سياسة أسمعوهم ما يريدون سماعه!

samilnisifسامي النصف

رغم أن الكذب يعتبر في الاسلام من الكبائر ومن علامات النفاق، كما أن الغش منهيٌّ عنه شرعا طبقا للحديث الشريف «من غشنا فليس منا» إلا أن أحد أهم أسباب تخلف شعوبنا العربية عن دول العالم المتقدمة والثرية في أوروبا وشرق آسيا وأميركا هو اعتماد الآخرين على الصدق في القول والإخلاص في العمل، واعتماد شعوبنا العربية بدرجات متفاوتة على الكذب في القول والغش وعدم الإخلاص في العمل.

****

وقد بلغ الكذب والغش لدى بعض شعوبنا مرحلة «الكذب لأجل الكذب» و«الغش لأجل الغش» فالأصل هو الكذب والاستثناء هو قول الحق والصدق، كما أن الأصل لدى المهني والحرفي والاخصائي هو الغش والخداع حتى لو لم يستفد شيئا من ذلك، وقد تكون تلك الظواهر والعادات والثقافات المؤسفة هي نتاجا مباشرا لممارسات أنظمة القمع والظلم والطغيان الطويلة المدمرة التي حاربت كل خصلة جميلة في الإنسان العربي ومارست وشجعت الكذب في الاقوال والغش والخداع في الاعمال فتحولت الهزائم النكراء في عهودها وعبر إعلامها وخطبها الى انتصارات مبهرة، وبذلك تعلمت شعوبها منذ الصغر تلك الخصائل السيئة، وانتهت ثقافات الكذب والغش السائدة في مجتمعاتنا بجعل المنتجات والصناعات العربية غير قادرة على منافسة المنتجات والصناعات القادمة من الأمم الأخرى.

****

وإذا كان هذا حال شعوبنا، وديننا الحنيف ينهى عن الغش والكذب، وأغلب شعوبنا اتجهت منذ سنوات للتدين الذي يحارب تلك الظواهر ويحث على إتقان الأعمال، فكيف لو لم تأت تلك الوصايا والتعليمات في شريعتنا الغراء؟ وكيف لو لم تكن شعوبنا محافظة ومتدينة؟ لقد انتشرت – للأسف- ومنذ سنوات طوال بين كبار القادة في العالم سياسة مفادها أن العرب لا يمانعون الكذب والغش والخداع في حياتهم وسياساتهم العامة، لذلك فالطريقة المثلى للتعامل معهم هي عبر إعادة بضاعتهم إليهم لذلك يتعمد أغلب هؤلاء القادة الكبار الكذب الشديد على العرب شعوبا وقادة، وإسماعهم لا الحقيقة بل ما يودون سماعه ثم التصرف بشكل مغاير.

****

آخر محطة: 1 – أحد أسباب الإشكالات التاريخية لبعض دولنا العربية مع دول العالم المتقدم هو تكرار عدم قول الحقائق في المشاكل التي تطرأ ولو قيل الصدق منذ الوهلة الاولى لانتهت أغلب تلك المشاكل في لحظات.

2 – من الأمور المؤسفة جدا التي نلحظها بشكل يومي في الخليج أن صحف الخدمات تشهد وتشير وتفخر بأن مقدمي خدمة ما (تركيب، صيانة، نجارة، بناء) هم من الجالية الهندية أو الباكستانية أو الفلبينية.. إلخ، ولا تجد قط إعلانا يفخر بأن مقدمي الخدمة هم من جالية عربية بسبب التجارب المؤسفة المتكررة في سوء تقديم الخدمة والغش المعتاد في الحساب.

3 – وما يزيد الطين بلة هو أن كثيرا من تلك الإعلانات التي تروج للعمالة الآسيوية تقوم بها العمالة العربية كواجهة لترويج خدماتهم لعلمهم بالسمعة السيئة لأعمال العمالة العربية، لذلك فعلينا كي ننهض كعرب، ونحن خير أمة أخرجت للناس، أن نترك الكثير من ثقافاتنا السائدة ونستبدلها بثقافات جديدة تقوم على الصدق للصدق ذاته والإخلاص في العمل حتى دون رقباء على الأداء، ودون ذلك لن يكون لأمتنا ودولنا مكان لائق تحت الشمس.

نقلاً عن “الأنباء”

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.