الجماعات الاسلامية في ظل نظام الاسد

احمد عسيلي 

كتبت في مقالة سابقة عن الواقع المذري للتيار الليبرالي في سوريا….او حالة اللاوجود لهذا التيار في ظل نظام قمعي قضى على كل الحياة السياسية في البلاد…..لكن السؤال….كيف كان واقع التنظيمات الدينية……او لنكن اكثر تحديدا واقع الجماعات الدينية في ظل نظام الاسد؟

ربما اول سمات الجماعات الدينية في ظل نظام الاسد هي ارتباطها بشخص واحد و دخولها تحت مظلته و حمل هذه الجماعات لاسم هذا الشخص بحيث تفنى هذه الجماعة بوفاة المؤسس و المهيمن او يتولى احد ابناء او اقارب هذا المؤسس تلك الجماعة بحيث تحافظ على اسمها و الذي يصبح مشتقا من اسم الخليفة سعيد الحظ

فمن المتعارف عليه مثلا بين الجماعات الدينية لفظ (كفتاري) او ينتمي الى جماعة كفتارو…و هو الشيخ احمد كفتارو المفتي السابق للجمهورية و الشخصية المقربة من الرئيس الاب…..و قد انتقلت الزعامة لهذه الجماعة الى ابنه الدكتور صلاح بشكل سلس جدا بعد وفاة الاب المؤسس بمثل درجة انتقال السلطة الى بشار بعد وفاة والده…….و بقيت كل شخصيات الدرجة الثانية في هذه الجماعة كما هي ايام الوالد مثلما حدث ايضا مع بشار الاسد….و قد حاول الابن صلاح احداث بعض التغييرات و الاصلاحات في هيكلية التنظيم كان اكثرها وضوحا بعض السرقات و بعض الاختلاسات من الاموال المقدمة لخدمة الدعوة و التي اودت بالشيخ صلاح الى سجن عدرا ليتابع نشاطه الدعوي هناك في عنابر السارقين و المختلسين…..طبعا لا اعلم ان كانت هذه الاتهامات صحيحة ام لا و لا استطيع ان اتيقن من هذا لان نزاهة القضاء السوري يعلم واقعها القاصي قبل الداني.

و لهذه الجماعة مقر لتدريس الشريعة الاسلامية باسم جامع ابو النور….و هو بناء مؤلف من سبعة طوابق و به سكن داخلي للطلاب….

و هناك ايضا جماعة البوطي…..وهي الجماعة المرتبطة باسم الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي و قد ورث هذه الجماعة من والده المللا رمضان البوطي….و يحاول الان نقل هذه الجماعة الى ابنه الشيخ محمد توفيق البوطي…..الاستاذ في كلية الشريعة جامعة دمشق….و صاحب مؤلف مهم جدا عن حكم التصوير في الاسلام…..و فيه دراسات و بحوث كثيرة حول هل التصوير و الصورة الفوتوغرافية و الرسم حلال ام حرام في الاسلام……و ارجوا من اي شخص يقرا هذا الكتاب ان يخبرني النتيجة التي يمكن ان يستخلصها من هذه الدراسة المميزة……لأني لم اعرف بالنهاية ان كانت الصورة حرام ام حلال؟

هناك ايضا جماعة عبد الرزاق الحلبي….و التي اصبحت تسمى الان جماعة عبد الفتاح البزم و هو للمصادفة و ربما بحالة استثنائية ليس ابن لعبد الرزاق الحلبي ولكنه استلم عنه ادارة شؤون معهد الفتح الاسلامي…..و قد تحرج من هذا المعهد الالاف من الطلبة الذين درسوا الشريعة السلامية على يد (نخبة) من الاساتذة و على رأسهم الشيخ عبد الفتاح البزم

هذه الجماعات الثلاث….و قد اقتصرت عليهم لانتشارهم الكبير بين الشباب السوري المتدين اولا و لان مقراتهم دمشق العاصمة ثانيا

هذه الجماعات كانت تتبارى فيما بينها من الشكوى و العويل من ظلم النظام لها……و انها تدفع ثمنا باهظا لمعاندة رجالاتها و معارضتهم للنظام المستبد

و كل منها تتهم الاخرى بأنها عميلة للنظام و انها جزء من اجهزة مخابراته…….و تستدل على ذلك من اللقاءات الكثيرة التي حدثت بين مسؤولي (تلك) الجماعة و بين اعضاء من النظام الاسدي……اما لقاءات شيوخهم هم فهي للضرورة السياسية و تحت ضغط مصلحة الاسلام العليا و من اجل خدمة المسلمين

و ان استطاعت جماعة البزم ايقاف بث بعض حلقات من مسلسل تلفزيوني يسخر من شيخها عبد الرزاق الحلبي……. فهذه القدرة على ايقاف بث مسلسل تلفزيوني بركة ربانية و خوف من السلطات من هؤلاء المشايخ وليس نتيجة علاقات بين هؤلاء المشايخ و بعض الاجهزة الامنية

و اذا كان الشيخ البوطي يظهر على التلفزيون الرسمي كل يوم اربعاء و لديه نفوذ قوي في كلية الشريعة………فهو اسلوب من النظام لكسبه لأنه يعلم مدى تأثيره على الرأي العام و هو سلوب دبلوماسي من الشيخ ليس اكثر

اما الجماعة الاخرى فهي عميلة للنظام و مشايخها دمى بيديه و هو الذي خلقها و جعل منهم علماء و اساتذة

ثم جاءت الثورة السورية…….و شارك العديد من هؤلاء الشباب الاسلامي المتحمس بالثورة كجزء من الحراك الوطني…..معتقدين ان رموزهم و مشايخهم لن يسكتوا عن الحق و لن يقبلوا بالقتل او الجريمة……وانهم سيأخذون الموقف الذي تمليه عليهم ضمائرهم و وطنيتهم

فما الذي حصل؟؟؟؟؟

هنا انكشفت الرؤية تماما……..و لم يبالي ابدا هؤلاء المشايخ لا بمجتمعاتهم و لا بطلبتهم و لا بمريديهم

بل بدأوا البكاء امام شاشات التلفزة على اسلامية النظام السوري و على المؤامرة الالحادية التي يقوم بها اعداء الاسلام على الرئيس المؤمن كما فعل البوطي في خطبه في المسجد الاموي

و بدأت شلالات دموع البزم بالتدفق دعما للرئيس الوديع مثل الحمل……..

و لم تظهر اي مواقف لصلاح كفتارو و لا لأخيه الاخر…….ربما لان ملفاتهم مكشوفة جدا للنظام و هم بالكاد يلاحقون قضايا السرقة التي تورطوا بها

هذا هو الواقع الديني في سوريا لدى اهم ثلاث رموز لاهم ثلاث تيارات في دمشق

طبعا هنا لن نتكلم عن تيارات اخرى مثل القبيسيات و الشيخ الجزائري و الشيخ محمود عكام في حلب و غيرهم الكثير الذين انفصلوا عن قواعدهم الشعبية ليبينوا وجوههم الحقيقية

و السؤال…………..لماذا ينخدع الشباب بهؤلاء المشايخ؟

الجواب و بمنتهى البساطة انهم يعملون ببيئة و في ظل نظام يدعم التطرف الديني الذي يستطيع السيطرة عليه……و بالتالي فلهؤلاء المشايخ قدرات مادية و اعلامية كبيرة و جيش عرمرم من المرتزقة……..الذين يبحثون عن الشباب البسيط ليدخلوه في جماعتهم عبر سلسلة من دروس الدين في البيوت و السرية اسميا لكنها تحت سيطرة اجهزة المخابرات فعليا و يتلقون في تلك الدروس كل اشكال كره الاخر حتى الاسلامي التابع لرجل دين اخر…..و بالتالي تلعب الصدفة البحتة فقط دور العامل في تحديد تبعية اي شاب لهذا الرجل او ذاك……

و مثلما كتبت……..كل منهم يدعي انه سري و جزء من المعارضة

و لكن ميزة الثورة السورية و كما كتب احد الناشطين……..انها الثورة الوحيدة التي اسقطت المعارضة قبل اسقاط النظام

فهي الثورة الوحيدة التي حطمت كل اقنعة المعارضين السوريين……و كشفت زيفهم و عرفنا دورهم حقا حتى قبل اسقاط النظام

فما الذي سيكشفه اسقاط النظام يا ترى حين نعلم المزيد من الاسرار حول هؤلاء الرجال

ربما سنكتشف حقائق لن تخطر لنا ابدا على بال حاليا

المصدر الحوار المتدن

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.