«1984» وسبع سنوات هنا وسبع هناك

سمير عطا الله  : الشرق الاوسط 

 لعل جورج أورويل كان أبرز كتّاب الأدب السياسي في اللغة الإنجليزية في القرن العشرين. وكان كتابه «مزرعة الحيوان» أشبه بـ«كليلة ودمنة». أما «1984» فظلت أهم الروايات الرمزية حول الحكم الديكتاتوري والحزب الواحد. كان أورويل على حق في الوصف الإبداعي لسطوة «الشقيق الأكبر»، لكنه رأى أن النظام الديكتاتوري متحكم في حياة الناس وأنفاسها، بحيث لن يمكن الخلاص منه في أي وقت، فالديكتاتورية سوف تشوه مواطنيها وتخدرهم وتعودهم على تقبل الاستبداد.

 في ذلك كان أورويل على خطأ. وربما في توقعات كثيرة أخرى. ومن المفيد – ودائما من الممتع – إعادة قراءة «1948» اليوم. وضع أورويل روايته عام 1949 فيما كان العالم خارجا من النازية ويزداد تجذرا في الستالينية. وبعد سبع سنوات من «1984» كان الاتحاد السوفياتي ينهار، ونيكولاي تشاوشيسكو يعدم مع زوجته ويرمى فوق كومة من القش، والصين تغير حكامها في الموعد المحدد على الطريقة الغربية.

 سقط «الشقيق الأكبر» تقريبا في كل مكان. لم يعد يدخل مخادع الناس في ألمانيا الشرقية. لم يعد يطارد المعارضين إلى الخارج في ليبيا. لم يعد يخطفهم في القاهرة. انهار في تونس وفي العراق، وتفجر في سوريا.

 استخدم المنشق السوفياتي أندريه أمالريك عنوان أورويل (1984) لكي يتوقع انهيار الاتحاد السوفياتي في ذلك العام. تأخر هو أيضا سبع سنوات، لكن توقعه هو الذي صح وتحقق، إلا من عنصر واحد، فقد تكهن بأن أسباب الانهيار سوف تكون تزايد النقمة وضبط الحريات وضعف الاقتصاد بالإضافة إلى كلفة النزاع العسكري مع الصين. حدث كل شيء إلا النزاع مع الصين. جميع العوامل الأخرى كانت صحيحة.

 «هل يبقى الاتحاد السوفياتي إلى عام 1984»؟ كان جواب أمالريك أنه لن يبقى، لكنه أخطأ بسبع سنوات. وقال أورويل إنه باق، وأخطأ بسبع سنين، وهما رقما السنوات العجاف والسنوات السمان في قصة يوسف الصديق، نموذج الحسد البشري الذي يضرب حتى الإخوة، كما ضرب قابيل في أوائل الخلق.

 لكن أورويل كان على حق وعلى روعة في أمور كثيرة. والأهم أنه كرس أدبه وفكره لمحاربة الطغيان. وبذلك كان دائما على حق: «سوف يضيق متسع الكلام.. وسوف يضيق متسع الضمير». وكان على حق في أن الديكتاتورية تسعى أولا إلى تعفين الفكر وتدجين النخب وتلويث المثقفين. حاول المثقفون العرب استلحاق أنفسهم بعد تهاوي الأنظمة، لكن الناس كانت قد سبقتهم إلى تحدي النظام. والحقيقة أنهم بدوا في الخلف متعثرين، وخارج القضايا. كان الرعب أقوى منهم. كانوا، ربما، مثل أورويل، يعتقدون أن الديكتاتورية خدرت الشعوب إلى الأبد.

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.