وفاء سلطان
من المعني أكثر من غيره بفهم طبيعة الصراع بين الغرب الذي يمثل كلّ ديانات الأرض وبين الإسلام الذي يمثل نفسه؟!!
يصعب على معظم الغربيين، كما يصعب على معظم المسلمين، أن يفهموا أوجه الصراع!
يخطئ من يظن، في كلا الجانبين، بأن مايحدث هو صراع حضارات!
الصراع دائما يعني اصطدام نقيضين.
الحضارة لا يمكن أن تصارع حضارة. الخير لا يصارع خيرا ولا الشرّ يصارع شرا.
وحدها البداوة تصارع الحضارة والبدائيّة تصارع المدنيّة والخير يصارع الشرّ. وحده النقيض يصارع نقيضه!
مانراه هو صراع أفكار، صراع عادات وتقاليد وأعراف. أحد الجانبين فيها يمثّل مفهوما والآخر يمثّل نقيضه.
الحضارات تتنافس لكنّها لا تتصارع! وعندما يبلغ تنافسها حد الصراع تفقد ميّزاتها الحضاريّة.
التنافس بين الحضارة الفرنسية والحضارة الأمريكيّة واضح وضوح الشمس.
في اليوم الذي أعقب مجزرة أيلول الإرهابيّة كتبت جريدة الليموند الفرنسيّة على صفحتها الأولى: كلّنا أمريكيّون!
بينما نزل المسلمون إلى الشوارع يرقصون ويغنّون!
الحضارة الفرنسيّة لا يمكن أن تتصارع مع الحضارة الأمريكيّة، لكنّهما قد يتنافسان.
طالب مجتهد يتنافس مع آخر مجتهد، لكنّ الصراع يميّز العلاقة بين طالبين متناقضين في درجة اجتهادهما.
التنافس بين قطبين يعكس دائما أوجه التشابه بينهما أكثر مما يعكس أوجه الخلاف.
*********************
ما نراه من صراع اليوم على الساحة الدولية ليس صراعا بين الحضارات وليس صراعا بين الأديان، إنّه صراع بين نقيضين.. صراع بين زمنين.. بين عقليتين، عقليّة تنتمي إلى القرون الوسطى واخرى تنتمي الى القرن الواحد والعشرين.
إنّه صراع بين القمع والحرية..
بين الديكتاتورية والديمقراطية..
بين الهمجيّة والعقلانيّة..
بين إحترام حقوق الانسان وبين إغتصاب تلك الحقوق..
بين من يصنف المرأة مع الكلب والحمار وبين من يعتبرها مقياسا لحضارته ورقيّه..
********************
من الأقدر من الناس على فهم طبيعة ذلك الصراع؟!!
الإنسان الذي يستطيع أن يفهم طبيعة ذلك الصراع أكثر من غيره هو الانسان الذي يعيش في العالمين.. هو الإنسان الذي يجرّب النقيضين.
بضعة ساعات من الطيران كفيلة أن تنقلك من أقصى هذا الصراع إلى أدناه فتتعرف على طبيعته وأسبابه.
تلك الامور لا يعرفها الإنسان الغربي ولا الإنسان المسلم الذي لم يبرح يوما حدود عالمه!
ولذلك أستطيع أن افترض، ولو من باب الجدل، أن المسلمين المهاجرين أكثرمن غيرهم قدرة على فهم طبيعة هذا الصراع، لأنهم عاشوا في العالمين وتسنى لهم أن يروا مالم يستطع أن يراه غربي لايعرف عن الإسلام شيئا أو مسلم لا يعرف عن الغرب شيئا!
ولكن المشكلة في طبيعة العقيدة الاسلامية التي تحدد ساحة الرؤية عند معتنقها فلا يرى إلا ما تسمح به حدود تلك الساحة!
يعيش المسلم معظم سنوات عمره في الغرب ولا تصدق عندما تقابله إلاّ أنه غادر الربع الخالي لتوه!
يركب أحدث السيارات الأمريكية وكأنه يركب جمله!
يأكل غازيا.. يحاور غازيا.. يمشي غازيا.. يكتب غازيا.. يعيش حياته برمتها غازيا!
مايكسبه من هذا العالم غنيمة وما يقدمه منّة!
********************
في المدينة التي أعيش بها توزع بلديّة المدينة على كل بيت ثلاثة براميل للقمامة. برميل للأوساخ التي لا فائدة منها وبرميل آخر لمخلفات الحديقة كالأعشاب والأزهار والبقايا الناجمة عن تقليم الاشجار، والبرميل الثالث للمعلبات والأوراق القابلة لإعادة التصنيع.
طبعا الغاية من هذا التصنيف هو حماية البيئة من التلوث، وللإستفادة من الأشياء القابلة لإعادة التصنيع.
كنت مدعوة على طعام الغداء في بيت صديقة مسلمة. في آخر الحفل قمنا بتنظيف المائدة وقامت هي بإلقاء كل شيء في برميل الأوساخ.
سألت سعاد مستفسرة عن سرّ تصرفها فردت: لعنهم الله! أتريدينني أن أساهم في تنظيف بيئتهم وهم يساهمون في تلويث بيئتنا؟!!
ألم تسمعي بارتفاع عدد الاصابات بالسرطان في الاردن بسبب حرب الخليج؟!! ألم تسمعي كيف تقوم اسرائيل بتلويث مياهنا بالمواد المشعّة؟!! ألم تسمعي بالمومسات اللواتي يرسلهن اليهود الى مصر كي يساهمن في نشر الايدز.. ألم .. ألم…؟!!
ـ نعم.. نعم سمعت بكلّ هذا، ولكنني لم أسمع بأن حيوانا يأكل من عليقة ثمّ يرفس فيها وهو يعلم بأن أولاده وأحفاده وأحفاد أحفاده ستأكل من تلك العليقة!!
عندما زرت سوريّا العام الماضي برفقة زميلتي الدكتورة لاسلي، كانت لاسلي تضع النفايات من ورق وبقايا طعام في محفظتها حتى تعود الى البيت وتعثر على برميل للقمامة، علما بأنّ معظم الشوارع في الأحياء التي زرناها لم تكن تختلف عن أيّ برميل للقمامة!
هل سعاد تمثل حضارة ولاسيلي تمثل حضارة أخرى؟!!
التناقض بين تصرف سعاد ولاسيلي يعكس صراعا بين البداوة والحضارة، وليس بين حضارة وحضارة!
*******************
قد يحتج عليّ أحدهم، كما جرت العادة، بقوله: ولكن سعاد لا تمثل الإسلام وعليك أن تميّزي بين الإسلام والمسلمين!
لهؤلاء أقول:
سعاد هي الإسلام، والإسلام هو سعاد!
في حجة الوداع قال النبي محمد: اليوم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا!
ما فعلته سعاد هو مظهرمن مظاهر تلك النعمة، ونتيجة حتمية لتعاليم ذلك الدين!
تقرأ سعاد حديثا نبويا:
“من لم يغزو في حياته ولم يتحدث عن غزو فقد مات وهو في شعبة النفاق”
لماذا يغزو الانسان؟ ولماذا كان محمد يغزو؟!!
ماهي الغاية المرجوة من الغزو؟!!
لا أعتقد بأنّ أحدا على سطح الأرض يستطيع أن يختلف معي على أن الغاية من أيّة علمية غزو هي إمّا كسب منفعة وإما الحاق ضرر، وعلى الأغلب الإثنين معا!
في القرن الواحد والعشرين، وفي أمريكا بالذات، لا تستطيع سعاد أن تغزو ولا أن تتحدث عن غزو!
لا يجد الغزو له مكانا في حيّز وعيها، فيتلاشى مع الزمن ويغيب من ساحة تفكيرها!
ولكن الغاية المرجوة منه تبقى في حيّز اللاوعي عندها وتلح على سعاد بعناد كي تسعى نحوها.
تسعى سعاد، مدفوعة من قبل الرغبات المطمورة في حيز اللاوعي عندها، دائما لكسب منفعتها وإلحاق الضرر بغيرها.
الرفاهية التي حققها لها هذا العالم الذي تعيش فيه هي المنفعة التي سعت لإغتنامها، والتلوث الذي تساهم به هو الضرر الذي ألحقته بعدوها.
*******************
الإنسان الذي يتبنى ثقافة الغزو انسان يخرج الى الحياة مشوها. يعيش عمره راكضا وراء غنيمة أو ساعيا الى الحاق ضرر.
العقلية الغزاوية عقلية مريضة، تغنم بلا قانون وتضرّ بلا شفقة!
لقد سقط الإنسان المسلم ضحيّة لتلك العقلية، وليست سعاد إلاّ برهانا على تلك الحقيقة.
الوضع المأساوي الذي آلت اليه المجتمعات الاسلاميّة هو نتيجة حتميّة لفلسفة الغزو والغنائم.
صديق مصري مسلم خبير بالشؤون المصريّة أكد لي مؤخرا بأن ودائع حسني مبارك وأولاده في البنوك الغربيّة تزيد عن 120 بليون دولارا.
لست خبيرة بعلم البنوك ولا أتابع البورصة ولا يهمني كثيرا مصداقيّة هذا الرقم، ولكنني على ثقة بأن أحاديث النبي محمّد عن الغزو والغنائم هي التي شوهت حسني مبارك وليس هو الذي أساء فهمها، وهي التي شوّهت سعاد وليست هي التي أساءت فهمها!
تريدون حكاما يأمرون بالعدل وينهون عن المنكر؟!!
علّموا الناس أن يأكلوا رغيفهم بعرق جبينهم لا أن يغنموه من عدوّهم، علموهم بأنّ الغزو جريمة وبأن الحاق الضرر خسّة!
استبدلوا ثقافة الغزو والغنائم بثقافة العمل المثمر والكسب المشروع.
سعاد ومبارك ضحيّتان من ضحايا فلسفة الغزو والغنائم. عندما تسعى سعاد لتلويث البيئة عمدا وعن سابق قصد، وعندما يسعى مبارك لإستنزاف ثروات بلده وتجويع مواطنيه عمدا وعن سابق قصد، إنّما يسعى كلاهما، وبأمر من النوايا المطمورة في حيّز اللاوعي عندهما، الى كسب غنيمة والحاق ضرر!
********************
الكلمة هي الأصل. هي التاريخ والحاضر والمستقبل!
نحن نتاج الكلمة التي حملتها الرسالة المحمّدية!
يصعب على أحد فينا أن يتصور مدى الأثر الذي تتركه الكلمة سواء كان ذلك سلبيّا ام إيجابيّا!
الفوضى التي يعيشها الناس في أيّ مجتمع اسلامي، هي ثمرة من ثمار الفلسفة الإسلاميّة.
انظروا الى أي رجل مسلم يتبوأ منصبا، ابتداء من رئيس الدولة وانتهاء برئيس مخفر شرطة، ودعونا نقيّم أول عمل يقوم به بعد تبوأه لذلك المنصب!
“الأقربون أولى بالمعروف”!
يسعى بيديه ورجليه للبحث عن أقربائه. لا يترك “صايع” في عشيرته ولا “ثرثري” في قبلته ولا “حرامي” في عائلته إلاّ ويغمره بما ملكت يمينه!
ينهب “المنصب” متعاونا مع جاره الثامن قبل التاسع ومع التاسع قبل العاشر!
درجة القرابة تحدد حجم الغنيمة ومقدار الضرر.
لا قيمة عنده للكفاءات، ولا أهميّة للملكات والمهارات!
يتحول المنصب برمّته إلى فريسة يجتمع عليها وحوش عائلته وعشيرته وقبيلته بالتدريج، ابتداء بالأقرب وانتهاء بالأقل قرابة!
“الأقربون أولى بالمعروف” فلسفة لا تخلّف سوى الظلم والقهر والفقر. تقضي على التواصل الانساني وتعزز العصبية القبلية وتعمي الفرد فلا يرى في غيره قيمة انسانية إلاّ من خلال درجة قرابته له.
أليس في العراق رجل كفؤ للقيادة سوى عدّي وقصيّ صدام حسين؟!!
أليس في سوريّا رجل كفؤ ليستلم القيادة سوى بشّار حافظ الأسد؟!!
أليس في مصر رجل كفؤ ليتصرف بخزينة الشعب المصري سوى جمال حسني مبارك؟!!
اسألوا نبيّ الاسلام وسيأتيكم الجواب: الأقربون أولى بالمعروف!!
***************
تعالوا نفترض جدلا بأن نبيّ الاسلام قد أصرّ في تعاليمه على أن “المحتاجون أولى بالمعروف” أو على أنّ “الأكثر فيكم مهارة وكفاءة هم الأولى بالمعروف”، هل كنّا سننحدر الى هذا الوضع المزري؟!!
طبعا لا!
لو كان صدّام حسين قادرا على أن يتجاوز مفهوم هذا “الحديث النبوي” لرأى في الكثير من شباب العراق من هو أكفئ من هذين “الجلاّدين”!!
لو كان حافظ الأسد قادرا على أن يتجاوز مفهوم هذا “الحديث النبوي” لرأى في الكثير من شباب سوريّا من هو أكفئ من هذا “المراهق الأهبل”.
لو كان حسني مبارك قادرا على ان يتجاوز مفهوم هذا “الحديث النبوي” لرأى في الكثير من شباب مصر من هو أكفئ من هذا “المعتوه”!
لا يستطيع الرجل في أغلب الأحيان أن يتجاوز حدود تربيته وثقافته.
لكي تعيدوا الى كل ذي حقّ حقه، غيّروا فلسفة القرابة واجعلوا صلة العقل والإنسانية أقوى من صلة الدم.
انشروا بين أجيالكم القادمة ثقافة تعتمد على مبدأ: أهل الكفاءات والمهارات أولى بالمعروف من ذوي القربي.
اعيدوا صياغة المثل الذي يقول: أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب، بمثل آخر: ابن عمي المتعلم خير من أخي الجاهل، ورجل غريب أكثر علما خير من أخي وابن عمي!
ابنوا العلاقات الانسانيّة على أساس العلم والخير لا على أساس الدم وصلة القربى!
عندما تفعلون ذلك سيغيّر التاريخ مجراه وسيكون لكم حضارة قادرة على أن تنافس حضارات اليوم، لا على أن تتصارع معها!
أنتم تتصارعون مع العالم لأن هذا العالم، ومن خلال منظاركم الضيق، لا يندرج تحت مظلة “الأقرباء”. وتبجلون جهلاءكم لأنهم اخوانكم وأولاد عمومتكم!
انشتاين عدوّكم لأنه يهودي، بينما صدّام حسين من دمكم ومن نفس الرحم التي أنجبتكم، ولذلك ظلّ انشتاين بعيدا عنكم وظلّ صدّام يدوس على رقابكم!
للحديث صلة.
******************