الروتين

الشمس أشرقت هذا الصباح بخيوطها اللامعة,كعادتها, فهي منذ الأزل لم تمل من شروقها وغروبها,ونحن نخالها تتحرك بينما jugneckهي متأكدة من نفسها أنها ثابتة.. والقمر بقي على عادته اليومية ففي كل يوم يتغير شكله وتتغير منزلته,والنجوم اختفت منذ ساعات الصباح الباكر ولا ندري إلى أين قد ذهبت ولكنها عادت كعادتها لتظهر في الليل, إنها مثل العاشق تهوى السهر والتفكير بمعاني الحياة وبمظاهرها الزائفة وهذا الروتين مملٌ جدا أو نحن المملون جدا, والرياح هبت معتدلة السرعة,والشوارع مضاءة ليلا بالمصابيح الكهربائية وكعادتهم جلس العاطلون عن العمل في حارتنا تحت نورها,وقلبي معلقٌ بين أضلعي وأكاد أشعر بمرارتي وهي تتفتت, ويداي ترتجف وعيوني تدمع كعادتها, والناس مشغولون كعادتهم بهمومهم اليومية والمتمردون باتوا ليلتهم بدون عشاء وغير المتمردين ناموا وبطونهم حبلى من كثرة الطعام, والربيع كعادته أخضر اللون ولا شيء أخضر يشبه خضاره إلا الإشارة الضوئية التي تسمح لنا بالعبور من تحتها, والنساء منشغلات بإعداد الطعام لضيوف المنزل الذين يحضرون كل يومٍ إلى منزلهم لتناول الطعام والاستحمام بشكل روتيني ومجاني,والأطفال ذهبوا إلى مقاعد الدراسة وعادوا منها وما زلت أنا أفكر في معنى الوجود وفي معاني الحياة وبكيفية الهروب من الروتين الموحش والقاسي والممل جدا, وبودي لو أنتصر عليه نهائيا أو يقوم هو بالانتصار عليّ نهائيا,ففي النهاية واحد منا من سيقضي على الآخر,واحد منا سيقتل الآخر,واحد منا سيذهب إلى القبر وواحد منا سيبقى في السجن بشكل ممل جدا.

والأوراق منتشرة حولي هي والكتب في كل مكان وفي كل زاوية من زوايا المنزل,وكلماتي وحروفي وذكرياتي مبعثرة فوق الكتب والأوراق, أنا اشتريت لنفسي وجع الرأس.. ولا أحد منا يستحق أن يهمل الآخر, حتى قطتي البيضاء أعددت لها منذ الصباح قطعة دجاج مقلية بالزيت وقد التهمتها كعادتها وشكرتني بنظراتها الحزينة وشكرت أنا الله الذي أطعمني وأطعمها, والعصافير تطير من شجرة إلى شجرة, وأشعر فيها وكأنها تقفز من داخل قلبي, والكلاب تنبح ليل نهار, والجراذين تختبئ خلف المنزل وهي تعلم بأنها غير أليفة ولا أحد يرغب بالعيش معها ولا حتى برؤيتها, والأصدقاء حملوا الشموع لميلاد يوم جديد بعد أن ذهب كل إنسان إلى مكان نومه الهادئ, سرير النوم هو المكان الذي نودع فيه أسرارنا كل يوم, وأدوات التجميل واقفة متشنجة على تسريحة غرفة النوم, ونحن جميلو جدا بدونها أو سواء حضرت أو لم تحضر ولكن جرت العادة أن نستعملها حبا في ارتكاب المزيد من الجرائم والمزيد من وسائل الظهور بين الناس.

وأعقاب السجائر في المتكات(المكتات) وتبدو أحيانا شهية جدا وأحيانا مقرفة جدا,والثلاجة في المطبخ نظيفة جدا من الداخل كما هي من الخارج, ومع ذلك نفتحها ونمد إليها أيدينا ولكنها تعود فارغة,ونخرج من البيت إلى الأسواق ونبدي إعجابنا بكل ما في الأسواق من بضائع ولا نشتري منها شيئا, والتلفاز يلعلع ليل نهار ولا أحد لديه المقدرة على إيقافه نهائيا, والمركز الصحي في آخر الشارع تؤمه الناس بمختلف المشاكل والأوجاع والكل يصرخ من الآهة متوجعا منها إلا المطرب الذي يغني في أول الشارع ويصرخ بملء فمه بالآهة آه…آه.. وهو سعيدٌ فيها,والحكايات تروى هنا وهناك,طلاق ,زواج, موت وولادة.. سرقات ومخدرات وحشيشة وحبوب منومة,ومشاجرات على أتفه الأسباب وفي الليل أصوات إطلاق العيارات النارية.. والكل مخدر والكل لا يريد أن يستيقظ والناس يميلون إلى الاسترخاء أو إلى ملء الرأس بأي مادة مخدرة, والأطفال يلعبون على حافة الطرق,يركضون هنا وهناك,ومنظرهم الجميل يأخذ العقل وهم يسقطون وينهضون,وانفعالاتهم تؤكد على مواهبهم في ابتكار طرقٍ جديدة للبكاء,وزوامير السيارات تنبههم من هنا وهناك.

وبقع الزيت بعد تناولي لوجبة الإفطار ظهرت على قميصي وبنطالي, ابنتي الصغيرة تحب أن تضع يدها على قميصي بعد أن تغط أصابعها بزيت الزيتون, منظر يتكرر معي يوميا وهو ممل جدا وجميل جدا, وحلقت ذقني كما أفعل ذلك كل ثلاثة أيام, ورتبت بالمشط ما تبقى في رأسي من الشعر بعد أن فقدت ثلاثة أرباع شعري في المغامرات الفكرية, ونسجت من أفكاري ثوبا جديدا ولبست ألبسة صيفية وخرجت لأجلس أمام البيت باحثا عن دفء الشمس لعدة دقائق وعدت بعدها لأجلس أمام التلفاز مرة وأمام الكمبيوتر مرة أخرى وبعدها مددت يدي إلى مكتبتي لأقرئ عن حياة الأدباء والفلاسفة وكالعادة كان عشقي وميولي للمتمردين, أما بخصوص التلفاز فقد تسبب لي بالاكتئاب,قتل وذبح وصلخ وجلد وهروب وانفجارات وطائرات ,وأرامل وأيتام,كل شيء في التلفاز يوجع الرأس ويؤلم القلب….إلخ شيء مقرف وممل جدا ومن ثم وقفت أمام المغسلة وشطفتُ وجهي بالماء وبالصابون كعادتي كل يوم, ُثم شعرتُ بالقرف من كل شيء يجري حولي, دخلت غرفة النوم واستلقيت على ظهري ورحت أستلقي مرة على جنبي الأيمن ومرة على جنبي الأيسر ثم بدأت أشعر بالغياب عن الوعي ورحت أغط في نوم عميق, ولم أشاهد في هذا اليوم أي فيلم في منامي ولا حتى أي أغنية ولم أسمع لحنا جميلا هذا المساء, آهٍ من الروتين كم هو ممل وآهٍ منا نحن كم أصبحنا مملين حتى أننا صرنا في الآونة الأخيرة نكره كل شيء عادي جدا, إن الروتين سيقضي علينا إن لم نقض عليه وسيتعشى بنا إن لم نتغذى به, فيجب علينا أن نجعل منه غداء لنا قبل أن يجعل هو منا عشاء لفمه.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.