شلة نساء وفساد …..وبعض الرجال بحلقة الاعلام حول بشار الأسد

عاقدو الصفقات يبحثون عن وسائل بديلة تكون مرآة تعكس الواقع لتجعل العالم يعيش في شاشاتهم، بينما يحاول إعلاميو المخابرات ‘عدم الوقوع في الخطأ’.
العرب:  إبراهيم الجبين [نُشر في 27/10/2013، العدد: 9361، ص(8)]

 السياسة الإعلامية السورية مرآة لتجميل الواقع

الملف الوحيد الذي أجّله الراعي الإيراني لنظام الأسد، وترك للأسد ومن حوله فرصة طويلة كي يقدموا أسوأ ما لديهم فيه، مع أنّه قد وضع فيه أمناء من نوع خاص للمحافظة على اتجاهه العدواني، كان ملف الإعلام السوري، الذي كان وظلّ عصيّاً على التدخّل والإصلاح والتطوير، حتى لو وضعت تحت إمرة المشرفين عليه إمكانات الدولة كلّها المالية والسياسية.
ليس الأمر معقّدا جدا إذا ما عرفنا أن وجهة نظر القيادة التي حكمت سوريا منذ وصول البعث إلى السلطة في العام 1963، والتي كانت كلّها قيادة عسكرية، تقول إن الإعلام ليس شريكاً في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، ولكنه مجرّد مرآة تعكس الواقع، ولا ينبغي أن يتاح المجال للإعلام للخروج عمّا نرسمه نحن من سياسيات، فكان البعثيون أصحاب تلك النظرية، ورموزهم العسكرية ينظرون بازدراء إلى تلك المهنة (الإعلام) ويعدّونها نوعاً من الفنون الهابطة، كما نظروا طويلاً إلى الرقص والغناء وسائر ما اعتبروه من الملاهي بلغة العقل الجاف المستبد والذي ركّب علاقاته في الوجود على مبدأ السمع والطاعة الذي دأب عليه المجندون وضباط الجيش.
لما سبق، ولأسباب أخرى تتعلق بطبيعة الحياة في سوريا، والتي يحكمها العامل الأمني المخابراتي في كل صغيرة وكبيرة، كان من الصعب أن تحدث نقلات نوعية في الإعلام السوري، تحمله من الحال التي بدأ فيها أيام الوحدة مع مصر “والتي لم تكن سوى حلقة عسكرية هي الأخرى تحت ظل عبدالناصر وعساكره” فبقيت التسلية والترفيه هي الغاية الأولى لهذا الإعلام، ونقل ما تقوله القيادة وما تفعله، والأهم وسط مئات الآلاف من الألغام الرقابية التي تترصّدها أجهزة المخابرات العديدة، هو اقتصار الإعلام الرسمي السوري على مهارة وحيدة، تمثّلت في “عدم الوقوع في الخطأ” وعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي لم يكن يرسمها أحد، ولكنها كانت ترتسم كلّ مرّة حسب تغيّر الإدارات والوزارات.
وزراء إعلام من غير الإعلاميين
وحتى وصلنا إلى العام 2011، كان قد مرّ على وزارة الإعلام السورية في عهد بشار الأسد أكثر من خمسة وزراء، فمع عدنان عمران الأمين العام المساعد الأسبق للجامعة العربية الذي عاد إلى العمل الرسمي بعد انقطاع طويل وتنقّل دبلوماسي ما بين كاليفورنيا والقاهرة وشمال إفريقيا ولندن، وفوجئ بالدولة الجديدة التي كان عليه أن يتأقلم معها، بينما خرج في نهاية وزارته وهو يضرب كفًاً بكف، مصرّحاً بأن وزير الإعلام لا قيمة له في الدولة السورية، وأن “سوريا مليئة بالإمكانات ولكن حرّكنا جدران القفص قليلاً” ثم تلاه الوزير أحمد الحسن القادم من عقلية العمل القومي العربي الذي صدّق اللعبة، وظنّ أنه ماضٍ في طريق الوحدة والحرية والاشتراكية والرسالة الخالدة للأمة العربية، فلم يكد يبدأ حتى عرقلته الإدارة بتعقيداتها.
ووصل أيضاً أحد المدافعين عن حكم بشار الأسد ومدير عام دار وجريدة البعث الدكتور مهدي دخل الله، ثم بدأت حكومة بشار الأسد النوعية التي أعلنها في العام 2006 وجاء بمحسن بلال الطبيب وسفير سوريا السابق في إسبانيا على رأس وزارة الإعلام، دون أن يكون لديه أية صلة تذكر بالعمل الإعلامي، ولكن هدف الاتيان بمحسن بلال كان أكبر من الإعلام بكثير، بينما بقي ملف الإعلام معلقا ما بين القصر الجمهوري ومكتب الوزير مارّاً عبر إحدى الدعامات الأساسية لعائلة الأسد في البيئة المحيطة به، والطائفة التي ينحدر منها والمناخ الاستراتيجي الداخلي الذي يشيعه من حوله، الدكتورة بثينة شعبان، والتي بقيت على نزاع طويل مع كل من يحاول الاقتراب من بشار الأسد من مسؤولي الدولة، في ملف الإعلام، بحكم كونها المستشارة الإعلامية للرئيس، وأمينة العرش بوصية الوالد حافظ الأسد الذي وضع ثقته فيها يوم عيّنها مترجمته الفورية، والتي تمكنت من تعيين وزير من موظفيها بعد محسن بلال هو المدير العام السابق لوكالة سانا السورية عدنان محمود قبل أن يرحل هو الآخر ويأتي وزير جديد من خارج الحياة الإعلامية السورية هو المحامي عمران الزعبي، ولتستمر بثينة شعبان ممسكة بالملف حتى هذه اللحظة.
والسؤال الذي نبحث فيه، من يرسم السياسة الإعلامية للنظام في دمشق؟ ومن يتحكم بعمل كل من التلفزيون السوري وقناة الدنيا أو سما، أو غيرها من وسائل الإعلام والصحف التي تدور في فلك نظام الأسد؟

بثينة شعبان والمهاترات السياسية ونكران الشمس

بثينة شعبان والمهاترات السياسية ونكران الشمس

بثينة شعبان

بثينة شعبان تعين الوزراء وتعطي نماذج للعمل الإعلامي السوري الملفق..

أعرق أمناء إيران في دائرة الإعلام السوري، بثينة شعبان، مستشارة بشار الأسد الإعلامية المولودة في العام 1953 في قرية المسعودية بريف حمص المدينة التي دمّرها نظام بشار ذاته التي تشير عليه شعبان، وعاشت بثينة في بيئة الحقل والزراعة وكثيراً ما تباهت بأنها كانت تذهب إلى الحقل كفلاحة تزرع وتحصد، حتى ماتت أمّها لتعيش يتيمة في بيت فقير، وقد درست بعد ذلك في جامعة دمشق في قسم اللغة الإنكليزية وتابعت دراساتها في جامعة وورك في إنكلترا في العام 1982، ثم عادت إلى دمشق، لتعمل في الشؤون الثقافية وتشرف على إدارة مجلة الآداب الأجنبية في اتحاد الكتاب العرب إلى جانب عملها في التدريس في جامعة دمشق، كأستاذة للشعر والأدب المقارن وأستاذة للأدب العالمي لطلاب الدراسات العليا في الجامعة ذاتها، وهي عضو رابطة كيتس وشيلي في الولايات المتحدة، تزوجت من العراقي الإيراني الأصل خليل جواد، الذي صار يشغل مع الأيام منصب مدير عام مؤسسة الصناعات الغذائية في سوريا رغم كونه كاتباً وله مؤلفان أدبيان هما (ابنة الشرق) 1992 و(ميلاد أمّة) 1996.
كانت بثينة شعبان أول مترجمة لحافظ الأسد، رافقته على مدى سنوات وحضرت معه لقاءات عدّة، خلال الجلسات الطويلة التي كان يفضّلها أن تطول مع رؤساء العالم، كي يبدو الأمر وكأنه يقاوم ويفاوض على عدم الموافقة على ما يطلبه العالم، وحين مات، انتقلت لتكون من واحدة أمناء العرش، قريبة من الأسد الإبن، ولتصبح وزيرة لشؤون المغتربين، إزاء وليد المعلم وزير الخارجية، ولتقوم بجولاتها في العالم محاولة جذب المستثمرين السوريين في المغتربات إلى حظيرة الأسد، حيث رامي مخلوف، ثم يجري تعيينها في منصب أعلى وأقرب إلى بشار الأسد، كمستشارة إعلامية بمرتبة وزيرة القصر الجمهوري، وهناك بدأت بالتخطيط للشكل الجديد من الإعلام السوري، الذي قام على تصالح الفساد مع الضرورات الإعلامية والأمنية، فكانت عرّابة الاستفادة من خبرات اللبنانيين في الإعلام المحلي السوري، وبدأت بتوقيع اتفاقات مالية مع ميشيل سماحة لتخديم الإعلام السوري وتدريب الإعلاميين، على حساب الدولة السورية، في الوقت الذي كان فيه سماحة يؤدي دوراً أكبر من إعلامي في اللعبة المخابراتية العنيفة التي طبّقها نظام الأسد في لبنان، وكانت بثينة شعبان أول من خرج إلى العالم ليقول إن الرئيس سيطبق الإصلاحات، وأن لديه سلسلة عاجلة من القرارات والمراسيم، وبدت مذعورة في مؤتمرها الصحفي ذاك، ولكنها ما لبثت أن بشّرت العالم عبر قناة البي بي سي البريطانية بأن الثورة السورية لديها مخططات فتنة ومشروع طائفي، وأن هناك استهدافا لمشايخ من الأقليات لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وكانت أول من قال: ” اكتشفنا محاولات لجماعات إسرائيلية بفتح حوار مع مستخدمي الفيس بوك من السوريين” في الوقت الذي أعلنت فيه شعبة المعلومات اللبنانية، أنه تم اكتشاف مكالمات هاتفية تؤكد تورط بثينة شعبان، المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، بمخطط أعدّه الوزير اللبناني السابق، ميشال سماحة، واعتقل بسببه حين عثروا بحوزته منذ شهور على متفجرات نقلها بسيارته من سوريا، واعترف بأنها للتفجير في مناطق بالشمال اللبناني من ضمن مخطط لإشعال فتيل حرب طائفية تصرف النظر عما يجري في سوريا، وتلك المكالمات الهاتفية مسجلة، وجرى ضبطها وتحليلها من المخابرات اللبنانية في قوى الأمن الداخلي، وتؤكد أن شعبان، التي تولت في الماضي وزارة المغتربين في سوريا، “كانت على علم” بما يعد له الوزير السابق بالتكاتف مع اللواء علي مملوك، المسؤول الأمني العسكري البارز في النظام السوري، ومعاونه العميد عدنان، مجهول الهوية، ويتضح بعد تحليل المكالمات، أن سماحة أخبر شعبان بما كان ينويه، وأن الحوار بينهما تناول المخطط وتفاصيله، “وأمكن التأكد من ذلك بعد عمل طويل على المكالمات المسجلة التي ضبطت في سيارة سماحة وفي هواتفه الخليوية”، وأن ضبط مضمون المكالمات “حصل أثناء تفريغ التسجيلات الشخصية لسماحة من هاتفه النقال، وقد سلم المحضر إلى النيابة العامة العسكرية “، ولم تتردد بثينة شعبان في اتهام المعارضة السورية بقتل العلويين في الساحل السوري، ثم رميهم في الغوطة الشرقية وإطلاق الغاز السام ( السلاح الكيميائي) عليهم، ثم الادعاء بأن النظام هو من قام بهذا!

 لونا الشبل: تحالف ما بين الفساد التجاري والعمل المخابراتي يرسم السياسات الإعلامية للأسد.

في 25 أيار ـ مايو من العام 2010 استقالت المذيعة السورية لونا الشبل مع أربع مذيعات أخريات من قناة الجزيرة، و هن اللبنانيات جمانة نمور ولينا زهر الدين وجلنار موسى والتونسية نوفر عفلي، لأسباب تتعلق بخلافات حول معايير العمل والأخلاقيات الشخصية واللباس مع إدارة القناة، وكان ذلك قبل الربيع العربي والثورات، ولكن لونا الشبل المذيعة الشابة وزوجة الإعلامي اللبناني سامي كليب، الصديق التاريخي لوئام وهاب، صمتت دهراً قبل أن تظهر على قناة الدنيا، بعد أن بدأت المظاهرات تجوب شوارع دمشق والمدن السورية، لتكيل الاتهامات لقناة الجزيرة وقطر ولتتحدث عن مؤامرة على نظام بشار الأسد ضد العروبة والمقاومة والممانعة، ولتنتقل على الفور إلى منصب المستشارة الإعلامية الثانية لبشار الأسد في القصر الجمهوري إلى جانب بثينة شعبان.
وبدأت الشبل المولودة في أيلول سبتمبر من العام 1975، بممارسة صلاحياتها كمستشارة مشرفة على الملف الإعلامي عن كثب بانتقاء وتعيين العاملين في الصحف والتلفزيونات التي تتبع للنظام، وكذلك بتنظيم الاتصالات والحملات الخاصة التي يقوم بها النظام عبر الحدود، في وسائل الإعلام الخارجية، وذلك بالتنسيق مع شركات العلاقات العامة في أوروبا والولايات المتحدة، ولم تتح المدة الزمنية القصيرة للونة الشبل لتشكيل خبرات كفيلة بإنتاج إعلام قادرٍ على حمل النظام في زمن الأزمة، فلم يتغيّر شيء في مستوى الإعلام الرسمي السوري، وبقيت التركة الثقيلة مما يمكن أن يسمى بـ “الدور القذر” الذي عليه أن يتواءم وينسجم مع جرائم الشبيحة والاغتصابات والقصف والتدمير وانهتاك الحريات والحقوق العامة، لأن تلك الانتهاكات لابدّ وأن تجد لها ما يسوّقها إعلامياً، ويبرّر وقوعها، ويمهّد لأفعال أخرى مشابهة ستحصل في سياقها، وكان للشبل دورٌ آخر يحمل الرسالة التي لأجلها اختارها نظام بشار الأسد، فهي امرأة وقادمة من الأقلية الدرزية، مما يزيد من تلوين التحالف الأقلوي الذي يتوهّم بشار أنه سيكون رأس الحربة في الصراع ضد الشعب السوري الذي ثار عليه، فخرجت على قناة الدنيا وغيرها، لتحلّل وتفكّك في المشهد الثوري السوري، ولتطرح أسئلة من نوع: من هو الناطق باسم هذه الثورة؟ ومن يقف خلف صفحة الثورة السورية على الفيس بوك؟ من هو فداء طريف السيّد؟ واكتشفت بذكائها أن صفحات الفيس بوك التي تنادي بالحرية إنما تنطلق من خارج سوريا!! “من ألمانيا عم يحركوهن”!! وأيضاً ” تلك المحطات المغرضة خاطبت الشارع السوري باللغة التي يستسيغها” ولم تفسّر الشبل ما هو الخطأ في أن يخاطب الإعلام الشارع باللغة التي يفضّلها ويستسيغها الشارع؟ هل على الإعلام أن يخاطب الشارع بلغة السمع والطاعة؟ بلغة الأوامر؟ وكانت شديدة الوضوح والصدق في تحليلها ذاك، فالإعلام الذي تصنعه الأنظمة المستبدة إنما يبث عبر شاشاتها وصحفه ومجلاته لغة منفصلة تماماً عن لغة الشعب، الأمر الذي تطبّقه اليوم لونا الشبل وفريقها في المجزرة الإعلامية السورية mf34 (2)اليومية.

غسان بن جدو

قال غسان بن جدو “لن تكون الميادين قناة فتنة وتحريض” ثم أطلق شائعة جهاد النكاح.

كان غسان بن جدو القادم من مكتب قناة الجزيرة في طهران، قد مرّ بتجربة عمل معقدة في تونس التي شهدت صعوداً ثقافياً كبيراً اختلفت به عن بقية الدول العربية، لأسباب تتعلق بطبيعة الحياة التونسية المنفتحة على أوروبا، وللتطبيقات العلمانية التي أدخلها بورقيبة على حياة التونسيين طيلة حكمه الطويل، بالإضافة إلى ميل الشعب التونسي إلى العمل الفكري والإبداعي وارثاً زخم أجداده من الأندلسيين الذين نزحوا إلى شمال إفريقيا وتحديدا إلى تونس الخضراء ليشكلوا غالبية الشعب التونسي فيما بعد ناقلين معهم الحلم الأندلسي بحذافيره ملتزمين وثبة تمثال ابن خلدون الجد الشرعي الفكري للثقافة والوعي التونسيين، فقد كان ناشطاً سياسياً أيام بن علي، وبدأ في العام 1990 بالكتابة في صحيفة “الحياة” كمراسل لها في الجزائر في زمن بدء الصدام ما بين جبهة الإنقاذ الإسلامية وحكم الجنرالات، وفي العام 1992 انتقل فجأة للعمل في معهد الدراسات الدولية في واشنطن وتولّى إدارة تحرير المجلة التي تصدر عنه ثم أصبح رئيساً لتحريرها، من واشنطن طار إلى عاصمة الـ “خصم” طهران ليعمل مراسلاً لهيئة الاذاعة البريطانية في العام 1995.
ودون أن يعبر الخليج العربي، أصبح غسان بن جدو مراسلا لقناة الجزيرة في طهران، حيث كانت قد توطّدت علاقاته مع نظام الملالي هناك، مدعماً بما قدم به من واشنطن، ثم انتقل بعد سنوات قليلة، ليقدّم برنامجاً خاصاً تحت اسم “حوار مفتوح” الذي ذهب به إلى جنوب لبنان، ليغطي ما أطلق عليها وقتها ” حرب تحرير الجنوب” بتوصية إيرانية فتحت له باب حسن نصرالله في العام 2000 ليتحوّل فيما بعد إلى “صديق مقرب ” من الأمين العام لحزب الله، ومع أن الجزيرة منحت غسان بن جدو برنامجه الحواري وأمّنت له الاستقرار في الدوحة، إلا أنه أصرّ على الاحتفاظ بمنصبه كمراسل في طهران، فدخل في صلب المحور الإيراني بعد أن قام بتقديم حسن نصرالله كبطل نوراني وأطلق عليه اسم “بطل التحرير” و” سيد المقاومة” وانتقل بعدها كمدير لمكتب الجزيرة في بيروت في العام 2004 حتى أبريل ـ نيسان من العام 2011.
جهاد النكاح وغسان بن جدو.. حانت ساعة الرحيل
“حانت ساعة الرحيل” هذا ما ورد في رسالة استقالة غسان بن جدو من قناة الجزيرة، الذي قال فيما بعد: “رفضت أن أكون شاهد زور في قناة الجزيرة، وأنا ضد أي إعلام يمكن أن ينحرف إلى مستوى التحريض والفتنة” بهذه الكلمات استقال غسان بن جدو من قناة الجزيرة، لينتقل إلى تأسيس قناته بتمويل مجهول حتى الآن، وليقوم بالتطبيق الحرفي لكل ما رفضه في تصريحاته الآنفة، واخترع قصة “جهاد النكاح” التي اتهم بها بنات بلده من التونسيات ورجال الشعب السوري، وفبرك حكاية المجاهدات اللواتي يذهبن إلى سوريا للقيام بالواجب الجهادي عن طريق تزويج أنفسهن للمجاهدين! الأمر الذي دفع وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو للحديث في جهاد النكاح، فقد صرّح رسمياً من على منبر الجمعية التأسيسية التونسية ليقول إنه منع ستة آلاف تونسي وتونسية من السفر إلى سوريا للمشاركة في جهاد النكاح، وقال إنه عثر على فتيات تونسيات يتداول عليهن عشرة وعشرون وثلاثون مجاهداً ليعدن حوامل إلى تونس حاملاتِ ثمرة جهاد النكاح! دون أن يقدّم أية وثيقة تثبت صحة ما يقول، قبل أن يتراجع عن كلامه وتصريحاته، وتكذبه وسائل الإعلام الغربية، كما ذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية التي قالت “إن “جهاد النكاح” الذي جرى الحديث عنه في سوريا غير موجود، مشيرة إلى أن الآلة الإعلامية لنظام بشار هي التي اخترعت هذا المفهوم الجديد في إطار حربها على الثوار بعد أن كانت وصفتهم بأنهم من المتسللين من الخارج لنزع صفة الانتماء للوطن عنهم، وأنهم عصابات مسلحة لتبرير استخدامهما القوة ضد المتظاهرين”. ولم يكن مصدر تلك “الفتنة” سوى العقل الباطني الذي يتمتع به غسان بن جدو في قناته “الميادين” ، ثم لم يمر زمنٌ طويل قبل أن تعترف إحدى إعلاميات “الميادين” التونسيات بعد أن استقالت منها رافضةً توجّه القناة وأسلوبها وأهدافها، بأن قصة “جهاد النكاح” كانت مفبركة، وأن القناة قامت بنشر فتوى مزورة للشيخ السعودي محمد العريفي، تبيح جهاد النكاح، وقالت” لن ألوّث تجربتي بهذه القناة وقد طلبوا مني شخصياً أن أركّز على التشهير بالتونسيين الذين يذهبون إلى سوريا، وأن الثورة التونسية ثورة فاشلة، والحمد لله التونسيات شريفات والتونسي ليس بديوث وهو رجل شريف” ألم يكن غسان بن جدو من قال لقناة المنار: ” قناة الميادين لن تتورط مطلقاً لا في فتنة شييعة سنية ولا في فتنة أخرى”، وقد أطلق فكرة ومقترحاً طبّقه النظام السوري بخبرائه الإعلاميين على شاشة التلفزيون السوري التي أظهرت السورية روان قداح وهي “تعترف” بأنها كانت ضحية لجهاد النكاح، رغم النفي المتواصل من كل كتائب الجيش الحر والكتائب الإسلامية، وقد ثبت أن الإعلام السوري يجبر المعتقلين والمعتقلات على الإدلاء بما يريده من اعترافات تحت تهديد السلاح، ولكن الأغرب هو اتفاق غسان بن جدو وقناته مع إحدة القنوات الإسرائيلية التي بثت تقريراً يتابع في أكذوبة جهاد النكاح ولكن هذه المرة في مخيم الزعتري، وتتوالى فضائح قناة غسان بن جدو بعد انخراطه التام في المشروع الإيراني.

 عمران الزعبي: تم تعيين وزير الإعلام عمران الزعبي ليكون ضابطا قانونيا للانفجار الأخلاقي لإعلام الأسد، ولكن الأوان فات.

منع محسن بلال استضافة عمران الزعبي في التلفزيون السوري قبل الثورة، وذلك بسبب التقاطعات والتشابكات الأمنية التي سادت تلك المرحلة، ولكن سرعان ما جيء بالزعبي وزيراً للإعلام خلفاً لعدنان محمود، ولم يكن الدافع من تعيين عمران الزعبي وزيراً للإعلام السوري، بأقلّ من محاولة وضع ضابط للانفجار المريع الذي تعرّض له الإعلام السوري، ليكون محللاً قانونياً لجميع الجرائم الإعلامية التي يتركبها جهاز بشار الأسد، فالزعبي محام ولم يسبق له العمل في الإعلام في أية مرحلة من حياته، وكان قريباً من رئيس الوزارة المنتحر محمود الزعبي، وفي قلب اللعبة الأمنية السورية، واستطاع المحافظة على صداقاته في صفوف المعارضة السورية، رغم ولائه الصريح للنظام، وهو الحوراني الذي ولد في دمشق في العام 1959 ويحمل إجازة في الحقوق من جامعة دمشق، وكان عضوا في العديد من اللجان من أهمها لجنة صياغة الدستور السوري الجديد عام 2011 ولجنة إعداد قانون الأحزاب ولجنة الأبحاث السياسية في القيادة القومية، وفي عهد عمران الزعبي، تفاقم الأداء الإعلامي لآلة بشار الأسد، فلا يتوقع أحد أن يتمكن الزعبي من السيطرة على مرتجلين هنا وهناك مندفعين باتجاه حماية النظام وتشويه صورة المعارضة السورية والشعب الثائر، ولكن وجوده في المنصب اليوم ليس أكثر من خلق باب شفاف بين المستشارتين بثينة شعبان ولونا الشبل أمام جهاز الإعلام ولكن مع وجود مستشار قانوني مثّله الزعبي.

 ناصر قنديل: ناصر قنديل خبير الإعلام السوري يقول إن منزلة الإمام الخميني عند الله اكبر من منزلة أنبياء بني إسرائيل.

في العام 2001 وصلت إلى مكتب المدير العام لمؤسسة الإعلان السورية، رسالة موجهة من وزير الإعلام السوري عدنان عمران، تقول إن الوزير قرّر إعفاء السيد ناصر قنديل الإعلامي اللبناني من دفع مبلغ خمسة ملايين ليرة سورية، المترتب على جنيه الأرباح الإعلانية من مؤسسات الدولة السورية والقطاع العام وذلك بسبب مواقفه المشرّفة في الندوات والإعلام إلى جانب الرئيس وسوريا!
وتم تطبيق هذا بحذافيره، ولم يكن هذا هو المثال الوحيد على الدعم الكبير الذي تلقاه إعلاميون لبنانيون بسبب تسبيحهم بحمد نظام الأسد، بكافة الأشكال، فتشكّل في زمن سيطرة نظامه على لبنان بصور مختلفة جيش كبير من الموظفين الصحفيين اللبنانيين، وفي أماكن مختلفة من العالم، وفي وسائل إعلام عديدة، فكان ناصر قنديل أحد هؤلاء، وهو لا يقوم بمجرد التصريحات الصحفية هنا وهناك، ولكن تم تكليفه بالتنسيق ما بين بثينة شعبان وسماحة، بإعادة تدريب وتأهيل الكوادر في المؤسسات الإعلامية السورية، من خلال مؤسسته التجارية للتدريب المهني، بالتعاون مع شقيقه غالب “رئيس المجلس الوطني اللبناني للإعلام”، وتمت زراعة مبادئ جديدة في الإعلام السوري المهترئ المتآكل، الذي لم يكن يتقن سوى لغة التقديس ونقل وجهة نظر الرئيس، فقامت تلك العمليات التدريبية بتحويله إلى كتائب مجهزة للهجوم، ولكن بأدوات ووسائل غاية في السوقية والرخص، فبدلاً من استعمال الوثائق لإدانة الخصوم، كان لا مناص من اختراع الوثائق، وتزويرها، وبدلاً من نقل الوقائع، بات من الضروري خلق وقائق جديدة، فعاش المؤيدون لنظام الأسد ليس في العالم الحقيقي حيث سوريا وما يحصل فيها، بل داخل الواقع الذي ترسمه الشاشة والصحف البدائية التي تصدر عن مؤسسات النظام فضلاً عن صحفٍ تتبع له في هذا البلد أو ذاك، وهو صاحب المقولة الشهيرة: ” إن منزلة الإمام الخميني عند الله أكبر من منزلة صحابة رسول الله المنتجبين لا بل هو أفضل من أنبياء بني إسرائيل”، وكان ناصر قنديل السياسي الوحيد بين المتهمين الأمنيين الذين تم التحقيق معهم في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان قريباً من نبيه بري وإميل لحود وتيار المستقبل اللبناني في الوقت ذاته، وقنديل المولود في بلدة برج قلاوية قرب مدينة صور في جنوب لبنان في العام 1958 كان على حد وصف شقيقه وكاتب سيرته غالب “دائم التطلع إلى حزب شيوعي عربي يتبنى فكرة حرب الشعب طويلة الأمد”، وقد عرف عن ناصر قنديل علاقته المميزة مع الحركات الراديكالية الفلسطينية (يسار “فتح” والجبهة الشعبية)، كما عمل مستشاراً لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، لينتقل إلى العمل الإعلامي فأنشأ جريدة “الحقيقة” ثم إذاعة المقاومة في العام 1985 فتلفزيون “الشرق” في بداية التسعينيات، وقد توقفت كل تلك المنابر التي أسسها قنديل، إلا أن النظام السوري صنّفه كخبير إعلامي واعتمد عليه طويلاً فيما بعد، لوضع سياساته الإعلامية على الشاشة والصحف السورية، ثم انتخابه نائباً في البرلمان اللبناني في العام 2000 على لائحة رفيق الحريري، فهو صناعة هجينة بامتياز، شكّلت وعيه الذي يقود الإعلام السوري من خلف مسؤوليه الحاليين.

 ميشيل سماحة السجين وفريقه الطليق

قام ميشيل سماحة بوضع الاستراتيجيات الإعلامية لبشار الأسد ثم افتضح أمر تكليفه بتفجير موكب البطريرك الماروني.

أكثر صنّاع الإعلام الأمني السوري دهاء وأكثرهم قدرة على القفز من المراكب الغارقة، وتشهد مسيرته الطويلة في المجالين السياسي والإعلامي بقدراته الكبيرة على حساب الخاسر والرابح في اللحظات المناسبة، فميشيل سماحة المولود في العام 1948، كان قد انضم في أواسط الستينيات إلى حزب الكتائب ليصبح مسؤولا عن القطاع الطلابي، ثم تم تلكيفه أثناء الحرب بملف الاتصال مع سوريا، استقال من حزب الكتائب وانتقل إلى القوات اللبنانية مناصراً لسمير جعجع، ثم غادره ليتقرب من إيلي حبيقة، وفي ظل السيطرة الأمنية والعسكرية لنظام حافظ الأسد على لبنان تم تعيين سماحة وزيراً للإعلام والسياحة في حكومة رشيد الصلح ثم وزيرا للإعلام في حكومة رفيق الحريري الأولى، ثم أنتخب كتائب في أول انتخابات بعد إتفاق الطائف.
وعين في العام 2003 من جديد كوزير للإعلام، في العام 2007 أعلنت الإدارة الأميركية قرار منعه من دخول أراضيها ضمن قائمة ضمت شخصيات لبنانية وسورية بتهمة “التورط أو إمكانية التورط في زعزعة الحكومة اللبنانيــــة”، و”رعاية الإرهاب أو العمل على إعادة ترسيخ السيطرة السوريــــــة على لبنان”، وأنهــم بذلك “يلحقون الضرر بمصالح الولايات المتحدة”.
تم القبض عليه يوم 8 آب ـ أغسطس من العام 2012 بتهمة التآمر على أمن الدّولة اللبنانية والتحضير لتفجيرات عبر “عبوات ناسفة” ضبطت في منزله من قبل قوّات الأمن اللّبنانيّة “فرع المعلومات” وقد اعترف بأنه “نقل أكثر من 26 عبوة ناسفة بسيارته تسلمها شخصياً من اللواء علي مملوك رئيس إدارة أمن الدولة في دمشق بأمر بشار الأسد ليتم تفجيرها في موكب البطريرك الماروني لدى زيارته لمنطقة عكار ذات الأغلبية السنية وفي تجمعات سنية خلال إفطارات رمضان بهدف إشعــــال فتنة طائفيــة”.
وكان لميشيل سماحة توغل كبير في جسم العمل الإعلامي السوري، قبل الثورة السورية، ولم تكن عربات النقل التي تنقل فيها المباريات والاجتماعات السياسية إلا عربات مملوكة من قبل شركة سماحة ويعمل فيها موظفون من طرفه ومن عائلته، وكانت التعليمات القادمة من القصر الجمهوري ومن بثينة شعبان تأمر الوزير محسن بلال بعدم استعمال أيٍ من آليات وتجهيزات التلفزيون السوري، بل باللجوء إلى سماحة، مقابل عقودٍ بملايين الدولارات كل مرة، في تشابــك أمني تجاري ما بين الفساد والعمل المخابراتي قبل أن يصبح اسمه “إعلام نظام الأسد”.
وقــد تردّد أن سماحة، بتفاهم ما بين الفرنسيين والكنيسة في لبنان، قام بعقد صفقة لتلسيم نفسه، ليتملّص من المزيد من التورّط في العمل المخابراتي مع النظام السوري، ولكن الفريق الذي أسسه ميشيل سماحة في دمشق ولبنان ما يزال يعمل، وفقاً للمبادىء التي وضعها بالتعاون مع شركائه من كبار الضباط الأمنيين في سوريا.
وتعمل تلك الدائرة الإعلامية مستعينة بعدد من الحلفاء في تلفزيونات وإذاعات وصحف منتشرة في المنطقـــــة، تحت الرعاية الإيرانية التي تتناول هذا الملف بأعلى درجات الاهتمــــام، فالمحــــور الإيرانـي مهدّد اليوم بالزوال، الأمر الذي ستقاتل ضدّه إيران بكل ما تملك.
ولذلك فقد نقلت يقينها الاستراتيجي ذاك إلى دائرة الأسد الإعلاميــة، التي تعمل اليوم وفق القناعة القائلـــة إن هذه الحرب لا مجال فيها للخســارة، فالعمــل إذاً سيكون انتحـارياَ ولا تراجع عنه.
ويجب ضخ كل الإمكانيات واستخدام كل الوسائــل الأخلاقيـة منهـــا وغير الأخلاقية، مضحين بمستقبل الأفراد ممن تبقى من المهنيين، وبمستقبل المؤسسات الإعلاميـــة التي دخلت الحرب كواحدة من ثكنات بشـــار الأسد وفرقــــه العسكرية، ضد الناس فــي انفصــال كامل عــن الشعب السوري مــالك تلك المؤسســات ومــن يسمّونهــم بـ “دافعي الضرائب” الذين يموّلون عمـل تلك الــمؤسســـات.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.