كانت كل شعوب العالم في القرون الوسطى وما قبل القرون الوسطى لديها بطئ شديد بنقل التكنولوجيا الصناعية والتكنولوجيا الاجتماعية,وامتازت الشعوب القديمة بقلة التأثر والتأثير بالتكنولوجيا الاجتماعية ولم تكن ترغب أي أمة قديمة بتبديل دينها وعاداتها وتقاليدها بعادات وتقاليد قديمة وكانت لديها جميعا قاسم واحد مشترك وهو التمسك بالرموز الدينية وبالرموز الاجتماعية وكانت ترافق هذه الحالة حالة أخرى وهي أنهم ما كانوا ليقبلوا بتغيير النظم والمعتقدات الاجتماعية إلا بالحرب وبالقتال وحين تنتصر أمةٌ على أمةٍ أخرى يقومون على الفور بتغيير عاداتهم وتقاليدهم ويستبدلونها بعادات وتقاليد الأمة المنتصرة لذلك صدق ابن خلدون حين قال: المغلوب يقلد المنتصر.
وهنالك ظاهرة اليوم أكثر ضراوة من غيرها وهي أن سرعة التأثر بالتكنولوجيا الاجتماعية ترافقها سرعة التأثر بالتكنولوجيا الاجتماعية,وإذا كان التأثر التكنولوجي ضعيف جدا يصاحبه ضعف في نقل التكنولوجيا الاجتماعية وإذا كان التأثر بالتكنولوجيا الصناعية سريعا نجد التأثر بالتكنولوجيا الاجتماعية أيضا سريعا جدا,إلا عند العرب المسلمين الذين ما زالوا مصرين على نقل التكنولوجيا الصناعية ويطردون من عالمهم التكنولوجيا الاجتماعية,إنهم يتحدون الناموس الطبيعي الذي يسري على هذا الكون وهم لا يدرون أنهم يضرون بمصالح الناس وعواطفهم وأمزجتهم.
وكانت قديما كل شعوب العالم بطيئة جدا بنقل التكنولوجيا الصناعية والاجتماعية نظرا لضعف تقدم التكنولوجيا الصناعية, ولكن اليوم الوضع تغير بشكل كبير جدا حيث تظهر سرعة وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي بشكل مدهش وملحوظ وصناعات حديثة في أوروبا ما نلبث أن نراها في المدن العربية نظرا لسرعة الاتصال وتحقيق ثقافة التواصل الاجتماعي ولكنها حالة استثنائية جدا وأحادية الجانب وتعتمد فقط لا غير على نقل التكنولوجيا الصناعية دون نقل التكنولوجيا الاجتماعية,ويتمسك العرب المسلمون برموزهم الدينية والاجتماعية ويحيون حياة الماضي في كل شيء ويقيمون علاقات حميمية مع زوجاتهم بناء على توصيات من أرواح عمرها 1500 عام على أبلغ تقدير,ففي ظل التطورات الحديثة ظهر علماء وفقهاء وفنيون اجتماعيون جدد ولكن المسلمين يدفنون هؤلاء وهم على قيد الحياة من أجل أن يعيش الحاكم والجلاد والجهل والتخلف,ويرون أن العالم الغربي الأوروبي عدوا يخشى الحذر منه والتعامل معه على كل المستويات ويتهمون العالم الآخر ويظنون عليه بالعداوة وكل فكر تنويري يحسبونه تهديدا لرموزهم السياسية والدينية لذلك يقيمون مؤتمرات علمية من أجل المحافظة على الجهل والتخلف والفساد ويرفضون أقامة علاقات حميمية مع الرموز الحديثة إنها فعلا الطامة الكبرى.
إن كل شعوب العالم تتأثر بالتكنولوجيا الاجتماعية ويقومون بتغيير عاداتهم ومعتقداتهم ودياناتهم بسرعة جدا ما عدى العرب المسلمون ذلك أنهم آخر من يعلم وآخر من يفكر بتغيير عاداتهم ومعتقداتهم,والسبب له مؤشران واضحان وهو بعدهم عن المجتمع الصناعي وتراجع نشر الكِتاب والكُتب التي تغير المعتقدات بناء على النظرية القائلة أن هنالك ثلاثُ أشياء تغير العالم وهي:المُناخ,الكتب,الثراء,والمُناخ يغير الطبائع والكتب تغير العقائد,والثراء يغير العادات والتقاليد,لذلك العربُ المسلمون يحاربون الكتاب,لذلك لا يوجد أي تغيير بالمعتقدات,ويحاربون الثراء أو تغير مستويات الدخل لكي لا يتحول المسلمون بعاداتهم وتقاليدهم إلى عادات وتقاليد حديثة.
وما زالوا يقعون تحت تأثير أنماط إنتاج تقليدية قديمة,هذه الأنماط تنعكس على سلوكهم وعاداتهم, فمثلا غياب المصانع ذات الأذرع الضخمة يقلل من أهمية المدينة ويحارب تغلغل الحياة العصرية في القرية والمدينة بحيث ما زالت المدن العربية الإسلامية تنتج غذاءها ودواءها بطرق قديمة جدا,فالرجال والنساء جميعا محرومون من الحياة العصرية,وأينما توجد حياة عصرية بتقنية زائدة يوجد معها حياة تكنولوجية بطرق زائدة عن حدها.
والسبب الثاني،هو أنهم يتأثرون بالتكنولوجيا بشكل بطيء نسبيا ليس كمثل الدول الأوروبية,وأنا كاتب هذه السطور ما زلت أذكر قبل 16 عاما حين ظهرت القنوات الفضائية كيف كانت الناس في مدينتي في الأردن تسأل شيوخ المساجد عن الستلايت أهو حلالٌ أم حرام,ولم يدخل الستلايت إلينا إلا بشق الأنفس بسبب الخوف أولا منه وثانيا بسبب أسعاره التي كانت مرتفعة جدا حيث لا يقدر أكثر من 90% من السكان على اقتناءه.
ويقول (آرنولد توينبي):استسلم العربُ في القرن التاسع عشر للتكنولوجيا الصناعية ولم يستسلموا للتكنولوجيا الاجتماعية الغربية,وهذا واضحٌ جدا من خلال أنماط الحياة والسلوك.زد على ذلك أن بقاء اللغة العربية على حاله دون تقدم وتطور اللغة العامية يجعل الأمة الإسلامية مدينة لسيبويه والكسائي وحدهما,فديننا الإسلامي عبارة عن سكراب(خردوات) قديمة,والشافعي وا[و حنيفة وأحمد بن حنبل ومالك بن أنس أيضا عبارة عن خردوات قديمة,وكتبنا كلها خردوات من الصعب أن تلمس في جوهرها روح الحياة العصرية.