تحرشو بزوجة ملاكم … شوفوا شو كانت النتيجة

من كام يوم بس وحين كان الملاكم الروسي المحترف نيكولاي فلاسنكو، 29 عاما، مع زوجته يتنزهون، انتهز بعض أفراد عصابة الفرصة وتحرّشوا بزوجته.. المضحك ان هؤلاء تقدموا بشكوى على الملاكم يتهمونه بالاعتداء عليهم، الا ان محاميه أكد انه كان في حالة دفاع عن النفس..

creamgenebeauty

Posted in كاريكاتور, يوتيوب | Leave a comment

الى متى يا ولاد الكلب رح اتضلّوا بسوريا

assfamilyما في شي بتقروه على صفحات الشبيحة الا بتوجيه رسمي من شعبة المخابرات العامة ..
بيطلع التوجيه مثلا انو الشعب الجحش اليوم لازم يحكي عن الكهربا، بتلاقيهون لهالشبيحة يا عيني مبحوتين على وزير الكهربا و مدير الكهربا و صابّين غضبهون على عواميد الكهربا..
متل هالايام السنة الماضية ، تفاجأت انا شخصياً من حملة ” الى متى ” اللي انتشرت على صفحات اعتى شبيحة اللاذقية ، و انصدمت بحجم التعليقات اللي رافقت هالحملة، و السؤال اللي كان مطروح على صفحاتهون :
“الى متى سليمان هلال الاسد رح يضل يشوّه اسم العائلة الكريمة ؟؟ “
استمرت هالحملة بعض الوقت اللي كان كافي لترتيب تصفية هلال ابوه لسليمان، و الانتهاء من هالظاهرة اللي أزعجت الاسد لأسباب حكينا فيها كتير من قبل..
بالعودة لأصل البوست..
بيقولوا عادة انو بكل عيلة فيها بلوعة، و سؤال الى متى سليمان الاسد رح يضل يشوّه اسم هالعيلة ، بيعطينا انطباع انو هالعيلة مؤلفة فقط من الملائكة ، و اجاها هالكلب المتآمر سليمان اللي بدّو يشوه تاريخها..
حابب ذكّر شبيحة اللادقية ببعض القصص ، بركي منسمعهون عم يقولو الى متى !!!
فواز الاسد:هل نسيتو قصتو مع بنت القدسية !!! الى متى؟؟
منذر الاسد: هل نسيتو قصتو مع زوجتو التانية !! الى متى ؟؟
هارون الاسد : هل نسيتو حكايتو مع بنت التركماني!! الى متى؟؟
هائل الاسد : هل نسيتو اقتحامو للأمن العسكري !! الى متى؟؟
هلال الاسد: هل نسيتو حربو مع بيت الشعبو!! الى متى؟؟
دريد الاسد: هل نسيتو قصة الطفلة من بيت الشغري!! الى متى؟؟
فراس الاسد: هل نسيتو المرحوم صفوان الاعسر!! الى متى؟؟
عمار الاسد: هل نسيتو حكاية ختومة البنزين!! الى متى؟؟
محمد الاسد ( شيخ الجبل) :هل نسيتو قصة خطف بنت الكاتب !! الى متى؟؟
سامر الاسد: هل نسيتو قصة حريق معمل النسيج !! الى متى؟؟
ايهم الاسد : هل نسيتو شركة سرقة النفط السوري على قبرص !! الى متى؟؟
حافظ منذر الاسد : هل نسيتو المجزرة اللي عملها على جسر ساحة القطار!! الى متى ؟؟
عامر منذر الاسد: هل نسيتو كيف مات و كيف موّت صحابو وهوة عم يلعب بالقنبلة!! الى متى ؟؟
باسل الاسد : هل نسيتو قصة ابن النبكي باللادقية !! الى متى ؟؟
بشار الاسد : هل نسيتو فضيحة اياد غزال معو بجامعة حلب !! الى متى؟؟
رفعت الاسد: هل نسيتو نهبو للمصرف المركزي!! الى متى؟؟
حافظ الاسد : هل نسيتو مين بيكون!!
انا رح ذكركون اذا نسيتو ، بيكون راعي كل هالبقر اللي انذكروا بهالبوست..
السؤال الوحيد اللي جاية عراسي هلأ :
الى متى يا ولاد الكلب رح اتضلّوا بسوريا ، قرّفتونا عيشتنا..

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

مانيفستو سعدي يوسف…

رغم انتقادhomismenyouي لدور المثقفين و الأسس الثقافية بصورة عامة في مقالات متعددة الا انني لم أتعود ان اكتب عن سلوك الأفراد و افكارهم لأَنِّي اؤمن بحرية الفكر و السلوك مع الالتزام بالمسؤولية …. لكننا الان بصدد قصيدة شعر بدأت بانفعال شخصي … و لكنها تمثل ظاهرة بدأت تتمدد…و تتمدد ردود الفعل عليها حتى كادت ان تصبح قضية عامة في ظل جو التوتر و فقدان التوازن و عدم الثقة بالاخر و تجلياته الدموية في كل شارع و واد…

هذه الظاهرة تتمثل في نوع من الشعر السياسي غير المحدد الأهداف و الحدود في هذه الأيام … حيث تعيش الأوساط الثقافية العراقية …. ارهاصات زوبعة اخرى من زوبعات سعدي يوسف الكثيرة و المتخذة اتجاهات مختلفة… و الغريب ان بعض تلك الأوساط لا تجد في رد فعلها الا العودة الى لعبة طفولية تاريخانية قديمة …. حرق الكتب… و كأن الأفكار و المعتقدات و الأحاسيس … يمكن محوها هكذا بحرق بضعة أوراق … او حتى حرق اجساد و صلبها… و الأمثلة التاريخية كثيرة لنتعلم منها… ان الأفكار لا تموت و المعتقدات ستعيش أبدا في الذاكرة و الأحاسيس تتفاعل اكثر مع الحرارة…

اعتقد ان مشكلة سعدي يوسف …. و الآخرون من الدوائر الثقافية و السياسية… هي ايضا تكمن في انه لا يتفاعل مع التطور الاجتماعي و إنما يحاول بقدر ما وقف عجلة التطور التاريخي للمجتمعات و هذا ما يدفعه الى الشعور بالغربة و الشعور بالمرارة و الهزيمة نتيجة اعتبار كل ما يحدث في المجتمع … بهذا الاتجاه او ذاك… هو خروج عن صورة نمطية جامدة… ذهنية اكثر مما تكون واقعية و تعتمد على قراءة اختزالية للتجارب التاريخية…

في قصيدته الاخيرة “مصر العروبة… عراق العجم” التي أشعلت نيران … العراق العربي و العجمي… يعلن سعدي ان العراق اصبح عجميا… و للمقارنة بين ما هو عربي و ما هو عجمي فهو يستخدم مصر كمقياس للمفهوم العربي و يذكر هنا إسماء بعض المثقفين المصريين… و ينسى او يتناسى … ان بعض هؤلاء كانوا من المنظرين لمشروع الرئيس السادات الذي انقض على مشروع عبد الناصر القومي العربي…. و بعض منهم يبدون الان افتناناً و ولعاً كبيرين بالثقافة العجمية… او الإيرانية و التركية…. و يستلهمون منها “البعد الثالث” لمفهوم الثقافة و التعايش السلمي….

لكن الأهم الذي ينساه سعدي يوسف او يتناساه في هذا الإطار… ان المجتمع المصري … هو نموذج تاريخي …. للتعدد الثقافي و هذا هو الأساس في طبيعة السماحة الاجتماعية و التعايش السلمي بين المصريين من افارقة و فراعنة و مسلمين و أقباط و نوبيين و عرب و أوروبيين و اتراك و أكراد و شركس و غيرهم كثيرون…. من شعوب و إثنيات و ثقافات مختلفة…. تآلفت على مدى قرون… بل ان ما تشهده خلال السنوات الماضية من احدث مؤسفة و صراعات دموية هي نتيجة محاولة اصحاب المشاريع الضيقة بالتفرد في السيطرة و الهيمنة…

ربما من السذاجة ان نطرح سؤالا علميا عن ماهية تعريف ” العربي” و ” العراقي” عند سعدي يوسف… فالهدف ليس احراج الرجل في مسائل أنثروبولوجية معقدة… لكن السؤال المهم يظل عن التصورات السياسية عن رمزية هذه المفاهيم في مسار مجتمع حيوي يطور ذاته من خلال التفاعل…. السلبي و الإيجابي… بين مكوناته الاجتماعية المختلفة….

لا ندري ان كان سعدي يوسف عرف من التاريخ ان محمد علي الذي بنى الأسس الاولى لمصر الحديثة لم يكن عربيا بل البانياً….. كما ان صلاح الدين الأيوبي… الذي يتغنى بأمجاده القوميون و الاسلاميون العرب… كان كوردياً… و كذا كان اغلب علماء الحضارة الأسلامية من غير العرب…. فرس و كورد و اتراك و برابرة أمازيغ و اخرون من المسلمين و غير المسلمين…

و لنتساءل ايضا عن اية قومية عربية يريد ان ينظر سعدي يونس…. الا يتذكر ان المفاهيم الاولى للقومية العربية كانت من انتاج مثقفين غير عرب كما كان رواد الماركسية العربية من الأقليات المضطهدة و ان التقليدية العربية قد أنتجت داعش و اخواتها…؟؟؟..

انطلاقا من حسن الظن فان من المؤكد ان سعدي يوسف محب للعراق الى درجة الجنون… و لكن هل من الحب ان يخلق هذا الشاعر الكبير العداء للعراقيين داخليا و خارجيا…. نتذكر زوبعته قبل شهور في الانتقاص من قيمة الشعر المغربي بعد ان منحه المغاربة جائزة الارگان… و هذه جائزة ثقافية ذو قيمة كبيرة كون اسمها يؤشر الى شجرة الارگان التي تعتبر رمزا وطنيا مثلها مثل الأرز في لبنان…

نتمنى ان يكون حظ المصريين افضل من حظ المغاربة و ان تقابل رحابة صدر مصر بوفاء اكثر من المغرب…. ام هل يحاول سعدي يوسف الان ان يخلق أزمة مماثلة بين المثقفين المصريين و العراقيين …. ام يهدف الى زيادة التناحر الداخلي الذي لم يترك زاوية في العراق دون جراح و دماء و احقاد…؟؟؟..

هل يعتبر سعدي يوسف قصيدته الاخيرة رسالة حب و إخاء … ام انها مانيفستو لبناء جدار جديد بين العراقيين … و انها… كما هي طروحات الحرق و القتل و التهجير و الاغتصاب…. بضاعة في سوق التكفيريات و لاختزال و الاقصاء الرائجة هذه الأيام …؟؟؟.. نتمنى ان يساهم المثقفون في صنع السلام بين الناس… حبي للجميع…

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

جلجلة المسيحي المشرقي بين الاستبداد وداعش والثورات

coptجلجلة المسيحي المشرقي بين الاستبداد وداعش والثورات
مسيحيو سوريا سجنوا وفيهم من قضى نحبه تحت التعذيب داخل أقبية السجون السورية تحت حكم نظام بعثي يدّعي حماية الأقليات.
العرب وداد جرجس سلوم [نُشر في 22/11/2014، العدد: 9746، ص(12)]

المسيحيون مكون أساسي استخدمته الديكتاتوريات ورقة مساومة مع الغرب
لم ير المسيحيون في سوريا، كما رأى غيرهم من مسيحيي المشرق، أنهم بحاجة إلى حماية من جهات دولية، وفضل كثيرٌ منهم الهجرات عبر عشرات السنين من الاستبداد، وكان لتجربة مسيحيي العراق، وتهجيرهم الممنهج واستهداف كنائسهم، بعد احتلال العراق، المسار ذاته الذي أريد لمسيحيي سوريا أن يسيروا فيه، لكن حتى مسيحيو العراق، فضّل غالبيتهم العيش في سوريا، بلد المسيح، وأسوار دمشق التي عبرها بطرس بالرسالة المسيحية أول مرة.

مسيحيو المشرق والربيع

ومع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المبني مخابراتياً من قبل إيران والنظام السوري، تم تطبيق سياسة جديدة تجاه مسيحيي المشرق، فإما الخضوع تحت راية الحكومة الطائفية في العراق، أو حكم الأسد، أو سيكون مصيرهم التهجير وتدمير الكنائس، كما حصل في الموصل.

وما يزال الضمير الجمعي الصامت لهؤلاء جميعاً يفضّل الاستقرار على الثورات، ولكنه في الوقت ذاته ضاق بالتهميش الطويل لدوره في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها، وحين اندلع الربيع العربي، كان على رأس المتظاهرين، مسيحيون في مصر وسوريا، قادوا الحراك، وطالبوا بالتغيير، ولم يوافقوا على تحكّم الفكر الظلامي في مسار ثوراتهم.

ولم تستثن شرارة الثورة والانتفاضة الشعبية، عندما انطلقت أحداً من مكونات الشعب السوري، وكلمة الحرية صدحت بها الحناجر السورية دون الانتباه إلى انتماءاتها الدينية أو القومية، فخرج الشباب السوري المسلم بكل طوائفه والمسيحي والدرزي والإسماعيلي، العربي والكردي.

تظاهر الشباب ضد النظام القمعي المتسلط على سوريته منذ خمسين عاما، وكانت لافتات الصليب إلى جانب الهلال هي أولى اللافتات التي رسمتها الأصابع المرتجفة وحملتها الأكف محاولة كسر الخوف المستوطن في النفوس، وكان هتاف “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد” هو الهتاف الأقوى الذي وصل جدران القصر وفروع الأمن، إنه الهتاف الأقرب إلى الأرواح السورية لكنه الأخطر على النظام الذي بنى عرشه لعقود على مشروع طائفي بحت.

الاستبداد حامي الأقليات

بات واضحا أن النظام السوري لم ولن يكون حامي الأقليات، كما روّج لنفسه في الأوساط الغربية، لأن الأقليات الدينية في سوريا لم يحمها عبر آلاف السنين،نظام مستبد، بل حماها التعايش والتسامح الذي طبع المجتمع السوري، وما الاضطهاد الذي تعرض له المسيحيون السوريون على مدى عقود في سوريا سوى الاضطهاد الذي مارسه نظام البعث بحقهم كما بقية أطياف السوريين على مدى ما يقارب الخمسين عاما المنصرمة. إنه النظام الذي اعتقل في الثمانينات من القرن الماضي رجلا مسيحيا -اسمه لا يحمل دلالة دينه- اعتقله سنة ونصفا بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين إلى أن تبين أنه مسيحي فأفرج عنه، ولم يفرج عنه لأنه مسيحي بل بكل بساطة لأن التهمة غير مناسبة ليعاود اعتقاله بعد عدة أشهر بتهمة انتمائه لحزب يساري.

مسيحيون في مهب الديكتاتورية

هو نظام حكم الأب “حامي المسيحيين” الذي اعتقل وعذّب ولاحق الشباب المسيحي المنضوي تحت راية أحزاب غير حزب البعث، وكم من المسيحيين قضوا في معتقلات نظام الأسد الأب أو خسروا زهرة شبابهم بين جدران سجونه لمجرد أنهم حملوا رأيا سياسيا مخالفا لرأيه منهم جورج صبرا وميشيل كيلو وغيرهم الكثير؟ والآن خلال الثورة السورية في عهد الابن، أول حيف وقع على المسيحيين من قبل النظام كان دأب شبّيحته إلى اختطاف شبابهم للحصول على المال (الفدية)، ومن تلك الحوادث الكثيرة، حادثة اختطاف صائغ من منطقة القصاع، تم الاتفاق مع عائلته بعد ثلاثة أيام على أن يتم تسليم الفدية في مكتب (قبو) في شارع الباكستان وسط العاصمة دمشق منطقة نفوذ النظام، وتم تهديده وعائلته أنه في حال تم ذكر مكان تسليم فديته لأي جهة لن يأمن على ابنتيه من الخطف وأشياء أخرى، وعلى مدى ثلاث سنوات ونصف السنة يقبع الكثير من الشباب السوري المسيحي في أقبية النظام، لمجرد أنه شارك في مظاهرة أو وزّع منشورا معارضا لسياسة النظام، بعضهم قضى نحبه تحت التعذيب كالنحات وائل قسطون ابن مدينة مرمريتا، وغيره ممن تخاف عائلاتهم من التصريح بموتهم تحت تعذيب النظام السوري خوفا من انتقام الأخير مما تبقى من العائلة، ومن أبرز الأسماء المسيحية التي طالتها يد النظام اعتقالا وتنكيلا المفكر الفلسطيني السوري المسيحي سلامة كيلة والمحامي خليل معتوق في الثامن من شهر تشرين الأول-أكتوبر 2012 وبهذا يكون قد مضى على تغييبه سنتان دون معرفة مصيره، ومن ثم حادثة اعتقال ابنته رنيم في الشهر الثاني من هذا العام 2014 الحادثة التي تندّر بها المحامي أنور البني من مبدأ “شر البلية ما يضحك” قائلا: “إن اعتقال رنيم وغيرها يأتي في إطار لمّ الشمل”، وتم الإفراج عنها في الشهر السادس فيما لا يزال مصير والدها مجهولا، وآخر ما يطالعنا بهذا المجال ما جاء على صفحة المرصد الآشوري (علم مراقبو المرصد الآشوري لحقوق الإنسان أن أحد فروع المخابرات السورية داخل مطار القامشلي “شمال شرق سوريا”، قام باعتقال المحامي موسى حنا عيسى الناشط السياسي والحقوقي السوري، وذلك يوم الاثنين الـ13 من تشرين الأول-أكتوبر 2014). إذن طال المسيحيين من عسف وجور النظام ما طال باقي مكونات المجتمع السوري.

مع مرور الوقت، أصبح الإعلام الرسمي مساحة مفتوحة لبعض رجال الدين المسيحيين الموالين للنظام السوري، حتى النخاع، يبثون خطابا يبجل رأس النظام بل ويعتبره المسيح الجديد والفادي للمسيحيين السوريين

الرقص على الدم

تنبّه الخطاب الرسمي السوري مبكرا بعد انطلاقة الثورة في سوريا، إلى حساسية موضوع المسيحيين، لما له من أهمية في المجتمع الغربي، فسعى إلى إظهار صورة المجتمع المسيحي المؤيد له، وكانت البداية من حفلات الرقص التي أُقيمت في منطقة باب توما وسط العاصمة دمشق ذات الغالبية المسيحية، هي الحفلات التي شكلت صدمة للكثير من المسيحيين قبل غيرهم ليتبين فيما بعد أنها حفلات أقامها ومولها رجل النظام “محمد قبنض” مالك شركة قبنض للإنتاج والتوزيع التلفزيوني، لكن صورة الحفلات في باب توما المسيحية التي ملأت شاشات إعلام النظام والشاشات الموالية كانت قد انتشرت لدرجة ما كان بالإمكان محوها، الاحتفالات الراقصة المؤيدة للنظام التي كانت تجري في ساحة باب توما، أثارت جدلاً واسعاً بحكم استغلالها لمناطق سكن الأقليات، وجعلت البعض غير المطلع على خلفيتها يلوم المسيحيين ويتهمهم بالوقوف إلى جانب النظام منذ بداية الثورة.

مساحة للولاء الأحمر

ومع مرور الوقت، أصبح الإعلام الرسمي مساحة مفتوحة لبعض رجال الدين المسيحيين الموالين للنظام السوري، حتى النخاع، يبثون خطابا يبجل رأس النظام بل ويعتبره المسيح الجديد والفادي للمسيحيين السوريين، إمعانا في ربط المسيحيين بالنظام الساقط الذي كان يحتمي بالأقليات وهو يدعي حمايتهم، النظام الذي استطاع تسخير عدد لا بأس به من رجال الدين المسيحي الذين عملوا على تطويع الطائفة ومنعها من الوقوف إلى جانب الثورة بل الوقوف على الحياد من جرائم النظام إن لم يكن بعضها مشاركاً بهذه الجرائم كما البعض من كل أطياف المجتمع السوري. وفي نفس الوقت الذي كانت شاشات الإعلام الرسمي مجالا لبعض رجال الدين هؤلاء، طلب النظام السوري من الأب باولو دالوليو المناصر للثورة السورية مغادرة سوريا وبدأ بملاحقته واعتبار أيّ لقاء معه تهمة وجريمة ووقوفا في وجه النظام، الاب باولو الذي اختطف أثناء محاولته التفاوض من أجل الإفراج عن المطرانين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي وما يزال مصير الثلاثة مجهولا حتى الآن.

مطرانان في المجهول

بعد اختطاف الراهبين، وقعت حادثة في الشهر الرابع من عام 2013 تؤكد أن الاختطاف كان يستهدف فقط الأب يوحنا إبراهيم الذي قال على قناة الـ”بي بي سي” قبل أيام قليلة من اختطافه: “لا يرتبط بقاء المسيحيين في سوريا ببقاء نظام بشار الأسد”، وأن “المسيحيين غير مستهدفين وكذلك الكنائس ولكن ما يحدث هو تعرضهم لهجمات عشوائية”، ويأتي اختطاف المطران بولس يازجي لمصادفة تواجده مع المطران يوحنا إبراهيم في نفس السيارة، ومع قليل من التفكر تتضح الصورة ويتبين أن النظام هو الجهة الوحيدة المستفيدة من هذه الاختطافات لرجال دين مسيحيين كان لهم خطاب إنساني لا يتواءم مع خطابه الطائفي.

الدور الوظيفي لبعض المسيحيين

قبل عهد الأسد الأب، تسلّم المسيحي سعيد إسحق رئاسة البرلمان ومن ثم الدولة أثناء الاضطرابات السياسية في خمسينات القرن الماضي. وتولى فارس الخوري منصب رئيس الوزراء لمرتين في عهد الأتاسي والقوتلي بل تسلم وزارة الأوقاف الإسلامية لفترة مؤقتة، ولم يكن هذا التاريخ بعيدا عن تاريخ استيلاء الأسد على السلطة. فما هو المنصب السياسي السيادي الذي تسلمه المسيحيون إبان حكم الأسدين؟

قال المطران يوحنا إبراهيم على قناة الـ”بي بي سي”: “لا يرتبط بقاء المسيحيين في سوريا ببقاء نظام بشار الأسد” فتم اختطافه وما يزال مجهول المصير
لم يعتد المسيحيون أيام حكم الأسد الأب أو الابن على حقائب وزارية سيادية، بل كانت جميع مناصبهم كجوائز ترضية، وكطعم يقدمه للبعض لكسب الكل. كأن يتم تعيين بعض المسيحيين على فترات مختلفة بصفة مستشار لرئيس الجمهورية وهو المنصب الذي يعرف الجميع أنه يأتي فقط ضمن خطة التوازنات الطائفية التي انتهجها الأب وتابع بها الابن دون أن تكون ذات أهمية تُذكر ضمن نظام عسكري ديكتاتوري، ويأتي تعيين داوود راجحة المسيحي وزيرا للدفاع في شهر آب من عام 2011، في الوقت الذي كان الجيش السوري غارقا من قمته إلى أخمص قدميه في دماء السوريين، ليكون إمعانا من قبل النظام في حشر المسيحيين في مربعه وتوريطهم في أعمال الإجرام التي يقوم بها الجيش وزجهم في مواجهة المجتمع الذي انتموا إليه وعاشوا فيه آمنين لعقود وقرون. وبالفعل كان داوود راجحة أداة استخدمها بشار الأسد ومن ثم غيبها خلال التفجير المزعوم لخلية الأزمة في مبنى الأمن القومي.

باسل شحادة والمسيحيات

ولم يبق متابع مهتم بالثورة السورية، إلا وعرف قصة المخرج السينمائي ومهندس المعلوماتية باسل شحادة الذي اعتقله النظام السوري على خلفية مشاركته في مظاهرة المثقفين في حي الميدان الدمشقي في أولى أيام الثورة، ومن ثم استشهاده في 28/5/2012 وهو يقوم بنقل حقيقة ما يجري ويوثق بالصوت والصور الجرائم التي يرتكبها النظام ضد المدنيين بمدينة حمص وريفها. ويستطيع البعض الموالي للنظام أن يقول إن العصابات المسلحة هي التي قتلت باسل شحادة، وليس هناك من جدوى لمناقشة تلك المقولة إثباتا أو نفيا، ولكن النظام السوري هو الذي منع نقل جثمان باسل من حمص إلى دمشق، وكاهن كنيسة “كيرلس” هو الذي أغلق أبوابها في وجه إقامة قداس على روح الشهيد بأمر من قوى الأمن، قوى أمن النظام السوري “حامي الأقليات” التي هددت والدة باسل بأنها إن سمحت بإقامة القداس فسيلقى ابنها الثاني مصير باسل، ما اضطر الأم المفجوعة إلى الإعلان عن إلغاء القداس وطلبت عدم التوجه إلى منزل الشهيد لتقديم واجب العزاء لأن الشبيحة حاصروا المنزل ويعتقلون الشباب الوافدين إليه.

فإذا فرضنا جدلا أن باسل استشهد على يد طرف لا يمكن التثبت من هويته، فنظام الأسد ذاته هو من اعتقل ماجدة قربان خوري الناشطة في مجال العمل الإنساني والإغاثي أثناء مراجعتها لفرع الهجرة والجوازات في دمشق بتاريخ 16/4/2014 بسبب وجود منع مغادرة من قبل فرع الأمن العسكري.

ولا يستطيع نظام الأسد نكران الموقف السلبي الذي اتخذه من راهبات “دير مار تقلا” في معلولا، بعد صفقة مبادلتهن، حين لم يقدمن الشكر للأسد، وحين رفضن التحوّل إلى شهود زور عبر الفضائيات.

يبقى المسيحيون مرتبطين بأرض المسيح، وحريّتها وكرامتها، وأصالة شعوبها، وهم ضمانة التعددية في تلك الأرض، وسيكونون ميزان العلاقات بين التيارات المتصارعة اليوم.

Posted in فكر حر | Leave a comment

فارس الحلو الممثل والنحات الذي نحت موهبته وحريته

فارس الحلو الممثل والنحات الذي نحت موهبته وحريتهfareshoulou
فنان عمل مع كبار مخرجي سوريا والعالم العربي، حرق مراكبه وقرر عدم الالتفات إلى الخلف في طريق ثورته الشخصية.
العرب إبراهيم الجبين [نُشر في 22/11/2014، العدد: 9746، ص(14)]

الحلو نجم آمن بأن على الفنان أن يكون متعددا وطفلا خلاقا
لم يقبل فارس الحلو أن يكون “مشخصاتياً”، فأراد أن تكون له أدوار في الحياة كما على الشاشة، وبدأ مبكراً في الاختلاف عن جيله والطبقة الفنية التي صعدت في نهايات الثمانينات في سوريا وغطت مرحلة التسعينات وما بعدها، فانشغل بالثقافة على نحو خاص، ورغم نجوميته وإنجازه الشخصي كممثل كوميدي، إلا أنه حافظ على جرأة انتقاء أدوار جادة تركت آثاراً عميقة في تاريخ الدراما السورية.
في ربيع وصيف العام 2011، كان فارس الحلو يقيم طيلة الوقت في بستان اشتراه في قلب دمشق، في منطقة زراعية مهملة، تعلوها النباتات وشجيرات التين، قام بتحويله إلى مركز ثقافي أهلي متمرّدٍ على الثقافة الرسمية التي يطبعها نظام الأسد بطابعه، فانشأ مشغلاً للنحت، ومساحات للتمثيل ومدرجاً وفرناً للخزف والمشغولات المعدنية، وغرفاً بسيطة ليقيم فيها الفنانون الذين يقوم بدعوتهم بميزانياتٍ محدودة، وكان قد أسس له في ضيعته الشمالية الغربية “مشتى الحلو” حين كان يجمع النحاتين السوريين والعالميين، للنحت في الهواء الطلق، ولكن الوقت مرّ بسرعة، وصارت دمشق مدينة خطرة، فلم يكن فارس يخرج من بستانه ذاك، إلا صوب هدفين محددين، إما إلى بيته وأسرته، أو إلى المشاركة في المظاهرات ومجالس العزاء التي كانت تقام للشهداء من بسطاء السوريين في المناطق المحيطة بدمشق.

مشتى الحلو

ولد فارس الحلو في مشتى الحلو، في العام 1961، وانتظم في دراسة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، في العام 1981، وتخرج من المعهد في العام 1984 ليصبح عضواً في نقابة الفنانين التي هدّد نقيبها الجديد بفصل قائمة كبيرة من الفنانين المعارضين لنظام الأسد منها، على رأسهم فارس الحلو وجمال سليمان ويارا صبري ومي سكاف وآخرين، بعدها قدّم الحلو العشرات من الأدوار التي عاشت وبقيت حتى اليوم في أذهان الناس، بفضل الحرارة التي يبثها الحلو في تعابيرها وأدائها وأرواحها، في العام 2006 أسّس ورشة البستان للثقافة والفنون، وحصل على جائزة أفضل ممثل من مهرجان فالنسيا الدولي في إسبانيا، عن دوره في فيلم “علاقات عامة” للمخرج السوري سمير ذكرى، وعاد إلى مشتى الحلو من جديد في ملتقى النحت الذي أسسه للفنانين في الهواء الطلق.

البستان

اقتحمت قوات الأسد بستان فارس الحلو، الذي كان قد اعتبره مشروع حياته وسمّاه”البستان”، وحطمت وكسّرت وفتشت، وأرهبت الموجودين، ثم استعملت المخابرات السورية محافظة دمشق لتهديد فارس بالاستيلاء على المكان ومصادرته، وذلك بهدف ثنيه عن الخط الذي مشى فيه، مع ثورة الشعب، وكانت هتافاته وهو محمول على أكتاف المواطنين في حي القابون “الله أكبر حرية” و”الشعب يريد إسقاط النظام”، و” واحد واحد واحد الشعب السوري واحد” تدوي عالياً، ليستقبلها السوريون بإعجاب وتقدير بالغين، ولم يكن يعني له كثيراً وهو المسيحي هتاف “الله أكبر” الذي حاول كثيرون فيما بعد صبغه بطابع ديني، وإخراجه من نبرته الشعبية، فهذا النجم الذي عمل مع كبار مخرجي سوريا والعالم العربي، وحصل على جوائز وتكريمات عديدة من محافل دولية، كان بإمكانه أن يلوذ بالصمت على جرائم الأسد وأجهزة مخابراته، ويحافظ على مصالحه الشخصية، ويتابع صعود سلّم مجده الذاتي، غير مكترث بآلام الناس، ولكن فارس الحلو اختار نقيض ذلك، وأصرّ على خياره، رغم الرسائل العديدة التي وصلته من شخصيات كبيرة في النظام، كان من بينها ماهر الأسد شخصياً، شقيق رئيس النظام، الذي بعث إلى الحلو من يحاول استدراجه، ولكن فارس رفض، وصعّد أكثر حين رد على أمين عام حزب الله نصرالله الذي شكّك في حراك السوريين وقتها، فكتب فارس معلقاً: “هل تشكّون بنا؟ هل يمكن أن تشكّكوا بالشعب السوري؟ تشككون أننا فرحنا بانتصار المقاومة؟ تشككون بإعجابنا بالمقاومة المتطورة؟ هل تشككون باحتضاننا ودعمنا لشعب المقاومة؟ نحن أيضاً شعب ممانع أباً عن جد، ولم نقصّر يوماً مع المقاومة، وأنتم تعرفون هذا، وشبابنا وبناتنا لديهم الشجاعة والحماسة والاستعداد للانخراط في صفوف المقاومة، مقاومة المزاج الشعبي ضربٌ من الجنونوهو خاسر تماماً”، كان فارس يرد على نصرالله والأسد معاً، وكان قد قرّر حرق مراكبه وعدم الالتفات إلى الخلف في طريق ثورته الشخصية، رغم بدء ورود التهديدات بالقتل على هاتفه الشخصي، مما اضطره إلى الاختفاء عن الأنظار في أيامه الأخيرة في دمشق.

مع ربيع العام 2011 صار بستان فارس الحلو، عالما زاخرا بالحياة والثورة، فهاجمته المخابرات السورية وحطمت الأعمال الفنية وخربت براءة المكان

أحلام فارس الحلو

حين تلتقيه في بستانه، في تلك الأيام، تجده مرتاحاً مسترخياً، سيقول لك إنه لن يغادر دمشق، وأن حلم الحرية قد اقترب، وأنه يريد أن يكون شاهداً عليه، لم يكن قلقاً من الخطر، كان يقول: “حين تكون في المظاهرة، لا يجب عليك أن تخشى من رصاص المخابرات السورية، لأن الطلقة التي ستصيبك ستقتلك على الفور ولن تترك لك فرصة لتشعر بالمفاجأة، وحين تسمع صوت الطلقة فهذا يعني أنها لم تصبك، ولذلك لا داعي للقلق”، كانت هذه فلسفته البسيطة في التعامل مع الخطر، وكانت سلمية الانتفاضة السورية هي عنوان عمله كله، فابتكر أفكاراً مجنونة للاحتجاج، لم يكن أقلها وضع آلات التسجيل في دوائر النظام وفي ساحات دمشق العامة وتشغيل أغاني إبراهيم القاشوش “يالله ارحل يا بشار” بأعلى صوتٍ ممكن حتى يسمعها الناس، مما يصيب رجال الأمن بالجنون، وكان فارس الحلو حينها يحسب الدقائق التي ستظل الأغنية صادحة فيها قبل أن يعثر المخبرون والعسكر على موقع آلة التسجيل، فيقول ثلاث دقائق كافية، وسبع دقائق كافية، وهكذا.

بين شجيرات البستان، يمكنك أن ترى من يقول لك: “هذه الكاميرا هي إحدى الكاميرات التي صوّرت الطفل الشهيد حمزة الخطيب في درعا بعد أن سلموه لأهله مشوّهاً”، وفي زاوية ستجد من يتسلّح بأجهزة كومبيوتر معقدة لمونتاج وتحضير الأفلام وإرسالها إلى وكالات الأنباء لنقل حقيقة ما كان يحدث في سوريا حينها.

كانت الحلقات المدنية للثورة السورية متفرقة متباعدة، لا تعرف بعضها البعض، ولكنها سرعان ما تتآلف بمجرد أن تتلاقى في مصادفة أو ترتيب، وكأن لها دهوراً تعمل مشتركة فيما بينها، وكان فارس حلقة من تلك الحلقات، وحده، كان يؤمن وما يزال بأن المسألة مسألة وقت، وأن الشعب سيحقق ما خرج من أجله كاملاً دون نقصان.

رفض فارس الانضمام إلى تجمعات سياسية معارضة، رغم دعمه المعنوي لها، وأصرّ على البقاء على مسافة تكفل له حريته في التفكير والحوار والانتقاد، وأصرّ مع هذا على التدخل في كل صغيرة وكبيرة دون استئذان سواء كان الأمر متصلاً ببحث فكري أو سياسي أو قضية مهنية أو إعلامية أو تنظيمية، متناولاً حصّته من المواطنة كاملةً غير منقوصة، دون أن ينتظر من أحدٍ منحه إياها.

عمل فارس الحلو مع كبار المخرجين السوريين والعرب فكان نجم أفلام ومسرحيات محمد ملص وهيثم حقي وسمير ذكرى و جواد الأسدي وآخرين

من دمشق إلى كوبنهاغن

في خريف العام 2011 في كوبنهاغن، العاصمة الدنماركية، كنا قد نظمنا لقاء مع البرلمان لشرح وتحليل ما يحدث في سوريا، ونقله من تعبير”أزمة” إلى “ثورة”، وصلتُ قبله بأيام، وكانت رحلة فارس الأخيرة من دمشق، حتى اللحظة، وحين وصل، كان مشغولاً في الفندق بما يحدث للبستان، يتساءل: ماذا عن الشباب العاملين هناك؟ وماذا عن الأعمال الفنية والمنحوتات؟ وأجهزة الصوت والإضاءة؟ ما الذي قد تفعله المخابرات بمشروعه؟ وكان يفكّر أكثر في الخطوة القادمة، ما الذي يمكن فعله للتعبير عن إرادة الشعب بصورة مبتكرة، أما أمام البرلمان فقد كان عليّ، حين حان الوقت، أن أقدّم فارس الحلو للسياسيين على المنبر، ولكني رأيته وهو يعبر الصفوف إلى خارج القاعة، فعرفت رسالة فارس، “لقد اختار الصمت وعدم الحديث معكم احتجاجاً على صمتكم على قتل السوريين” فلحق به الصحفيون بالسؤال، لماذا اخترت الصمت؟ وما دلالة هذا؟ وما الذي يحدث في دمشق؟

كان فارس مشغولاً طيلة الوقت، يصف بشاعرية شباب الثورة، من سوريين وفلسطينيين، مثقفين، مليئين بالطاقة والحلم بمشاريع شخصية واسعة، ولكنهم اختاروا هذا الطريق المدني، كان مشغولاً بالناس، سألني مرة: “هل يعقل أن يكون هذا كلّه ملفقاً؟ وأن هؤلاء فعلاً تم شراؤهم؟ هذا الشباب الزاهي، المتفتح، لا يبدو أنه يباع ويشترى، من يستطيع دفع ثمن هؤلاء؟”. ورغم أنه لم يكن يفعل شيئاً سوى المزيد من النظر في زوايا حديقة كريستيانيا والأعمال الفنية المتناثرة فيها إلا أنه ظل مشغول البال بالأسئلة، حتى افترقنا، هو إلى باريس وأنا إلى دبي.

دولارات الخليج

اتهم كثيرون من جمهور الأسد، كل من رفع صوته بالاعتراض وتأييد مطالب الشعب، بأنه يتلقى أموالاً من الخليج، ودولارات نفطية، وعمّموا ذلك ليشمل حتى من رفض العمل مع أي جهة، كما فعل فارس الحلو، فلم يقبل عروضاً كبيرة من محطات تلفزيونية بالظهور على شاشاتها وإعداد وتقديم البرامج مقابل مبالغ سخية، وفضل التزام مطرحه الأخلاقي الشخصي، تعبيره هو هو، لا أكثر ولا أكثر، وفي دبي روى لي فارس كيف أنه يقضي الوقت في التجوال على مراكز بيع أجهزة الإضاءة، لأن لديه فكرة خطيرة، أراد تطبيقها، ولكن المشكلة كانت في كيفية شحن الجهاز اللازم لتطبيقها، أراد فارس الحلو أن يشتري جهازاً للرشق الضوئي الليزري، كالذي يستخدم في الاحتفالات الكبيرة، وأن يرسله إلى دمشق، ليوضع في مكان مناسب، بزاوية مناسبة، ويرشق من خلاله كلمة “إرحل” بالليزر، على جدران القصر الجمهوري في جبل قاسيون، ليراها أهل دمشق كلهم.

رفض فارس الحلو الانخراط في التيارات السياسية السورية المعارضة، ورفض عروض العمل المغرية التي قدمت له من محطات تلفزيونية كثيرة، وفضّل البقاء ملتزما موقفه محافظا على ذاته، ورفض مؤخرا العمل في مسلسل درامي سوري مع ممثلين موالين للأسد، رغم ظروفه الصعبة
يضحك فارس، من ظروفه الصعبة خلال السنوات الماضية، النجم الذي أضحك الناس على شخوصه التي تقمصها، وأبكاهم مراراً في أفلام سينمائية رفيعة المستوى، مثل “الليل” مع المخرج محمد ملص، “والتجلي الأخير لغيلان الدمشقي” مع المخرج هيثم حقي، و”عائلة خمس نجوم” و”صوت الفضاء الرنان” و”الهارب” و”نهاية رجل شجاع″ و”الثريا” و”خان الحرير” و”بقعة ضوء” ودوره الخاص في مسلسل “دليلة والزيبق” حين قدم شخصية صلاح الدين الكبلي رئيس شرطة القاهرة، وقدّم في المسرح “سكان الكهف” و”مغامرة رأس المملوك جابر” مع المخرج العراقي جواد الأسدي، وكذلك “قصة موت معلن” وأعمال أخرى هامة.

وفي الشهور الأولى من هذا العام 2014، أصدرت محكمة القضاء المختص بدمشق مذكرة “مصادرة أملاك” بحق شخصيات حكومية ووزارية رسمية سابقة ومعارضين ومنشقين عن الجيش وفنانين سوريين معروفين بينهم الوزير الأسبق أسعد مصطفى، وزير الثقافة الأسبق رياض نعسان أغا، رئيس الوزراء الأسبقرياض حجاب، والفنان علي فرزات، والفنانة أصالة نصري، وكان طبيعياً أن تشمل فارس الحلو و يارا صبري وكندا علوش وعبدالحكيم قطيفان وجمال سليمان، وآخرين.

واستمر فارس الحلو على موقفه القطعي، رغم أنه تلقى عروضاً مؤخراً للعمل في أعمال تلفزيونية في الدراما السورية، معلناً أنه “لا يشرفه الظهور في كادر تصوير واحد مع السفلة” وكان يعني الصامتين على قتل الشعب والمروجين لبشار الأسد رغم كل ما ألحقه بالشعب والبلاد من أذى ودمار.

تمثال الممثل

كاد يختفي من الوجود في الشرق، مفهوم الموقف المبدئي، ومعه الضمير والمنعطف، فأصبح على الممثل أن يكون ممثلاً، وعلى المغني أن يغني ليطرب من يدفع له، وعلى الرسام أن يرسم صورة حسب الطلب في سوق الفن، ومع اختلاط الشأن العام بالخاص، في زلزال الأعوام الماضية، عادت من جديد، لتظهر على السطح، حياة الفنان الأخرى، التي ترقى به، إلى مصاف قادة الرأي، أكثر من دونه مجرد أداة تسلية، وموضوعاً للفرجة والترفيه، وكان من بين من قرروا خوض مغامرة عودة المفاهيم الكبرى من جديد، فارس الحلو ومعه آخرون، لم تحركهم السياسة، ولم يلحقوا الهياج الشعبي بدوافع ظلامية بدائية، ولكنهم سبقوا إلى الفكرة، وتجاوزوا هوياتهم المهنية إلى أفق إنساني لا حدود له، ليلقي ظلّ تمثاله الشخصي هناك، وليس عند أقرب عتبة.

فالتغيير الذي نشده هؤلاء، لا علاقة له بالمشاريع السياسية التقليدية، ولكن صلته المباشرة بحياة الإنسان وأبعاده العميقة الصافية، بالجمال والترفّع عن انحطاط الفكر والغرائزية، بالمستقبليات وليس بالعيش في الماضي السحيق، ولكن أليس هذا كله هو عين السياسة وجوهرها.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

تحملنا مسؤولية هدر الدماء السورية، بمقابل اعترافها بشرعية النظام الأسدي

التقرير الاعلامي للمخابرات الأسدية (المشيخية السلطانية البعثية الأسدية الطائفية) تحملنا مسؤولية هدر الدماء السورية، بمقابل اعترافها “بشرعية النظام الأسدي” …
هذا العنوان نجده في كل كتابات الشيخ السلطاني الأسدي (الخطيب) ومثالاته باسم عدم عسكرة الثورة، وكأن الثورة هي التي قررت العسكرة !!! ..أي تحميل (الجيش الحر) مسؤولية هدر الدماء السورية بانشقاقه عن “الجيش الأسدي الشرعي ” كالنظام الأسدي الشرعي…
ننشر في هذه الزاوية أطرف تقرير سمعناه في حياتنا، من (وعاظ السلاطين …المشايخ الأسديين معاذ وحبش،.ومسؤولهم البعثي الأمني نعسان آغا الذي يؤمنون بمهارته وبمعلميته وكعبه الأعلى بفلسفة النذالة ..عندما بزهم وتفوق عليهم جميعا في تأليه التمساح الأسدي الأب، فوضعه وزيرا لثقافة تحالف الرعاع الأسديين، وسدنة هيكل سلطتهم الشرعية الدينية من حثالات المدن من شيوخه البعثيين من ( كفتارو إلى البوطي إلى حسون وتلميذههم معاذ.. )، إذ سبق وان أطلق أستاذهم البوطي على الثورة السورية في أول انطلاقتها (الشبابية البنفسجية ) بأنهم (حثالات )، وذلك قبل تصفية البوطي اسديا كسادن من سدنة (هياكل الوهم اللاهوتي والسلطاني الارتزاقي ) كمرتزق من قبل سلطانه الاسدي، بعد أن خدم بوفاء سادته الأسديين وانتهى دوره الخدماتي فقتلوه ..
ولهذا فإن التلاميذ الثلاثة ( الشيخان وثالثهم الشبيح الثقافي البعثي الأفاق مسؤولهم الأمني نعسان آغا …)، طلب إليهم الانشقاق (البعثي النضالي ) في الافتداء بالروح والدم (لأربابهم الأسديين العملاء المجوسيين ) الذين آمنوا بالرسالة المقدسة ( البعثية الطائفية العلوية .. الأسد أو حرق البلد )…….. ويقال أن الثلاثة تشيعوا وتهرمزوا و(تأيرنوا) وفق طريقة الولي الفقيه ونائبه ( اللبناني المتأيرن الأول نصر اللات المجوسي- الإسرائيلي )..
والثلاثة بحكمة عميقة وتأمل فلسفي واستخارة قلبية لوجه الله الذي طالما تظللوا به في خدمة مآربهم الشيطانية الدنيئة … فقد قرروا أن يضحوا بأنفسهم دون طلب من أحد إلا وجه الله الذي يغلفون بقدسيته ضمائرهم الفاسدة النتنة ..وذلك بأن (يبايعوا الأسد بالاعتراف بشرعية نظامه الدموي القاتل أمام قادة المافيا العالمية الروسية الحامية بالتحالف مع الولي الفقيه لسلالة الحشرات الأسدية .
أي أنهم بسبب وطنيتهم الحارقة المتأججة وحكمتهم الشديدة المتعففة التي تولهت بالباطينية الأسدية، قرروا بأن يبايعوا الأسد ..لكي لا تحرق البلد …فذكرناهم فقط …بان الشعب السوري عندما أطلق ثورته العظمى والأشرف في التاريخ الإنساني …قرر هدر دم نظام الأسد وسلالته الحشراتية ، بوصفه نظاما خانئا لوطنه (إيرانيا وإسرائيليا، ومنفذ ا لخطط هؤلاء الأعداء في قتله للشعب السوري ،وتدمير سوريا الوطن، وبمشاركة مباشرة مع قوات أجنبية وطائفية حليفة في ذبح الشعب السوري …
فإن الثورة السورية التي هدرت دم هذا النظام المتوحش ..فإنها ستهدر دم كل من يشارك ويؤيد في الاعتراف بشرعيته داخليا أو دوليا …لعل الذكرى تنفع المؤمنين …وكانت نوايانا حسنة، عندما توجهنا لهم كمؤمنين ….ولذا ارنا نشر هذا الفيديو لنظهر على أي حد تعبر (الدعارة الأسدية عن نفسها الخبيثة) باعتبارنا نحن من نهدر دم السوريين… وليس النظام الأسدي الذي هدر دم الشعب السوري خلال نصف قرن، وهم الذين ظلوا خلال كل تاريخه يفتون ويشرعون له ويؤلهونه كذات عليا يستحق كل صفات الذات الإلهية على طريقة وزير ثقافتهم ومسؤولهم الأمني ذي القامة الثقافية العليا على حد تعبير الشيوخ السلطانيين ، بل هم لا يكتفون بذلك، بل ويطرقون الأبواب الدولية للاعتراف بشرعية العصابة الأسدية ..ليس بطلب من أحد سوري سوى من المخابرات الأسدية التي كلفتهم منذ ما يدعى انشقاقهم بطرح المبادرات الانقاذية للنظام الأسدي عند الحاجة …

khatibkishot

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

أنصاف الحلول هي الحل في سورية

stafandemestoraالحياة اللندنية

جمال خاشقجي

السياسة هي فن الممكن، والممكن هو جوهر مبادرة المبعوث الأممي الجديد لسورية ستيفان دي ميستورا. الجيد أن المعارضة السورية المعتدلة تعترف هي الأخرى بهذا «الممكن»، فلم تدخل في سباق مزايدة وتطالب بكل شيء أو لا شيء، فهي محاصرة من العدو والصديق والإنسانية، والشتاء القاسي الذي يدهم ملايين اللاجئين السوريين لم يحرك العالم في الأعوام الثلاثة الماضية، وبالتالي فلن يحركهم هذا العام، بل إن جيران سورية باستثناء لبنان شرعوا في دمج اللاجئين باقتصادياتهم الوطنية، ما يعني أنهم على استعداد للتعود على الحال السورية لأعوام طويلة مقبلة.

فما هو هذا «الممكن»؟ إنه مبادرة أعلنها دي ميستورا قبل أيام تقوم على أن «الحل في المدى القصير ليس مرحلة انتقالية ولا محاصصة سياسية، بل تجميد الحرب كما هي عليه، والاعتراف بأن سورية أصبحت لا مركزية في مناطق على فوهة البندقية»، ذلك أنه باتت في سورية «مجموعات متمردة كثيرة مع أجندات متناقضة محلية ودولية، لا يمكنها التوصل إلى اتفاق كبير» في البلاد، في وقت «يعرف» الرئيس بشار الأسد أنه «لا يستطيع استعادة السيطرة على كامل البلاد وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، إذاً المطلوب حالياً «وقف فرامة اللحم» في سورية وتوسيع اتفاقات وقف النار المحلية على أساس ثلاث أولويات تتعلق بـ«خفض مستوى العنف وإيصال المساعدات الإنسانية وزرع بذور الحل السياسي»، ما سبق كان ما نقله حرفياً الزميل إبراهيم حميدي في هذه الصحيفة على لسان المبعوث الأممي، فيما اعتبره المراقبون «انقلاباً» على صيغة «جنيف 1 و2»، التي تقوم على تنحي بشار وتشكيل حكومة انتقالية يفترض أن تكون مسؤولة عن كامل الجمهورية السورية، وهو ما يبدو أنه انتهى لدى دي ميستورا والمجتمع الدولي المتضامن مع خطته، ما قد يرعب المعارضة السورية المعتدلة ودول المنطقة، لولا أن خطته تفضي في النهاية إلى تفاوض بين المعارضة والحكم يؤسس لجمهورية جديدة.

المعارضة السورية من جهتها وكما أخبرني أحد قياداتها، وطلب عدم ذكر اسمه، لأن المسألة لا تزال محل تشاور، تتجه إلى القبول بهذا الممكن، «على رغم أنه مؤلم لكل سوري ويدعو إلى القلق» بحسب قوله، ولكنها تراه أفضل الخيارات السيئة، فتداويه بالمساومة للحصول على عرض أفضل، مستعينة على ذلك بأصدقائها وتحديداً الرئيس التركي أردوغان. انهم مستعدون للقبول باقتراح «تجميد الصراع»، ويقبلون بدوافع الأطراف الدافعة لهذا الاقتراح، المجتمع الدولي الذي يريد أي حل يبرر عجزه عن التدخل، والعرب والجامعة العربية الذين تغير موقفهم بعد التغير الذي حصل في مصر تحديداً وتحولها بعيداً عن معسكر الثورة وأهدافها، والأتراك الذين لا يريدون أن تنساب المشكلات السورية والعراقية إلى جنوبهم الهش، الذي تجلت فيه الصدامات العرقية بين الأتراك والأكراد الشهر الماضي على خلفية أزمة كوباني، وإن حصل ذلك سيدمر كل مكاسب حزب «العدالة والتنمية»، ويهدد دورة النمو الاقتصادي التركي التي يبدو أنها بلغت مداها الأقصى، وأوباما الذي يريد أن يتفرغ السوريون معه لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، ثم بعد ذلك ينظر في أمر بشار ونظامه وبالشكل الذي لا يهدد الإنجاز الخارجي، الذي يريد أن يدخل به التاريخ الأميركي بمصالحة تاريخية مع إيران، حتى بلغ به الأمر أن وعد مرشد الثورة في إيران آية الله خامنئي أنه لن يستهدف عسكرياً نظام بشار الأسد، وذلك في رسائل سرية سربت، وأثارت قلق المعارضة وأشعرتها بالخذلان.

تأمل المعارضة في أن تنجح في دفع مبادرة دي ميستورا بتجميد الصراع إلى قرار أممي يصدر عن مجلس الأمن تحت البند السابع بوقف إلزامي لإطلاق النار من جميع الأطراف، وهو ما لا يطيقه النظام السوري وعسكره الذين أبدوا تحفظات على المبادرة، بينما وعد وزير خارجية النظام وليد المعلم ومستشارة الرئيس بثينة شعبان بدراستها، ويستحضرون لذلك قراراً مماثلاً صدر بوقف إطلاق النار في كوسوفو عام 1999 انتهى بتدخل «الناتو» ضد القوات الصربية، التي انتهكت القرار فحسمت المعركة لمصلحة استقلال الإقليم عن صربيا.

الأمل الثاني هو استصدار قرار أممي آخر يمنع الطيران شمال خط 36، يحمي حلب وريفها من قصف براميل بشار الغبية، وجنوب خط 32 لتوفير منطقة آمنة في الجنوب بحوران، وهو طلب تضغط من أجله تركيا، ما قد يشجعها لو تحقق على تدخل بري هناك بغطاء أممي، فيعود إلى حلب مئات الآلاف من اللاجئين من لبنان تحديداً، حيث يتعرضون لضغوط من الحكومة هناك، بقدر ما يضغطون هم على استقرار لبنان الهش، وهو ما تحاول السعودية وفرنسا وحتى إيران حمايته من الانهيار، كما يتوقف سيلهم المنساب إلى تركيا ويعود البعض منهم ممن لم يجدوا وظائف هناك ولا يزالون يعيشون في المخيمات، والأمر نفسه يحصل في الجنوب فيرتاح الأردن هو الآخر من ضغط اللاجئين.

في الوقت نفسه تأمل المعارضة بأن يؤدي ذلك إلى حماية مناطقها المحررة من تغول تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«النصرة»، اللذين باتا الأقوى في الشمال، وستدفع فصائلها والمدنيون كلفة حصول حرب بينهما أو كلفة اتحادهما، الذي سيكون على حساب السوريين الذين لم يثوروا ضد استبداد بشار ليستبدلوه باستبداد «داعش» أو حتى «النصرة»، التي وإن لم تكن بقسوة الأولى فإنها تحمل رؤية سلفية منغلقة ونزعة استبدادية إن استقر لها الأمر، إذ أظهرت خلال الأسابيع الأخيرة شهية مفتوحة للتوسع على حساب الفصائل الأخرى، كأنها تستعد لمواجهة مقبلة مع «داعش» أو قوات تركية قادمة. الصورة غير واضحة ولكنها في حال نشاط ملاحظ.

في النهاية، بعد عام أو اثنين أو أكثر، ستفرز الأحداث والتدافع والتدخلات الخارجية وتعب الجميع معسكرين في سورية، ليسا إسلامياً وعلمانياً، ولا سنياً وعلوياً، وإنما المعسكر «المستعد للتفاوض والمشاركة»، والثاني الرافض لهما. المنطق يقول إن المعسكر الثاني هو الذي يجب أن يخسر.

مواضيع ذات صلة:  نظام عائلة الاسد قبلت بتقسيم سوريا وهذا الدليل

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

ثورات «التيك أوي» لا تـُسمن ولا تـُغني من جوع!

syriamilkingالقدس العربي اللندنية

فيصل القاسم

كي نكون واقعيين، لا بد من توصيف الثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا بأنها ما زالت «ثورات تيك أوي»، أي أنها أشبه بالوجبات السريعة التي لا تسمن، ولا تغني من جوع، لأنها لم تمر بالتسلسل والتطور الطبيعي للوجبات والثورات، فالوجبة الحقيقية تمر بمراحل خمس أو حتى أكثر، الشوربة، فالسلطة فالمقبلات، فالطبق الرئيسي، فالأجبان، فالحلويات، ناهيك عن الوقت الذي يستغرقه تحضيرها. لكن لو قارنا الثورات العربية، بالوجبات مكتملة الأطباق، لوجدنا أنها مجرد طبق غير مغذ، عابر، معبأ في وعاء بلاستيكي هزيل يتناوله الناس عادة لملء المعدة، إما لأسباب اقتصادية، أو بسبب العجلة، لأنهم غير مستعدين لتحضير وجبة كاملة، أو دفع ثمنها، أو حتى الانتظار لحين نضوجها.

مشكلة الإنسان العربي تاريخياً أنه إنسان عجول، ملول، كما لو أن العرب جميعهم من برج الجوزاء الذي يتميز مواليده بأنهم يتحمسون لأمر ما، لكنهم لا يصبرون لإكماله، فيتوقفون في منتصف الطريق، إن لم يكن في ربعه، وذلك على عكس الشعوب صاحبة النفس الطويل كاليابانيين والإيرانيين، فبينما يمضي حائك السجاد الإيراني سنوات كي ينجز سجادة عجمية رائعة مليئة بالزخارف والتفاصيل، نجد أن الإنسان العربي سرعان ما يترك ما بدأه بالأمس بسبب قلة الجلد والصبر والمثابرة. ومن الواضح تماماً أن هذه الصفة العربية السيئة تركت أثرها السلبي على الثورات العربية. فقد ظنت الشعوب التي ثارت أن الثورات يمكن أن تحدث وتنتهي بكبسة زر على طريقة الوجبات السريعة.

فالتونسيون ظنوا أنهم أنجزوا ثورتهم خلال أربعة أسابيع، والمصريون اعتقدوا أن الثورة انتهت بعد ثمانية عشر يوماً، واليمنيون، خلال شهور قليلة، والليبيون، ظنوا أن الثورة تحققت بالقضاء على القذافي. وبدورهم يعتقد السوريون أن ثورتهم ستكتمل بمجرد سقوط بشار الأسد من الحكم.

الثورات تاريخياً، يا جماعة الخير، ليست وجبات سريعة، بل تحولات كبرى على كل الأصعدة، ولا تنتهي بمجرد القضاء على رأس السلطة أو الطاغية، فالمستبد كرأس جبل الجليد الذي لا يظهر منه فوق الماء سوى عشره أو حتى أقل. والتخلص من الرأس لا يعني انتهاء الثورة وتحقيق أهدافها. فالثورة الفرنسية استمرت عقوداً، وتآمر عليها كل ملوك وحكام أوروبا، لكنها نجحت في آخر المطاف ليس في تغيير وجه فرنسا، بل في تغيير وجه أوروبا كلها.

على العكس من ذلك، لاحظنا كيف تنحى الثوار جانباً في بعض ثورات التيك أوي، وتركوا الدولة العميقة تعيد ترتيب أوضاعها لتعود بشرعية جديدة أقوى وأشرس بعشرات المرات، كما هو الحال في مصر، حيث عاد العهد القديم بوجوه جديدة أكثر نهماً للطغيان والتسلط والاستبداد. أين هم شباب الثورة المصرية الذين ملئوا الدنيا ضجيجاً، وشغلوها لبضعة أسابيع؟ لقد تبخروا تماماً، لأنهم ظنوا أن الثورة أنجزت أهدافها خلال ثمانية عشر يوماً دون أن يعلموا أن المسار طويل جداً، وبحاجة لمتابعة ونضال أشرس في وجه جذور الاستبداد المترسخة منذ عقود في كل مفاصل الدولة؟
حتى في تونس كما يقول سمير حمدي، «بقي فؤاد المبزع رئيس برلمان زين العابدين بن علي مصدراً للشرعية طوال الفترة الانتقالية، ما منح الفرصة للقوى المضادة للثورة لإعادة التشكل وبناء ذاتها، بصورةٍ منحتها، في فترة وجيزة، قوةً لم تكن لتحلم بها. وفي الوقت نفسه، دخلت القوى الثورية في حالة تنازع حزبي وصراع على كعكة سلطةٍ، لم يتم استخلاصها بعد من أنياب الدولة العميقة». لقد تناسى الثوار التونسيون أيضاً أنك إذا سمحت للعهد البائد أن ينافسك على السلطة، فإنه سيفوز عليك لاحقاً، لأنه يعلم دهاليز السلطة ومنعرجاتها أكثر منك بكثير بفضل خبرته الطويلة في السياسة والتسلط. وهذا ما حصل فعلاً، فبدل بناء دولة جديدة على مدى طويل، قبل الثوار التونسيون بتقاسم السلطة مع بقايا العهد الساقط، مما أدى إلى عودته بقوة بوجوه وأشكال جديدة أكثر خطورة، لأنه، هذه المرة يستمد قوته من صناديق اقتراع حقيقية.

بدوره، «شهد النموذج اليمني خروجاً آمنا للرئيس السابق، وبقاء أهله وأتباعه فاعلين في المشهد السياسي، يعطلون مسيرة الإصلاح، ويستمدون القوة من حلفاء إقليميين، لا يريدون لثورة اليمن أن تصل إلى ما يصبو إليه الشعب، من حرية وكرامة وعدل، قبل أن يتم توظيف الطائفية السياسية في أسوا مظاهرها، للانقلاب على كل التوافقات، وإدخال البلاد في فوضى وعنف.» لقد أراد الثوار اليمنيون تناول الوجبة قبل نضوجها، فنزلت في بطونهم جمراً، بدل أن تنزل برداً وسلاماً.

وفي ليبيا، بدل أن تستمر الثورة في تنظيف الساحة، وبناء دولتها الجديدة، راح الثوار يتصارعون على الكعكة قبل أن تنضج، فتحولت الثورة وبالاً على الليبيين، ناهيك عن أن فلول النظام الساقط، على هزالتهم، استطاعوا أن ينظموا صفوفهم بدعم خارجي، وعادوا بثورة مضادة من خلال اللواء حفتر وشركائه، لأن الثوار الليبيين، كبقية الثوار العرب، لم يطبخوا ثورتهم على نار هادئة، ولم يعطوها الوقت الكافي كي تنضج.

وحدث ولا حرج عن الوضع السوري، حيث تصارعت الجماعات الثورية على جلد الدب قبل أن تصطاده كما يقول المثل الروسي، مما جعل النظام الفاشي يصمد لسنوات.

لا نقول هذا الكلام لتثبيط عزيمة الثوار. لا أبداً، فلكل ثورة كبوات، وليس كبوة واحدة، كما علمنا التاريخ. ويجب على بلدان الثورات أن تعتبر الربيع العربي مجرد «بروفة» للثورات اللاحقة. وهي قادمة لا محالة. لقد خرج المارد من القمقم إلى غير رجعة. وسيكون الجيل القادم أكثر شراسة واندفاعًا وقوة وعزيمة وصلابة من جيل الثورات الحالي بعشرات المرات بعد أن شاهد ما حدث لشباب الثورات. لن تستطيعوا سحق الجيل القادم مهما فعلتم. ومهما تآمرتم.

الثورات المضادة مرحلة عابرة، وسيعود السيل الجارف أقوى كثيراً من السيل الذي بدأه البوعزيزي في تونس. لن تكون الثورات القادمة ثورات «جنك فود»، بل كاملة الأطباق. لا شك أنها ستكون مرحلة صعبة ومؤلمة وربما طويلة، لكنها ستنجب مولودًا جديدًا تمامًا ومجتمعات وشعوبًا جديدة. والأيام بيننا.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

هم يزرعون الإرهاب ونحن نجني ثماره/3

A US-made F-22 Raptor performs during thعلي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
مربع الإرهاب في العراق أضلاعه، الولايات المتحدة الأمريكية، الحكومة العراقية، نظام الملالي الحاكم في إيران، الميلشيات الإرهابية سواء تنظيم القاعدة ومخلفاته أوتلك المنضوية تحت غطاء الحكومة تحت وصاية ولاية الفقيه بشكل علني أوسري. وسنحاول مناقشة هذه الأضلاع كل على حدة مع إن هذا لا يعني عدم وجود تنسيق أو تفاهم بين تلك الأضلاع.
أولا: الإرهاب الأمريكي في العراق
قبل الغزو الأمريكي البريطاني للعراق مارست إدارة البيت الإبيض إرهابا فضيعا ضد الشعب العراقي، الذي لم يكن له يدا في رسم سياسة الحكومة ومفاوضتها مع الأمم المتحدة ولجان التفتيش، وقد خلف الحصار الإقتصادي خسائرا بشرية ومادية إعتبرها وزيرة الخارجية السابقة المقبورة مادلين أولبرايت بأنه ثمن معقول أو يستأهل على حد تعبيرها. كما قامت القوات الأمريكية بعمل إرهابي جبان في قصف القطعات العسكرية العراقية المسحوبة من الكويت دون مبرر. وتلى ذلك غزو العراق عام 2003 بحجج واهية! الولايات المتحدة وتابعها البريطاني الذليل أدرى من غيرهما بأن موضوع أسلحة الدمار الشامل والتعاون مع تنظيم القاعدة مجرد ستائر تخفي ورائها أمن الكيان الصهيوني والسيطرة على النفط العراقي. أما ما يسمى بمعلومات المعارضة العراقية التي زودوا بها وكالة المخابرات المركزية وحرضوها على غزو بلادهم، فإنها ليست سوى نثر الرمال في العيون. في شهر ك 2 2004 أعلن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بأنه لم ير دليلا ثابتا أو ملموسا أو حتى تلميحا يدعم تأكيدات إدارة بوش بوجود علاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة”. أشار معهد التحليلات الدفاعية التابع للبنتاغون في تقرير له نشرته وسائل الإعلام العالمية بإنه جرى تحليل(600000) ألف من الوثائق الرسمية الحكومية العراقية بما فيها من محاضر إجتماعات رسمية وحزبية وتسجيلات صوتية ومرئية، ولم يثبت من خلالها وجود علاقة بيت تنظيم القاعدة والحكم الوطني السابق. مما يعني إن سبب الحرب ومبررها قد إنتفى! ويفترض أن يترتب على هذا الجريمة الدولية النكراء وفق القانون الدولي تعويضات من قبل الطرف المعتدي عن الخسائر المادية والبشرية التي ألحقت بالعراق. لكن من يطالب من؟ والحكومات العميلة هي أصلا صنيعة قوات الغزو.
الحرب على الإرهاب لا علاقة للعراق بها عن قريب أو بعيد، ولم يثبت وجود خيط مجرد خيط بين الحكم الوطني السابق وتنظيم القاعدة.
رغم الفشل الأمريكي الذي صاحب غزوها لإفغانستان إلإ ان إدارة الرئيس بوش إعتبرته نصرا فأعادت الكرة مع العراق! ذكر المحلل السياسي فير ريفز”اذا كان الامريكيون يعتقدون إنهم حققوا النجاح في افغانستان! فلابد ان يكون الفشل التام أمرا مروعا”. (الاندبندنت/ فبراير3200). لقد كان غزو العراق جريمة إضافية وإنتهاكا لميثاق الأمم المتحدة كما عبر عنها الأمين العام السابق كوفي عنان، وقد وصفها روبرت جاكسون عضو المحكمة الأمريكية العليا بأنها” إنتهاك للقانون الدولي وتمثل جريمة حرب”. ووصف المحلل السريلانكي
(GUNARATNA)
بأنها ” أكبر فشل عسكري عالمي في الحرب على الإرهاب”.
صاحب الغزو الأمريكي للعراق إنفلات خطير، وعدم السيطرة على تصرفات قوات المارينز والمرتزقة المصاحبون لهم، وزاد من إستهتار قوات الغزو الحصانة القانونية التي يتمتعون بها، والتي تحول دون مقاضاتهم عن جرائمهم أمام المحاكم العراقية، وإنما المحاكم الأمريكية فقط التي برأت معظمهم في مسخرة قانونية لا مثيل لها في التأريخ الحديث. قُتِل الآلاف من العراقين لمجرد الشبهة أو مضايقة عجلات القوات الأمريكية في الشوارع العامة، ووصل الإستهتار إلى حد تعليق لافتات على السيارة الأمريكية تحذر السواق خلفهم من مغبة الإقتراب من الهمرات والمدرعات الأمريكية لأنهم سيتعرضون للموت، وفعلا قتلوا الكثير لمجرد تقربهم عن جهل أو غفلة، فهناك الملايين ممن لا يعرفون القراءة والكتابه وهذه الأمية من إنجازات الإحتلال والحكومات العميلة.
إتبع الأمريكان شريعة الغاب في التعامل مع العراقيين، وقد وصفها الكاتب الأمريكي جيف سيمونز” الطريقة الامريكية في التعامل مع العراقيين هي أطلق النار من ثم اطرح اسئلتك”. (عراق المسقبل/53). وفي الوقت الذي كانت الميليشيات الشيعية تسرح وتمرح في مسرح الجريمة والإرهاب، إتبع الأمريكان قاعدة مثيرة في التعامل مع أهل السنة “إنهم نازيون”! هكذا سمٌاهم بول وولفووتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي. يذكر المحلل السياسي آلين كويك بأن وولفووتز قصد في تصريحه “العشائر السُنّية في العراق”. كما ورد في تقرير نشرته صحيفة آسيا تايمز. ومن جانب آخر يقول بول بريمر، رئيس سلطة التحالف المؤقتة في بغداد لسنة كاملة (2003-2004) بأن” كل سُنّي بعثي، وكل بعثي صدّامي، وكل صدّامي نازي”. إنها عودة النازية للعراق لأن أهل السنة يقاومون الإحتلال لا غير. والحقيقة إن الأمر لم يقتصر على أهل السنة وإنما العراقيين جميعا كما أشار جيف سيمونز نقلا عن صحيفة الواشنطن بوست عن مسئول في البنتاغون قوله ” كل عراقي يعتبر مقاوما حتى يثبت العكس”. (عراق المسقبل/53). أما إثبات العكس فيعني في الآخرة وليس حياة الدنيا.
أقرت الولايات المتحدة بانها تجاوزت الحدود خلال حربها المزعومة على الارهاب في جلسة استماع في جنيف امام لجنة الامم المتحدة لمكافحة التعذيب في 14/11/2014. فقد اكدت ماري ماكلود المستشارة القانونية في الحكومة الاميركية امام الاعضاء ال10 في لجنة مكافحة التعذيب في جنيف بأن” الولايات المتحدة فخورة لدورها في احترام والترويج والدفاع عن حقوق الانسان وتطبيق القانون على اراضيها وفي العالم، لكن بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر للاسف لم نلتزم دائما بقيمنا وتجاوزنا الحدود ونتحمل مسؤولية ذلك”. ولكن حكومتها لم تتحمل المسؤولية فعلا!
بلا شك إن ممارسة التعذيب ضد الأطفال والنساء بجريرة أهلهم يمثل إنتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وما جرى في سجن أبو غريب يشيب له الولدان. فقد إعترف (رونالد يورجس) مدير الاستخبارات في البنتاجون بأن” الأطفال كانوا ضحايا بتعذيبنا لهم، ولكننا اضطررنا الى تعذيبهم امام أمهاتهم حتى يعترفنٌ عن أماكن ازواجهنٌ المنتمين الى المقاومين، وعذرنا في ذلك اننا كنا ننفذ الأوامر الصادرة الينا من البيت الابيض او من البنتاجون في واشنطون”. لاحظ مصدر الأوامر!
إن هذا التعذيب الفضيع الذي طال الأبرياء قد ولد عندهم ، وهذا أمر طبيعي ـ رغبة جارفة في الثأر ولصعوبة الإنتقام الفردي من قوات الإحتلال، قرر بعضهم الإرتماء في أحضان الأحزاب والتنظيمات التي تعادي الغزو بغض النظر عن تطرفها أو إعتدالها، الإنتقام لا يعرف التطرف! وربما وجدوا في التطرف ما يشبع غليلهم عما لا قوه في السجون من أساليب مهولة يمكن الإطلاع عليها بسهولة في المواقع الألكترونية. علما إن الأفضع منها حُجِب من قبل الكلب الأسود في البيت الأبيض، لكي لا يثير حساسية وشفافية الأمريكان، ويكشف لهم حقيقية الحرية والديمقراطية التي يتشدقون فيها أمام العالم.
وهذا نموذج من إعترافاتهم. ذكر جيمس سكايلا جيرنود قائد سجن بوكا/ الكرمة (البصرة) للفترة 2006 و2007 ” الكثير منا في سجن بوكا كان قلقا بأننا عوضا من اعتقال السجناء، خلقنا وعاء ضغط للتطرف”. وحسب مقالة التايمز ” كون شكلك مشتبها به، وعمرك مناسبا لحمل السلاح بمنطقة مهاجمة، كان كافيا لتوضع خلف القضبان”. وعلقت الصحيفة ما لم يذكروه صراحة ولكنه يمكن ان يستشف من المعنى” ان تكون من أهل السنة”. وأضاف بأن الكثير من الحالات ” كانت تمثل حالة مروعة من إجهاض العدالة، حيث كان السجناء لا يتهمون أو يصرح لهم برؤية الأدلة ضدهم، لينضم المفرج عنهم للكثير من مكبوتي الغضب”. (واشنطن بوست في آذار 2009).
كانت قاعات السجون غاصة بالمعتقليمن ومعظمهم من الأبرياء، يذكر جيرنود “أن يلتقط هذا الغضب المكبوت النار ليس أمرا مفاجئا. في 2007، كان السجن مكتظا بحوالي 24,000 سجين” ويضيف جيرنود في حديث لمجلة (مذر جونز) ” كنا نراقب التطرف النامي، فقد كان هناك كم كبير من الضغط الجمعي المبذول على السجناء، جاعلا أفكارهم أكثر تطرفا. المعتقلون كانوا يستندون على بعضهم بحثا عن الدعم”. لاحظ إنهم يعترفون بأنهمو رعوا الإرهاب وزرعوا بذوره في العقول الخصبة للسجناء سيما الذين لا يحملون أفكارا متطرفة. بل إنهم وحدوا بين صفوف متعارضة سابقة بسبب أساليبهم القذرة وكما يقول المثل العراقي” عدو عدوي هو صديقي”. والحقيقة إن ابو بكر البغدادي زعيم داعش ومعظم القيادانت خلفه هم من نتاج بوكا وبقية السجون الأمريكية، إضافة الى ما خلفته سجون المالكي السرية والعلنية.
جاء في تقرير مجموعة سوفان المؤسسة المختصة بأبحاث الإرهاب بـأن” التنسيق المميز في بوكا، الذي حشد بعثيي صدام حسين العلمانيين مع الإسلاميين الأصوليين، هيأ المسرح لشيء أسوأ وهو التعاون. فقد شكلت في السجن المجموعتان المتناقضتان اتحادا أقرب لزواج المصلحة، فكل مجموعة وفرت للأخرى ماكان ينقصها. وجد الجهاديون في البعثيين السابقين المهارات التنظيمية والانضباط العسكري، بينما وجد البعثيون السابقون في الجهاديين العزم والتصميم. في بوكا، تغيرت المعادلة عندما تبنى الأيدولوجيون الصفات الانضباطية والعسكرية، وأصبح المنضبطون متطرفين عنيفين”.
إنهم يعترفون بأنهم ساعدوا على تنمية الإرهاب حسب زعمهم.
أما الأغرب في تبرير ممارسة التعذيب للأبرياء في السجون فهو ما ذكره نائب الرئيس الأمريكي ريتشارد ديك تشيني بحديثه الى الشعب الأمريكي يوم 12مايو من عامنا الحالي 2004م عبر شبكة فوكس الأمريكية بقوله” إن التعذيب في سجن أبو غريب، جاء كحماية للوطن الأمريكي من انهيار سياسي، دون أن يوضح ماهية هذا الانهيار السياسي، الذي دفع واشنطون الى ارتكاب أبشع جرائم الحرب في التاريخ الإنساني السحيق والقديم والحديث والمعاصر”. لا نتصور أن أي شعب مهما بلغ من الحمق والغباء يمكن أن يصدق بأن التعذيب في سجن أبو غريب الغرض منه حماية الوطن الأمريكي! مع هذا فقد فقس هذا التعذيب البشع أعداءا لإدارة البيت الأبيض ولمن يواليهم من الغرب الدائر في الفلك الامريكي.
ما عدا الإعتقال على الهوية والتعذيب في السجون، فقد فسحت إدارة الغزو المجال تماما للميليشيات الإرهابية لتكمل دور قوات الغزو في الإنتقام من أهل السنة، وكانت الحرب الأهلية عام 2006 قد تمت تحت إدارة الغزو ولكنها وقفت متفرجة على الممارسات الإرهابية لحكومة الطائفي جعفر الاشيقر والميليشيات المتجحفلة معه كجيش المهدي وفيلق بدر والحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله وغيرها، مع علم الولايات المتحدة بأن نظام الملالي الحاكم في إيران هو من يقف وراء التفجيرات كما تبين فيما بعد، ولكنها لاذت بالصمت في حينها ووقفت مع قوى الإرهاب الشيعي. ذكر جاك مايلز” العديد من السنة لاحظوا أن الولايات المتحدة قامت بوضع، ولا زالت تدعم أول نظام عربي شيعي منذ قرون في العراق، وأنها تسعى بنشاط لتحسين العلاقات مع إيران الشيعية”. (هافينغتون بوست في 2/11/2014). ومع إنخراط بعض أهل السنة في العملية السياسية، لكن هذا لم يشفع لهم عند قوات الغزو، فقد إستمرت النظرة العدائية والرغبة في الإنتقام منهم بسبب مقاومتهم قوات الغزو.
وتجدر الإشارة بأن البعض يلوم هيئة علماء المسلمين وبقية الأطراف التي كانت تحث العراقيين على عدم المشاركة في الإنتخابات القائمة في ظل الإحتلال وحملوها المسؤولية في حرمان أهل السنة من المناصب الحكومية وتحقيق التوازن الطائفي في الوزارات. ولكن الذي إتضح فيما بعد أن الهيئة ومن وقف معها كانوا على حق، لأن مشاركة أهل السنة لاحقا بقيت على الهامش وليس لهم دور مهم وفاعل في العملية السياسية أكثر من إسقاط فرض المشاركة! بل إن الأطراف السنية في البرلمان والحكومة في حقيقة الأمر هم أقرب للشيعة من أهل السنة، فكبيرهم رئيس البرلمان أسامة النجيفي شارك بنفسه في مجلس عزاء والدة المجرم الجنرال سليماني طوعا وبمبادرة منه! والمذابح التي تعرض لها أهل السنة في الفلوجة والحويجة واليوسفية والموصل والطارمية وديالى وصلاح الدين وغيرها تمت في رئاسته المأفونة ولم يحرك ساكنا. بل المجازر الوحشية ضد أهل السنة قادها الوزير المحسوب على أهل السنة سعدون أبو ريشة وزير الدفاع السابق وبعض القادة المحسوبين على أهل السنة. ولا يوجد موقف مشرف واحد في البرلمان والحكومة لإنصاف أهل السنة ممن يدعي إنه يمثلهم. لذا كانت نتيجة عدم مشاركتهم في الدورة الإنتخابة الأولى، وكثافة مشاركتهم في الدورة الثانية سيان. ناهيك عن عمليات التزوير التي صاحبت الدورتين على يد المفوضية السفلى للإنتخابات.
تنظيم القاعدة والعراق.
ذكر جونثان رادل” لم يكن للقاعدة وبقية الجهاديين قبل الغزو الأمريكي سوى قلة من الأتباع في العراق، وكان وجوهم يقتصر على المنطقة الكردية الممتدة على الحدود العراقية- الإيرانية حيث رأت طهران إن بقائهم في هذه المنطقة أفضل وسيلة لضمان بقاء حالة عدم التوازن لدى القوميين الأكراد”. وهذا ما أكدتة الإدارة الأمريكية نفسها. ولكن السياسة الأمريكية عملت على تجميع قوى الإرهاب في العراق حسب قاعدة قاتل العدو في غير أرضك وهذا ما صرح به الرئيس السابق بوش، وقد تم له ما أراد بمشاركة عربية ساذجة، لم تدرك الأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة بأن الإرهاب عنما يطرق باب جارك الآن، فإنه سيطرق بابك حتما. لقد كان الغزو واحد من أبرز أسباب تفقيس قوى الإرهاب في العراق، وهذا ما أكده جوناثان ليون بقوله “أن وجود الجماعات المتطرفة الإسلامية العنيفة، هو نتيجة مباشرة للظروف السياسية التي تفرضها السياسات الخارجية الغربية في الشرق الأوسط، وأن الدين ليس سوى مجرد وسيلة للتعبير في تلك الحالة؛ لذا، فكل محاولات دحض الحالات اللاهوتية لهذه المجموعات إنما هي انحرافات عن معالجة الأسباب الحقيقية لظهور هذه الجماعات في المقام الأول”.(ميدل إيست آي في 9/11/2014). وهذه هي الحقيقة بلا أدنى شك. إن غزو العراق بحجة الإرهاب صاحبه نتائج معاكسة، فقد تصاعدت وتائر الإرهاب بحدة، وهذا ما عبر عنه ريتشارد كلارك وهو من كبار مسئولي مكافحة الإرهاب في ثلاث حكومات أمريكية متعاقبة معللا سبب استقالته عام 2002 ” إن سبب انتقادي الصارخ لسياسة الرئيس بوش هو أن غزو العراق قد زعزع حربه ضد الإرهاب”. ( نيويورك تايمز 25/3/2004).
لقد زادت الولايات المتحدة الطين بله من خلال ربط الإرهاب بالإسلام، مع أنه لا أحد يجهل بأن الإرهاب لا دين له ولا قومية ولا جنس ولا جغرافية. والأغرب من هذا كله ان موضوع الخلافة التي طرحت على البساط العراقي في الوقت الحاضر لم تكن مألوفة للرأي العام، وكفكرة لم تطرح من قبل التنظيمات الإسلامية السابقة فالشيخ إسامة بن لادن لم يطلق على نفسه لقب خليفة ولا الظواهري ولا أي من زعماء تنظيم القاعدة. أول من طرحها هم الأمريكان أنفسهم! وهذا يجعلنا نقف مبهوتين أمام الإشارة لها من قبل الإدارة الامريكية عام 2004 فقد ذكر قائد قوات التحالف المشتركة في العراق المحتل ريشارد مايرز ” إن الخطر الحقيقي والأعظم على أمن الولايات المتحدة هو التطرف الذي يسعى لإقامة دولة الخلافة كما كانت في القرن السابع الميلادي. وإن هذا التطرف ينتشر بأماكن أكثر من العراق بكثير ولكنه أيضاً يعمل في العراق وينتشر فيه ويحرض المقاومين على الأعمال المادية ضد أمريكا في العراق” (جلسة الاستماع التي أقامتها لجنة خاصة في الكونجرس الأمريكي تحدث فيها ولفويتز وآرميتاج ومايرز وعرضت الجزيرة مقتطف من الجلسة في 26/ 6/2004). لاحظ طرح موضوع الخلافة الإسلامية وإنها تثير قلق الولايات المتحدة ومركزها العراق! قبل ظهور ما يسمى بخليفة المسلمين! ألا يعني هذا شيئا؟ علما إن أول ظهور للاسم الجديد داعش كان في شهر نيسان 2013!
لنربط الكلام السابق بما كشف موقع (دايلى بيست الإعلامي الأمريكى) يوم 20 أكتوبر 2014 ” أن المساعدات الأمريكية المخصصة للسوريين تذهب إلى تنظيم داعش، الذي يفترض أن الولايات المتحدة تحاربه. وذكر الموقع” إنه في الوقت الذي تقوم فيه الطائرات الحربية الأمريكية بضرب مسلحي داعش في سوريا والعراق، فإن الشاحنات المحملة بالمساعدات الأمريكية والغربية تتدفق داخل الأراضى التى تخضع لسيطرة الجهاديين وتساعدهم في بناء دولة الخلافة الخاصة بهم”. وأشار الموقع إلى أن هذه المساعدات ممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومانحين أوروبيين ومنظمات مختلفة داخل الولايات المتحدة.
إن الخطاب الامريكي والأوربي ضد الإسلام قد أجج مسألة التطرف عند البعض، لكل فعل ردة فعل تساويه في القوة وتعاكسه في الإتجاه، ذكر جوناثان ليون” إن الغرب قد سمح لنفسه، باحتكار الاستخدامات المشروعة للقوة في الصراعات التي يديرها ضد العالم الإسلامي. إن إنتاج الخطاب الغربي حول موضوع العنف والحرب، يعتمد بالأساس على بعض المبادئ التي ترتكز على خطاب معاد للإسلام، وهي أن الإسلام عنيف بطبيعته، وأنه انتشر بالقوة، وأن المسلمين غير عقلانيين، ويتحركون بدافع من التعصب الديني. والنتيجة هي، الخطاب الذي يتيح للغرب دون منازع، القدرة على تحديد التكتيكات والأسلحة والأهداف، التي تعتبر مشروعة، والتي هي ليست كذلك”. (الإسلام من خلال العيون الغربية).
مع كل الإرهاب الذي مارستة الولايات المتحدة الامريكية والغرب ضد الدول العربية والإسلامية وبقية الشعوب، لم يطلق المسلمون صفة الإرهاب المسيحي عليها. مع إن الفاتيكان والكنيسة المسيحية تدعم هذه الأعمال الإرهابية سرا أو علنا، او تغض النظر عنها أحيانا. في حين ربطوا الإرهاب بالإسلام مع إنهم يحتفظون بعلاقات جيدة مع أكبر دولتين إسلاميتين عربيتين وهما السعودية ومصر. وغير عربية تركيا. ومع كل الإرهاب الذي مارسه الصهاينة ضد شعبنا الفلسطيني الصامد منذ وعد بلفور المشؤوم ليومنا هذا، لم يربط المسلمون اليهودية كدين بالإرهاب، مع ان دينهم اليهودي يحرضهم على إستخدام العنف ضد من هم غير يهود. كل الإرهاب في العالم لم يرتبط بدين ما عدا الإسلام، من ثم يلوموا المسلمين على تطرفهم!
ولو إفترضنا جدلا عدم وجود إسلام فهل هذا يعني إنتفاء الإرهاب في العالم؟ كيف يفسر الامريكان بأن أعلى نسبة من عمليات الإرهاب العالم تجري في امريكيا اللاتينية؟ هل دول امريكيا اللاتينية إسلامية؟
هل كان الإسلام وراء الحربين العالميتين الأولى والثانية بإعتبارهما نماذج صارخة للإرهاب الدولي؟ لقد دفع المسلمون الملايين من القتلى والجرحي في حرب لا ناقة لهم فيها ولاجمل.
إن كراهية الأمريكان للمسلمين والإسلام تأجج نار التطرف، وهذا ما لم تدركه بعد أكبر قوى في العالم. يا للخيبة!
للحديث بقية بعون الله.

علي الكاش

Posted in فكر حر | Leave a comment

مقابلة الجنرال جون آلن مع قناة سكاي نيوز عربية

stonebabyمقتطفات من مقابلة المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش الجنرال جون آلن مع قناة سكاي نيوز عربية.

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment