أزمة الفكر الديني المعاصر

نصر حامد أبو زيد

الخطاب الديني المعاصر، خاصة في شكله الإعلاميّ في الفضائيات، خطاب مسكون بمخاوف عديدة: هناك الفزع من تفكيك الثوابت. وهناك الفزع على قداسة النصوص الدينية من محاولات البعض تأويلها تأويلا عقلانيا. وهناك الخوف من أن يصير العالم الإسلامي، مثل أوروبا، في حرياتها التي بلا ضوابط ولا روادع، وفي سلوك نسائها المتبرجات المنحلات. وهناك فوق ذلك كله خشية على المرأة المسلمة أن تنجرف في هذا السيل، فتسترجل، وتفقد أنوثتها وجمالها الذي جعله الله راحة للرجل ومرفأ. وهذا الإشفاق على المرأة هو إشفاق على النشء، الذي وُكِّل أمرُ تربيته للمرأة. إنّها “الأسرة” التي يحميها الخطاب الديني بدعوته لحماية المرأة من مغريات الانحلال والانحطاط في الغرب.

وتكمن المفارقة أن كل هذه المخاوف ترتبط بمخاوف من نوع آخر: الخوف من الإرهاب الذي يشارك الخطاب الديني نفس المنطلقات الفكرية، ولكنه يسعى للتخلص من مسببات المخاوف السابقة كلها بالبتر والقتل. الخوف من الإرهاب يضع الخطاب الديني في محنة حقيقية: فالإرهاب يقوم بعمل تطهيري نبيل المقصد، لكنه لا يميّز في عماه – هكذا يقول بعض الدعاة – بين الحقّ والباطل. من هنا الدعوة إلى عودة الأبناء الذين ضلّوا طريق الحقّ والصواب، ومن هنا الترحيب بالمراجعات والتوبة وعودة “الإبن الضالّ” – الإرهاب – إلى حضن أبيه.

الخوف الآخر الملتبس هو خوف “العولمة”: لا بأس من الاندماج في اقتصاديات السوق: إنها تجلب الرخاء؛ فالنبي عليه السلام كان تاجرا، وقد أحلّ الله البيع وحرّم الربا. لهذا تنشأ بنوك لا تتعامل بالرّبا – البنوك الإسلامية – يباركها الخطاب الديني ويشجّع المسلم على التعامل معها تجنّبا لحرام بنوك “العولمة”. لكنّ المشكلة أن هذه البنوك الإسلامية تتعامل في سوق المال – سوق العولمة – الذي لا يخضع لمعايير الحرام والحلال، فما هو الحلّ؟ في الحلّ تكمن الأزمة: تغيير الأسماء يحلِّلُ المحرّم، أي أنّ الحرمة لا تكمن في المسمى، بل في الإسم. وهذه حيلة لها جذور تاريخية في “الحيل الفقهية”، وهو موضوع يحتاج لبحث مستقل.

الخطاب الديني الرائج والسائد، خاصة في الفضائيات، يستخدم أرقى المنتوجات التقنية للحداثة في ترويج مقولاته، ولكنه مسكون بالفزع من الأفكار والفلسفات الحديثة، التي لولاها لما تم إنتاج هذه التقنيات. المشكلة تكمن في الواقع الاجتماعي – الذي يتحرك فيه هذا الخطاب ويأمل التأثير فيه – الذي استوعب كثيرا من منجزات الثقافة الغربية، خاصة في جانبها التقني العملي، دون “الفكر” الذي أنجز التقدم العلمي، المسئول عن التقدم التقني الذي قلب حياة الإنسان – وما يزال – رأسا على عقب.

في طفولتي كان التليفون أعجوبة الأعاجيب. التليفون الوحيد في القرية كان موجودا في مكتب عمدة القرية. ثم شاهدت قريتي الراديو، فكان أعجب، ثم التليفزيون في الستينات، فكان أعجب وأعجب. ثم الفاكس، الذي كان ثورة مدهشة، ثم البريد الإلكتروني، والإنترنت والفضائيات. ما أعجب الإنسان، وما أروعه، وما أخطره: حربان عالميتان، وهولوكوست، وحروب أهلية في كل مكان، لأسباب عرقية ودينية، ثم أخيرا “الإرهاب” بقوّته الشيطانية المدمّرة ووجهه الخفيّ.

لبسنا قشرة الحداثة بالكامل، ولن أقول ما قاله نزار قباني “والروح جاهلية”، بل أكتفي بالقول والروح ماضوية. صارت الحياة في شكلها المادي، في أيّ عاصمة عربية، لا تختلف كثيرا عن شكل الحياة في عواصم العالم المتقدّم، وإن تخلّفت عنها في الانضباط والدقة، وربما في النظافة. الفكر الإسلامي الراهن، في أرقي تعبيراته الفلسفية، لا يرى في الحضارة الغربية سوى التقدّم المادي، وينعي عليها كلّ السلبيات التي ذكرتها في المقدمة، معتبرا أنّ منشأ هذه السلبيات غياب الدين، الذي هو ما تتميّز به حضارتنا. هذا المنطق يسمح باستيراد التقنيات، معزولة عن أساسها العلميّ، الذي ما كان يمكن أن يتحقّق قبل ثورة الإصلاح الديني.

الآن، ومع ظاهرة الدعاة الجدد، التي تزعج المؤسّسة الدينية أيما إزعاج، نحن إزاء خطاب ذي وجهين: وجه يبرّر للأثرياء متعة النعم التي من الله بها عليهم – صار الثراء نعمة بصرف النظر عن مصدره – طالما أنهم يعطفون على الفقراء والمحتاجين ويؤدّون حقّ الله في المال. نصيب الزكاة الشرعية 2.5%، لا ذكر للضرائب على الدخل لأن ذلك موضوع ينتمي للقانون الوضعي والعياذ بالله. الوجه الثاني: أداء حق الله من صلاة وزكاة وصيام وحج، التشريعات العبادية. لذلك ليس للدعاة الجدد باع في المعاملات، والتعقيدات الفقهية والتشريعية. إنه خطاب بسيط واضح سهل الفهم سهل الهضم، في لغة عصرية متخلصة من المصطلحات المعقدة، كما تخلّص ممثّلوه من الزيّ التقليدي للشيوخ واستبدلوا به الزي العصري. هذا الخطاب، بكلّ هذه المزايا التي تسحب البساط من تحت أقدام رجال الدين التقليديين، يزيّف الواقع ويزيّف التاريخ معا. هكذا تتعقد الأزمة.

ظاهرة التكفير:

تنامي ظاهرة “التكفير” واستفحالها يعني – وهذه مفارقة ساخرة – أنها تفقد خطورتها. تنامي ظاهرة مصادرة الكتب، واللوحات، والأغاني، وإغلاق الصحف والمجلات، نكتة غير مضحكة في عصر الإنترنت والسماوات المفتوحة. كل هذا يعني أن الظاهرة تتفكّك، وهذا ما يفسّر حالة “الهياج” و”السعار” في دوائر مرتزقة الفضائيات. لكن يجب أيضا أن أنبّه إلى الظاهرة المقابلة – ولا أقول النقيضة – وهي صراخ مدّعي الحداثة في <نفس الفضائيات.

مسألة نطقي الشهادة في أول محاضرة ألقيتها بعد رحيلي من مصر عام 1995 كان المقصود منها توصيل رسالة إلى الجمهور الغربي بأنّني لست ضد الإسلام كما قد يتوهم البعض. قلت: إذا كنتم تحسنون استقبالي وتحتفلون بي ظنّا منكم أنني أنقد الأسلام من منظور المرتدّ فقد أخطأتم العنوان، ثم نطقت الشهادة. كنت أخشى من الاستقبال الخاطئ نتيجة الحكم الجائر الذي صدر ضدي أنا وزوجتي؛ ذلك أن كثيرا من الذين اضطرّتهم ظروف شبيهة للهجرة للغرب استثمروا هذه الظروف أسوأ استثمار بأن تحولوا كارهين – وليسوا ناقدين – لثقافتهم. لهذا رفضت اللجوء السياسي، وأفخر أنني ما أزال أحمل جنسيتي المصرية وحدها. أؤكّد ليس هذا تقليلا من شأن من تضطرهم ظروفهم ازدواج الجنسية، لكنّ حرصي منشؤه تأكيد حقيقة أنّني باحث ومن شأن الباحث أن يكون ناقدا للثقافة التي ينتمي إليها. الانتماء لا يعني عدم النقد.

الشعبي والشعبوي:

القاعدة الشعبية للدين – ما يسمى بالدين الشعبي العفوي – تمّ تجريفها تجريفا تامّا، منذ بدأ الإصلاحيون يصبون جام غضبهم على هذا التدين، واصمين إياه بالوثنية. بدلا من تفهّم هذا التدين الشعبي، وبدلا من محاولة ترشيده، شارك في هذا الاحتقار للتدين الشعبي كلّ المثقفين من “الخاصة”. كان هذا الاحتقار والتحقير شارة أن تكون “متعلما” أو”مثقفا”. هذا أدّى، مع انتشار نظام التعليم التلقيني، إلى خلق كوادر من الشباب، تتقبل دون تردّد صيغة التديّن السلفيّ المتشدّد، المعادي لتسامح وأريحية التدين الشعبي، المُشبَّع بالروحانية والأخلاقية، ومسئولية التضامن الاجتماعي. صارت هذه الكوادر من الشباب نصف المتعلم/نصف الأمي الأرضية الخصبة لدعوة الإخوان المسلمين في الثلاثينات من القرن الماضي، وهي ما تزال الأرض الخصبة لانتشار فكر التطرّف.

ما هو شائع الآن، هو ذلك التديّن الشعبويّ خاوي الوفاض من العمق الروحيّ والأخلاقي، الذي خبرناه في تديّن أبائنا وأمّهاتنا، في الأربعينات والخمسينات، وشطرا من الستينات في القرن الماضي. “القاعدة الشعبية” الأن تخاصم العقل. تحتاج الأرض – القاعدة – إلى حرث لكي تتعرّض من جديد للشمس والهواء فتستردّ خصوبتها، التي جرَّفتها الأمراض، التي سردت بعضها فيما سبق. أنتفق مع “كانط” بأنه لا تغيير حقيقيا مستداما يمكن تحقيقة من أعلى، لا بدّ من تثوير وعي القاعدة، فهي وحدها صاحبة المصلحة في التغيير وصاحبة الحقّ في حمايته.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

مُروجي الصهيونيّة‎

رعد الحافظ

ألا لعنةُ الله على الصهيونيّة ومُروجيها
ألفُ كلمةٍ ومُصطلح ستظهر كبدائل , لولا توّفر مفردة الصهيونيّة .
سايكس بيكو , أخذ من عمرنا دهراً ولم يزل البعض يذكرونه كعُذر رئيس لتخلفنا العربي / من العهد الأموي , الى العصر الصدامي القذافي الأسدي .. الى الربيع العربي اليوم , وحكم الإخوان المُسلمين .
ولو شئتم الدقة , لولا السيّدين سايكس و بيكو لتقسمت بلادنا الى أضعاف ما قسّموه هم .
كما نشاهد اليوم جلياً مايحدث في العراق والسودان وأماكن اُخرى .
لاحظوا أيضاً أنّ الأوربيين لايقومون بالتقسيم بقصد التآمر ولغرض إضعاف المقسوم  , وإلاّ كانوا سيرفضون تقسيم يوغسلافيا الى ست دول .
وبما أنّ سايكس بيكو , لم يكن معروفاً في ظلمات تأريخنا , لكن بدله كانت / الحروب الصليبيّة مثلاً , وقبلها / الإسرائيليات وكعب الأحبار .
دائماً كانت هناك شمّاعة جاهزة لتعليق بؤسنا وتخلفنا وإخفاقاتنا عليها .
المروّجون لهذهِ الشماعات , هم المقصودين في عنوان مقالي هذا .
بينما العقلانيين الساعين لنهضة بلادهم , لا تتوقف الحياة عندهم بظهور الصهيونيّة أو مرادفاتها .
نعم , فنحنُ لا نروّج للصهيونيّة كما يدعوّن , بل نتجاهل وجودها إنْ كانت مازالت على قيد الحياة . لأنّ الحياة في عُرفنا يجب أن تستمر !
لاتقولوا  لي الآن / تجاهل الحقائق , لا يغيّر الواقع .
نعم , لكنّي أتحدّث عن تجاهل شيء غير موجود على أرض الواقع أصلاً
قبل فترة كان حوار ( التخوين ) يدور حول فائض القيمة . قالوا لنا أنتم ثمّة إمبرياليون لأنكم تناقشون / جدوى فائض القيمة .
واليوم تدور الإتهامات حول الصهيونية . فيقولون لنا أنتم صهاينة عندما تطالبون بالحياة والسلام للجميع
نسألهم / لكن مساحة فلسطين التأريخية أقل من 27 ألف كم مربع , بينما مساحة الدول العربيّة أكثر من 14 مليون كم مربع . ولو شئتم الدقّة ( ثانيةً ) فهي 14.291.469 كم مربع .
وبقسمة الرقمين ( أنا أحبّ القسمة والرياضيات ) , ستجدون نسبة فلسطين من العرب واحد على 530 / هل تُصدّقون ؟ يا للهول إبن أبي الهول !
يعني أقل من نسبة الحمصة في قَدر كبير ( أيام عاشوراء ) .
راجعوا بأنفسكم بعض الارقام من الرابط التالي
http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=23340fa8c2a1f946
*******************
أتوّقع مستقبلاً , بعد ملل ( القوم ) من عبارة الصهيونيّة . أو عندما يتأكد لهم عدم فاعليتها في جلب المؤيدين .
سيكتبون ربّما عن الماسونيّة . ولَم لا ؟ فهي مدموغة ببعض أسماء اليهود حسب ظنّي .
وشدّوا راسكم يا كرعين ( في الشلّة ) وإبحثوا منذُ الآن عن الماسونية وجذورها / وهل يمكن أن تقبل أمثالنا من أصله ؟
فحسب علمي , أقلّ ماسوني فيهم , كان رئيس وزراء سابق ( بمستوى تشرشل ) أو رئيس شركة عملاقة . . ما علينا
في حياة كلّ الاُمم والشعوب ظهرت مُعطلاّت الحياة والنهضة , لكنّهم لم يتوقفوا عندها الى الأبد .
منذُ الإسكندر المقدوني الذي إجتاح العالم القديم بجيوشهِ , الى هتلر ونازيتهِ , وموسليني وفاشيتهِ , وصدّام وبعثيتهِ , وبن لادن وقاعدتهِ
لم تتوقف الحياة , ولا توّقف التطوّر , على هذا الكوكب الأزرق .
لماذا علينا أن نستكين اليوم لما يقولهُ المثبطين للعزائم والهمم في بلادنا , فنقعد عن العلم والعمل , بحجّة وجود الصهيونية ؟
لو كانت المؤامرة موجودة في هذا الخصوص , فهي من هؤلاء الذين يروجون للصهيونيّة ويعتبرونها نهاية المطاف .
هل سبب تخلّف دولة المغرب مقارنةً بفرنسا سببه الصهيونيّة ؟ لماذا تونس إذن ناهضة نسبياً عنها وهي بنفس الظروف تقريباً ؟
الفرق بين تونس والمغرب / ليس سوى فترة (بو رقيبة ) العلمانيّة .
والفارق بين الهند والباكستان / ليس سوى التطرّف في الديانات .
والفارق بين إسرائيل والضفة الغربية / ليس سوى ثقافة العمل والعلم والبحث العلمي .
والفارق بين كوريا الجنوبية وجارتها الشماليّة / ليس سوى الأيدولوجيا الحزبيّة المقيتة .
والفارق بين الولايات المتحدة وروسيا / ليس سوى الديمقراطية وحقوق الإنسان .
تذكروا حكم المحكمة ( البوتينيّة ) الأخير على الروسيات الثلاث في قضية ( بوسي رايوت ) وغنائهنّ في الكنيسة / يعني هو خايف على الكنيسة ؟
نعم جميع الشعوب تحّب الحياة والسلام .
لكنّنا نخدع أنفسنا لو قلنا جميعها تملك نفس الفلسفة والثقافة وحبّ العمل مثلاً .
لماذا حياة الناس بسيطة الى تلك الدرجة في اليمن وهي أصل العرب ؟
ألم تمّر بها حضارات الشرق والغرب ؟ منذُ بلقيس وحضرموت الى يومنا ؟
ألا تملك ساحل بحري طويل, يكفيها خيراً لو شاء الناس ؟
يعني لازم النفط حتى تنهض الدولة ؟ و ماذا فعل النفط لإنسان الخليج والسعودية ؟
هل تظنوه ( بالعموم ) فعلاً ناهضاً ؟ أم مستهلكاً لحضارة ومنتجات الآخرين , ولا عنهم ليل نهار ؟
لكن لو إتحدّ النفط مع فكر الإنسان المتطوّر مع تلك المساحات الشاسعة في دولنا البائسة , لأملَ الجميع بالنهوض , ربّما الى مستوى أوربا .
ولن تنفع يومها , ألف صهيونية لتعطيل تلك النهضة المأمولة .
**********
الخلاصة
لا أحد مُحايد , ناهيك عن ( إنساني ) , يُنكر حق الفلسطينيين في أرضهم
لكن من جهة اُخرى / هل الصهيونيّة تمنع اليوم , السعودية من الإستثمار في الصومال وغزّة وسيناء والسودان بمليارات الدولارات ؟
لتقيم نهضة صناعية زراعية عمرانية بشريّة , هناك ؟
لن أتفاجأ لو سمعتُ وشاهدتُ المخونين يزدادون إصراراً كلّ يوم رغم أن الحقائق على الأرض تناقضهم .
وربّما سيجيبني أحدهم بما يلي / لا نُريد العمل وكلّ خير الدُنيا لو كان سيُنسينا أرضنا في فلسطين .
و من قال لكم إنسوا فلسطين ؟
لكنّها طريقة وفلسفة حياة إختاروها بكامل وعيهم ومشيئتهم , فهنيئاً لهم !

و تحياتي لكم

رعد الحافظ
18 / 08 / 2012

Posted in ربيع سوريا, فكر حر | Leave a comment

كيف حكمت عائلة الاسد سوريا

طلال عبدالله الخوري
 12-08-18

عندما كنت طالباً في جامعة دمشق, تم تعطيل الدراسة حوالي الأسبوع من اجل تفريغ الطلاب وأساتذة الجامعة للاحتفال بإعادة انتخاب الرئيس حافظ الأسد إلى الأبد, بإنتخابات صورية ليس لها علاقة بالديمقراطية بأي شئ لا من قريب أو من بعيد.

كان الجميع يراقب الجميع وكل واحد خائف من الأخر بأن يتم الوشي به بانه غير سعيد لإعادة انتخاب الرئيس للأبد, و كل إنسان يجب أن يظهر الفرح والبهجة على وجهه  لانتخاب الأسد إلى الأبد كحاكم وحيد لسوريا.
 كان الجميع يرقص ويهزج ويصفق, من رئيس الجامعة إلى أساتذة الجامعة,  وكنا نشاهد بالتلفزيون كيف أن رئيس الوزراء والوزراء وضباط الجيش وجميع المسؤولين كان عليهم أن يرقصوا ويدبكوا ويظهروا السعادة على وجوههم, وكانت تكفي اي زورة أو نظرة من عين أي متنفذ أو أي شخص لا تعرفه أو تظن بأنه عوايني للسلطة, لكي تعيدك إلى الرقص والهرج إذا شردت قليلا وفكرت بهمومك.
 لقد أصبحت سوريا منذ ذلك الحين عبارة عن سيرك رخيص يقوده مهرجون وحواة دمويون.

لقد حولت عائلة الأسد سوريا إلى سيرك كبير بوسع الوطن, تعيش به حيوانات مروضة تشبه البشر في الشكل فقط , مع مهرجين ومروضين بمختلف المهارات الأمنية والمخابراتية, وكان المتفرج الوحيد في هذا المسرح السيركي هو عائلة الأسد الضيقة المكونة من أسرته الشخصية وأقرباء زوجته من بيت مخلوف وشاليش.
يا الهي ما هذه النفسية المريضة عند هذه الأسرة؟ ألم تمَل من مشاهدة مسرح السيرك على مدى اكثر من أربعين عاماُ.
يبدو انه بالنهاية قد ملت أسرة الأسد من مشاهدة السيرك فنأت بنفسها عن الواقع وعزلت نفسها, وتركت خدامها من المرويضين والمهرجين يقومون بعمل السيرك  الكامل بعد أن وثقوا بانهم يقومون بالمهمة على ما يرام.

يمكن تلخيص سياسة الأسد بحكم سوريا بالتالي:
”تفريغ سوريا من رجالها”.
كما كان يخصي إمبراطور الصين جميع الرجال الذين يعملون لديه في مدينته المحرمة, حيث أن الإمبراطور هو الرجل الوحيد في هذه المدينة وهو الوحيد الذي له الحق في ممارسة الجنس مع النساء, قام حافظ الأسد بإخصاء جميع الرجال بسوريا وفرغها من رجالها واصبح هو الوحيد الذي لديه فحولة ويحق له أن بتباهي برجولته.

لقد استخدم حافظ الأسد القتل والسجن المؤبد في غياهب السجون لكل معارضيه من الرجال الأذكياء واللذين لديهم طموح ويمكن أن يشكلوا خطراً على حكمه واستقراره.
لقد افهم حافظ الأسد رجال سوريا, وعن طريق العبرة العملية, ومن دون أن ينطق بكلمة واحدة, التالي:
” أنت رجل وتريد أن تعيش كرجل بسوريا, فمصيرك إما القتل أو السجن المؤبد أو عليك أن تهاجر وتترك سوريا في جنح الظلام ومن دون أن يراك احد”.

الخيار الأخر الذي كان أمام رجال سوريا هو ان يرضوا بالعيش كالغنم ويقولوا سمعا وطاعة, والأكثر من هذا يجب ان يظهروا السعادة لحكم الأسد ويجب أن يهرجوا بتمجيده ليل نهار وإلا كانت حياتهم صعبة.

لقد تحول الشعب السوري بفضل سياسة الأسد هذه إلى وزراء-غنم, جنود-غنم, موظفين -غنم, أساتذة وطلاب- غنم  , تجار وفلاحين- غنم.

لم يكن حافظ الأسد يطلب من أي واحد أن يكون فاسداً بطريقة مباشرة, ولكن ببساطة كان يكافئ كل فاسد, ويرقيه, ويبتسم له مظهراً رضاه عنه وعن عمله.

لم يطلب حافظ الأسد من اي إنسان أن يجله ويبجله ويؤلهه, ولكن كان يكافئ ويرقي كل من كان يقوم بهذا.

فاصبح اي سوري, وخاصة من أصحاب النفوس الضعيفة, يريد ان يصلح من أحواله المادية, فما عليه إلا ان يكون فاسداً ويبجل الأسد ويعمل مخبراً له ويكتب تقارير بأقرانه ونظرائه, كالطالب بزميله والجندي بأخوه بالسلاح, والموظف بزميله والتاجر بمنافسيه من التجار.

وبهذه الطريقة تحولت سوريا إلي بشر من شخصيات ونفوس ضعيفة تتبارى وتتباهى بالفساد والنميمة وتبجيل عائلة الأسد, لدرجة انه اصبح يتم نعت الإنسان الشهم والأمين بالأهبل واللخمة, بينما يتم نعت الفاسد والمنحط بالقبضاي والسالك بالحياة!

لم يطلب بشار الأسد من العميد جميل الحسن بشكل مباشر أن يقتل بمسدسه, و في مكتبه , المشتبه بهم بأنهم معارضين من دون اي دليل على إدانتهم, وأنا متأكد بأننا لن نجد أي وثيقة تدين بشار الأسد بهذه الجريمة بشكل مباشر!
 ولكن بشار الأسد عندما وجد لدى جميل الحسن نزعة مرضية للقتل والإجرام أظهر له رضاه وقام بترقيته حتى وصل إلى منصب رئيس المخابرات الجوية الارهابية والسيئة السمعة, والتي يقال بها بأن الذي  يدخلها مفقود والذي يخرج منها مولود ولكن ايضاً مع عاهة ابدية تلازمه طوال حياته.

لقد قام هذا الضابط المريض, جميل الحسن, بقتل محاميين أخوين فقط لأنه ليس لديه وقت للتحقيق معهم, ولأن وقته اثمن من حياة هذين الأخوين, فوجد أن افضل حل هو أن يستل مسدسه من خصره ويطلق عليهم النار ويرديهم قتلى,ثم يطلب من حاجبه بتصريفهم وكأنهم قاذورات وبمنتهى البساطة, ومن دون أن يرف له جفن او وخزة ضمير.

لقد أراد جميل الحسن ان يرسل رسالة مزدوجة, الأولى لولي نعمته بشار الأسد يظهر فيها مدى ولائه له, والرسالة الثانية للشعب السوري لكي يخيفه ويرهبه, فأخذ يتبجح أمام زائريه, بأنه مستعد لأن يقتل من الشعب السوري مليون إنسان, إذا كان هذا هو الثمن لبقاء الأسد بالسلطة, والأكثر من هذا هو مستعد أن يضحي بنفسه من اجل ولي نعمته بشار الأسد, وأن يسلم نفسه إلي محكمة العدل الدولية في لاهاي ويعترف بمسؤوليته عن جرائم الإبادة لكي ينقذ بشار الأسد من الإدانة.

هل هناك مريض دموي اكثر من هذا؟ فهو يريد ان يقتل مليون سوري ويفتدي الأسد بلاهاي؟

هذا المريض النفسي و المدعو جميل الحسن يظن بأن المجتمع الدولي ومحكمة العدل الدولية ألعوبة بيديه ويستطيع تضليلهما  بهذه السهولة, فجهله بالقضاء الدولي جعله يقول مثل هذه الترهات, ويبدو أنه لم يتعظ من اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان, حيث لم تفلح كل الخدع التي قاموا بها من إخفاء مرتكب الجريمة الحقيقي.

طبعاُ في البداية, الديكتاتور هو الذي يشجع الشعب على تبجيله, كما ذكرنا, وذلك عن طريق مكافأة الفاسدين والذين يتملقونه تبجيلاً, ولكن للأسف و مع مرور الزمن وبعد عشرات السنين, يصدق الديكتاتور ذاته هذه الأكاذيب ,والتي روج لها بنفسه وينفصل عن الواقع, ويؤمن بأنه فعلا رجلا خارقا ويستحق التبجيل والتأليه, وبهذه الطريقة ينقلب السحر على الساحر!

فهذا ما حصل لصدام حسين والقذافي وحافظ الأسد وبشار الأسد, فهم  مقتنعون ومؤمنون بأنهم ألهة وبأن شعوبهم تعبدهم فعلياً.

 لقد رفض بشار الأسد التنازل عن السلطة بعد أن خرج الشعب السوري بمظاهرات سلمية تطالب  بسقوطه, لإيمانه واقتناعه بأن الشعب فعلا يحبه ويجله, وان من خرجوا لإسقاطه هم جراثيم قليلة, حسب تعبير بشار الأسد ذاته؟

لقد رأينا هذه المأساة تتكرر مع نهاية صدام حسين والقذافي, وقريبا سنرى نفس النهاية لبشار الأسد عندما يخرجه الأبطال السوريون من حفرة جرذ او بلوعة مجارير صحية.

http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 2 Comments

نصرالله والضوء الأخضر لتخريب لبنان

حسن نصرالله يعطي الضوء الأخضر لهز استقرار لبنان لينشل الأسد من محنته

طلال عبدالله الخوري

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

نقدم لكم اليوم مجزرة الأسد من دوما والى اللقاء مع مجزرة الغد

Posted in فكر حر | Leave a comment

ثورة أهل الجحيم- ج 9

جميل صدقي الزهاوي؛           نُظِمت في تشرين الأول- أكتوبر 1929

مراجعة: رياض الحبيّب؛ تموز- يوليو 2012
https://mufakerhur.org/?author=6

خاص: المُفكِّر الحُرّ

– – –

الثالث عشر: سقراط يلقي خطبة

ثمّ أني سَمِعْتُ سُقْراط يُلقي * خُطْبة في الجحيم وهي تفورُ

وإلى جنبهِ على النار أفلاطونُ يُصغي كأنَّهُ مسرورُ

وأرسطاليسُ الكبيرُ وقد أغرق منهُ المشاعرَ التفكيرُ

ثم كوبرنيكُ الذي كان قد أفهَمَنا أنّ الأرض جُرْمٌ يَدورُ

تَتْبَعُ الشمسَ أينما هِيَ سارتْ * وعليها مثل الفَراش تطيرُ

ثم داروين وهْوَ مَن قال إنّا * نسْلُ قِردٍ قد طوَّرتهُ الدهورُ

ثم هيغلْ وبخْنزٌ وجِسِنديْ * ويليهِمْ سِبِنسَرُ المشهورُ

ثم توماسُ ثم فَخْتُ ومنهمْ * إسْبنوزا وهِلبكٌ وجيورُ

ونيوتونُ الحَبْرُ ثمّ رِنانٌ * ثم روسو ومِثلُهُ فولتيرُ

وزرادشْتُ ثم مِزدِكُ يأتي * وجُموعٌ أمامَهُمْ أبِقورُ

والحكيمُ الكِنديُّ ثمَّ اٌبنُ سينا * واٌبنُ رُشْدٍ وهْوَ الحفيُّ الجَسورُ

ثمّ هذا أبو دُلامَةَ مِنهُمْ * بَعْدَهُ الراونديُّ ثمَّ نَصِيرُ

وجماعاتٌ غيرهُمْ كلُّهمْ جَلْدٌ على نارها وكُلٌّ صَبُورُ

كان سُقراطُ أثْبَتَ القومِ جأشًا * فهْوَ ذو عزمٍ فائقٍ لا يخورُ

قال مِن بَعْد شَرْحِهِ مَنشأ النار وفي قولِهِ إليها يُشيرُ

سوف يقضي فيها التطوّرُ أن نقوى عليها وأن تهُون الأمورُ

إنَّ في ذا الوادي السَّحيق عيونًا * ثَرَّةً للبترول فيها يَغُورُ

ولقد تنضبُ العيونُ فلا نارٌ ولا ساعرٌ ولا مسعورُ

ثمَّ لمّا أتمَّ خُطبتَهُ عَجّوا له هاتفين وهو جَديرُ

عَجَّ يَعِجُّ ويَعَجُّ عَجًّا وعجيجًا وضجَّ يَضِجُّ: رفع صوته وصاح- لسان العرب
تنويه: تمّ التصرّف بأسماء الأعلام لمقتضَيات الوزن، أي للضرورة الشعريّة

– – –

الرابع عشر: الحَلّـاج يسأل الله

ورأيتُ الحَلّـاجَ يرفعُ منهُ الطّرف نحو السماء وهْوَ حَسيرُ

قائلًـا أنت الله وحدك قُيّومٌ وأمّا الأكوان فهْيَ تَبورُ

إنّكَ الواحدُ الذي أنا منهُ * في حياتي شرارةٌ تستطيرُ

وبهِ ليْ بعد الظّهور خَفاءٌ * ولهُ بيْ بعد الخفاء ظهورُ

لِمَ شِئتَ العذابَ لي ولماذا * لمْ تُجَرِّبْ وأنتَ منهُ المُجيرُ؟

كان في الدنيا القتلُ منهُمْ نصيبي * ونصيبي اليومَ العذابُ العَسِيرُ

قلتُ أنّ المكتوبَ لا بدَّ مِنهُ * قدَرًا إذ يُقدَّرُ المقدورُ

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

تعلَّم-ي بحور الشعر (16) المتدارَك

 رياض الحبيّب

خاص: موقع لينغا

الجمعة، 17 آب 2012، 01:03:03

ليت شعري ما الذي أوصل ابن القرية وبنت المدينة إلى مملكة ابن الله؟ هل ظَنَّ أحَدُهُما أنّ مملكته من هذا العالم؟ إنما قال: {مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يجاهدون لكي لا أسَلَّمَ الى اليهود…} يوحنّا 36:18 وما الذي حَثَّهُما على اللجوء إلى مَلِكٍ لا بيت له ليرتاح فيه ولا جَعل له مُتَّكَأً؟ إنما قال: {للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار. وأمّا ابن الإنسان فليس له أين يَسنُدُ رأسَهُ} مَتَّى 20:8 ولوقا 58:9 أفليس ما تقدّم دليلًـا على أنّ ابن الله وابن الإنسان قد قرع باب هذا بإحدى طرائقه وباب هذي بطريقة أخرى؟ بل قرع أبوابًا كثيرة فكتب الشعراء عنه ما كتبوا وسائر الأدباء. مثالًـا الشاعر بدر شاكر السياب الذي وُلِد في قرية جيكور (من قضاء أبي الخصيب جنوبيّ البصرة) فلمّا أبصر النور لم يعرف في قريته مسيحيًّا واحدًا. لكنّ من يبصر النور يتوق إلى التعرّف على مملكة النور وعلى ملك النور الذي وهبه النور ليقرأ ويتثقّف ويلتقي مع أولاد النور فيرى بنفسه ويسمع ويكتب مُوظِّفًا النور في كتاباته لكي يشعّ النور من خلالها أيضًا ويمتد إلى أقصى دهاليز الظلام. هكذا تخطّى روّاد الشعر الحديث والمُستحدَث منه بأشكال مختلفة وقوافٍ منوّعة حدود الأمكنة التي ولدوا فيها إلى الإغتراب وتخطّوا الأزمنة التي عاصروا إلى درجة السّبق فتألَّقوا خلالها فإذا الألق ألقى بظلاله على عصور لاحقة
 
لم ينفرد السياب بالدخول إلى مملكة النور من غير المسيحيّين، إنما رافقه كثير من معاصريه؛ هنالك الشاعر عبد الوهاب البَيّاتي (ابن الرِّيف قبل انتقاله إلى بغداد) والشاعرة نازك الملائكة بنت المدينة (بغداد) والأديب محمد الماغوط (سورية 1934- 2006) والشاعرة فدوى طوقان والشاعر محمود درويش (فلسطين 1941- 2008) والشاعر صلاح عبد الصبور (مصر 1931- 1981) أمّا قديمًا فأخصّ بالذِّكْر الحسين بن منصور الحَلّـاج (ت 922 م \ 309 هـ) المتصوّف الذي قٌتِل مصلوبًا، بعد اتِّهامه ظُلمًا بالزَّندَقة والإلحاد. وسوف أعزِّز ما تقدّم بأمثلة منشورة ورقيًّا والكترونيًّا في مقالة لاحقة، لأنّ ما يهمّني هنا بحر المتدارَك؛ إذ كتب السيّاب قصيدته التي تحت عنوان “المسيح بعد الصَّلب” على وزنه وكتب محمود درويش قصيدة تحت عنوان “المزمور الحادي والخمسون بعد المئة” على وزنه أيضًا. أمّا الآخرون فكتبوا على أوزان أخرى، باستثناء الماغوط الذي لا أستطيع تسمية أيٍّ من خواطره المنثورة شِعرًا، متفقًا مع الشاعرة نازك الملائكة إذ فرّقت بين الشعر والنثر تفريقًا مُنصِفًا، مؤكِّدة على أنّ الوزن الشِّعري هو أساس كلّ نصٍّ أدبي سُمِّيَ شِعْرًا. إذ نقرأ في كتابها «قضايا الشعر المعاصر» ص 188 ما معناه: (لماذا مَيّزت لغاتُ العالم كلُّها بين الشعر والنثر؟ وما العنصر المُمَيِّز بينهما سوى الوزن؟ يتشابه الليل والنهار في احتواء كلّ منهما على اثنتي عشرة ساعة في المتوسط. ويتشابه النثر والشعر في احتواء كل منهما على العاطفة والجمال. لكنّ أذهاننا تبتعد أكثر من عدد الساعات لتشخّص الظلام في الليل والضياء في النهار. كما تبتعد أذهاننا عن العاطفة والجمال لتشخّص الوزن في الشعر وانعدامه في النثر. فإن سَمَّينا كلّ كلام شعرًا بمعزل عن الوزن فكأننا سَمَّينا الحياة كلّها نهارًا سواء أكان فيها ضياء أم لا. إنّما الليل ليل والنثر نثر. وواجبنا نحو اللغة والذهن الإنساني أن نسميهما ليلًـا ونثرًا دون أن ننتحل لهما تسميات مضلِّلة لا تشخِّص شيئًا. فما الفائدة من تسمية النثر شعرًا والليل نهارًا يا ترى؟!…) انتهى
 
وجوابًا على تساؤل الشاعرة قلت: لأنّ أجيال القرنين الماضي والحالي لم تقرأ جيّدًا (دراسة وبحثًا وتدقيقًا) فكيف تفهم وتستمتع وكيف تنتشي بخمرة الشعر وتَطرَب؟ لهذا السبب آثرتُ اليوم إحياء الشعر العربي الجميل والمُؤثِّر والمُكهرِب، الذي كاد ألقه ينطفئ، من خلال مراجعة بُحُوره بصوت مسموع. وفي رأيي؛ للأمانة الأدبيّة ودون تحيّز لأحد، لولا أنّ نازك الملائكة تعرّضت في شعرها لسِفر التكوين وللحياة الرهبانية بنقد واضح، عن جهل؛ إذ أصيبت منهما بالذهول ولم تكلّف نفسها عناء البحث والسؤال والاستفسار، ما تتقدم به إلى شخص لاهوتيّ وآخر راهب، قبل التعرّض لهما، لقُلتُ أنّها تستحق، على شِعْرها الذي قرأتُ غالبيّته وعلى كتابها المذكور، لقب أميرة الشعر الحُرّ (أو شعر التفعيلة) فلو سألتْ شاعرتُنا كاهنًا مسيحيًّا لنصَحَها بقراءة العهد الجديد أوّلًـا قبل البدء بقراءة العهد القديم الذي يصعب فهم أحداثه ورموزه بدون دراسة العهد الجديد. ولو سألت راهِبًا عن سبب اعتكافه في الدير لأقنعها بأنّ لكلّ إنسان الحقّ في اتّباع الطريقة التي يتواصل بها مع خالقه ما لم يضرّ بها أحدًا. أمّا الشِّعر الحُرّ فأسمِّيه من اليوم فصاعدًا «شِعر الشَّطر» لثلاثة أسباب؛ 1. تمييزًا له عن شعر الشَّطرَين (مِثالًـا: شعر الأخطل) 2. لأنّ كلّ “بيت” في قصيدة الشعر الحرّ ذو شطر واحد 3. قد يحتوي الشطر على تفعيلتين بدل الواحدة، هو ما لاحظت في كلّ قصيدة منظومة على واحدة من صور المديد والرمل (فاعلاتُن فاعلن) أو الهزج (مفاعيلن فعولن) أو السريع (مستفعلن فاعلن) أو الخفيف (فاعلاتُن مستفعلن) وغيره
 
والجدير ذكره نقلًا عن كتابها، بتصرّف واختصار، ما ورد في الصفحة 193 تعزيزًا لرأيها الذي تقدّم ذِكره: (أمّا الشاعر الذي يجهل قواعد النظم، إنما افتقد جزءً مُهِمًّا من عُدَّة الشاعر، لأنّ الوزن هو الروح التي تُكهرب المادّة الأدبيّة وتصيِّرُها شِعرًا، فلا شعر من دونه مهما حشد الشاعر من صور وعواطف، ما لم تلمسهنّ أصابع الموسيقى وينبض في عروقهنّ الوزن) وأردفت في الصفحة التالية: (إن الموزون الطافح بالصور والأخيلة والعواطف سيملك قلوبنا ويهزّنا ويُثيرنا أكثر من النثريّ الطافح بالمقدار نفسه من الجزئيّات. وذلك لأنّ عنصرًا جماليًّا جديدًا قد أضيف إليه هو الموسيقى والإيقاع) أمّا عن نثريّات محمد الماغوط فقالت ما معناه: (إنّ خواطر محمد الماغوط تكون أجمل لو كُتِبَت شِعرًا لا نثرًا. ونحن لا ننتقص من قيمتها لولا أنها تطاولتْ لتُسمِّيَ نفسها شعرًا. وإنما النشوة والموسيقى والدفء من مصاحِبات الوزن. فمَن رغِب فيها فليكن شاعِرًا وليعرف كيف يرقرق معانيه في قصائد متدفقة. وبعد فليس يعيب النثر أنه ليس شعرًا وأنّ الموسيقى ملازمة للشعر لا له. إنّ تلك هي طبيعة الأشياء وكُلٌّ لِما خُلِق له. وفي وسعنا ختامًا أن نلخّص تعريف الشعر؛ إنه ليس عاطفة وحسب، إنما عاطفة ووزنها وموسيقاها… إلخ) انتهى. فلنتوقف قليلًـا للاستمتاع بالمقطعَين الأوّل والأخير من قصيدة السّياب المذكورة أعلى

المسيح بعد الصَّلب- بدر شاكر السّياب

بعدما أنزلوني، سَمِعْتُ الرِّياحْ
 
في نواحٍ طويلٍ تسفّ النخيلْ
 
والخُطى وهي تنآى. إذنْ فالجراحْ
 
والصَّليبُ الذي سَمَّروني عليه طوال الأصيلْ
 
لم تُمِتْني. وأنصَتُّ: كان العويلْ
 
يَعْـبُرُ السَّهْلَ بيني وبين المدينهْ
 
مِثل حَبْلٍ يشدّ السَّفينهْ
 
وهي تهوي إلى القاعِ. كان النُّواحْ
 
مِثلَ خيطٍ مِن النورِ بين الصباحْ
 
والدُّجى، في سماءِ الشِّتاءِ الحزينهْ
 – – –
 
بعدَ أنْ سَمَّروني وألقيتُ عَينيَّ نحوَ المدينهْ
 
كدتُ لا أعرفُ السَّهْلَ والسُّورَ والمقبرهْ
 
كان شيءٌ، مدى ما ترى العينُ، كالغابة المُزهِرهْ
 
كان، في كُلِّ مرمىً، صليبٌ وأمٌّ حزينهْ
 
قُدِّسَ الرَّبُّ هذا مَخاضُ المدينهْ
 * * *

 
لعلّ خير مثال على تأثّر شعراء المشرق بالرموز المسيحيّة هو تقارب عنوان قصيدة السياب بالمعنى مع عنوان رواية “المسيح يُصلَب من جديد” للأديب الفيلسوف نيكوس كازنتزاكيس (كريتي، اليونان 1883 – 1957 م) كتبها باليونانية سنة 1948 وموضوعها: مسرحيّة مسيحيّة تُحيي ذكرى آلام السيد المسيح كل سبع سنوات، في قرية يونانية كانت واقعة تحت احتلال الإمبراطورية العثمانية. وقد تُرجمت الرواية إلى الإنكليزية سنة 1954 وبُنِيَتْ عليها فيما بعد فكرة أوبرا ألّفها الموسيقار التشيكي بوهُسلاف مارتينو (1890- 1959 م) بين 1954 و1957 م وفكرة فيلم “هو مَن يجب أن يموت” الذي كتب روايته الأميركي جولز داسّين (1911-2008 م) وأخرجه سنة 1957 م. أنظر-ي الهامش
 
أمّا التركيز على الإبن والبنت في ما تقدّم فهو لتقريب صورة {ابن الله} إلى أذهان غير المسيحيّين، أذهان تشبّعَت بأفكار جنسيّة مغلوطة منذ زمن إحدى بدع النصارى (ما معناها أنّ لله صاحبة وولدًا) التي اتَّخذها الجَهَلة “حجّة” ضدّ المسيحيّة وظُلمًا مُتَعَمَّدًا إلى اليوم. والحقيقة هي أنّ تلك البدعة، إن وُجدَت، لم تمتّ إلى المسيحيّة بأيّة صِلة، ما لم تكن محض افتراء على نصارى ذلك الزمان، لأني لم أقرأ أنّ نصرانيًّا قال بها لا في الشعر ولا في النثر! فحاشا الله أن يكون له ولد بالمعنى الجسدي، إنما أولاد النور ذكورًا وإناثًا يُصبحون أولاد الله بالمعنى الروحي لا الجسدي؛ أي المؤمنون باٌسم الله: {وأمّا كلّ الذين قبلوهُ فأعطاهُمْ سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باٌسْمِهِ. الذين وُلِدوا ليس مِن دَم ولا مِن مشيئة جَسَد ولا من مشيئة رَجُل بل من الله} يوحنّا1: 12-13 والهاء في “قبلوه” تعود على المسيح له المجد. ومعنى ابن الله: كلمة الله. وتاليًا لا يعني القول “ابن القرية” أنّ للقرية صاحِبًا ولا يعني “بنت الريف” أنّ للريف صاحِبَة
 
ولماذا لا يذهب المشكِّكون إلى الكتاب المقدّس ليتبيَّنوا بأنفسهم معنى ابن الله وأولاد الله قبل اتّهام المسيحيّة بالشِّرك وغيره، في وقت أصبح الكتاب المقدَّس متيسِّرًا على الإنترنت؟ إلّـا إذا أرادوا لعقولهم أن تبيت على انحطاط فكري وأرادوا مبرِّرات واهية للتعرّض إلى المسيحيّين بهدف تهجير المتبقّي منهم واستباحة أراضيهم وأراضي أجدادهم ونهب أموالهم وخطف نسائهم… إلخ، مُستغِلِّين التفوّق العددي وتسامح التعليم المسيحي واحترام المسيحيّين قوانين البلاد التي يعيشون فيها ونبذهم الإرهاب. في وقت يعرف المُهرِّجون ما لدى المسيحي من قوّة إذا أراد معاملتهم بالمِثل! فليقرأوا التاريخ الحديث وليقرأوا ما كتب المسلمون المتنوّرون من أمثال الأديب المصري قاسم أمين (1863– 1908 م) وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان: (معاقبة الشَّرّ بالشَّرّ إضافة شرّ إلى شَرّ) فإذا قابل المسيحيّون الشرّ الذي عانوا منه طويلًـا بالمحبّة وبعَرض الخدّ الآخر (أي التفاهم) فهل جزاؤهُم الذي يستحقّون إلّـا المحبّة والإخاء؟ أمّا الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال- وهو فيزيائي ورياضي- فقال: (عَظَمة النفس الإنسانية في قدرتها على الإعتدال، لا في قدرتها على التجاوز) وهذا وذاك على حقّ

* * * 

بَحْرُ المُتدارَك

وزنهُ فاعِلُنْ، ثماني مرّات. لهُ ثلاث أعاريض صحيحة كلّ منها فاعِلُنْ؛ الأولى تامّة أي المستعملة في المتدارك التامّ ( فاعِلُنْ، ثماني مرّات) والثانية مجزوءة أي المستعملة في المتدارك المجزوء (فاعلن، ستّ مرّات) والثالثة مشطورة أي المستعملة في المتدارك المشطور (فاعلن، أربع مرّات) أمّا الأضرب في جميع الأنواع فأربعة؛ الضّرب الأوّل فاعلن (مثل العروض) والثاني مخبون فَعِلُنْ بخفض العين والثالث مقطوع فعْلُنْ بإسكان العين والرابع مُذيَّل فاعِلانْ. وقد أضاف أحد العروضيّين ضربًا خامسًا مخبونًا مُرَفَّلًـا (فعلاتُنْ) على المتدارك المجزوء لكنّه قبيح في قصيدة الشطرين فلا أنصح باستعماله إلّـا في قصيدة الشَّطر. أمّا الحشو (أي جميع الأجزاء باستثناء العروض والضّرب) فقد جاز فيه الخبن والقطع المذكوران كما جاز القبض (فاعِلُ) الناتج من حذف الساكن الخامس من فاعِلُنْ لكنه غير مستَحسَن، إنّما اٌستُحسِن في الخَبَب
 
وقد اتفق أغلب العروضيّين على أنّ الأخفش الأوسط (سعيد بن مسعدة، ت 835 م) هو الذي زاد بحر المتدارك على البحور الخمسة عشر متداركًا به على الخليل (718 – 791 م) حتّى أثير جدل واسع النطاق في شأن المتدارَك، ابتداءً بتسمياته التي سأذكر منها ما هو جدير بالذِّكر؛ إذ سُمِّيَ أيضًا بالشقيق على أنه شقيق بحر المتقارب؛ أي أنك إذا حذفت “فا” من “فاعلن” أصبح الوزن على النحو التالي
 عِلُنْ فاعِلُن فاعِلُن فاعِلُنْ * عِلُنْ فاعِلُن فاعِلُن فاعِلُنْ
 وهو صورة من صور المتقارب أي
 عِلُنْفا عِلُنفا عِلُنفا عِلُنْ * عِلُنْفا عِلُنفا عِلُنفا عِلُنْ
 ما يساوي التالي تمامًا وهو وزن المتقارب
 فعُولُنْ فعُولُنْ فعُولُنْ فعِلْ * فعُولُنْ فعُولُنْ فعُولُنْ فعِلْ
 لأنّ عِلُنْفا= فَعُوْلُنْ. عِلُنْ= فَعِلْ
 
كما سُمِّيَ بالمُحْدَث وبالمُختَرَع لأنّه استُحدِثَ بعد الخليل وسُمِّيَ بالمُتّسِق لأنّ جميع أجزائه على خمسة أحرف (وهذا السبب ليس بمُقنع لأنّ أجزاء المتقارب على خمسة أحرف أيضًا) وبالخَبَب (وهو ضَرْبٌ من العَدْوِ أي الجري) لأنّ تفعيلته فاعِلُنْ إذا خُبنتْ “فَعِلُنْ” بخفض العين أسرَعَ بها اللسان وأشْبَهَ خَبَبَ الخيل ورَكْضَها (تَرَرَتْ= فَعِلُنْ) كقولك: قمَري، عَجَبًا، ذهَبُوا… وإذا قُطِعَتْ فاعِلُنْ لتصير فاعِلْ= فَعْلُنْ بإسكان العين صارت كدقَّتَي ناقوس (تُنْ تُنْ= فَعْلُنْ) أو كقولك قلبي، سلمى، نالوا… لكنّ المتدارك متى خُبِنتْ أجزاء منه وقُطِعَت الأخرى أو متى خُبِنتْ جميع الأجزاء، أو قُطِعَتْ، تغيّرَ إيقاعُهُ وتحوّلت موسيقاه إلى أخرى! فالصّواب تسميته عندئذٍ بالخبَب، لذا عزمت على فصل الخبب عن المتدارك في بحر مستقلّ. أمّا الحكم في النهاية فمتروك للجمهور من ذوي الحسّ المُرهَف وذواته. عِلمًا أني لم أخترع بحرَين جديدَين لا الخبب ولا المضطرب (عوض البسيط المُخَلَّع) إنّما قمت بتوسيع دائرة بحور الشِّعْر؛ نظرًا لاختلاف نظام التفاعيل بين البسيط ومُخَلَّعِه وبين المتدارك وخبَبه وتاليًا لاختلاف الإيقاع جذريًّا بين الأصل والفرع. ذلك من جهة، أمّا في الجهة المقابلة فلتسهيل البحور ما أمكن على أصحاب الموهبة الشعريّة وصاحباتها. لذا أصبح عدد بحور الشعر ثمانية عشر ابتداءً بتاريخ نشر هذه المقالة على صفحات هذا الموقع الأغرّ
 
أخيرًا؛ زعم بعض العروضيّين أن الخليل عرف هذا البحر (المتدارك) فنسبوا له أبياتًا من وزن الخبب، لكنّ الاحتجاج بتلك الأبيات واهٍ، إذ كان عليهِم أن ينسبوا له أبياتًا من المتدارك لكي يُصدِّقهُم الجمهور. أمّا هُمْ فقالوا: أعرض الخليل عن هذا البحر إذ وجده عند غير العرب (ولا سيّما الفرس) وتعليقي: وإن وجده في الصين فما المشكلة إذا ما تقبّله الذوق العربي؟ وقِيل أنّ الخليل لم يعثر على قصائد من هذا الوزن في شعر العرب (وهذه حجّة واهية لأنّ بحر المضارع عانى الأزمة عينها لكنّ الخليل اعتمده بحرًا مستقلًّـا) فقلت في النهاية: إنّ روّاد الشعر الحديث قد تذوّقوا المتدارك وأجادوا فيه وأكثروا من النظم عليه، سواء أكان الخليل عارفًا بتفعيلته أم لم يفطن إليها، حتى انضمّ إلى البحور الأسهل استعمالًـا لديهم والأكثر شيوعًا، شأنه شأن شقيقه المتقارب وشأن كلّ من الوافر والكامل والرَّجَز والرَّمَل والسَّريع والخبب. وإليك بالمناسبة مثالًـا من وزن الخبب؛ قصيدة أبي الحسن الحصري القيرواني (تونس 1029 – 1095 م) التي عارضها الشاعر أحمد شوقي وغيره وتغنّت بها السيّدة فيروز (والأغنية متوفرة على يوتيوب) لأخذ فكرة عنه ولمقارنة موسيقاه مع موسيقى أمثلة المتدارك التالية
 يا لَيْلُ الصَّبُّ متى غَدُهُ * أَقِيامُ الساعةِ موعِدُهُ
 رَقـدَ السُّـمَّارُ فأرَّقهُ * أَسَـفٌ للبَيْنِ يُرَدِّدُهُ

* * *

أمثلة على بحر المتدارك
 
لقد جرت العادة في ما مضى على أن آتي بمثال من شاعر معروف أو أزيد على كل تنويعة من تنويعات البحر، لكني وجدت العروضيّين في الغالب لا الشعراء مَن قاموا بتأليف أمثلة على أشكال بحر المتدارك، ما دعاني إلى الاستغناء عنها والتوجّه مباشرة إلى الشعر الحديث، عِلمًا أني أستطيع بسهولة ضرب مثال على كلّ تنويعة، لكني لستُ مضطرًّا لفعل ما فعلت في حلقات المضارع والمقتضب وغيره. فمثالًـا لا حصرًا

 
قِيلَ عن ريفنا صَيْفُهُ ماحِلُ * والطريقُ إلى رَيِّهِ مائلُ
 قلتُ أنّ الشِّتاءَ على بابِهِ * فاعِلُنْ فاعِلُنْ فاعِلُنْ فاعِلُ
 
قِيلَعَنْ- ريفنا- صَيْفُهُو- ماحِلُوْ * وَطْطَري- قُئِلـا- رَيْيِهِيْ- مائِلُوْ
 فاعِلُنْ- فاعِلُنْ- فاعِلُنْ- فاعِلُنْ * فاعِلُنْ- فَعِلُنْ- فاعِلُنْ- فاعِلُنْ
 
قُلتُأنْ- نَشْشِتا- أَعَلـا- بابِهِيْ
 فاعِلُنْ- فاعِلُنْ- فَعِلُنْ- فاعِلُنْ

فمن أراد، بعد دراسة الأمثلة التالية، كتابة قصيدة الشطرين (كالمثال السابق) فهو حُرّ. لكني أدعو جميع هواة كتابة الشعر والمُغرَمات به وأصحاب الموهبة الشعرية وصاحباتها إلى دراسة كتاب الشاعرة نازك الملائكة «قضايا الشعر المعاصر» إذ أمكن تنزيله من إحدى صفحات الإنترنت، قبل المجازفة بإرسال أيّة قصيدة إلى النشر؛ لأن في كتابها طرائق مفيدة لتفهّم وزن الشَّطر وكتابة الشعر الحديث. هنا مقاطع مختارة للتعليم من قصيدة للشاعرة، كتبتها متحرِّرة من قيود الشطرين ووحدة القافية لكنّها بقيت حتى نهاية القصيدة ملتزمة بالوزن، لم تخلّ بوزن تفعيلة واحدة منه وإن تنوّعت فيها التفاعيل والقوافي، ما يلزم متابعة التقطيع الشعري المُرافق بعناية وتركيز

* * *
 
سخرية الرماد- نازك الملائكة
 
لو رَجَعْنا غدًا ورآنا القمَرْ
 بعد غيبتنا الكبرى
 
لوْرَجَعْ- ناغدَنْ- وَرَءَا- نَلْقمَرْ
 فاعِلُنْ- فاعِلُنْ- فَعِلُنْ- فاعِلُنْ
 
بَعْدَغَيْ- بَتِنَلْ- كُبْراْ
 فاعِلُنْ- فَعِلُنْ- فَعْلُنْ
 
ورآى كيف نمنحُ ما قد غبَرْ
 ومضى فرصة أخرى
 
وَرَءَا- كَيْفنَمْ- نَحُما- قدْغبَرْ
 فَعِلُنْ- فاعِلُنْ- فَعِلُنْ- فاعِلُنْ
 
وَمَضَاْ- فُرْصَتَنْ- ءُخْرَاْ
 فعِلُنْ- فاعِلُنْ- فَعْلُنْ
 – – –
 
لو رآنا الطريق نشقّ السكونْ
 بتعابيرنا الجامدهْ
 
لَوْرَءَا- نطْطَريْ- قُنَشُقْ- قُسْسُكُوْنْ
 فَاعِلُنْ- فاعِلُنْ- فَعِلُنْ- فاْعِلَـاْنْ
 
بتَعَاْ- بيْرِنَلْ- جَامِدَهْ
 فَعِلُنْ- فَاعِلُنْ- فاعِلُنْ
 
ويُخادِعُنا ما طَوَتْهُ المَنونْ
 مِن رغائبنا الخامدهْ
 – – –
 
ونُزيلُ رمادَ شهورٍ طوالْ
 عن هَوًى لفَّهُ المُستحيلْ
 
وَنُزيْ- لُرَمَا- دَشُهُوْ- رِنْطوَاْلْ
 فَعِلُنْ- فَعِلُنْ- فَعِلُنْ- فاعِلَـاْنْ
 
عَنْهَوَنْ- لفّْفَهُلْ- مُسْتَحِيْلْ
 فاعِلُنْ- فاعِلُنْ- فاعِلَـاْنْ
 
فوق أشلائهِ ذكرياتٌ ثقالْ
 من دموعي وحزني الطويلْ
 – – –
 
وسيسخرُ مِن شَبَحَيْنا القمَرْ
 وهْوَ يَرقبُ كيف نسِيرْ
 
وَسَيَسْ- خَرُمِنْ- شَبَحَيْ- نَلْقمَرْ
 فَعِلُنْ- فَعِلُنْ- فَعِلُنْ- فاعِلُنْ
 
وَهْوَيَرْ- قَـبُكَيْ- فَنَسِيْرْ
 فاعِلُنْ- فَعِلُنْ- فَعِلَـاْنْ
 
كيف ننشرُ ما قد طواهُ القدَرْ
 واٌحتواهُ سكونُ المصيرْ
 – – –
 
وهناك نرى جثث الأشواقْ
 في خمود طويل عميقْ
 
وَهُنا- كنرَا- جُثَثَلْ- أشواقْ
 فَعِلُنْ- فَعِلُنْ- فَعِلُنْ- فَعْلَـاْنْ
 
فيْخُمُو- دِنْطوي- لِنْعَمِيْقْ
 فاعِلُنْ- فاعِلُنْ- فاعِلَـانْ
 
ويخادعنا لونها البَرّاقْ
 فتؤمّل أن تستفيقْ
 * * *

هنا مثالًـا على مجزوء المتدارك في مقاطع من قصيدة للشاعرة نفسها

تواريخ قديمة وجديدة- نازك الملائكة

لنَسِرْ كان أمسِ وماتْ * منذ بضع مئات السنينْ
 مَسَحَتْ ذِكرَهُ السنواتْ * وطَوَتْهُ مع المَيِّتينْ
 
لنَسِرْ- كَاْنَأمْ- سِوَمَاتْ * مُنذُبِضْ- عِمِئا- تِسْـسِـنِـيْنْ
 فَعِلُنْ- فاعِلُنْ- فَعِلَـاْنْ * فاعِلُنْ- فَعِلُنْ- فَاْعِـلَـاْنْ
 – – –
 وبَحَثْنا زمانًا طويلْ * عن كواكبهِ الآفلاتْ
 واٌستعَرْنا يدَ المستحيلْ * لنُعيد إليهِ الحياةْ
 – – –
 ورأينا هناك جباهْ * لا ترى فهْيَ عمياءُ
 وعُيونًا طوتها الحياهْ * صمتتْ فهي خرساءُ
 – – –
 ويتيهُ صدى الأمسِ * في مدار الزمان العميقْ
 ونحسّ على الكأسِ * فورة الحُلُم المُستفيقْ
 * * *
 
وهنا مثالًـا على مشطور المتدارك في مقاطع من قصيدة للشاعرة نفسها
 
أنشودة الرياح- نازك الملائكة
 
لك قلبٌ غفا * عن معاني الذرى
 
لكَقَلْ- بُنْغَفَاْ * عَنْمَعَاْ- نِذْذُرَا
 فَعِلُنْ- فاعِلُنْ * فَاعِلُنْ- فاعِلُنْ
 
لك روحٌ ثوى * في ضباب الكرى
 لا يُحسّ الندى * في جفاف الثرى
 فاٌهبطي واٌبحثي * عند أهل القرى
 – – –
 حُلُمٌ واٌنطوى * في الفضاء المديد
 كلّما أخفقت * في رجاء فريد
 شيَّدتْ في الذرى * حُلْمَها من جديد
 لا تبالي اللظى * لا تبالي الجليد
 * * *
 
عباس محمود العقاد
 أسوان، مصر 1889- 1964 م
 
يا لهُ مِن فمٍ * يا لها مِن شفهْ
 
يا لشَهْدٍ بها * كُدْتُ أنْ أرشفهْ
 
يا لزهْر بها * كدت أن أقطفهْ
 
حُلوة ويحها * غضّة مُرهَفهْ
 
حَسْرَتي بعدها * حسرة مُتلفهْ
 * * *

كان جميع ما تقدّم قصائد من نوع الشّطرين، أمّا التالي فلا يختلف كثيرًا، لكنّه من الطراز الذي كان يُسمّى بالشعر الحُرّ وهو في نظر نازك الملائكة أصعب نظمًا

إلى الشعر- نازك الملائكة
 
مِن بَخور المعابدِ في بابلَ الغابرهْ
 
مِن ضجيج النواعيرِ في فَلَواتِ الجَنوبْ
 
مِن هتافاتِ قُمْريّةٍ ساهرهْ
 
وصدى الحاصدات يغنّين لحْنَ الغروبْ
 
ذلكَ الصوتُ، صوتُكَ سوف يؤوبْ
 
لحياتي، لسَمْعِ السِّنينْ
 
مُثخَنًا بعَبيرِ مساءٍ حَزينْ
 
أثقلتهُ السَّنابِلُ بالأرَجِ النَّشْوانْ
 
بصدًى شاعريٍّ غريبْ
 
من هُتافاتِ ضفدعةٍ في الدجى النَّعْسانْ
 
يملأُ الليلَ والغدْرانْ
 
صوتُها المتراخي الرتيبْ
 * * *
 
المزمور الحادي والخمسون بعد المئة- محمود درويش
 
أورشليم! ابتعدت عن شفاهي
 
المسافات أقرَبْ
 
بيننا شارعانِ، وظَهْرُ إلهْ
 
وأنا فيك كوكبْ
 
كائن فيك، طوبى لجسمي المُعذَّبْ
 
يسقط البعد في ليل بابلْ
 
واٌنتمائي إلى خُضرة الموت_ حق
 
وبُكاء الشبابيك_ حق
 
صوتُ حرّيتي قادمٌ من صليل السلاسلْ
 
وصليبي يُقاتلْ
 
أورشليم! التي عصرَتْ كلّ أسمائها
 
في دمي
 
خدعتني اللغات التي خدعتني
 
لن أسَمِّيكِ
 
إني أذوب، وإنّ المسافات أقرَبْ
 
وإمام المُغَـنِّين صَكّ سِلاحًا ليقتلني
 
في زمان الحنين المُعَلَّبْ
 
والمزامير صارت حجارهْ
 
رجموني بها
 
وأعادوا اٌغتيالي
 
قُرب بيّارة البرتقالْ
 
أورشليم! التي أخذت شكل زيتونة
 
دامية
 
صار جلْدي حذاءْ
 
للأساطير والأنبياءْ
 
بابلي أنتِ، طُوبى لمن جاور الليلة الآتيهْ
 
وأنا فيك أقرَبْ
 
مِن بكاء الشبابيكِ. طوبى
 
لإمام المغنِّين في الليلة الماضيهْ
 
وإمام المغنّين كان، وجسمِيَ كائنْ
 
وأنا فيك كوكبْ
 
يسقط البُعد في ليل بابلْ
 
وصليبي يُقاتلْ
 
هلِّلويا
 
هلّلويا
 
هلّلويا
 * * *

أخيرًا؛ أدعو الأحبّاء الكرام إلى قراءة خاطرة الأديب محمد الماغوط التي أشرتُ إليها أعلى، للتمييز بين الشعر الموزون وبينها. وقد وردت تسميتها (خاطرة) في هامش ص 133 من كتاب نازك الملائكة المذكور. عِلمًا أنّي تشرّفت خلال التسعينيّات بزيارة باب توما وهو أحد أبواب مدينة دمشق القديمة (سُمِّيَ بهذا الاسم نسبة للقديس توما أحد تلاميذ المسيح الإثني عشر حيث كانت دمشق مقصدًا للرسل والقديسين ومُنطلَـقًا على مَرّ التاريخ. بُنِي أوّلَ مرّة في عهد الرومان وأعِيد بناؤه… إلخ- ويكيپـيديا: باب توما) وهنا الخاطرة منقولة من الصفحة المذكورة- مع محبتي وأطيب التمنيّات
 
أغنية لباب توما- محمد الماغوط

ليتني وردة جورية في حديقة ما
 
يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار
 
أو حانة من الخشب الأحمر
 
يرتادها المطر والغرباء
 
ومن شبابيكي الملطَّخة بالخمر والذباب
 
تخرج الضوضاء الكسول
 
إلى زقاقنا الذي ينتج الكآبة والعيون الخضر
 
حيث الأقدام الهزيلة ترتفع دونما غاية في الظلام
 
أشتهي أن أكون صفصافة خضراء قرب الكنيسة
 
أو صليبًا من الذهب على صدر عذراء
 
تقلي السَّمَك لحبيبها العائد من المقهى
 
وفي عينيها الجميلتين ترفرف حمامتان من بنفسج
 * * *

 
Christ Recrucified

المسيح يُصلَب من جديد

 The Greek Passion or Christ Recrucified (Ο Χριστός Ξανασταυρώνεται= Christ is Recrucified) is a 1948 novel by Nikos Kazantzakis. The story concerns the attempts of a Greek village community to stage a Passion play. It takes place in a Greek village (Lycovrisi) under the Ottoman Empire. The village holds Passion plays every seven years and the elders of the village decide on choosing among the villagers the characters for the play.
 
Adaptations
 1. Bohuslav Martinů wrote an opera in four acts, also called The Greek Passion (Czech: Řecké pašije) based on the novel, with a libretto by the composer.
 2. Jules Dassin’s film He Who Must Die (1957) is based on the novel.
 3. Derek Carver based his stage and BBC radio play (Not to Send Peace) on the novel

¤ ¤ ¤ ¤ ¤

Posted in الأدب والفن | 3 Comments

لهذا السبب نخشى من وصول الإسلاميين للحكم



This is why we fear that the Islamists would be in power

Posted in English, ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

د. وفاء سلطان /التربية الاسلامية و الواقع

Posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر, يوتيوب | Leave a comment

المسلمون يحتكرون كل شيء حتى الله

كامل النجار

الاحتكار دائماً وأبداً يؤدي إلى تحكم المحتكر (بكسر الكاف) بالمحتكرين (بفتح الكاف) واستنذافهم مادياً أو معنوياً أو الاثنين معاً، فعندما يحتكر مقاول أو تاجر استيراد الأسمنت، مثلاً، يصبح هو المتحكم في أسعار الأسمنت وبالتالي في أسعار المباني وقدرة الناس على شراء أو بناء منازلهم. وكلما زاد تحكمه كلما زادت ثروته وقوته ومقدرته على شراء ذمم المسؤولين بالحكومات. ولذلك تحارب الحكومات في البلاد المتقدمة كل أنواع الاحتكار، ولكن حكوماتنا العربية والإسلامية تغض الطرف عن الاحتكار لما يعود عليها من أصحاب الاحتكار. فمثلاً في إيران، أصبح الحرس الثوري يحتكر غالبية المشاريع التجارية والصناعية الكبرى. ويقال إن أي مشروع يُطرح في المزاد، وتفوق قيمته المليون دولار، يفوز به الحرس الثوري تلقائياً. فأصبح الحرس الثوري حكومة داخل الحكومة، وأصبح نفوذه أكبر من نفوذ رئيس الدولة.
والإسلام منذ ظهوره، مكّن المسلمين من احتكار عمليات السطو على البلاد الأخرى واسترقاق مواطنيها، واحتكر كذلك المواطنة. فالمسلم لا موطن له إذ أن موطنه هو أمة الإسلام، حيثما كانت. فالقوميات لا مكان لها في الإسلام. وليتهم اكتفوا بذلك، فهم لا يؤمنون بالمقولة العالمية live and let live أي عش واترك غيرك يعيش. فالغير إذا لم يعتنق الإسلام، فلا قيمة لحياته. فمن حق المسلم أن يغزوه ويقتله أو يفرض عليه الجزية إمعاناً في ذله واحتقاره.
وعليه فقد احتكر المسلمون الاتصال بين السماء والأرض، وقسّموا المعتقدات إلى سماوية وفلسفية. فأصبحت الديانات المسالمة من بوذية وهندوسية وشانتو وكنفوشية، أدياناً فلسفية، أي من صنع الإنسان، والإسلام واليهودية والمسيحية، أدياناً سماوية. وعندما ازداد احتكار المسلمين للمعتقدات وزادت بالتالي قوتهم المادية والمعنوية، اعنوا أن اليهودية والمسيحية أصبحتا لاغيتين لأن أتباعهما قد حرفوا الكتب السماوية التي أتى بها موسى ويسوع، وعليه خلا الجو للإسلام بأن يصبح الدين السماوي الوحيد.
والقرآن شجعهم على هذا الاحتكار عندما قال (إن الدين عند الله الإسلام) (آل عمران 19). وكذلك (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (آل عمران 85). ولا يسع أي إنسان لديه ذرة من العقل إلا أن يشكك في حكمة هذا الإله الذي أرسل 124 ألف نبي ورسول (حسب الزعم الإسلامي) ثم قرر أخيراً أن ديناً واحداً فقط هو الصحيح ولن يقبل أي دين آخر كان قد أرسل به رسلاً وأنبياء من قبل وطالب الناس باتباعهم. وقال القرآن عن يسوع (إني جاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) (آل عمران55). وهذه الآيات تظهر التضارب والتناقض الكبير في هذه السورة من القرآن. ولكن مع ذلك احتكر المسلمون الاعتقاد بالله وجعلوه ملكهم الخاص دون أن يكلفوا أنفسهم الانتظار إلى يوم القيامة حتى يحكم الله بينهم وبين من اتبع يسوع (عيسى بن مريم).
ثم احتكر المسلمون مفهوم التوحيد وزعموا أنهم الوحيدون الذين يعبدون إلهاً واحداً مع أن فكرة التوحيد بدأت عند قدماء المصريين عندما عبدوا آمون طوال فترة حكم الفرعون أخناتون، ثم رجعوا إلى التعددية بعد موته. ومن بعدهم عبد بنو إسرائيل إلهاً واحداً، وكان غيوراً جداً وحذرهم من عبادة آلهة آخرين معه (22 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّنِي مِنَ السَّمَاءِ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ. 23 لاَ تَصْنَعُوا مَعِي آلِهَةَ فِضَّةٍ وَلاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ آلِهَةَ ذَهَبٍ. 24 مَذْبَحاً مِنْ تُرَابٍ تَصْنَعُ لِي وَتَذْبَحُ عَلَيْهِ مُحْرَقَاتِكَ وَذَبَائِحَ سَلاَمَتِكَ غَنَمَكَ وَبَقَرَكَ. فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ الَّتِي فِيهَا أَصْنَعُ لاِسْمِي ذِكْراً آتِي إِلَيْكَ وَأُبَارِكُكَ.) (سفر الخروج، الإصحاح 20). والمسيحيون يعبدون إلهاً واحداً ذا ثلاثة أقانيم، وهذا لا يتعارض مع الوحدانية في شيء. ولكنها سطوة المتسلط المحتكر الذي يفرض على الناس ما يريد، دون أي دليل. وقد قال شيوخ الإسلام في فتاواهم (لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوي الإسلام، من أصول الإسلام أنه يجب الاعتقاد بكفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصاري. كما لا يجوز لمسلم الأستجابة لدعوة بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مجمع واحد لأن في ذلك أعتراف بدين غير الإسلام) (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بالمملكة العربية السعودية، رئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز- وعضوية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ- الشيخ و الدكتور صالح بن فوزان الفوزان فتوي رقم 19402 عام 1993).
ورغم تاريخ الإسلام الدامي الذي اشتهر بآحادية الحكم الذي أصبح وراثة من الأب إلى الابن، وبقتل المعارض بحجة الزندقة، كما فعل خالد القسري عندما ذبح الجعد بن درهم يوم عيد الأضحى وقال إنه يضحي به لله بدل كبش الفداء، جاء المسلمون الجدد واحتكروا مفهوم الديمقراطية وزعموا أنها من روح الإسلام. وقال كبيرهم الذي علمهم السحر، الشيخ المصري القطري يوسف القرضاوي (قال بعضهم إن الديمقراطية بدعة مستوردة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. قلت لهم لا، جوهر الديمقراطية ليس مستورداً، جوهر الديمقراطية هي الشورى هي النصيحة في الدين، هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي حرية النقد والتعبير). فجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية هي من روح الديمقراطية، حسب قول القرضاوي. وما زال المسلمون يزعمون أن الديمقراطية نظام حكم نشأ مع الإسلام، رغم أن مفهوم الشورى الذي ورد في آية واحدة فقط في القرآن (وأمرهم شورى بينهم) لم يُطبق أبداً طوال تاريخ الإسلام الطويل، والكل يعلم أن الشورى غير الديمقراطية. وهاهي المملكة العربية السعودية قد أنشأت مجلساً للشورى يعين نصف أعضائه الملك عبد الله، فهل هناك ديمقراطية في مملكة آل سعود. وهل تجتمع الملكية مع الديمقراطية، والقرآن نفسه يقول لنا (إنّ الملوكَ إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة كذلك هم يفعلون). ولكن قوة الاحتكار تجعل المسلمين يفترضون ما يريدون دون أي دليل، ولا يسألهم احد. فقد أصبحوا مثل إلههم (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) (الأنبياء 23).
ولا يكفي المسلمين احتكار الدنيا ونساءها ومعتقداتها، فاحتكروا الجنة وقالوا على لسان محمد إن الجنة لا يدخلها إلا مسلم: (قال رسول الله (ص) أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما انتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر، وذهب جماعة إلى أن الثلثين جميعا من هذه الأمة وهو قول أبي العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك قالوا (ثلة من الأولين) من سابقي هذه الأمة (وثلة من الآخرين) من هذه الأمة في آخر الزمان) (تفسير البغوي، ج4، سورة الواقعة، الآيات 37-40).
ثم احتكروا الله نفسه وقرروا أنه يحب محمداً أكثر من حبه لجميع الأنبياء والرسل، فجعلوه خاتم الأنبياء وحبيب الله الذي يصلي عليه مع ملائكته كل يوم. ودليلهم الوحيد على هذه المحبة و على أن محمداً خاتم الأنبياء، حديث زعموا أن محمداً قد قال لهم فيه إنه خاتم الأنبياء وأنه حبيب الله. وفي غمرة حماسهم لتأليه رسولهم نسوا أو تناسوا أن القرآن يقول لنا (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسنٌ واتبع ملةَ إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيمَ خليلا) (النساء 125). فليس هناك أحب من الخليل. ثم قال عن موسى (ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلّم الله موسى تكليما) (النساء 164). فإذا لم يكن موسى حبيب الله لما كلمه مباشرةً. وقال عن يسوع (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) (آل عمران 55). فهل هناك تكريم أكثر من هذا؟ وذكر القرآن موسى أكثر من مائة وثلاثين مرة، وذكر إبراهيم عشرين مرة وعيسى عشرين مرة كذلك، ولم يذكر محمد غير أربعة مرات فقط. ومع ذلك أصبح محمد حبيب الله وأفضل خلق الله. وهذه ميزة الاحتكار التي يتمتع بها المحتكر. يقال إن فورد صاحب مصنع السيارات الأمريكية كانت كل سياراته مطلية باللون الأسود فقط، ولما طالب بعض الأمريكيين بأن يتيح لهم فورد فرصة اختيار ألوان سياراتهم، رد عليهم بقوله “طبعاً، يمكنهم اختيار أي لون تريدون ما دام أسوداً”.
ولم يكفِ المسلمين احتكاراتهم لكل الأشياء، فقرروا احتكار اسم الله، وعندما نشرت صحيفة هيرالد ويكلي المسيحية، والتي تصدر بلغة المالاي كلمة “الله”، هاج وماج المسلمون، (وقال جميل خير جوهري ان مجلس الافتاء الوطني رأى في ايار/مايو 2007 ان كلمة “الله” يمكن ان تستخدم من قبل المسلمين وحدهم في ماليزيا، حسبما نقلت وكالة الانباء “برناما” ليل السبت الاحد. واضاف انه “من المهم بالنسبة للمسلمين حماية استخدام الكلمة واذا كان هناك اي محاولة لاهانة الكلمة او لسوء استخدامها علينا ان نتخذ اجراءات قانونية بموجب الدستور الفدرالي) (إيلاف 3/1/2010). وفعلاً أصدرت الحكومة قانوناً يحظر على غير المسلم استعمال كلمة “الله”. ةبالطبع، رفعت الصحيفة الأمر إلى القضاء، وقررت المحكمة يوم الخميس ان الصحيفة الكاثوليكية تتمتع “بالحق الدستوري” في استخدام كلمة “الله”، مؤكدة ان منع استخدام الكلمة من قبل الحكومة “غير شرعي وباطل ولاغ”. واعترض مسلمون على الحكم وقالوا انهم سينظمون تظاهرات ضده. وفعلاً تظاهر المسلمون ضد القرار واحرقوا ثلاث كنائس، ثم أحرقوا كنيسة رابعة يوم 10/1/2010. ورغم هذه الهمجية الإسلامية، قال روبرت تان، كاهن إحدى الكنائس في كوالالمبور (بغض النظر عمن قام بهذا العمل، إذا تعرفوا على الشخص فإنني أريد أن أذهب إليه وأعانقه وأقول له يا أخي أنا أحبك. لن يكون لي أي مشاعر سيئة نحوه) (الشرق الأوسط 11/1/2010.
ولأن الغالبية العظمى من المسلمين، حتى العرب، ناهيك عن الذين لا يتحدثون العربية، لا يقرؤون القرآن، وإن قرأوه لا يفهمونه، غاب عن الذين أفتوا وعن المتظاهرين أن كلمة “الله” كان يستعملها عرب ما قبل الإسلام، وأخذها محمد عنهم. والقرآن نفسه يقول في أكثر من عشر آيات (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنئ يؤفكون) (الزخرف 87). وكذلك (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) (لقمان 25). بالإضافة إلى الشعر الجاهلي الذي مجد فيه الشعراء الله. ولكن جهل المسلمين مصيبة نعجز أن نجد لها حلاً. أما الذين يفتون، فهم أجهل من العامة في أغلب الأمور، عدا الأحاديث وقصص الأنبياء. وهناك مثل إنكليزي يقول: Little knowledge is dangerous
والسبب الرئيسي وراء محاولة المسلمين احتكار الحقيقة المطلقة، والفضيلة وسائر الأشياء، هو شعورهم بعقدة النقص. فهم يرون العالم قد تحرك مسرعاً إلى الأمام وتركهم في القرن السابع مع الصحابة ومن جاء بعدهم من بخاري ومسلم ونيسابوري. ولتأكيد أنهم يعيشون في الماضي السحيق، زعموا أن العلوم كلها قد خرجت من عند المسلمين، وراحوا ينقبون في كتب التاريخ الإسلامي عن علماء حقيقيين يفتخرون بهم، فلم يجدوا غير الفارسيين وأهل بخارا وأهل السند والأتراك ليفتخروا بهم. وتناسوا أن من يفتخرون بهم الآن هم نفس العلماء الذين كفرهم معاصروهم من أمثال أبي حامد الغزالي الذي كفّر الفارابي وابن سينا وكل الفلاسفة.
وفي حقيقة الأمر فإن المسلمين لم يقدموا للعلم إلا شذرات، وكان أحسن ما قاموا به هو ترجمة التراث اليوناني والروماني إلى العربية. وأغلب الترجمات قام بها مسيحيو العراق والشام. والعدد البسيط من المسلمين الذين اشتغلوا بالعلوم الطبيعية لم يكونوا عرباً، ولم يكتشفوا في العلوم لأنهم مسلمون، وإنما لميولهم الشخصية وللفرصة التي أتاحتها لهم ترجمة التراث اليوناني. فلو لم يجبرهم المسلمون على اعتناق الإسلام، لقاموا بنفس تلك الاختراعات.
وقد فطن الغربيون إلى حاجة المسلمين للتشبث بعلماء الماضي، فقاموا بإرسال علماء غربيين، دفع لهم الزنداني وبعض شيوخ الخليخ مبالغاً طائلة من المال ليحاضروا في جامعات الشرق الأوسط عن عظمة الإسلام. وفي آخر التقليعات في هذا المجال، افتتح ليبرتي ساينس سنتر في أمريكا معرضاً عن إعادة اكتشاف علوم المسلمين. بدأت الشرق الأوسط الحديث عن هذا المعرض بالسؤال التالي: ( من صمم أول جهاز طيران؟ اذا كانت إجابتكم أن من صممه هما الأخوان رايت في القرن التاسع عشر، أو حتى ليونارد دافنشي في القرن الخامس عشر، فلعلكم ستفاجأون بأنكم لم تقتربوا من الإجابة الصحيحة، فالمستندات تبين أن عباس بن فرناس هو أقدم شخص معروف، شيد وقاد جهازاً للطيران في القرن التاسع، وفي الأندلس في إسبانيا الإسلامية) (الشرق الأوسط 21/7/2007).
وعباس بن فرناس لم يقم باختراع آلة الطيران، وإنما صمم جناحين ربطهما إلى ذراعيه وطلع على جبل وألقى بنفسه منه ليطير، غير أنه وقع ودق عنقه. ومحاولته ربما تكون قد فتحت الباب لعلم الباراشوت ولكن حتماً ليس للطيران. وإذا عرفنا أن ابن فرناس كان أمازيقياً، أجبرته جيوش المسلمين على اعتناق الإسلام بعد أن قتلوا وسبوا عشرات الآلاف من بلده، نعرف أن محاولته لم تكن بدافع الإسلام وإنما بدافع عقله الذي كان يبحث عن حقيقة العالم.
ومركز ليبرتي ساينس قد طورته مؤسسة «إم. تي. إي. استوديوز» التي تتخذ من مدينة كيب تاون ومن دبي مقرات لها. وإذا عُرف السبب بطل العجب.
ورغم كل هذا الاحتكار وتبخيس الديانات الأخرى، يحاول المسلمون ذر الرماد في عيون الغربين ويدعونهم إلى حوار الديانات الذي لا يخدم غرضاً غير إتاحة الفرصة لأخذ صور الملوك والشيوخ في مدن العالم الغربي. وبما ألإسلام يبيح لهم الكذب والخداع، خاصة في الحرب، وهم يزعمون أنهم في حرب مع الغرب، فسوف يستمرون في ذر الرماد في العيون الغربية.

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | 1 Comment