شخصية المسيح في الإنجيل والقرآن

كيف يكون المسيح هو الله وابن الله بنفس الوقت ؟

ورد ذكر المسيح في 93 آية من القرآن. وإلى هذه الآيات يرجع التفكير الإسلامى، كلما تناول شخص المسيح بالبحث. وفي حرص الشيوخ على الاعتقاد بصحة القرآن والطعن بالإنجيل ، قالوا بتحريف الإنجيل، كلما ناقض نصه نصوص القرآن .
والباحث في نصوص القرآن يلاحظ الآيات المكية الأولى كثيرة التعاطف مع المسيحية، إذ تفيض بالنعومة على المسيح وحواريه والقسيسين والرهبان. ولكنها فى آخر عهد محمد في المدينة أصبحت قاسية. تتنكر للمسيحيين، وترفض ألوهية المسيح رفضًا قاطعًا.
ولا ريب ان السبب عقائدي محض، لأن محمدًا رأى في عقيدة الثالوث ما يخالف الوحدانية التي نادى بها الإسلام وقامت دعوته عليها. ودفعًا لأي احتمال في هذا الموضوع جاءت عدة نصوص قرآنية، تشجب عقيدة الثالوث وتتهم النصارى بالشرك في الله والغلو في دينهم. ولعل محمدًا أخذ بثالوث أهل البدع من النصارى الهراطقة الذين كانوا منتشرين فى شبه جزيرة العرب، والذين كان ثالوثهم مؤلفًا من الله والصاحبة مريم وابنها عيسى. ومع أن أحدًا من المسيحيين لم يقل بهذا إطلاقًا، فإن المسلمين جعلوا منها مشكلة لا يتنازلون عنها بالرغم من كل الإيضاحات التي قدمها المسيحيون في كل مناسبة .
– وفي مشكلة أخرى مزمنة سببها نص قرانى يقول: ” وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل اني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ” الصف 6
يتمسك المسلمون بحرفية هذه النصوص. فلما كان الإنجيل خلوًا من أي إشارة إلى نبوة محمد، ولا مسيحي يؤمن أن المسيح بشّر به، قالوا إن الإنجيل محرف. والاتهام بتحريك اللسان سهل، لكن تقديم الدليل عندهم صعب جدا بل مستحيل .
وهناك مشكلة ثالثة، سببها إيمان المسيحيين بما جاء في الإنجيل عن آلام المسيح وصلبه كحقيقة أساسية لدينهم، بينما القرآن ينفى الصلب، إذ يقول عن اليهود: ” وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا ” النساء 157 – 158 رغم أن في هذه الآية خطأ كبير، وهو قول اليهود بأن المسيح رسول الله ، بينما لا يعترف اليهود بالمسيح رسولا من الله ! فهل يخطئ الله بقوله ، أم اخطأ مؤلف القرآن؟


ومشكلة رابعة سببها اعتقاد المسيحيين بأن المسيح هو ابن الله، وقد شجب القرآن هذا الإعتقاد بسلسلة من الآيات. بينما المسيحية لا تؤمن بالبنوة الجسدية للمسيح من الله لأنها بنوة إنتسابية إلى الله ، لم يفهمها مؤلف القرآن ولا المسلمون إلى الآن رغم كثرة شرحنا لها .
بالرغم من اعتراض الإسلام على العقائد المسيحية الأساسية فإن القرآن يضفي على المسيح صفات وكرامات، تجعله فوق مستوى البشر. وهذه الميزات تنبع من سيرته، ومن رسالته ومن شخصيته. وحين نقارن بين هذه الميزات والميزات التي أنكرها القرآن للأنبياء والرسل، نرى أن القرآن لا يعطي أحدًا منهم حتى محمدًا شيئاً من معجزات المسيح ومنها :
1 . البشارة العجيبة : قَالَ (جبريل) إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا “
2 – الحبل العجيب. كما نقرأ في سورة التحريم 12: ” ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين “
” ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين “
وقد علق البيضاوي على ولادة يسوع المعجزية بقوله: تلك معجزة تفرّد بها المسيح على العالمين والمرسلين. لأنه وُلِدَ دون أن تضمه الأصلاب والأرحام الطوامس. وقال الإمام أبو جعفر الطبري في تفسير ه لوصف المسيح » غلامًا زكيا « وذلك بالإستناد إلى قول أبي عمرو: » الغلام الزكي هو الطاهر من الذنوب . لكن صاحب القرآن لم يوصف بالزكي !

3 – كونه مباركا – نقرأ في سورة مريم هذه العبارات عن لسان المسيح: (( وجعلني مباركًا أينما كنت)) مريم ٣١
4 – مؤيدا بالروح القدس : ” واتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس” البقرة 253
المسيح : كلمة الله وروح منه ” انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه” النساء 171
قال ابن أنس : ” هو الروح الذي نفخ في المسيح، أضافه الله إلى نفسه تكريمًا وتخصيصًا. والقدس هو الله، يدل عليه قوله فنفخنا فيه من روحنا “. إن كان المسيح روح الله فمن يكون هو إذا ؟
قال ابن جبير: (روح القدس هو اسم الله الأعظم، وبه كان عيسى يحيي الموتى”.
قال ابن عباس: إنه الروح الذي نُفخ فيه، والقدس هو الله فهو إذًا روح الله” .

5 – رفع إلى السماء بعد وفاته
” اذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك اليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل
الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة “آل عمران 55
قال الفخر الرازي : معناه أته يرفعه إلى مكان لا يملك أحد الحكم عليه فيه. لأن في الأرض قد يتولى الخلق أنواع الأحكام، أما في السموات فلا حاكم في الحقيقة وفي الظاهر إلا الله .
6 – تفرد رسالته بالمعجزات العجيبة : “آتينا عيسى آبن مريم آلبينات ” والبينات هي العجائب. قال البيضاوي: لقد خصه الله بالتعيين وجعل معجزاته سبب تفضيله على الرسل. لأنها آيات واضحة، ومعجزات عظيمة، لم يستجمعها غيره.
6 – يعلم الغيب
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ …. وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا
قال الجلالان في تفسير (لعلم للساعة) إنه عيسى لعلم الساعة، يعلم بنزولها. ومتى نكرنا أن المعروف عند الناس أن الله ينفرد عن خلقه بأنه وحده عنده علم الساعة، ندرك الميزة التي أفردها القرآن للمسيح .

انه الشفيع المقرب – جاء في سورة الزمر ٤٤:٣٩ نرى أن القرآن يحصر الشفاعة لله وحده، إذ يقول :)) لله الشفاعة جميعا ((. ومع ذلك، فأحد نصوص القرآن يلمح إلى كون الشفاعة أيضًا من امتيازات المسيح إذ يقول: ” إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه ١لمسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا وفي الآخرة من المقربين .
سؤال : لماذا خص الله المسيح وحده بكرامات ومعجزات هي نفسها من اختصاص وعمل الله فقط مثل الخلق وعلم الغيب و شفاء المرضى واحياء الموتى والتحكم بالروح والحياة وهي من أمر الله فقط ؟ كما انه ولد من غير أب بشري، وصعد الى السماء التي نزل منها، وهو كلمة الله وروح منه أي هو جزء لا يتجزأ من ذات جوهر الله . لأن كلمة الله تخرج من عقل الله والروح هي أساس حياة الكائن الحي . والمسيح هو كلمة الله وروحه … أي هو الكلمة الناطقة بلسان الله الصادرة من عقل الله وهو روح الله ، فمن يكون المسيح غير الله المتجسد بصورة إنسان ؟
صباح ابراهيم

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.