ماذا تفعل بهم؟.. ترسلهم إلى الإسكندرية؟

ما من بلد لم تمر به فتوحات وغزوات كثيرة وأحكام إلا النادر. لكن التاريخ المصري يبدو فريدا: الفراعنة والمماليك، الفرنسيون Alexandria_Egyptوالبريطانيون. لكن أكثر ما يثير في فرادات مصر شيء يدعى الإسكندرية. مدينة قرر شاب في الخامسة والعشرين أن يبنيها في أرض مصر ويعطيها اسمه. وصلها من ممفيس (القاهرة) في بارجة على النيل الذي يبعد عنها 20 ميلا. رأى أمامه أرضا جميلة على البحر فاستدعى كبير مهندسيه، دينوقراطيس، وقال له «أريد مدينة فسيحة الشوارع تتسع كل جادة منها لثماني عربات»، وطلب منه أن تقوم الشوارع في وجه تيارات الهواء، لكي تلطف رطوبة البحر.

منذ تلك اللحظة بدأ شيء مذهل في تاريخ المدن. خلال أقل من قرن كانت الإسكندرية أكبر وأهم من قرطاج وحتى من روما. قامت فيها أعظم جامعات المرحلة، وضمت كبار الأساتذة والأكاديميين، وعلت فيها المسارح والقصور والملاعب، وفي قلبها أقيم نصب الإسكندر، صاحب الأسس.

استمرت الإسكندرية في التطور والازدهار حتى قيل في بداية القرن الأول قبل الميلاد إنها أعظم مدن العالم المتحضر، تخطتها جميعا في الحجم والجمال والرفاه. وفي مينائها الذي ذكره هوميروس في ملحمته، ارتفعت المنارة الباسقة، التي هي إحدى عجائب العالم السبع. ارتبطت المدينة في ذاكرتنا ببضعة عناوين: الإسكندر وكليوباترا وأنطونيو ومكتبتها الكبرى. لكن تاريخها الحقيقي تجاوز في أحداثه وتفاصيله معظم العصور. وما زلت أعتقد أنها كانت في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين أكثر ثقافة وازدهارا اقتصاديا من معظم مدن أوروبا وعواصمها.

بدأت المدينة تفقد وهجها والكثير من أهميتها بعد سقوط الملكية وتجمع الإدارة المركزية في القاهرة. ولم تخطف القاهرة ماضي الإسكندرية وحدها، بل دفعت إلى الظل معظم مدن مصر، التي كانت تشكل شرايينها الحيوية، حتى نهاية الخمسينات.

قبل أكثر من عقد تأملت القاهرة من نافذة الفندق فلم أرَ ميدان التحرير ومبنى الجامعة وساعة الجامعة، وإنما رأيت الإسكندرية. لماذا حشر جميع الناس وكل القضايا في هذه العاصمة؟ لماذا لا تعود الإسكندرية عاصمة اقتصادية على الأقل، كما كانت يوم صدرت «الأهرام» جريدة مالية أسبوعية قبل نحو قرن ونصف القرن؟

لكن القاهرة كانت قد صارت مصر وانتهى الأمر. ومصر ولدت مصر الجديدة. ولولا الخوف من البلبلة لأطلق المصريون على كل مدنهم وأشجارهم وساحاتهم اسم مصر. لكن المشكلة في كثرة الأسماء التاريخية. ماذا تفعل برمسيس وسعد زغلول وطلعت حرب؟ ترسلهم إلى الإسكندرية؟

منقول عن الشرق الأوسط

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.