انتهت أعمال مؤتمر الرياض للمعارضة السورية التي تمخّضت عن إنجازين مهمين في مسيرة المعارضة عجزت عن إتمامهما طوال خمس سنوات ماضية؛ أولهما ملامح في رؤية القضية السورية في مرحلتها الراهنة ومستقبلها عبر التطلع إلى حل سياسي يوقف الأخطار المحيطة بالقضية، ويرسم طريقًا للخلاص من نظام مستبد وقاتل، والذهاب إلى نظام ديمقراطي تعددي يأخذ السوريين إلى حرية وعدالة ومساواة من خلال بيان جنيف وملحقاته التي تشكّل جميعها أساسًا متفقًا عليه دوليًا لمعالجة القضية السورية.
والإنجاز الثاني في عداد إنجازات الرياض هو تشكيل هيئة للتفاوض تتشارك فيها قوى المعارضة في تعددها وتنوعها السياسي والعسكري والمدني، والمكلفة سياسيًا أن تكون مرجعية ميدانية لعملية التفاوض من جهة، وتوليها من جهة مهمة تشكيل وفد المعارضة المنوط به الجلوس في مواجهة وفد النظام عندما تبدأ المفاوضات المزمع عقدها بجهود المجموعة الدولية.
ورغم أن فضل المملكة العربية السعودية في تحقيق إنجازات المؤتمر لا يمكن نكرانه بما وفرته من عوامل نجاح لوجستية، فإن النجاح كان نتيجة الجهود المشتركة لقوى المعارضة التي بذلت الكثير للتغلب على الصعوبات والمعوقات الذاتية والموضوعية، كما جاءت إنجازات المؤتمر نتيجة الدعم والمساندة من جانب السوريين الذين كان مطلب توحيد المعارضة وموقفها بين مطالبهم المتكررة منذ انطلاق الثورة في 2011.
وسط تلك المعطيات فإن السؤال عما بعد مؤتمر الرياض سؤال منطقي يطرح نفسه، والجواب عنه ينبغي أن يركز في ثلاثة مستويات؛ أولها وأهمها يتعلق بالمعارضة، ليس المشارِكة في المؤتمر فقط، بل كل تشكيلاتها وتكويناتها، التي لم تشارك أيضًا، والتي تصنف نفسها في إطار معارضة النظام، وضرورة إعلان تأييدها لما حصل في الرياض ومخرجاته، وأن تتقدم للاشتغال في مجراه العام، والمشاركة في الخطوات التالية، التي من أهمها تعزيز توافقات المعارضة وتوسيعها، وبناء توافقات جديدة في مواقف وسياسات المعارضة، وهو ما ينبغي أن يترافق مع جهود كثيفة تقوم بها هيئة التفاوض في تشكيل وفد المفاوضات ليكون مستعدًا للقيام بمهمته على النحو الأفضل، وهذا لا يتطلب اختيار فريق المفاوضات من أعضاء المؤتمر، بل من خارجه أيضًا، من أجل توسيع إطار المشاركة والاستفادة من قدرات السوريين في التفاوض لتحقيق أهم مكاسب ممكنة في المفاوضات لصالح الشعب السوري وقضيته.
والمستوى الثاني في جهود ما بعد «الرياض» يتعلق بموقف السوريين منه، حيث من المفترض تعزيز مساندته لمخرجات «الرياض» في وحدة المعارضة ومواقفها، وخصوصًا في موقفها لجهة تبني الحل السياسي طريقًا لمعالجة القضية السورية بعد أن صار الحل العسكري والتدخلات الدولية عبئين يصعّبان الحل في سوريا إلى درجة الاستحالة في المدى المنظور. لكن التوجه نحو الحل السياسي ينبغي ألا يؤثر على تعزيز القوة السياسية والمدنية والعسكرية لقوى المعارضة وللشعب السوري في مواجهة النظام وجماعات الإرهاب، لأنه ومن نافل القول، إن تلك القوة وتعزيزها بين ضمانات السير في طريق الحل السياسي، وليس في مواجهته.
والمستوى الثالث في جهود تعزيز مخرجات «الرياض»، إنما هو مستوى إقليمي – دولي، يقع عبئه الأساسي على أصدقاء الشعب السوري ممن كانوا يركزون على ضعف المعارضة وعدم وضوح ووحدة موقفها، وبعد أن تم ذلك، فلم يعد أمام هؤلاء أي حجة أو مبرر لمواقف ضعيفة أو مترددة، صار من المطلوب مغادرتها والعمل الجدي لمعالجة القضية التي باتت تداعياتها السلبية تضرب في المحيط الإقليمي لسوريا وفي البلدان الأبعد منها، ولعل موقف المملكة العربية السعودية وحلفائها الأقرب مثل تركيا وقطر والإمارات ومصر في دعم القضية، والعمل على حلها أساس لنموذج يمكن تطوير إقليميًا ودوليًا حيال سوريا.
لقد أصبح من الضروري على هذه الدول وعلى المجتمع الدولي، أن يجذروا موقفهم من القضية السورية والسير بها على طريق الحل، وأول محاور تجذير الموقف دعم المعارضة، والثاني الضغط على نظام الأسد وحلفائه لوقف عمليات القتل والتدمير، خاصة وقف العمليات الروسية ضد المعارضة وحواضنها الاجتماعية في سوريا، وثالث المحاور الانتقال من رسم ملامح الحل السياسي من الأقوال إلى الأفعال عبر وضع برامج زمنية محددة لبدء المفاوضات بموضوعاتها الرئيسية، ووضع آليات الانتقال من مرحلة إلى مرحلة على أن يتم ذلك كله في إطار التزامات دولية وإقليمية واضحة المعالم.
خلاصة القول، إن المعارضة السورية قدمت في الرياض ما هو ضروري، وما هو مطلوب منها، وعلى الأطراف الإقليمية والدولية أن تقوم بما عليها، وخصوصًا جلب النظام إلى طاولة المفاوضات، لا سيما أن نظام الأسد، كما هي العادة، يراوغ ويتعنت ويمانع بدعم من حلفائه الإيرانيين والروس الذين سعوا بكل طاقتهم لإفشال مؤتمر الرياض أو التشكيك فيه وفي مخرجاته، لكنهم فشلوا.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”