكومة اللبنانية الحالية! هانت عليها التضحية بسيادتها، وصارت تقبل التضحية بمواطنيها لصالح أجندة تملى عليها!
هذه دولة مخطوفة ولا تقوى على الاعتراف بحقيقة وضعها. وبعد هيمنة إيران على سوريا أصبح لبنان ملحقاً بنتائج الحرب وتفاهماته. وزادت هيمنة طهران التي أصبحت تتجرأ على إرسال ميليشياتها وقياداتها إلى خط التماس مع إسرائيل تستدرجها لحرب جديدة.
ولأن القيادات الحكومية والحزبية اللبنانية لا تعبر عن رفضها لتصرفات الحزب، فإننا أمام مرحلة جديدة في حياة لبنان السياسية، حيث تدير الجمهورية الإسلامية الإيرانية شؤون الجمهورية اللبنانية من حدودها الجنوبية إلى خطاب وزير خارجيتها، وستنتهي عند مذبح الصراعات الإقليمية.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

النفاق والتدين الجماعي

المفكر الاسلامي المجدد محمد شحرور
استفاق العرب و”المسلمون” منذ برهة، ليجدوا أنفسهم في مواجهة خطر محدق بهم، في عقر دارهم وخارجها، لا يقتصر على تهديدهم كمجتمعات ودول، إنما يرتكب باسمهم الجرائم بحق شعوب العالم، وتراكضوا ليحاربوه بشتى الوسائل، دونما تعمق في مكامن الخلل، الذي يتطلب المعالجة وإلا سيطل برأسه كلما أتيحت له الفرصة، ورغم أن اعترافنا بوجود المشكلة يضع قدماً على طريق الحل، إلا أن الكثيرين يأبون الاعتراف بها، فالموضوع برمته بالنسبة لهم لا يعدو كونه “مؤامرة على الإسلام”، باعتبار أن مجتمعاتنا متدينة باعتدال، ولم يعرف عنها دعوتها لعداء الآخر، والعيش المشترك مع الملل الأخرى هو السمة الغالبة.
ولكن لب المشكلة يكمن هنا، في “المجتمعات المتدينة”، فما وجدنا عليه آباءنا هو ما نحن عليه منذ ألف وأربعمائة عام، وعلاقتنا مع الله تحكمها الشعائر الجماعية، وتقييمنا كأفراد يتأتى من خلال التدين الجماعي حتماً، فالإنسان يقيّم من خلال الشعائر، فيصبح من يقيم الصلاة في المسجد هو بالضرورة صادقاً أميناً مؤدباً، وبالتالي يستطيع أن يشهد زوراً بكل أريحية، وتصبح الفتاة “المحجبة” هي العفيفة، بينما السافرة قابلة لأن توصف بأقذر الصفات، حتى لو كانت عالمة ذرة، أما من يصم رمضان فهو التقي الزاهد، بينما المفطر “دمه دم الخنازير”، وبالتالي أصبح المجتمع منافقاً، نفاقاً اجتماعياً كاملاَ، تهمه مرضاة من حوله لا مرضاة الله، ومن ثم انحسرت القيم الإنسانية وأصبحت في الحضيض، وازدهرت الفضائيات التي ترسخ هذا “الاعتدال” الذي يجعل من الشعائر أساساً لتقييم الأفراد، ويحكم على صلاح المجتمع من خلال عدد السيارات التي تصطف أمام المساجد عند موعد صلاة الجمعة، بينما تتقهر الأخلاق ويتناسب وجودها عكسياً مع عدد مقيمي الصلاة، والأنكى من ذلك هو تقييم المجتمعات الأخرى على اعتبار أن النساء فيها عاريات، مع غض النظر عن الإنسانية التي تتمتع بها شعوبها، وعن انخفاض معدلات الجرائم فيها إلى أدنى المعدلات.
وفي المجتمعات المتدينة يصبح العقل الجمعي متسلطاً قهرياً، يقهر كل من هو أمامه، والانعكاس الوحيد لهذه المجتمعات يظهر حين تسنح الفرصة من خلال التعبير السياسي، فتظهر الأحكام حينها تلقائياً: حكم الردة، حكم من تخرج سافرة، حكم التعامل مع الكفار، حكم الإفطار في نهار رمضان، وهكذا، وأي مجتمع متدين يمتلك السلطة سينفذ ما نفذته داعش والنصرة وغيرها.
وما رسخ المجتمع المتدين هو فكرة الدعاء الجماعي، الذي يعبر عن مدى يأس المجتمع، فنحن ندعو على أعدائنا منذ عشرات السنين، والله تعالى لم يستجب، وهم ينتصرون ونحن ننهزم، ونواسي أنفسنا بأنه {يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (البقرة 15)، وندعو الله أن يعافي مرضانا، أي نريده أن يغير قوانين الكون ويلغي الأمراض جميعها عن “المسلمين” فقط، بينما يخترع “الكفار” الأدوية التي نتعالج بها، ولم نستوعب بعد أن الدعاء لا يكون إلا فردياً ، والله يستجيب للداع إذا دعاه ويرأف بحاله في وضع معين {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البقرة 186)، والله تعالى يساعد الأفراد لا الجماعات، أما المكافآت والعقوبات الجماعية فهي إما الرفاهية أو الدمار.
ولعل أكثر ما ناسب الحكام على مر العصور هو فكرة الدعاء الجماعي، فتحولت طلبات الناس إلى الله بدل الحاكم، وارتاح الأخير إذ انشغلوا عنه، وللقارىء أن يتخيل لو أن كل من يقفون وراء الإمام يدعون الله أن يرزقهم ويشفيهم، خرجوا وطلبوا معاً من الحاكم أن يرفع رواتبهم، أو يحسن الظروف الصحية في بلدهم، لذلك رأت السلطات أن الطلب من الله أكثر ملائمة.
ومن يقول عن هذه الأمة أنها غير مبدعة فقد جانب الصواب، إذ لديها في أدبياتها صنعة متكاملة من الأدعية، فلكل مشكلة دعاء معين، ولكل يوم كذلك، وحالنا من سيء إلى أسوء، ونتساءل بكل بلاهة “لماذا لا يستجيب الله لدعائنا؟”.
ثمة قول مشهور طالما تداوله الناس، مترجم إلى العربية، هو “أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً” ورغم أنه لا يصح في حالات كثيرة، إلا أنه يصح تماماً في ما آلت إليه مجتمعاتنا، لعلنا نصل ذات يوم لتصحيح علاقتنا مع الله كخطوة أولى.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

إعادة إعمار سوريا بين الفرص والمخاطر: دراسة لمركز أبحاث ألماني

تنشر «الشرق الأوسط»، اليوم، ترجمة خاصة مختصرة لدراسة كتبها موريل اسبورغ وخالد يعقوب عويس، الباحثان في «المركز الألماني للدراسات الدولية والأمنية».

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 الجاري، ومع هدوء الحرب السورية، وهزيمة «داعش»، زادت موسكو من جهودها للتوصل إلى ما تعتبره حلاً للنزاع السوري في العديد من المحافل، بعيداً عن عملية جنيف التي تشرف عليها الأمم المتحدة.

وعلاوة على ذلك، وبعدما أعلنت الإدارة الأميركية بكل وضوح عن عدم مشاركتها في جهود إعادة الإعمار الخاصة بسوريا، قصدت روسيا الاتحاد الأوروبي بغية الحصول على المساعدات المالية والمعاونة في تغطية تكاليف إعادة إعمار البلاد، جنباً إلى جنب مع دول الخليج العربي.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي استبعد في أبريل (نيسان) الماضي، المشاركة في جهود إعادة الإعمار من دون انتقال سياسي للسلطة، تتصاعد الدعوات في الوقت الراهن داخل أوروبا مطالبةً باستيعاب وجود بشار الأسد على رأس السلطة، والمساعدة في إعادة إعمار سوريا، وإعادة اللاجئين إلى بلادهم. ومع ذلك، فإن أعمال القتال لم تتوقف نهائياً بعد. والأهم من ذلك، فإن البناء المجرد لهياكل البنية التحتية في البلاد لن يسفر عن الاستقرار المنشود، لكن من شأنه أن يزيد من احتمالات اندلاع النزاعات الداخلية الأخرى. وينبغي على الجانب الأوروبي أن يوضحوا لروسيا تمسكهم الحازم بموقفهم السابق. وينبغي عليهم كذلك اللعب بسياسة النفَس الطويل، بهدف تأمين النفوذ المطلوب لكي تكون المساهمات المستقبلية في خدمة أغراض بناء الدولة والسلام معاً. وفي الأثناء ذاتها، ينبغي التركيز على رفع مستويات المساعدات الإنسانية، وتدابير التعافي المبكر، مثل إزالة الألغام، واستعادة البنية التحتية الخاصة بالمياه والرعاية الصحية، وبناء رأس المال البشري في سوريا وبين مجتمعات اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى تركيز الجهود على المجتمع المدني ودعم الحكم المحلي في المواضع التي تحظى بالشركاء الموثوق بهم.

بحلول أواخر علم 2017 الحالي، تمكن النظام من استعادة السيطرة على أغلب المراكز الحضرية في البلاد، وخسر «داعش» المزعوم، كلَّ شيء باستثناء بعض القواعد الإقليمية المحدودة. ولقد تعرضت قوات المعارضة لضغوط هائلة دفعت بهم إلى جيوب عديدة للمقاومة ولكنهم لا يزالون يسيطرون على بعض المنعطفات الاستراتيجية وبعض المعابر الحدودية الرئيسية. وفي الوقت نفسه، ومنذ بداية تدخلها العسكري في الحرب السورية، تحولت روسيا إلى قوة عسكرية مهيمنة. وكانت موسكو حريصة على تحويل هذا الإنجاز إلى تولي زمام القيادة على الصعيد الدبلوماسي والاضطلاع بدور الوسيط في تسوية الصراع الدائر.

أما واشنطن، التي تقلص نطاق مصالحها في الأزمة السورية منذ عام 2014 وبشكل كبير إلى محاربة تنظيم داعش، فلم تكن مستعدة لتتحدى النهج الروسي هناك. كما أنها لم تعرب عن رغبتها الحقيقية في المساهمة الجادة في جهود إعادة إعمار سوريا بعد القصف الشديد على شرق البلاد. والقصف الروسي، ولا سيما على حلب في عام 2016، أسفر عن دمار واسع النطاق، مما أدى إلى صدور إدانة شديدة اللهجة من قبل الاتحاد الأوروبي بسبب الاستهداف المتعمد للمستشفيات، والأفراد العاملين في الإغاثة الطبية، والمدارس، والبنية التحتية الرئيسية هناك. ومع ذلك، توجهت موسكو إلى أوروبا طلباً للمساعدة في جهود إعادة الإعمار مع تأنيب الجانب الأوروبي على ربطه دعم إعادة الإعمار بالانتقال السياسي للسلطة، مع تنبؤات بقرب نهاية الصراع الدائر هناك. ولقد سُلطت الأضواء على «خفض التصعيد» من واقع أنه إيجاد للظروف الواقعية الممهدة لإعادة الإعمار واسع النطاق في الداخل السوري. وحقيقة اليوم، رغم كل شيء، تبدو مختلفة تماماً، مع السيطرة المجزأة بشكل كبير بين مختلف القوى على الأرض في مناطق خفض التصعيد المعلن عنها، وفي المناطق المحررة من تنظيم داعش، والمناطق الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إلى جانب تلك المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية السورية وحلفائها -مع القتال الذي ينبئ عن كل شيء إلا الاقتراب من خط النهاية.

مناطق خفض التصعيد

استخدمت موسكو، أول الأمر، دعمها العسكري لسوريا بالأساس في مساعدة النظام الحاكم وحلفائه في استعادة الأراضي. وعلى مدى عام 2017، استهدفت موسكو خفض مستويات العنف من خلال نهج جديد يعتمد على تمهيد الأوضاع على الأرض للتهدئة ووقف الأعمال العدائية.

وفي حقيقة الأمر، تطورت تلك المناطق إلى ما يشبه مجموعة من الأوضاع المحلية: من تحسن الظروف المعيشية، إلى الحصار المستمر، والمجازر الجماعية الناجمة عن القصف العشوائي من جانب النظام السوري والقوات الروسية للأهداف المدنية على المناطق التي أعلنت موسكو أنها جزء من مناطق خفض التصعيد. أما بالنسبة إلى الرئيس الأسد، فإن هذه المناطق تدخل ضمن الترتيبات المؤقتة، إنْ كانت كذلك على الإطلاق، وكانت تتبع مسار المناطق الأخرى المحاصَرة، التي سيطرت عليها قوات النظام بعدما «سنحت الفرصة للإرهابيين» (وهو المصطلح الذي يصف به النظام السوري كل أطياف المعارضة في البلاد) لإلقاء السلاح و«العودة إلى أحضان النظام».

متطلبات التعافي المحدود

وفي الأثناء ذاتها، تراجعت عمليات قصف وحصار مناطق في قطاعات أخرى من البلاد، ومن أبرزها المناطق الريفية بالقرب من مدينة حمص وفي محافظة درعا الجنوبية. وأدت نافذة الاستقرار المؤقت إلى قيام نشاط سريع في مجال البناء والتشييد الخاص. على سبيل المثال، عاد سكان المناطق الريفية في حمص إلى مسقط رأسهم من مخيمات كانت مقامة في الأراضي الزراعية المجاورة، وشرعوا في إصلاح أو إعادة بناء منازلهم. ويقال إن الطين كان يستخدم على نطاق واسع بدلاً من الخرسانة في البناء، حيث لا تزال أسعار مواد البناء المستوردة من مناطق النظام مرتفعة. وانخفضت أسعار البضائع والسلع الأساسية، مثل السكر والأرز، منذ بدء سريان اتفاق مناطق خفض التصعيد في أغسطس (آب) لعام 2017، الأمر الذي أسفر عن كسر احتكار التجار المحليين هذه السلع، والذين استفادوا كثيراً من أوضاع الحصار السابقة. وتم افتتاح معبرين مع النظام الحاكم، مما أدى إلى ارتفاع المستوى العام للإمدادات. وافتُتحت سوق للتصدير بوتيرة بطيئة أيضاً. وأرسلت مناطق المعارضة قطعان الخراف والماشية إلى مناطق النظام، وارتفعت أعداد المزارعين الذين يخططون لزراعة المحاصيل، حيث توقعوا مبيعات كبيرة بدرجة كافية لتحقيق الأرباح.

ومن شأن احتمالات تحسين الوصول أن تجدد نشاط المجالس المحلية كذلك، التي أنشأها النشطاء خلال الانتفاضة كي تحل محل إدارة النظام بعد انسحاب قوات الأسد من المناطق الخاضعة للمعارضة.

ترقب تنظيم «القاعدة»

بصرف النظر عن استمرار القصف من جانب قوات النظام، والتهديد الذي يشكله النظام الحاكم في محاولة استعادة المزيد من مناطق المعارضة، فإن أكبر العقبات على طريق إعادة الإعمار في مناطق خفض التصعيد تأتي من الداخل. في أغسطس 2017، كانت «هيئة تحرير الشام» –وهي فرع عن تنظيم «القاعدة» وخليفة «جبهة النصرة»– قد انتهت تقريباً من القضاء على منافستها «أحرار الشام» وبسطت سيطرتها على أغلب أنحاء محافظة إدلب.

وتشمل منطقة نفوذ «هيئة تحرير الشام» المعبر الحدودي الرئيسي مع تركيا، الذي تتدفق من خلاله المساعدات الإنسانية وإمدادات البنية التحتية إلى المحافظة. واستناداً إلى مقولة لينين «السلام، والأرض، والخبز»، استولت «هيئة تحرير الشام» على المخابز في مختلف المدن داخل إدلب، والتي اعتمد الكثير منها على البرامج الغربية لإمدادات القمح. وحرصاً منها على تأكيد شرعيتها لدى السكان المحليين، واعتبارها ناجحة في أمور الحكم والسياسة، أشارت «هيئة تحرير الشام» إلى أنها لن تمنع وصول المساعدات الخارجية إلى إدلب.

وفي الوقت نفسه، كانت «هيئة تحرير الشام» ضالعة في العديد من الهياكل الإدارية المحلية في المحافظة، فضلاً عن المدارس، والجمعيات الخيرية، ومخيمات اللاجئين، من دون أن تدفع بأفراد موالين لها بصورة مباشرة أو تفرض عليهم دوريات المراقبة بصورة واضحة. كما تمكنت من تفكيك المجالس المحلية في المحافظة أو خلعت أعضاء تلك المجالس الذين كانوا ينتقدونها. وبالإضافة إلى ذلك، استعانت بالجهات الرقابية القائمة، مثل المجلس الإداري في إدلب، أو دفعت بالحلفاء المدنيين الموالين لها لإنشاء مجالس محلية جديدة. ومن بينها ما بات يُعرف باسم حكومة الإنقاذ السورية، والتي تشكلت في نوفمبر بغرض واضح وهو الإطاحة بحكومة المعارضة المؤقتة. واحتفظ العديد من الكوادر المؤهلة من مختلف الإدارات المحلية في إدلب بوظائفهم على الرغم من استيائهم الواضح حيال هيئة تحرير الشام. وفضلوا البقاء في مناصبهم وصلاتهم بالجهات المانحة، بغية استمرار وصول الإمدادات والمساعدات إلى المحافظة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الدعم الغربي لسكان إدلب، قد تراجع بصورة كبيرة بعد استيلاء «هيئة تحرير الشام» على المحافظة، حيث يساور المانحون الأجانب القلق من الدعم غير المباشر الذي يوجهونه إلى الهيئة أو إلى المنظمات المتفرعة عنها. وكان النشطاء يأملون في أن يسفر دخول القوات التركية إلى إدلب في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 عن تراجع في سلطات «هيئة تحرير الشام». وكان استعراض القوة التركي يخدم أغراض إقامة مناطق خفض التصعيد الشمالية، والتي تمت مناقشتها مع أنقرة في اتفاقية آستانة. ومع ذلك، كان التدخل العسكري التركي يستهدف «وحدات حماية الشعب» الكردية، المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وهو الفرع السوري عن حزب العمال الكردستاني التركي في منطقة عفرين القريبة، ولقد جاء هذا التدخل بهدف منع إقامة منطقة إدارة ذاتية كردية متاخمة للحدود التركية مع سوريا.

ومع ذلك، لا يزال خطر تجدد القتال في المنطقة مرتفعاً، مع تصاعد اللهجة الحازمة التي تستخدمها تركيا وإيران في خطابيهما حيال القضية. وقالت أنقرة، التي تفاخر بتفاهماتها الجديدة مع روسيا، إنها تحتاج إلى تطهير عفرين من «الوحدات». في حين أشارت إيران، بدورها، إلى أن النظام سوف يجتاح إدلب قريباً لمحاربة المتطرفين هناك. ويعيش في منطقة عفرين، ذات الأغلبية الكردية، نحو 300 ألف نسمة موزعين بين 20 مدينة وبلدة، في حين يبلغ تعداد محافظة إدلب نحو مليوني نسمة، ومن بينهم ثلثا قد نزحوا من مناطق أخرى في البلاد. ولقد انتهى بهم المقام في إدلب بعد فرارهم من القتال في أماكن أخرى من البلاد، نظراً إلى أن تركيا قد أغلقت حدودها في وجه اللاجئين. كذلك، الآلاف من مقاتلي المعارضة، وعائلاتهم، وغيرهم من المدنيين، جرى نقلهم إلى المحافظة في حافلات النظام الخضراء، التي صارت مرادفاً لعمليات نقل السكان التي صاحبت عناصر المعارضة المستسلمين في المناطق المحاصرة بموجب ما يُعرف باسم اتفاقيات المصالحة.

التوسع الكردي

ظهرت علامات على انتشار «حزب الاتحاد الديمقراطي»، ولا سيما بعد تشجيع الولايات المتحدة الاستيلاء على الأراضي التي يسكنها أغلب العرب في شرقي سوريا من تنظيم داعش بواسطة قوات سوريا الديمقراطية، والتي تغلب عليها «الوحدات». وأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي عن هدفه ربط منطقتي الحكم الذاتي المتاخمتين (أو ما يسمى «كانتونات الجزيرة وكوباني») مع إقليم عفرين، مما يعتبر من الأهداف بعيدة الأثر والمنال. وفي أواخر عام 2017، بات من الواضح أن الولايات المتحدة (وروسيا) لن تدعما الطموحات السياسية الكردية ضد تركيا لما وراء محاربة «داعش»، ولن تقوم روسيا بمنع النظام من استعادة الأراضي المحررة من التنظيم.

ولقد أقام حزب الاتحاد الديمقراطي هياكل الحكم المحلي في هذه المناطق. وعلى الرغم من أن هياكل «الديمقراطية الشعبية» تعتبر شاملة ومستقلة من الناحية الاسمية فحسب، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي لا يزال القوة الغامضة وراء الكواليس. وأحد هذه الترتيبات شهدها مدينة منبج ذات الأغلبية العربية، والتي استولت عليها وحدات حماية الشعب الكردية من تنظيم داعش في أغسطس 2016، وعين حزب الاتحاد الديمقراطي فاروق الماشي، وهو من الشخصيات القبلية البارزة، رئيساً بالمشاركة لمجلس مدينة منبج. ولقد أسفر هذا التعيين عن استياء الكثير من الناشطين المعارضين على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين قارنوا أساليب حزب الاتحاد الديمقراطي في القمع والإكراه والسيطرة بالأساليب التي ينفذها النظام الحاكم. كما أشاروا إلى أن الماشي هو نجل دياب الماشي، وكان عضواًً في برلمان الموافقات التلقائية السوري منذ عام 1954 حتى وفاته عام 2009.

وقت السداد لحكومة النظام

رغم أن النظام لن يستطيع بسط سيطرته على كامل التراب السوري، فإنه يشعر بأن الأحداث تصبّ في صالحه. فهو يسعى إلى توظيف جهود إعادة الإعمار، بغية إرضاء الناخبين وتعويض الآلاف من الذين لقوا مصرعهم لأجل بشار الأسد. وفي افتتاح معرض دمشق التجاري الدولي في أغسطس 2017، صرح أحد مساعدي الأسد بأن سوريا «حققت منعطفاً مميزاً» وهي الآن على طريق إعادة البناء. وصوّر النظام الحاكم إعادة الإعمار على أنها «الصفقة المنتهية»، وأعلن أنه لن يتم منح أي تعاقدات للدول التي ساندت ما يعدهم النظام السوري إرهابيين.

وعلى الصعيد الداخلي، أشارت السلطات إلى أن جهود إعادة الإعمار سوف تُكافئ الموالين للنظام بالأساس، وهي ليست محاولة للتخفيف من المظالم التي غذّت الانتفاضة الأولى من خلال معالجة القضايا ذات الصلة بالشرعية المؤسساتية، والقدرة، والعدالة، والإدماج السياسي والاجتماعي. وفي مظاهرة رسمية أُجريت في نوفمبر 2017، تفاخر أحد كبار نواب حزب البعث بأن سوريا سوف تُبنى من جديد على «أيدي أبنائها الشرفاء». وأقيمت هذه المظاهرة في مدينة حمص، التي قام النظام الحاكم والميليشيات المدعومة من إيران بتشريد مئات الآلاف من سكانها السُّنَّة بالأساس، حيث تمكنوا من سحق المقاومة والمعارضة هناك. ومن أصل 8 مليارات ليرة سوريا (الدولار يساوي 500 ليرة) التي أعلنت الحكومة عنها في يوليو (تموز) 2017، والتي سوف تخصصها للمشاريع في محافظة حمص، فإن أغلب هذا المبلغ سوف يذهب إلى الطائفتين العلوية والمسيحية، في مقابل المناطق السُّنية التي دمرها قصف النظام.

وحتى الآن، منح النظام السوري، على الورق على أقل تقدير، المشاريع لأصدقائه المقربين، وأبرم الاتفاقيات المبدئية مع إيران وروسيا.

المخططات الدولية

مع اقتراب الحرب الأهلية في سوريا من فصل النهاية، وضعت وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الإنمائية، ومؤسسات التمويل الدولية مجموعة كبيرة من مخططات إعادة إعمار البلاد. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن إعادة الإعمار في سوريا سوف تتكلف نحو 250 مليون دولار.

والقاسم المشترك الذي يميز كل هذه الخطط، رغم كل شيء، هو تعاملها مع إعادة الإعمار في غالب الأمر من واقع أنها مسألة تقنية، في حين أن القليل من الاهتمام منصبٌّ على نوع نظام الحكم المفترض أن يسيطر على مقاليد الأمور. وبدلاً من ذلك، فإن السلطة المركزية المختصة التي توجه جهودها الآن نحو الصالح العام –مع القدرة والاستعداد على التفاعل في الاستعادة المنصفة لرأس المال البشري وتعزيز النسيج الاجتماعي– هي من الأمور المفترضة ليس إلا.

كذلك، لا توضح هذه الخطط بالتفصيل كيفية إقامة بيئة الأعمال التنافسية في البلاد –في ظل النظام الحاكم نفسه الذي حرم معظم المواطنين السوريين من تكافؤ الفرص لعقود طويلة. وفي ظل وجود المحاكم والبيروقراطية المدينة بالفضل للنخبة الفاسدة في البلاد، لم تكن الشركات الأجنبية لتتمكن بالكاد من العمل في سوريا أو الحصول على تعاقدات أو القيام بتنفيذ الصفقات الرئيسية من دون عقد الشراكة مع النخب الحاكمة أو من ينوبون عنهم. وأي شخص لا يدور في فلك النظام السوري ويقترب من الفوز في مناقصة من المناقصات، تتغير القواعد بصورة تعسفية صارمة ويتم سحب الأهلية منه. وتوجد منظمات الجريمة وعصابات الابتزاز المالي التي تديرها الأنساق العليا من الأجهزة الأمنية. وهناك فساد كبير ومستشرٍ في ربوع الجهاز القضائي والرقابي في البلاد. وتعمل الوزارات الحكومية والبنك المركزي أدوات خاصة لدى عائلة مخلوف، وهم أبناء أخوال الرئيس بشار الأسد من جانب والدته. وعائلة مخلوف، إلى جانب فرعين آخرين من عائلة الأسد، لديهم مناقصات عامة، ونظام المشتريات الخاص بهم والمقصور عليهم فقط.

والأهم من ذلك، أن أغلب هذه الخطط تفترض أن سوريا سوف تعمل كدولة وحدوية، ولن تنصاع للتجزئة التي أسفرت عنها الحرب الأهلية. ولكن تجوهلت ميوعة الديناميات المحلية، وبروز وسطاء آخرين للسلطة الجديدة، وأدوار الميليشيات الأجنبية في الواقع السوري. ومن بين القوى التي ظهرت بين طيات الحرب الأهلية السورية كانت سلالة جديدة من الرأسماليين الموالين للسلطة، الذين يعملون على تشكيل بيئة المال والأعمال ويستعدون لعرقلة كل جهود إعادة الإعمار التي لا تصب في صالحهم –جنباً إلى جنب مع شخصيات المال والأعمال الراسخة في العمق السوري والموالية تماماً للنظام الحاكم. ومن بين العناصر ذات الصلة الوثيقة باقتصاديات الحرب هناك، الجهاديون وغيرهم من الميليشيات الأخرى الساعية إلى الاستفادة القصوى من الأرباح. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، نمت وترعرعت عصابات الجريمة المنظمة والعصابات العنيفة ذات الصلة بمختلف الميليشيات الموالية لبشار الأسد. واستهدف الموالون، الموالين الآخرين في مسعاهم للسلب والنهب بأقصى قدر مستطاع عبر قطع الطرق وفرض الرسوم.

دوافع «الأطراف الثلاثة»

تَعد الخطط الدولية لإعادة الإعمار أن التعاون بين «البلدان الثلاثة» لما فيه خير وصالح سوريا من الأمور البدهية المسلَّم بها. وفي واقع الأمر، ورغم كل شيء، فإن الكثير من اللاعبين الإقليميين والدوليين يعتبرون خطط إعادة الإعمار وسيلة من وسائل تعزيز وجودهم في سوريا على المدى البعيد، وأداة من أدوات تأكيد مصالحهم (الحيوية) في صراعات السلطة الأوسع نطاقاً عبر منطقة الشرق الأوسط. كما أنهم يميلون إلى التركيز على تحقيق المصالح العاجلة، مثل الأرباح المالية السريعة، أو التخفف من أعباء اللاجئين السوريين المتدفقين على بلادهم.

ويُقال إن النظام السوري قد وعد إحدى الشركات الروسية، ذات الصلة بمقاولي الأمن في روسيا، بربع النفط والغاز الطبيعي في الحقول المستعادة من سيطرة «داعش». وشجعت إيران الاستثمارات الخاصة في المشاريع العقارية في سوريا، ووقّعت على مذكرات التفاهم بشأن إعادة الإعمار في مدينة حلب، فضلاً عن إعادة تشغيل شبكات الهواتف المحمولة، الأمر الذي سوف يجلب الكثير من الأرباح، ويمنحهم ميزة المراقبة. ويُذكر أن أنقرة، التي أوقف النظام أنشطتها في البلاد بصورة رسمية، قد أصلحت البنية التحتية الأساسية، والمدارس، وأحد المستشفيات في جيب «الباب» الخاضع للسيطرة التركية. وإلى جانب التوقف المهم للغارات الجوية، ساهمت عمليات إعادة التأهيل في عودة بعض السكان إلى الجيب الصغير. وصرحت الصين بأنها تعتزم المشاركة في جهود إعادة الإعمار السورية، غير أنها لم تُفصح عن مزيد من التفاصيل.

التوقعات والمعضلات

في ظل مختلف السيناريوهات قصيرة ومتوسطة الأجل، من غير المتوقع لأعمال العنف أن تتوقف، ومن المنتظر لأدوار الميليشيات واقتصاديات الحرب أن تترسخ وتستمر. ومع ذلك، يرزح صناع السياسات الأوروبية تحت ضغوط هائلة بغية التركيز على ما يمكن فعله بصورة عاجلة للمساعدة في تعزيز التسوية والاستقرار في المنطقة، ولا سيما إن أخذنا في الاعتبار الحاجة الملحة التي يشعرون بها في ضوء تصاعد الحركات الشعبوية القومية في الاتحاد الأوروبي، والضغوط المتعلقة بإعادة اللاجئين إلى بلادهم.

وسيسعد بشار الأسد كثيراً بالهدايا المجانية التي يتلقاها من الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة إلى النظام فإن جهود إعادة الإعمار تخدم، أولاً وقبل كل شيء، ترسيخ قبضته على السلطة، فضلاً عن ضمان استدامة التحولات الاجتماعية والسكانية، وتعميق ولاء المواطنين للنظام. وتحذر الرؤية، التي تبناها نظام الأسد وكرر الإعراب عنها في اجتماعات المساعدات الدولية، من خسارة أوروبا دورها لصالح موسكو وطهران ما لم تساعد البلدان الأوروبية في إعادة إعمار سوريا.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، استبعد الاتحاد الأوروبي المشاركة في إعادة إعمار سوريا «إلى أن يتم الانتقال السياسي الشامل والحقيقي في البلاد». ومع ذلك، ومن الناحية العملية، كان النهج الأوروبي يتسم بالاتساق، إذ موّلت البلدان الأوروبية برامجَ إعادة البناء التي تشرف عليها الأمم المتحدة والتي تعمل بالتعاون مع النظام السوري الحاكم. ولا تزال هذه البرامج قيد العمل، أو من المقرر أن تبدأ في المناطق التي استقرت فيها الأحوال بشأن النقل القسري للسكان، مثلما هو الحال في حمص. وليست هناك ضمانات بشأن حق العودة للسكان الأصليين، أو وقف تزوير السجلات العامة، أو توقف عمليات مصادرة النظام للممتلكات في مناطق المعارضة التي استولى عليها النظام. كذلك، لم يصرّ الاتحاد الأوروبي على ضرورة رحيل الأسد عن السلطة كشرط مسبق للمشاركة في جهود إعادة الإعمار. بدلاً من ذلك، كان ممثلو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد أقروا وبشكل متزايد أن بشار الأسد قد يلعب دوراً في الفترة الانتقالية، وربما لما بعدها أيضاً. وانقسمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بين أولئك الذين اتخذوا موقفاً صارماً إزاء أي محاولة للتعاون مع ما يعتبرونه نظاماً عصياً على الإصلاح، وبين هؤلاء الذين يرغبون في استرضاء بشار الأسد على أمل تحقيق الاستقرار السريع، أو فتح سوق إعادة الإعمار المربحة أمام شركاتهم ووكالات التنمية لديهم. ونتيجة لما تقدم، نأى الاتحاد الأوروبي بنفسه بعيداً عن توضيح ما إذا كان الانتقال الحقيقي للسلطة ممكناً إذا ما كان الرئيس الأسد ودائرته القريبة سوف يستمرون على رأس السلطة في البلاد.

وبالتالي، تشكل جهود إعادة الإعمار معضلة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، ولا سيما مع تلاشي فرص حدوث أي تغيير حقيقي في النظام السلطوي القمعي في سوريا. وفي واقع الأمر، فإن النهج الروسي، والبروز الجريء لنظام الأسد قد أسفر عن صعوبة بالغة في تحقيق الاستراتيجية الأوروبية بشأن إعادة الإعمار. في حين أن موسكو قد صورت أنشطتها في سوريا باعتبارها تكميلية لجهود المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، بهدف التوصل إلى تسوية للنزاع عبر التفاوض المباشر، استناداً إلى اتفاقية جنيف لعام 2012، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. غير أن الأسلوب الروسي قد أدى إلى تقويض المنهج المتبع وقائمة الأولويات المتفق عليها بموجب القرار الأممي رقم 2254. وهو المحور الذي كان من المفترض أن تتمخض عنه الهيئة الانتقالية الحاكمة –والتي تتألف من ممثلين عن النظام الحاكم وقوى المعارضة– والتي تتمتع بسلطة كاملة. بدلاً من ذلك، سعت روسيا إلى إضفاء الطابع الشرعي على نظام بشار الأسد من خلال قيادة عملية للإصلاح المحدود –اشتملت على اعتماد الدستور الفيدرالي، المُصاغ في موسكو– من خلال مؤتمر للشعب السوري أو مؤتمر الحوار الوطني، الذي تعقبه الانتخابات العامة في البلاد.

الاستنتاجات والتوصيات

ومن غير المرجح أن يُسفر نهج تسوية الصراع الذي تهيمن عليه روسيا والوجود المستمر والمنتظر للميليشيات المدعومة من إيران، عن تحقيق الحد الأدنى من الإصلاحات الأمنية، والإدارية، والاقتصادية (…) وفي ظل هذه الظروف، فإن المشاركة الأوروبية في إعادة الإعمار خلال المراحل الأولى تنطوي على مخاطر تغذية الديناميات المدمرة، وإسقاط حوافز التسويات السياسية من الحسابات. وينبغي على الجانب الأوروبي الالتزام بالمنهج الموضح في استراتيجية أبريل 2017. وفي مرحلة لاحقة –ونظراً إلى الكم الهائل من الاستثمار المطلوب هناك– لن يكون النظام السوري قادراً على الاعتماد على حلفائه فحسب، كما قيل من قبل. عوضاً عن ذلك، قد يُضطر النظام السوري إلى أن ييمِّم شطر البلدان الغربية، أو الخليج العربي، ومصادر التمويل الدولية. وقد تكون هذه هي نقطة البدء في الدفع على طريق تحقيق التدابير الرامية إلى بناء المؤسسات ذات المصداقية. ولا ينبغي على المرء المبالغة في فرص النجاح، رغم أن مثل هذا التطور غير مضمون بأي حال من الأحوال، لأن النظام السوري قد يتخير الاستمرار في تحدي الشروط الأوروبية، حتى وإن جاء ذلك على حساب المعاناة الإنسانية الداخلية الكبيرة على غرار الأوضاع المزرية في كوريا الشمالية.

وفي المستقبل القريب، يمكن لبعض مناطق خفض التصعيد أن تتحول إلى منصات لإعداد الجهود الأوروبية الكبيرة في التعافي الاقتصادي – شريطة أن تستمر هذه الترتيبات، وهو الأمر المرجح في بعض المناطق (في جنوب وشمال حمص) عنه في مناطق أخرى (الغوطة الشرقية وإدلب). ويدور التحدي في أن هذه المناطق تخضع لسيطرة القوى التي لا يمكن أن تكون شريكة في إعادة الإعمار، مثل الجماعات وثيقة الصلة بتنظيم «القاعدة»، مما يعني أن الدعم تمكن إدارته فقط من خلال منظمات المجتمع المدني بدلاً من المجالس المحلية والحكومة المؤقتة. كذلك، فإن المعارضة هي أكثر من يعاني من الانقسام فيما يتعلق بالسيطرة الفعلية إزاء صعوبة إدارة المشاريع الموسعة في مختلف أرجاء منطقة خفض التصعيد.

لذا، سوف يتعين على الجانب الأوروبي أن يبحث عن مقاربات مصمَّمة خصيصاً، كلٌّ لغرضه، تبعاً للظروف والشركاء المتاحين في كل مجال من المجالات. ومن شأن هذه المقاربات التركيز على المساعدات الإنسانية، والتعافي الاقتصادي المبكر، ودعم المنظمات المجتمعية غير العنيفة –وليس أقل من مكافحة دعاية المتطرفين ونفوذهم– فضلاً عن الدعم المتواصل للحكومة المحلية، كلما أمكن. ومن غير المعقول الاعتقاد بأنه في ظل أنواع الدعم المقدمة، سوف يكون المرء قادراً على إقامة «جزر الاستقرار»، والتي قد تكون الأساس الذي ينبني عليه الاستقرار في كل ربوع البلاد. ولكن ينبغي على الجانب الأوروبي السعي جاهداً لمساعدة الهياكل المدنية والحكومية المحلية على الصمود والاستمرار.

وينبغي أيضاً للمساعدات الإنسانية، وتوفير الخدمات الأساسية، ودعم المجتمع المدني، أن تكون ركيزة الدعم الأوروبي في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، والتي أصبح قمع قوات المعارضة والناشطين المستقلين، وعمليات التجنيد الإجبارية، من المشكلات الرئيسية هناك، على الرغم من الصورة التقدمية والشاملة التي يعكسها حزب الاتحاد الديمقراطي.

وبدلاً من التفكير في إعادة إرسال اللاجئين إلى الأحوال التي تتعرض حياتهم ووجودهم في ظلها للخطر، على الجانب الأوروبي إيلاء مزيد من التركيز على بناء الموارد البشرية السورية في البلدان المجاورة وبين صفوف اللاجئين في مختلف أنحاء أوروبا.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

مؤسس فيسبوك بإجازة أبوية 4 أشهر مدفوعة الأجر

نشر مؤسس فيسبوك, والرئيس التنفيذي له مارك زوكربيرغ, على صفحته الرسمية بالفيسبوك بوستاً جاء فيه (شاهد البوست اسفلاً ):”أنا ذاهب في عطلة أبوية في ديسمبر، مع أوغست وماكس، لذلك ستسمعون مني القليل، وسيكون لدينا مزيد من الأخبار عن (فيسبوك) والإعلانات الخيرية هذا العام، أراكم في عام 2018!”, حيث أن شركة «فيسبوك» تعطي إجازة 4 أشهر مدفوعة الأجر لموظفيها في إجازة الأبوة. فنشر موقع «بيزنس إنسيدر» مقال عن الحياة الشخصية لمارك جاء فيه:” يستيقظ في الثامنة صباحا، وعلى الفور يطلع على حسابه في «فيسبوك»، «فيسبوك ماسنجر»، و«واتساب». ثم يبدأ وقت الرياضة، الذي يلتزم بشكل كامل بها لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، بصحبة كلبه «وايلد» المجري، والذي لديه صفحة «فيسبوك» ويتابعه مليوني معجب. ثم يتناول وجبة فطور بسيطة من ما هو موجود بالمنزل, ثم يرتدي نفس الشيء تقريبا يوميا، وهو الجينز والحذاء الرياضي وقميص رمادي، ويقول عن ذلك: «لا أريد أن أضيع وقتي بالتفكير بملابسي، لذلك أضع بالخزانة القليل والمحدد، وإلا فكيف أقدم خدمة أفضل للمجتمع؟!».
أما بالنسبة لمنزله، فقد تم تصميمه خصيصا بناء له، ويستعين بتطبيق يسمى «غارفيس»، الذي يساعد في مسحة تكنولوجية بعرض ما بداخل المنزل، ويقضي مارك من 50 إلى 60 ساعة أسبوعيا في شركته, ويقول لـ«سي إن إن»: «أفضل قضاء معظم وقتي في التفكير: كيف أربط العالم بعضه مع بعض، وأن أخدم مجتمعي بشكل أفضل». لدى مارك 12 موظفا في الشركة يساعدونه في إدارة قنواته الخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويكرس مارك كثيرا من الوقت للعمل على شركته التي يبلغ رأسمالها بالسوق أكثر من 505 مليارات دولار.
ويقضي مؤسس «فيسبوك» وقت الفراغ في اكتساب المعرفة الذهنية، مثل تعلم اللغة الصينية، أو قراءة الكتب، ففي عام 2015 دخل تحدي القراءة بكتاب جديد كل أسبوعين. كما التقى بكثير من الزعماء والشخصيات البارزة، مثل البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويحتفي بصداقته مع الممثل فان ديزل. وقبل الذهاب للفراش يوميا، يؤدي مارك صلاة يهودية حاملا ابنته الأولى ماكس. وقام مؤسس الشركة العملاقة بجولة في الولايات المتحدة العام الماضي، ورجحت «سي إن إن» أنه ربما يكون له طموح بان يصبح رئيساً لأميركا. وتبرع مارك بنحو 99 في المائة من ثروته للأعمال الخيرية في ديسمبر 2015، عقب قدوم طفلته الأولى، وذلك لصالح إحدى المؤسسات الخيرية. مارك ولد في 14 مايو (أيار) 1984 بولاية نيويورك، لأب يعمل طبيبا للأسنان، وأم طبيبة نفسية، وتخرج من جامعة «هارفارد».

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

شاهد كيف برر المعارض السوري لؤي حسين اهانة بوتين للمجرم بشار الأسد

برر “لؤي حسين” رئيس تيار ” بناء الدولة السورية” إهانة بوتين للأسد اليوم (شاهد التفاصيل هنا: لا يعير الخنزير ان يوصف أنه كلباً ، و لكن العار كل العار على اذنابه.. ) على صفحته بالفيسبوك قائلاً (شاهد البوست اسفلاً ):” أمر معتاد أن ينظم أحد ما الجوانب البروتوكولية للرؤساء، كأن يخبرهم أين يجلسوا ومتى يتوقفوا عند نقطة ما لسبب ما، وهذا تماما ما حصل مع الرئيس الأسد اليوم والذي تم تداوله على محطة العربية وغيرها على أن الضابط يأمر الأسد بالتوقف، وهذا غير صحيح إطلاقا، فواجب الضابط أن يخبر الأسد أين عليهم أن يتوقفوا، مثلما يخبروا الرؤساء أين عليهم أن يجلسوا مثلا في المؤتمرات أو الاجتماع.
من لا يستطيع الانتصار على الأسد في الميادين السياسية أو العسكرية فمن دون شك سيحاول النيل منه بمثل هذه السخافات.
من لا يستطيع أن ينتصر فلأنه ضعيف وليس لأن الأسد قوي، بل لأنه فاشل وسطحي وموظف صغير عند موظفين صغار في دوائر خارجيات ومخابرات الدول.
ليس هكذا تحمى حقوق الناس وحرياتهم وكراماتهم. ليس بتصغير الأسد بل بانتزاع الحقوق وإعادتها إلى أصحابها.” 

Posted in ربيع سوريا, فكر حر | Leave a comment