سالفة واحد مكرود من الناصرية

شاف بعض الناس تسرق كال “شنو قابل هم احسن مني”.
كان ايام زمان وبعد ما يخلص شغلة بوزارة الصحة يروح يشرب شاي عند مقهى ابو حمزة في شارع الحبوبي(كان يسمى سابقا عكد الهوى).
وهناك يشوف البلاوي:
سيارات دفع رباعي مضللة وناس “مطلعه رؤوسها من فتحات السيارات ومخلين على عيونهم نظارات سودة وركبتهم ماتوكف على جهة.
يشوف النسوان مثل غربان الليل ،ويضحك في سره لأنه تذكر صديقه القمّاش ابو خضير الذي اقتصرت مبيعاته على القماش الاسود والاسود بس.
يشوف اصحاب الكروش وهم يحاولون تسلق اعلى منطقة على “تيل” الكهرباء حتى يعلكّون صور الاحباب.
ويتحسر لمن يذكر امهات الروبة وهن يتمايلن على الرصيف كغصن البان.
يتحسر مرة ثانية،استكانة الشاي على حطتها، وهو يتذكر المتحف الذي اصبح “بح” فلا آثار ولاهم يحزنون حتى انه سمع من اخيه ان هناك نية لدراسة الهيكل العظمي للمتاحف العراقية ومتحف الناصرية نموذجا.
يشوف الناس غير شكل،منهم يسولف ويا روحه، ومنهم يدردم على “مرته وهو يسبقها بامتار، ومنهم شايل “عنكه” للسماء وكأنه يطلب مراد، من منو محد يعرف.
بس بصراحة،يحدّث نفسه، اكو ناس طالعة من بناية المحافظة غير شكل،”قاط وباينباق وقندرة قبقلي وجواريب صفر.
صحيح بعضهم صابغ شعره بس مايهم ،عدة الشغل.
صفن صفنة طويلة وشرب رشفة من الشاي الكسكين وهو يسمع ضحكة اخيه: اسمع يامكرود شنو كتب واحد اسمه مهند مهند على الفيسبوك اليوم “لاتصفن الدنياك من تصفن اتدووخ صاروا صدر ديوان الجانوا فرووخ”.
زين مكرود،قال لنفسه، انت تشتغل بوزارة الصحة ومسؤول عن ادوية من ضمنها حبوب فاليوم (عندك منها هسه 971 قرص،و و202 قنينة شراب نوع توسيرام و 350 أمبولة لكل الامراض ،آه نسيت وعندك 12 قنينة بخاخ لأمراض الربو ويامكثرها هذه الايام.
أي وبعدين…
ولا قبلين،تروح لأصحاب القوط وتعرض عليهم البضاعة وحتما راح يشتروها منك وتصير بين يوم وليلة من جماعتهم بس بدون سيارة مضللة.
بصراحة ما اريد هاي السيارات لأنه اخاف من كاتم الصوت.
لكن اذا رفضوا اصحاب “القوط” شرائها؟
بسيطة يامكرود اكو ناس جاهزين يشتروها حتى يناموا رغد وما يفكروا بالعبوة اللي بصف بيتهم ومن يموتون يرحون كبل على الجنة مع شهادة تصديق من عدد كبير من المرجعيات في المحافظات الدينية الاربعة.
لاتتحسر عيني مكرود ترى قصر مها ماراح يكون احسن من قصرك بعد كم شهر ولا قصر النجيفي اللي يحرسه فوج كامل من الجيش ولا قصر سيادة العقيد في ربوع لندن.
بعد يومين وجد مكرود نفسه في سجن الشطرة وعرف ان اولاد الحلال كتبوا عنه تقرير الى الشرطة التي ضبطت عنده مجموعة من الحبوب والادوية.
وكالعادة قال مصدر امني هناك ان القبض على مكرود استند الى معلومات استخبارية دقيقة.
هلو عيني”ابوي مايكدر الا على امي”.
كم قبض صاحب التقرير؟.
لعد وين هذه المعلومات الاستخبارية عما يحدث في المسيب وسلمان باك وشمال بابل؟.
السره وصل الى البصرة ياناس.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.