الألم جزء من حياتي

وحين ينساني الألم أحن إلى رائحة الوجع من جديد, ودائما ما أطلب من الرب أن يحمل عني بعض ما أحمله لكي أشعر بالراحة

اللوحة للفنان السوري.. وسام الجزائري من أحفاد الأمير عبد القادر.. في برّ الشام

اللوحة للفنان السوري.. وسام الجزائري من أحفاد الأمير عبد القادر.. في برّ الشام

وحين يحملُ هو عني أو يرسل بمن يحملُ عني أحمالي وأوجاعي وتعبي تجدني يا صديقي أحن مرة أخرى لحمل الحديد وأكياس الإسمنت على كتفي, ولحمل هموم وقضايا الناس المتعبين , أحن إلى الوجع,أحن إلى الإرهاق, الإرهاق الجسدي والنفسي, وأقسو على نفسي كثيرا, بينما أمي حين تراني أنام منكبا على وجهي تقول:شو مالك؟مين ضربك؟ مين ازعلك؟ فأتظاهر أمامها بالسعادة وأقول: لا أحد, بينما أمي بالذات تؤلمني جدا وخصوصا حين أراها تتألم دون أن تشكو لأحد وتطالبني بأن أنسى بعض الهموم ولو كان ذلك لوقتٍ قصير بينما أنا أستمر بالشعور بالحزن وبالألم على مصائب الناس وعلى ما أعانيه أنا وما يعانيه غيري.

أنا إنسان مخلوق من الألم, والألم مثل الندم يأكلني حيا, لا أستطيع أن أتوقف ولو لثانية واحدة عن التألم, أشعرُ بالاكتئاب جدا على حياتي وحيات غيري من الناس, أشعرُ كل يوم بأن الألم سيقضي عليّ وأحيانا حين أنام من شدة الحزن والألم لا أصدق بعد أن أصحو من النوم بأنني ما زلت على قيد الحياة فأحسدُ نفسي كثيرا وأقول: ما هذا؟رغم كل الآلام ما زلت حيا وأنفي يشم الهواء!!!, جسمي وقلبي وعقلي يتحملان الكثير من الآلام وهذه دعوة مني لكل المتعبين الذين لا يستطيعوا أن يتحملوا ما بهم من أوجاع أن يأتوا إليّ لأحمل عنهم ولأن يخبئوا أحزانهم في قلبي, فقلبي وصدري مفتوحان لكل المتألمين من هذه الحياة, ولولا الألم ما شعرتُ أبدا بالراحة فأنا لا أنال الراحة إلا بعد التعب.

أشعر بآلام الناس وأوجاعهم, وأشعرُ بآلامي وبأوجاعي وكأنها جزء مني, وأشتاق للمساعدة وأنا فعلا محتاج للمساعدة من بعض الناس, ولكن ما أن يحضر أي شخص ليزيل عني الألم تجدني يا صديقي قد تألمت من جديد وشكوتُ همي من جديد, إنني مدمن على التعب وعلى الألم فبدون تعب وألم لا يمكن أن تستقر حالتي النفسية والعصبية ورائحة الدم المنبعثة من كل مكان تذكرني بمصائب المتعبين, والمهجرين من بيوتهم ومن أوطانهم , ورائحة العرق التي تنزل من جبيني تذكرني كما أنا رجلٌ حزين, أنا رجل أعيش مع البؤس فمن البؤس ولدت ومن البؤس رزقت, ولا شيء يفرح قلبي أكثر من التعب والتألم, فحين أشعر بالآلام أشعر بأنني رجل سعيد جدا في حياتي, وحين أشعرُ بالوجع أرتاح جدا جدا, ويوميا أطوي رأسي تحت غطائي وقت النوم وتنسكبُ من عيوني بعض الدموع, أتذكر كشريط إخباري نهاري كله, وما لقيت طوال النهار من تعبٍ ومن شقاء, عندها حين تتساقط حبات الدرُ من عيوني أرتاح جدا جدا, واشعرُ بأنني إنسان أستحق عن جدارة لقب إنسان.

لا يمكن أن أكون إنسانا بغير ألم, فبدون ألم أشعرُ بأن هنالك أشياء كثيرة تنقصني, الألم هو الدواء بالنسبة لأي مرض أشكو منه, وحين أريد أن أتوجه بالشكر إلى الله على نعمه الكثيرة أطلب منه أن يزيد في آلامي وأحزاني وأوجاعي, فيا رب أمنحني كثيرا أو مزيدا من قوة الصبر والتحمل, لكي أتعب أكثر وأتألم أكثر , ومد في عمري قليلا لكي تدمع عيني أكثر ولكي أفرح أكثر, أحنُ إلى الصولجان الذي يقهرني, وأحنُ إلى رائحة الخبز المغموس بالدم, رائحة التعب من الممكن لكم أن تشاهدوه في عيوني, فما أن تغيب الشمس حتى تشتعلُ في عيوني شمسٌ أخرى, وبمزيدٍ من الحزن ومن الألم أشعرُ بأن آدميتي قد اكتملت, وجمال خَلقي وخُلقي يكتملان كل يوم عندما أضيف بعض المحن والشدائد إلى حياتي.

أنا إنسان عبارة عن كتلة من التعب ومن الشقاء, أنا واحدٌ من الناس الذين يعيشون على قوة الصبر والتحمل, تكسوني المحن والاختبارات, وكل الناس تتعلم في جسدي معنى الصبر ومعنى الألم, فكل شعرة من شعر رأسي تؤلمني, وكل بقعة من جسدي تكون عبارة عن أورام والتهابات اجتماعية, وطبيعة عملي الذي أعيش منه قد عودني كل يوم على أكل عدة ضربات من الشاكوش ومن الأزميل, فيوميا أضرب يدي أو إصبعا من أصابع يدي, يوميا أتعرض للضرب عن طريق الخطأ ويوميا أعتذر لأصابع يدي ولجسدي كله , ويوميا في فصل الشتاء أشربُ من الصباح الباكر لسعات البرد بينما تكون الناس جميعهم أو اغلبهم مستدفئون في بيوتهم تحت أغطيتهم على رائحة النار, إنهم يتسلون بالدفء الحار بينما أنا أتذوق مرارة ولسعات البرد القارصة التي تشبه إلى حدٍ قريب لسعات النحل والزنابير, الناس يتسلون بالدفء وأنا البرد هو من يتسلى بي, وفي فصل الشتاء يوميا أستحم تحت أشعة الشمس الحارقة التي تغير لون وجهي من الأبيض إلى الأسمر, أما بالنسبة للرمال فهذه حدث عنها يا صديقي ولا حرج, فيوميا تكسو رأسي حبات الرمل الناعمة ويوميا يكتسي جسدي بالتراب.

لا يمكن أن أعتبر نهاري نهارا طبيعيا ما لم أتجرع مرارة البؤس في حياتي وحيات الجيران, يوميا يفترسني الألم ويصطادني بأدواته, يوميا أشاهد حيات الناس وهم يتألمون , يوميا أنام على صوت أمي وهي تتألم من وجع المفاصل والدسك ودقات القلب المتسارعة, أمي هي أكثر إنسانة تتألم وتشعر بالمرارة, وفوق هذا كله تشعر بي وبما ألاقي يوميا من التعب, ودائما ما تحاول أن تخفي تحت إبطها رائحة التعب والسهر وقلة النوم جراء ما تشعر به من آلام, فالألم لا يدعها تنام كما ينام الناس,يوميا قبل أن تنام تسألني عن الأشياء التي تؤلمني وتتمنى لي الراحة الأبدية,وهي تخفي تحت جفونها رائحة السهر, لا أستطيع أن أنام دون أن أسمع أمي تئن طوال الليل من هشاشة العظام, وأحيانا أقول بأنها لن يطلع عليها الصباح أدبدا فمن المحتمل أن يقضي عليها الألم قضاء نهائيا, وحين تصحو من النوم أقول: سبحان الله ما زالت على قيد الحياة, إنها فعلا امرأة جبارة وحديدية.

نحن عائلة مكونة من شيء أسمه الألم, كل أفراد عائلتنا يتألمون وأنا وأمي أكثر إنسانين نتألم ونتوجع, والكل يتعلم منا الصمت وعدم البوح, فلا أحد يدري عن آلامنا ولا أحد يسمع عن أحزاننا لأنا لا نشكو إلا إلى الرب(الله) مهما كان أسمه سواء أكان اسمه الله أو الرب أو يهوى المهم أننا نعرفُ خالقنا الذي نشكو له ولا نشكو لغيره, نحزن بصمت ونتألم بصمت ونأكل بصمت ويظننا الناس أننا أسعد عائلة على وجه الأرض, نكره الثرثرة والشكوى المتكررة ودائما ما نقول(شكرا للرب) و(شكرا لله) وبعض الجيران يحسدونني على حياتي ومنهم من يقول(جهاد لا هم دنيا ولا هم آخره) بينما أنا في الواقع أتألم وأحزن عليهم أكثر مما يحزنون على أنفسهم, ويكاد صمتي وتعبي وشقائي أن يقطعا أنفاسي نهائيا, إنها قمة الكبرياء حين نمشي في الشارع تعساء جدا وفي داخلنا حزن عميق ويظننا الناس أننا سعداء بحياتنا, والحق الحق أقول لكم بأن الألم جزء من حياتي وحيات أمي, الألم مسلسل درامي أكثر من مليون حلقة وحلقة, تتكرر فيه المشاهد اليومية ويكاد الألم أن يكون شيئا روتونيا (روتوني) في حياتي وحيات أمي.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.