عبارات سياسية خرقاء قالها ذات يوم رئيس الحكومة التركية سليمان ديميريل للتعبير عن واقع القسمة التركية الضيزى غير المتكافئه ولا العادله لمياه نهري دجلة والفرات , بين كل من تركيا من جهة , والعراق وسوريا من جهة أخرى قال : (( ليس من حق العراق وسوريا الإدعاء بأنهارنا التركية , مثلما ليس لتركيا حق الإدعاء بنفطهما )) .
أمان ربي أمان … لو كان النفط العربي أو العراقي .. تمتد حقوله الى داخل الأراضي التركية .. فهل كانت الحكومة التركية ستتورع عن حفر الآبار لسحبه من داخل أراضيها مدعية بأن هذه حقول نفطية مشتركة ؟
ثم … هل مد العراق أو سوريا أنابيب من تحت الأرض أو من فوقها لسحب مياه الأنهار ( التركية ) ؟ أم أن أحواض هذه الأنهار هي أحواض مشتركة تتعامل تركيا لتقاسمها مع العراق وسوريا بقسمة ضيزى … لا تجرؤ على التعامل بها مع بقية جيرانها المتحاصصين معها في أنهارها الأخرى !!؟
تمتلك تركيا حدودا طولها 2763 كيلومتر , منها 615 كيلومتر على شكل حدود مائية , وهذا سيعطينا التأكيد على القسمة الضيزى التي تتعامل بها تركيا مع العراق وسوريا . فمن أهم الإتفاقيات التي وقعتها تركيا مع الإتحاد السوفييتي السابق هي ( إتفاقية حق الإنتفاع بالمصادر المائية ) 1927 حول إستعمال أنهار ( كرو , كورا , أربا , أراس ) المشتركة بينهما وتنص الإتفاقية على مناصفة مياه هذه الأنهار بين تركيا والإتحاد السوفييتي , ثم وقعت عام 1973 إتفاقيات جديدة لإنشاء سدود مشتركة بينهما على هذه الأنهار .
نفس هذه الإتفاقيات كانت تركيا قد وقعتها من جهة أخرى مع اليونان منذ معاهدة لوزان , أما في أعوام الخمسينات من القرن الماضي فقد أسست الحكومتان مشاريع لتطوير الري بينهما أتاح لتركيا إرواء 11,600 هكتار من أراضيها فيما تمكنت اليونان من إرواء 16,900 هكتار من الأرض .
تصنف تركيا الأنهار المشتركة بينها وبين كل من الإتحاد السوفييتي واليونان على أنها ( أنهار دولية ) بينما تصنف الأنهار التي تدخل الى العراق وسوريا على أنها ( أنهار عابرة للحدود ) وتعتبر نفسها متفضلة على البلدين في كل قطرة ماء تدخلهما من هذين النهرين , وهذا التفضل والأنانية , هما اللذان سيحددان شكل السياسة التركية مع العراق وسوريا , وستبدأ السياسة من الماء لتتشابك مع مواضيع أخرى .
(( مشروع تطوير جنوب الأناضول )) يعد واحدا من أكبر مشاريع الري في العالم , وتقوم خطته على إنشاء 22 سد و 19 محطة هيدروليكية على مجرى نهري دجلة والفرات , لتحويل مياه حوضي النهرين بواسطة قنوات مبطنة الى وادي حران حيث هناك طموح لزراعة 1,7 مليون هكتار من الأرض .
الحكومة التركية تطمح بالإضافة الى ذلك الإستفادة من مياه السدود لإنشاء مشاريع هائلة لتوليد الطاقة الكهربائية حيث تقوم بتصديرها الى الدول المحتاجة إليها , مثل سد أتاتورك وسد كركايا وسد كيبان
هذا الإستغلال التركي الأحادي الجانب لمياه نهري دجلة والفرات تسبب في قدر كبير من الإستياء بين الجانبين العراقي والسوري وصلت أصداؤه الى المحافل الدولية بما يهدد بإنفجار ( حرب مياه ) قابلة للوقوع في أية لحظة . كما يهدد التوازنات السياسية في الشرق الأوسط , حيث تحالفت بسببه سوريا مع ايران , على الجانب الاخر تحالفت تركيا مع إسرائيل فتحول حوض الفرات الى واحد من أكثر مناطق العالم إحتداما في السياسة , التي يلعب فيها الماء العامل والدور الأخطر .
ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية مغطى بالماء , ولكن لسوء الحظ 98% من هذا الماء موجود في المحيطات المالحة , أما نسبة 2% من المياه العذبة فلا يستهلكها البشر جميعها لأن 90% منها أما متجمدة في القطبين ولا تتحرك من مكانها , أو أنها مياه جوفية في باطن الأرض . النسبة الحقيقية من المياه التي يستهلكها مليارات البشر الموجودون على الأرض مع دوابهم ومزروعاتهم هي 0,000006% فقط من كل الماء الموجود على سطح البسيطة , ومن هذه النسبة المتناهية في الصغر فإن 26% فقط هي الصالحة للشرب .
من هنا تنبع الأهمية القصوى لمصادر المياه النقية خصوصا وأن أغلب دول العالم تقع في أراضي قاحلة أو شبه قاحلة , وفي أمس الحاجة الى الماء . على سبيل المثال فإن أوربا لوحدها تحتوي على نصف مساحة الأرض المروية بالمطر في العالم , لكن الشرق الأوسط بحاجة ماسة الى المياه , تهدد أقطاره بالحرب فيما بينها بسبب العطش . ففي 88 بلد نامي حيث يعيش 40 % من سكان العالم , تعتبر شحة المياه العامل الجدي والخطير في تعويق التنمية البشرية , أما حاجز ( الألف متر مكعب من الماء لكل إنسان سنويا ) فإن كثير من أقطار الشرق الأوسط تفشل في الوصول إليه , ما عدا تركيا والعراق وسوريا حيث يقوم نهرا دجلة والفرات بتأمين هذه النسبة من الماء للسكان .
ينبع نهر الفرات من مرتفعات شرق تركيا وينتهي عند نهر شط العرب الذي يصب في الخليج , والفرات أطول نهر في جنوب غرب آسيا حيث يبلغ طوله 2700 كيلومتر , وسعته تقدر بحوالي 35,9 مليارمتر مكعب . يتشكل نهر الفرات من إتحاد رافدين كبيرين هما ( مراد ) و ( كراسو ) عند مدينة ( إيلازج ) التركية فيتكون النهر الذي ينحدر جنوبا ويدخل الأراضي السورية مواصلا مسيرته نحو الجنوب ليتحد معه رافدا ( الخابور ) و( البليخ ) اللذان ينبعان هما أيضا من الأراضي التركية ويعبران الى سوريا لملاقاة الفرات فيها .
يدخل نهر الفرات الى العراق من مدينة ( هيت ) التي ترتفع عن سطح البحر 53 مترا فقط , ثم يقطع داخل الأراضـي العراقية 735 كيلو متر يخسر فيها معظم مائه في القنوات الإروائية , وما يتبقى منه يتسرب الى ( هور الحمّار ) .
ما يتبقى منه بعد كل هذا , يتحد مع نهر دجلة قرب مدينة القرنة فيتكون ( شط العرب ) . أما نهر( الكارون ) القادم من ايران فيتحد مع شط العرب قرب البصرة .. بعدها يندفع شط العرب الى الخليج .
أما نهر دجلة فينبع من مرتفعات شرق تركيا أيضا , ولكن الروافد الرئيسية التي تصب في دجلة , تتكون في أرض العراق .
يندفع نهر دجلة جنوبا في الأراضي التركية وحين يصل الى مدينة ( سيزر ) فإنه يرسم خط الحدود السياسية بين كل من تركيا وسوريا , في خط يمتد لمسافة 32 كيلومتر , بعدها يدخل النهر أرض العراق .
في العراق يلتقي دجلة بروافده العراقية : الزاب الأعلى , الزاب الأسفل , العظيم , وديالى . ويبقى مندفعا الى الجنوب .. ليلتقي بنهر الفرات في القرنة , حيث يكونان معا شط العرب الذي يندفع الى الخليج .
نهر دجلة يحمل من الماء أكثر مما يفعل الفرات , وهذا يعود الى أن مصادر مياه روافده تأتي من سلسلة جبال زاخاروس التي تنتهي عند شمال العراق .
قبل أن يتحد نهر دجلة مع نهر الفرات عند مدينة القرنة لتكوين شط العرب , تقوم المشاريع الإروائية العراقية بإستهلاك حوالي 70_ 80% من مياه النهر .
يعتبر نهر دجلة ثاني أطول أنهار جنوب غرب آسيا حيث يبلغ طوله 1,840 كيلو متر , مباشرة بعد إتحاده بنهر ديالى تأسست على ضفتيه العاصمة بغداد . ويمكن للوسائط المائية إختراق دجلة صعودا الى الموصل , لكن ذلك يصبح صعبا عند محاولة النزول الى جنوب العراق .
بسبب عدم إنتظام مواسم الأمطار في المنطقة التي تنبع منها روافد دجلة , فإن هذا النهر معرض دائما الى خطر الفيضان , ولهذا تقوم الحكومة العراقية بتحويل قسم من مياه دجلة الى نهر الفرات الذي لايمتلك نفس الكفاءة الإروائية . فبعد أن قامت تركيا بإستغلال 98% من مياه الفرات ثم قامت سوريا بإستغلال 12% من المتبقي في النهر , يصبح من واجب الحكومة العراقية تغذية نهر الفرات بمياه مستقطعة من نهر دجلة .. وإلا تعرض للجفاف .
حاليا تقوم تركيا بإنشاء العديد من السدود الهيدروليكية على نهر الفرات , الثلاثة الكبرى منها هي : سد كيبان , سد كاركايا , وسد أتاتورك . أما سد بيرزك وسد كاركاميس فهي مشاريع ما زالت في طور التنفيذ . وهذه المشاريع جميعا مصممة لإنتاج الطاقة الكهربائية إضافة لعملها الإروائي . وتعد هذه المشاريع العملاقة جزءا صغيرا من الخطة التركية الطموحة التي سيتكامل العمل بها في حدود عام 2020 .
رغم إستعمال تركيا الفاحش لمياه نهر الفرات , إلا أنه لا توجد لها مشاريع كبرى على نهر دجلة لحد الآن بل لها عدد من المشاريع في طور التنفيذ مثل سد كرالكيزي الهيدروليكي , وسد دجلة بالإضافة الى ثمانية مشاريع أخرى ما زالت في طور التخطيط .
مشاريع نهر دجلة من المؤمل لها إرواء 1,7 مليون هكتار من الأرض , وإنتاج 27 مليار كيلوواط / ساعة من الطاقة الكهربائية .
تنفذ تركيا مشاريع نهر دجلة بالرغم من وجود تدفق كبير للكرد العراقيين داخل الحدود الجنوبية الشرقية التركية , المقترن بإرتفاع مستويات البطالة وعدم الاستقرار السياسي أيضا – بحكم أن المنطقة بؤرة لتحرك الكرد الأتراك الإنفصاليين الذين يقودهم حزب العمال الكردستاني التركي الإنفصالي – وبرغم أن تركيا قد تضررت بشدة من الناحية الاقتصادية ، من الحصار الأمريكي وعقوبات الأمم المتحدة على العراق ، وذلك لأن حجم التجارة مع العراق يمثل جزءا كبيرا من الإقتصاد التركي الإجمالي , وينسحب هذا الضرر على فترة الإحتلال الأمريكي للعراق التي أعقبت الحصار .
في فترة الحكم العثماني كان إستخدام السوريين لمياه نهر الفرات في حدوده الدنيا , ما بين الإستهلاك البشري للماء ولبعض الزراعة المحدودة . بعد الحرب العالمية الأولى ومعاهدة فرساي ومقررات سان ريمو , كانت سوريا ولبنان من حصة فرنسا التي وضعت خططا مفصلة لبناء سد كبير على نهر الفرات ، ومياه هذا السد كان من المقرر أن تستخدم في ري حقول القطن في شمال سوريا .
سقطت باريس بيد الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية فإستنجدت فرنسا بالعالم لتحرير عاصمتها المحتلة , وجزء من الثمن الذي دفعته فرنسا للأمريكان لقاء إرسال الجيش الأمريكي لتحرير باريس .. كان إنسحابها من سوريا ولبنان ليصبحا منذ عام 1944 جمهوريتين أمريكيتين في المنطقة .
بعد هذا الإستقلال الشكلي , بدأت الحكومة السورية بإهمال مشروع الفرات والإعتماد على نهر العاصي . أما بداية إهتمامها بنهر الفرات فقد كان أواخر الخمسينات من القرن الماضي حين دخلت في الوحدة الإندماجية مع مصر وكونتا الجمهورية العربية المتحدة .
أحيا الأمريكان الذين يستعملون المصريين والسوريين معاً .. الحلم الفرنسي بسد كبير على نهر الفرات .. فأصبح يشكل أولوية رئيسية بالنسبة للسوريين …. لكن هذه الوحدة الإندماجية الفورية سرعان ما إنهارت .
عندها نسقت الحكومة السورية مع خبرات من الإتحاد السوفييتي لإنشاء ( سد طبقة ) الذي أفتتح رسميا في تموز / يوليو من عام 1973 ومياه الفرات التي تجمعت بفعل السد أطلق عليها تسمية ( بحيرة الأسد ) والتي يتوقع منها السوريون إرواء حوالي 460 ألف هكتار من الأراضي الزراعية .
لكن تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية 1980 أشار إلى أن مياه بحيرة الأسد لم تتمكن من ري المساحة المطلوبة , وأن المساحة الفعلية المروية هي دون 8,500 هكتار , وأشار التقرير الى غياب البيانات الحقيقية عن واقع المنطقة وأن هذا النقص حاصل بسبب العجز البيروقراطي الوظيفي ، والجهد الهندسي المفرط في التفاؤل ، والصعوبة الحقيقية لجيولوجية المنطقة .
الوضع مختلف في العراق حيث تم استخدام نهر الفرات منذ العصور القديمة ، قدم المهندس البريطاني وليام ويلكوكس تقريرا إلى الإمبراطورية العثمانية عام 1911 تضمن مقترحاته حول إحياء سد الهندية على نهر الفرات , وسدة الكوت الواقعة على دجلة , ومشاريع ( الحبانية ) و( سد بخمة ) و ( سد الموصل ) ولهذا فالحاكم البريطاني في العراق بعد الحرب العالمية الأولى , ثم الحكومة الملكية , قاموا بتأسيس دائرة لتفعيل الري في العراق .
وعندما طرد الأمريكان البريطانيين من العراق وحولوه الى جمهورية عام 1958 , عهدوا الى الإتحاد السوفييتي بتقديم العون للعراق الجمهوري حتى العام 2000 لإستكمال مشاريعه المائية , لكن الخطط العراقية في عهد الجمهورية تأثرت بسلسلة حروب الخليج مما أعاق إكمال تنفيذ خطواتها .
في الوقت الحاضر يمتلك العراق سد حديثة الذي يستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية , ودفع المياه الى القنوات الإروائية , وتقدر مدى إستفادة العراق من هذا السد إروائيا بحوالي 1,2 مليون هكتار, ويقدر وصولها الى 1,8 مليون هكتار عند إمتلاء السد بكامل سعته , ولا توجد بيانات كافية أو دقيقة عن مدى تطوير العراق لمشاريعه الإروائية على نهر الفرات .
هناك عدة سدود عراقية منفذة أو في طور التنفيذ على نهر دجلة , سد الموصل مثلا يستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية وللسيطرة على فيضان نهر دجلة . أما سد سامراء وسدة الكوت فهما يقومان بالسيطرة على مستوى الماء في النهر وسرعة إنسيابيته .
سد بخمة على الزاب الأعلى , وسد دوكان وسدة الدبس على الزاب الأسفل , وسد حمرين على نهر ديالى مشاريع مائية مهمة على نهر دجلة , قامت بها الحكومة العراقية , إضافة الى تخطيط إنشاء 4 سدود أخرى ( مؤمل ) إنشاؤها في المستقبل .
كما تم إنشاء مبزل ( النهر الثالث ) بطول 500 كيلو متر وعمق 4 أمتار وعرض 18 متر لبزل المياه المالحة والراكدة من الأرض المحصورة بين نهري دجلة والفرات , إعتبارا من جنوب بغداد وصولا الى الناصرية ثم سحبه منها بنظام ( سيفون ) يوصل الماء المبزول الى الفاو حيث يتم طرحه في الخليج , وبعض التقارير تشير الى أن إنجاز هذا المشروع قد تم فعلا في عهد الرئيس صدام حسين .. وهو جاهز للعمل .
الإستعمال _ التركي السوري _ المتزايد لمياه نهر الفرات يشكل تحديا للحكومة العراقية الحالية , يجعلها ملزمة بتحويل المزيد من مياه نهر دجلة الى نهر الفرات من أجل المحافظة على إنسيابيته كنهر .
حالة الصراع في المنطقة بين تركيا وسوريا والعراق الناتج عن قضايا الماء ، ليست حرباً أو صراعاً ًمسلحاً منظماً , لكنها وخاصة خلال مراحل ملء الخزانات الكبيرة من السدود الضخمة , تتحول الى صراع سياسي كالقتال بين شقي حزب البعث العربي الإشتراكي في كل من سوريا والعراق , أو تقديم الدعم من قبل الأطراف الثلاثة للصراع الكردي في المنطقة ليتحرك في الدولة المراد الإضرار بها نتيجة عدم الرضا عن سياستها المائية .
حاليا سوريا والعراق يشتكيان من المشروعات الإروائية التركية ، لأنها تقلل من تدفق نهر الفرات الى سوريا بنسبة 40 % والعراق بنسبة 90% ولهذا يجب تقييم هذا الوضع المائي المتفجر , عند دراسة أي حالة تأزم بين هذه الدول الثلاث .
على خط الصراع التركي السوري , نلاحظ أن سوريا متضررة بشدة من (( مشروع تطوير جنوب الأناضول )) لأنه يحرمها من مياه الفرات .. بما يهدد بإندلاع حرب شاملة بين البلدين . فسوريا تحتاج الى منسوب معين من الماء في بحيرة الأسد من أجل إدامة مشاريعها الزراعية ولتوليد الطاقة الكهربائية , وتركيا لا ترعوي وتريد إستغلال الفرات الى آخر قطرة , وتحالفت مع إسرائيل من أجل ذلك .
عندها إندفعت سوريا لصناعة المشاكل داخل تركيا , وكان من بين تلك المشاكل : الدعم السوري لحزب العمال الكردستاني التركي , مما صعد الموقف بين البلدين بشكل أكثر حدة ودعا تركيا الى تصعيد إستغلالها لمياه الفرات … لكنها أذعنت في النهاية عندما وصل صراعها مع مواطنيها الكرد الى أقصاه , فسمحت لسوريا بحصة إضافية من ماء الفرات مقابل كف أيديهم عن دعم الكرد , وكان ذلك خلال فترة حكم الرئيس حافظ الأسد .
أما العلاقات المتأزمة بين العراق وسوريا فيمكن النظر إليها منذ وصول حزب البعث العربي الإشتراكي الى السلطة في العراق , ومحاولته جعل العراق قوة كبرى في المنطقة , لذلك تصاعدت الأعمال العدائية بين شقي الحزب عندما بدأت سوريا بملىء خزان سد طبقة ( بحيرة الأسد ) بمياه نهر الفرات , فتدهورت العلاقة مع الشق الثاني من حزبهم في العراق ووصلت الأمورالى ذروتها عام 1974 واستمرت العلاقات في التدهور ، ففي السنة التالية ، إتهم العراق سوريا بقطع مياه الفرات عنه وطلب تدخل الجامعة العربية .
سوريا وكانت هنا طرفا غير راض عن عملية التفاوض ، إنسحبت من اللجنة المشكلة من قبل الجامعة العربية لحل هذه القضية نهاية أيار 1975 وقطعت علاقاتها مع العراق , وإستمرت بإقفال أنبوب النفط العراقي الى بانياس للتصدير عبر البحر الأبيض المتوسط , كما هددت سوريا العراق بإستعمال العنف , فتصاعدت وتيرة الحملات الإعلامية والسباب والشتائم عبر الصحف , وكان من أبسط مظاهر التصعيد كتابة العبارة التالية , وبأسلوب خاص , على جميع سيارات رفع القمامة من العراق (( حافـــظ على نظافة مدينتك )) .
أغلقت سوريا حدودها ومجالها الجوي مع العراق وبدأ الطرفان بالتحشيد على حدودهما المشتركة , عندها تدخلت المملكة العربية السعودية لفض الإشتباك المحتمل , فتم التوصل الى إتفاق سري بين العراق وسوريا لم يعلن على الملأ ، وافقت بموجبه سوريا على الإحتفاظ بنسبة 40 % من مياه نهر الفرات التي تصلها من تركيا وترك الباقي يتدفق الى العراق .
أما العلاقة بين العراق وتركيا فكانت مستقرة نسبيا ولكن بعد إنتهاء تركيا من إنشاء سد اتاتورك ، بادرت الحكومة العراقية بالإعراب عن قلقها بشأن مياه نهر الفرات , ومنذ هذه المبادرة فإن الحكومة التركية لا تتورع بين الفينة والأخرى عن إرسال قطعات عسكرية الى العراق وخرق سيادته الوطنية بحجة ملاحقة الأكراد المتسللين عبر الحدود , مستغلة في ذلك أوضاع العراق , في نزاعاته المستمرة مع دول الجوار .
تجلت أكبر مظاهر عدوان تركيا وسوريا على العراق بسبب الخلافات على الحصص المائية لنهري دجلة والفرات , في إشتراكهما بالحلف الأمريكي لضرب العراق , حيث سمحت تركيا بفتح كل القواعد العسكرية لضرب العراق وأهمها قاعدة ( أنجرلك ) القريبة من الموصل . أما سوريا فقد وافقت على مشاركة جيشها للقتال في العراق الى جانب الحلف الأمريكي .
الآن وبعد سقوط نظام البعث في العراق , فإن سوريا وتركيا ما زالتا تلعبان أوراق الضغط داخل العراق , تارة بالمطالبة بحقوق التركمان , وأخرى بالتدخل في قضية كركوك . أو بتصدير الإرهاب الى العراق .
توجد إتفاقيات بين تركيا والعراق للتنسيق بشأن إستغلال حوضي دجلة والفرات تعود الى عام 1946 تم تحديثها عامي 1980 و 1982 على التوالي , وقعّت عليها سوريا فيما بعد لخلق أرضية مشتركة للتفاهم حول إستغلال مياه هذه الأنهار , لكن اللجان المنبثقة تعاني مشاكل وصعوبات جمة عند إجتماعها في كل من بغداد ودمشق وأنقرة , لأن الأطراف جميعا متصلبة في رأيها ومتمسكة بما تريد , وتسعى لفرض ذلك على الجميع .
هذا الواقع يفرض علينا النظر الى الأمر بطريقة ثانية , فإذا كانت تركيا جمهورية خاضعة للنفوذ الأمريكي المباشر منذ إسقاط الدوله العثمانيه على يد يهود الدونمه الذين قادهم أتاتورك عام 1924 وهذا هو السبب الحقيقي لعرقلة دخولها الى الإتحاد الأوربي رغم الإدعاء أن السبب هو كونها دولة إسلامية إضطهدت الأرمن ذات فترة من الزمان , وإذا كانت سوريا جمهورية أمريكية منذ إنسحاب الفرنسيين منها عام 1944 , وإذا كان العراق جهارا نهارا دولة محتلة بالغزو العسكري من قبل الأمريكان . فلماذا لا تتمكن هذه الدول الثلاث من حل مشاكلها المائيه ؟
هل تعني العولمة فيما تعني : ديمقراطية القتال تحت خيمة واحدة !!!؟ فوضنا أمرنا الى الله ,, الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا .ميسون البياتي – مفكر حر؟
تركيا كانت تخاف من صدام حسين لذلك كانت ما تجرؤ تلعب بموضوع المياه, اما الان بعد صدام هم الاقوى , و الاقوى يفرض شروطه و قيوده على الصعاليك…
الدليمي
حتى في زمن صدام كانت تركيا تخرق السيادة العراقيه بحجة ملاحقة أكرادها الذين يتسللون داخل الأراضي العراقيه وغيرها من الحجج والسبب الحقيقي كان دوماً هو النزاع على حصص المياه في حوضي دجله والفرات _ الفرق أننا في ذلك الوقت كنا نملك جيشاً قويا ً اما اليوم فسيادتنا ضائعه ما بين حكومة المركز وحكومةالإقليم