عن «اليسار» والثورة السوريّة

حازم صاغية

لا تلبث أن تهدأ موجة نقد «اليسار» بسبب موقفه من الثورة السوريّة حتّى ترتفع مجدّداً. وأغلب الظنّ أنّ ما يحرّك الموجة هذه ليس وزن اليسار وحجمه، بل المفاجأة بأنّ «أهل الثورة» بات بعضهم يقف في مواجهة الثورة، وبعضهم في موقف التحفّظ عنها، تاركين لهامش ضيّق منهم أن يؤيّدها.

والمستجدّ هذا يجد أحد جذوره في تحوّل معنى الثورة نفسها. فقد فوجئ العقل الذي انتظر خطاباً طبقيّاً صافياً لا تخالطه إلاّ دعوة قوميّة مشبوبة لمحاربة الصهيونيّة والاستعمار، بأنّ الثورة، الراهنة والممكنة، إنّما تركّز على الحرّيّة والكرامة الإنسانيّة، وتنظر إليهما بوصفهما الشرط المسبق والمنطلق الضروريّ للتعامل مع القيم الأخرى، سلباً كان التعامل أو إيجاباً.

وهذا ما تساوق مع تحوّل كبير تجسّده استعادة السياسة إلى الأوطان والدواخل الوطنيّة، بعد نفيها في الأدغال الجيوبوليتيكيّة العابرة للحدود.

وتحوّل كهذا يمسّ ما راح يستقرّ عليه معنى «اليسار» في زمن الحرب الباردة، حيث غدت الأولويّة المطلقة للصراع «مع الإمبرياليّة»، البريطانيّة – الفرنسيّة أوّلاً، ثمّ الأميركيّة بالمعنى الحصريّ.

مثل هذا التغليب للخارجيّ – الجيوبوليتيكيّ، المحكوم بالهوى السوفياتيّ، على الداخليّ – الثقافيّ والمجتمعيّ، يرقى في أصوله إلى اللحظة التي انتصرت فيها ثورة أكتوبر الروسيّة عام 1917. ذلك أنّ الانتصار ذاك بقدر ما كان هزيمة للقيصريّة فإنّه كان أيضاً هزيمة للماركسيّة الأرثوذكسيّة التي عبّر عنها رموز كبرنشتاين، ومن بعده كاوتسكي والمناشفة الروس. وحين اندفع لينين فأطلق تسميتي آسيا «المتقدّمة» وأوروبا «المتأخّرة»، لمجرّد أنّ الأولى تشهد ثورات لم تعد رائجة في الثانية، فإنّه كان يضع «الحركة» محلّ الانتاج والاقتصاد اللذين اعتمدتهما الماركسيّة الأصليّة معياراً لحسبة التقدّم والتأخّر.

و»الحركة» تلك ما لبثت في زمن الحرب الباردة أن اكتسبت معنى وحيداً محدّداً، هو الوقوف في صفّ موسكو ومصالحها ضدّ الغرب. فحينما انهار الاتّحاد السوفياتيّ وكتلته، في موازاة نموّ هائل لشعبويّة عالمثالثيّة، دينيّة غالباً، ابتلعت تلك الشعبويّة معظم ما تبقّى من يسار يغالب مرارته بسقوط «قلعة التقدّم والاشتراكيّة».

وبدورها شكّلت الثورة السوريّة امتحاناً هو الأكبر لذاك المجمّع من الخرافات التي استقرّ عليها معنى اليسار. فهي تولّت، ببلاغة نادرة، هدم الأولويّة المعطاة للخارجيّ والجيوبوليتيكيّ، التي استخدمها الطغاة والمستبدّون تحت يافطات شتّى في رأسها «الممانعة». وهي، فوق هذا، طرحت، من خلال مطالب الحرّيّة والكرامة الانسانيّة، المسائل الملحّة التي تشرط كلّ «تنوير»، حتّى لو تعرّجت وتعثّرت السبل إليه. فإذا استحالت تلبية المطالب تلك، غدت كلّ دعوة «أعلى»، اشتراكيّة أو غير اشتراكيّة، دجلاً محضاً. وليس صدفة في هذا المعنى أنّ جميع الأنظمة التي قالت بالاشتراكيّة اللينينيّة إنّما زاوجتها مع العسف العسكريّ وإهانة الكرامة الإنسانيّة، مسيئة إلى الاشتراكيّة من خلال الإساءة إلى الحرّيّة.

هنا كان يتّضح، ولو على نحو مداور، كم أنّ الموقف اليساريّ من الثورة السوريّة يخفي الانقطاع عن التنوير الغربيّ الذي بدأ مع الثورة البلشفيّة، بعدما كانت ماركسيّة كارل ماركس من بنات هذا التنوير.

وفي العموم، لا يتأدّى عن هذه المواقف سوى مزيد من اللامعنى السياسيّ قياساً بما ينتجه الواقع من قوى فعليّة. وهذا ما كنّا قد رأيناه في موقف يساريّين سبق أن قالوا «لا لصدّام ولا للأميركيّين»، و «لا لكرزاي ولا لطالبان»…، في انتظار أن تنشقّ السماء عن هدية تستحقّ أن يقال لها: نعم.

*نقلاً عن “الحياة” اللندنية

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

وانتيد (مطلوب)؟

مطلوب من الشعب السوري لمحاكمته على جرائمه

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

علي الأسدي يدافع عن الشرّ المطلق

يعقوب ابراهامي

” إذا نجح المال اليهودي العالمي مرّةً أخرى في إغراق شعوب العالم في حربٍ عالمية فإن النتيجة سوف لا تكون بلشفة العالم بل القضاء على الجنس اليهودي برمّته في أوربا” – أدولف هتلر في خطابٍ (عُرِف فيما بعد باسم “نبوءة هتلر”) ألقاه أمام الرايخشتاغ في 30 يناير 1939، بمناسبة الذكرى السادسة لوصوله إلى الحكم.

علي الأسدي يشرح: ” اجراءات هتلر اقتصرت على اجلاء اليهود إلى الشرق في بولندا”

ليئون غولدنسون، دكتور وطبيب نفساني، كان إثناء الحرب العالمية الثانية ضابطاً في الجيش الأمريكي، خدم في فرنسا وألمانيا واشترك في المعارك في أوربا. في بداية عام 1946 عُيِن طبيباً نفسانيّاً لسجن نيرنبرغ حيث كانت تجري محاكمة مجرمي الحرب، وبحكم منصبه كانت له حرية تامة في إجراء مقابلات ومحادثات مع كبار رجال الحزب والدولة الألمان الذين كانت تجري محاكمتهم وكانت تنتظر معظمهم أحكام الإعدام.
هذه المقابلات والمحادثات، مع الملاحظات التي سجّلها غولدنسون نفسه، جُمِعت بعد ذلك في كتابٍ تحت عنوان:
The Nuremberg Interviews
(مقابلات نيرنبرغ) . أشرف على إصدار الكتاب، وكتب مقدمة له، واحدٌ من أبرز المؤرخين المعاصرين هو البروفسور روبرت غيلاتيلي.

فيما يلي مقتطفات مختارة، وموجزة جدّاً، من أثنتين من هذه المقابلات.
مقابلة مع رودولف هوس (رودولف هوس كان قائد معسكر أوشويتز. حكمت عليه المحكمة الدولية في نيرنبرغ بالموت ونُفِذ فيه حكم الإعدام في نفس المكان الذي اقترف فيه جرائمه):

ماذا كان منصبك الرسمي؟
“كنتُ قائد معسكر أوشويتز لمدّة أربع سنوات من أيار 1940 حتّى كانون الأول 1943”

ما هو عدد الذين قُتِلوا خلال هذه الفترة؟
“يصعب معرفة العدد بالضبط. أنا أُقدُّر العدد بحوالي 2.5 مليون يهودي”

يهودٌ فقط؟
“نعم”

بما في ذلك نساء وأطفال؟
“نعم”

ما رأيك في ذلك؟
رودولف هوس لا يجيب. ليئون غولدنسون يسأله ثانيةً: هل توافق على ما جرى في أوشويتز؟
“كانت هذه أوامر من هملر”

هل اعترضت؟
“لم يكن بمقدوري أن أعترض. كنت مضطرّاً أن أقبل الشروح التي قدّمها هملر”

بتعبير آخر أنت تعتقد أن هناك ما يبرّر قتل 2.5 مليون إنسان ما بين رجل وإمرأة وطفل.
“لا ليس هناك ما يبرّر ذلك، لكن هملر قال لي آنذاك أننا إذا لم نقضِ على اليهود فإن اليهود سوف يفضون على الشعب الألماني”

كيف يستطيع اليهود أن يقضوا على الشعب الألماني؟
“لا أعرف. هذا ما قاله هملر. في صيف عام 1941 تقبلتُ دعوة للقاء هملر في برلين. وهناك تلقيت أمراً بإقامة المعسكر. أذكر أنه قال ما معناه: الفهرر أمر بالبدء بمشروع الحل النهائي للمشكلة اليهودية، ونحن في الإس إس علينا أن ننفذ هذا المشروع. هذه مهمة صعبة ولكننا إذا لم نقم بتنفيذها فإن اليهود سوف يقضون على ألمانيا في المستقبل”

هل أشرفت بنفسك على عمليات القتل في غرف الغاز ؟
“نعم. أشرفتُ على هذه العمليات بنفسي بصورةٍ كاملة. أحياناً، ولكن ليس دائماً، كنت حاضراً عند تشغيل أجهزة الغاز”

هل جرت في أوشويتس عمليات قتلٍ رمياً بالرصاص أيضاً إضافةً إلى الغاز؟
“نعم، ولكن ليس لليهود، بل لأعضاء من حركة المقاومة البولندية”.

ليئون غولدنسون يسأله كيف اكتسب الخبرة في بناء غرف الغاز. ورودولف هوس يجيبه أنه اكتسب الخبرة عندما زار معسكر الإبادة ترابلينكا:
“فحصتُ غرف الإبادة هناك. كانت مبنيّة من خشبٍ وأسمنت وكل غرفةٍ كانت بحجم هذه الغرفة التي نحن فيها الآن (8 أقدام على 11 قدماً) إلاّ أن سقفها كان أكثر انخفاضاً. تمّت عملية القتل هناك عن طريق تسليط الغازات المنبعثة من محركات الدبابات والقاطرات القديمة إلى داخل غرف الإبادة”

كم كانوا يُقتلون في كل مرّة؟
“لا أعرف بالضبط. أنا أقدّر أنه كان يمكن دحس مائتين شخص في كل غرفة”

رجال ونساء وأطفال؟
“نعم. لكن الرجال كانوا يُفردون عن النساء”

كم غرفة من هذا النوع كان في ترابلينكا؟
“عشرة غرف مبنية كلها من الإسمنت. لم تكن هناك ثقوبٌ يمكن من خلالها رؤية ما يجري في الداخل.
في ترابلينكا كانوا يُدخِلون المُعتقلين إلى غرف الغاز، يغلقون الأبواب ويشغِّلون المحركات لمدة ساعة. بعد ذلك كانوا يفتحون الأبواب. في هذه الأثناء كلُّ من في الداخل كان قد مات. لا أعرف كم وقتٍ لزم للغاز كي يفعل فعله ويقتلهم.”

وفي أوشويتز؟
” في أوشويتز كان هناك بيتان ريفيان حولناهما إلى غرفتي غاز بعد أن حطّمنا الجدران التي تفصل بين الغرف. في أوشويتز استخدمنا لأول مرّة غاز الزيكلون ب.”

بأية وتيرة جرى استخدام منشئات الغاز؟
” الشحنات لم تكن تصل يوميّاً وبانتظامٍ. أحياناً كان يصل قطاران أو ثلاثة في يوم واحد، وأحياناً كانت تمرّ ثلاثة أو حتى ستة أسابيع دون أن تصل شحنة واحدة”

كم وقتٍ لزم لغاز الزيكلون كي يقتل الموجودين داخل الغرفة؟
“وفقاً للأرصاد التي قمتُ بها خلال كل هذه السنين أستطيع أن أؤكد أن هذا يعتمد على حالة الطقس، الرياح، درجة الحرارة، وأيضاً على فعالية الغاز نفسه التي لم تكن دائماً في نفس المستوى من الجودة. بصورةٍ عامة 15 دقيقة كانت كافية لإبادة كل من في الغرفة، أي دون إبقاء أي أثر للحياة . في البداية لم يكن في غرف الغاز ثقوبٌ يمكن من خلالها رؤية ما يجري في الداخل، وحدث أحياناً أننا فتحنا الأبواب، ورغم مرور وقتٍ طويل كانت لا تزال هناك آثار للحياة. في الأفران وغرف الغاز الحديثة التي أقمناها فيما بعد، والتي صممتها أنا بنفسي، كانت هناك ثقوبٌ للمراقبة بحيث كنا نستطيع أن نتأكد قبل أن نفتح الأبواب أن كل من في الداخل قد مات فعلاً.”

علي الأسدي يعلّق: “إن الغاز كان قد استخدم لإنقاذ حياة المعتقلين في أوشفيتز وليس لقتلهم.”

مقابلة مع ليوتينانت جنرال أوتو أولندورف. (ليوتينانت جنرال هي رتبة مقابلة لرتبة فريق. أولندورف كان عضواً في الحزب النازي منذ عام 1925. شغل إثناء الحرب منصب رئيس جهاز الأمن في وزارة الدفاع في الرايخ، ثم عُيِّن قائداً ل”كتيبة المهام الخاصة ”
Einsatzgruppen D
في الجبهة الشرقية. حُكم عليه بالموت في محكمة نيرنبرغ عام 1948 ونُفّذ فيه حكم الإعدام عام 1951.)

ماذا قُلت في إفادتك في المحكمة؟
“وصفت للمحكمة كيف تلقت “كتيبة ألمهام الخاصة”
(Einsatzgruppen)
أمراً بإبادة اليهود في روسيا. لم يكن هذا بدافع معاداة السامية. قالوا لنا أن اليهود هم حملة البلشفية. لم أرض بذلك ولكنني تلقيت أمراً بأن أكون مع “كتيبة المهام الخاصة”. ضمّت الكتيبة حوالي 500 شخص مُعظمهم من الإس إس”

هل كنت تعرف ما هي مهمتك؟
“نعم كنتُ أعرفُ ما هي الأوامر”.

ماذا فعلت كتيبتك؟
“عملية رمي اليهود بالرصاص جرت بطريقةٍ عسكرية، واحداً بعد الآخر. رصاصة واحدة لكل يهودي. بعبارةٍ أخرى: فرقة رماية مؤلفة من 15 شخص قتلت 15 يهودياً دفعةً واحدة”

هل أشرفت على هذا العملية أو كنت حاضراً إثناء تنفيذها؟
“حضرتُ مرّتين فقط لفترةٍ قصيرة”

هل الضحايا كانوا من الرجال والنساء والأطفال؟
“نعم”

أطفال أيضاً؟
“نعم”

كم عدد اليهود الذين قتلتهم فرقتك؟
” تسعين ألفاً وفقاً للتقارير. في اعتقادي أننا لم نقتل أكثر من 60 أو 70 ألفاً”

هل هناك وثائق؟
“لم تكن هناك قائمة أسماء”

من أين جاء هؤلاء اليهود الذين قتلتموهم؟
“من مدن روسيا”

هل شعرت بأنك تفعل الشيء الصحيح؟
“لم أفعل ذلك بنفسي شخصياً”

لكنك أشرفت على ذلك؟
“نعم. لكن الأوامرأُعطِيت إلى قادة “فرق المهام الخاصة”. واجبي كان أن أفعل كل ما في وسعي لكي يتم ذلك بصورةٍ إنسانية على قدر المستطاع. اليهود وقفوا في صفٍّ واحد وأُطلق عليهم الرصاص وفقاً لكل المراسيم العسكرية. أنا عملت كل ما أستطيع كي لا تقع أعمال عنفٍ أو فظاعة”

هل كانت هناك قيودٌ تتعلّق بالسن؟
“لا. لم تكن هناك قيودٌ تتعلّق بالسن”

سكت قليلاً ثم أضاف:
“الحمد لله أننا لم نقتل إلاّ عدداً قليلاً من الأطفال”
كم؟
“لا أعرف. أقلّ من ألف”

تسعون ألف قتيل وألف طفلٍ فقط؟
ليوتينانت جنرال أوتو أولندورف لا يجيب.

علي الأسدي يعلق: “لهذا تعددت واختلفت وجهات النظر عن واقعية وجود الهولوكوست والغرض الذي وُجِد من أجله.”

* * *
ستبقى سلسلة المقالات التي كتبها علي الأسدي في “الحوار المتمدن” حول الهولوكوست وصمة عارٍ في جبينه ونقطة سوداء في تاريخه.
السيد علي الأسدي، مثقف وكاتب يساري ، أخذ على عاتقه مهمة لا تشرّف صاحبها،هي الدفاع عن جرائم النازية الهتلرية. وكسلفه من قبله، ذلك الذي سافر إلى برلين، صافح هتلر ودعا “الشعوب العربية والإسلامية” إلى الوقوف إلى جانب ألمانيا الهتلرية في حربها ضد الحضارة البشرية، علي الأسدي يفعل ذلك (كيف لا؟) باسم الدفاع عن فلسطين وباسم الجهاد المقدس ضد الصهيونية (واليهودية) العالمية.
علي الأسدي عقد العزم على أن يفنّد بكل ثمن “خرافة الستة ملايين”. والسؤال المحيّر هو: لماذا؟ لماذا يفعل ذلك؟ ما الذي يدفع مثقفاً يسارياً عربياً إلى أن يكتب سلسلةً مقالات من أجل هدفٍ واحد فقط هو تفنيد “خرافة الستة ملايين” ولكي يثبت أن الهولوكوست (إن وُجِد أصلاً) كان أقرب إلى نزهةٍ في أحضان الطبيعة منه إلى جريمةٍ ضد الإنسانية لم يسبق لها مثيل في التاريخ البشري؟ لمصلحة من يفعل ذلك؟ أيّة خدمةٍ يقدمها لشعبه؟ هل هذا هو كلّ ما يشغل بال المثقف اليساري العربي اليوم في الوقت الذي تتلبد فيه الغيوم السوداء في سماء الربيع العربي؟
هل تفنيد “خرافة الستة ملايين” هي المهمة التاريخية التي تواجه اليسار العربي اليوم؟
أم أن لعلي الأسدي أهدافٌ أخرى؟

It is not done
– يقول الإنجليز، بلغتهم المهذّبة، لمن يقدم على فعلةٍ لا تليق بإنسانٍ شريف.
“عيب عيب إخجل يا رجل! أرجو ان تراجع ضميرك وتخجل” – صاح قارئ غاضب، لم يجد “الكلمات المهذبة” المناسبة، في وجه علي الأسدي، على صفحة الفيسبوك.
وعلي الأسدي لا يعرف معنى الخجل.

لماذا يلوّث علي الأسدي سمعة الشعب العربي الفلسطيني بالوحل عندما يربط قضيته العادلة بإنكار حقيقة وجود الهولوكوست؟ كيف دخلت الجملة التالية في مقالٍ عن الهولوكوست: “تم ارسال ( 60) ألفا الى فلسطين اللذين انتهى بهم الحال الى احتلال البلد الذي وفدوا اليه ضيوفا فسرقوا البيت وما فيه وطردوا سكانه منه. لقد استولوا على أكثر أراضي فلسطين وأهمها جغرافيا وأغناها زراعيا بعد أن قتلوا وشردوا غالبية سكانها العرب الى الدول المجاورة ، وشكلوا بعدها دولتهم الحالية اسرائيل عليها. لقد تم هذا السيناريو للمرة الثانية في التاريخ ، ففي المرة الأولى قام المستوطنون الأوربيون بالقضاء على السكان الأصليين من الهنود الحمر وغيرهم. وقد طرد المتبقي منهم من مناطق سكناهم الى مجمعات معزولة خارج المدن”?

كيف وصلنا إلى وضع يعزي فيه كاتبٌ عربي يساري ارتفاع نفوذ النازية الجديدة في الغرب إلى . . . الغرور اليهودي؟ بماذا يذكّركم ذلك؟ إقرأوا ما يلي إن كنتم لا تصدقون:
“النازية الجديدة التي تكسب التأييد في مجتمعات دول في أوربا والولايات المتحدة هي واحدة من النتائج المباشرة الخطيرة للغرور والاستهتار بالرأي العام العالمي والعربي خاصة” .

كيف وصل الأمر بكاتب يساري عربي إلى حد القول “إن المعلومات التي أدلى بها المدير العام لمجمع الهولوكوست في أوشفيتز رودولف هوس الذي أعترف بوجود الإعدام الجماعي في المجمع الذي كان مسئولا عنه قد انتزعت منه تحت التعذيب”؟
رودولف هوس يعترف أمام العالم كله أنه اقترف جرائم إبادة جماعية ضد الإنسانية، الضمير العالمي يحكم عليه بالإعدام شنقاً حتّى الموت، وعلي الأسدي يقول بدون خجل: رودولف هوس هو حملٌ وديع! إنتزعوا منه الاعترافات تحت التعذيب! (آه! كم كنتُ أودّ لو كنت حاضراً يوم عذبُوه إذا كانوا حقّاً قد عذّبوه!)

إذا أردتم أن تعرفوا إلى أيّ حضيضٍ يستطيع مثقف يساري عربي أن ينحدر عندما يُصاب بما أطلقتُ عليه مرّةً إسم “المرض العضال” (مرض معاداة الصهيونية (واليهودية) بسببٍ وبدون سبب، في كل زمانٍ ومكان، في كل الظروف والأحوال، وحتّى بدون أن يعرف المصاب بهذا المرض ما هي بالضبط الصهيونية ولماذا يعاديها) – إذا أردتم أن تعرفوا إلى أيّ دركٍ يمكن أن يصل كاتبٌ يساري عندما يُصاب بهذا المرض ضعوا كمّاماتٍ على أنوفكم واقرؤوا الفقرة التالية من إنجاز الكاتب اليساري العربي علي الأسدي:

” غرف الغاز التي قيل الكثير عنها تتسع لعشرة أشخاص كحد أقصى (المهندس المعماري علي الأسدي لم يذكر إذا كان هذا “الحد الأقصى” يتألف من خليطٍ من الرجال والنساء والأطفال، وبأية نسبة يشارك كل صنف في هذا الخليط، أو إنه يتألف من صنفٍ واحدٍ فقط. هذه أمور يجب أن تُأخذ في الحسبان، سيدي الفاضل علي الأسدي، لأن غرفةً تتسع لعشرة أشخاص “كحدٍّ أقصى” قد تتسع، إذا دُحسوا جيداُ وجُرِّدوا من ملابسهم، لثمانية رجال وستّة أطفال على أقل تقدير. كيف فاتك ذلك؟ – ي.أ.) ، وعدد المتوفر وعدد الغرف الموجودة في المجمع (كلمة جميلة: المجمع. كلمة نظيفة لا توحي بشيءٍ مما توحي به كلمة معسكر إبادة . الكاتب يريد أن يوحي للقارئ أننا نتكلم هنا عن مجمعٍ صحي أو على الأقل عن فندق خمسة نجوم – ي.أ.) يعد بأطراف الأصابع ، مما يضع في موقع الشك رقم الستة ملايين يهودي الذين مروا عبر غرف الغاز تلك (من قال لك، سيّدي، أن ستة ملايين يهودي مرّوا عبر غرف الغاز؟ هذه الكذبة هي من اختراعك أنت لا غير – ي.أ.) لهذا تعددت واختلفت وجهات النظر عن واقعية (!!) وجود الهولوكوست والغرض (!!!) الذي وجد من أجله (اسمعوا اسمعوا: الغرض الذي وُجِد من أجله الهولوكوست! علي الأسدي لا يعرف ما هو الغرض الذي وُجِد من أجله الهولوكوست. هناك أغراضٌ عديدة للهولوكوست. هذا أمر يحتاج إلى البحث والتدقيق – ي.أ.) ونفس الشيئ يقال عن حقبقة استخدام هذا الصنف من الغاز السام أو ذاك والغرض من استخدامه ، فان انتشار الأمراض السارية بين ذلك العدد من السكان وانعدام الرعاية الصحية قد كان سببا بحد ذاته لوجود محرقة الجثث للتخلص منها تحاشيا لانتشار الأمراض فيما لو تم طمرها في الحقول المجاورة. كما ان قسوة الظروف المناخية في ذلك البلد كان سببا هو الآخر في وفيات الكثيرين من نزلاء المجمع (نزلاء المجمع !!! هل حقّاً يتحمّل الورق كل ما يكتب عليه؟ انتبهوا أيضاً إلى “قسوة الظروف المناخية”. الأسدي يريد أن يقول: ماذا كان بوسع إدارة “المجمع” أن تفعل إزاء ظروفٍ مناخية قاسية؟ هذا الأسدي يقتلني بإسلوبه الهادئ والرصين – ي.أ.) اضافة للجوع والتقدم بالعمر.”

ليس في نيّتي أن أردّ على هذه القذارة. ليس الآن على الأقل. أريد الآن أن أتحدّث عن “الأسباب” الكثيرة للموت.
هناك اسباب كثيرة للموت في هذا “المجمع” – يقول لنا الأسدي الذي يرتدي الآن قبعة الخبير في اسباب الوفيات (تعدّدت الأسباب والموت واحدٌ) – ومن هذه الأسباب وأهمها: التقدم بالعمر (ولا تنسوا أيضاً “قسوة الظروف المناخية”).
الأمر في غاية البساطة: يهودٌ تقدمت بهم السنّ، يشترون بطاقة سفر لجهة واحدة، يسافرون مرحين فرحين إلى “مجمع” أوشويتز ، يحطون الرحال في فندق خمسة نجوم وهناك يموتون فجأةً قريري العين بسبب “التقدم بالعمر”.
من قال أن على الأسدي لا يتمتع بروح الفكاهة؟

الكاتب الإسباني خورخي سامبرون كان حاضرا عندما مات الأطفال اليهود بسبب التقدم بالعمر وبسبب “الظروف المناخية القاسية”:

“في ذلك اليوم رأيت الأطفال اليهود يموتون.
ستة عشر عاماً إنقضت منذ ذلك اليوم الذي رأيت فيه الأطفال اليهود يموتون في الجادة الواسعة المؤدية إلى بوّابة المعسكر، في منتصف الشتاء الأخير من الحرب . . . هذه هي المرّة الأولى التي أروي فيها هذه القصة. حتّى الآن احتفظتُ بهذه القصة لنفسي، كما يحتفظ المرء على كنزٍ ثمين يعذّبه. واليوم آن الأوان أن أروي قصة موت الأطفال اليهود: كيف جيء بهم من بولندا في شتاءٍ قارص ، كان هذا أقسى شتاءٍ منذ أن اندلعت الحرب، جيء بهم لكي يموتوا في الجادة الواسعة المؤدية إلى بواّبة المعسكر، تحت أنظار النسور الهتلرية الجامدة وعلى وقع قهقهات رجال الإس إس.
كان ذلك الشتاء هو الشتاء الأخير من الحرب. شتاءً قارص، أبرد شتاءٍ منذ أن اندلعت الحرب. الألمان المنهزمون أمام الهجوم السوفييتي الكاسح كانوا يقومون بإخلاء المعسكرات التي أقاموها داخل بولندا وينقلون السجناء، حيثما استطاعوا، إلى داخل الرايخ. من مكاننا في المعسكر قرب وايمر كنا نرى ، طوال أيامٍ وأسابيع ، قوافل الشاحنات تأتي بالسجناء المنقولين. الأشجار كانت مغطّاة بالثلوج. الطرق كانت مغطاة بالثلوج. وفي معسكر استقبال القادمين كان المعتقلون يغوصون في الثلج حتّى رُكبِهم.
كان يهود بولندا يُنقلون في شاحنات حملٍ، مائتين في كل شاحنة، أيّاماً وليالي، بلا طعامٍ أو شراب، في بردٍ قارص، في شتاء كان الأقسى من نوعه منذ أن اندلعت الحرب. وعندما كانت الشاحنة تصل إلى المعسكر، وتُفتح الأبواب، لم يتحرك أحدٌ. معظم اليهود ماتوا واقفين. ماتوا من البرد. أو ماتوا من الجوع. كان يجب تفريغ حمولة الشاحنة كأنما كانت حمولة من خشب. والجثث، جامدة وصلبة، كانت تسقط على الرصيف ومن هناك كان يتم نقلها في سيارة حملٍ إلى المحرقة مباشرةً. ومع ذلك كان هناك أحياناً من بقى على قيد الحياة . . .
في أحد هذه الأيام، في إحدى الشاحنات التي بقى فيها إناس على قيد الحياة ، بعد أن تمّ إفراغ الشاحنة من أكوام الجثث الجامدة الملتصقة بعضها بالبعض الآخر، إذا بعددٍ من الأطفالٍ اليهود يطلّون فجأةً من بين الجثث.
على رصيف المحطة المغطى بالثلوج، بين الأشجار المغطاة بالثلوج، إنتصبت فجأة مجموعة من الأطفال اليهود، حوالي خمسة عشر، وهم ينظرون حولهم بدهشة كما لو أنهم لا يصدقون ما ترى أعينهم، ينظرون إلى الجثث الهامدة المتراكمة على جانبي الطريق كقطع من الخشبٍ ، ينظرون إلى الأشجار وإلى الثلوج التي تغطي الأشجار، ينظرون كما ينظر الأطفال . . .
في البدء بدا وكأن رجال الإس إس المذهولون لا يعرفون ما الذي يجب أن يفعلوه بهؤلاء الأطفالٍ الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثانية عشر . . .
. . . بعد أن فرغ رجال الإس لإس من إدخال السجناء الأحياء (إي من بقى منهم على قيد الحياة) إلى المعسكر، وبعد أن أخلوا الساحة من الجثث المتراكمة، رجعوا معززين بقوةٍ إضافية. يبدو أنهم تلقّوا، من المسؤولين عنهم، تعليمات دقيقة حول الطريقة التي يجب أن يموت فيها الأطفال اليهود، أو أن المسؤولين عنهم منحوهم حرية التصرف واختيار الطريقة التي يرونها مناسبة لموت الأطفال. على كل حال هم رجعوا معززين بقوةٍ إضافية، رجعوا بصحبة كلابهم وهم يتبادلون النكت ويضحكون بصوت عالٍ . . . إنتظم رجال الإس إس بشكل نصف دائرة ودفعوا الأطفال الخمسة عشر أمامهم. أنا أتذكر كيف أن الأطفال الصغار ظلّوا يحدّقون فيما حولهم، ظلّوا يحدقون في رجال الإس إس . هم ظنّوا على ما يبدو أن رجال الإس إس يريدون إدخالهم إلى المعسكر كما فعلوا مع الآخرين. لكن رجال الإس إس انهالوا على الأطفال الصغار بالضرب بالهراوات كي يرغمونهم على الركض وأطلقوا سراح الكلاب وراءهم. وهكذا بدأ الصيد: الكلاب ورجال الإس إس يصطادون الأطفال الصغار، لعبة صيدٍ إبتدعها رجال الإس إس بأنفسهم أو تلقوا الأوامر بتنفيذها من المسؤولين عنهم. والأطفال اليهود الصغار، بين وقع الهراوات ونشخ الكلاب (كلاب مدرّبة قامت بعملها دون أن تنبح) راحوا يركضون في الجادة الواسعة نحو بوّابة المعسكر. أغلب الظن أن الزعاطيط لم يدركوا حتّى هذه اللحظة ما هو المصير الذي ينتظرهم. ربما ظنّوا إن هذه هي نكتة أخيرة يريد رجال الإس إس أن يلعبوها على حسابهم قبل أن يدخلوهم إلى المعسكر. والأطفال ركضوا، قبعاتهم الكبيرة تغطي آذانهم وأرجلهم النحيلة لا تكاد تحملهم . . . كلاب صيدٍ ورجال إس إس يطاردون الأطفال اليهود وسرعان ما يدركون الضعفاء منهم، أولئك الذين لم يتجاوزوا سن الثامنة، أولئك الذين وهنت قواهم فسقطوا على الأرض، فداسوهم بالأقدام، وانهالوا عليهم بالضرب بالهراوات، والأطفال بقوا مطروحين على طول الجادة الواسعة، أشلاء أجسادهم الممزقة تشير في اتجاه تقدم عملية الصيد هذه. وبعد فترةٍ قصيرة لا يبقى سوى إثنان، طفلٌ كبير وطفلٌ صغير، فقدا قبعتيهما في هذا السباق الجنوني، وعيونهما تلمع في وجوههما الكالحة مثل قطعٍ من الثلج، والصغير من بينهما تنهار قواه ويأخذ بالتلكأ خلف الطفل الكبير، ورجال الإس إس من ورائهما، والكلاب التي شمّت رائحة الدم أخذت تنبح. وإذا بالطفل الكبير يُبطئ من سرعة ركضه، يلتفتُ إلى الطفل الصغير الذي وهنت قواه، ينحني نحوه ويأخذ بيده، ثم يركضان بضعة أمتارٍ معاً، اليد اليمنى للطفل الكبير ممسكةً بشدة باليد اليسرى للطفل الصغير، يركضان ويركضان إلى أن أوقعتهما ضربات الهراوات، وجوههما في التراب وأياديهما متماسكة إلى الأبد. ورجال الإس إس يجمعون كلابهم ويرجعون على أعقابهم بعد أن يطلقوا عن قرب رصاصة في رأس كل طفلٍ من الطفلين اللذين ماتا في الجادة الواسعة المؤدية إلى داخل المعسكر، تحت أنظار النسور الهتلرية الجامدة، في شتاءٍ هو الأقسى من كل فصول الشتاء منذ اندلاع الحرب.” (عن “الرحلة الطويلة” بقلم خورخي سامبرون)

هذا هو الشر المطلق الذي يدافع عنه السيد علي الأسدي تحت ستارٍ كثيف من كلماتٍ معسولة، يندى لها الجبين، حول “غرف غاز لا تتسع لأكثر من عشرة أشخاص” و “أفرانٍ أُقيمت لحماية نزلاء المجمع من ألأمراض السارية” وعن “اسبابٍ كثيرة للموت منها التقدم في العمر والظروف المناخيّة القاسية”.
* * *
(خورخي سامبرون
Jorge Semprun، 1923-2011
، كاتب ومؤلف مسرحي، وُلِد في اسبانيا وعاش ودُفِن في فرنسا التي هاجر إليها بعد أن سقطت الجمهورية الإسبانية ووصل فرانكو إلى الحكم عام 1936. درس الفلسفة في السوربون في باريس وانضم ألى صفوف المقاومة الفرنسية إثناء الإحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية. قبض عليه الجستابو عام 1943 وأُرسِل إلى معسكر بوخنفالد الذي بقي فيه حتّى نهاية الحرب العالمية.
“الرحلة الطويلة
– Le Grand Voyage
” هو كتابه الأول، كتبه باللغة الفرنسية، ونال عليه جائزة فورمانتور العالمية. “الرحلة الطويلة” هو كتاب ذكريات عن “الرحلة” الطويلة إلى معسكر الإبادة بوخنفالد وعن الحياة في المعسكر، كما إنّه يحوي ذكريات عن المقاومة الفرنسية ضد الإحلال الألماني. “الرحلة الطويلة” مكتوبٌ باسلوبٍ فريد من نوعه، يفقد فيه الزمان والمكان معناهما الحقيقي، ويختلط فيه الحاضر مع الماضي والمستقبل.)
* * *
من يستطيع أن يعدّ خمسة عشر طفلاً يقتلهم الألمان الهتلريون لمجرد أنهم يهود؟ هل أخذتهم في الحسبان، سيدي علي الأسدي، عندما كتبت الجملة الفظيعة التالية:
” جاء في السجلات التي تم العثور عليها بعد نهاية الحرب ان عدد الضحايا هو ( 68 ) ألفا من مختلف الجنسيات ولمختلف الأسباب. وقد اتضح ذلك في جداول دونت فيها أسماء الضحايا وجنسياتهم وأعمارهم وأجناسهم وتواريخ وفاتهم وميلادهم ودياناتهم دون ذكر سبب الوفاة. وتشير المعلومات بتلك الجداول أن أصول الضحايا لم تقتصر على اليهود.”
كيف لم تخجل؟ هل تريدنا أن نصدق (هل أنت نفسك تصدق) أن رجال الإس إس بعد أن قتلوا الأطفال اليهود الخمسة عشر ذهبوا إلى السجلات و” دونوا أسماء الضحايا وجنسياتهم وأعمارهم وأجناسهم وتواريخ وفاتهم وميلادهم ودياناتهم دون ذكر سبب الوفاة”؟

في طول المقال وعرضه يخلط على الأسدي بين الهولوكوست ومعسكر الإبادة أوشويتز. وهو يفعل ذلك لا لأنه لا يعرف الفرق بينهما بل لأنّه يريد أن يخدع القارئ. هو يفعل ذلك عمداً وكعادته دون حياءٍ أيضاً.
أليكم ما يقوله هذا المؤرخ الخبير في شؤون الهولوكوست:
” الهولوكست كلمة يونانية قديمة وتعني القتل أو التعذيب بالنار. أما ” أوشفيتز ” فهو الاسم الذي أطلقه النازيون على المدينة البولندية ”
OSWINCIN
التي أقيم فيها مركز الاعتقال الرئيسي في أوربا الذي عرف فيما بعد بالهولوكوست نسبة الى محرقة الجثث التي شيدت هناك. وتدعي المنظمات اليهودية واسرائيل أن أكثر من ستة ملايين يهودي من الرجال والنساء والاطفال وملايين أخرى قد تم قتلهم في ذلك المركز ومن ثم حرق جثثهم وطمر رمادها في الحقول المحيطة بالمكان ، وهو الأمر الذي لم تثبت صحته”

على الأسدي يخدع القراء على طول الخط:
“مركز الإعتقال الرئيسي في أوربا”، أوشويتز، لم “يُعرف فيما بعد بالهولوكوست” كما يزعم الأسدي. أوشويتز هو أوشويتز والهولوكوست هو هولوكوست. لم يُعرف أحدهما باسم الآخر في أية لحظةٍ زمنية. والأسدي يعرف ذلك جيداً لكنه يخدع القارئ لسببٍ سنأتي على ذكره.
الإسم “هولوكوست” لم يطلق نسبةً إلى محرقة الجثث “التي شُيِدت هناك” أي في أوشويتز. الكلمة العبرية المقابلة لكلمة هولوكوست هي: שואה (شوأه
– SHOAH)
وهي لا تحمل أي معنى من معاني النار. معناها الحرفي هو: دمارٌ وخرابٌ على نطاقٍ واسع، نكبة كبرى. (لذلك أعتقد أن ترجمة كلمة “هولوكوست” ل-“محرقة” في اللغة العربية هي ترجمة خاطئة. أنا أفضل استخدام كلمة “هولوكوست” في اللغة العربية أيضاً)
“الهولوكوست” لم تقتصر على الأفران والغازات الخانقة ولم تقتصر على أوشويتز. أوشويتز هو مسرحٌ واحدٌ فقط (مسرحٌ هام جداً) من “المسارح” التي جرت فوقها عملية الإبادة الجماعية للشعب اليهودي.
“الهولوكوست” هو الإسم الذي أطلق على محاولة النازيين الهتلريين، في الحرب العالمية الثانية، إبادة الشعب اليهودي إبادة جماعية شاملة بكل الوسائل وبصورةٍ مبرمجة، ولمجرّد أنهم يهود. هذا لا يعني أبداً أن النازيين لم يحاولوا إبادة أجناسٍ وأصنافٍ أخرى من البشر إبادةً جماعية شاملة. ولكن الواقع هو أن ما أصاب الشعب اليهودي لم يصب، بحجمه وفظاعته، ما أصاب أية جماعةٍ بشرية أخرى.
لماذا يخلط علي الأسدي بين كلمة “هولوكوست” وكلمة “أوشويتز” رغم علمه أنهما يشيران إلى مُسمّين مختلفين؟ هو يفعل ذلك لكي يسهل عليه بيع بضاعته الفاسدة حول “خرافة الستتة ملايين”. إذ من يصدّق “أن أكثر من ستة ملايين يهودي من الرجال والنساء والاطفال وملايين أخرى قد تم قتلهم في ذلك المركز ومن ثم حرق جثثهم وطمر رمادها في الحقول المحيطة بالمكان”.
علي الأسدي لايطرح الحقيقة طبعاً. أحدً لم يقل أن “ستة ملايين يهودي” قُتٍلوا في أوشويتز فقط . قرابة ستة ملايين يهودي (ثلث الشعب اليهودي) قُتِلوا في الهولوكوست لا في أوشفيتز.

أريد أن أشير أيضاً إلى الطريقة المشينة التي يحاول فيها علي الأسدي ضمّ يهودا باور، واحد من أكبر مؤرخي الهولوكوست ومناضل ضد الفاشية (ومن أجل السلام الإسرائيلي-العربي) إلى جوقة منكري الهولوكوست.
يكتب الأسدي: ” بحسب صحيفة ذي نيويورك تايمز الأمريكية في عددها 12-11-1989 يعترف (!!) المؤرخ الاسرائيلي البروفيسور
Yehuda Baur
أن رقم الضحايا مبالغ فيه كثيرا ، وانه يقل كثيرا عن نصف الرقم المتداول في المؤسسات والصحافة الاسرائيلية واليهودية حيث قدره بمليونين ونصف المليون. ويضيف ، ليس كل الضحايا من اليهود بل ان مليونا ونصف منهم كانوا من البولونديين االسياسيين اللذين قاوموا الاحتلال النازي. وإن على المؤرخ قول الحقيقة”.

أولاً ليس كلّ ما يجوز لمؤرّخ ذي شهرةٍ عالمية، وإبن لشعبٍ فقد ثلث أبنائه في الهلوكوست، أن يقوله عن الهولوكوست، يجوز ل-“مؤرخ” من الدرجة العاشرة ولكاتبٍ من الدرجة الثالثة.
ثانياً ليس بحوزتي المقال في صحيفة نيويورك تايمس الذي يشير إليه علي الأسدي. ولكن ليس لديّ شك أن يهودا باور لم يتكلم عن الهولوكوست بل عن أوشويتز.
من أين لي ذلك؟ في كتابه “تاريخ الهولوكوست”
(A HISTORY OF THE HOLOCAUST)
الذي صدر عام 2001 يقول يهودا باور في صفحة 352 ما يلي: “5.8 مليون من الشعب اليهودي ماتوا في الهلوكوست”.

بقيت ملاحظتان أود أن أشير إليهما:
الملاحظة الأولى هي أنني لا أحتاج إلى من يذكرني أن هناك متاجرين بالهولوكوست. أنا أعرفهم جيداً وأعرف أن على رأسهم يقف مراوغ محتال باسم بنيامين نتنياهو. علي الأسدي هو ليس الشخص الملائم لمحاربة تجار الهولوكوست.
الملاحظة الثانية هي أنني لا أعتقد أن “الهولوكوست” يقف خارج البحث التاريخي العلمي النزيه. وأنا أرى في التشريعات التي تعتبر إنكار الهولوكوست جريمة يعاقب عليها القانون، إنتهاكاً لحرية الفكر والنشر والتعبير. الحقيقة حول الهولوكوست لا تتقرر في قاعات المحاكم.

عيدٌ سعيد وأيام سعيدة
إلى أعضاء الشلة، إلى عائلة وقراء “الحوار المتمدن” ونزولاً عند رغبة الزميل شامل، إلى الجميع بلا استثناء، من كل لونٍ وجنسٍ ودين : عيد سعيد وكل عام وأنتم بخير.

المصدر: الحوار المتمدن

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, فكر حر | Leave a comment

رد على تساءلات د. وفاء سلطان ومقاله { هل يصلح الدهر … ماأفسده ألإسلام } ؟‎

سرسبيندار السندي

رغم أن موضوع مقالك هو { هل يصلح الدهر … ما أفسده ألإسلام } إلا أنني أرى أنك لم تركزي على ما أفسده الإسلام أو ماإذا كان بمقدور الدهر إصلاحه ، فذهبت بعيدا جدا عن جوهر تساءلك ، لأن ما أتى في موضوعك بعيد جدا عن فحوى هذا التساءل هذا ما رأيته بدليل تساءلات أدناه والتي شملت ليس فقط ألإسلام بل كل ألأديان ؟

المقدمـــة

بداية تحياتي لك ياسيدتي الغالية الدكتورة وفاء سلطان ، شاكرا لك ما طرحته من تساءلات والتي تثير حتى إجاباتها تساءلات وتساءلات تماما كمتوالية هندسية ، وحتى نصل بفكرنا الجبري لقانون يمكن من خلاله فقط حل هذه ألألغاز ، فإن عجز تلميذ ما عن حل تساءلاته عليه أن يلجا لمن هو أفهم منه كأستاذه مثلا ، وأبسط بديهية في علم الهندسة لماتكون س = ص ، إذا ص=س بالإستعاضة أينما وجدت في منطوق السؤال ، إذن لنأتي لتساءلاتكم وألإجابة عليها وهى من منظور شخصي بحت ؟

١: قلت ( هل الله موجود ، سؤال لا أحد يستطيع إثباته أو نفيه ، فالمسألة مسألة تسليم مطلق ) ؟

الجواب

ألله موجود وهذه قناعتي ، وفعلا لاأحد يستطيع إثبات وجود ألله مالم يفتح ألله نفسه بصر وبصيرة السائل وبإتصال شخصي معه ، ولإثبات وجود ألله لابد من ضواهر تدركه ولو بعض الحواس البشرية كالسمع أو الرؤى ؟

٢: قلت ( … فإذا كان لا بد من وجود خالق لهذا الكونفلا بد من وجود خالق لهذا الخالق ، وإلاّ لماذا نقبل فكرة بأن الله خلق ذاته ولا نقبل بأن الكون خلق ذاته ) ؟

الجواب

أيضا تساءل معقول ، إن خالق هذا الخالق ياسيدتي هو ألله ، حيث ذكر الكتاب المقدس { فوق العالي عالي وفوق العالي عالي يلاحظ ويراقب }  وهو القيمة المطلقة التي ذكرتيها ، ثم لاعلة من دون معلول ، فمثلما لايستطيع العلم لليوم سبر نهايات الكون وتحديد نهاياته الذي يتسع كدوائر المياه التي تنتهي إلى ما لانهاية ، ومثلما لايستطيع المجيب إقناعك بوجوده ، كذالك أنت لاتستطيعين نفي وجوده وهذا ما ذكرته أنت أيضا ، وفعلا تبقى المسألة قناعات ، والخطورة ليست فيها بقدر فرضها بالتهديد والوعيد والقتل ؟

ولكن السؤال المهم هنا ، ماذا لو مات ألإنسان وتفاجأ بوجوده وهو القائل { ماذا ينتفع ألإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه } ؟

إذا من يقامر بنفيه لايلوم إلا نفسه وذنبه على جنبه كما يقول المثل ، ثم لايمكن نفى شئ أصلا غير موجود ، لأن نفي النفي إثبات وهذه من أبسط البديهيات ؟

٣: قلت ( لو إفترضت جدلا بأن الله موجود فمن هو هذا ألله ، وما هي صفاته ؟

الجواب

تعريف ألله يختلف من دين لأخر وهذه حقيقة كتابية ثابتة في كل ألأديان ، بالرغم من وجود صفات مشتركة في غالبيتها ولكن ليس كلها ، فمثلا من صفات ألله في المسيحية طاهر وقدوس ومحبته أزليه لاتفنى ، حيث ونحن بعد خطاة إفتدانا المسيح بدمه الكريم لكي لايهلك من يؤمن به بل تكون له الحياة ألأبدية وهو لايغصب أحد لأتباعه ، ليس كما في ألإسلام حيث من صفاة إلله أنه غدار ومكار ولايأمن مكره وشره حتى العبد المؤمن بدليل ألأحاديث والقرأن ، كما أنه فاسق ويشجع الفسق بدليل قوله ( إنكحو ما طاب لكم …. ألخ ، وبدليل جناته التي جعلها ماخور دعارة لمجرميه وجهاديهه والذي لايتبعه أوكل لنبيه وإليهم قتلهم بحد السيف والأيات والأحاديث كثيرة ؟

وهذا ليس صعب عليك إكتشافه وأنت الباحثة المجتهدة ، وكل دين لإلهه صفات فبالنسبة للمسيحية ألله عندها محبة مطلقة لكل البشر وليس فقط للمسيحيين لسبب بسيط لأنه خالقهم ، وهذا الفكر ليس موجود في الدين ألإسلامي ، وهو القائل ( ما جئت لأخدم بل لأخدم ولتكون لكم حياة أفضل ) وهو بالنسبة للمسيحيين هو ألله الحال في جسد السيد المسيح ، وهو القائل أيضا ( أنا هو ) في الكثير من المرات والأيات والتي تعني بالمفهوم اليهودي ( أنا يهوة أي أنا ألله ) ، وهو الذي كان يجول ويصنع خيرا بأيات وعجائب كثيرة وبقدرة كلمته حيث  كان يقول للمقعد أو المشلول أتريد أن تشفى ، فيقول له ( قم وأمشي إيمانك خلصك ) ولم يقل لنصلي إلى ألله حتى يشفيك وهو القائل إيضا( من يؤمن بي .. لا أتركه خارجا ) ؟

٤: قلت ( من خلال إطلاعاتي على الكثير من ديانات الأرض وثقافاتها وشعوبها توصلت الى قناعة ألا وهي  مهما اختلفت تلك الديانات والثقافات والشعوب يظلّ يجمعها عاملمشترك وهو إيمانها بأن الله هو الكمال المطلق ؟

الجواب

ليست كل الديانات ، حيث هناك ديانات تعبد عشرات ألألهه ومنها مايستنسخ بعضه في مخلوقاته كما في الهند مثلا ، والإله المطلق بالنسبة للمسيحية هو مطلق في حبه لكل البشر ، بدليل أنه يشرق شمسه على ألأخيار وألأشرار ، ومطلق في قداسته بدليل كره للخطيئة وليس الخاطي ؟

٥: قلت (  ألله هو الكمال المطلق لدى الجميع على وجه التقريب ، ولكن لا احد يتفق مع الآخر في مفهومه للكمال المطلق ، والكلّ متفقون علىأن الشيطان هو الشرّ المطلق، لكنهم أيضا مختلفون في مفهومهم للشرّ المطلق؟

الجواب

نعم ألله هو الكمال المطلق ، وهذا حسب الفهم البشري لأنه يخصهم أولا وأخيرا وهو مقياسهم الذي إستنتجوه ليس من فراغ بل حسب كتبهم فمثلا في المسيحية يقول ألله ( أنا البداية والنهاية ، أنا ألأول وألأخر ، أنا ألألف والياء ) فمن يستطيع أن يحصر مابين البداية والنهاية ، أو مابين ألأول والأخر ، وكتشبيه وهو الذي لايشبه يبقى ألله حسب هذا الفهم كزوق جوال على سطح المياه مهما علت المياه فسيبقى ألله دائما هو ألأعلى ؟

أما بالنسبة للشيطان فلربما شره مطلق حسب أديان أخرى وليس حسب مفهوم المسيحية ، فلو كان شر الشيطان مطلق لما ترك أحدا في الوجود صاحيا إلا وصرعه ، أو شريفا إلا ودنسه ولوثه ؟

٦: قلت ( يتجاوز مفهوم الكمال المطلق أو الشر المطلق قدرة العقل البشري على إستيعابه، عندما نقول كلمة مطلق نعني اللامحدود ، ومحدودية العقل البشري تجعله قاصرا علىإستيعاب أي مطلق ؟

الجواب :

تساءل منطقي وقد أجبتي بنفسك على التساءل ، إذن منطقيا كيف لمحدود أن يفهم الغير المحدود ؟

٧: قلت ( لم يصل الله في أي دين من الأديان حدّ الكمالالمطلق ، فالاديان بشكل أو بآخر، حطّت من كمالية الله عندما نسبت إليه من الصفات والأفعال ما ينتقص من تلك الكمالية ، لم أرى الله في أي دين من الأديان إلاّ دون مستوى حدّ الكمال المطلق ؟

الجواب :

ها إنك تقرين بوجود ألله وبرؤيته من دون أن تدركي ذالك ، ومن ثم تضعين لله مستوى تعتقدينه أت أسمى مما لدى ألأديان ألأخرى ، والسؤال ماهو في إعتقادك هذا المستوى الذي إنحط ألله منه وإليه ،  لأن ما ذكرته ليس صحيحا في كل ألأديان بل في بعضها فقط ، وهى فعلا حطت ليس فقط من مستوى ألله بل أيضا حطت من مستوى البشر ، وهى فعلا نسبت إليه شرا وفسقا وباطلا حاشا أن يكون ذالك فيه ؟

وحتى ألتقيك في تكملة بقية تساءلاتك

لكل مقال مقام ؟

سرسبيندار السندي

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

الى جميع المهاجرين

رعد موسيس

الى جميع المهاجرين في العالم اقرأوا هذا النص الذي وردني من صديق :

كنت عائدا يوما بسيارتى من امريكا داخلا كندا حيث إقامتى وعلى الحدود أعطيت جواز سفرى الكندى الى الموظفة ففتحته وبالطبع كان فيه أنى مولود بمصر فقالت:
كيف مصر؟
بخير ونرجوا الله ان تبقى بخير
منذ متى وانت تعيش فى كندا
أوشكت ان تنتهى السنة العاشرة
متى زرت مصر
منذ ثلاثة أعوام
فنظرت إلىّ وهى تبتسم وسئلتنى …
من تحب اكثر مصر ام كندا؟
فنظرت اليها وصمت قليلا ثم قلت لها:
الفرق عندى بين مصر وكندا كالفرق بين الام والزوجة .. فالزوجة نختارها ونرغب فيها الجمال ونحبها ونعشقها ولكنى لو تزوجت بأجمل نساء العالم فلن تنسينى امى .. اما الام فلا نختارها ولكنى مِلكُها فحبى لأمى له مذاق اخر .. فأنا لا ارتاح الا فى أحضانها ولا أبكى الا على صدرها ولا اتمنى الموت الا فى تراب تحت أقدامها.
فأغلقت جواز سفرى وراحت تنظر لى بشئ من العجب وقالت:
نسمع عن زحامها وحرها وضيق العيش فيها فماذا تحب فى مصر قلت لها أتقصدين أمى فابتسمت وقالت ولتكن أمك فقلت:
احب فيها طفولتى .. احب فيها ذكرياتى …. احب ضربها لى وانا صغير تعلمنى .. احب حتى وانا مريض على صدرها .. قد لا تملك أمى ثمن الدواء ولا أجرة طبيب يعالجنى ولكن حنان أحضانها وهى تضم جسدى الملتهب ولهفة قلبها وانا ارتعش بين يديها يُشفيني بلا دواء ولا طبيب.
فراحت تدقق بنظرها فى وجهى وهى تسئلنى:
١٠ أعوام ومازال الحنين باقى فى قلبك لها ومازلت تذكر ذكرياتك فيها
فقلت لها:
أنا إن نسيت تُذكرنى الاماكن والأشياء فهذا الشارع ان سرت فيه يذكرنى حين كادت عربه ان تصدمنى ووقعت برأسى على هذا الحجر من هذا الرصيف .. وهذا المطعم ان مررت عليه يناديني ويحكى لى كم أكلت فيه مع أصدقائى وكم ضحكنا وكم ملكنا الدنيا فى شبابنا .. وهذه الشجرة يروى لى ظلها كم جلست فيه ساعات وساعات .. حتى بحرها ما ان يرانى حتى تجرى أمواجه مسرعة نحوى تسئلنى تطمئن على احلامى التى كنت احكيها لها ثم تمسح بمياهها على ظهر قدمى تواسينى فكم من هموم بُحت بها لها وكم من دمع سقط فيها وراح يضرب الصخر معها. حين ازور مصر فان اجمل ما فيها هذا الحوار الصامت بينى وبينها سيدتى أنا إن نسيت فأمى لا تنسى
فمالت قليلا الى الامام على مكتبها وقالت لى ” صف لى مصر”
فقلت هى ليست بالشقراء الجميلة ولكن ترتاحى اذا رأيت وجهها وليست العيون بالزرقاء ولكن تطمئنى اذا نظرت اليها .. ثيابها بسيطة ولكن تحمل فى ثناياها طيبة ورحمة .. لا تتزين بالذهب والفضة ولكن فى عنقها عقد من سنابل قمح تطعم به الجائع . سرقها كل سارق واغتصبها كل مغتصب ولكنها ما زالت تبتسم بل وتسامح.
وضعت جواز سفرى على مكتبها ثم وضعت كلتا يديها عليه وقالت لى:
أنا زرت مصر منذ ٤ أعوام ولم ارى ما وصفت لى
ذهبت بخيالى بعيداً ثم عدت إليها ونظرت فى عينيها وقلت لها:
انت زرت مصر التى تقع فى شمال شرق افريقيا على الخريطة اما أنا فأتحدث عن مصر التى تقع فى أوساط وديان قلبى
فمدت يدها تعطينى جواز سفرى وهى تقول:
أراك تقول شعرا فى مصر وارجو ان يكون وفائك لكندا مثل وفائك لمصر ثم ضحكت وقالت اقصد وفائك لزوجتك مثل وفائك لوالدتك فأمسكت بجواز سفرى وأشرت اليه قائلا:
أنا بينى وبين كندا وفاء وعهد ولست أنا من لا يوفى بعهده .. واعلمى ان الوفاء بالعهد هذا ما علمتنى إياه أمى
فلمعت عيناها وأشارت بيدها كى ادخل كندا فقلت لها:
لقد هيجتى فى قلبى شجون تحتاج ايام وأيام كى تهدء .. وانصرفت.
…………………………
.
أنا قد نسيت الحنين زمناً .. كيف أنكِ اليوم أيقظتِ أشعارى
وأشعلتِ بعينيكى فى القلب شوقاً .. حارت فيه كل أفكارى
تسألينى عما بقلبى فيجيبك صمت وجدانى وهمس أسرارى
وطنى مزقنى الرحيل عنه وعذبنى أحبة فيه ماملّوا إنتظارى
والقلب يشجيه يوم أعود فيه لدفء عُشى وحضن أوكارى

رعد موسيس (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

الشيخ محمّد وظاهرة اللسان الداشر..2

وفاء سلطان

الدكتور أحمد بغدادي رجل مسلم كويتي واستاذ جامعي ومفكر كبير، سبق بأفكاره النيّرة وكتاباته التي تتناقلها الصحف والمواقع الإلكترونيّة، سبق زمانه ومكانه، كتب مؤخرا يقول: نحن الذين شوهّنا الإسلام! رغم اعجابي الشديد بهذا الرجل المسلم الكبير، صعقت عندما قرأت له تلك العبارة، لأنني اؤمن حقّ الإيمان بخطأ مضمونها وفحواها، وبالظلم الذي يقع على المسلمين أنفسهم من جرّاء الإيمان بها! نحن المسلمون لم نشوّه الإسلام، بل هو الذي شوّهنا! عندما تتلو على طفل لم يتجاوز بعد سنواته الأولى الآية التي تقول: أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ..”(المائدة33) تكون قد خطوت الخطوة الأولى في صناعة إرهابيّ كبير! أنا كطبيبة ملمّة بعلم النفس والسلوك، اؤمن بأنّ أيّ رجل مسلم في العالم عاجز أن يشوّه هذه الآية أكثر مما هي مشوّهة! هي نفسها التي ساهمت في تشويه هذا الرجل!
قد لايكون مطلوبا من الدكتور بغدادي أن يكون طبيبا ملمّا بعلم النفس والسلوك، ولكنه ملزم أن يقرأ مايكتبه هؤلاء الأطباء! أيّة جريمة في الأرض تستحقّ هذا العقاب؟!! أيّة جريمة في الأرض تستحقّ أن تقطع رجل مرتكبها ويده من خلاف؟!! هل هي العدالة السماويّة التي تأمر بهذا العقاب؟!! في تلك الحالة، لاأعتقد إنّ مرتكب الجريمة أشدّ ارهابا من منفّذ العقاب!! هذه الآية هي التي شوّهت محمّد عطا وصنعت منه ارهابيا، وليس هو الذي شوّهها وأساء فهمها وفحواها!!
عندما فجّرت مجموعة ارهابيّة في اندونيسيا ناديا يؤمّه السيّاح من جميع أنحاء العالم، راح ضحيّتهم شاب أمريكي من منطقة هانتنتون بيتش في جنوب كاليفورنيا. هذا الشاب يهوى التزلج على سطح الماء، وهو بارع في أداء تلك الرياضة. في حفل تأبينه، علقّ أصدقاؤه على باب بيته لائحة كبيرة تقول:
Terrorists do not know how to surf أي: الإرهابيون لايعرفون كيف يتزلّجون على سطح الماء!!

حلمي الوحيد أن يتعلم أطفال المسلمون كيف يتزلّجوا على سطح الماء، بدلا من أن يتعلّموا كيف يقطعون الأرجل والأيدي من خلاف!! عندها لن يكون هناك محمّد عطا آخر أو زرقاوي أو أسامة بن لادن، وسيتوجه قرّاء الشيخ محمّد بمنشوره إلى أقرب برميل لرمي الأوساخ!
مزّقوا كتبكم، اهدموا كلّ بيت للعبادة في بلادي، إنّ الله يُعبدُ بالتزلج فوق سطح الماء!
****************
كنت وأطفالي يوما نراقب برنامجا تلفزيونيّا، استضاف مقدّم البرنامج مجموعتين من الناس. إحداهن من البيض والأخرى من السود، وكان الخلاف بينهما على أشدّه. نظرت امرأة بيضاء إلى مقدّم البرنامج وقالت: عندما أعرف أنّ هناك رجلا أسود في الجنّة سأسأل الله أن يأخذني إلى النار. التفتت ابنتي نجلاء، وكانت يومها في الخامسة من عمرها، وقالت: هذه المرأة غبيّة ياأماه! قلت في محاولة لقراءة أفكار نجلاء الصغيرة: ولماذا؟!
ـ هي تعرف أنّ مارتن لوثر كينغ في الجنّة، ولذلك حكما ستكون في النار!
ـ ومن هو مارتن لوثر كينغ يا نجلاء؟
ـ هو محرر السود، الذي رفض العنف، وانتصر لقضيّة شعبه بالسلام!
كنت أروي تلك القصّة مرّة لبعض الأصدقاء، ثار أحدهم وقال: لقد فشلت ياسيّدتي في تربيتك لابنتك فشلا ذريعا!
ـ وكيف؟!
ـ في هذا العمر، يجب أن تكون ابنتك، على علم بأنّ مارتن لوثر كينغ والسيّدة البيضاء كلاهما في النار!
ـ لماذا؟!
ـ لأنهما لم يعتنقا الإسلام!
ـ احتفظ ياسيّدي لنفسك باسلوب تربيّتك، ودعني أعلّم ابنتي كيف تتزلّج على سطح الماء!
**************
سُئلت مرّة السيّدة سميث: من هو مثلك الأعلى؟ فردّت على الفور: السيّدة اندرسون!
ـ من هي السيّدة اندرسون؟ وكيف تعرّفتي عليها؟
ـ لاأعرفها، ولم ألتق بها على الإطلاق! كان ذلك منذ عشرين عاما، كنت يومها في السنة الدراسيّة الأولى لي كمعلمة للصف الأول الإبتدائي، وكنت غرّة قليلة الخبرة في هذا المجال. انتقل إلى صفّي طفل في منتصف العام، تبدو عليه علامات الشقاوة وقلّة الإنضباط. اقترب على الفور من طاولتي، وقف بمحاذاتي ثمّ همس في أذني: أحمل اليك رسالة مهمّة أرسلتها معلمتي السابقة السيّدة اندرسون! مددت يدي باتجاه جيبه، وقلت: اعطني اياها! تابع ببراءة طفوليّة: هي ليست مكتوبة على الورق، لقد وضعتها داخل رأسي!
ـ قلها لي!
ـ أنت معلمة محظوظة جدا لأنني انتقلت الى صفك! أدركت لتوي الدرس الذي تودّ السيّدة اندرسون أن تعلّمني إياه، عانقته وضممته إلى صدري وأنا أردّد: أعرف.. أعرف أننّي معلمة محظوظة!
وتتابع السيّدة سميث: بذل الطفل مايكل جهدا كبيرا وملحوظا حتّى نهاية ذلك العام، كي يضبط تصرّفاته ويثبت أنّني معلمة محظوظة جدا جدا!
وعلى غرار السيّدة سميث، قام خليفتنا الراشد والعادل عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه وأطال عمره، فهو مازال يعيش داخل عباءة كلّ رجل مسلم، قام بضرب طفله بالدرّة حتّى أبكاه. سألته حفصة: ولماذا ضربته؟ فأجاب: وجدّته معتّزا بنفسه فكسرتها فيه!
أعرفتم الآن لماذا يحاول سماحة الشيخ محمّد أن يكسر درّته فوق رأسي؟! هو يحاول أن يكون خير خلف لخير سلف! رضي الله عن السلف والخلف، وأمدّ عمريهما، كي لا يتركا مسلما معتزا بنفسه إلاّ ويكسرانها فيه!! من كان مكسورا لايقبل أن يرى غيره معافىً سليما!
الطفل مايكل هو نتاج السيّدة سميث، ولذلك خرج إلى الحياة يعرف كيف يتزلّج على سطح الماء، والشيخ محمّد من نتاج أمير المؤمنين، ولذلك خرج إلى الحياة مكسورا، ويعرف كيف يكسر الآخرين!
*****************
قال مرّة أحد المسؤولين الأمريكيّين:
It is a big mistake to believe Uncle Sam’s book is open and yours is closed
إنّه من الخطأ بمكان أن تعتقد إنّ كتاب العم سام مفتوح وكتابك مغلق!
لقد كان العمّ سام مغرورا، غبيّا جدا، جاهلا وأميّا حتّى تاريخ الحادي عشر من أيلول عام 2001. سمح لغيره أن يستبيح كتبه، ولم يقرأ حرفا في كتب هذا الغير! دفع ثمن غلطته باهظا جدا. توجّه في صبيحة اليوم الأول لوقوع المجزرة إلى مدارسهم، وبدأ لأول مرّة في تاريخه، يتعلّم كيف يفكّ حروفهم!
حتّى تاريخ تلك اللحظة الحاسمة، ليس في تاريخه فحسب، بل في تاريخ العالم كلّه، كان يؤمن بالمثل القائل: كي تربّي طفلا تحتاج إلى قرية، وفي اللحظة التي تلتها كتب سطرا آخر: ولكي تحوّل هذا الطفل إلى غول تحتاج إلى أمّة توعظ في الليل والنهار” حيّ إلى الجهاد.. حيّ إلى القتال!”.
****************
روى لي طبيب مصري: أنّ باحثة أمريكيّة مختصّة في علم النفس والسلوك، قد سافرت إلى مصر في نطاق جولة حول العالم، تدرس من خلالها مستوى الذكاء الفطري عند الطفل، وتأثير البيئة على هذا المستوى. تعاون معها الطبيب المذكور أثناء بحوثها، وبعد عودتها أرسلت له تقريرا مفصلا عن نتائج دراستها. جاء في التقرير: إنّ الذكاء الفطري عند الطفل المصري أعلى من مستواه لدى جميع الأطفال الآخرين الذين شملتهم بحوثها، ولكنّ البيئة المصريّة هي من أكثر البيئات تخريبا لهذا الذكاء وأشدّها تدميرا!
طالما يتربّى هذا الطفل في حضن سماحة الشيخ الشعراوي، هل يعقل أنّ تبقى خليّة واحدة حيّة في دماغه!
كنت أصغي مرّة إليه وهو يحاضر في موضوع عن عظمة الخالق وقدراته، داعما أقواله بآيات من القرآن. يميل أثناء حديثه ذات اليمين وذات اليسار، ملوّحا بيده في الهواء، متلاعبا بتعابير وجهه بطريقة تمثيليّة مثيرة للدهشة!
يقول الله في كتابه العزيز ” ويسألونك عن الجبالِ فقل ينسفها ربّي نسفاً “!.. لقد أبدع سماحته في تفسير تلك الآية! سبحانه وتعالى تتجلّى دوما عظمته في قدرته على النسف!! لم يستطع الظواهري أن يثبت عظمته ببناء برج، لكنه أثبتها بنسفه لهذا البرج!! لقد أبدع شيخه في تلقينه هذا الدرس!
يعتقد بعض العلماء إنّ النزعة التخريبيّة عند الانسان قد تكون غريزة موروثة في جيناته، فلقد لاحظوا إنّ الطفل قادر في سن مبكرة جدا، وتحديدا حوالي الشهر السادس من عمره، على أن يضرب بيده عمودا من القطع البلاستكيّة المصطّفة فوق بعضها البعض. يبدو قادرا على فعل ذلك قبل أن يرى أيّ انسان آخر يفعله، وتبدو عليه علامات الدهشة والإستمتاع أثناء سقوطها. بينما قدرة هذا الطفل على رصفها فوق بعضها البعض لايمكن أن تتبلور قبل العام الثالث من عمره، وهي عادة قدرة مكتسبة، يتعلّمها بمراقبة غيره يفعل ذلك. من خلال هذا السيناريو الطبيعي البيولوجي ـ إن صحّ التعبير ـ يبرز دور التربية بوضوح.
الانسان لايولد في أحسن تقويم، بل عمليّة تربيته هي التي تلعب دورا في تقويمه. وقد يكون للطبيعة حكمتها من ذلك، فهي تزوده بغرائز تساعده على البقاء حيّا في سنوات حياته الأولى ـ من يدري، قد تكون الغريزة التخريبيّة عنده الوسيلة الوحيدة التي تمكّنه من شق الأغشية الجنينيّة التي كانت تغلّفه في رحم أمّه والخروج إلى الحياة؟! ولكن مع تقدّم العمر يزداد دماغه نموا، وتزداد بالتالي قدرته على اكتساب مهارات جديدة، تقوم تلك المهارات بتهذيب غرائزه، بل بالحلول مكانها في كثير من الأحيان!
من أين يكتسب الطفل مهاراته؟ يكتسبها من الطاقم التربوي المحيط به، يكتسبها من الشيخ الشعراوي ومن أقواله وحركاته وآياته!! في أغلب الأحيان تكون عمليّة الاكتساب هذه، عمليّة ايحائية تتم بطريقة غير ملحوظة وليست مرئيّة. هل يستطيع أحد فينا أن يرى بالعين المجرّدة، كيف تمتص قطعة من الاسفنج الماء عندما تسقط في البحر؟ هل يعرف أحد فينا كيف يتحول كأس من الماء إلى اللون الأزرق عندما تقع فيه نقطة من الحبر؟ الشيخ الشعراوي ـ كي لاأظلمه ـ لم يأمر الظواهري علنا بالذهاب إلى برج التجارة العالمي ونسفه، لكنّ أمره بالإيحاء عندما أقنعه إنّ الطريقة المثلى التي يظهر الخالق بها عظمته، هي في إظهار قدرته على النسف!!
تصوّروا طفلا يسير مع والده، يدفعه فضوله الطفولي الى السؤال: بابا من هو الله؟ ويردّ الوالد: انظر الى هذه الجبال، كم تبدو ضخمة وقويّة! إنّ الله هو الخالق الذي يستطيع نسفها نسفا! هل تستطيع الآن أن تتصور يابنيّ! عظمة الله؟!
هل يستطيع أحد فينا أن يتصوّر الرسالة التربويّة التي سلّمها الوالد الى ولده من جرّاء هذا المثال؟! طبعا!! إنّها باختصار: كي تكون عظيما عليك أن تكون عنيفا! والعنف يكمن في القدرة على النسف، لافي القدرة على البناء!
تعالوا نتصوّر جوابا بطريقة أخرى: انظر يابنيّ الى هذه الأزهار الجميلة، الى هذه الجبال الشاهقة، الى هذه الروابي الخضراء، الى هذه الأشجار المثمرة، الى هذه الفراشات المزركشة، الى هذه الأنهارالهادرة، الى هذه الأمطار الغزيرة، إنّ الله هو الخالق الذي أبدعها! إنّ الله ـ يابنيّ ـ جميل ويحب الجمال، لقد خلق الكون على شاكلته!
هل تتصورون الطفل الذي يتلقى هذا الجواب، سينسف يوما برجا أو يفجّر نفسه داخل حافلة للركاب؟!!
***************
نشرت إحدى الصحف الصادرة هنا باللغة العربيّة خبرا مفاده: أقام مسجد في جنوب كاليفورنيا دورة تعليمية ضمت مجموعة من الطلاب المسلمين، كان موضوعها “السيرة النبوية” وفي نهاية الدورة وزعت الجوائز على المتفوقين من الطلاب.
الفضول وحب المعرفة غرائز تولد مع الإنسان. يقوم النمط التربوي المتبع إمّا بتعزيزها وإمّا بوأدها في مهدها!
عند الإنسان المسلم تولد هذه الغريزة ميتة. فالتربية الإسلامية تفرض على انسانها أن يتشرّب الفكرة بالإستسلام وتمنعه من أن يصل إليها بالإستنتاج، والفكرة التي تفرض بهذه الطريقة تبقى هشة، لايملك صاحبها أيّة قدرة للدفاع عنها، أو إقناع إنسان آخر من بيئة تربوية أخرى بها.
الطفل المسلم في المجتمع الأمريكي، ومهما كان والداه متشددين، لايمكن أن تقارنه بطفل يتربى ويعيش في بيئة اسلامية أخرى. يتشرّب هذا الطفل، كغيره من الأطفال، حب السؤال والإستفسار ويميل إلى رفض كل فكرة لاتتناسب مع أخلاقية وآداب البيئة التي يعيش فيها. قد تكون درجة هذا الحبّ عنده أقل منها عند الأطفال الآخرين، إذ ليس بإمكاني أن أنفي تأثير الوالدين، ولكنها أعلى بالتأكيد منها عند قرينه في أي مجتمع إسلامي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
هل يتقبّل هذا الطفل مايسمعه عن سيرة نبيّه دون أن يسأل عشرة آلاف سؤال، وقبل أن يتلقى جوابا منطقيا، أخلاقيا وعلميا على كلّ من تلك الأسئلة؟!!
لاأشكّ لحظة من أنّ حضرة المعلم الذي تزّعم تلك الدورة، قد عرّج في سياق حديثه عن النبيّ محمّد على ذكر غزواته، وعلى رأسها غزوة الخندق وتابع يقول ـ كما قرأت في إحدى الكتب المختصة بهذا التاريخ المشرّف ـ: لقد انتصر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الكفار واستولى على أموالهم ونسائهم وأطفالهم فأفاء الله بها عليه!
ولا أشكّ لحظة من أنّ ابن الشيخ محمّد، والذي يبدو أبوه فخورا جدا بتلك القيم والحضارة إلى حد يخاف عليها من وفاء سلطان، لاأشكّ لحظة بأنّ هذا الأبن الذي تشرب من المجتمع الأمريكي، ولو قليلا، حبّ السؤال والإستفسار، عاد إلى والده الشيخ يسأله: كيف يستولي رسول الله على نساء الغير وبأيّ حق يفيئ الله عليه بهن؟
من هو هذا الرسول؟ ومن هو هذا الله؟!
ويتابع حضرة المعلم المبجّل: تزوّج رسول الله فلانة.. ثمّ فلانة.. ثمّ فلانة.. ثم فلانة.. ثمّ تزوّج صفيّة بنت حيي بن اخطب من يهود بني النضير، وكانت زوجة كنانة بن الربيع الذي كان من أسرى يهود خيبر وقتله بن مسلمة بأمر النبي، وكانت من السبايا. فلمّا استعرض النبي السبايا ورأى صفيّة، قام وألقى رداءه عليها ليعلم الجميع انه اصطفاها لنفسه! لقد تزوجها الرسول ـ صلوات الله عليه ـ في نفس اليوم الذي قتل فيه زوجها وأبيها وأخيها.
ويجد الشيخ محمّد نفسه مرّة أخرى، ليس في قفص الإتهام الذي وضعته به وفاء سلطان، وإنّما تحت سيل من الأسئلة التي واجهه بها ابنه الذي تشّرب، ولو قليلا، من أخلاقيّة المجتمع الذي يعيش فيه وتعلم كيف يطرح السؤال: يا أبتي! بأيّ حق يقتل نبيّ الله أحد اسراه ويتزوج امرأته في نفس اليوم الذي قتله فيه؟! يا أبتي بأيّ حق يسبي نبيّ الله النساء؟ وكيف يبيح لنفسه الزواج من تلك النساء؟! يا أبتي كيف يختار نبي الله المرأة التي يريد أن يتزوّجها؟ يا أبتي لقد حاولتم اقناعنا بأنّ النبي تزوج الكثير من النساء كي يساعدنه في نشر الدعوة إلى الإسلام، كيف يعرف أنّ تلك المرأة وبمجرد النظر إلى جسدها الجميل ـ على حدّ وصف أم أنس بنت مالك لها عندما قامت بتزينها له ـ قادرة فكريا ولديها من الملكات العقليّة مايمكّنها من القيام بتلك المهمّة؟!! ياأبتي! هل يعقل أن امرأة تعتنق وتنشر دين رجل قتل زوجها وسباها، ثم اغتصبها في نفس الليلة؟!! ياأبتي! هل هذا هو الإسلام؟ هل هذا هو دين الله؟! يا أبتي اتقوا الله فيما تقولون وتفعلون!!
ويبقى الشيخ محمّد مصرا على تجاهل الجواب، مقتنعا بأنه قادر على ممارسة ـ قيمه وحضارته(!!!!) ـ في أمريكا، كما كان قادرا على ممارستها في الربع الخالي ونجد وعرفات!
وفاء سلطان لم تتهم الإسلام ـ على حدّ ادّعاء الشيخ محمّد ـ بل هو الذي وضع نفسه في قفص الإتهام! وإذا لم يجب هذا الشيخ على تلك الأسئلة حبا وطواعية، سيجبره هذا العالم المتمدن، الذي باع سرواله كي يعيش فيه، سيجبره عاجلا أم آجلا على الإجابة قسرا وكراهية!!

****************
سولانجي رجل هنديّ، قصّته ممتعة للغاية! نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في أحد أعدادها تقريرا مفصلا عنه. يعيش في قرية نائية في أحد جبال الهند، يشتغل عاملا في مركز بريد تلك القرية، ويتقاضى على عمله سبعة دولارات في الشهر كافية لإيوائه واطعامه وعائلته الصغيرة. المركز عبارة عن غرفة واحدة تفتقر، كما تفتقر القرية كلّها، الى الطاقة الكهربائيّة. حرارة الجو في تلك الغرفة تتجاوز الخمسين درجة مئويّة. الناس يحترقون وهم واقفون. مضى على وجود سولانجي في ذلك المركز أكثر من عشر سنوات. يقوم خلال عمله بتحريك مروحة معلّقة في سقف المركز، عن طريق سلك يشدّه وهو يجلس في أحد زوايا الغرفة.
مع التكرار وعلى مرّ الزمان، لم تعد يدّ سولانجي بحاجة إلى أيّ أمر دماغيّ كي تقوم بعملها، فتحولت إلى آلة تتحرك بطريقة تلقائيّة ميكانيكيّة، والدليل أنّ الصحيفة المذكورة كانت قد نشرت صورة لسولانجي وهو يغط في نوم عميق، بينما يده مستمرة في تحريك سلك المروحة!
سئل مرّة المطرب الأمريكي مايكل جاكسون عن بعض الحركات التي يقوم بها، والغير مقبولة اجتماعيّا، فقال: أنا عبد النغم، يحرّكني ولا أحرّكه، يثيرني ولا أملك أيّة مقاومة ضدّه!
المسلمون لايقرأون كتابهم، بل يرتّلونه! هناك فرق كبير بين أن تقرأ وبين أن ترتّل! القراءة عمليّة حيويّة، يتفاعل خلالها العقل مع المادة المقروءة، يفكّر.. يحذف.. يضيف.. يتساءل.. يجيب.. يبدّل.. يغيّر.. يرفض.. يقبل. والترتيل عمليّة منفعلة آليّة يهمد خلالها العقل تحت تأثير النغمة، وليس تحت تأثير الكلمة.
المسلمون يقرأون كتبهم على طريقة سولانجي وهم نائمون، وعلى طريقة مايكل جاكسون وهم مخدّرون! لقد خدّر الشيخ عبد الباسط عبد الصّمد عقل المسلم أكثر بكثير مما ساهمت أمّ كلثوم في تخديره! تحت تأثير صوته الرخيم سقط هذا العقل عاجزا عن كلّ تفاعل.. عن كلّ تساؤل.. عن القيام بأية عمل يثبت وجود أثر للحياة في ذلك العقل!
في الطب حالة تدعى “العين الكسولة”، يصاب بها الإنسان في طفولته المبكّرة، إذ يقوم الطفل باستخدام إحدى عينه وإهمال الأخرى. العين التي تُهمل تكون مبدئيّا سليمة من الناحية التشريحيّة والفزيولوجيّة الوظيفيّة، ولكنّها وبسبب عدم استعمالها تتوقف عن ارسال الحسّ البصري الى الدماغ، فيتوقف هذا الدماغ عن ارساله أوامره بالرؤيّة اليها. مع مرور الأيّام يظنّ الدماغ إنّ العين لم تعد بحاجة اليه، وعند تلك النقطة تنقطع العلاقة تماما بينهما، فتصاب العين بالعمى الذي لاعلاج له.
إذا استطاع الطبيب أن يشخّص الحالة قبل الوصول الى تلك الدرجة، يقوم بتغطية العين السليمة واجبار الطفل على استعمال عينه الكسولة، فيستدرك الدماغ على الفور حاجة تلك العين اليه ويستعيد علاقته بها بالكامل رويدا رويدا. التفسير العلمي لتلك الحالة يفسّر الحالات الأخرى التي يتوقّف فيها الانسان عن التفاعل مع محيطه عبر حواسه وبالتعاون مع دماغه.
الانسان المسلم كالعين العمياء التي احتفظت بسلامة منظرها، لكنهّا فقدت وظيفتها! على مدى خمسة عشر قرنا من الزمن لم يستعمل هذا الانسان دماغه. ظنّ هذا الدماغ أنّه لم يعد لهذا الرجل حاجة به فقطع كلّ اتصالته بحواس هذا الرجل وبالتالي بمحيطه وبيئته. الانسان المسلم يستقبل ولا يرسل.. يجيب ولا يسأل.. يأخذ ولا يعطي.. يقبل ولا يرفض.. يكرر، بلا أدنى تفكير، قال فلان عن فلان عن فلان عن فلان، رضي الله عنهم أجمعين!
في أحد الكتب الدينيّة التي بين يدي عبارة تقول: روت أمّ حفصة عن أبي حفصة ـ رضي الله عنهما وعن ابنتهما حفصة ـ! ولا من عاقل يسأل: من هي أمّ حفصة ومن هو أبو حفصة؟! وما مدى مصداقيتهما في نقل مايروون؟!
لم يعد الرجل المسلم مسؤولا عن أفعاله، لكي نحاكمه يجب أن نحيل أم حفصة وأبي حفصة الى محكمة التاريخ، فهما السلك الذي يحرّكه منذ مئات السنين!
***************
السيّدة حياة مدرّسة لمادة اللغة العربيّة. هي من دمشق، لكنّها عُيّنت في سنوات خدمتها الأولى لتدرّس في مدينة بانياس. كنت يومها في الصف الأوّل الإعدادي. تغيّبت حياة عن المدرسة يوما وعادت في اليوم التالي تشرح أسباب تغيّبها:
ـ ركبت أحد الباصات المتوجّهة من دمشق الى اللاذقيّة على أن أترجل في بانياس المحطّة التي أقصدها. جلست في مقعدي أطقطق بمسبحتي وأسبّح بحمد ربّي، وأصليّ على نبيّه. وصل الباص الى بانياس، صاح معاون السائق: بانياس.. بانياس.. بانياس! تتابع السيّدة حياة: لقد سمعته يصيح، لكننّي لم أعِ مايقول، كنت غارقة في تسابيحي وصلواتي! استأنف الباص سيره حتى وصل الى اللاذقيّة، وفي المحطّة هناك نزل جميع الركّاب، واستمر المعاون في صياحه: اللاذقيّة.. اللاذقيّة آخر محطّة، لم أنتبه لصياحه وبقيت غارقة في تسابيحي وصلواتي! اقترب مني وهزّني من كتفي. انتفضت السيّدة حياة ـ على حدّ تعبيرها ـ كعصفور خرج لتوه من بركة ماء: ولكنني أقصد محطّة بانياس!! ويردّ المعاون: اذن انتظري ثلاث ساعات أخرى لنصحبك في طريق عودتنا الى دمشق!
في جداول السيّدة حياة لاقيمة للوقت، طالما تقضيه في التسبيح بحمده والصلاة على نبيّه!! ألف وخمسمائة عام وهذه الأمّة غارقة في تسابيحها، لاتعرف أيّة محطّة وصلت ولا إلى أيّة محطّة هي ذاهبة! تحلم بالمهدي المنتظر كي يهزّها من كتفها، ويعلن وصولها!
إنّ أمّة تنتظر رجلا واحدا كي ينقذها، هي أمّة لن تعيش، والأكثر من ذلك لاتستحقّ أن تعيش!! كيف نستطيع أن نقنع دماغنا أننا بحاجة إليه، علّه يعيد علاقته بنا؟ كيف نستطيع أن نعيد إلى تلك العين العمياء بصرها؟!!
(للحديث صلة)

وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

محمد وظاهرة اللسان الداشر؟! – 1

وفاء سلطان

صامت وفاء سلطان ستة أشهر عن الكتابة لتفطر على بصلة! وأيّة بصلة؟! بصلة معفّنة تسوّس لبّها!
عندما يتذّكر القارئ رائحة وقوام البصل المعفّن قد يحتجّ عليّ متسائلا: ماذنبي أنا وقد انتظرت عودتك بفارغ الصبر؟!
ـ ليس ذنبك ياسيّدي، بل هي مسؤوليّتك كما هي مسؤوليتي. العفن يتسلل خلسة إلى الأجيال القادمة، ونحن أصحاب الضمير ـ قراء وكتابا ـ معنيّون بسلامة تلك الأجيال.
من هو الشيخ محمّد؟!

قد يخطر ببال القارئ أنني سأدخل في التفاصيل الدقيقة لحياة هذا الرجل المصيبة، أبدا! لايهمني منها سوى ما يهم عالم مختص في علم الجراثيم والطفيليّات وهو ينظر تحت عدسة مجهره على حشرة متناهية في الصغر، كي يتعرف على بيئتها، طريقة حياتها وغذائها وتكاثرها، علّه يتوصّل إلى طرق لمكافحتها ومقاومتها وتجنيب الناس شرورها وتخريبها!

الشيخ محمّد ليس مجرّد شخص شاءت الأقدار الغاشمة أن يجاورني في مهجري، إنّه ظاهرة مرضيّة وبائيّة استفحلت في العالم العربي والإسلامي وحان الوقت لمكافحتها وعلاجها. إنّها “ظاهرة اللسان الداشر”!.
لقد تحوّل الرجل في هذه البلاد إلى لسان داشر، لاوازع أخلاقي يضبطه ولا رادع ضميريّ يهذّبه!
قد تختلف الظروف التي ساهمت في خلق الشيخ محمّد قليلا، لكنّها لاتختلف كثيرا، عن الظروف التي ساهمت في خلق أمثاله في أيّ تواجد إسلاميّ آخر.

ابتلت الجالية العربيّة في لوس أنجلوس بفئة من الرجال شحّت عقولهم وامتلأت جيوبهم، يقتلهم الهوس بالظهور حتى ولو على رأس خازوق! يدفع الواحد منهم نصف مايملك من أجل الحصول على لقب استاذ علما بأنّه لم يتخرّج من مدرسة ابتدائيّة!
كانت جدّتي ـ رحمها الله ـ تقول: أوقيّة فضّة تحتاج إلى قنطار عقل. هل بامكان أحد فينا أن يتصوّر رجلا يفتقر إلى أوقيّة عقل بينما يملك قنطارا من الفضّة؟!

الكلب يشمّ رائحة جيفته على بعد أميال، والخبث الشرقيّ المتأصل في نفس الشيخ محمّد قاده إلى جيفته، فوجد في تلك الفئة الميسورة الميؤوسة ضالته، ووجدت فيه ضالتها! علّق في رقبته عدسة تصويره وراح ينطّ من محفل إلى آخر. دخل حتّى غرف نومهم، التقط صورهم بمناسبة وبغير مناسبة، وراح يلصقها على صفحات منشوره مرفقة بأطنان من الألقاب! جعل من بائع متجوّل حاملَ دكتوراه في علم الإجتماع، ومن قارئة فنجان حاملة دكتوراه في علم الأرصاد! والغريب ـ كما يقول المثل ـ يكذب بما يشتهي ويريد! نفخ في عقولهم الخاوية ونفخوا في جيبه الفارغ، فازداد غرورهم وازدادت غطرسته!

لم تكن تلك القمامة من البشر، والتي ذخر بها منشوره، كافية لترويج ذلك المنشور، فبدأ الشيخ محمّد يبحث عن قضيّة ساخنة تدرّ عليه تجارة رابحة! وجد في “الدفاع عن الإسلام” ضالته!!
حمل بضاعته في سرجه وراح يدقّ أبواب السفارة السعوديّة، يساومهم على بضاعته!!
عندما اكتشف الأمريكيون أنّ خمسة عشر إرهابيّا من أصل التسعة عشر الذين قاموا بتفجيرات أيلول الإرهابيّة من أصول سعوديّة، بدأوا يسحبون بساطهم من تحت قدميّ السفير السعودي في واشنطن، فبدأ هو الآخر بسحب بساطه من تحت أقدام هؤلاء السماسرة!.

سئل مرّة معلّق رياضي أمريكي عن رأيه بعدّاء عالمي مشهور فأجاب: هذا الرجل يفيض حيويّة، وعندما يستقيل سيظلّ حذائه يركض لمدة خمسة أعوام!
السفارة السعوديّة في واشنطن استقالت، ولكنّ أحذية السعوديّين مازالت تركض، لم تنفذ بعد الأموال التي أنفقتها سفارتهم على شراء تلك الأحذيّة، لكنّها حكما ستشرف يوما على الإنتهاء!!

ليس بالقوانين وحدها تصان المجتمعات، القانون يحتاج إلى قاعدة شعبيّة أخلاقيّة، والشعب الذي لا يبلغ مستوى أخلاقياً معيّناً، يعجز عن تطبيق القوانين، بل أيضا عن إفرازها!
أخلاق المجتمع هي التي تفرز قوانيه وهي وحدها التي تضمن تطبيق تلك القوانين. العلاقات الإنسانيّة في المجتمع الواحد متشابكة ومعقّدة، وقد لاتستطيع القوانين التي تنظّم ذلك المجتمع أن تصل إلى كلّ شاردة وواردة في حياة البشر لتكون مسؤولة عن تنظيمها وضبطها. وحدها الأخلاق هي التي تستطيع أن تفعل ذلك!
القانون الأمريكي يضمن للفرد جميع حقوقه وحريّاته. من ضمنها وأهمّها حريّة الكلام والتعبير، لكنّ التربيّة الأمريكيّة ترفع انسانها إلى المستوى الأخلاقي الذي يهيئه لممارسة حريّته الشخصيّة دون أن يتعدّى على حريّات الآخرين.

نحن المغتربون القادمون من بلاد متخلّفة حضاريّا وانسانيّا وتربويّا، لم نمارس يوما حريّاتنا الشخصيّة في تلك
البلاد، ولم ترتقِ بنا نشأتنا الدينيّة والتربويّة إلى المستوى الأخلاقي الذي يهيئنا لممارسة تلك الحريّات.
قفز الشيخ محمّد، وبلمح البصر، من على ظهر بعيره إلى جنح طائرة، نقلته خلال عشرين ساعة طيران، من بلاد يحكمها الشنب والعصا والجزمة العسكريّة إلى بلاد يحكمها المنطق والقانون والأخلاق.

الحريّة مسؤوليّة وليست فوضى. في المجتمعات الحرّة والميسورة تواجه الانسان خيارات كثيرة ومتعددة في أي مجال من مجالات الحياة من أبسطها وحتّى أعقدها. أيّ خيار يتّخذه أو قرار يصنعه يتّطلب منه مهارات معيّنة، كي تساعده في اتخاذ الخيار وصناعة القرار! الانسان الذي لايتسلّح بالحد الأدنى المطلوب من هذه المهارات يضيع بين كثرة الخيارات، ويتخبّط في قرارته عاجزا عن الاستمتاع بحريّته. في البلاد المتخلفة القمعيّة لايوجد خيارات ولا يستطيع الانسان أن يتّخذ أيّ قرار بمحض ارادته. في أجزاء كثيرة من تلك البلاد لايملك الناس خيارا إلاّ أن يشربوا المياه التي يبّولون فيها.

في أمريكا تتدخل الماركت لتشتري فرشاة أسنان، كمثال لأبسط قرار تّتخذه في حياتك اليوميّة، تتوجه إلى القسم المختصّ بالأدوات التي تعتني بنظافة الفمّ، تواجهك هناك عشرات المئات من الخيارات، ثمن فرشاة الأسنان يتراوح بين الدولار الواحد والمائة دولار، هذا من ناحية الثمن، ناهيك عن اللون والشكل والنوعيّة! هنا تجد نفسك ملزما بالاعتماد على مهاراتك كي تحسن الخيار، تلك المهارات التي تتضمن ليس فقط إلمامك بحجم ميزانيّتك، وإنّما معرفتك الشاملة والوافية بنوع لثّتك والمشاكل الصحيّة التي تعاني منها أسنانك!

في بلاده كان الشيخ محمّد ينكش أسنانه بقش المكنسة أو بعود ثقاب، أيّة مهارات اكتسبها هذا الرجل هناك، تستطيع أن تساعده هنا على اختيار فرشاة أسنان؟!! ناهيك عن اختيار طريقة الحوار!!
*************************

وصلت نصف ساعة متأخرة عن موعدي مع طبيب الأسنان، اقتربت من الموظفة المسؤولة وسألتها بلطف: أنا آسفة، لقد تأخرت لظرف خارج عن ارادتي. هل تعتقدين أنني مازلت قادرة على رؤية طبيبي اليوم؟
تفحّصت سجلاّتها وقالت: أحد المرضى ألغى موعده بعد نصف ساعة، إذا كنت قادرة على الإنتظارستتمكنين من رؤية الطبيب. شكرتها وجلست في مقعدي أتفحص بعض المجلات.

في المقعد المقابل جلست سيّدة أمريكيّة ضخمة القدّ، يزيد وزنها عن الثلاثمائة باوند، كأقل تقدير! تحتضن بين يديها طفلة صغيرة، بينما تجلس ابنتها الأخرى على الأرض مجاورة لمقعد أمها. كنت بين الحين والآخر أسترق النظر إلى هذا الجبل البشريّ الذي يحطّ بثقله أمامي، تتدلى هضابه وانثناءاته من الأمام ومن كلّ جانب. يدفعني فضولي إلى التساؤل: أيّ عمل تستطيع أن تقوم به هذه السيّدة كي تدعم أسرتها وتربي أطفالها؟! متطلبات الحياة في أمريكا كثيرة، وعلى الزوجين أن يشتغلا كي يكونا قادرين على دعم الاسرة ماديّا!.

كنت غارقة في تساؤلاتي، عندما نادت الموظفة اسمها. مشت بتثاقل إلى الشبّاك، وناولتها بطاقة التأمين الصحّي التي تمنحها عادة الدولة الأمريكيّة إلى أبناء الطبقة الفقيرة في المجتمع الأمريكي، فجاوبت بذلك على كلّ تساؤلاتي! هذه المرأة، وبلا أدنى شكّ، تنتمي إلى الطبقة الأدنى والأقل حظا ـ ثقافيّا واجتماعيّا ـ في المجتمع الأمريكي. على كلّ حال، سألت الطفلة أمّها، بعد أن بدت عليها علامات الملل: ماما هل ستشتري لي حذاء جديدا؟ ردّت الأم: طبعا لا! حذاؤك جديد ولم يمض على شرائه سوى اسبوعين!
ـ ولكن صديقتي جسيكا قالت إن حذائي ليس جميلا وحذائها أفضل بكثير!
ـ أنت التي اخترت الحذاء، وقلت يومها أنّه جميل جدا!
ـ هل تقصدين أن جسيكا كذّابة؟!
ـ أبدا لم أقصد ذلك! هي عبّرت عن رأيها وعليك أن تحترمي هذا الرأي، لكنك لست ملزمة به!
ـ أريد الآن أن أغيّر رأيي وأتبنى رأي جسيكا!
ـ ليس الأمر بالسهولة التي تظنينها! أنت من اختار الحذاء، وعليك أن تتحمّلي مسؤولية الإختيار. عندما يحين الوقت لشراء حذاء آخر تستطيعين أن تتبني رأي جسيكا!

يعكس هذا الحوار، رغم عفويّته وبساطته، حقيقة المجتمع الأمريكي، بمختلف طبقاته من أدناها إلى أعلاها. إنّ إنسان هذا المجتمع، ومهما انحدر المستوى الإجتماعي الذي ينتمي إليه، يحترم آراء الغير، حتّى وإن لم يتّفق معها، ويتحمّل المسؤوليّة عندما يتّخذ أيّ قرار أو يتبنّى أي خيار. لم يكتسب الإنسان الأمريكي تلك الخصال بين ليلة وضحاها. عمليّة الإكتساب طويلة الأمد، تبدأ منذ اللحظة التي يبصر بها النور، وتستمر طيلة الحياة.

لايوجد قانون يعاقب تلك السيّدة إن هي تهجّمت على رأي صديقة ابنتها ونعتته بأبشع الكلمات، ولكن يوجد عرف أخلاقي يلزمها باحترامه.

لم أسمح لخيالي أن يحلّق بي، ويدخلني غرفة انتظار في مكان ما من عالمنا الإسلامي أو العربي، كي لا أسمع من تلك الأم العجب العجاب! اكتفيت بقراءة ماكتبه عني الشيخ محمّد في منشوره الذي يعكس أخلاق كلّ الأمهات في عشيرته!

توقفت عن الكتابة ستة أشهر، ألزمتني الظروف وبحكم كوني طبيبة أن أعمل خلالها في مستشفى الأمراض
النفسيّة والصحّة السلوكيّة في الكليّة الطبيّة بنيويورك ـ NEW YORK MEDICAL COLLEGE ـ بعيدا عن عائلتي في كاليفورنيا. بعدي عن الأولاد وضغوط العمل وطقس نيويورك الذي لم أستطع أن أقع في حبّه، أنساني الكتابة وهمومها! لم أكد أصل بيتي في كاليفورنيا حتّى استقبلتني هواتف القراء والأصدقاء ورسائلهم الإلكترونيّة ترحّب وتهلّل وتعبّر عن حبّهم لي. الشيخ محمّد لايملك سوى سمومه، وجد في تلك المناسبة فرصة لتفريغ بعضها فكتب يقول: “اختفت إحداهن عن الساحة بعد أن ملأتها بالتهجّم على المسلمين وقيمهم وحضارتهم، ويشاع بأنها الآن محتضنة من قبل بعض أعداء المسلمين والعرب لتدريبها فنيّا وثقافيّا وعلى نفقتهم واعدادها للهجوم على المسلمين والعرب بطريقة علمية وخبرة، وليس مثلما اتفق، ثم استعمالها حصان طروادة، وخادمة لأهدافهم التدميرية”.

عندما كان الشيخ محمّد طفلا صغيرا وراح ينقل لأمه رأي صديقه بحذائه، صفعته صفعة قوية وشتمته: أيّها الغبي لماذا لم تهشّم وجهه وتلقنه درسا لن ينساه، كيف يتجرأ ويقول أنّ حذاءه أجمل؟! منذ ذلك الحين، لايعرف الشيخ محمّد سوى أن يهشّم وجوه الآخرين!
لو كان الشيخ محمّد مهيئاً تربويا وأخلاقيّا لممارسة حريّته الشخصيّة في التعبير والكلام، والتي يمنحه القانون الأمريكي حقّ ممارستها، ولو اعتقد يوما أنّ وفاء سلطان ـ وعلى حدّ تعبيره ـ تتهم الإسلام وقيمه وحضارته، لكتب يقول: “ذكرت السيّدة وفاء سلطان كذا وكذا وكذا، وهي بذلك تتجنب الحقيقة وتزوّر التاريخ! لأن الحقيقة كذا وكذا وكذا” ولكن من أين له أن يفعل ذلك، وهو لم يتعلّم يوما أدب الحوار وأخلاقيّته!
**********************

صدر مؤخرا التقرير النهائي للجنة التحقيات الأمريكية في أحداث أيلول الإرهابيّة، كلّما جاء في التقرير ذكر لإسم أحد الإرهابين الذين نفّذوا العمليّة، يسبق ذلك الإسم لقب السيّد! كذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش، كلّما جاء في خطاباته على ذكر أسامة بن لادن يقول السيّد بن لادن. وهو إن يفعل ذلك، لايعطي مصداقيّة لعدوه، وإنّما يثبت مصداقيّة تربيته وأخلاقه وسموّ تلك التربيّة! والشيخ محمّد عندما يدّعي بأنني “محتضنة”، هو لايسيء إليّ، وإنّما يعكس ماتعلمه في قواميسه اللغوية وكتبه الدينيّة.
**********************
منذ اللحظة الأولى التي يبصر بها الإنسان نور الحياة، يبدأ الوالدان والطاقم التربوي الذي يحيط به في عملية بناء جهازه الأخلاقي والمعرفي والذي سيحدد لاحقا في الحياة خطاه وسلوكه وطريقة تفكيره. كلّ البذور التي يغرسونها في تربته هي في حقيقة الأمر من نتاج تربتهم. يقلعون من أنفسهم ويغرسون في نفسه ليخرج إلى الحياة صورة متطابقة مع صورهم إن لم يكن الشقّ التوأمي لشقّهم!
لكلّ بناء أساس، والأساس الذي يُبنى فوقه الهيكل الأخلاقي يتبلور عادة، وبناء على رأي الكثيرين من علماء النفس والسلوك، مع نهاية العام الأول من حياة الإنسان. عندما ينتهي المربّون من بناء هذا الأساس، والذي ينتهي كما أشرت سابقا مع نهاية العام الأول، يطرح سؤال مهمّ نفسه: “ماهو الدرس الأخلاقي الذي يتعلّمه الطفل عند تلك النقطة في حياته؟!”
يصرّ الكثيرون من الباحثين على أنّه (القدرة على التمييز بين كلمتيّ نعم ولا). يتعلّم الطفل في عامه الأول ماذا يقصد والده عندما يقول له نعم، وماذا يقصد عندما يقول له لا.
وضوح الخطّ الفاصل بين هذين المعنين يرسم ملامح حياته المستقبليّة سلوكيا وفكريّا. فوق هذا الأساس تُشاد كلّ لبنة أخرى في هذا الهيكل الكبير. قوة هذا الأساس ومتانته تحدد قوة ومتانة الهيكل الأخلاقي بأكمله.
إنّ القدرة على تمييز الحدود بين نعم ولا، هي في حقيقة الأمر القدرة على التمييز بين الضدّ وضدّه، بين النقيض ونقيضه، بين الخطأ والصواب، وفي نهاية المطاف بين الشرّ والخير.
ضبابيّة الرؤية عند الطفل، والتي قد تسببها بعض المواقف التربويّة، هي الخطوة الأولى في طريق انحرافه الفكري والسلوكي وبالتالي الأخلاقي، فالأخلاق فكر وسلوك.
الإنسان المسلم يعيش ويموت دون أن يتعلم هذا الدرس بوضوح. يبقى عاجزا طيلة حياته عن الفصل الحدّي بين كلمتيّ نعم ولا. من النادر جدا أن يسمع هاتين الكلمتين منذ عامه الأول وحتى عامه الأخير، والأندر أن يرى مربيه قادرين على الفصل في سلوكهم بين المعنيين. “نعم” اليوم، قد تصبح “لا” غدا، و”لا” في تلك اللحظة قد تنقلب “نعم” في اللحظة التي تليها! يتجنّب الطاقم التربوي في معظم المواقف، والتي يُفترض أن تكون مواقف تربويّة تعليمية، يتجنّب لفظ الكلمة، ناهيك عن تحديد معناها. يستبدل نعم ولا بعبارة انشاء الله.
يسأل الطفل أمّه: هل ستشتري لي بدلة بمناسبة العيد؟ وتردّ الأم: انشاء الله. ويبقى الطفل حائرا، تضيع عنده الحدود، ويعجز عن معرفة ماتقصده الأم! هل انشاء الله تعني نعم أم لا؟ أم كلا المعنيين حسب الظرف؟!
لو سأل طفل أمريكي أمّه نفس السؤال، سيكون الجواب ليس فقط نعم أم لا، بل جوابا كاملا يولّد لدى الطفل حالة استقرار نفسي بعيدة عن الحيرة والارتباك.
ـ نعم وسنذهب في نهاية عطلة الاسبوع إلى المحل التجاري كذا وكذا، وستنتقي بنفسك ماتريد. أو ربّما يأتي بشكل آخر:
ـ لا فميزانيتنا لاتسمح، وستضطر لإرتداء بدلتك التي اشتريتها لك الشهر الماضي.
قد يخلّف الجواب الثاني لدى الطفل الأمريكي شعورا بالخيبة، لكنّه حكما لن يخلّف شعورا بالحيرة والارتباك!
الصيف الماضي وأثناء زيارتي للوطن الأم، سألت ابنة أخي مداعبة: متى ستزورينني في أمريكا؟! ركضت الطفلة إلى أمّها تسألها: ماما هل تسمحين لي بزيارة عمتي في أمريكا؟ وقبل أن تدع فرصة لأمها كي تجيب تابعت تقول: أرجوك لا تقولي انشاء الله! ضحك الجميع وبكيت أنا!!

قلت مرارا وأكرر القول: الدين هو المصدر الوحيد للتربية في بلادنا. لايوجد على الإطلاق قاعدة تربويّة واحدة في الدين الإسلامي تستطيع أن ترسم الحدود بوضوح بين الضدّ وضدّه وبين النقيض ونقيضه، بدءاً بالقرآن ومرورا بالسنّة والحديث وانتهاء بالاجتهاد!

لايمكن أن تجتمع الأمّة الإسلاميّة على رأي واحد! والسبب الجوهري هو ضبابية الرؤية التي يخلّفها الدين الإسلامي عند الفرد الواحد! لم يستطع انسان أن يعبّر عن تلك الحالة في تاريخ الإسلام، كما عبّر عنها المفكّر الإسلامي عليّ بن أبي طالب عندما قال: لاتحتكم الى القرآن، إنّه حمّال أوجه! عندما يكون المصدر التربوي للإنسان حمّال أوجه، سيخرج هذا الإنسان إلى الكون حمّال أوجه!

العام الماضي أقام الرئيس الأمريكي مأدبة غداء حضرها الكثيرون من رجال الدين اليهودي والمسيحي والإسلامي. استهلّ أحد رجال الدين الإسلامي حديثه عندما جاء دوره بتلاوة الآية التي تقول: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم”. والسؤال: لماذا اختار هذا الشيخ تلك الآية ولم يختر غيرها، كتلك التي تقول: “قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”؟؟؟

يريد هذا الشيخ أن يُسمع الحضور مايريدون هم أن يسمعوه، ولو تواجد على مأدبة غداء أخرى تجمع الزرقاوي أو الظواهري أو ابن لادن، لتلا عليهم الآية الثانية، ولختمها كما ختم الأولى بـ صدق الله العظيم!
أين هي الحدود التي تفصل بين الضد وضده في تلك الآيتين؟ ماهو الواجب الديني الذي يترتب على المسلم أن يلتزم به؟ هل هو قتال الذين لايدينون بدينه، ولا يحرّمون ماحرّم الله ونبيّه؟ أم أن واجبه أن يسرح في الأرض يتعرّف على أهلها شعوبا وقبائل آمنوا بدينه أم لم يؤمنوا؟! كيف يستطيع الإنسان أن يحافظ على سلامة جهازه العقلي تحت تأثير الضغوط التي يخلّفها هذا التناقض الرهيب في كلا الموقفين؟!!
*********************

منذ نعومة أظفار المسلم وهو يدرك الحقيقة التاريخيّة التي تقول: تزوّج النبي محمّد وهو في الرابعة والخمسين من الطفلة عائشة وهي في التاسعة. تلك حقيقة لايختلف عليها مسلمان! ولكن لم يسمح مسلم واحد في تاريخ الإسلام لنفسه أن يرتقي بمستوى وعيه ويسأل: هل يليق هذا الأمر بنبيّ الله؟!

بعد مجزرة أيلول الإرهابيّه، وجد الإنسان المسلم نفسه، وخاصة في البلاد الغربيّة، أمام سيل من الأسئلة التي يستحيل الإجابة عليها بمنطق وعقلانيّة دون الهرب خارج حدود إسلامه!

حسين عبيش مسؤول كبير في الجمعيّة الأمريكيّة العربيّة المناهضة للتمييز العنصري، ظهر مرةّ في أحد البرامج التلفزيونيّة على الشاشة الأمريكيّة. سأله أحد المحاورين: هل صحيح أن نبيّكم تزوّج وهو في الرابعة والخمسين من طفلة في التاسعة من عمرها؟! ثارت ثائرة حسام وأجاب بالنفي المطلق.

ماهي الأسباب النفسيّة الكامنة وراء نفي السيّد حسين، علما بأنّه يدرك في حيّز وعيه أنّ الأمر حقيقة تاريخيّة لاجدل حولها؟!!
في حيّز وعيه يدرك السيّد حسين صحّة ذلك الحدث التاريخي، وفي حيّز اللاوعي عنده يرفضه منطقيّا وأخلاقيّا!.
الصراع بين الحيّزين والذي أثاره سؤال المحاور، أوقع السيّد حسين تحت ضغط نفسي، لم يجد مخرجا منه إلاّ بتكذيب ماهو حقيقة في حيّز وعيه!!
تألمت كثيرا عندما شاهدت تلك الحادثة. لم أتألم من موقف السيّد حسين بقدر ماتألمت عليه! أن يقع الإنسان تحت ضغط هذا الصراع دون أن يكون مؤهلا تربويّا ونفسيّا لمواجهته، حالة نفسيّة لا أحسد، كطبيبة، أحدا عليها!

أحيانا لاتملك إلاّ أن تشعر بالحزن والأسف، على أمّة تركها دينها معلّقة في الهواء، تتأرجح من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولا تستطيع أن تقف على مستقر! المسلمون اليوم سدس سكان الأرض، أو في أفضل الظروف خمسهم. أربعة أخماس سكان الأرض لايؤمنون بالإسلام، ولا يطبقون قوانينه في التحريم والتحليل. المسلمون في منتصف الطريق يتأرجحون بين النعم و اللا، هل يعلنون الحرب على الأربعة أخماس كما أمرتهم عقيدتهم، فقد أعطى نبيّهم لهذا القتال صفة الأبديّة بقوله: سأظلّ أقاتلهم حتّى يشهدوا أن لاإله إلاّ الله وإنّ محمدا رسوله! أم يجب عليهم أن لا يأبهوا لكفر هؤلاء فإلى الله مرجعهم وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون، على حدّ قول آية أخرى؟!!

هذه الفوضى الفكريّة التي سقط بها العالم الإسلامي أنهكته وشلّت القدرات العقليّة لإنسانه! هذا الإنسان الذي يتذبذب في مساره بين الضد وأقصى ضدّه. أسامة بن لادن يمسك بأحد طرفي المسار، ووفاء سلطان تمسك بالطرف الآخر والناس منقسمون بينهما، لايقف اثنان منهم على نقطة واحدة في هذا المسار! والسؤال: هل تستطيع أمّة مشتتة كهذه أن تجد لها موقع قدم بين الأمم؟!

عقل المسلم أصبح كالزئبق، من المستحيل أن تصنع منه شكلا ثابتا! تدخل في حوار مع أحدهم فتظنّه في اللحظة الأولى غاندي أو ربّما المسيح، يرفض أن يرجم امرأة حتى ولو كانت زانية، لينقلب في اللحظة التي تليها فيصبح الشيخ ياسين يبارك لمرأة فجّرت نفسها داخل حافلة للركّاب، وتركت وراءها رسالة صوتيّة تقول: سأدقّ أبواب الجنّة بجماجم اليهود! هل يستطيع أحد فينا أن يتصوّر عمق الفجوة التي تفصل بين االله الذي يقول: من كان منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر، وبين الله الذي يقول: لن أفتح أبواب جنتي إلاّ لمن يدقّه بجماجم البشر؟!! هل يستطيع أحد فيكم أن يتصوّر حجم الضغط النفسي والعقلي الذي يعيشه رجل يتذبذب بين هذا الإله وذاك؟!! لم يعد أمام الإنسان المسلم من خيار إلاّ أن يحاول ردم تلك الفجوة قبل أن يقفز فوقها! العالم اليوم قرية صغيرة، وأيّة أمّة فيه تحوّلت إلى مجرّد فرد، مهما التزمت بتعاليمها عليها أن ’تراعي الخطّ العام!

وصلني شريط تسجيل من صديق عزيز، تستطيع أن تصغي من خلاله الى أحداث ندوة أقيمت مؤخرا في إحدى الكنائس هنا في جنوب كاليفورنيا، موضوع الندوة كان الإرهاب وضرورة التعاون بين جميع الأديان لمواجهته وفتح بابا للحوار. تسلل الشيخ محمّد الى الكنيسة وهو مطمئن أنه في مأمن، وإذ به يفاجئ بالميكرفون وبسؤال عن رأيه! وقع في نفس المطّب الذي وقع به حسنين! حسنين شاب صعيدي ـ على البركة! ـ تقدم بوظيفة حاجب شاغرة في إحدى الشركات. سأله مدير الشركة في محاولة لسبر معلوماته: كم يساوي خمسة في خمسة ياحسنين؟ ليس في جعبة حسنين من مهارات سوى غريزة البقاء، التي دفعته ليردّ بسرعة البرق: زي مانتا عاوز يابيه!

مسك الشيخ محمّد بالميكرفون، واعتذر أولا عن عدم قدرته للتحدث بالإنكليزيّة وبذلك أسقط عنه مسؤوليته أمام، على الأقل، نصف الحضور ثم تابع: الله محبّة وعلينا جميعا أن نلتزم بتعاليم المسيح التي تدعو الى المحبّة! لم يجد في جعبته من مهارات سوى تلك التي كانت في جعبة حسنين: زي ماأنتا عاوز يابيه! لقد أسمع الحضور مايريدون أن يسمعوه، وليس مايريد أن يقوله!

عدت الى أسماء الله الحسنى في كتب الشيخ محمّد، لم أجد تسمية واحدة تتوافق مع تلك الصفة التي أطلقها عليه! ولم أجد آية واحدة تشير الى تعاليم المسيح. لاأعرف من أين أتى بهذا الجواب! إنّها سياسة الزئبق: مثلما مالت أميل!!
***********************

في مقابلة أجرتها مرّة صحفيّة أمريكية مع الرئيس حافظ الأسد، طرحت عليه السؤال التالي: سيادة الرئيس إذا توصلتم إلى اتفاق مع اسرائيل، هل ستقيمون علاقات دوبلوماسيّة وحسن جوار معها؟ وراح سيادة الرئيس يتأرجح في جوابه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، رافضا أن يستقرّ على رأي! قاطعته الصحفيّة بجرأة: لم أفهم ماقصدت! هل تستطيع أن تجيبني على هذا السؤال فقط بنعم أم لا؟ وراح سيادة الرئيس مرّة أخرى يتأرجح رافضا أن يستقر على جواب! أوقفته، بعد أن يئست وقبل أن يوغل في تأرجحه: دعنا ننتقل إلى سؤال آخر!!

لم تستطع تلك المسكينة أن تصنع من الزئبق شكلا! والمضحك المبكي كلّما ازداد الرجل في بلادنا زئبقيّة، كلّما ازداد وصف الناس له بالحنكة والذكاء! مات الرئيس ـ رحمه الله ـ قبل أن يتمكّن أكبر محلل سياسي في العالم من أن يفهم مواقفه، هل هو رجل حرب أم سلام أو مابينهما؟ يستحيل أن تفهم!! أكثر المواقف سخرية تلك التي تقف عندها في منتصف الطريق حائرا بين النعم واللا: هل تضحك أم تبكي؟!!

للحديث صلة!

وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

حان الوقت لنعيّد معًا

نسمات لاذعة يكتبها : زهير دعيم
ليس هناك ما يؤكّد بالضبط متى وُلد ربّ المجد يسوع المسيح ، فالتاريخ في الخامس والعشرين  من كانون الأوّل كان بالأساس عيدًا وثنيًا للشمس ، واتخذته الكنيسة لتعيّد فيه عيد ميلاد يسوع لأنّه الربّ شمس حياتنا  ثمّ بهدف الغاء ومحو  الأعياد الوثنية وتصبغها بالصبغة الروحيّة الحقّة  علمًا  أنّه يأتي  في أطول ليلة وأقصر نهار (فلكياً) والتي يبدأ بعدها الليل القصير و النهار في الزيادة، إذ بميلاد المسيح (نور العالم) يبدأ الليل في النقصان والنهار (النور) في الزيادة. هذا ما قاله القديس يوحنا المعمدان عن السيد المسيح “ينبغي أن ذلك (المسيح أو النور) يزيد وأني أنا أنقص” (إنجيل يوحنا 30:3).
وهناك من يذهب ويقول أن ميلاد يسوع كان في أشهر الربيع لا الشتاء حيث يبني استنتاجاته على الرواية الإنجيليّة التي تقول انه كان هناك رعاة متبدّون ، ولا يمكن أن يكون في بيت لحم وفي حقل الرعاة رعاة متبدّون في فصل البرد القارس  والمطر.
خلاصة القول إنّ الميلاد ذكرى ، وذكرى جميلة غالية تجسّد من خلالها الله واتخذ صورة إنسان وعاش بيننا مُخلّصًا وشفيعًَا.ويبقى الكتاب المُقدّس بعهديْه القديم والجديد- التوراة والإنجيل – يبقى النبع الفيّاض الذي ننهل منه ماء الحياة ، ولا خلاف عليه مُطلقًا بين كلّ الطوائف المسيحيّة.
إذًا لماذا لا نُعيّد ونحتفل معًا ؟
لماذا لا يلتئم شمل جسد الربّ كلّه في فرحة واحدة ويوم واحد ، كلّ في كنيسته ، فتفرح السماء وتنتشي النفوس المؤمنة؟
لقد سرّني جدًا وأثلج صدري ما صرّح به سيادة المطران الياس شقور راعي أبرشية حيفا وعكا وسائر الجليل للروم الملكيين الكاثوليك لقناة  ” نور سات” الفضائية بأنّ الطائفة الكاثوليكيّة في البلاد ستُعيّد عيد الفصح المجيد في هذه السنة مع الطوائف الشّرقيّة ، سواء عيّدت هذه الطوائف الميلاد مع الغربيين أم لا.
نعم لماذا لا نُعيّد الميلاد في الخامس والعشرين من كانون الأول والعالم كلّه أو برمته يفعل ذلك حتى اليونان وقبرص بل وفيتنام!
كلّي أمل أن يعمل البطريرك الاورثوذكسي في البلاد المقدّسة على تلبية نداء النفوس فيصدر مرسومًا يتلاقى فيه مع سيادة المطران شقور والأهمّ مع المؤمنين ومع الله.
إنّ هذا ما نتوق إليه ، فصلاتنا كانت وما زالت ” وبكنيسة واحدة مقدّسة رسولية” .
حان الوقت فعلا ان نتحدّ ؛ نتحدّ جميعًا وليس بلدة هنا وبلدة هناك فالوقت اليوم مقبول …والوقت وقت خلاص ..
أترانا قد اقتربنا من تحقيق الهدف ؟ إنّي متفائل هذه المرّة..
دعونا نصلّي وننتظر.

زهير دعيم (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

بشار الاسد يؤدي صلاة الأضحى مسبقاُ في استوديو مع كومبارص ايرانيين

بعد فضيحة عيد الفطر, بشار الاسد يؤدي صلاة الأضحى مسبقاُ في استوديو مع كومبارص ايرانيين

بشار الاسد يؤدي صلاة الأضحى مسبقاُ في استوديو مع كومبارص ايرانيين

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

عذرية الفتاة بالدولار

برازيلية حصلت على 780 ألف دولار مقابل عذريتها

Posted in فكر حر | Leave a comment