سياسة ملتبسة من الإدارة الأميركية الجديدة نحو دمشق وطهران

راغدة درغام

كل المؤشرات تدل على أن استراتيجية إدارة أوباما الثانية ستعتمد سياسة خارجية ذات شقين، باطني وظاهري، يسيران معاً وبموازاة لإرضاء واحتواء تناقضات جذرية لدى الرأي العام الأميركي. فالشعب الأميركي، بمعظمه، لا يريد التورط في حروب الآخرين وليس مستعداً لدفع فاتورة التدخل العسكري بالمال أو بالقوات الأميركية. إلا أن الشعب الأميركي يريد في الوقت ذاته ألاّ يأتي الإرهاب أو التطرف الإسلامي إلى عقر داره، ويريد أيضاً أن تبقى الولايات المتحدة مستفردة بمكانة الدولة العظمى من دون غيرها.

 هذه التناقضات ستترجمها الإدارة الثانية للرئيس باراك أوباما باستراتيجية الصلابة والبطش والفوقية العسكرية والتدخل الباطني في عمليات سرية تقودها وكالة الاستخبارات المركزية ودوائر خاصة في البيت الأبيض سوية مع وزارات تعنى بالأمن الوطني وكذلك وزارة المالية. وبموازاة ذلك، تعتمد الوزارات التي تصنع السياسة الخارجية تقليدياً، أي وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، سياسة ظاهرية ترفض التدخل العسكري المباشر الواسع النطاق وتنخرط في ديبلوماسية إيجاد المخرج.

 من ناحية، تبدو هذه الاستراتيجية منطقية لأنها تلبي ما يريده الأميركيون ولأنها تجمع بين الصلابة والليونة. لكن خطورة هذه الإستراتيجية ومطباتها لا يمكن تجاهلها، بالذات عند تطبيقها في منطقة الشرق الأوسط. فهي، كمثال، تشجّع أهل السلطة في دول المنطقة على تبني سياسات قوامها العلاقات الاستخبارية والشراكة العسكرية السرية مع الولايات المتحدة، بدلاً من اعتماد الشفافية في هذه المرحلة الانتقالية التي تطالب الشعوب فيها ألا تُحتَكْر السلطة. هذه الشراكة بين الإدارة الأميركية والحكومات المعنية ستعيد علاقة الشعوب في الشرق الأوسط مع الولايات المتحدة إلى خانة الشكوك والثقة الضائعة، وستؤدي أيضاً إلى حشد العداء ضد الولايات المتحدة، ليس فقط في صفوف التطرف وإنما أيضاً بين صفوف الاعتدال. إضافة إلى ذلك، إن أسلوب الإرضاء والمخارج الذي سيميز السياسة الخارجية الظاهرة لن يؤدي إلى حلول حقيقية وإنما سيضلل الأنظمة التي تقمع الشعوب ويؤجج نزعتها العسكرية اعتقاداً منها أن الولايات المتحدة قررت أن تكون العلاقة الأمنية السرية معها الأساس، وهذا مفتاح لها للبقاء في السلطة بكل عنجهية. إدارة أوباما الثانية يجب ألا تسقط في فخ ليبراليتها العلنية ومحافظتها السرية. إنها مُطالبة بعدم التطرف في شقي استراتيجيتها، الباطن منه والظاهر.

 الثلاثي الأساسي الذي نعرف أن الرئيس أوباما يريده في المفاصل الرئيسة التقليدية للسياسة الخارجية هو: جون كيري للخارجية، تشاك هايغل للدفاع وجون برينن للاستخبارات. الأول والثاني سيكونان ركني الليونة والحوار وسياسة المخرج، أقلّه انطلاقاً من خلفية كل منهما وليس بالضرورة باستمرارية مماثلة في المناصب الجديدة. ثالثهما يفترض أن يبقى في «معدنه» – رجلاً عازماً على مكافحة الإرهاب كيفما كان وأين ما كان مهما احتج دعاة القانون وحقوق الإنسان.

 عنوان السياسة الجديدة، كما يوحي اختيار الرئيس أوباما هذا الفريق، هو أن الجيوش الأميركية لن تدخل حروباً مكلفة ولن تخوض حروباً مباشرة. عوضاً عن ذلك سيتم تعزيز ما يسمى بـ «عمليات خاصة» سرية ليست جديدة أبداً على المؤسسة العسكرية والمدنية الأميركية، لا في عملياتها المباشرة ولا عبر الآخرين، لكنها ستحتل موقعاً مركزياً أقوى وأوسع في عهد إدارة أوباما الثانية.

 أي أن الاغتيالات السرية والقتل السري – مباشرة أو عبر

Remote control

 ستكون أمراً طبيعياً، علماً أن ذلك كان شبه ممنوع سابقاً قبل إرهاب 11/9. يعني أن استخدام الطائرات بلا طيار الذي وضعه برنامج درون

drone

 سيتخذ موقعاً أساسياً في السياسة الخارجية. هذه الوسائل ستُستخدم في الحرب الجديدة نوعياً في عهد أوباما ضد «القاعدة» وأمثالها، بل إن شق الصلابة في سياسة أوباما سيكون مركزاً على مكافحة «العنف» أو «الإرهاب» حيثما كان. وهنا يبرز الشبه بين سياسة الرئيس أوباما وسياسة الرئيس السابق جورج دبليو بوش. ولربما هذه هي السياسة الخارجية الأميركية ذات العناوين العريضة بصرف النظر عمن يسكن في البيت الأبيض.

 الذين ينصحون الرئيس السوري بشار الأسد ويقومون على حملته الدعائية قرأوا هذه السياسة بأنها خشبة الخلاص لنظام دمشق الذي دخل طرفاً في حرب أهلية وخسر صدقية قيادة البلاد. يقال له الآن إن شبكة الإنقاذ أميركية بامتياز لأن إدارة أوباما تريد شركاء قادرين على خوض هذه المعركة النوعية السرية ضد أقطاب العنف والإرهاب – «قاعدة» كان أو أخواتها. يقال له إن إمكاناته المتفوقة في أساليب البطش واستخباراته الواسعة في موضوع الجهاديين الذين مرّوا عبره من دمشق إلى العراق لإلحاق الهزيمة بالقوات الأميركية يشكلان ذخيرة قيّمة بل كنزاً يمكن له استخدامه مع الأميركيين. لذلك، قال الأسد في خطابه الأسبوع الماضي إنه يريد التعاطي مع الأسياد. لذلك، افترض أن أولوية الرئيس باراك أوباما هي حرب يمكنه خوضها بجانبه.

 ترشيح كيري وهايغل وبرينن اعتبره الرئيس السوري رصاصة رحمة له. فبرينن له تاريخ في مكافحة الإرهاب مهما تتطلب ما أدى إلى اتهامه باستخدام التعذيب وسيلة للاستنطاق – الأمر الذي نفاه برينن، ودوره في استخدام الطائرات بلا طيار في برنامج تم اختباره في اليمن بصورة خاصة ما أدى بالأسد لربما إلى اعتبار نفسه الشريك الطبيعي الذي لن يكون سهلاًَ الاستغناء عنه إذا كانت سياسة أوباما حقاً سحق عناصر الإرهاب في سورية كما سبق وسحقها سلفه في العراق.

 أما كيري، فهو صديق قديم للأسد اقتنع بأنه رجل إصلاح وزوجته أسماء عنوان الحداثة، وهو النقيض لأسلوب وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، نحو سورية وعائلة الأسد. لذلك، تنفس الرئيس السوري الصعداء وافترض أن كيري في وزارة الخارجية رحمةً له وإنقاذ من سياسة مطالبته بالتنحي عن السلطة. قد يُصاب بخيبة أمل في نهاية المطاف، لكن عدم الإيضاح سيعزز أوهامه وسيجعل منه رجلاً واثقاً بأنه فوق المحاسبة، وشريك الحرب على الإرهاب، ورجل أميركا التي تريد له البقاء.

 هايغل لا يعني الأسد سوى من منطلق إيران إذ إن المرشح لمنصب وزير الدفاع يُعرَف عنه أنه ليس فقط معارضاً لعمل عسكري ضد إيران وإنما أيضاً أنه معارض لفرض الولايات المتحدة العقوبات الثنائية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية – وهذا يتناقض مع سياسة باراك أوباما الجذرية نحو إيران والقائمة على الاحتواء عبر العقوبات والعزلة.

 طهران ودمشق تتجاهلان عمداً شروط هايغل للتحاور والتفاهم مع إيران لأن العنوان الرئيس لمواقفه يناسبهما. فالانخراط المباشر الذي دعا إليه هايغل في كتابه «أميركا، فصلنا المقبل» له شروط أساسية إذ قال إن رفع العقوبات والاعتراف الديبلوماسي سيكونان واردين «إذا تخلت إيران عن برنامج التسلح النووي» – وهذا لن يحدث – وإذا «أنهت دعمها لجماعات إرهابية» وإذا «اعترفت بإسرائيل» وإذا «انخرطت في سياسة بناءة أكثر في العراق».

 عبء الإيضاح يقع على عاتق الرئيس باراك أوباما وطاقمه الجديد مهما كان في ذهنه من توزيع أدوار بين أركان الليونة وأركان الحزم في سياساته الخارجية.

 فإذا كانت رسالة أوباما إلى دمشق وطهران أنه وفريقه الجديد لن يحاسبهما لأنهما شريك لا يمكن الاستفتاء عنه في الحرب على الجهاديين داخل سورية وخارجها، ستكون هذه سياسة خارجية أميركية إما تضليلية فتسبب المزيد من القتل تحت أوهام الشراكة، أو جدية، فتشكل أساساً رهيباً للعلاقة الأميركية مع شعوب المنطقة.

 والأمر لا ينطبق على سورية حصراً. فالرسالة إلى طهران لها دوّي صاعق في العراق الذي يمر في مرحلة مصيرية تهدده بالتقسيم وبحرب أهلية دموية الأفضل ألا تكون الولايات المتحدة طرفاً في صنعها بعدما صنعت ما صنعته في العراق.

 نووياً، ما يجدر بإدارة أوباما الثانية أن تقر به – مهما كان ذلك لا يناسبها – هو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتخلى عن برامجها النووية مهما كان. كل السياسات نحو طهران، الانخراط أو الترتيب أو المخرج، يجب أن ترتكز على هذا الواقع.

 حتى الانطباع بأن إدارة أوباما الثانية ليست في عجلة للسماح بتسليح المعارضة السورية أو للمواجهة الديبلوماسية مع روسيا بسبب الشأن السوري، هو انطباع بكلفة باهظة إذ إنه سيشجع على عمليات عسكرية تفتك بالمدنيين وتضاعف أعداد المشردين والجائعين في سورية.

 التباطؤ ليس في المصلحة الأميركية لأنه أيضاً سيؤدي إلى تضاعف قوى الجهاديين داخل سورية وخارجها. ففترة الالتهاء بالتنصيب وبإعادة صوغ الفريق الجديد السياسةَ الخارجية الأميركية ستكون فترة دموية في سورية والعراق وستهدد الجوار في الأردن ولبنان. حذار أن تكون الرسالة الأميركية تصريحاً وإذناً وتأشيرة للقمع والبطش والحسم العسكري تحت عنوان الشراكة في مواجهة الجهاديين وأمثالهم. فهذا سيرتد على أميركا.

 أميركا الجريئة والعادلة والحازمة التي يريد الرئيس أوباما أن تكون يجب أن تتخذ قناعات أركان الإدارة الثانية ذات العلاقة بفلسطين وإسرائيل أساساً لتحركها في الشرق الأوسط. هايغل وكيري تحدثا عن حل الدولتين بصفته مصلحة قومية أميركية – وكذلك أوباما. إذا كانا حقاً قادرين على الانخراط والإقناع والتوصل إلى حلول سلمية تاريخية، هنا يمكنهما أن يبدآ وليس في ساحة قد تجعل من الولايات المتحدة شريكة للطغاة وآلة القتل المستمرة.

 *نقلاً عن “الحياة” اللندنية.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

ماذا يفعل العرب لدعم التغيير في سوريا؟

رضوان السيد:  الشرق الاوسط اللندنية 

قال بشار الأسد إن الربيع العربي فقاعة قريبة الزوال. وليس من همي هنا مجادلة الأسد في تشبيهه، فسيرته مثل سيرة الحيات لا تنتهي، مثلما يقول المثل العربي. لكنْ على هذه «الفقاعة» جاء وزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة للتفاوض! فرأي إيران الإسلامية وموقفها أن خطاب الأسد فرصة لا تفوت! وهو رأي أو سياسة لا يشاركها أحد فيها حتى روسيا والصين. بيد أن مصر مدت هذا الحبل لإيران منذ أشهر من خلال اقتراحها للرباعية المكونة من مصر وإيران وتركيا والسعودية، لتنتج مبادرة لحل الأزمة السورية. وجاء السعوديون مرة ثم اعتذروا فصارت اللجنة ثلاثية. ومنذ ذلك الحين جاء صالحي إلى مصر أربع مرات، وتحدث في الكثير والقليل إلا في الأزمة السورية.

 والأدهى من ذلك أمر خطير عرفناه مؤخرا. فقد نشرت جريدة «القبس» الكويتية في 3/1/2013، وتبعتْها «التايمز» البريطانية في 8/1/2013 أن الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، زار القاهرة في شهر ديسمبر (كانون الأول) بدعوة من «الإخوان»، وليس من الدولة المصرية. وتختلف الصحيفتان في أهداف الزيارة، فتقول إحداهما إنه جاء ليطْلع أمْنيي «الإخوان» على تجربة الحرس الثوري ودوره في حماية الثورة بإيران، لأن «الإخوان» يفكرون بإنشاء جهاز مشابه. وتقول الصحيفة الأخرى: بل إن الزيارة كانت لشرح سياسات إيران تجاه بلدان «الثورات الإسلامية» باعتبار إيران ولاية الفقيه، ينبغي أن تكون نموذجا لها!

 وأيا تكن أهداف زيارة سليماني – إن صحت – فهي داهية الدواهي. فالرجل مسؤول منذ قرابة عقدين عن التنظيمات الإيرانية العسكرية وشبه العسكرية في العالم العربي، وفيلقه يقاتل الآن في سوريا والعراق واليمن ضد الثورات وحقوق الشعوب. وكان قد اشتبك في جدال في الإعلام مع الرئيس أحمدي نجاد قبل قرابة العام، وتهدد بالمحاسبة أمام مجلس الشورى، فكان من ضمن ما دافع به عن نفسه قوله إنه تابع للمرشد الأعلى، وإنه من خلال تعاونه مع التنظيمات الإسلامية في العالم العربي صنع «عشر إيرانات» هي التي ستدافع عنه عند اللزوم! وعلى هذا القياس فإن الجنرال سليماني قد يلجأ لعند «الإخوان» بمصر إذا اضطر، وليس لعند حزب الله بلبنان أو لعند المالكي بالعراق، كما ظننا سابقا، ونعوذ بالله من سوء الظن!

 إن هذا الاستطراد الطويل بعض الشيء في الحديث عن بعض سيرة سليماني، سببه الحركة المحمومة، والجهود المحمومة، التي تقوم بها إيران في سائر أنحاء المشرق والخليج في السنتين الماضيتين. فقد استقر المحور الإيراني وساد في أنحاء المشرق بعد عام 2007 – 2008 على أثر التفاوض مع الإدارة العسكرية الأميركية التي بدأت التفكير بالانسحاب من العراق، في مقابل عدم التعرض الإيراني للقوات المنسحبة، وعدم التعرض لإسرائيل. وهكذا حكم الإيرانيون بسلاسة وبمفردهم بعد الشراكة مع أميركا منذ عام 2003. حكم المالكي في العراق، وتمتع بشار في سوريا التي عاد إليها السفير الأميركي ودغدغته كل من تركيا وإيران. وهجم حسن نصر الله فاستولى على السلطة في لبنان وما يزال، مستخدما القوة من جهة، والتفسيرات التأويلية للخصوصية اللبنانية التي لم تجد غير إيران والأسد لصونها!

 ما تغيرت السياسات الإيرانية تجاه المشرق العربي والخليج منذ مطالع القرن الواحد والعشرين على الأقل. وهي تقوم على الاستقواء والاختراق، تارة من أجل المساومة مع أميركا، وطورا من أجل الضغط على السعودية ودول الخليج الأخرى. وفي كلتا الحالتين، استخدمت إلى جانب التنظيمات الشيعية والخلايا المسلحة وغير المسلحة، حركات المعارضة الإسلامية ضد الأنظمة القائمة. ومن ضمن ذلك تنظيم الجهاد الإسلامي وحركة حماس في فلسطين. وقد أدارت كل تلك التحركات ثلاث جهات: فيلق القدس، واستخبارات النظام السوري، وأجهزة حزب الله. وفي المدة الأخيرة، وبعد الربيع العربي سيطرت على قسم من «الجهاديين» المرتبطين بـ«القاعدة» أو غير المرتبطين. وهي تعتبر أنها ذات فضل على «الإخوان» بمصر لأنها هدأت أجواء غزة بعد أن أثارت هي الجهاديين هناك، والآتين من السودان عبر البحر الأحمر وسيناء، لكي تظهر مصر بمظهر المنتصر والضامن «لاستقلال» غزة، ولأمن إسرائيل في الوقت نفسه.

 وما كان المالكي يميل لدعم نظام الأسد، لكن سليماني أرغمه على ذلك: بالسماح بإرسال متطوعين، وبالدعم المالي والبترولي، وبالسماح بنقل السلاح والعتاد للأسد في أجواء العراق وأرضه. والإيرانيون هم الذين طلبوا من نصر الله دعم الأسد عسكريا في بعض مناطق الحدود اللبنانية – السورية، وفي دمشق وعلى الحدود من جهتها، وهذا فضلا عن القطعات الإيرانية والخبرات الإيرانية مع قوات الأسد.

 وعندما اشتدت الضغوط على المالكي من جهة الأكراد، ثم من جهة السنة، نصحته إيران بالتشدد بحيث تراجعت التهديدات بسحب الثقة منه في مجلس النواب، وهي ترى أنه إن صمد في وجه السنة فسوف يسكنون دونما تحقيق لمطالبهم، مهما ضؤلت. وإن لم يفعل فسيصيبه ما أصاب بشار الأسد. أما موقف مقتدى الصدر فستتمكن إيران من معالجته، كما عالجت مواقفه سابقا. وليس بعيدا أن تزيد التفجيرات ضد الشيعة في العراق، ليعودوا للالتفاف حول المالكي كما حصل قبل الانتخابات الأخيرة.

 إن هناك تكتيكين جديدين/ قديمين لدى إيران تجاه العرب في المرحلة الجديدة. الأول الإصرار على الصمود في المناطق المخترقة مهما كلف ذلك من دماء وخراب. والثاني: الدفع باتجاه ظهور العنف والتوجهات المتطرفة ضمن الثورات والمتمردين في المناطق ذات الكثافة السنية، لتصوير الأكثرية السنية باعتبارها متطرفة في نظر أقليات المنطقة، وفي نظر المجتمع الدولي. وقد نجحت بشكل محدود في التكتيك الثاني كما يظهر من تردد الولايات المتحدة، وأوروبا، تجاه الثورة السورية. أما التكتيك الأول فقد انكشف تماما، لكن إيران لا تأبه وتعتبر أنه إن لم يخضع الثائرون على المالكي والأسد فلا بد من إبادتهم أو تستجيب الدول الداعمة للتفاوض معها وطبعا على انتصار المالكي وبقاء الأسد مهما تكن التكلفة والعواقب.

 إن الأمل ألا يستجيب المصريون للخنزوانات الإيرانية. فالرئيس مرسي دعا أخيرا إلى محاكمة بشار الأسد بدلا من تنحيته وحسْب. ويكون علينا نحن العرب جميعا أن نعرف أن طول الأمد على الأزمة السورية هو أمل النظام وأمل إيران، لأن العنف سيبلغ إلى أقصى المدى، وسينتشر بين الثوار أيضا. وبخاصة أنه بعد العجز عن التوحد، والافتقار إلى السلاح بدأ التصنيف إلى إسلاميين وغير إسلاميين، وإلى معتدلين وإرهابيين. وقد تفاوض العرب والأتراك مع كل أحد من دون نتيجة. فلا بد من دعم الثورة والثوار، وتسريع عمليات إسقاط الأسد من طريق الحكومة المؤقتة، ومن طريق التسليح الجيد، وإذا غضبت الولايات المتحدة، فسترضى فيما بعد. وإلا فليقل لنا الأميركيون وغيرهم ما هو السبيل لإنهاء سفك الدم في سوريا؟!

 وإذا كانت إيران تضغط لصون محورها من خلال استعمال السلاح والجيوش غير آبهة بحدود الدول وسيادتها واستقرارها، وحقوق الجوار، فلماذا لا يجري الضغط بالسياسة على حلفاء إيران وأتباعها رغم إرادة الناس في العراق ولبنان؟ والضغط كما هو معروف يكون بالاتجاهين: الضغط على المالكي للتراجع عن مظالمه عن طريق التسريع في إسقاط الأسد، والضغط على الأسد من طريق الضغط على أصدقائه في لبنان والعراق: فلماذا يبقى مقتدى الصدر من دون مستجيب من العالم العربي والخليج لكي يستطيع الصمود في موقفه غير الطائفي، وغير المتطرف؟ ولماذا تبقى الحكومة القائمة في لبنان وهي تشكل سندا للأسد، وخطرا على استقرار لبنان وأمنه؟!

 يعاني المحور الإيراني من استنزاف شديد. لكنه يأمل من طريق القتال والصمود أن يفوز كما فاز من قبل. فلماذا لا نجد الوسائل ليس للاعتداء على إيران، بل من طريق دعم الذين يقاومون السيطرة والتشرذم الإيرانيين! والأمل كل الأمل الآن أن لا ينجح صالحي في إقناع المصريين أنه لا بأس بالإبقاء على «فقاعة» الأسد:

 ومن لا يذدْ عن حوضه بسلاحه

 يهدمْ ومن لا يظلم الناس يظلم

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الجماعات الاسلامية في ظل نظام الاسد

احمد عسيلي 

كتبت في مقالة سابقة عن الواقع المذري للتيار الليبرالي في سوريا….او حالة اللاوجود لهذا التيار في ظل نظام قمعي قضى على كل الحياة السياسية في البلاد…..لكن السؤال….كيف كان واقع التنظيمات الدينية……او لنكن اكثر تحديدا واقع الجماعات الدينية في ظل نظام الاسد؟

ربما اول سمات الجماعات الدينية في ظل نظام الاسد هي ارتباطها بشخص واحد و دخولها تحت مظلته و حمل هذه الجماعات لاسم هذا الشخص بحيث تفنى هذه الجماعة بوفاة المؤسس و المهيمن او يتولى احد ابناء او اقارب هذا المؤسس تلك الجماعة بحيث تحافظ على اسمها و الذي يصبح مشتقا من اسم الخليفة سعيد الحظ

فمن المتعارف عليه مثلا بين الجماعات الدينية لفظ (كفتاري) او ينتمي الى جماعة كفتارو…و هو الشيخ احمد كفتارو المفتي السابق للجمهورية و الشخصية المقربة من الرئيس الاب…..و قد انتقلت الزعامة لهذه الجماعة الى ابنه الدكتور صلاح بشكل سلس جدا بعد وفاة الاب المؤسس بمثل درجة انتقال السلطة الى بشار بعد وفاة والده…….و بقيت كل شخصيات الدرجة الثانية في هذه الجماعة كما هي ايام الوالد مثلما حدث ايضا مع بشار الاسد….و قد حاول الابن صلاح احداث بعض التغييرات و الاصلاحات في هيكلية التنظيم كان اكثرها وضوحا بعض السرقات و بعض الاختلاسات من الاموال المقدمة لخدمة الدعوة و التي اودت بالشيخ صلاح الى سجن عدرا ليتابع نشاطه الدعوي هناك في عنابر السارقين و المختلسين…..طبعا لا اعلم ان كانت هذه الاتهامات صحيحة ام لا و لا استطيع ان اتيقن من هذا لان نزاهة القضاء السوري يعلم واقعها القاصي قبل الداني.

و لهذه الجماعة مقر لتدريس الشريعة الاسلامية باسم جامع ابو النور….و هو بناء مؤلف من سبعة طوابق و به سكن داخلي للطلاب….

و هناك ايضا جماعة البوطي…..وهي الجماعة المرتبطة باسم الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي و قد ورث هذه الجماعة من والده المللا رمضان البوطي….و يحاول الان نقل هذه الجماعة الى ابنه الشيخ محمد توفيق البوطي…..الاستاذ في كلية الشريعة جامعة دمشق….و صاحب مؤلف مهم جدا عن حكم التصوير في الاسلام…..و فيه دراسات و بحوث كثيرة حول هل التصوير و الصورة الفوتوغرافية و الرسم حلال ام حرام في الاسلام……و ارجوا من اي شخص يقرا هذا الكتاب ان يخبرني النتيجة التي يمكن ان يستخلصها من هذه الدراسة المميزة……لأني لم اعرف بالنهاية ان كانت الصورة حرام ام حلال؟

هناك ايضا جماعة عبد الرزاق الحلبي….و التي اصبحت تسمى الان جماعة عبد الفتاح البزم و هو للمصادفة و ربما بحالة استثنائية ليس ابن لعبد الرزاق الحلبي ولكنه استلم عنه ادارة شؤون معهد الفتح الاسلامي…..و قد تحرج من هذا المعهد الالاف من الطلبة الذين درسوا الشريعة السلامية على يد (نخبة) من الاساتذة و على رأسهم الشيخ عبد الفتاح البزم

هذه الجماعات الثلاث….و قد اقتصرت عليهم لانتشارهم الكبير بين الشباب السوري المتدين اولا و لان مقراتهم دمشق العاصمة ثانيا

هذه الجماعات كانت تتبارى فيما بينها من الشكوى و العويل من ظلم النظام لها……و انها تدفع ثمنا باهظا لمعاندة رجالاتها و معارضتهم للنظام المستبد

و كل منها تتهم الاخرى بأنها عميلة للنظام و انها جزء من اجهزة مخابراته…….و تستدل على ذلك من اللقاءات الكثيرة التي حدثت بين مسؤولي (تلك) الجماعة و بين اعضاء من النظام الاسدي……اما لقاءات شيوخهم هم فهي للضرورة السياسية و تحت ضغط مصلحة الاسلام العليا و من اجل خدمة المسلمين

و ان استطاعت جماعة البزم ايقاف بث بعض حلقات من مسلسل تلفزيوني يسخر من شيخها عبد الرزاق الحلبي……. فهذه القدرة على ايقاف بث مسلسل تلفزيوني بركة ربانية و خوف من السلطات من هؤلاء المشايخ وليس نتيجة علاقات بين هؤلاء المشايخ و بعض الاجهزة الامنية

و اذا كان الشيخ البوطي يظهر على التلفزيون الرسمي كل يوم اربعاء و لديه نفوذ قوي في كلية الشريعة………فهو اسلوب من النظام لكسبه لأنه يعلم مدى تأثيره على الرأي العام و هو سلوب دبلوماسي من الشيخ ليس اكثر

اما الجماعة الاخرى فهي عميلة للنظام و مشايخها دمى بيديه و هو الذي خلقها و جعل منهم علماء و اساتذة

ثم جاءت الثورة السورية…….و شارك العديد من هؤلاء الشباب الاسلامي المتحمس بالثورة كجزء من الحراك الوطني…..معتقدين ان رموزهم و مشايخهم لن يسكتوا عن الحق و لن يقبلوا بالقتل او الجريمة……وانهم سيأخذون الموقف الذي تمليه عليهم ضمائرهم و وطنيتهم

فما الذي حصل؟؟؟؟؟

هنا انكشفت الرؤية تماما……..و لم يبالي ابدا هؤلاء المشايخ لا بمجتمعاتهم و لا بطلبتهم و لا بمريديهم

بل بدأوا البكاء امام شاشات التلفزة على اسلامية النظام السوري و على المؤامرة الالحادية التي يقوم بها اعداء الاسلام على الرئيس المؤمن كما فعل البوطي في خطبه في المسجد الاموي

و بدأت شلالات دموع البزم بالتدفق دعما للرئيس الوديع مثل الحمل……..

و لم تظهر اي مواقف لصلاح كفتارو و لا لأخيه الاخر…….ربما لان ملفاتهم مكشوفة جدا للنظام و هم بالكاد يلاحقون قضايا السرقة التي تورطوا بها

هذا هو الواقع الديني في سوريا لدى اهم ثلاث رموز لاهم ثلاث تيارات في دمشق

طبعا هنا لن نتكلم عن تيارات اخرى مثل القبيسيات و الشيخ الجزائري و الشيخ محمود عكام في حلب و غيرهم الكثير الذين انفصلوا عن قواعدهم الشعبية ليبينوا وجوههم الحقيقية

و السؤال…………..لماذا ينخدع الشباب بهؤلاء المشايخ؟

الجواب و بمنتهى البساطة انهم يعملون ببيئة و في ظل نظام يدعم التطرف الديني الذي يستطيع السيطرة عليه……و بالتالي فلهؤلاء المشايخ قدرات مادية و اعلامية كبيرة و جيش عرمرم من المرتزقة……..الذين يبحثون عن الشباب البسيط ليدخلوه في جماعتهم عبر سلسلة من دروس الدين في البيوت و السرية اسميا لكنها تحت سيطرة اجهزة المخابرات فعليا و يتلقون في تلك الدروس كل اشكال كره الاخر حتى الاسلامي التابع لرجل دين اخر…..و بالتالي تلعب الصدفة البحتة فقط دور العامل في تحديد تبعية اي شاب لهذا الرجل او ذاك……

و مثلما كتبت……..كل منهم يدعي انه سري و جزء من المعارضة

و لكن ميزة الثورة السورية و كما كتب احد الناشطين……..انها الثورة الوحيدة التي اسقطت المعارضة قبل اسقاط النظام

فهي الثورة الوحيدة التي حطمت كل اقنعة المعارضين السوريين……و كشفت زيفهم و عرفنا دورهم حقا حتى قبل اسقاط النظام

فما الذي سيكشفه اسقاط النظام يا ترى حين نعلم المزيد من الاسرار حول هؤلاء الرجال

ربما سنكتشف حقائق لن تخطر لنا ابدا على بال حاليا

المصدر الحوار المتدن

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

رسالة الى بطريرك العرب الأرثوذكس

 ادوار حشوة : كلنا شركاء 

صاحب الغبطة بطريرك انطاكية للعرب الارثوذكس

 كنت وماازال أرفض أي توصيف للمسيحيين الارثوذكس على أنهم طائفة واصر على أنهم كنيسة فقط ترأسونها  مع السادة الاساقفة لآن المسيحيين مواطنون من أهل البلد لا مستعمر جاء بهم اليها ولامستعمر تركهم وبالتالي ليسوا طائفة منعزلة وخائفة يتولى قيادتها سياسيا رجال الدين.

 لذلك كنا ندعو الى اقتصار دور رجال الدين على الكنائس فقط ويجب أن يكونوا احرارا فيها ومحترمين فرجال السياسة مكانهم الاحزاب ورجال الدين مكانهم المعابد وهذا الاختصاص يجنب البلد مساوئ التقسيم الطائفي الذي برع الطغاة في استغلاله لصالح الاستبداد بالتعاون مع عدد محدود من رجال الدين على أنهم الشعب.

 لقد قام بعض رجال الدين الارثوذكس باختراق خطير لدورهم الوطني التعايشي حين وقفوا ضد الحراك الشعبي من أجل الحرية والكرامة وحرضوا البعض مدفوعين من السلطة فخلقوا انطباعا سيئا وغير حقيقي وغير عادل مفاده ان المسيحين كلهم مع النظام وضد الشعب .

 إن خير ما تفعلونه لتصحيح هذا الانطباع هو ان تطردوا هؤلاء فورا وأن تعلنوا في منشور رعائي أن تصرفات هؤلاء لاتعكس الحقيقة وأن المسيحين مواطنون تتعدد آراؤهم كما هو الحال مع الاخرين ولكن لاأحد من رجال الدين مخول بالحديث عنهم وأن تعتذر عن تصرفاتهم التي خرجت عن حدود دورهم في الخدمة الكنسية فقط.

 الأمر الثاني الهام أن تعيد دور العلمانين وحقهم في اقتراح الاساقفة والذي كان ساريا قبل تدخل السلطة لحرمان الشعب من دوره في الاختيار وهو الأمر الذي اوجد القطيعة بين الشعب والاساقفة وسمح للسلطة أن تتدخل في الاختيار وحدث هذا مرارا .

 الامر الثالث هو ان تصححوا خطأ عثمانيا بتسمية ا لار ثوذكس بالروم في نظام الملل والطوائف العثماني لانه لايوجد في العالم مذهب أسمه الروم الارثوذكس في غير بلاد الشام بسبب القانون العثماني وبالتالي وما دام ان جميع الارثوذكس من العرب فالتسمية هي الكنيسة العربية الارثوذكسية مثل الكنائس في اليونان والروسيا وبالتالي يتم تغيير الاسم الحالي المزور الى الاسم الحقيقي والواقعي( الكنيسة العربية الارثوذكسية) والى( بطريرك العرب الارثوذكس ) مع العلم أن المطران جورج خضر في جريدة النهار قال إن كلمة روم الصقت بمسيحيي الشرق لأنهم اتبعوا منذعام 451 رأي ملك الروم في الخلاف حول طبيعة المسيح وليس لأنهم من شعب الروم وأن أنصار الطبيعة الواحدة كانوا يستعملون عبارة الروم تحقيرا لهم لذلك آن الاوان لكي نقف بشجاعة ضد الآرث العثماني البغيض وان نلغي هذه العبارة بقرار من المجمع.

 اتمنى لكم التوفيق ونعول على ثقافتكم الكبيرة في دعم الوحدة الوطنية والاستمرار في الخط الوطني الذي تربينا عليه واحترمته كل شرائح الشعب

 المحامي ادوار حشوة. 5-1-2013

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | 2 Comments

«1984» وسبع سنوات هنا وسبع هناك

سمير عطا الله  : الشرق الاوسط 

 لعل جورج أورويل كان أبرز كتّاب الأدب السياسي في اللغة الإنجليزية في القرن العشرين. وكان كتابه «مزرعة الحيوان» أشبه بـ«كليلة ودمنة». أما «1984» فظلت أهم الروايات الرمزية حول الحكم الديكتاتوري والحزب الواحد. كان أورويل على حق في الوصف الإبداعي لسطوة «الشقيق الأكبر»، لكنه رأى أن النظام الديكتاتوري متحكم في حياة الناس وأنفاسها، بحيث لن يمكن الخلاص منه في أي وقت، فالديكتاتورية سوف تشوه مواطنيها وتخدرهم وتعودهم على تقبل الاستبداد.

 في ذلك كان أورويل على خطأ. وربما في توقعات كثيرة أخرى. ومن المفيد – ودائما من الممتع – إعادة قراءة «1948» اليوم. وضع أورويل روايته عام 1949 فيما كان العالم خارجا من النازية ويزداد تجذرا في الستالينية. وبعد سبع سنوات من «1984» كان الاتحاد السوفياتي ينهار، ونيكولاي تشاوشيسكو يعدم مع زوجته ويرمى فوق كومة من القش، والصين تغير حكامها في الموعد المحدد على الطريقة الغربية.

 سقط «الشقيق الأكبر» تقريبا في كل مكان. لم يعد يدخل مخادع الناس في ألمانيا الشرقية. لم يعد يطارد المعارضين إلى الخارج في ليبيا. لم يعد يخطفهم في القاهرة. انهار في تونس وفي العراق، وتفجر في سوريا.

 استخدم المنشق السوفياتي أندريه أمالريك عنوان أورويل (1984) لكي يتوقع انهيار الاتحاد السوفياتي في ذلك العام. تأخر هو أيضا سبع سنوات، لكن توقعه هو الذي صح وتحقق، إلا من عنصر واحد، فقد تكهن بأن أسباب الانهيار سوف تكون تزايد النقمة وضبط الحريات وضعف الاقتصاد بالإضافة إلى كلفة النزاع العسكري مع الصين. حدث كل شيء إلا النزاع مع الصين. جميع العوامل الأخرى كانت صحيحة.

 «هل يبقى الاتحاد السوفياتي إلى عام 1984»؟ كان جواب أمالريك أنه لن يبقى، لكنه أخطأ بسبع سنوات. وقال أورويل إنه باق، وأخطأ بسبع سنين، وهما رقما السنوات العجاف والسنوات السمان في قصة يوسف الصديق، نموذج الحسد البشري الذي يضرب حتى الإخوة، كما ضرب قابيل في أوائل الخلق.

 لكن أورويل كان على حق وعلى روعة في أمور كثيرة. والأهم أنه كرس أدبه وفكره لمحاربة الطغيان. وبذلك كان دائما على حق: «سوف يضيق متسع الكلام.. وسوف يضيق متسع الضمير». وكان على حق في أن الديكتاتورية تسعى أولا إلى تعفين الفكر وتدجين النخب وتلويث المثقفين. حاول المثقفون العرب استلحاق أنفسهم بعد تهاوي الأنظمة، لكن الناس كانت قد سبقتهم إلى تحدي النظام. والحقيقة أنهم بدوا في الخلف متعثرين، وخارج القضايا. كان الرعب أقوى منهم. كانوا، ربما، مثل أورويل، يعتقدون أن الديكتاتورية خدرت الشعوب إلى الأبد.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Comments Off on «1984» وسبع سنوات هنا وسبع هناك

البنتاغون يكشف أوراق الاستخبارات الإيرانية في العالم!

هدى الحسيني  : الشرق الاوسط

هناك 30 ألف شخص يعملون في شبكة الاستخبارات الإيرانية ويشاركون في النشاطات السرية التي تتراوح ما بين التجسس وسرقة التكنولوجيا، وصولا إلى هجمات إرهابية بالقنابل واغتيالات وتفجيرات، وفقا لما جاء في تقرير لوزارة الدفاع الأميركية مؤلف من 68 صفحة، خلص إلى أن وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية واحدة من أكبر وكالات الاستخبارات وأكثرها حيوية في الشرق الأوسط. تدعم الوزارة الحرس الثوري الإيراني بكل فصائله، وهو ضالع في تفجيرات إرهابية امتدت من الأرجنتين حتى لبنان حسب ما شرح التقرير: «برنامج دعم الحروب غير المنتظمة» – الذي نشرته الشهر الماضي مكتبة الكونغرس (شعبة البحوث الاتحادية) –. في الوزارة الإيرانية، ما يسمى مكتب التضليل (حسب اللغة الفارسية: النفاق) مهمته شن حرب نفسية ضد أعداء الجمهورية الإسلامية.

الوزير (حاليا حيدر مصلحي) يجب أن يكون حاصلا على شهادة الاجتهاد (القدرة على تفسير المصادر الإسلامية) وأن لا يكون عضوا في أي حزب سياسي أو جماعة. أما العملاء، فقد أطلق عليهم آية الله الخميني «الجنود المجهولون لإمام الزمان». أولوية تركيزها على الأمور الداخلية ويمكن أن تشارك مباشرة في الأنشطة الاستخباراتية الخارجية إذا رأى مجلس الأمن القومي أو المرشد الأعلى (آية الله علي خامنئي حاليا) ضرورة لذلك، فالاستخبارات الإيرانية علاقتها مباشرة مع خامنئي الذي يعين من يكون على رأسها. حاول الرئيس محمود أحمدي نجاد إقالة حيدر مصلحي في شهر أبريل (نيسان) 2011، إثر خلاف بين مصلحي ومستشار الرئيس رحيم مشائي، إلا أن خامنئي أصدر أمرا بإعادة مصلحي إلى منصبه.

 على «الحرس الثوري» وجناحه الفاعل خارجيا «فيلق القدس»، تقديم التقارير عن أنشطتهم إلى وزارة الاستخبارات أعلى سلطة أمنية في إيران، في المقابل تقدم الوزارة الدعم اللوجيستي وتتولى معالجة جانب الاتصالات ما بين عناصر «فيلق القدس»، والحركات الخارجية التي تعمل معها مثل «حزب الله» في لبنان. للوزارة ميزانية سرية، هي فوق القانون إنما تخضع لخامنئي. تعتمد وزارة الاستخبارات الإيرانية كثيرا على «حزب الله» اللبناني الذي يحمي ويعزز أجندة الجمهورية الإسلامية.

 من مهامها في الداخل، مراقبة الأكراد وغيرهم من الأقليات العرقية مثل البلوش، والتركمان والعرب والآذريين لأنها أقليات تتطلع إلى الاستقلال عن الحكومة المركزية. وخارجيا، تركز على منظمة «مجاهدي خلق» التي تعتبرها إيران الأكثر خطرا على الجمهورية الإسلامية وتعمل على تصفية أعضائها. و«سلسلة الجرائم» التي وقعت في إيران في التسعينات من القرن الماضي، وراح ضحيتها كثير من المثقفين المنشقين الإيرانيين، حملت وزارة الاستخبارات مسؤوليتها لبعض عملائها الذين نفذوا عمليات الاغتيال من دون علم الوزارة!

 تجند الوزارة عملاء لها على الأخص من الدول الإسلامية وبالتحديد من العراق ولبنان وبعض الدول ذات الغالبية الشيعية. لديها مراكز للتجنيد في دول الخليج العربي، واليمن، والسودان، ولبنان، وفلسطين، وأوروبا، وشرق وجنوب آسيا، وشمال وجنوب القارة الأميركية وخاصة في منطقة المثلث الحدودي حيث يعيش عدد كبير من اللبنانيين الشيعة الذين يدينون بالولاء لـ«حزب الله».

 وفي تقييم لأجهزة الاستخبارات الإيرانية، فإن أكبر مرفق أوروبي لـ«فيلق القدس» هو في ألمانيا. ومؤخرا أقامت إيران مراكز عمليات رئيسية لهذا الغرض، في بلغاريا، كما حاول «فيلق القدس» إقامة «منشأة» لعملياته في مدينة ميلانو الإيطالية.

 أغلب الدبلوماسيين الإيرانيين عملوا مع وزارة الاستخبارات و«الحرس الثوري» ووكالات أمنية أخرى. فوزارة الاستخبارات تنسق مع وزارة الخارجية بالنسبة للعمليات التي تقوم بها في الخارج لأنها تستخدم السفارات الإيرانية، بكل أقسامها، لجمع المعلومات الأمنية والتخطيط، وما حدث عند استبدال السفير الإيراني في دمشق في يونيو (حزيران) 2011، هو مثال على استخدام ضباط الاستخبارات دبلوماسيين.

 السفير الجديد حبيب طهراني نائب وزارة الاستخبارات سابقا، وتحويله إلى دمشق نجم عنه زيادة في النشاطات السرية الإيرانية ضد المعارضة السورية، انطلاقا من إصرار إيران على دعم النظام السوري في هذه الحرب. طهراني «استخدم» أيضا سفيرا لإيران لدى البرازيل وهي منطقة أخرى مهمة لإيران.

 حسب تقرير «البنتاغون» توسع الاستخبارات الإيرانية عملياتها في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط من خلال إنشاء محطات التنصت الإلكتروني. محطتان إيرانيتان – سوريتان بتمويل من «الحرس الثوري» تنشطان منذ عام 2006، واحدة في منطقة الجزيرة شمال سوريا، وأخرى على هضبة الجولان.

 يتبين من المحطتين العاملتين، أن قدرات إيران لا تزال محدودة ولا تصل إلى مستوى جمع المعلومات الاستخباراتية الاستراتيجية، وما تركزان عليه هو توفير المعلومات لـ«حزب الله».

 وإيران نفسها نشطة للغاية في جمع المعلومات على الأرض، هي منظمة وتركز على الدول المجاورة لها، وفي كثير من الحالات قام دبلوماسيون إيرانيون بنقل الأسلحة إلى تلك الدول عبر الحقائب الدبلوماسية، إلا أن إيران كانت مهملة وغير مهتمة في توفير الغطاء لعملائها. ونجح ضباط الأمن في الدول المستهدفة في الكشف عن العملاء الإيرانيين، على سبيل المثال، في عامي 2010 و2011 اعتقل العملاء الإيرانيون في الكويت والبحرين، وهما بلدان يملكان أنظمة أمنية متطورة جدا.

 يشير التقرير إلى تعاون الاستخبارات الإيرانية مع تنظيم «القاعدة» على الرغم من الخلافات في الأيديولوجيا الدينية ما بين السنة والشيعة. يستند التعاون بين الطرفين إلى عدائهما المشترك للهيمنة الأميركية في المنطقة، خصوصا العراق وأفغانستان، وتعود العلاقات بينهما إلى التسعينات. بعد عمليات 11 سبتمبر (أيلول)، ساعدت إيران كثيرا من إرهابيي «القاعدة» على السفر من أفغانستان إلى إيران. وكون أن «القاعدة» تنشط في كثير من الدول، فإن هذا يساعد إيران على تحقيق هدفها بتحويل تركيز الولايات المتحدة عن نشاط جواسيسها في الدول المجاورة لها. في المقابل، يستخدم تنظيم «القاعدة» إيران، نقطة لقاء بينه وبين قادته في المنطقة.

 عام 1995 وكذلك عام 1996 حاول أسامة بن لادن التقرب من جهاز الاستخبارات الإيرانية طالبا أن يوحدوا قواهم ضد الولايات المتحدة. وأظهرت سجلات هاتف بن لادن، التي حصل عليها المحققون الأميركيون الذين دققوا في تفجيري سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا، أن 10 % من الاتصالات التي أجراها بن لادن مع مساعديه، كانت مع إيران. وكان سيف العدل، من كبار قادة «القاعدة» في ذلك الوقت، هو همزة الوصل بين الإيرانيين و«القاعدة»، رتب لقاءات مع قادة «الحرس الثوري» ومع كبار المسؤولين الأمنيين الإيرانيين. لكن بعد مقتل بن لادن، امتنعت القيادة الجديدة عن توضيح موقفها بالنسبة إلى التعاون مع إيران.

 حسب تقرير البنتاغون، فإن روسيا كانت فاعلة جدا في تدريب الاستخبارات الإيرانية بدءا من التسعينات. درب جهاز الـ«إس في آر» الروسي الذي خلف جهاز الـ«كاي جي بي» المئات من العملاء الإيرانيين على الرغم من اختلاف العقيدة بين الجهازين. لم تكتف روسيا بتدريب العملاء، بل أرسلت عددا من الخبراء الروس إلى إيران لتزويد استخباراتها بمعدات الإشارة المتطورة في مقراتها الرئيسية.

 وكانت الأنشطة الإيرانية في الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل والإكوادور وفنزويلا أثارت الذعر بين المسؤولين الأميركيين، ويقول تقرير البنتاغون، إن استراتيجية إيران إقامة وجود لها في الملعب الخلفي للولايات المتحدة، توسيع الأيديولوجية الشيعية والثورية هناك، وإنشاء شبكات للعمليات السرية وشن حرب غير متكافئة ضد أميركا.

 تركت الانتفاضة الحالية في سوريا تأثيرا على الاستخبارات الإيرانية. الإيرانيون موجودن عبر «فيلق القدس» لدعم قمع بشار الأسد للمعارضة.

 وقال التقرير إن انشقاق الجنرال علي رضا أصغري، ساعد على تحديد العلاقات بين إيران و«حزب الله»، كما وفر لإسرائيل معلومات عن المفاعل النووي السوري السري، الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية عام 2007، وعلاوة على ذلك تمكنت الاستخبارات الغربية من اختراق شبكة الاستخبارات الإيرانية بواسطة الأكراد.

 الكماشة الإيرانية، تطول وتتمدد تنتظر اللحظة التي ستطبق فيها. ووسط فوضى «الربيع العربي» ستنتعش أكثر خصوصا مع تعدد «الخلايا» التي يتم اكتشافها في دول الخليج.

 لكن، هل ما زال الوقت يعمل لصالح إيران؟

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

سيطرة قطر على مصر!

طارق الحميد : الشرق الاوسط

يقول رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم إن ما يثار عن سعي بلاده للهيمنة على مصر «نكتة أو مزحة سخيفة»، مضيفا أن «دولة بحجم مصر ومقدراتها البشرية والاقتصادية لا يمكن الهيمنة عليها من قبل أي دول أخرى». وبالطبع، فإن حديث الشيخ حمد دقيق وصحيح، حيث لم يستطع الرئيس المصري السابق مبارك السيطرة على مصر، ولا حتى الرئيس مرسي، فمشاكل أرض الكنانة أكبر من أن يسيطر عليها، لكن القصة ليست هنا، وإنما في التخريب، فالدعم شيء، والتخريب شيء آخر، ودعم تيار محدد في مصر على حساب تيار آخر يعتبر تخريبا. والملاحظ والمعروف، أن قطر تدعم الإخوان في كل مكان، وليس في مصر وحدها، وهو دعم ليس ماليا فحسب، وإنما إعلامي أيضا.

وقد يقول قائل إنه لا ضير في ذلك، فمثلما يدعم البعض التيارات الليبرالية، وخلافها، في العالم العربي، فمن حق القطريين أن يدعموا الإخوان. وهذا صحيح، لكن بعد أن تشرح لنا الدوحة أسبابها في دعم الإخوان! فجهود قطر، وعلى كافة المجالات، تقول إن الدوحة عاصمة تقدمية تنشد التطور، لكن دعم قطر للإخوان، سواء في مصر، أو تونس، أو ليبيا، أو حتى في دول الخليج، يعد أمرا محيرا. فالمجتمع القطري، مثلا، سلفي وفق منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأكثر مما يعتقد الكثير من الناس، مما يجعل الدعم القطري للإخوان، إعلاميا، وسياسيا، أمرا محيرا ومستغربا، وليس في مصر وليبيا وتونس وحسب، بل وفي سوريا والأردن، وكما أسلفنا في دول خليجية أخرى، حتى إن من بينها دول لم يعرف عن وجود إخواني فيها.

 ولذا، فإن القصة هنا ليست قصة تصيد، وإنما تساؤل يستحق أن يطرح، ولم نجد له إجابة. فلماذا، مثلا، هذا الحماس القطري للإخوان، وليس على مستوى مصر الدولة، وإنما حتى على مستوى حركة سياسية مثل حماس!

 وأكتب هذا المقال وقد زرت قطر، ومن يزور الدوحة يجد أنها مدينة حالمة، وهذا أمر جيد، ويجب دعمه، لكن السياسة القطرية، وتحديدا تجاه الإخوان، في حاجة لمن يشرحها. فعندما يقول الشيخ حمد بن جاسم إن السيطرة على مصر نكتة أو مزحة سخيفة، فهذا صحيح، لكن الخطورة تكمن في دعم تيارات، وحركات، على حساب مفهوم الدولة، وهذا خطر حقيقي من شأنه أن ينعكس على المنطقة ككل، وعلى قطر نفسها.

 ولذا، فالقصة ليست قصة السيطرة على مصر، فأرض الكنانة أهم ممن يسيطر عليها، ولكن القصة، والخطورة، هي في التخريب، سياسيا وإعلاميا وماليا، سواء على مصر، أو غيرها، حيث يتم تشويه مفهوم الدولة. وهذا أمر خطر، فهل يشرح لنا الشيخ حمد بن جاسم حكمة الدعم القطري للإخوان، مثلا. فإما أن نفهم الحكمة من ذلك، أو قد يكون بمقدورنا شرح الخطأ القطري بتبني مشروع الإخوان ليس في مصر وحدها، وإنما في كل المنطقة.

 فالخوف ليس من سيطرة قطر على مصر، وإنما من سيطرة الإخوان على مصر، وبالتالي ضياع الدولة المدنية، وهذا هو بيت القصيد!

 tariq@asharqalawsat.com

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

التسامح مع اليهود شرف لا يدعيه الإخوان المسلمون

جوزيف بشارة  

 التصريحات التي أدلى بها القيادي الإخواني البارز عصام العريان بشأن عودة يهود مصر لا ينبغي النظر إليها إلا على أنها مجرد نزوة كلامية. هناك خمسة أسباب تدفعنا للاعتقاد بأن التصريحات كانت ثرثرة تلفزيونية استعراضية وبأن التصريحات هي للاستهلاك وليست تعكس تغيراً في موقف الإخوان المسلمين العدواني من اليهود. السبب الأول هو أن كراهية الإخوان المسلمين لليهود أمر عقائدي يقع في قلب الفقه الإخواني ويستحيل تغييره أو نسخه أو إنكاره. السبب الثاني هو أن جماعة الإخوان المسلمين، التي شاءت الظروف الغبراء لها أن تصعد إلى سدة الحكم في مصر، باتت تسعى لرسم ملامح مبتسمة وودودة ومتسامحة على وجه الجماعة العابس والمكفهر والمتطرف. السبب الثالث هو محاولة تخفيف الضغوط الدولية عن الجماعة، وقد جاءت التصريحات في ظل مصاعب جمة تواجهها الجماعة في حكم مصر بعد المواقف الإحادية المخزية التي اتخذتها في كتابة الدستور وإقراره، وكذا في مواقفها المؤسفة من المؤسسات القضائية. السبب الرابع هو الانتقام من التيار الناصري الذي يشكل العمود الفقري للمعارضة، وتحميل ملهم هذا التيار، الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، المسئولية الأدبية والقانونية لخروج اليهود من مصر. السبب الخامس هو إلهاء الرأي العام بقضية فرعية.

 غني عن التذكير أن التسامح مع الأخر ليس له وجود على الإطلاق في أجندة الإخوان المسلمين. كيف إذن للبعض أن يتخيلوا أنه يمكن للإخوان أن يتسامحوا مع اليهود؟ فالإخوان عنصريون ويكرهون اليهود وكل من يدينون باليهودية. هذا أمر مسلم به في الفقه الإخواني، وتعكسه تعاليمهم المتطرفة الموجودة بكتب كبار منظريهم. هي كراهية ليست وليدة القرن العشرين ولم توجد بسبب قيام إسرائيل أو بسبب احتلال إسرائيل لأراض عربية وفلسطينية. الكراهية لها بعد تاريخي تعود جذوره إلى وقت نشأة الإسلام. يستند الإخوان في كراهيتهم لليهود إلى النص القرآني “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا…” ويتضح موقف الإخوان من اليهود في تفسير سيد قطب للنص القرآني حيث يؤكد أن القرآن يضع اليهود قبل المشركين في مرتبة العداوة لأنهم الأكثر عداوة للمسلمين عبر التاريخ، مشيراً إلى أن وصف القرآن لليهود لا يتغير عبر الأزمنة. التفسير هنا لا يربط النص بالزمان أو المكان كما يعتقد المسلمون المعتدلون، ولذا فالنص في نظر الإخوان مطلق وصالح لكل مكان وفي كل زمان، بمعنى أن عداوة اليهود والمسلمين أبدية لا يمكن لها أن تزول لأي سبب من الأسباب وتحت أي ظرف من الظروف.

 لا يختلف موقف الإخوان المسلمين من يهود مصر عن موقفهم من اليهود بصفة عامة. العداوة نفسها والكراهية نفسها. تقول وثيقة بعنوان “الإخوان المسلمون واليهود” أعدها عبده مصطفى دسوقي لموقع “ويكيبيديا الإخوان المسلمون” التابع للجماعة أن حسن البنا، مؤسس الجماعة، كان “يعرِّف الناس من خلال كتاباته طبيعة اليهود وما تنطوي عليهم شخصيتهم؛ فيقول: اليهود في التاريخ الحاضر هم أبناء آبائهم، أخلاس فتنة، ومواقد شرور، وطعام ثورات، ولقاح دسائس؛ فما من فتنة في دولة ولا ثورة في أمة إلا وجدت الأصابع اليهودية من ورائها، تمدها بالوقود، وتعمل على شدتها ومضاعفة أثرها، كأنما يريد هذا الشعب أن يثأر من الدنيا كلها لعزته التي أضاعها عناده، وكرامته التي اهتدرتها ماديته، وما ظلمهم “الناس” ولكن أنفسهم يظلمون.” وبلغ الأمر أن حمل حسن البنا اليهود مسئولية المحارق التي ارتكبها النازيون بحقهم في النصف الأول من القرن العشرين فيقول “أمعِن النظر فى التاريخ الحديث ترى روسيا وبولونيا وألمانيا وأمريكا وغيرها من دول العالم تضجّ من دسائس اليهود وتلاعبهم بسياستها؛ حتى دعا ذلك الألمانيين إلى هذا الموقف الغريب من الجنس اليهودي…”

 ويمضي حسن البنا في تحامله على اليهود، جميعاً ومن دون استثناء، فيقول “وقد ضاعف هذا الشر في المزاج اليهودي أنه لا يقيم للفضيلة وزنًا؛ فكل همه أن يجمع المال كيفما كان، ولو دفع ثمن هذا الجمع من الفضيلة والشرف، وباع في سبيله مبادئ الأخلاق العالية؛ ولهذا أثروا وافتقر بثرائهم الناس، وتجمع لديهم الذهب الذي يعينهم على قضاء مآربهم، وتحقيق مطامعهم وتلاعبهم بعقول الساسة، وإحباطهم لجهود المصلحين…” ويقدم البنا نصيحة لليهود فيقول “لقد أسأتم إلى العالم كله، وأجرمتم في حق الأمم جميعاً، وإنا ندعوكم إلى التوبة ولا نعاملكم بغير شريعة التوراة؛ فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم، وأريحوا العالم من ويلاتكم…”

 ولعله من المهم هنا التأكيد على أنه إذا كان هناك فصيل ساهم في ترهيب اليهود المصريين قبيل مغادرتهم مصر فإن هذا الفصيل هو جماعة الإخوان المسلمين. ذكرت وثيقة “الإخوان المسلمون واليهود” المنشورة على موقع “ويكيبيديا الإخوان المسلمون” أن الإخوان المسلمين ندَّدوا عبر صحفهم بما كان يقوم به اليهود خلال وجودهم في مصر من “أعمال وتصرفات ونشر للأخلاق الفاسدة وسط المجتمع المصري.” وتذكر الوثيقة أن الإخوان رصدوا عند ذاك مجموعة من “ممارسات اليهود في مصر والتي تشير إلى بُعدهم عن المجتمع المصري.” كان من الممارسات المرصودة إخوانياً: مساعدة يهود مصر للمنظمات “الصهيونية”، اتخاذ يهود مصر العلم “الصهيوني” شعاراً، وتفضيل اليهود لغتهم العبرية على اللغة العربية، وارتدائهم البرانيط المطبوع عليها العلم “الصهيوني” وامتناعهم عن ارتداء الطربوش المصري، وإصدارهم صحف باللغات الأجنبية تعمل كأبواق “للصهيونية”، ومساومة الصحف المصرية بإعطائها الإعلانات مقابل وقف الحملة ضد “الصهيونية”، ذهاب اليهود إلى نواد يهودية مستقلة تحمل أسماء يهودية. وتؤكد الوثيقة أن الإخوان المسلمين اعتبروا، عندئذ، أن أي فئة أو قوى (حتى ولو كانت غير مسلمة) تتخلى عن القيام بواجبها تجاه هذه القضية فهي تفرِّط في الثوابت الإسلامية، فضلاً عن القومية، ولذا فقد اعتبر الإخوان المسلمون أن اليهود المصريين قد “برهنوا بما لا يدع مجالاً للشك أنهم ليسوا من الأمة المصرية” في موقفهم من القضية الفلسطينية التي اعتبرها الإخوان من قضاياهم المصيرية.

 ومن هنا فقد لعب الإخوان المسلمون الدور الأبرز في تحويل مصر إلى كابوس وبيئة غير مناسبة للوطنيين من اليهود المصريين عبر إلصاق التهم الجزافية بهم، وإنكار وطنيتهم، وتصويرهم على أنهم متآمرون وخونة، والمطالبة بمقاطعتهم اقتصادياً. فهل يمكن بعد كل هذا أن يصدق أحد أن قيادياً إخوانياً كبيراً كعصام العريان يمكن أن يؤمن حقاً بعودة اليهود إلى مصر؟ وهل يمكن الوثوق بقيادي إخواني يتحدث عن عودة اليهود المصريين في الوقت الذي ينتشر فيه هذه الأيام مقطع مسجل لقيادي إخواني أخر وهو محمد مرسي، الذي شاء الزمان الأحمق أن يتولى قيادة مصر، يصف فيه اليهود بأنهم أحفاد القردة والخنازير؟ بالطبع لا، لا يمكن بأي حال من الأحوال الوثوق بأي قيادة إخوانية. لم يكن القيادي الإخواني عصام العريان يتعاطف مع اليهود المصريين كما بدا الأمر للوهلة الأولى. القيادي الإخواني كان يثرثر من دون أن يقدم دليلاً واحداً على صدقه. ويبقى موقف الإخوان من اليهود من دون أن يتغير. الكراهية هي العنوان الرئيسي لموقف الإخوان من اليهود مهما قال العريان ومهما كتب مرسي للرئيس الإسرائيلي ومهما أكد نظام الحكم الإخواني في مصر على احترامه لاتفاقات السلام مع إسرائيل.

 لم يكن هناك لوم يقع على جماعة الإخوان المسلمين لو أنها اعلنت معارضتها للسياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ولم يكن هناك لوم على الجماعة لو أنها رفضت التطرف الذي تتسم به بعض الشخصيات السياسية الإسرائيلية، فالكل يعارض الاحتلال ويرفض التطرف. لكن اللوم وكل اللوم يقع على الجماعة لأنها تكره الجنس اليهودي بأكمله. ومن المهم هنا الإيضاح بأن هذا المقال لا يهدف لمناقشة قضية يهود مصر، ولكنه يهدف إلى تعرية موقف الإخوان المسلمين المخزي من اليهود بصفة عامة واليهود المصريين بصفة خاصة، ويعمل على إظهار حقيقة الإخوان الذين هم، كغيرهم من الإسلاميين المتطرفين، عنصريون ولا تدخل كلمة التسامح في قواميسهم الفقهية. التسامح شرف للإنسانية المتحضرة، لكن التسامح مع اليهود شرف لا يدعيه، للأسف، الإخوان المسلمون.

 josephhbishara@hotmail.com

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

صفحات سوداء من تاريخ الديكتاتورية

سعيد بوخليط 

ما سماه الكاتب والباحث روجي بول دروا، بسفر عبر قمعستان

Tyrannistan،

 في مقالته الافتتاحية، لملف خصصته مجلة “لوبوان”الفرنسية (العدد، 2029، ص34-54) لبنية جنون الاستبداد، والذي سأعرض هنا أهم مضامينه، يؤكد بأن إمبراطورية القمع مستمرة دائما، تتوغل بين طبقات الأزمنة والأمكنة، من قارة إلى أخرى، أبدية التجديد والتجدد. لكن في إطار جوهر سرمدي، بحيث إن عوضت الأسلاك الكهربائية الحديد الأحمر، فالتعذيب ذاته. إذن، من الماضي إلى الحاضر وبين الشرق والغرب ومع اختلاف الأسماء، سواء كاليغولا، ماوتسي تونغ، بول بوت، القذافي، كيم إيل سونغ، هيتلر، بوكاسا…، والقائمة طويلة ومفتوحة، فإنها عين الخلطة المدمرة للوجود الإنساني، ورموز الرعب والخوف، الذين أقاموا عوالم بدم البشر، وحولوا الحياة اليومية إلى فوضى وسديم، لا تخضع للقوانين، ما دامت السلطات كلها تبدأ وتنتهي عند اليد السحرية لشخص واحد، تتداخل لديه الخزينة العامة للشعب بالثروة الشخصية، والسياسة بالنزوات، ثم حكم الدولة و”حكمتها” بالهذيان النرجسي، فلا شيء يقف حائلا أمام شهواته والرغبة من أجل إخضاع الجميع لإرادته، ويبقى أقصى حلمه، النجاة من العقاب. جرائم لا تحصى، تعددت منسابة من اليونان القديمة وصولا إلى الزمن الحاضر، تقترف وترتكب، وفق تمظهرات مختلفة. يوظف الديكتاتور المناورات ويستغل الوقائع، ويستثمر نقط ضعف شعبه. حينما، يستولي على الحكم يعتبر الكرسي ملكا خالدا له، ولا يحق لأي كان محاسبته.

كان أفلاطون، أول من أشار إلى خلط المستبد بين الرغبة والقانون وملذاته والصالح العام. ملامح الحاكم الذي صار ذئبا نتيجة عشقه للدم، سترسخ لفترة طويلة سلطة شخصية ، تنتقل عبر القرون، ثم مغالاة وبطش، يتكرسان بلا نهاية. فإرادته أن يصير دولة، لا يحدها وازع، سواء سلطة أو قانون أو معايير أخلاقية. إنها، دولة الحمق وهذيان العظمة. لذلك، سيكتب لوك سنة (1960) : “حينما ينتهي القانون، تبدأ الديكتاتورية”، ويفسر مونتسكيو، في عمله روح القوانين (1748)، كيف : ((أن فردا واحدا بلا قانون ولا ضابط، يخضع الجميع لإرادته ونزواته((.إذن، سواء مع العهود القديمة أو الحديثة، فالصيغة ذاتها، والقواسم المشتركة تمحو الاختلافات. التوتاليتاريات المعاصرة، وإن تباينت وتعددت التوصيفات: طاغية، مستبد، ديكتاتور، …، فهي بشكل عام مترادفة، والفرق يبقى زمانيا، الطاغية مفهوم قديم والمستبد كلاسيكي بينما الديكتاتور معاصر. تنوعت المنظومات والمرجعيات والقصديات والنوايا سواء كانت طيبة أو سيئة. تأرجحت منظومة الاستبداد بين الثابت والمتغير. لكن، ترسخت أنساق منذ العهد العابر.

يؤكد “روجي بول دروا”، بأن اليونانيين أدركوا معنى الاستبداد قديما جدا. لم يوظفه، هومير أو هيزيود ، بل اكتشفه لأول مرة شاعر ينتمي للقرن السابع قبل الميلاد. بالتالي، ليس وليد لحظة هيتلر أو بول بوت… . كما، ينبغي تعديل اعتقاد مسيطر، يحصر الطغاة والمستبدين، في بلدان المشرق. لقد، كانت الإمبراطورية الفارسية بالنسبة لليونان، أسمى فضاء للقمع. وضع، أخذ عند مونتسكيو، مفهوم “استبداد شرقي”، كما استحضر ماركس الموضوع.

الاستبداد، قائمة مقدماته ونتائجه.شامل، لكل الطبائع والأجناس. يمس،جل العادات والسلوكات والأنماط. يكمن الحل ببساطة، في الارتقاء بالاستقلال الذاتي والديمقراطية، وإرادة أن يمتلك الفرد مصيره، ويقاوم النزوعات التي تجتذبه كي ينحني للأقوياء. بهذا، يتم اجتثاث شروط نجاح، واستفحال العبودية، واستعداد الناس للخضوع والقبول بالوضع.

 إذن، كاليغولا، ماوتسي تونغ، ستالين، بول بوت، هيتلر، القذافي، نور سلطان نازار باييف (كازاخستان)، كاريموف (أوزبكستان)، كيم إيل سونغ (كوريا الشمالية) بوكاسا (إفريقيا الوسطى)، نيازوف أوبو (تركمنستان)…، نظم سياسة همجية، خرجت من بطن مجموعات إنسانية مختلفة، وسياقات تاريخية متباعدة، لكنها تتوحد جميعها عند نفس المنظومة من الناحية النفسية والموضوعية. ولعل أهم خلاصة يقف عندها القارئ، حين يسرد تمظهرات الاستبداد لدى هؤلاء، سيجد تمركزا للسلطة مصحوبا بجنون العظمة، يصلان حد الذهان. يشيدون جغرافيات للبشاعة، تحت دعاوي ومبررات شتى : تاريخية، عقائدية وإيديولوجية، تجعل منهم كائنات معتوهة.

 ماوتسي تونغ ـ قورن ب “كين تشي هانغدي”، أول حاكم أرسى دعائم الإمبراطوية الصينية، وحكم الصين بقانون الرعب والقضاء على المتعلمين ـ صنع حقا للصين مجدها وكبرياءها، وأرسى لها أسباب التقدم، فصارت الآن قوة اقتصادية وبشرية هائلة. مع ذلك، هل كان عليه بالضرورة قتل 70مليون صيني ؟ فأضحى أسمى مستبد توتاليتاري، حسب قول “سيمون ليز”، هكذا تتزين دائما جدران الدولة البوليسية، بصورة : ((المرشد العظيم، والقائد العظيم، وأستاذ التفكير العظيم، الرئيس ماو، المحبوب إلى أقصى حد)). كما تواصل الحشود، التقاطر نحو ضريحه حيث يمكث صندوقه الفولاذي، الذي يحتضن مومياءه. زعيم شيوعي، يمثل حالة منفردة، مقارنة مع ديكتاتوريات القرن العشرين. لقد، حاكم التاريخ هيتلر وستالين : ((أما بالنسبة لماو، فالمرافعة، لازالت معلقة)) فالنظام، كما بنى دعائمه، يبقى قائما إلى اليوم بواسطة الحزب الشيوعي الصيني، بالرغم من التقويم والمراجعة، اللذين أفصح عنهما “دينغ هسياو بينغ” حول تركة ماو، بحيث اعتبر نسبة %70 جيدة، بينما %30 كانت أخطاء. بيد أنه، لا أحد يجرؤ على التخلص من ماو، الذي صار جثة معقمة، لكنه باستمرار أب الوطن الخالد. موقف، اختلف كليا مع هيتلر وستالين وبول بوت، عندما سعى أتباعهم خلال الفترات اللاحقة لهم، محو بقاياهم وكل أثر يشير إليهم من قريب أو بعيد.

 ستالين، الذي وصفه تروتسكي، بأنه أهم وضاعة داخل الحزب، سيحاول خروتشوف، بعد أن صنفه ضمن فئة الهستيريين ومجانين الاضطهاد تصفية كل جرائمه. قاتل، مريض يعاني من بارانويا، فبقي يردد : ((لا أثق في أي شخص حتى نفسي(( … كما : ((أن الموت يحسم كل المشاكل، وفي غياب البشر، تنتفي المشاكل)). قضى ببرودة أعصاب على 20 مليون سوفياتي، ونفى 28 مليون آخر. مقابل هذا الرأي، أراد البعض الثاني، أن يجد ل “الرجل الحديدي” تفسيرا مقبولا، فاعتبروا ستالين، مزيجا نادرا بين المفكر والقاتل في الآن ذاته. تلميذ المدرسة الإكليريكية، القادر على الاستشهاد بالثوراة، والوغد المنتمي إلى القوفاز الذي تربى وسط مناخ المكيدة والعنف المؤسطر. ثم مع افتراض شيطانية نفسيته، نلاحظ بأن تضخم طموحه الشخصي، انبنى على إيديولوجية متطرفة. ستالين بولشيفي حتى النخاع في الحياة والموت، ولم يتنازل قط عن مثاله الأعلى فترة الشباب، أي “عقيدة الثوري” ل “سيرغي نيتكاييف” ))وظف حتى الشيطان نفسه، إذا كان مفيدا للثورة)). لذا، اتسمت البولشيفية بطابع عسكري دموي، من خلال عمليات القتل والنفي وحبك المؤامرات. انتصاره في الحرب العالمية الثانية وشيخوخته، لم يعملا قط على تليين طبيعة ومزاج العم “جو” .Joe دسائس متواصلة، دبرها الديكتاتور الكهل، بغية تعبئة الشعب السوفياتي ضد العدو الخارجي المتجسد في الولايات المتحدة الأمريكية، بل ذهب به حس المؤامرة إلى غاية تجميع دلائل طيلة إحدى عشر شهرا، كي يعتقل طبيب العائلة الخاص. ولأن أصابعه وقعت صدفة، أثناء وليمة على موز لم ينضج بعد، فقد طرد على الفور وزيره في التجارة الخارجية.

 سيكون هتلر بدوره، متطرف نظرية لكنها بيولوجية تؤمن بتفوق وتعالي جنس دون غيره، في أفق خلق إنسان بديل. لذا، لا يشعر بأي عائق موضوعي أو أخلاقي، كي يسحق ملايين الأشخاص، يكفي أن تحصل لديه الرغبة للقيام بالأمر. هيتلر، كما بين “فرانسوا كيرسودي” صاحب كتاب : “هتلر، قائد حرب”، لم يكن يؤمن بالاحتمالات النسبية، لأنه ديكتاتور متهور، سمة لعبت دورا مصيريا في تقويض مخططاته العسكرية. في شهر شتنبر 1939، وقد اتصف الجيش الألماني بحالة شديدة من الترهل، مع ذلك توخى في أقل من ثمانية أشهر هزم بولونيا وبلجيكا وهولندا وفرنسا وبريطانيا، كما التفت نحو روسيا. لقد بدا له مجديا، محق مدن بأكملها مثل باريس، لينغراد، لندن، وموسكو، لأنها تشكل ظلا لبيرلين. هتلر، الذي لم يكن يمثل شيئا يذكر بين سنوات 1925 و 1929، صار احتياجا تاريخيا لألمانيا، حين انتابها الخوف نتيجة أزمتها الحادة، فلكي يصعد مجنون إلى الحكم، ينبغي حتما تعرض بلده لهزة تسبب له جرحا كبيرا، وتجعله سهل الانفعال والانقياذ. هيتلر، يعاني من هذيان ذهاني، مثل ماو وستالين وجل الديكتاتوريين، لكن سيغلف مرضه بخطاب ثوري جذري.

 نفس الأمر، تجلى بوضوح عند بول بوت (1925-1998)، القائد الغامض للخمير الحمر. رجل أذاب بلدا، تطبيقا ل “يوتوبيا قاتلة ” تتوخى خلق “فرد جيد”. خلال فترة ثلاث سنوات وثمانية أشهر وعشرين يوما، ستكرس جماعة “الأخ رقم 1” أو “العم الكبير”، المتأثر بالصين الماوية، مشروعها من أجل القضاء على الروابط العائلية لكامبوديا القديمة، وتحزيب المدن، وتقويض جميع امتدادات الماضي وأي تبادل قائم على العملة النقدية، وكذا أنماط معينة من التفكير وكل قنوات الاتصال مع الخارج، بهدف تحقيق قفزة رائعة ومدهشة جدا وخارقة. استأصل بول بوت تراث الأقوال المأثورة، والأمثال الجارية، وأحل محلها كتابه “الأحمر” الذي استكان له الجميع ببلاهة لاحد لها، ترسمها سكيزوفرينية إجبارية، مستلهمة من بنود حيث “يحضر عليك الانتقال بحرية” ثم “لا تتغدى من أفكارك الشخصية”، بينما، أيها الرفيق “أنت حر”. سحق بول بوت شعبا بأكمله، وهو يهلث وراء إنسانه الجديد وتغيير خريطة كمبوديا سيعاني الشعب مجاعة مؤلمة، في حين يتمتع القادة بما لذ واشتهوا من طعام لإنقاذ الثورة. يخفي جنون بوت، الدموي، حقيقة حقارة جلية، جعلت منه ذاتا غير إنسانية، كما قال المؤرخ “إيان كيرسو” في موقع آخر عن هيتلر، ضعف تحول إلى موضوع للتاريخ، لما ابتغى فقط من البشر، مجرد أشلاء لأشياء لا غير، وفي أفضل حالاتهم ماكينة لإنتاج الجثت، نتيجة هذيان طوباوي لتطهير الشعب، انسجامامع مبرر تمجيده للعنصر الكومبودي. واصل، بول بوت قتله المجاني، كي يبرهن على بربريته، سعيا وراء تصوره للإنسان.

 أفق، يحيل على مفهوم الخلق والنشأة، وبمعنى ثان، مستويات حضور المرأة والجنس في حياة الديكتاتور، والتي تعكس بوضوح نزعة التملك والاستعباد، واستمرار نفس منطق السيزوفرينيا. بول بوت مثلا، الذي قضى على مفهوم العائلة وفصل الأطفال عن آبائهم، ثم أوصى أتباعه بتأجيل الزواج إلى ما بعد الانتصار، كي لا تشغلهم زوجاتهم عن أعباء الثورة، هو ذاته من قرر الزواج ثانية و إنجاب أطفال، بعد أن اكتشف الأطباء الصينيون عند زوجته الأولى “خيوبوناري” معاناتها من انفصام حاد، وإدراكه أيضا لحقيقة إصابته بمرض السرطان.

 أما هتلر، فقد تميز أمام الملأ بلطفه وغزله، لكن حين حميميته، فلا وجود لأي كائن. من بين خمس نساء عشن بجواره، أربعة سينتحرن، أو حاولن القيام بالأمر. أكدت بعض التقارير، نفور هيتلر من الاتصال الفيزيائي، مع ذلك، كان منجذبا جدا نحو ابنة أخته “جيلي روبال”. حالات ارتكاب المحارم، تقليد مستساغ بين أفراد العائلة، فهل ارتكبا معا، الخطيئة ؟ لأن الفتاة، انتحرت سنة 1931، ربما نتيجة شعورها بالذنب. أما، “إيفا براون”، وقد سعت إلى التشبه ب “جيلي روبال، بقيت رفيقة خاصة لهيتلر، الذي احتفظ في قيرورة نفسه بقناعة مفادها، أن المرأة ستؤثر سلبيا على عشقه الصوفي لألمانيا، لذلك احتاجت إلى أن يثق بها.

 بالنسبة للمستبدين، المرأة غنيمة بكل المقاييس . ومع عصابيي الجنس، احتل ماو موقع الريادة. ألا يعتبر هذا الطاوي الجنس، إكسيرا من أجل الشباب والصحة ؟ ماو، الطاعن في السن، المسكون بهاجس الوهن، سيلتمس مع ذلك، نصيبه من الجسد الطري، فيختار فتيات قرويات.اشتهر بضعفه نحو الممرضات اليافعات ـ يتقاطع هنا، مع القذافي ـ تحديده للوقاية، يختزل رؤيته للمرأة، حينما، أجاب طبيبه الذي نصحه بغسل أعضائه الجنسية : ((أتطهر بجسد النساء)). فالزعيم، المصاب بالهذيان والبارانويا، يحتاج إلى التدلل. الماريشال، “كيم يونغ إيل” الوريث الكوري لماو، تتغنى به نساء شمال كوريا: ((إننا حبيبات الورد الصغيرة، يمنحنا الماريشال كيم، جميع ما يلزم كي نتمكن من التفتح)).

تبدأ حماقات الديكتاتور من كيفية اغتصابه الحكم، فتأليه الشخصية، ثم برامج القتل تحت تسميات مختلفة، وأخيرا تحويل جسده المحنط إلى مزار يومي لأفراد شعبه، لأن حبه يحكم مشاعرهم حيا وميتا ويلهمهم سبل الهداية.

 داخل كوريا الشمالية، نحصي ثلاثون ألف تمثال، تمجد “كيم إيل سونغ” مؤسس الجمهورية الديمقراطية الشعبية، وفي “بيونغ يونغ” العاصمة، أقيم ضريح يضم جسم أب الوطن، يأتيه الزوار كي يضعوا باقة ورود، وينحنون أمامه إجلالا واحتراما. ولا يمكنك الولوج إلى هذه البناية، قبل نفض الغبار والحرص على تطهير نعال أحذيتك. لقد أحدث موته داخل البلد سنة 1994، سيولا جارفة من الدموع، وعلى مقربة من ضريحه، نجد متحفا يزخر ب 160.000 هدية قدمها له أجانب، ينتمون لقارات مختلفة. الرئيس الحالي “كيم يونغ إيل” أورثه أبوه السلطة، فصاربين عشية و ضحاها الأمين العام لحزب العمال والعنصر الأول في لجنة الدفاع الوطني. ألقاب تافهة كثيرة، جعلت منه، كائنا بقدرات خارقة على غرار ملوك كوريا القدامى الذين تباركهم السماء والأرض. اعتقاد سيأخذ بعدا ميتافيزيقيا، حين الإيمان بأن ضبابة ستقيه النظرة العدائية التي يكنها له خصومهم في كوريا الجنوبية وأسيادهم الأمريكيين، وحينما يشهر ورقة، يتوقف المطر والريح. إذن، إعلانات شعارات، مؤلفات كراسات جميعها تستحضر إنجازاته. بل، وهو صغير، كان عبقريا منقطع النظير، يتفوق على باقي الأطفال بأسئلته الحادة، ولا يظهر عليه التعب أبدا، ومنذئد، يهتفون بحياته في جميع المدارس. وإن كانت كوريا الشمالية، تعاني من حصار اقتصادي صعب وخانق جدا، فسيبعث الزعيم طباخه كي يشتري له الفواكه من ماليزيا، والكافيار من إيران وأوزبكستان، وتوتياء البحر من هوكايدو، وكونياك “هينسي إكس أو” من فرنسا ثم توفره على آلاف الأفلام الغربية، بحيث يعتبر الوحيد الذي يحق له مشاهدتها. كما يردد دائما، على مسامع جارته كوريا الجنوبية التي يسيطر عليها “دمى واشنطن”، بأن جيشه مستعد لإغراقها وسط محيط من اللهب.

ماو، سيذهب به جنون العظمة، إلى اختلاق وتبرير شعار : ((خلق فوضى عارمة، بهدف استباب النظام الكبير))، مما أدى بالصين إلى مضمار دوامة مغامرات غير محسوبة، كان “النجاح” كليا : إغلاق المدارس والجامعات، أرسل ما يناهز 70 000164 شاب متعلم نحو البادية، فصول الوحشية وما تلاها من موجة انتحارات، فظاعات مصحوبة بعبادة الصينيين لشخصيته، التماثيل في كل مكان، ويجوز فقط الانكباب على كتاب وحيد مرخص له، أي المؤلف الذائع الصيت “الكتاب الأحمر”. كما أن النظرة الأولى والأخيرة في اليوم، يجب أن تتملى صورة ماو، وتبادل التحايا يتم بمقاطع مستلهمة من فكره. مع كل ذلك، لا ينبغي اختزال مسار ماو إلى قائد سياسي بلا إيمان ولا قانون، بل صاحب رؤية، أراد عبرها، تحويل الصين إلى صفحة بيضاء ، يتحدد فوقها مصير ملايين الأشخاص الذين صاروا أفرادا مختلفين. كانت الضريبة ثقيلة، فبالإضافة إلى العمليات التطهيرية الدموية، أدت مجاعة الإصلاح الزراعي إلى 35 مليون قتيل، وحين تأسيس الغولاغ الصيني، أودع ماو هناك 50 مليون شخص، مات منهم نصف العدد تقريبا.

 إذا انتقلنا إلى منطقة شمال إفريقيا، ومع صاحب نص مقدس آخر، عنونه ب “الكتاب الأخضر”، استطاع القذافي بهاجس العظمة لديه، وضع تقويم زماني جديد، وتغيير أسماء الأشهر، كما ابتكر نظريات لسانية غريبة المعنى والتركيب، مثلا، الديمقراطية صارت لفظة عربية تتألف من جماعةdémo ومقاعدcrassi . شكسبير، المؤلف المسرحي الإنجليزي الشهير ، انقلب عنده إلى الزبير، المنحدر من أصل عربي. أمريكا، استمدت اسمها من “الأمير. كا”. عندما، دشن سنة 1988، المتحف الوطني في طرابلس، صاح “المؤرخ الكبير” داخل قاعة الآثار الرومانية : ((تأملوا باندهاش كل رونق الحضارة العربية)). ومشروب كوكاكولا، منتوج إفريقي. بينما سويسرا، بلد أوروبي يقل نموا عن ليبيا. أما، النهر الاصطناعي والذي كلف ميزانية البلد 35 مليار دولار، كي ينقل الماء من الطبقات الجوفية بالصحراء، نحو بنغازي على امتداد 4000 كلم، فانتهى به المقام إلى إغراق شوارع طرابلس، لأن شبكة قنواتها، عجزت عن تحمل المنسوب الجديد. القذافي، المشهور بعدائه لإسرائيل، سيكذب الادعاء سنة 2009 في الأمم المتحدة، معترفا بصداقته لليهود أكثر من الغربيين، الذين كانوا وراء فكرة بناء بيوت الغاز. أما تسلط، النزوع الجنسي لديه، فقد اهتدى به إلى حد الإقدام على محاولة اغتصاب صحافية فرنسية، تشتغل بقناة (فرنسا 3) اسمها “ميمونة هينترمان”، قضية تعود وقائعها إلى سنة 1984، لكنها لم تحدث ضجيجا كبيرا لحظتها.

 وغير بعد عن ليبيا، فإن “جون بيديل بوكاسا”، انقلابي قديم، وجندي مرتزق، يعوزه أي سند إيديولوجي لكنه ظل يحلم بمصير نابولي، سيقرر الارتقاء إلى مرتبة إمبراطور إفريقيا الوسطى، بعد أن منح نفسه ألقابا كرئيس مدى الحياة وماريشال. لقد حرس على ترديد نصيحة صديقه “فيليكس هوفويت بواني”: ((اجعل من نفسك إمبراطورا إذا استطعت، لكن على الطريقة الإفريقية))، غيبر أن بوكاسا الذي وصفه دوغول في مناسبة بالأبله، واصل التشبت بطقوسه الفارغة، مثل صقره الهائل جدا ومعطفه المغطاة حواشيه بفروحيوان القاقم بالرغم من مناخ إفريقيا الحار، ثم تاجه البابوي. طقوس محاكاة ساخرة، كلفت إفريقيا الوسطى كل سنة ربع ميزانيتها، طيلة فترة إحدى عشر سنة. بوكاسا، كان دائم الشك والارتياب، في نوايا العقيد “ألكسندر بانزا” الرجل الثاني في النظام، لذلك سيعذبه حتى الموت كي يقر بما يدور في خلده. المستشار القانوني لبوكاسا “موريس إيسبيناس”، سيرسل تقريرا إلى باريس أوضح فيه بأن الإمبراطور، قام شخصيا بتقطيع أطراف جسد “بانزا” بواسطة شفرة على طاولة مجلس للوزراء وبحضورهم. واقعة تنسجم مع ما نسب إلى بوكاسا، بكونه يأكل لحم البشر… .

 حاكم آخر، لا يقل عبثا ودموية، إنه إسلام كاريموف الحاكم القوي لأوزبكستان، منذ 1991، البالغ من العمر 73 سنة. اشتهر بقسوته تجاه معارضيه، وتعذيبهم أسوأ أنواع العذاب، بحيث يلقي بهم في ماء فائر ودفنهم أحياء. معلومة تأكدت بداية سنوات 2000 لدى سفير إنجلترا، بعد تمكنه من تشريح جثة أحد المعارضين. بينما المحظوظون منهم، والذين يقبعون حاليا داخل سجونه، فعددهم يناهز 10 آلاف معتقل. تباهي كاريموف بمرجعيته الهمجية، دفعه منذ فترة كي يحث أعضاء برلمانه، للتصويت على مرسوم ، يصنفه ضمن سلالة تنحدر من “تاميرلان”، إمبراطور عنيف ينتمي إلى القرن

XIV

 حكم إمبراطورية امتدت من مصر إلى الهند. ابنته “غولنورا كاريموفا”، تتهيأ لخلافته وهي على مشارف عقدها الرابع. تضع يدها على أكبر ثروات البلد، وتملك رساميل في قطاعات المناجم والقطن، وكذا بعض العلب الليلية الخليجية، كما تدير شبكة لتهريب العاهرات الأوزبيكيات.

بدوره سيتجلئ، نور سلطان نازارباييف، رئيس كازاخستان، منذ عشرين سنة، إلى برلمان بلده، كي يمنحه لقب “قائد الوطن”، وصف سيجعله في مأمن من كل متابعة عقابية. أيضا، أوشك على تعيينه رئيسا مدى الحياة في سن السبعين، كما عدل الدستور، للتذكير بحقيقة أن الرئيس من ألف النشيد الوطني، وتظهر بصمته على الأوراق البنكية.

 أما نيازوف أوبو، حاكم تركمنستان المتوفى عام 2006، عن سن السادسة والستين، فقد وصل به تضخيم الشخصية مستوى التدرج إلى مرتبة الأنبياء، وأوجب على مواطنيه، النظر إلى صورته مرة واحدة في الدقيقة على الأقل، بالتالي، سيملأ شارع العاصمة بصورته، إلى جانب تمثال من ذهب يدور على ضوء مدار الشمس. في المدرسة، فرض تعليما يوميا ل نصوص “الروهناما”، كتابه المقدس الذي أنجزه بمساعدة بعض المحيطين به، ترجم إلى ثلاثين لغة بما فيها طريقة “بْريل”، ولا أحد بوسعه الطموح للحصول على جواز السياقة، إذا لم ينكب طيلة16 ساعة على عمله المضحك، المليء بالترهات. هذا المستبد، سيحظر الشعر الطويل، والأوبرا، والسيرك، لأنها في نظره مخلة بالحياء. وفيما يتعلق بالفولكلور، فلا ينبغي على الراقصات رفع سيقانهن أكثر من 45 درجة. أيضا، بدل “نيازوف أوبو”، شهور التقويم الزماني، فشهر يناير يحمل اسمه، وأبريل اسم أمه، وأخيرا هو أب لجميع التركمانيين.

كما الشأن مع جميع الديكتاتوريين، وهم يحتقرون كليا شعوبهم.

 boukhlet10@gmail.com

المغرب.

المصدر ايلاف

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

أخر خطط الإخوان الإقتصادية

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | 1 Comment