آن لكم أن تروا مَلِكَكم عارياً أيها المهللون!!

آن لكم أن تروا مَلِكَكم عارياً أيها المهللون!!

وفاء سلطان

النبأ يقول: أحدثت الحكومة السورية وزارة جديدة للمغتربين.
ـ وزارة للمغتربين؟! كان بودي أن أبكي فضحكت!!
زارت السيدة الوزيرة بثينة شعبان مؤخراً الجالية العربية في لوس أنجلوس حيث استقبلها قطيع كبير من المهلّلين والمصفّقين. أمطرتهم بخطاب طويل أثبتت من خلاله بالبرهان القاطع أنها تجاوزت حدّ الغباء الذي يُطلَبُ من الشخص في بلادنا أن يصل إليه كي يفوز بلقب الوزير، كما أكّدت بما لا يدع مجالاً للشكّ أنها أهلاً لهذا المنصب!
***
عام 1990، وتحديداً في النصف الأول من ذلك العام، حضرتُ ندوة شعرية للشاعر الكبير المرحوم نزار قباني، أقيمت في فندق هيلتون في لوس أنجلوس. قدّم أحد الأشخاص الشاعر الكبير تقديماً رائعاً قال في آخره: نريد من الشاعر شعراً للتحريض والثورة!
سألت سيدة كانت تجلس بجواري: من هذا الرجل الشجاع؟! نظرت إلي باستغراب: ألا تعرفينه؟! إنه المخرج العالمي الكبير الأمريكي السوري الأصل مصطفى العقاد!
أثلجت كلماته صدري، وكنت يومها حديثة العهد جداً جداً في أمريكا، وقلت في سرّي: ما زالت الدنيا بألف خير طالما بقي هناك رجال يرون أنّ الوضع يحتاج إلى ثورة، والثورة تبدأ بكلمة!
منذ ذلك الحين وأنا أتصيّد أخبار هذا الرجل علّني أرى عالميته في تصريح.. في كلمة.. في موقف.. في مقال.. في مقابلة.. في فلم سينمائي يعكس مأساة الإنسان العربي وحقيقة وضعه، دون جدوى! لم أستطع أن أتقفى من آثاره سوى صوراً له تملأ موائد الحفلات المقامة على شرف المسعورين، غليونه ودخانه يملآن مساحة وجهه!!
قد يحتجّ عليّ قارئ: كان القطيع المصفّق لسيادتها كبيراً جداً جداً، لماذا اخترتِ هذا الشخص من بين مئات الأغنام؟!
وجوابي: العالمية مسؤوليةٌ وليست منصباً! عندما يتبجّح إنسانٌ بأنه وصل إلى سدّتها، لا تعود حياته ملكه؛ تصبح ملكاً لعالميته، لإنسانيته؛ ملكاً لوطنه، ملكاً صرفاً لأبناء هذا الوطن!
***
عندما يتعرّض الإنسان في مراحل حياته الأولى إلى تعاليم متضاربة متناقضة تفرض عليه السير في اتجاهين معاكسين في آنٍ واحد، يقع هذا الإنســان تحت ضغط هائل يحطم جهازه العقلي ويعرضه لاضطرابات فكرية
Thoughts Disorder
تنعكس سلباً على سلوكه وحياته.
يطلق العالم المختص في علم السلوك البشري
Bateson
على تلك النظرية
Double Bind Hypothesis
ويؤكّد في أبحاثه على أن الإنسان الذي يعيش تلك الحالة أكثر عرضة من غيره للإصابة بمرض “الفصام الشخصي”
Schizophrenia
الذي يفصل المريض عن واقعه ويلقي به في عالمٍ وهمي لا يمتّ بصلة لذلك الواقع.
لا أستطيع أن أفسّر سلوك الإنسان في بلادنا إلا على ضوء فهمه وتفسيره وطريقة ممارسته لدينه، فالدين في تلك البلاد المصدر الوحيد للتربية. لم يبقَ جاهلٌ على مدى خمسة عشر قرناً إلا وأدلى بدلوه في مستنقع ذلك المصدر، يلقي به ما هبّ ودبّ من أساطير وتعاليم متضاربة متناقضة مبهمة لا أساس لها من الصحة والواقع.
وقع الإنسان ضحية تلك الفوضى الفكرية ليخرج منها مخلوقاً مبهماً عاجزاً في كثير من الأحيان عن التمييز بين الضدّ وضدّه، بين الخطأ والصواب، بين الحق والباطل، بين الأسود والأبيض. يصفّق لسيادة الوزيرة بنفس الكف التي صفق بها لنزار قباني دون خجل أو وجل، يتخذ الموقف ونقيضه لأنه أُلزِمَ عقائدياً خلال سنوات عمره الأولى على أن يخلط بينهما.
هو ضائع وسط تعاليم تَفرضُ عليه ـ على سبيل المثال لا الحصر وقس على ذلك ـ أن يقاتل المشركين حيث يجدهم، وتفرض عليه في الوقت نفسه أن لا يأبه لكفرهم إذ أنّهم “إلى ربّهم مرجعهم فيُنبّئهم بما كانوا يعملون”!!
هو ملزم عقائدياً أن يرى تعاليمه تتعاضد ولا تتناقض،
تتوافق ولا تتنافر. تحت ضغط هذا الإلزام فقد الإنسان صوابه وانسلخ عن واقعه.
يأتي الوزير في بلادنا إلى السلطة حاملاً معه حقيبة شخصيّة لا ليحمل حقيبته الوزاريّة. على قمة جدول أعماله أن “لا يخرج من المولد بلا حمّص”! على الأقل، قصر وسيارة وحشم وخدم وحساب في أحد بنوك أوروبا يكبر ويتضخّم كلما أمدّ الله بعمره الوزاري! والناس مقهورون مظلومون مذبوحون من الوريد إلى الوريد، لهم أفواه تلهث وراء الرغيف ولا تمتلك وقتاً كي تحتج على سارقي الرغيف!
تلك حقيقة يدركها هؤلاء المصفقون لسيادتها كما تدركها وفاء سلطان، لكنهم طمروا رؤوسهم في الرمال مطمئنين لا أحد فيهم يستطيع أن يرى مؤخرة الآخر عارية ومكشوفة في الهواء!
***
على أعلى قمة في سلسلة الجبال المحيطة بمنطقة مصياف التابعة لمحافظة حماة السورية وقفتُ أراقب القصور المتناثرة على التلال والتي لم أرَ مثيلاً لها في بفرلي هيلز حيث يعيش أغنى أغنياء العالم، ودليلي شاب في الأربعين من عمره، ولكنّ عينيه الغائرتين وعظام وجهه البارزة تُظهره أعمر بكثير، يشير بيده ويقول بانكسار فظيع: هذا القصر للوزير فلان الفلاني، وهذا للضابط الفلاني، وما تبقى مقبرة القرية!..
كيف يستطيع إنسان أن يشيّد قصره فوق عظام الآخرين؟.. إنها عملية حيوانية وحشية للغاية!
هذا الغنى الفاحش واللامشروع في بلادكم، يا سيدتي الوزيرة، رذيلة وجريمة! ومن يصفّق لتلك الرذيلة والجريمة ويطمر رأسه في الرمل هو أشدّ منكم إجراماً وأكثر رذيلة!
هؤلاء الناس المقبورون أحياء ـ ولسنا نحن ـ المغتربون الحقيقيون! هؤلاء المقبورون أحياء ـ ولسنا نحن.. لسنا نحن.. لسنا نحن ـ الذين يحتاجون إلى تمثيل وزاري!!
المغترب من يعيش مهاجرا في وطنه وليس من هاجر إلى وطنه. الفقر في الوطن أبشع أنواع الغربة، وكرامتنا المصانة في المهجر أقدس وطن!
الوطن رغيف خبز نظيف جداً وسقف آمنٌ جداً وكرامة مصانة جداً جداً، وليس ماخوراً تٌمارس فيه كلّ أشكال الدعارة بلا حسيب أو رقيب!!.. لا بعث لهؤلاء المقبورين أحياء إلا بهذا الثالوث المقدس!!
أصدر سماحة مفتي الأزهر الشيخ الطنطاوي فتوى يسمح بموجبها للمرأة المسلمة أن تخلع حجابها عندما تضطر للعيش في بلاد غير مسلمة معتمداً في فتواه على الآية “ومن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه..”
أريد أن اطرح سؤالاً على سيادة الوزيرة وليس على سماحة الشيخ، لا لأنه دون مستوى الجواب فحسب، بل لأنه دون مستوى الإصغاء إلى السؤال، وسؤالي: ما هي الأسباب التي تجبر امرأة مسلمة على العيش في بلاد غير مسلمة؟!! ولكي أسهّل عليها المهمة، أصيغ السؤال بشكل آخر: إذا كان الفقر والقهر يجبرانها، ما الذي يجبر رئيس أركان الجيش السوري السيّد حكمت الشهابي مدججا بملايينه أن يدوس على شرفه العسكري وشرف بلاده ويفرّ إلى النعيم الأمريكي ـ عدوكم اللدود ـ لينعم فيه بقيّة عمره؟!! ما هي الإجراءات التي تتخذها سيادتكم للتخفيف من حدة هذا النزيف البشري والمالي، وإعادة حقن هؤلاء المغتربين في شرايين وطنهم من جديد؟!..
………………..
في زيارتي الأخيرة للوطن الأم، لفتت نظري ظاهرة اجتماعية غريبة عجيبة، لم أستطع في البداية أن أجد لها تفسيراً في مجتمع يتضوّر جوعاً. أعلى راتب شريف فيه لا يتجاوز المائة وخمسين دولاراً ولا يكفي لشراء طعام لعائلة مكونة من أربعة أشخاص في سوق يتعامل بالدولار!.. ورغم هذا الوضع المأساوي، على الأقل شخصٌ واحدٌ في كل عائلة يملك هاتفاً نقالاً أو ما يطلقون عليه (الموبايل) يكلّف اقتناءه ثلث الراتب الشريف!.. رأيت بأم عينيّ نساء يثرثرن به وهن في قاعة احتفال واحدة من طاولة إلى طاولة، وقيل لي أن سيدات المجتمع المخملي في دمشق يتحدثن إلى خادماتهن السيريلنكيات بالهاتف النقال من غرفة إلى غرفة!
كنت أناقش تلك الظاهرة مع طبيب زميلٍ لي، فأجابني على تساؤلاتي من حيث لا يدري بقوله: لي قريب وهو موظف بسيط جداً يعيل عائلته ووالديه ويدفع ثلث راتبه الهزيل على هاتفه النقال، سألته (يقول الزميل الطبيب): لماذا تقتني هذا الهاتف وتشكو في الوقت نفسه من ضيق ذات اليد؟ فأجابني بصدق وحرارة: يا دكتور.. أنت طبيب كل الناس تقيم لك اعتباراً أما أنا فإنسان فقير، أحتاج إلى وسيلة أردّ بها بعض اعتباري والهاتف النقال بالنسبة لي تلك الوسيلة!
آه يا سيدتي الوزيرة! لو تدركين أنت وَمَن يصفّق لك عمقَ القهر الإجتماعي والإحباط النفسي الذي وصل إليه ذلك الشخص كي يضحّي بلقمة عائلته اعتقاداً منه أنه يسترد بثمنها اعتباره الإنساني!! إنها وسيلة وهميّة تعكس جهل المواطن وإحباطه وتساهم عكسياً في عملية استرجاعه لكيانه المغتصب!
سيزداد اللص الكبير رامي مخلوف الذي يملك بمفرده شركات الهاتف النقال في سوريا تخمةً، ـ لا اشك لحظة واحدة في أنك تعرفينه وتصفقين له أيضاً بدورك ـ وسيزداد هذا المقبور حياً ضعفاً وهزالاً!
***
بدت ابنتي في زيارتها الأولى للوطن الأم مضطربة إلى حد الإحباط. ازداد إحباطها يوماً بعد يوم وهي تتجول في الأسواق والشوارع العامة تراقب حركات الناس وسلوكهم ولغتهم. سألتني في محاولة لدرء إحباطها: ماما، إذا أردنا أن نغيّر هذا البلد من أين سنبدأ؟! وبقيتُ عاجزةً عن الجواب حتى اللحظة التي رأيت بها صدام حسين يحبو خارج وكره بعد أن انهارت كل قصوره الوهمية التي شيّدها من رمال الصحراء فوق قبور الأحياء.
ـ انظري يا فرح! من هذا الوكر يجب أن نبدأ!
لقد باغتتنا الحضارة وكنّا في منأى عنها، هبطت بصورة مفاجئة وسريعة فوق مضاربنا فركضنا إليها قبل أن نتعلم كيف نمشي، وحاولنا أن نتسلّق سلمها قبل أن نصل إليه. صار الهاتف النقال وسيلتنا لرد الاعتبار!
***
جاء في خطاب السيدة الوزيرة: “سألني أحدهم هل يمكن للديموقراطية أن تعيش في بلادكم؟! بيني وبينكم أنا اليوم اكره كلمة الديموقراطية لأنها أصبحت غطاء لكل ما يريدون أن يبيعونا إياه من أوهام!..”
الديموقراطية يا سيدتي ليست وهماً! الديموقراطية فكر وأخلاق وقاعدة جماهيرية مثقفة واعية تعرف كيف تختار وزيرها وممثلها!
الديموقراطية لا تقود الناس كالأغنام إلى حلبة التصفيق. الديموقراطية لا تسمح للذكر أن يجمع في حظيرته ما ملكت يمينه من النساء. المرأة في المجتمع الديموقراطي عقل وكيان!
الديموقراطية يا سيدتي لا تقهر المواطن إلى الحد الذي يجبره أن يبع سرواله كي يقتني هاتفاً نقالاً، لا لغاية إلا كي يسترد بعض اعتباره!
لو عشتِ يوماً في مجتمع ديموقراطي لما كرهتِ الديموقراطية، ولو أحببتِها لكان من المستحيل أن تفوزي في بلادنا بلقب الوزير!
في تلك البلاد، الدكتاتورية مطلب إلهي وقناعة بشرية، ولكي نغيّر تلك القناعة يجب أن نغيّر ذاك الإله!! نحتاج إلى إله قبل أن يأمرنا بطاعتكم عليه أن يأمرنا بسحقكم عندما تشذّون وتظلمون!!!
تتابع السيدة الوزيرة: “أنا لم أقل لصاحب السؤال أنّ رأس يوحنا المعمدان مدفون في الجامع الأموي وأن جرافة لم تدخل إلى ذلك الجامع لتجرف رمزاً مسيحياً نبجلّه ونحترمه نحن المسلمون”!
مهلاً يا سيدتي الوزيرة! يبدو أنّ ذاكرتك التاريخية كالقربة المثقوبة لا تحمل ماء!! هل دُفن الرجل في كنيسته أم في جامعكِ؟!!
لم يكن يوحنا المعمدان القديس الوحيد المدفون في ذلك المكان، بل كان إلى جانبه عشرات القديسين الذين نُبشوا في العصر الأموي وألقيت رفاتهم خارج المكان في غياهب ذلك الزمان! أبقوا على رفات يوحنا المعمدان لقناعتهم المطلقة أنها تعود إلى نبي اسمه يحيى لا علاقة للمسيحيين به من قريب أو بعيد.
لماذا لا تسألين مسيحيّاً ممن يصفقون لك أن يتحدث لنا “كشاهد من أهله” عن ديموقراطيتكم المزعومة هذه؟! أو لماذا لا تتحدثين أنت “وكشاهد من أهله” عن الديموقراطية التي عومل بها أجدادك كأقلية من أقليات سوريا؟! ألم تكن مؤخراتهم العقار المنشّط الوحيد الذي أثار عبقرية السلطان سليم فابتدع الخازوق وخوزقهم كي يكون الدين عندها لله وينتهي الكافرون؟!
لكي نصحح أخطاء التاريخ علينا الاعتراف بحقائقه! نكران تلك الحقائق لا يلغي وجودها!!
تصرّ سيادة الوزيرة في خطابها على أن الغرب يستهدف هويتنا العربية!
هذه الألفاظ المبتذلة المستهلكة والتي ما برح بعثكم يكررها على مسامعنا كالأسطوانة المكسورة غسلت دماغ البشر وجحّشت عقولهم!
أية هوية تلك التي تتحدثين عنها؟! هل تحاولين إقناعنا بأنّ لهذا المواطن المسلوب اعتباره هوية يعتز بها ويفخر؟! الإعتبار يا سيدتي هو الهوية، وفاقد الشيء لا يستطيع أن يخسره!
العالم المتمدّن لا يطارد هدفاً وهمياً لا وجود له! وإذا كان قصدك أنهم يستهدفون ذلك الإنسان المسلوب اعتباره وهويته، قد يكون في ذلك القصد بعض الصحة! فالإنسان المسلوب الإعتبار يشكل خطراً على اعتبار الآخرين، والذي لا يمارس حقوقه ولا يحس بكيانه لا يؤمن بحقوق الآخرين ويرفض إحساسهم بكيانهم وهويتهم! هم يستهدفون ذلك الإنسان لا لكي يسلبوه هويته بل ليعيدوا له تلك الهوية!
دخلت أمريكا اليابان بعد أن أصمتت دكتاتوريتهم بقنبلتين ذريتين وبقيت هناك ما يقارب السبعة أعوام. خرجت بعد أن أعادت للإنسان الياباني حريته ورغيفه وكيانه. ليتكم ، يا سيدتي، تعرفون موقف اليابانيين اليوم من الأمريكان وموقفهم من الإسلام والمسلمين! عندما دخلت أمريكا العراق في آذار الماضي غادرت اليابان، ولأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية، بارجتان حربيتان لتتجولا في منطقة الخليج العربي، ليس استعراضاً لعضلات اليابان وإنما كعمل رمزي يدل على تأييدها للمواقف الأمريكية.
منذ عدة شهور، شمّر السفير الياباني في دمشق عن ساعديه بعد أن انضم إليه دبلوماسيون أجانب ونزل إلى نهر بردى الجاف لتنظيفه وجمع الأوساخ المتراكمة منه بعد أن كادت تقتلهم رائحته. كان الدمشقيون يمرون بجانب النهر ويتفرجون مندهشين من ذلك الرجل الواثق من نفسه المؤمن بهويته إلى الحد الذي يؤكّد له أنّ القيام بعمل كهذا لن يسلبه هويته ولن ينتقص من اعتباره الوطني والدبلوماسي.
لو كنتِ، يا سيدتي، تمتلكين هوية واضحة المعالم وتمارسين اعتبارك الإنساني بحرية واحترام، لارتفعت ثقتك بنفسك إلى الحد الذي يدفعك كي تقودي حملة التنظيف بنفسك قبل أن يتصدّق بها عليكم دبلوماسي أجنبي يعيش ضيفاً في بلادكم!
***
تزعم أسطورة الملك العريان
The Naked King
أنّ ملكاً مغروراً استبد بشعبه ووصلت به نرجسيته إلى حدّ الجنون، فطالب حاشيته أن تخيط له أجمل حلّة في الوجود. خاف المعنيون بالأمر من أن تفشل مهمتهم، فلجأوا إلى ذلك الملك وخلعوا عنه جميع ملابسه ثم أقنعوه أنه يبدو الآن بأجمل حلّة!
خرج الملك إلى الشعب عارياً كما ولدته أمه فصاح الشعب: عاش الملك.. عاش الملك، ما أجمله في حلّته!!
تقول الروايات ـ لست متأكدة من صحتها ولكنني أثق بحكمتها ـ عندما ألقت القوات الفرنسية إبّان الاستعمار الفرنسي لسورية قبضتها على سليمان المرشد الذي ابتدع يومها ديناً جديداً وأقنع أتباعه بأنه ربّهم، أحالته إلى المحكمة فسأله القاضي: كيف أقنعتهم بأنك ربّهم، وردّ بثقة: هم الذين أقنعوني بأني ربّهم!!
***
نشرت جريدة لوس أنجلوس تايمز مؤخراً رسماً كاريكاتورياً يُظهر ملكاً يطير مع شلّة من حاشيته في منطاد في رحلة إلى الفضاء. انحنى الملك من منطاده كي يلوح لشعبه مودعاً فوقع تاجه وسقط على رأس أحد الرجال، التفت الناس إلى الرجل وصاحوا: يحيا ملكنا الجديد.. يحيا الملك الجديد!
يا سيدتي الوزيرة: لا تغرّك حلّتك الجديدة، فهي ليست إلا خيوطاً من الأوهام! يستطيع كلّ عاقل مخلص أمين محبّ لوطنه وإنسان ذلك الوطن أن يرى من خلالها الحقيقة العارية! هؤلاء المهلّلون في جاليتنا العربية يصفّقون للتاج غير عابئين بالرأس ولو كان برميلاً من القشّ.
غداً سيسقط التاج على رأس آخر، ليبدأوا بالتصفيق من جديد، وإنّ غداً لناظره قريب!!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.