سلسلة دراسة الوضع في سوريا: الجزء العاشر

:لقراءة الجزء السابع:الجزء السابع من سلسلة (الوضع في سوريا)
:لقراءة الجزء السادس:  الجزء السادس من سلسلة (الوضع في سوريا)

لقراءة الجزء الخامس: الجزء الخامس من سلسلة دراسة الوضع في سوريا
لقراءة الجزء الرابع: اسبح عكس التيار
الجزء الثالث: القط بحب خناقو
الجزء الثاني: قوة الخرافة
الجزء الأول: نعم أنا علوية وأفتخر

لا يوجد قهر يسحق الروح البشرية، بحجم القهر الذي يعيشه انسان ضحى بحياته، بأيامها وسنينها، بنوعيتها، بكل ما يملك فيها في سبيل أمر كان يظنه قضية ، واكتشف لاحقا أنه كان حجرا في رقعة شطرنج تتحكم بها عصابة مارقة على كل خلق!!
…..
تجلت أمامي تلك الحقيقة العارية لأول مرّة قبل حوالي عشرين عاما… كنت أتحدث مع صديق مصري وكان حديث العهد في أمريكا وفوق الستين ومصابا بكآبة حادة حاول خلالها الإنتحار عدة مرات.
قال: كنت مديرا لأكبر ثانويات القاهرة ولمدة ثلاثين عاما، وبعد أن هاجرت لأمريكا اكتشفت أنني لم أكن خلالها إلا حمارا، ولم أخرّج يوما إلا الحمير!!
…..
عادت تلك الحقيقة وتجلت أمامي مرة أخرى منذ حوالي عدة أشهر كنت خلالها أتحدث مع الشاب حسان من ألمانيا، كان حسان القاضي الشرعي لداعش في الرقة، وفرّ لاحقا إلى المانيا واعتنق المسيحية ويخضع لعلاج نفسي مكثف في محاولة لاخراجه من الكآبة واليأس الذي يعيشه (شاهد فيديو اعتناقه للمسيحية هنا: فيديو: إرتداد القاضي الشرعي لجبهة النصرة وتعميده على يد القس المتنصر أيضاً د.محمد رحومة ), قال في سياق حديثه: في لحظة يقظة، وكنت خلالها أتحدث مع أحد العقول القيادية في الدولة الأسلامية، اكتشفت أنني لست سوى حجر شطرنج، والكبار يلعبون بنا وهم يقهقون
وتابع: ثم خرجت باعجوبة من فكي داعش! لدي الكثير مما قاله حسان، وعندما وضعت النقاط فوق الحروف التي خطها، تراءت لي الصورة كاملة، الصورة التي كان ـ ولم يزل ـ هو عاجزا أن يراها، طبعا لن أنشر تلك الأسرار الآن إذ لا علاقة لها بالموضوع!!
…..
في محاولة للتخفيف من حدة هذا القهر، يميل اللاوعي عند الإنسان ليتعلق بوهم ما أملا في أن يغطي تلك الحقيقة العارية! يربط بين تضحيته وبين قضية يظنها مقدسة، وهو يعرف في غلالة نفسه، أن تضحيته لا تمت إلى تلك القضية بصلة! لكنه يرفض أن يواجه الحقيقة لأنها مؤلمة، ومؤلمة جدا جدا…. يظل متمسكا بوهمه ومدافعا عنه في محاولة للهروب من قهره!
…..
عندما أحاور مسلما مدافعا عن اسلامه، وأحاصره في زاوية ضيقة يحس فيها بالإختناق، يجد نفسك متمسكا بهذا الوهم، فيقول كآخر محاولة للدفاع عن اسلامه: وماذا ستفعلين عندما تقابلين ربك كملحدة؟ يحاول أن يقنع نفسه أن الدفاع عن الإسلام هو دفاع عن وجود الله والإيمان به، ورفضي للاسلام هو نكران لوجود الله.
قد يعرف في غلالة نفسه أن دينه لم يكن أكثر من كذبة كبيرة، ولكن ـ والحق يقال ـ ليس سهلا أن يواجه قهرا كبيرا عندما يعترف أن عبادة والديه وأجداده وعبادته لقرون ذهبت هدرا! لذلك، يفضل أن يظل متمسكا بوهمه بحجة أنه يدافع عن “وجود الله” وليس عن سيرة نبيه.

كذلك، عندما أحاور معارضا أو مواليا، لا فرق بين أي منهما، الأول عندما أتناول “ثورته، والثاني عندما أتناول “قائده”
وبعد أن يتقيأ كل مافي قاموسه من شتائم ( للعلم كلاهما ولدا في نفس الرحم الثقافي) يقول: كيف لك أن تخوني الوطن يا عميلة؟
يربط قضيته بالـ “وطن” كي يخفف من حدة القهر الذي سيعيشه لو اكتشف بأنه مجرد حجر في رقعة شطرنج. إذ لا فرق بين الألم الذي عاشه ومازال يعيشه حسان (القاضي الشرعي لداعش) وبين ألم تلك المرأة السورية التي فقدت شبابها الستة، لو اكتشفت أنها فقدتهم دفاعا عن منصب وكرسي! وانا دائما أقدر هذه النقطة بالذات، لأنني أعرف أن الوهم يخفف من حدة القهر!
………………
كلاهما يدافعان عن قضية وهمية يسميانها “وطنا” ولا أظن أيا منهما يعرف معنى الوطن! الوطن ـ لو وجد ـ هو الذي يضم كلاهما، الوطن هو الذي يحمي الموالي من حقد المعارض، ويحمي المعارض من حقد الموالي, وفي نهاية المطاف يُقنع الأثنين أنهما متساويان في الحقوق والواجبات، ومن حق كل منهما أن يلوح قبضته حتى حدود انف الآخر! نعم حتى حدود الانف، دون المساس بذرة من ذلك الانف! وإلا فالولاء للدائرة الأضيق التي ينتمي إليها كل منهما سواء كانت العائلة أوالعشيرة أم الطائفة أو الحزب، ليست انتماءا لوطن وإنما وهم وسراب!!
…..
كل إنسان سوري تخضرم وعاش الحقبتين حقبة الأب والأبن، ولم يكن يدري أن البلد مقبلة على خراب هو انسان مغفّل فكريا منوم أخلاقيا البلد وصل إلى درجة من الغليان كان جاهزا ليكون مرتعا خصبا لأبسط مؤامرة، حتى ولو حاكتها دولة الصومال, فكيف أن تحيكها أمريكا؟؟ (لا تستعجلوا: نعم هي مؤامرة أمريكية وسأشرح تلك النقطة بالتفصيل لاحقا)
هذه هي مسؤولية الإنسان السوري العادي، فكيف بالقائد؟؟ وأعني هنا القائد الناجح!
Leroy Emis
مفكر وكاتب أمريكي، مختص في البحث عن شخصية القائد الناجح ودراسة جوانب وخصائص تلك الشخصية، يقول في كتابه
Be the Leader You were Meant to BE
(كن القائد الذي ولدت لتكون) يقول:
Leader is one who sees more than others see, who sees farther than others see, and who
sees before others do
(القائد الحقيقي هو الذي يرى أكثر مما يستطيع الآخرون أن يروا، ويرى أبعد منهم، ويرى قبل أن يروا)
….
نعم القائد الناجح هو من يملك من البصيرة ما يساعده على رؤية المستقبل, ليس هذا وحسب، بل التحضير لمواجهة العواصف القادمة، أو على الأقل التخفيف من حدة الخسائر. الكوارث السياسية كالكوارث الطبيعية أصبح من الممكن التنبأ بها بدقة متناهية، لكن ذلك التنبأ يتطلب بصرا حادا وبصيرة ثاقبة وقدرة على المواجهة! قد لا يستطيع قائد ـ مهما كان ناجحا ـ ان يتحكم بجهة العواصف ولا من حدتها، ولكنه حتما يستطيع أن يولف أشرعته ليخفف من خسائرها وليضمن وصول بلده إلى شاطئ الأمان.
……..
اليوم هو مستقبل البارحة، وكل يوم نعيشه هو مستقبل اليوم الذي سبقه ويبقى السؤال: هل نجح قائد واحد في أي بلد من تلك البلدان التي ابتلت بثقافة البعير في التنبأ بالمستقبل والتحضير له؟؟؟؟ واقعنا اليوم هو الجواب!!!! ألم أقل لكم في بوست سابق، لو اضطريت أن أختصر كل الأسباب التي أدت بنا إلى مانحن عليه، لقلت وبلا تردد: “غياب القيادات الحكيمة”
…….
القيادة التي لا تستطيع أن تحمي الوطن أثناء السلم، من المستحيل أن تحميه أثناء الحرب, لا يحمي الوطن، أي وطن، إلا شعبه….
ولكي يضحي الشعب من أجل حماية الوطن يجب ان يمتلك مفهوما واضحا للوطن، ويدرك في غلالة نفسه أن خسارة الوطن هي خسارة لكل شيء…. هذا المفهوم تحدده وتكرسه وتعمقه القيادات، ولا تستطيع أن تفعل ذلك إلا في وقت السلم!
أما القيادات “الخلبية” والتي لا تتعدى كونها عصابات مأجورة وخائنة، فمصيرها مهما طال الزمن أن تسقط في برميل قمامة التاريخ… والكارثة أنها تأخذ الوطن معها!
………………..
أعزائي القرّاء: أشعر دائما أنني وقفت قبل أن تنتهي الفكرة، ولكن لست من أنصار البوست الطويل. ما أقوله عن سوريا ينطبق على أي بلد “عربي” آخر… والبوست اللاحق سيجيب على سؤال: هل كانت سوريا وطنا حقيقيا؟ فتابعوني…. مع خالص محبتي

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.