سعدية محمود /السليمانية
كانت النساء تشد أطفالهن الرضع الى ظهورهنَّ كفلاحات الجزرالامريكية . وأما الصغار القادرون على المشيّ ، فلم يكلفوا الفتيان الذين كانوا يرافقونهم سوى حملهم كلما عجزوا عن رفع أقدامهم لأرتقاء الجبال والتلال ، لأن الشبان والرجال الاصحاء حنوا أكتافهم كي يتسنى للمرضى والمسنينن التمدد على طول عمودهم الفقري مثلما كانوا في أسرتهم قبل أن تطرحهم رياح البغض الى الفضاء الرحب .
مرَت أربعة أيام على خروجنا من حلبجة سالمين ، أما الذين لم نجدهم يواصلون السير الى جانبنا ، ربما لقوا حتفهم تحت زخات المطر الاسود ناهشاً السُّمُ افئدتهم، لانني رأيتهم كيف بدأوا يتهاوون مرة بعد مرة وهم يتصارخون هلعا ويتعثرون
متدافعين وقد غدت أرجلهم آلاف الارجل تطير بهم الى حيث لايدروون ، أومضى بهم الهلعُ ليتساقطوا بين الثغور أو ربما إختطفتهم وسائل النقل القادمة سراً من السليمانية أو من خلف الحدود المتاخمة ل(هَوْ رامان) لأنقاذ مالم تأتي على أُكلهِ الغازات السامة والمواد الحارقة الي قذفتها سرب الطائرات على مدار يومين على التوالي لتغطي المرتفعات والمنحنيات ،و المنازل والمدارس والمساجد والمراعي دون رحمة من غير أن تستثني نفس أوجماد ملطخة بالسُّمِ النبت والهواء والماء
رباه : إرأف بصغارنا ..من أجلِ صغارنا فقط ، نجنا ..نجنا إجعل هذه النار علينا بردا وسلام مثلما جعلتها من قبلُ على أبونا إبراهيم .
وإنتبهنا الى رجل ضخم الجثة يسرعُ الخطى إلينا ، لاهثاً:
– بالله ! إسعفوني ..إسعفوا زوجتي ،لقد فاجأها المخاض ،
ولم أجد بين الجموع من هو أخفُ حِملا مني ..ذهبتُ معهُ بعدما طمأنتُ ذويّ من إنني سوف ألحقُ بهم فيما بعد في قرية (ع).
أفلحتُ بإنجاز العملية بنجاح وبسرعة ،وكأن يد الله ممسكة بيدي ..إذ كان ألأبُ ، أبو الطفل محتفظاً بموس حلاقة ، شأن أكثر الرجال لحالة الطوارىء،كما إنني كنت على دراية بهذه ألأمور التي قل من يجهلها من الكبار من بيننا ومن كلا الجنسين لكثرة ماإبتلينا من الترحال والتجوال .
لكنّ الطفلُ الذي لففتهُ بسترةِ والده وقميص عمهِ كان يرتجفُ صارخاً دون توقفٍ ،كأنهُ يأبى الحياة أويأبانا إذ نستقبلهُ بالدموع بدل الزغاريد ،أما الام فلم يكن لديّ مايوقفُ نزف رحمها ،إلا أن أوصيهم ببقاءهم الى جانبها في الكهف لترتاح ، بعدما غطيتها بالقمصان التي نزعها الرجال من أجل تدفئتها لأن القشعريرة كانت لاتفارقها ..وبعد ما راحت في غفوة مع وليدها الذي هو الآخر غفى وهو يمص ثديّها. تركتهما بعد إلحاح زوجها ، كي ألحق بذويّ .
بدأت تباشير الصباح ترعبني ..تسلقتُ الجبل زحفاً وقلبي يتلظى لمشهد الوادي العميق من القمة ، وادي مكتظ بالاشجار المتكاتفة ,المتكاثفة، أشجار البلوط والجوز العالية وحبة الخضراء المسترخية الاغصان ، إذ بدا لي شبه شبحٍ مخيف ، توقعتهُ سيلتهمني في أية لحظة لو حدث إن زلت قدمي وسقطت في الهاوية السحيقة . Continue reading →