البطاركة الجدد

أحمد الصراف

يقول القس الجنوب افريقي دزموند توتو: عندما جاء المبشرون إلى أفريقيا حملوا الأناجيل بأيديهم، وكانت الأراضي بأيدينا. ثم علمونا الصلاة، وطلبوا منا أن نؤديها بخشوع، ونحن مغمضو الأعين، وعندما فتحناها، وجدنا الأناجيل بأيدينا، والأراضي بأيديهم!

عندما تتزايد أعداد الدعاة ورجال الدين في أي مجتمع، وتصبح لهم الكلمة الأعلى وحق تصدر المجالس، فإن ذلك دليل على تخلف ذلك المجتمع، وإيذان بنهايته، خاصة أن تلك المكانة ما كان يجب أن تتحقق في مجتمع لا يؤمن أصلا بوجود وسطاء بين الفرد وخالقه! وتصبح المسألة مدعاة أكثر للاستغراب عندما نعرف أن أعداد رجال الدين لم تتزايد بهذا الشكل إلا مع الطفرة النفطية!

من الصعب على اي كان ملاحظة ما لرجل الدين من تأثير رهيب وخطورة في عقول العامة، والناشئة بالذات، من دون متابعة ما يجري على وسائل الاتصال الحديثة، فمن يتابعها يشعر بالهلع لما يرد فيها من غرائب، وما لرجل الدين من سيطرة على عقول «اتباعه»، وهذا دليل ليس فقط على سذاجة المجتمع، بل والمصير المظلم الذي ينتظره! والحقيقة المرة أكثر من العلقم أن اللوم لا يقع على هؤلاء الجهلة، ولا على رجال الدين، بل على معظم الحكومات الخليجية التي أتاحت لهؤلاء الظهور على شاشات قنواتها، وسلمتهم منابر المساجد، وقدمتهم على غيرهم من العلماء الحقيقيين، وصرفت لهم الكثير إما لشراء ولائهم، او لما يقومون به من دور في استمرار ولاء العامة لأوليائهم. والمؤلم حقا أن دور هؤلاء التخريبي لم يقتصر على التدخل في القضايا الاجتماعية والسياسية، وتوجيه العامة للاتجاه السياسي الذي يميلون له، قناعة أو مصلحة، بل وفي سعيهم للي عنق الحقيقة والخروج بتفسيرات سخيفة لقضايا جدلية، بحيث أصبح الأمر بعد التفسير أكثر مدعاة للجدل! ففي مقابلة مع قناة دينية معروفة يبرر رجل الدين السعودي محمد العريفي سبب اشتراط الشرع وجود شهادة رجل وامرأتين على كتابة أي دين، إن لم يكن هناك رجلان، إلى وجود غدة (نسي اسمها)! موجودة في رأس المرأة تمنعها من التذكر. وأن الرجل ليس لديه هذه «الغدة»، فبإمكانه التذكر والكلام، ولكن المرأة لا تستطيع القيام بالعمليتين في وقت واحد، وبالتالي إن نسيت موضوع دين مالي، فإن الأخرى تذكرها! ولا أدري كيف تتذكر الأولى وتنسى الثانية والاثنتان، وفق كلام العريفي اللاعلمي، لديهما الغدة نفسها التي تمنعهما من التذكر!

ولا ادري كذلك كيف استطاعت انديرا غاندي حكم دولة شديدة التعقيد كالهند، وهي بغدتها تلك التي لا تسمح لها بالتذكر والكلام في وقت واحد. أو ما ستقوله أنجيلا ميركل في كلام العريفي، وهي التي نجحت ثلاث مرات في كسب ثقة الشعب الألماني، وهو الشعب الأكبر والأقوى في القارة الأوروبية، على الرغم من عاهتها، أو غدتها اللئيمة التي تمنعها من التذكر والتحدث في وقت واحد؟

نقلا عن صحيفة “القبس” الكويتية

This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.