السعودية ومصر تحققان أهداف القمة الاقتصادية العربية

جمال خاشقجي: الحياة اللندنية

 أفكار عظيمة، ووعود مشجعة تلك التي سمعناها من القادة العرب في القمة الاقتصادية العربية التي اختتمت أعمالها في الرياض الأسبوع الماضي. إنهم يريدون تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في كل البلاد العربية، وتحويلها إلى كتلة اقتصادية واحدة منسجمة وناجحة، ترتع شعوبها في بحبوحة ورخاء ووظائف.

 ولكن لننزل هذه الأفكار العظيمة على واقع العالم العربي، فهل يمكن أن نؤسس وحدة اقتصادية تنساب فيها بلايين الاستثمارات والبضائع والوظائف بين أكبر بلدين عربيين -السعودية ومصر- اللذين يشكلان معاً أكثر من نصف اقتصاد العالم العربي؟

 بالطبع لا، ليس لأن التجارة البينية بين هذين العملاقين متواضعة، فهي لا تزيد على 7 بلايين دولار، على رغم أنها الأضخم بين أي بلدين عربيين، وإنما بسبب الاختلاف الكبير في البنية الاقتصادية بين البلدين «الشقيقين» على رغم القرابة الجغرافية والدين والأهل والعشيرة، وقد وصف الرئيس مرسي البلدين بأنهما «قبيلة واحدة» خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض لحضور القمة.

 فالسعودية دولة رأسمالية، جُلّّ اقتصادها معتمد على النفط، نشطة صناعياً، ووصلت منتجاتها الى الأسواق المصرية، فيها فائض هائل من المال، ولكنها حريصة عليه، فتمضي به حيث تجد ضمانات أكبر لحمايته ولو بعوائد منخفضة. والأهم من كل ذلك أن لديها أيضاً مشكلات عميقة تشوّه بنيتها الاقتصادية، أهمها البطالة، وضعف مخرجات التعليم، واعتماد بلغ حدّ الإدمان على العمالة الأجنبية القليلة الكلفة في كل قطاعاتها الإنتاجية، من صناعة وتشييد وخدمات، أضف إلى ذلك شحّ الأراضي، على رغم سعة الأرض، وذلك بسبب الاحتكار والتوسّع في سياسة إقطاع المساحات الهائلة، ما أخرجها من التداول ورفع أسعارها. ثمة بيروقراطية أيضاً يشكو منها رجل الأعمال والمستثمر، وبخاصة السعودي، أما الأجنبي فله هيئة تحميه وترعاه، وهناك أيضاً فساد وضعف في البنية القضائية، ولكنها تنعم باستقرار سياسي وسوق استهلاكية كبيرة تعوّض في نظر المستثمر بعضاً مما سبق.

 مصر في الجانب الآخر، ذات نظام مختلط، لم تتخلص تماماً من إرث اشتراكية عبدالناصر وملكية الدولة، مع اقتصاد رأسمالي ولد مشوّهاً، وارتبط مع النظام الحاكم سابقاً، ويمر الآن بـ «مرجل» يتطهر فيه، ويعود لطبيعته الحرة المعتمدة على قواعد اقتصاد السوق لا محاباة النظام. قوة مصر في طاقتها البشرية، تتمتع بعمالة مدربة، ومستعدة للعمل دوماً، مع خبرات إدارية جيدة وموارد بشرية، ولكنها تفتقد المال والاستقرار، وأدى العامل الأخير إلى خروج كثير من المال القليل الذي كان متاحاً، وتسعى الحكومة الحالية إلى إقناع رجال الأعمال الراحلين بالعودة، والباقين بالاستثمار، بعدما اتهموا الثورة وشبابها والجماعة الحاكمة بأنهم «حرامية وفلول»! ولكن الصورة تداخلت لاحقاً، فالمعارضة -بما فيها «الثورية»- تحالفت معهم ضدّ «الإخوان» الذين تسنموا الحكم، ولكن رجال الأعمال بعدما تأكدوا أن «الإخوان» باقون، شرعوا في اكتشاف وتجريب المزايا الرأسمالية فيهم.

 في مصر أيضاً فساد وبيروقراطية وعدالة بطيئة، ورأي عام معادٍ لرؤوس الأموال، بعضه موروث من أفكار ناصرية قديمة تتهم الأجنبي بنهب البلد، والبعض الآخر متأثر بفساد عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي حوّل مصر هو وأسرته ورجاله إلى اقتصاد خاص بهم، جعلوه «دولة» بينهم.

 في السعودية ثمة مصانع قليلة أقفلت أبوابها بسبب قرار الدولة رفع كلفة العمالة الأجنبية، وأخرى تهدد بذلك، وبنقل نشاطها للخارج، في بكائيات غير مقنعة، ولكن الحال في مصر أكثر خطورة بمراحل، بل كارثية، فآلاف المصانع أغلقت أبوابها لرغبة العمالة المصرية في الحصول على أجور أفضل، ولكن رجل الأعمال الذي لم يتعود على إضرابات العمال واحتجاجاتهم، لم يستجب لذلك، قائلاً إن رفع الأجور يضعف قدرته التنافسية، وطالب الدولة بتسهيل عمليات التمويل في زمن شحّت فيه العملة الأجنبية.

 كل ما سبق نموذج لواقع الاقتصاد في بلدين يحتاجان إلى إصلاح أحوالهما قبل الانتقال إلى مرحلة تكامل اقتصادي بينهما، وهو أيضاً محفّز لتطبيق كل قرار اتخذ في قمة الرياض الاقتصادية، من تعزيز لدور الخبرة العربية كي تقدم استشارات ناجعة للجميع، مروراً بمضاعفة رؤوس أموال صناديق الاستثمار العربية، ووصولاً إلى تفعيل اتفاقات الاستثمار المراد منها حماية الاستثمارات حتى تصبح الدول العربية جاذبة أكثر للاستثمار، كما لا يعني الانشغال بالتحديات الاقتصادية المحلية إهمال أهداف القمة، وسعيها إلى نهضة عربية مشتركة، بل العكس، فالعمل المشترك يساعد أيضاً في نقل الخبرات للبحث عن الحلول، ويولد بيئة تنافسية بين الأشقاء، وفرصاً لكسب مشترك، فالحديث عن تكامل العالم العربي حقيقي وليس مجازياً للدعاية والخطب، فنفط وطاقة وخبرات استثمارية هنا، وموارد وأيدٍ عاملة هناك، كما أن الظروف باتت مواتية أكثر لتحقيق نهضة مشتركة، فالربيع العربي أضاف عاملاً آخر ضاغطاً على القيادات العربية، وهو ثلاثية «المكاشفة والمساءلة والمحاسبة»، فباتت هناك معارضة شرسة تسأل وتتقصى وتحاسب، ومن لم يسمح بمعارضة حزبية فهو يعلم أن الشعوب باتت متمكنة من أدوات تعبّر بها عن رأيها بقوة، وتقارن حالها بحال غيرها، فلا يخفي عنها معلومات ولا أسراراً.

 لنتذكر الظروف التي دفعت بفكرة «القمة العربية الاقتصادية» قبل عامين في الكويت عندما عقدت في دورتها الأولى. إنها نتاج تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربي الأول الذي صدر العام 2002، والذي صدم الرأي العام العربي والقادة الذين حاول بعضهم تجاهله، والتقليل من تأثيره والتشكيك في معلوماته، غير أن الكُتاب وأهل الرأي والباحثين أصروا على مناقشته، ووجدوه فرصة لمناقشة حال التردي العام في عالمنا. كانت أرقام التقرير منجاة لهم للهرب من السياسة في زمن ما قبل الربيع العربي، حين كان الكاتب العربي يحاسب على ما تسطره يداه. تراكم ما كتبوه فانساب إلى الضمير الشعبي حتى أضحى محركاً أساسياً للشعور بالغضب بعدما عرف المواطن -وبالأرقام هذه المرة- ما كان يشعر به طوال عقود من أنه في ذيل كل قوائم التنمية العالمية، في البطالة والتعليم والكتب والترجمة… والحياة.

 بسبب هذا التقرير والأجواء التي خلقها، كانت القمة العربية الاقتصادية الأولى في الكويت سنة 2009، ثم الثانية في شرم الشيخ سنة 2011 تركزان على الاقتصاد، فكانتا اعترافاً متأخراً بأنه حان الوقت للاهتمام بمعيشة الإنسان، وأن الخطاب الفارغ حول الاستقلال، ومواجهة الهجمة الإمبريالية، وتحرير فلسطين، ونعمة الاستقرار… لم تعد جميعاً تقنع مواطناً غاضباً محروماً، غير أن القمم السابقة مضت من دون تأثير، ذلك أنها كانت استمراراً لحال الانعزال بين الشعب والحكومة. ربما كانت مجرد حال علاج نفسي لقادة يريدون أن يبرئوا ذمتهم أمام شعوبهم، ليقولوا لهم بكلمات ووعود.. «لقد حاولنا والباقي على الله»!

 هذه المرة تريد الشعوب أفعالاً لا أقوالاً، تريد وظائف، ونتائج بالأرقام، وستسأل قادتها حتى قبل أن تعقد قمة تونس بعد عامين!

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 2 Comments

هل اللاجئات السوريات للبيع؟

                  أحلام اكرم

تابعت قد إستطاعتي أخبار زواجات اللاجئات السوريات وخاصة القاصرات منهن. وصعقت مرتين، الأولى.. أنه وفي المجتمع المضيف الذي يدّعي التحفظ والفضيلة.. تشترك في هذه التجارة جمعية خيرية ” كتاب السنة ” تحولت وبقدرة قادر من هيئة دينية إلى شركة تسّهل عملية الزواج للراغبين بمثل هذه الزواجات.. وبالتاكيد تقبض عمولتها شأنها في ذلك شأن أي شركة ربحية!! تحت تبرير أنها وجدت أن هناك عدد من أصحاب النوايا الطيبة.. وأغلب ظني أنها أرتأت أن هناك فرصة ربحية دينية ومادية إضافة إلى مصلحة الطرفان في زواج يحمل كل دلائل الدين ولكنة لا يحمل أي من المبادىء الأخلاقية.. خاصة حين وجدت تقارير كما جاء في الصحيفة البريطانية “ديلي تلغراف ” بأن كثير من هذه الزيجات مجرد زواج إستمتاعي مؤقت.. إضافة إلى أن كتابة وثائقة باليد وعدم الحاجة لتوثيقها لا يعطية إلا صفة الزواج الوهمي.. ولكن وبالتأكيد فإن إسم هذه المؤسسة (كتاب السنة ) يضعها في موقف تنافسي منتصر أكثر من أي من الشركات الأخرى.. وأيضا يرفع قيمة أرباحها.. ترى كيف تعيد إستخدام هذه الأرباح؟

 أستطيع تفهّم حاجة هذه الأسر.. وتضحيتها بصبية ربما لم تبلغ الثانية عشر من أجل سقف يسترها ويدفئها.. ولكن لا أستطيع تقبّل أو فهم إنخراط هذه المؤسسة في عملية قتل مستقبل مثل هذه الفتاة وجنين قد يكون ثمرة هذا الإستمتاع المؤقت.. خاصة وأن التقارير أثبتت أن معظم هؤلاء الرجال يختفين بعد نيل مآربهم..

أما الدولة المضيفة فلا حس ولا خبر.. فقد قامت بحسن الضيافة حين أعطتهم حق العبور إلى أراضيها!!

 اما الثانية.. فهي حين قرأت بعض التقارير والأخبار ومن ضمنها مقالة الزميل ” نهاد إسماعيل ” عن إستعمال النظام لطريقة إغتصاب الفتيات للضغط على قوى المعارضة وترويع الأهالي.. وهو ما ورد في تقرير لمجلة فورين أفيرز.. بناء على تقارير من منظمات إنسانية ترصد عمليات إنتهاكات حقوق الإنسان التي يقترفها النظام..

 في مجتمعات ’تحمل المرأة وزر الخطيئة الأولى وكل الأخطاء.. و’تحملها وزر شرف كل العائلة.. ترى ما مصير إمرأة إنتهكت براءتها.. وإغتصبت بكارتها بدون أي ذنب؟؟؟؟

قصص إغتصابات النساء والتحرش بهن تمت في كل الدول التي تمر بعصف ما يسمونه الربيع العربي.. ليس بذنب من رجالات هذه الإنتفاضات.. ولكن بذنب أنظمة عفنة لم تحترم كرامة مواطنها سواء رجل أم إمرأة.. ولكن عمليات الإغتصاب الجماعي التي أقرأ عنها الآن في سوريا ’تروعني على مصير هؤلاء الفتيات.. فكم من عملية قتل شرف.. ومسح للعار ستتم.. سواء علمنا بها أم لم نعلم.. ففي حرب بين نظام إغتصب إرادة شعبة لما يزيد عن الأربعين عاما.. فلم يعد يهمه إغتصاب إمرأة أو ألف إمرأة!!

ترى في مثل هذه المجتمعات والتي قد تستطيع بعض من هؤلاء المغتصبات الهروب من حكم العائلة والمجتمع.. ما مصير جنينها في مثل هذه المجتمعات؟؟؟ ففي القرن الحادي والعشرون لا تزال ثقافة هذه المجتمعات لا تعتبره إنسانا او بشرا.. بل هو فقط إبن حرام؟؟؟

 أقسى رد سمعته من صديقة.. جاء على لسان أحد الثوار المنتفضين في إحدى دول الربيع المظلم.. حين ’سئل ماذا سنفعل بالمغتصبات.. كان رده أننا سنشجع الزواج منهن.. حفاظا عليهن.. ولكن بدون مهر!!

 منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | 2 Comments

أوباما وسوريا

حازم صاغية

في الخطاب المرصّع بعبارات بليغة تكاد تكون فلسفيّة، قال باراك أوباما إنّ الولايات المتّحدة مهمومة، أوّلاً بأوّل، بداخلها.

 وهذا الخطاب الذي تُدشّن به الولاية الأوباميّة الثانية يعيد التذكير بإحدى الحقائق البارزة في الحياة السياسيّة الأميركيّة، وهي أنّ الديموقراطيّين، في الغالب، أكثر انعزاليّة وأقلّ تدخّليّة من منافسيهم الجمهوريّين. فحتّى إيران و»ملفّها النوويّ» يبدو أنّ الإدارة القديمة – الجديدة ستعالجهما بالاحتواء لا بالمواجهة، ولا تكفي شهادة جون كيري لإقناعنا بغير ذلك. وهذا، ما دام الكلام على إيران، يحمل على تذكّر إدارة ديموقراطيّة أخرى كان على رأسها جيمي كارتر: يومذاك، وبحسب نقّاده الكثيرين، كان لتركيز كارتر على «حقوق الإنسان» أن ساهم في إسقاط أحد أبرز حلفاء واشنطن، وهو شاه إيران.

 لقد كان التحليل المرتكز على حسبة جغرافيّة سياسيّة باردة يقول إنّ كارتر قد يفعل كلّ شيء إلاّ ترك الشاه يتهاوى، هو المقيم جنوب الاتّحاد السوفياتيّ في مناخ من احتدام الحرب الباردة. وكان أصحاب هذا الرأي يحتكمون إلى تجربة الأميركيّين مع محمّد مصدّق في 1953 حيث بلغ تدخّلهم، في ظلّ إدارة أيزنهاور الجمهوريّة، حدّ الإعداد لانقلاب عسكريّ نفّذه الجنرال زاهدي، بعدما رفضت إدارة ترومان الديموقراطيّة فكرة انقلاب كهذا.

 والآن يقول التحليل الجغرافيّ السياسيّ البارد إنّ أوباما لا بدّ أن يتدخّل في سوريّة، إن لم يكن لحسابات إنسانيّة فمن أجل إسقاط الجسر الإيرانيّ مع المشرق العربيّ. هكذا ستكون إطاحة بشّار الأسد خدمة كبرى تُسدى إلى واشنطن التي لا يمكن إلاّ أن تساعد وتردّ مسبقاً بخدمة مماثلة.

 لكنْ لا.

 في المقابل، فإنّ أوباما ذو همّة لا تفتر في ما خصّ مطاردة «القاعدة» وإرهابها (أو انتشار السلاح الكيماويّ). وهذا، في العرف الأميركيّ، وبعد تجربة 11 أيلول (سبتمبر) وما تبعها في لندن ومدريد وسواهما، شأن داخليّ، لا خارجيّ. صحيح أنّ مكافحة الإرهاب، في نظر الرئيس الحاليّ، ينبغي ألاّ تقود إلى حروب كالتي انساق إليها سلفه جورج دبليو بوش، إلاّ أنّها ينبغي أن تُستأنف بالإصرار نفسه ولو بأدوات أخرى كالقواعد البعيدة والحلفاء المحليّين والطائرات من دون طيّارين.

 ما يُستنتج من أيّة مقارنة بين الموقف من إيران وسوريّة والموقف من «القاعدة» هو أنّ الخارجيّ ينبغي أن يصبح داخليّاً من أجل أن تتدخّل الولايات المتّحدة، أو أنّ هذه المعادلة هي، على الأقلّ، الحكمة الأوباميّة التي سيُعمل بها في السنوات الأربع المقبلة. وبطبيعة الحال فإنّ العمل بموجبها في ولاية ثانية لن يترشّح بعدها الرئيس سيكون أسهل وأقلّ تعرّضاً للابتزاز.

 وهذه معادلة حتّى لو وضعنا جانباً ضعفها الإنسانيّ وقلّة اكتراثها بمصائر السوريّين، تبقى قصيرة النظر، خصوصاً حين تعتنقها الولايات المتّحدة التي هي أكثر دول العالم تداخلاً بين ما هو داخليّ وما هو خارجيّ. لكنّ إذا طبّقنا المعادلة إيّاها على سوريّة بتنا أمام حصيلة كارثيّة تستدعي تأمّل قوى الثورة وتمعّنها. ذاك أنّ أكثر أوجه قوى الثورة السوريّة قابليّة لأن تُعدّ خارجيّة هو وجهها المتعلّق بـ»جبهة النصرة» وشقيقاتها لأنّها، أميركيّاً، تندرج في الإرهاب. وهذا، كما نعلم، دأب النظام والصورة التي يعمل على تصديرها إلى العالم.

 فإذا تمادينا مع هذا المنطق وجدنا أنّ أفضل ما قد تصل إليه واشنطن هو الجمع بين تأييد معنويّ وسياسيّ للثورة السوريّة لا يكلّف الكثير وبين إجراءات عمليّة ضدّ «جبهة النصرة» وشقيقاتها.

 وأغلب الظنّ أنّ صورة قاتمة كهذه تحضّ على ضرورة الإبداع السياسيّ الذي لا تبدو أدواته متوافرة كثيراً، سيّما في ظلّ القناعة التي باتت مكرّسة بأنّ الثورة لن تستطيع بذاتها إسقاط نظام مجرم يحظى إجرامه بدعم روسيّ وإيرانيّ كثيف.

 فليس مقبولاً أن «تنجح» منظّمة كـ»جبهة النصرة» في أن تصبح همّاً أميركيّاً، وأن لا تنجح الثورة السوريّة في ذلك. هنا في الأمر خطأ ما لا يسعف التبرير في علاجه. 

نقلاً عن صحيفة “الحياة”

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الشعر.. منصور!

سمير عطا الله – الشرق الاوسط

 غاب عاصي الرحباني، ثم غاب منصور، والسؤال يرفرف دون جواب: من فيهما يؤلف؟ ومن منهما يلحن؟ من الشاعر؟ ومن الموسيقي؟ لم أعرف عاصي جيدا لكي أطرح السؤال الذي تطرحه الناس على بعضها البعض. لكن مودة صادقة جمعتني إلى منصور.

 وقد طرحت عليه أسئلة إعجاب ومحبة عدة، ومنها، بكل أدب، هل كان عاصي يلحن أم يؤلف؟ وكان جواب منصور لا يتغير: كلانا يؤلف ويلحن.

 بعد وفاة عاصي تغير عطاء منصور وانفردت فيروز بنفسها، فراحت الألسن تقول: موت عاصي فضح منصور. عاصي كان الشعر وكان الموسيقى وكان المسرحية. سمع منصور الكثير من هذا الكلام وسمعه كثيرا ولم يغير جوابه وصوته الجهوري العميق: عاصي وأنا! في ذكاء متناه وأدب جم يعود الدكتور محمود الزيباوي، ذاكرة الفنون في لبنان والعالم العربي، إلى العام 1956 ثم 1957 ثم بقية الأعوام. إلى الأسماء والنقاد والمقابلات المنشورة، ليقول لنا، دون إعلان، إن منصور كان الشاعر بين الأخوين. أجمل الشعر الفصيح وأرق الشعر العامي، من رقة الشاعر في منصور، ذلك العملاق الضخم الذي كان يلعب في المسرحيات دور راعي الماعز، الجبلي اللهجة، الصخري النشأة، الرائع الروح والنفس والمواهب. ما وثقه الدكتور محمود الزيباوي في عملية بحث لا يصبر عليها سواه، كان ظنا لدي. كنت أعرف مدى عبقرية عاصي ومدى تأثيره على منصور ومدى الدور القيادي الذي لعبه في الثلاثية المذهلة، لكنني أيضا كنت أشعر أن منصور، المتواضع أبدا أمام حضور عاصي ثم أمام ذكراه، ليس أقل من نصف الماسة الرحبانية، التي ملأت الشرق شعرا وشدوا ونفحا من طيوب الجبل الذي نزلا منه راعيي ماعز ليصبحا شرطيي بلدية، ليصبحا مجد لبنان الموسيقي طوال نصف قرن. يرفض الدكتور محمود الزيباوي أن يتجاوز نفسه من البحث إلى النقد. ولذلك سمحت لنفسي أن أستند إلى حقائقه ودقته ومنهجيته وتواريخه، لكي أخلص بنفسي، مغامرا، إلى ما يرمي إليه: عظمة منصور في حلقة الأخوين. لست أعرف – وغيري أكيدا يعرف – باحثا يعطي الفنون العربية جمعاء ما يعطيها الزيباوي، سواء في مؤلفاته أو في أسبوعياته الدائمة في «الملحق». وبعدما قرأت ما كتبه عن منصور تذكرت أنه قال لي قبل سنوات: «لدي كل ما كتب وقيل عن فيروز، إلا سلسلة المقابلات التي أجرتها الصحافية هدى المر في مجلة (المجلة) في بداياتها، فهل لك أن تساعدني في ذلك؟». حاولت لفترة كان خلالها هاتف فيروز يرن لنفسه ولا يجيب على أحد، وكان أرشيف «المجلة» ينتقل من الورق إلى الإلكترون. وخذلت محمود الذي كان في نفس غسان تويني تقدير شديد لطاقاته وكفاءاته وعلومه. وكل أسبوع أبحث عن ماذا يحيي لنا هذه المرة من عبق الفنون. إنصاف منصور كان أحد هذه الأسابيع.

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

كيري وكيف يرى سوريا؟

عبد الرحمن الراشد – الشرق الاوسط

 حدث أن قرأت النص الطويل لجلسة الاستماع التي عقدت في مجلس الشيوخ التي تسبق التصويت على تعيين مرشح الرئيس الأميركي لوزارة الخارجية جون كيري، نحو 35 ألف كلمة. وهو الحوار الذي دار بين السيناتور كيري ولجنة الشؤون الخارجية التي كان يرأسها كيري نفسه قبل تعيينه. وحتى نتعرف على شخصية وزير الخارجية الجديد، الذي سيثبت تعيينه بالإجماع، فهو قد سبق له أن مثل للشهادة أمام مثل هذه اللجنة قبل أكثر من 40 عاما كجندي عائد من حرب فيتنام.

 إذن، نحن أمام سياسي متمرس ومطلع. وهو مطلع على منطقتنا إلى درجة أن سبق له أن التقى الرئيس السوري بشار الأسد 6 مرات، أي أن كيري يعرف زوايا المنطقة ورجالها.

 مع هذا أشعر بالقلق مما قرأته لأن كيري لم يعكس مواقف واضحة في قضايا أساسية، وتحديدا سوريا وإيران. حتى إن السيناتور جون ماكين ألح عليه أن يتبنى موقفا أكثر وضوحا ينسجم مع المفاهيم الأخلاقية والمصلحة العليا بالوقوف ضد أفعال نظام بشار الأسد. وقال ماكين ألا ترى أننا نبذر في الريح في سوريا وسنحصد «القاعدة» وبقية الجماعات المتطرفة التي ستحل محل النظام؟ 60 ألف قتيل اليوم في سوريا والنظام سقوطه حتمي، وإن الأسد يفكر في الخطة (ب) بالرحيل إلى الساحل وارتكاب عمليات تطهير عرقية وإقامة دولة علوية هناك. وقال له ماكين أيضا لقد تحدينا كثيرا وعقدنا الكثير من جلسات الاستماع ولم نفعل شيئا، والآن نحن أمام 60 ألف قتيل بعد 22 شهرا وكل ما أسمعه من الحكومة هو أن سقوط الأسد حتمي! لهذا أملنا أنت لأني أعرف أنك حريص ومهتم بالوضع.

 لكن لم يقل كيري كلاما يوازي كلام ماكين أو يجيب عنه بشكل واضح، تحدث عن أمله في تعاون الروس، ورد عليه ماكين أن الروس يقولون هذا لكنهم يدعمونه بالسلاح. أجابه كيري بأن أي حكم نتخذه هنا عليه أن يتعرض للاختبار، أن نحلل تكاليفه، كل التكاليف البشرية والمادية وانعكاساته على بقية الدول.

 الحديث طويل ولم يقتصر على سبر مواقف كيري حيال سوريا، بل طرحت الأسئلة عليه حول كل قضايا العالم المختلفة التي تهم الدولة العظمى.

 ومع إدراكي أهمية القضايا الأخرى في هذا العالم الفسيح والمضطرب؛ من إيران إلى كوريا الشمالية إلى الصين وأميركا اللاتينية، إلا أن الموضوع السوري مفتاح القضايا هنا، وهي مسألة آنية. إلى قبل عشرة أشهر لم تدخل «القاعدة» حرب سوريا، اليوم صارت ضمن قوى الصراع، وكل ذلك بسبب التلكؤ وترك نظام الأسد يمارس التدمير والقتل الذي روعت مظالمه شعوب المنطقة وأغضبتهم.

 لقد أفسد الصيام الأميركي عن التدخل إيجابيا في سوريا كل ما تم تحقيقه بصعوبة شديدة في الحرب على الفكر المتطرف والجماعات الإرهابية، حيث نجحت حملة مركزة في السنوات العشر المنصرمة ضد الجماعات المسلحة، و«القاعدة» تحديدا على المستوى الشعبي والنخبوي، لكن ها نحن نعود للمربع الأول بكل أسف. أعتقد أن كيري كوزير خارجية مقبل قادر على تفهم طبيعة الصراع ومخاطر التجاهل الذي مارسته إدارة أوباما خلال العامين الماضيين، سقوط النظام السوري سيفقد الإيرانيين ذراعهم الطولى في تنفيذ سياساتهم الإرهابية، هذا مشروط بإعانة الشعب السوري على إقامة نظام من اختيارهم في اقتراع حر. أما إذا فر الأسد من دمشق، وهذه مسألة حتمية كما قال ماكين، فإننا أمام آلاف من الجهاديين التدميريين من جانب، وآلاف من شبيحة الأسد الذين سيمارسون عمليات تطهير عرقية في المناطق الساحلية. هذه نتيجة الغياب وترك الفراغ للأطراف السيئة من إيرانية و«قاعدة» وغيرها.

 alrashed@asharqalawsat.com

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

مقتل ستالين

إنتهى العام الدراسي وبدأت العطلة الصيفيه وسيكون لدي متسع من الوقت لمعاودة الكتابه من جديد وسأبدأ من النقطة التي

غلاف كتاب / ستالين , بلاط القيصر الأحمر

توقفت عندها سابقاً حيث تحدثت عن حياة ونظرية تروتسكي في الثورة الدائمه .

اليوم سأتناول قضية مقتل ستالين , فبعد أن كان يعتقد ولوقت طويل بأن هذا الزعيم الروسي مات نتيجة نوبة مفاجئه ألمت به , هاهو أرشيف الكي جي بي يفتح بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي ليتم الإطلاع على واحدة من الخفايا التي ما كان يمكن معرفتها سابقا ً وهذه المعلومه تقول بأن ستالين مات مقتولاً بحقنة سامه أشرف على إعطائها له مدير أمنه العام ( بريا ) ساعة دخول ستالين الى مضجعه ليلاً لينام بعد حفلة صاخبه .

الكتاب الذي يضم تفاصيل هذه الحادثة وتفاصيل أمور كثيرة غيرها عن الحياة في الإتحاد السوفييتي , وعن حياة ستالين الشخصيه وعلاقته بأفراد عائلته وحزبه جاءت على شكل كتاب يحمل عنوان ( ستالين _ بلاط القيصر الأحمر ) صدر في لندن عن مطبعه ( وينفيلد ونيكلسون ) عام 2003 ويقع في 596 صفحه من قطع كبير المتوسط ومطبوع بإقتصاد شديد في الورق بحرف حجم 11 . . أما لتحميل الكتاب أونلاين وقراءته باللغة الإنكليزيه فمن الرابط التالي :

Stalin: The Court of the Red Tsar

 الكتاب من تأليف الكاتب الأمريكي ( سيمون سيباج مونتفيور ) والذي كما سنرى كان قد تمكن من الحصول على الأذن بدخول مقر أرشيف الكي جي بي المحصن ذرياً ليعاين الوثائق الموجودة فيه .. ثم يخرج بعد ذلك لإجراء لقاءات مع شهود عيان على كل ما وقع بغية الحصول على الحقيقة كامله عن مقتل ستالين .

وفي النهايه هل سيخبرنا مونتيفيور بمن قتل ستالين ؟ كلا بالطبع , فهو سيخبرنا بأسماء المنفذين أما من يقف خلفهم من القتله فأنت تستطيع أن تعرف ذلك ببساطه اذا كانت لديك معرفة جيدة بالتاريخ تؤهلك للنبش في الخفايا .

وعلى الرغم من أن المؤلف حاول أن يعطي قصة مقتل ستالين أبعاد عائليه وعاطفيه وحزبيه وما الى ذلك إلا أن الحقيقه تبقى واحده وهي ان الأمريكان كانوا من يقف مباشرة وراء مقتل ستالين … ببساطه شديده .. لأن دوره كان قد إنتهى بالنسبة لهم وكان عليهم إفراغ الساحة منه ليتسنى للاعب جديد أن ينزل الى الساحة الدوليه بقوه لتنفيذ أغراض المرحلة التاليه في السياسة الأمريكيه حول العالم .

فطن الروس ( شرق أوربا ) والبريطانيون ( غرب أوربا ) الى السعي الحثيث للويات المتحدة الأمريكيه لجعل نفوذها يتغلغل في القارة الأوربيه , ولهذا عقد ملك بريطانيا مع قيصر روسيا معاهدة عام 1907 والتي من أهم مقرراتها تطويق قارة أوربا من الشرق والغرب وجعلها عصية بوجه أي تغلغل أمريكي فيها .

الرد الأمريكي على هذا المعاهده جاء بعد 7 سنوات حين أفلحت الولايات المتحده الأمريكيه في إشعال الحرب العالمية الأولى داخل القارة الأوربيه ( للمزيد من التفاصيل أرجو العوده الى موضوعي المنشور على الموقع تحت عنوان : الحرب العالمية الأولى و البلشفيه ) .

أثناء إنشغال اوربا بالقتال في الحرب كان يجري الإعداد لعمل حاسم يخرج روسيا القيصرية من حلفها مع البريطانيين , وهكذا فما أن دخلنا يوم 22 فبراير 1917 بالتقويم الجولياني – ويصادف يوم 7 آذار بالتقويم المعمول به في يومنا هذا , حتى وقعت ثورة فبراير التي أطاحت بالقيصر نيكولاس الثاني وقضت على الحكم القيصري في روسيا . 

بدلاً عن القيصر حلت حكومه مؤقته تحت حكم الأمير ( جورجي لڤوڤ ) ورأس وزرائها ( كيرنسكي ) , وكانت هذه الحكومه المؤقته في تحالف مع الليبراليين والإشتراكيين ويهدف الجميع الى الإصلاح السياسي والإجتماعي للوصول الى حكومه دستوريه منتخبه ديمقراطياً , وفي نفس الوقت قام الإشتراكيون بتشكيل قيادة ( سوفييت بتروغراد ) التي كانت تحكم الى جانب الحكومه المؤقته بما يعرف بالسلطه المزدوجه . 

 ليس من قبيل الصدفه , بل بتخطيط عالي الهمه , دخلت الولايات المتحده الأمريكيه الى الحرب بعد 27 يوما فقط من وقوع ثورة فبراير وكان ذلك يوم 3 نيسان 1917 بإعلان ويلسون الحرب على ألمانيا . الهدف من ذلك هو نشر الجيش الأمريكي في أوربا الغربيه لحماية المكتسب الجديد الذي يقع في اوربا الشرقيه والتأثير في سير الحرب والتأثير في مجريات الثورة الروسية نفسها من أجل منع أي احتمال لتنسيق روسي بريطاني في المستقبل _ ومن أجل هذا كانت البلشفية هي الحل .

 نعود الى تاريخ 26 حزيران 1907 وقعت سرقة ( بنك تفليس ) وهي عملية سطو مسلحه قام بها البلاشفه في المدينة الجورجيه ( تفليس ) التي تعرف اليوم بإسم ( تبليسي ) . بينما كانت الأموال تنقل في عربه من خزينة البريد الى خزينة البنك محاطه بعناصر الأمن تمت مهاجمتها بالقنابل والبنادق مما أدى الى قتل أربعين شخصاً وجرح حوالي خمسين آخرين وسرقة مبلغ 341 ألف روبل أي ما يعادل حوالي 4 مليون دولار أمريكي في يومنا هذا , قام بالتخطيط وشارك في التنفيذ بلاشفه من كبار الحزبيين بضمنهم : فلاديمير لينين وجوزيف ستالين ومكسيم ليتفينوف وألكسندر بوغدانوف , من أجل الحصول على المال لتمويل أنشطتهم الحزبيه , بعد هذه الحادثه هرب الجميع الى الخارج حتى لا يتعرضوا للعقاب , ومنذ عام 1907 وحتى عام 1917 كان لينين خارج روسيا . 

 بعد اسبوعين من دخول الولايات المتحده الأمريكيه الى الحرب العالمية الأولى عاد لينين الى روسيا وكان ذلك يوم 16 نيسان 1917 وكان في استقباله الى جانب حشد من حملة الأعلام الحمراء , الشيوعي المنشفي رئيس ( سوفييت بتروغراد ) الذي تجاهله لينين ووجه خطابه الى الجمهور محدثاً اياهم عن الأهميه الدوليه للثورة الروسيه .

 بريطانيا لا يهمها إن كان القيصر قد مات أو من يحكم اليوم .. المهم لديها أن تنسق بشكل جيد من أجل إعادة العمل بالحلف المبرم بينها وبين القيصر ولم يكن ذلك ممكناً إلا في ظل وجود حكم فردي وليس ( حكومة مؤقته مزدوجه ) يشارك فيها الشيوعيون , ولهذا كان على الأمريكان ان يمدوا البلاشفه بالمال ومختلف أشكال الدعم من أجل تمكينهم من السيطرة على السلطه وهكذا وقع إنقلاب أكتوبر البلشفي عام 1917.

 بريطانيا لم تستسلم وواصلت القتال منذ عام 1917 وحتى عام 1923 تحت قناع ما يسمى بالحرب الأهلية الروسيه , التي هي في الحقيقه ليست أكثر من امتداد للحرب العالمية الأولى , ففي يوم 3 آذار 1918 انسحبت روسيا من الحرب العالمية الأولى ووقعت معاهدة صلح مع ألمانيا . الولايات المتحده الأمريكيه وجيشها كان موجوداً على الأراضي الأوربيه وبواسطتهم تم توقيع الهدنه مع دول المحور يوم 11 تشرن الثاني 1918 .

 تفرغ الحلفاء الى قتال بعضهم من وراء قناع ما يدعى بالحرب الأهلية الروسيه لمدة ست سنوات , شاركت في هذه الحرب جيوش من 14 دوله على رأسها الولايات المتحده داعمه للبلاشفه من جهة _ وعلى الجانب الآخر تقف ( بريطانيا وفرنسا , استراليا , كندا , الهند , تشيكوسلوفاكيا , فنلندا , اليونان , ايطاليا , اليابان , بولندا , رومانيا , صربيا ) داعمين لكل ماهو معادي للبلشفيه . 

عند نهاية هذه الحرب نجحت الولايات المتحده الأمريكيه في تأسيس دولة بلشفيه لا تتعايش مع برجوازية أوربا ولا تتحالف معها , وبذلك حققت هدفها في تشتيت وحدة القاره الأوربيه لتتمكن من السيطرة عليها .

 عهد لينين كان عهداً مضطربا ً لسببين , الأول هو أن لينين كان يحكم على رأس مجلس سوفييت أعلى منقسم على نفسه ما بين رؤوس متعدده في هذا المجلس وكانت الصراعات ما بين هذه الرؤوس تسبب مشاكل كثيره عند تطبيق قرارات الحزب والدوله ( أمريكيا ً كان ذلك مطلوبا ً لتخريب آخر المعاقل التي بقيت للأوربين في روسيا بعد زوال الحكم القيصري واستيلاء البلاشفه على السلطه ) كأن تكون بنوك أو مصالح تجاريه أو معامل أو مزارع أو تنظيمات سياسيه أو حزبيه أو إجتماعيه قائمه بين الروس وسواهم من الأوربيين وبخاصه البريطانيين .

 السبب الثاني للإضطراب في عهد لينين هو أن لينين نفسه كان مريضا ً ويتمتع بإجازات مرضية طويله وآخر سنتين من حياته قضاها نقاهة في منتجعه البعيد .. وأخيرا ًمات الرجل .

 لم يكن من مصلحة الأمريكان أن يتسلم السلطة بعد لينين شخص مثل تروتسكي ( لمزيد من التفاصيل أرجو العوده الى موضوعي المنشور على الموقع تحت عنوان : الرفيق تروتسكي ) ولهذا فقد تم دفع ستالين الى الواجهه ليحتل المركز الأول في السلطه ويصبح قيصر روسيا الأحمر .

 تولى خلال حياته المناصب التاليه :

# القائد العام للحزب الشيوعي السوفييتي منذ 1922 وحتى 1952 .

# رئيس مجلس الوزراء السوفييتي منذ 1941 وحتى 1953 .

# وزير دفاع الإتحاد السوفييتي منذ 1941 وحتى 1946 .

# عضو اللجنه المركزيه للحزب الشيوعي السوفييتي منذ 1919 وحتى 1953 .

# عضو المكتب السياسي للجنه المركزيه للحزب الشيوعي السوفييتي منذ 1919 وحتى 1953 .

# عضو المكتب التنظيمي للجنه المركزيه للحزب الشيوعي السوفييتي منذ 1919 وحتى 1953 .

 نجح من خلال كل هذه المناصب في تعقب ليس أعدائه ومناوئيه فقط , ولكن حتى رفاقه وأهله وأفراد عائلته وسنرى الكارثة التي صنعها بزوجته .. وبعد موته كان إبنه وإبنته إثنين من المشكوك بهما في قتله من كثر ما نكّل بهما في حياته .

 ونجح في قتل عشرات الملايين من السوفييت الأبرياء في حملات التطهير التي شنتها أنظمة شرطته السريه إضافة الى عشرات الملايين ممن حصدتهم عودته الى الحرب العالمية الثانيه للوقوف بوجه هتلر ذلك البعبع الذي صنعته وأوصلته الى ما هو عليه البنوك والمصارف الأمريكيه العامله في أوربا .. وحين إنتهت ورقة هتلر وكان ينبغي تسقيطه أمريكيا ً وبلا رحمه .. سحق ستالين ما يزيد على 20 مليون سوفييتي لتحقيق هذه الغايه للأمريكان .

 وبنهاية الحرب العالمية الثانيه كلل للأمريكان جهودهم بالنجاح في فصل أجزاء القارة الأوربية عن بعضها حين أعلنت الحرب البارده وأُ نزل الستار الحديدي بين أقطار حلف وارشو من جهه والدول أعضاء حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكيه من ناحية ثانيه .

 لا يوجد حال يدوم ولهذا فلن يبقى ستالين هو الورقة الرابحه بيد المصالح الأمريكيه .. فالحرب العالميه الثانيه إنتهت , ودول العالم خربة جوعى تبحث عن معيل .. والبنك الدولي جاهز ليكون هذا المعيل وهكذا وعلى حين غفله صعد المارشال تيتو ( الورقه الأمريكيه الجديده ) الى سدة الحكم في يوغسلافيا بتاريخ 14 كانون ثاني 1953 حيث كان مخططاً له أن يقود حركه جديده تدعى ( حركة عدم الإنحياز ) تسوغ لدول العالم الإشتراكيه والرأسماليه الإقتراض من البنك الدولي برهن أعناقها لديه الى الأبد كدول مستعبدة على أراضيها بالديون التي سيكون من المستحيل سدادها حتى يوم القيامه ( لمزيد من التفاصيل أرجو العوده الى موضوعي المنشور على الموقع والمعنون : حركة عدم الإنحياز ودورها في العالم ) .

 لهذا كان ينبغي إزاحة ستالين لفسح المجال الى اللاعب الجديد ( تيتو ) لكي يأخذ حرية ومساحة أكبر من الإهتمام الدولي .. ودون منغصات من محارب قديم ( ستالين ) إعتاد على اكليشيهات قديمه كانت تستخدم في التعامل لكي يصل الأمريكان الى النتيجة التي يبتغون الوصول إليها بنهاية الحرب العالمية الثانيه .

 سنة 1953 سنه كبيسه .. ولهذا إحسب منذ يوم صعود تيتو الى الحكم وحتى مقتل ستالين : 17 يوم باقي من كانون الثاني + 29 يوم شباط + 3 من آذار = 49 يوم فقط لا غير وتمت تصفية ستالين بحقنة سامه على يد مدير أمنه ( بريا ) .

 مات ستالين بعد يومين فقط في 5 آذار .. لكن خليفته نيكيتا خروشوف لم يتسلم منصب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي إلا بتاريخ 7 أيلول 1953 . ولم يصبح رئيس مجلس السوفييت الأعلى إلا بعد ذلك بخمس سنوات وبتاريخ 27 آذار 1958 …… إذن من كان يحكم البلاد والعباد طيلة فتره ذلك الفراغ السياسي ؟ أرجو أن لا يظن أحد أن الحزب كان هو الحاكم .. لأن الحزب لو كان هو الحاكم لكان أعلن بأن ستالين مات مقتولاً .. ثم أعلن قاتله وحاكمه , ولكن أن تبقى الأسرار ( مخلله ) في أقبية الكي جي بي 60 عاما ً لتظهر في كتاب أمريكي , فهذا هو العجب .. كل العجب .

 أخيراً قرائي الأعزاء هذه دعوه ألكترونيه مني لكم لتصفح الكتاب على شكل وثيقه مصوره على لسان مؤلف الكتاب ( سيمون سيباج مونتفيور ) على شكل برنامج وثائقي بثته أغلب المحطات العالميه , عندها قامت قناة الجزيره بترجمته وعرضه ضمن مسلسل ( الجزيره _ وثائقي ) على هذا الرابط :

وألتقيكم في موضوع مقبل على خير إن شاء الله . ميسون البياتي – مفكر حر؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

مارسيل مارسو

مارسيل مارسو

لن أتحدث في هذا الموضوع عن مارسيل مارسو كفنان , لكني سأتحدث عن الظرف الذي أوصل هذا الشخص ليصبح فناناً .

ولد مارسيل جارلس عام 1923 لعائلة يهوديه تعيش في مدينة ستراسبورغ الفرنسيه الواقعه مباشرة على الحدود مع ألمانيا . والده كان يعمل قصاب يذبح على الطريقة اليهوديه ( كوشر ) .

كطفل صغير كان مارسيل مغرماً بنجم العصر شارلي شابلن ولهذا كان يقلده بإرتداء ملابس والده الكبيرة عليه كطفل , ثم يرتدي قبعة الأب أيضا ً ويخرج الى الشارع مقلداً شارلي شابلن .

كان عمره 5 سنوات فقط حين شاهد أول فلم لشارلي شابلن أيام كانت السينما صامته ولم تكن الأفلام الناطقه قد ظهرت بعد .

 بوصولنا الى عام 1939 كان عمر مارسيل 16 عاما ً حين إندلعت الحرب العالميه الثانيه بغزو ألمانيا لبولندا . في نفس يوم الغزو أمرت الحكومه الفرنسيه مواطنيها في مدينة ستراسبورغ بمغادرتها وحمل ما يتمكنون من حمله من أمتعتهم والرحيل على عجل .

خلال ساعات كانت مدينة ستراسبورغ مدينة خاليه من البشر . إنتقل مارسيل مع أخيه آلان الى مدينة ليموج وسط فرنسا حيث دخل مارسيل الى إحدى مدارسها لدراسة الأدب .

 بحلول الصيف كانت ألمانيا قد إحتلت الجزء الشمالي من فرنسا إحتلالاً عسكريا مباشراً أما الجزء الجنوبي من فرنسا فقد وضعت عليه حكومة عميلة لها دعيت بحكومة فيشي لأنها كانت تحكم البلاد من مقرها في مدينة فيشي .

كانت حركات المقاومة ضد النازيين وضد حكومة فيشي تتنامى في أنحاء البلاد بسرعة ، وكانت تتزايد قوة وخطورة حيث غذتها الأعداد الضخمة من الشبان الفرنسيين الذين كانوا يلجؤون للتلال والأرياف للفرار من قبضة السلطات الألمانية ومن قوانين العمل القسري التي كانت تفرضها عليهم . كان الثوار يعيشون في الريف كخارجين عن القانون، يتلقون الدعم والمساعدة من الفلاحين ومن الإمدادات التي كانت تقوم بها قوات الحلفاء حيث تلقي لهم المساعدات من الجو بالطائرات البريطانية .

حياة اليهود في فرنسا كانت أصعب من غيرهم في هذه الفتره فقد أجبروا على العيش في غيتوهات وإعتقل الكثير منهم وأرسلوا الى معسكرات الإعتقال .

 مدينة ليموج كانت مركز المقاومه الفرنسيه ضد الإحتلال الألماني , إنضم آلان شقيق مارسيل الأكبر الى المقاومة المسلحه , أما مارسيل الذي كان في 17 من العمر فقد إستعمل موهبة الرسم في تزوير الوثائق وشهادات الميلاد لكي يحمي الشباب الفرنسيين من الإنخراط في الخدمة الإلزاميه تحت إدارة المحتلين وأعوانهم , كما كان يزور لليهود وثائق بأسماء لا تدل على ديانتهم الحقيقيه , وفي هذه الفتره منح مارسيل لنفسه تسمية ( مارسيل مارسو ) أما من هو مارسو فقد كان جنرال في الجيش الفرنسي المقاوم للإحتلال .

 لمارسيل إبن عم يدعى جورج وكان قائداً من قادة المقاومه .. أمر مارسيل ذات يوم أن يقود مجموعة من الأطفال اليهود ويقوم بتهريبهم الى سويسرا , وبعد نجاحه في هذه المهمه أوكلت إليه مهمة تهريب الأطفال بشكل مستمر على أنهم فرق من الكشافه يعودون الى مخيماتهم الكشفيه .

 الشرطه الألمانيه قامت بإعتقال والد مارسيل وأرسلته الى معسكر إعتقال اليهود في أوشفيتز البولونيه , ولهذا فقد خافت والدة مارسيل على أولادها وأرسلتهم للحياة بعيداً عنها .. وفي هذه الفتره إتخذ مارسيل إسما ً حركيا ً هو : الكنغر .

 رغم هذه الحياة لكن حلم مارسيل بأن يصبح ممثلاً صامتاً لم يتوقف ولهذا فقد بدأ بتعلم الفن والدراما وكان بالتحديد يقلد شارلي شابلن في حركاته , وذات يوم وبعد أن أصبح عمر مارسيل 20 عاما ً إلتقى بمؤرخ مسرحي نصحه بأن يدرس الدراما في مدرسة الممثل والمخرج المشهور ( جارلس دولين ) .

وبالرغم من إستمرار الحرب لكن مارسيل واصل دراسته في مدرسة دولين وتحت إشراف مدرس التمثيل الصامت ( إتيان دكرو ) الذي علمه كيف يستعمل الحركه وتعابير الوجه ليعبر بهما بدل الكلمات .

 آب عام 1944 حرر الجيش الأمريكي باريس من الإحتلال الألماني وفي هذا العام إنتمى مارسيل الى الجيش الفرنسي الحر , ولأنه يستطيع التحدث بالإنكليزيه فقد أصبح جندي اتصال بين الجيش الفرنسي الحر والقطعات الأمريكيه المتواجده في فرنسا .

في هذه الفتره كان يستغل وقت الفراغ لتقديم عروض التمثيل الصامت الى القطعات الأمريكيه في فرنسا أو قوات الحلفاء المتواجده في ألمانيا . وكانت نقلته السريعه الى عالم الشهره حين قدم عرضاً الى الجنود المريكان حيث شاهده ما لا يقل عن 3 آلاف جندي .

 حين إنتهت الحرب نذر مارسيل كل وقته للمسرح , وكان يمضي الساعات الطوال في التمرين وإختراع الشخصيات والأدوار التي سيؤديها .

عام 1947 ظهر لأول مره بشخصية ( بب ) المهرج , بعدها أصبحت هذه الشخصيه جزءاً من جميع العروض التي قدمها حتى ان المشاهدين ما عادوا يذكرون مارسيل إلا بهذه الشخصيه . ومن خلال هذه الشخصيه كان بب المهرج يقلد كل شيء : ولد يلعب أو سيدة تحوك أو بائع البالونات .. كان يقلد الحياة وكل فعل فيها .

 ولمدة 60 عاما ً بقي مارسيل يتحدث الى الناس دون كلمات وكان يقدم عروضه للكبار والصغار .. وأخيرأً قام بإفتتاح مدرسة للتمثيل الصامت إنسب إليها ممثلون من مختلف أنحاء العالم .

عام 2002 تم تعيين مارسيل مارسو سفير خير للجمعية العالمية الثانية للشيخوخة في الأمم المتحدة حيث عقدت الجمعية العالمية الثانية للشيخوخة في مدريد، بإسبانيا، ، بعد 20 عاماً من انعقاد الجمعية العالمية الأولى في فيينا. ومهمة الجمعية البحث في واحد من التحديات المميزة للقرن الحادي والعشرين ألا وهي شيخوخة سكان العالم . فبعد زمن وجيز سيكون ثلث سكان العالم فوق سن الستين ، وللمرة الأولى في التاريخ البشري ، سيمثل كبار السن والشباب حصتين متساويتين من السكان .

 عام 2007 نعاه ( فرانسوا فيون ) رئيس الوزراء الفرنسي فى بيان يؤكد وفاة نجم التمثيل الصامت قائلاً : مارسو الممثل الصامت سنذكره دوماً بشخصية بب ، لقد كان واحداً من أشهر الفنانين الفرنسيين فى العالم . سيفتقده تلاميذه وستفتقده عروضه العالمية .  ميسون البياتي – مفكر حر؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

مسلمو ويهود فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانيه

د. ميسون البياتي

جامع باريس الكبير

حين حلت الحرب العالمية الثانيه عام 1939 كانت قد إندلعت لتصل الى باريس منتصف عام 1940 فقلبت الحياة فيها رأساً على عقب .

ألمانيا النازيه المعاديه لليهود حين هاجمت بولونيا هرب يهودها الى فرنسا بحثاً عن ملجأ آمن أما حين إحتلت ألمانيا فرنسا فقد أحتلت باريس وأجزاء فرنسا الشماليه إحتلالاً عسكريا ً مباشرا ً فيما نصبت حكومة عميلة لها في مدينة فيشي كانت تدعى حكومة فيشي , ومن أول ما قامت به هذه الحكومه هو سن القوانين المعاديه لليهود .

 شرطة حكومة فيشي كانت تعتقل اليهود بأعداد كبيره وتحشرهم في أماكن صغيره قذره وزيادة على ذلك فقد قام النازيون بوضع نظام معسكرات الإصلاح لهؤلاء اليهود والتي تعرف اليوم بمعسكرات الموت . حكومة فيشي قامت بإعتقال اليهود من جميع الأعمار ثم أرسلتهم الى هذه المعسكرات التي دخلها 11402 معتقل ولم يخرج منها غير 300 منهم فقط .

 في جميع أنحاء فرنسا كان بعض سكان فرنسا يحاولون حماية اليهود بإيوائهم في أماكن بعيده عن الأنظار , ولمدة عامين من دخول القوات الألمانيه كان الجزء الجنوبي من فرنسا غير خاضع للإحتلال ولهذا كان يعد ملجأ آمناً لليهود الذين كانوا يفعلون المستحيل للوصول إليه .

 بعض يهود باريس وجدوا ملاذات آمنه في أماكن غير متوقعه مثل جامع باريس الكبير الذي يعد مركز التجمع الإسلامي في فرنسا ويقع في قلب باريس . بني الجامع عام 1926 . كان شمال أفريقيا ذلك الوقت ( المغرب والجزائر وتونس ) مستعمرات فرنسيه ولهذا فآلاف المسلمين قدموا من هذه البلدان الى باريس وأسسوا جالية فيها .

أرض الجامع كانت قد منحتها الحكومه الفرنسيه الى المسلمين مقابل سعر رمزي مقداره فرنك فرنسي واحد وذلك عرفانا ً بجميل نصف مليون جندي مسلم قاتلوا تحت علم الجمهورية الفرنسيه أثناء الحرب العالمية الأولى .

حرفيون مختصون تم جلبهم من شمال أفريقيا قاموا بتشكيل قباب الجامع وزخرفته بالموزائيك . الأقواس والأعمده كانت تحيط باحة الجامع وحدائقه المليئه بالزهور والأشجار ونوافير المياه , وصوت الأذان يسمع 5 مرات في اليوم يدعو الناس الى الصلاة .

غير أن الجامع لم يكن مكانا ً للعبادة فقط , بل كان مركزاً للجالية المسلمه يقوم بتسجيل كل شيء عن حياتها : الولادات والوفيات وعقود الزواج , وكان الصغار والكبار يدرسون فيه اللغة وعلوم الدين أو يأخذون فيه حمامات البخار أو يتجولون في ممراته أو يشترون من سوقه أو يستعيرون الكتب من مكتبة الجامع .

كل حاجات المسلم كانت تلبى في هذا الجامع بضمن ذلك وجود عيادة للمرضى ومستشفى صغير لمن يحتاج عناية صحية أكبر , وحتى بعد الموت كانت المقبرة الإسلاميه تقع قريباً من الجامع .

سادن هذا الجامع هو ( سي قدور بن جبريت ) , كسادن فهو مسؤول عن إدارة أمور الجامع الإداريه بينما الإمام شخص آخر يتولى الإداره الدينيه أو الروحيه . سي قدور بن جبريت جزائري الولاده عمل دبلوماسياً لبلده الجزائر في المغرب مع العديد من الدبلوماسيين الفرنسيين الذين تعرفوا على قابلياته وكانوا يرونه الشخص الأصلح ليكون قائد الجالية الإسلاميه في فرنسا حيث يلعب هو دور الوسيط بين الحكومة الفرنسيه والجالية المسلمه .

 حين سقطت فرنسا تحت الإحتلال النازي عام 1940 قدم شاي يهودي جزائري يدعى ( سالم هلالي ) الى الجامع بعد أن تعقبه النازيون فقام سي قدور بن جبريت بتزويده بوثيقه تذكر بأن جد سالم كان قد إعتنق الإسلام وبالتالي فإن حفيده مسلم وليس يهودي , وزيادة على هذا فقد تم نحت شاهدة قبر عليها اسم جد سالم ووضعت في المقبرة الإسلاميه ( وطبعاً هذا الكلام للتمويه وليس له أساس من الصحه ) .

شخصان آخران من شمال أفريقيا هربا من معسكرات الإعتقال هما اليهوديان ( ألبرت أسولاين ) و ( ياسا رحّال ) جاءا الى الجامع لطلب الأمان وحين تم إيوائهما تعرف ألبرت على يهود آخرين تم إخفاؤهم داخل الجامع .

بجانب غرف الجامع العامه كانت هناك غرف خاصه للعاملين في الجامع مع عوائلهم ولهذا كان يتم أخفاء اليهود الهاربين على أنهم أفراد من هذه العوائل , ولم تكن إقامة اللاجئين تزيد على عدة أيام يتم بعدها ترحيلهم بأمان الى الجزء الجنوبي من فرنسا حيث يجدون هناك أماناً أكبر .

 كان النازيون وحكومة فيشي يشكّون بالدور الذي يقوم به الجامع ولهذا فإن سي قدور بن جبريت كان يضع زراً كهربائيا تحت السجاده بالقرب من قدمه ويقوم بالضغط عليه بمجرد دخول واحد من الألمان أو عملائهم فيرن الجرس في مكان آخر من الجامع ليعطي التنبيه لمن بالداخل لأخذ حذرهم .. ثم يكسب المزيد من الوقت بأن يطلب من الزائرين نزع بساطيلهم العسكريه أو أحذيتهم قبل الدخول خطوة واحده الى داخل الجامع .

 الطبيب التونسي ( أحمد سميا ) الذي يعمل في الجامع ومن أجل حماية الأطفال اليهود فبعد تزويدهم بوثائق مزوره كان يدعي إصابتهم بأمراض خطيره تتطلب إقامتهم لفترات طويله في مصحات خارج باريس , كما قام بقيادة مجاميع من شباب شمال أفريقيا يرتدون القفطان المغربي فلا يتعرض لهم الألمان ويخفون بينهم الكثير من اليهود الذين وزعت عليهم القفاطين من أجل تهريبهم دون أن يشعر بهم أحد .

 بحلول الإحتلال الألماني لفرنسا خسرت فرنسا أعداد كبيره من شبابها المقاتلين ولهذا شغرت الوظائف والمصانع من العاملين فيها فحل محلهم المسلمون البربر القادمون من شمال أفريقيا , وكان هؤلاء المسلمون البربر هم من حفر أنفاق مترو باريس بعد الحرب العالمية الأولى , وعند نهاية الحرب العالمية الثانيه أصبح هؤلاء جزءاً من لحمة المجتمع الفرنسي الكبير .

وفي حين لم تكن حكومة فيشي أو الإحتلال الألماني يسجلان ما يقومان به من عمليات الإعتقال بحق اليهود كان المسلمون البربر يسجلون ذلك بالعدد والأسماء , والكثير من المسلمين شاركوا في عمليات إنقاذ اليهود , وكان هولاء المسلمون يمارسون هذا النشاط على شكل شبكة منظمه شاركت الفرنسيين في عملية مقاومة الإحتلال وكان لعمل هذه الشبكة ميزه مهمه هي أنهم كانوا يستعملون اللهجه القبليه في كتاباتهم ومخاطباتهم فلا يفهم عليهم أحد غيرهم وبذلك يصبح من المستحيل إختراقهم .

قديما ً كان الباعه المتجولون يستعملون الدراجات الهوائيه الحاويه على صندوق كبير موضوع بين العجلتين الأماميتين توضع فيه البضاعه المراد بيعها أو نقلها وكان المسلمون يستخدمون هذه الدراجات لنقل اليهود المستنجدين بالجامع .. من الجامع وحتى ضفة نهر السين حيث تقع محطه لتسلم النبيذ القادم من جنوب فرنسا عبر النهر الى باريس في براميل خشبيه كبيره تصل الى باريس مليئه وتعود الى جنوب فرنسا فارغه .. كان المسلمون يخبئون اليهود داخل هذه البراميل ويشحنونهم الى جنوب فرنسا على ظهور القوارب , مثلما كانوا يستعملون اللهجه القبليه في نقل الأسرار القتاليه بين وحدات الجيش الفرنسي المقاوم للإحتلال .

بعد 4 سنوات من الإحتلال تم طرد الألمان من فرنسا , سادن الجامع سي قدور بن جبريت بقي في عمله حتى وفاته عام 1954 فتم دفنه داخل الجامع .

وبسبب سي قدور بن جبريت فقد عاش ( سالم هلالي ) عمراً طويلا ً بعد إنقاذه من أيدي النازيين حيث يعد سالم هلالي اليوم أباً للأغنية الحديثه الأفريقيه الشماليه .

( ألبرت أسولاين ) إنضم الى الجيش الفرنسي لمحاربة الألمان في شمال أفريقيا وبعد الحرب استقر في باريس ناذراً نفسه لتقديم المساعده لأي من يحتاجها .

الطبيب التونسي ( أحمد سميا ) إستمر في عمله بعلاج الناس وتقديم العون الطبي لهم بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المعتقد .

جامع باريس الكبير ساهم مساهمة فعاله في مقاومة الإحتلال الألماني وإنقذ الكثير من الأرواح من يهود أو سواهم رغم أن هذا العمل كان من الممكن أن يؤدي بأرواح العاملين في الجامع وعلى رأسهم سي قدور بن جبريت , ضاربين بذلك أسمى الأمثال في معاني الإخاء والإنسانيه .  ميسون البياتي – مفكر حر؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

يا أجهل شعوب الارض اخترت ليه طرطور

 احمد فؤاد نجم

يا أجهل شعوب الارض اخترت ليه طرطور

 أرجوز في أيد مرشده شايل لقب دكتور

 من يوم مامسك الحكم مقطوعه ميه ونور

 قالوا فى أيده الخير ولو منه برده يغور

 أرجوز بلدنا أتكشف وعرفنا أيه مخبيه

 ممنوع عليه الكلام أصل الكلام مش ليه

 والكلمة كلمة جماعة ومرشده ممليه

 ومهما قال الغلط وراه جماعه تحميه

 يا أغرب شعوب الأرض عشان خلاص مليت

 بعتوا التاريخ والارض عشان أزازة زيت

 يا بيعين العرض بكرة تبيعوا البيت

 بكره الغريب يتحكم وهتبقوا خدم البيت

 كنت كبير ياوطن لكن خلاص وطيت

 دخلت نعشك يا وطن وبكفنك أتغطيت

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا, كاريكاتور | 1 Comment

من صنع الشيطان

حتماُ انا نبي مرسل, فقد نزل علي الوحي وأنا القي خطابي في الامم المتحدة, وشعرت بأني محاط بـ«هالة من الضوء», ولكي اثبت نبوتي فها هو الوحي يأتيني ثانية وينبأني بأن طرح قضية الشيعة والسنة في المنطقة أمر “من صنع الشيطان”، وأن قتل اكثر من مئة الف سوري هو “من صنع الشيطان” , وتدمير ملايين الابنية والبنية التحتية في سوريا هو “من صنع الشيطان”,ولا علاقة لي او للأسد بهذا على الاطلاق لانه من “من صنع الشيطان”, حتى انا شخصياُ من صنع الشيطان؟

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment