بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديث
للشاعر والأديب الأب شموئيل دنخا
بقلم: آدم دانيال هومه.
حمل إلي البريد ظهيرة أمس هدية نفيسة لا تقدر بثمن لمن يستطلع الدرر الكامنة بين طياتها ألا وهي كتاب (موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديث) للشاعر والأديب الأريب والدؤوب الأب (شموئيل جبرائيل دنخا) الذي يقوم بدراسة وتحليل القصائد والأعمال الأدبية لمائتين وأربع وثلاثين شاعراً وأديباً آشوريا على امتداد قرن من الزمان.
ولد مؤلف الكتاب في مدينة الحبانية في العراق عام 1943. تخرج من دار المعلمين عام 1864. تسلم أمانة سر اتحاد الكتاب الآشوريين، وعضو لجنة تأليف الكتب باللغة الآشورية في وزارة التربية العراقية عام 1973، وعضو في إدارة تحرير مجلة مجمع اللغة السريانية، وكان أحد أعمدة النادي الثقافي الآثوري، وشارك في جميع الأمسيات الأدبية والشعرية في بغداد والبصرة وكركوك. وقدم برامج ثقافية من إذاعة بغداد، ومن تلفزيون كركوك. سيم كاهنا عام 1980. أكمل دراسة اللاهوت. نشر الكثير من الأعمال الأدبية في العديد من المجلات الصادرة في العراق وخاصة المثقف الآثوري، صوت من الشرق، والمجلة الأكاديمية الآشورية الصادرة في شيكاغو، ومجلة نينوى في كاليفورنيا. جاوزت مؤلفاته المطبوعة ثمانٍ وعشرين كتاباً في شتى المواضيع والأجناس الأدبية.
وكما يبدو أن المؤلف، من خلال دراسته، متفائل جداً بمستقبل الأدب الآشوري الحديث عامة، والشعر بشكل خاص لأنه يرى بأن الوعي الإنساني، لا القومي والفني فحسب، أخذ يتجلى بين أبناء الأمة الآشورية الموهوبين، فساعد ذلك على تجلي عبقريتها في التعبير الرفيع، حيث يطل الشاعر الآشوري من كوّة إحساسه القومي إلى رحاب الإنسانية فيكتب، في شتى المواضيع كالظلم، البؤس، العذاب، الأحزان والآلام، المجازر والمذابح، التشرد والضياع، الحب والعشق والهيام، عاطفة الأمومة، الثورة، ونعيم الحرية والاستقلال، والحكم الذاتي على أرض الآباء والأجداد بيت نهرين. حيث تبدو في الشعر الآشوري نزعة إنسانية عميقة تستقي تارة من الوجدانيات الرومنتيكية، وأخرى من المبادئ الإنسانية، وثالثة من النكبات الوطنية والقومية، ولكنها تلتقي دائماً عند منهل واحد هو الشعور بكرامة الإنسان. إن شيئاً كالجراح يئن في الصدور فهي تحاول أن تغرق آلامها في الشمول، في أن تسع الإنسان كله. فواجب ومهنة الأديب أن يكتب للإنسان حيث هو إنسان، ومن ثم يكتب ليقر إنسانيته إذ هو جزء حي يساهم في توجيه ذلك المصير. وعلى الشاعر أو الأديب أن يسأل نفسه قبل كل شيء لمن أكتب؟ ولماذا أكتب؟ ويؤكد المؤلف بأن القصيدة تتكون لدى الشاعر كالنور الأبيض الذي هو تجمع الألوان التي يتألف منها قوس قزح، والألوان هي عناصر هذا النور متحررة. وعلى الشاعر أن يوصل لغته بإيقاعها وإشعاعها وظلالها وإيحاءاتها إلى المتلقي من غير أن تتناثر على الطريق أباديد، يوصلها ضوءً جميلا وشفافا، لايلفح بناره ولا يعمي بدخانه، بل يسري نقاوة ترتاح لها العين، ويسبح فيها الناظر، وتأنس له النفس ويزداد بها وجودنا اتساعا. فالشعر كما يؤكد المؤلف وبإصرار بأنه أهم الفنون عالمية، وأقواها تحدياً لأسيجة الزمان والمكان، وهو أشد الفنون انطباعاً بالطابع القومي وأكثرها تأثراً بملامح الوطن والبيئة والعصر. كما أن الشعر هو الشيء الوحيد الذي يهب للمبادئ والأفكار جمالا مطبوعاً أصيلا، وإشعاعاً رزيناً ثرّا. هو الدراسة العملية لهذه المبادئ والأفكار، ووعيها وعياً تاماً عميقا. فبهذه الوسيلة وحدها بالمستطاع إبقاء أثرها لدى الجمهور، وأن تجعل من سحرها باقياً راسخا لا ومضات بارقة خاطفة. كما يؤكد بأنه ليس لدى الأدباء عند الدولة من حق غير الذي يحققه الأدباء أنفسهم. والواجب الذي تقوم به تجاههم، شاءت أم أبت، هو الحرية والاستقلال الفكري. الحرية في أن يقولوا ما يشاؤون، وأن يدعوا إلى الرأي الذي يرونه، مستقلين غير متأثرين إلا بما يعتقدون بأنه الحق. وإذا رأت الدولة، بعد ذلك، أن تساعد في نشر نتاج الأدباء فعليها أن تقوم به كما تقوم بأي عمل اجتماعي آخر. لا تطالب، ولا ينبغي أن تطالب حتى بالشكر، لأن هذا واجبها والمسبب في وجودها.